جواهر الكلام - ج ١٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

ألزم نفسه بالمتابعة الظاهرة الموهمة للائتمام تحصيلا لبعض الأغراض أو دفعا لبعض الضرر أعاذنا الله من شر ذلك ، والله أعلم.

ومما يعتبر في الجماعة أيضا أنها تجب المتابعة فيها على المأموم للإمام في الأفعال بلا خلاف أجده فيه على الظاهر كما اعترف به في الروض والذخيرة والحدائق بل في المعتبر والمنتهى والذكرى والمدارك والمفاتيح وعن النجيبية والقطيفية وغيرهما الإجماع أو الاتفاق عليه ، بل ظاهر الأول أنه كذلك بين المسلمين ، بل هو صريح الثاني أو كصريحه ، لظاهر الآية (١) والنبوي (٢) « إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به ، فإذا ركع فاركعوا ، وإذا سجد فاسجدوا » وإن كان هو عاميا على الظاهر إلا أنه رواه الأصحاب في كتبهم ، بل وعملوا به ، ولإشعار محافظة سائر المسلمين عليه في سائر الأعصار والأمصار بوجوبه ولزومه أيضا ، بل وإشعار سياق كثير من الأخبار المشتملة على لفظ الاقتداء ونحوه به ، بل كاد يكون ظاهر فحوى ما تسمعه من المعتبرة (٣) الآمرة بالرجوع لمن رفع رأسه من السجود أو الركوع قبل الامام لتحصيل الرفع معه وإن حصل مع ذلك زيادة ركن ، بل وظاهر الأخبار (٤) الآمرة باشتغال المأموم بتسبيح ونحوه عند الفراغ من القراءة قبل الامام انتظارا لركوع الامام كي يركع معه ، إلى غير ذلك مما يمكن تصيده من الأدلة حتى ما تسمعه من موثق ابن فضال (٥) سؤالا وجوابا ، فمن العجيب ما يظهر من بعض متأخري المتأخرين من انحصار دليل الأصحاب بعد دعوى الإجماع في النبوي العامي حتى أن بعض مشايخنا قال : إنه الأصل في هذا الباب.

__________________

(١) سورة البقرة ـ الآية ٤٠.

(٢) كنز العمال ج ٤ ص ٢٥٠ ـ الرقم ٥٢٢٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٤.

٢٠١

وكيف كان فالمراد منها في المشهور كما في الرياض أن لا يتقدم المأموم الإمام ، بل هو معقد إجماع الذكرى السابق ، كما أنه ظاهر غيرها أيضا ، وقضيته جواز المقارنة كما نص عليه الفاضل والشهيدان على ما حكي عن أولهما وغيرهم ، بل في ظاهر المفاتيح الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد صدق اسم الجماعة والركوع مع الراكعين ، بل والمتابعة أيضا ، ضرورة الاكتفاء في تحققها بقصد المأموم ربط فعله بفعل الامام ، وبعد نص الصدوق عليه في المحكي من عبارته التي هي في الغالب متون أخبار ، وبعد إشعار ما ورد (١) في المصليين اللذين قال كل منهما كنت إماما ، وإن كان لا يخلو من تأمل يعرف فيما يأتي في مسألة التقدم إن شاء الله ، مضافا إلى‌ المروي (٢) عن قرب الاسناد صحيحا عن موسى بن جعفر عليهما‌السلام « في الرجل يصلي إله أن يكبر قبل الامام؟ قال : لا يكبر إلا مع الإمام ، فإن كبر قبله أعاد » بناء على إرادة تكبيرة الإحرام منه التي يجب المتابعة فيها كالأفعال ، بل لا قائل بجواز المقارنة فيها دون الأفعال ، مع احتمال إرادة غير تكبيرة الإحرام منه من تكبير الركوع والسجود على أن يكون حينئذ كناية عن الفعل قبل الامام ، إما لغلبة حصول الركوع مثلا بالتكبير ، فمع فرض سبقه يحصل السبق بالركوع ، وإما للتعبير به عنه كما وقع في غيره (٣) من الأخبار السابقة في مسألة إدراك الامام وهو راكع ، فيكون حينئذ عين ما نحن فيه.

والمناقشة بمتروكية ظاهره من وجوب المقارنة يدفعها أولا منع اقتضاء المعية ذلك ، بل هي تصدق على المقارن وعلى المتأخر المتصل بالمتقدم ، وثانيا الخروج عن ذلك بعد التسليم بمعلومية جواز التأخر المتصل نصا وفتوى ، فيصرف الوجوب المزبور حينئذ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١ من كتاب الطهارة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٣.

٢٠٢

إلى إرادة الوجوب التخييري ، كما أنه يصرف بعض ما دل على وجوب التأخر من النبوي (١) المشتمل على فاء التعقيب ، على أنه قد يناقش بعدم اقتضاء فاء الجزاء ، بل قد يدعى ظهور الشرطية خصوصا إذا كانت الأداة نحو « إذا » الظرفية في المقارنة ، إذ المراد اركعوا وقت ركوعه ، نحو قوله : « ( وَإِذا قُرِئَ ). ( وَأَنْصِتُوا ) » (٢) ، نعم قد يناقش في الخبر المزبور بظهور إرادة نفي القبلية من المعية فيه ، كما يومي اليه‌ قوله عليه‌السلام : « فان كبر قبله أعاد » ويدفع بمنع إرادة خصوص ذلك منه ، بل الظاهر إرادة الأعم ، ولذا نص فيه على خصوص ذلك ، وإن كان قد يحتمل أنه لندرة المقارنة خصوصا في مثل المأموم الذي يريد ربط فعله بفعل إمامه لا أنه يفعل مستقلا عنه ، فيقارن فعل إمامه اتفاقا ، لإمكان دعوى عدم جواز ذلك ، لعدم تحقق التبعية فيه ، بل أقصاه بناء على الجواز أن له الفعل الذي يعلم مقارنته لفعل إمامه ، فيفعل بقصد التبعية لذلك ، فتأمل جيدا.

وعلى كل حال فما يظهر من المحكي عن إرشاد الجعفرية من تفسير المتابعة بالتأخر خاصة بل كأنه مال إليه في الحدائق ضعيف وإن كان هو الأحوط ، بل في الروض والذخيرة وعن غيرهما أنه الأفضل ، بل عن الصدوق والشهيد الثاني في روضته انتفاء الفضيلة مع المقارنة رأسا إلا أنا لم نعرف لهم دليلا على ذلك ، ولذا كان ظاهر المفاتيح تمامية الجماعة به لحصول السبب الذي يترتب عليه مع ذلك أحكام الجماعة من سقوط القراءة ونحوه ، ودعوى اشتراط الفضيلة بأمر زائد على سببية تلك الأحكام لا نعرف لها شاهدا.

ثم لا يخفى أن المتابعة كما يقدح في تحققها عرفا السبق كذلك التأخر الطويل عن‌

__________________

(١) كنز العمال ج ٤ ص ٢٥٠ ـ الرقم ٥٢٢٤.

(٢) سورة الأعراف ـ الآية ٢٠٣.

٢٠٣

وقوع الفعل بعد فعل الامام ركنا وغيره ، خصوصا إذا أدى ذلك إلى فراغ الامام من فعله قبل فعل المأموم ، ضرورة عدم صدق المتابعة حينئذ عرفا كما اعترف به المولى الأكبر في مطاوي كلماته على الظاهر بل يؤيده أيضا إرادة نحو ذلك منها في باب الوضوء وإن لم نقل بوجوبه ، ولعل المتابعة غير التبعية عرفا ، أو هما بمعنى ويقدح التأخر في صدقهما ، أو أن المنساق من إطلاقهما ما لا يشمل التأخر المعتد به ، فكان من اللازم حينئذ إضافة ولا يتأخر تأخرا فاحشا إلى التفسير السابق لها ، بل في المنتهى « أن الأقرب وجوب المتابعة في ترك الفعل المندوب أيضا ، فلو نهض الامام من السجدة الثانية قبل أن يجلس نهض المأموم أيضا من غير جلوس ، لأن المتابعة واجبة فلا يشتغل عنها بسنة » إلى آخره وإن كان هو لا يخلو من نظر.

ودعوى أن المتابعة لا يقدح فيها إلا السبق يدفعها ـ مضافا إلى العرف والآية (١) وظاهر لفظ الاقتداء والائتمام ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) : « فإذا ركع فاركعوا » وإلى ما يفهم من المدارك والذخيرة والحدائق عند البحث في جواز مفارقة المأموم الإمام لعذر وعدمه من الإجماع على ذلك ، بل هو صريح الرياض هناك ، ضرورة صدق المفارقة في الفرض ـ ما يشعر به المعتبرة المستفيضة الدالة على ترك المأموم القراءة عند ركوع الامام ، منها ما مر (٣) في المبحث السابق ، إذ هي وإن كانت واردة في الائتمام بمن لا يقتدى به إلا أنه من المعلوم إرادة إظهار مراعاة أحكام الجماعة حقيقة كما هو واضح ، ومنها‌ صحيح معاوية (٤) عن الصادق عليه‌السلام « في الرجل يدرك‌

__________________

(١) سورة البقرة ـ الآية ٤٠.

(٢) كنز العمال ج ٤ ص ٢٥٠ ـ الرقم ٥٢٢٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٥.

٢٠٤

آخر صلاة الامام وهو أول صلاة الرجل فلا يمهله حتى يقرأ فيقضي القراءة في آخر صلاته ، قال : نعم » لكن قد يناقش بأنه ظاهر في الركوع الأول المتوقف انعقاد الجماعة عليه ، وهو خارج عن محل البحث ، ويمكن دفعها بالتأمل ، ومنها‌ صحيح زرارة (١) عن الباقر عليه‌السلام في المسبوق أيضا ، قال فيه : « إن أدرك من الظهر أو العصر أو العشاء ركعتين وفاتته ركعتان قرأ في كل ركعة مما أدرك خلف الإمام في نفسه بأم الكتاب وسورة ، فان لم يدرك السورة تامة أجزأته أم الكتاب » ، وعن‌ الفقه الرضوي (٢) « فإن سبقك الإمام بركعة أو ركعتين فاقرأ في الركعتين الأولتين من صلاتك الحمد وسورة ، فان لم تلحق السورة أجزأك الحمد » وعن‌ دعائم الإسلام (٣) عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما‌السلام « إذا أدركت الامام وقد صلى ركعتين فاجعل ما أدركت معه أول صلاتك ، فاقرأ لنفسك بفاتحة الكتاب وسورة أن أمهلك الإمام أو ما أدركت أن تقرأ ».

إذ من الواضح أن ذلك كله في جميعها محافظة على إدراك ركوع الامام ، واحتمال إرادة الرخصة منها لا العزيمة بعيد ، كيف وهي ظاهرة في أن قراءة السورة ليست من الأعذار المسوغة تفويت المتابعة ، بل قد يظهر من الأخير أن إتمام الفاتحة كذلك أيضا فلا يندرج حينئذ في المحكي عن إرشاد الجعفرية من أنه لا خلاف في الصحة إذا تخلف عن الامام بركن أو ركنين لعذر ، والظاهر إرادته عدم الإثم في التأخير أيضا ، وإلا فنفس صحة الصلاة والاقتداء وإن أثم تحصل بالتأخير العمدي من غير عذر أيضا ، ضرورة كونه من المتابعة التي ستعرف تعبدية وجوبها لا شرطيته لا في الصلاة ولا في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٤.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام ص ١٤.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٤.

٢٠٥

الائتمام ، ولذا أطلق في المنتهى والموجز على ما حكي عنهما أنه إن تخلف بركن كامل لم تبطل ، بل في الثاني منهما التصريح بالجواز وإن كانت المتابعة أفضل ، بل قال في الذكرى ما نصه : « ولو سبق الإمام المأموم بعد انعقاد صلاته أتى بما وجب عليه والتحقق بالإمام سواء فعل ذلك عمدا أو سهوا أو لعذر ، وقد مر مثله في الجمعة ، ولا يتحقق فوات القدوة بفوات ركن ولا أكثر عندنا » وفي التذكرة توقف في بطلان القدوة بالتأخير بركن ، والمروي بقاء القدوة رواه عبد الرحمن (١) عن أبي الحسن عليه‌السلام فيمن لم يركع ساهيا حتى انحط الامام للسجود يركع ويلحق به ، وهو جيد إلا أنه أنكر في الحدائق بعد أن حكى عن الشهيد ما سمعت عليه ذلك ، وكأنه فهم منه جواز ذلك للمأموم بمعنى عدم الإثم عليه ، فأخذ يستنهض الأخبار السابقة على خلافه ، وفيه أنه لا دلالة في كلامه على ما فهم منه من الجواز المزبور الذي هو صريح الموجز أو كصريحه بل أقصاه بقاء القدوة ، فيكون كفوات المتابعة بالسبق.

ودعوى ظهور الأخبار المزبورة في فوات القدوة ممنوعة على مدعيها كما لا يخفى على من لاحظها مع التأمل ، فما في الحدائق من بطلان الاقتداء بفوات الركن ضعيف جدا ، خصوصا إن أراد ما يشمل العذر من السهو ، وعدم التمكن من الركوع والسجود لشدة الازدحام ، ضرورة مخالفة الأول لخبر عبد الرحمن المزبور ، والثاني لما ورد (٢) في الجمعة فيمن زوحم عن الركوع والسجود ، اللهم إلا أن يفرق بين الجمعة باعتبار وجوب الجماعة فيها وبين غيرها مما لا يجب فيه ذلك ، بل المتجه فيه حينئذ إما نية الانفراد بناء على اعتبارها ، أو القول بصيرورته منفردا قهرا ، أو يحكم عليه باستئناف الصلاة ، لكنه كما ترى ضعيف ، والأقوى مساواة حكم المتابعة بالتأخر لحكمها بالتقدم ، ضرورة كونهما من واد واحد.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب صلاة الجمعة.

٢٠٦

نعم قد يتوقف في بقاء القدوة بالسبق أو التأخر إذا تفاحش بحيث سلب معهما صورة الجماعة والاقتداء ، كما لو تأخر عنه في أفعال كثيرة أو سبقه كذلك ، وإن أطلق في الذكرى عدم فوات الاقتداء بفوات الأكثر ، بل قد تشعر عبارته بدعوى الإجماع عليه ، إلا أن الأولى ما سمعت ، ولعله يرجع اليه ما في كشف الالتباس من الحكم ببطلان الاقتداء مع التأخر بركنين لغير عذر بناء منه على فوات الصورة بذلك.

هذا كله في الأفعال أما الأقوال فلا ريب بل ولا خلاف على الظاهر في وجوبها في تكبيرة الإحرام كما اعترف به في الذخيرة والكفاية ، بل في الروض والحدائق والرياض الإجماع عليه ، ضرورة عدم صدق الاقتداء بمصل مع فرض سبق المأموم بها ، بل وعدم تحقق الجماعة المحفوظة عند المسلمين خلفا عن سلف ويدا عن يد ، لا أقل من الشك في تناول الإطلاقات لمثل ذلك ، بل لا يبعد إلحاق المقارنة بالسبق في الفساد هنا وإن لم نقل به في الأفعال وفاقا للمدارك والذخيرة وغيرهما ، بل ظاهر الرياض نسبته إلى فتوى أصحابنا ، اقتصارا في العبادة التوقيفية على المعهود المتيقن في البراءة ، خصوصا بعد ملاحظة النبوي (١) المتقدم سابقا بناء على ظهوره في التأخر ، كخبر أبي سعيد الخدري (٢) عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المروي عن المجالس مسندا إليه « إذا قمتم إلى الصلاة فاعدلوا صفوفكم وأقيموها وسووا الفرج ، وإذا قال إمامكم : الله أكبر فقولوا : الله أكبر ، وإذا قال : سمع الله لمن حمده فقولوا : اللهم ربنا ولك الحمد » وحملا للمعية في صحيح قرب الاسناد السابق على نفي التقدم (٣) خاصة ، أو على غيره مما تقدم‌

__________________

(١) كنز العمال ج ٤ ص ٢٥٠ ـ الرقم ٥٢٢٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧٠ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٦.

(٣) وفي النسخة الأصلية « في صحيح الدعائم السابق على التقدم » والصحيح ما أثبتناه لعدم التعبير عن الدعائم بالصحيح مضافا إلى عدم روايته عن موسى بن جعفر (ع) وأما إضافة لفظة « نفى » فوجهه واضح.

٢٠٧

أو على التقية ، لأنه المحكي عن أبي حنيفة ، خصوصا والمروي عنه فيه موسى بن جعفر عليهما‌السلام المعروف حاله في زمانه ، واستظهارا من الأدلة انحصار الاقتداء بالمصلي الذي يمكن منع تحققه إلا بعد انتهاء التكبير الذي جعله الشارع افتتاح الصلاة مقابل اختتامها بالتسليم ، واحتمال حصول الصدق بمجرد الشروع فيه لأنه جزء من الصلاة قطعا فجزؤه جزء منها وإن كان تحريم القطع ونحوه مراعى بالإتمام يدفعه إمكان منع صدق الاقتداء بالمصلي عرفا قبل الإتمام ، وإن صدق عليه أنه شرع في الصلاة بمجرد الشروع فيه ، على أنه لا أقل من عدم انصراف الإطلاق اليه ، على أنه يقتضي عدم صحة المقارنة بأول حرف منه أيضا ، ضرورة ظهور السبق في تحقق وصف الصلاة بالمقتدى به لا المقارنة بل قد يدعى أيضا عدم جواز سبقه بإتمام التكبير وإن تأخر عنه في الابتداء ، لصدق السبق بها حينئذ عليه الذي قد عرفت انعقاد الإجماع على عدم الصحة معه.

فلا ريب أن الأحوط بل الأقوى وجوب المتابعة فيها بمعنى عدم شروع المأموم فيها إلا بعد فراغ الامام منها ، خلافا لما تشعر به بعض العبارات من جواز المقارنة فيها بل حكاه في الذكرى قولا ، بل في مفتاح الكرامة نقله عن الشيخ في أوائل كتاب الصلاة من المبسوط ، بل في التذكرة وعن نهاية الأحكام الإشكال فيه مشعرا بالتردد فيه.

وأما غيرها من الأقوال فيقوى في النظر عدم وجوب المتابعة فيها ، فله السبق حينئذ فضلا عن المقارنة وفاقا لصريح بعضهم ، وظاهر آخرين ، بل في المفاتيح والرياض نسبته إلى الأكثر ، بل في الحدائق الظاهر أنه المشهور ، ولعلهم أخذوه من اقتصارهم على ذكر المتابعة في غير الأقوال ، وإلا فعن الفاضل الشيخ إبراهيم البحراني في إيضاح النافع أني لم أقف فيه على نص ولا فتوى من القدماء ، بل يمكن إرادة ما يعم الأقوال من الأفعال المذكور فيها المتابعة في كلام الأصحاب ، قلت : بل قد يدعى أنه ظاهر‌

٢٠٨

الكتاب والنافع والقواعد والتحرير والموجز حيث أطلق فيها المتابعة من غير ذكر الأقوال والأفعال ، كما عن اللمعة والنفلية والهلالية والغرية وغيرها ، بل هو معقد إجماع أهل العلم في المنتهى وإن كان تفريع المصنف وغيره السبق في الركوع والسجود عليها قد يومي إلى إرادة الأفعال منها ، بل صرح في الدروس والبيان وكشف الالتباس بوجوبها فيها أيضا كما عن الجعفرية وإرشادها والميسية.

لكن ومع ذلك فالأقوى ما عرفت للأصل وإطلاقات الجماعة وما تسمعه من أخبار التسليم (١) والسيرة وفحوى عدم وجوب الاسماع على الامام والاستماع على على المأموم ، كفحوى عدم وجوب قراءته خصوص ما يفعله الإمام في الركعتين الأخيرتين وفي ذكر الركوع والسجود وغيرهما حتى القنوت ، إذ في الروض أن المتابعة كما تستحب أو تجب في الأقوال الواجبة فكذا في المستحبة ، وهو صريح في اندراجها في البحث ، والعسر والمشقة وتأديته إلى فوات الاقتداء في بعض الأحوال ، وما يشعر به ما ذكر في النص (٢) والفتوى من تسبيح المأموم أو إبقاء آية حتى يركع لو فرغ من القراءة قبل الامام ، وإمكان المناقشة ببعض ذلك بأن من قال بوجوب المتابعة فيها يقيده بالسماع مع أنه له أن يقول في صورة عدمه أيضا بوجوب ترك القول عليه إذا علم عدم قول الإمام أو بوجوب التأخير ما دام لم يظن قوله كما ترى تحكم من غير حاكم ، وإلزام بدون ملزم.

ومن الأقوال التسليم ، فيجري فيه البحث كما هو قضية عموم الأقوال في الفتاوى واحتمال اختصاصه بعدم جواز السبق فيه وإن قلنا بالجواز في غيره مراعاة لعدم خروج المأموم عن الصلاة قبل خروج الامام كما يومي اليه ما عن جماعة من تقييد جواز تسليمه بالعذر أو بقصد الانفراد يدفعه ـ مع ابتنائه على وجوب المتابعة في الأقوال كما في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

٢٠٩

الروض نسبته إلى أهل هذا القول ، أو احتمال أن ذلك ليس من حيث المتابعة المبحوث فيها ـ ظاهر‌ صحيح الحلبي (١) عن الصادق عليه‌السلام « في الرجل يكون خلف الامام فيطيل الامام التشهد ، فقال : يسلم من خلفه ويمضي لحاجته إن أحب » إذ لا ظهور فيه بحصول عذر يقضي بجواز ترك الواجب ، بل هو ظاهر في عدمه ، كما أنه لا ظهور فيه بوجوب قصد الانفراد قبل سبقه ، وصحيح أبي المعزى (٢) عنه عليه‌السلام أيضا المعمول به بين الأصحاب كما في الروض « في الرجل يصلي خلف إمام فسلم قبل الامام ، قال : ليس بذلك بأس » وصحيحه الآخر (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون خلف الامام فيسهو فيسلم قبل أن يسلم الامام ، قال : لا بأس » إذ لو أن المتابعة واجبة لوجب عليه تكرار السلام مع الإمام كالأفعال على ما ستعرف ، بل من هذه الأخبار يستفاد قوة القول بعدم وجوب المتابعة في باقي الأقوال زيادة على ما سمعت ، ضرورة مساواتها له أو أولويتها ، بل في الروض لا قائل بالفرق بينه وبينها.

وكيف كان فوجوب المتابعة فيها من حيث كونها متابعة تعبدي لا شرطي لا في الصلاة ولا في إبقاء أحكام الجماعة كما هو المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا ، بل عليه عامة المتأخرين كما اعترف به في الذكرى وعن إيضاح النافع والنجية ، بل في المدارك نسبته إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه كظاهر التذكرة وعن نهاية الأحكام ومجمع البرهان وإرشاد الجعفرية وغيرها ، ولعله كذلك ، لاتفاق ما وصل إلينا من فتاوى أساطين الأصحاب عليه من غير خلاف أجده فيه بينهم ، وإن حكاه بعضهم عن ظاهر قول الصدوق لا صلاة له ، وظاهر قوله في المبسوط : ومن فارق الامام لغير عذر بطلت صلاته.

لكن فيه أن الظاهر إرادة الأول فوات فضيلة الجماعة رأسا على ما سمعته سابقا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٥.

٢١٠

منه ومن الشهيد الثاني كما يومي اليه ما ذكره في المقارنة بعده بلا فاصل ، قال على ما حكي عنه إن من المأمومين من لا صلاة له ، وهو الذي يسبق الإمام في ركوعه وسجوده ورفعه ، ومنهم من له صلاة واحدة وهو المقارن له في ذلك ، ومنهم من له أربع وعشرون ركعة ، وهو الذي يتبع الإمام في كل شي‌ء ويركع بعده ويسجد بعده ويرفع منهما بعده ، فتأمل.

والثاني المفارقة الانفرادية لا ما نحن فيه ، وإلا فالمحكي عن نسختين صحيحتين منه أنه قال : « وينبغي أن لا يرفع رأسه من الركوع قبل الإمام ، فإن رفع ناسيا عاد اليه ليكون رفعه مع رفع الامام ، وكذلك القول في السجود ، وإن فعل ذلك متعمدا لم يجز له العود إليه أصلا ، بل يقف حتى يلحقه الامام » ونحوه في السرائر ، وهو صريح في موافقة الأصحاب ، فتأمل جماعة من متأخري المتأخرين حتى الفاضل في الرياض تبعا للمحكي عن جده في شرح المفاتيح في ذلك في الجملة في غير محله ، ضرورة أن العمدة في إثبات أصل وجوبها كما عرفت الإجماع ، وأقصى الثابت منه بقرينة اتفاقهم هنا التعبدي وإلا فلا نص فيها بالخصوص كي يظهر من إطلاق اعتبارها فيه الشرطية على نحو غيرها من الشرائط ، مضافا إلى فحوى المعتبرة (١) المستفيضة الآتية التي أمر فيها بالرجوع إلى الامام أو النهي عنه ، إذ لا يتصور إلا بعد إحراز بقاء الصحة مع المخالفة ، بل فهم الأصحاب خصوص العمد من موثق غياث بن إبراهيم كما ستعرف ، بل خبر ابن فضال صريح فيه ، بناء على عدم إرادة العلم من الظن فيه ، وعلى عدم الاكتفاء في امتثال خطاب المتابعة المتوقف على العلم بفعل الامام لا الظن ، فتأمل.

بل ينبغي القطع بذلك لو كان الترك لعذر كشدة تضايق الصف بحيث لا يتمكن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

٢١١

من الركوع والسجود معهم ونحوه بملاحظة أخبار الجمعة (١) بناء على عدم الفرق بين كيفية الجماعتين ، بل قد يستفاد منها زيادة على ما سمعت إلحاق الناسي ونحوه ، لأنه من الأعذار أيضا ، ودعوى أن التأمل في صورة العمد خاصة لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه ولاقتضاء النهي الفساد في العبادة اقتضاء عقليا لا يمكن معارضته بدليل يدفعها أن كونه وجها موقوف على شرطيته التي هي محل البحث ، وأن اقتضاء النهي الفساد عقلا فيما إذا تعلق بالعبادة نفسها أو جزئها مثلا لا في أمر خارجي عنها كمحل البحث ، إذ السبق أو التأخر أمران خارجان عن مسمى الركوع قطعا ، فلا قبح ولا منع في العقل لو صرح الشارع بوجوب مثلهما تعبدا لا مدخلية له في صحة الصلاة كما هو واضح ، بل اعترف به بعض الخصوم ، إلا أنه تأمل فيما يثبته من الأدلة ، وقد عرفتها وعرفت الفرق بين المتابعة وغيرها مما ذكروا اعتباره في الجماعة من التقدم في الموقف والعلو والحائل ونحوها ، وأن الفساد هناك نشأ من جهة أنه ظاهر الأدلة التي دلت على اعتبارها في الجماعة ، بل في بعضها أنه لا صلاة له بخلافها ، بل لعل الأمر فيها بالعكس كما لا يخفى.

وعلى كل حال فلو رفع المأموم رأسه عامدا استمر كما في المبسوط والسرائر والنافع والمنتهى والتحرير والذكرى ، وكذا الدروس والبيان وحاشية الإرشاد للمحقق الثاني ، بل عن سائر كتبه وكتب الشهيدين والنهاية وإيضاح النافع والميسية وغيرها ، بل هو المشهور نقلا وتحصيلا ، بل في الذكرى ما يقتضي نسبته إلى المتأخرين ، بل في المدارك أنه مذهب الأصحاب لا أعلم فيه خلافا ، كما أن في ظاهر التذكرة وعن نهاية الأحكام ما يشعر بنسبته إليهم أيضا ، ولعله كذلك ، إذ لا أجد فيه خلافا صريحا معتدا به سوى ما يحكى عن مقنعة المفيد « من صلى مع إمام يأتم به فرفع رأسه قبل الامام فليعد إلى الركوع حتى يرفع رأسه معه ، وكذلك إذا رفع رأسه من السجود‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب صلاة الجمعة.

٢١٢

ليكون ارتفاعه عنه مع الامام » مع أنه لا صراحة فيه ، لاحتمال إرادته السهو خاصة ، بل في مفتاح الكرامة ليس له فيما عندنا من نسخ المقنعة عين ولا أثر ، ولعلهم توهموا ذلك مما أصله في التهذيب ، فظنوا أن ذلك كلام المفيد ، وليس كذلك قطعا ، وإنما هو من كلام الشيخ ، وما دروا أن الشيخ أولا قصد شرح المقنعة ثم رأى أنه أهمل فيها كثيرا من المباحث المهمة فأصل لنفسه ، ثم عدل عن ذلك كله ، وأن ذلك لواضح.

وأول من توهم ذلك صاحب المدارك واقتفاه الخراساني والكاشاني ، ومع الإغضاء عن ذلك فهو ضعيف في نفسه وإن وافقه عليه الكاشاني أولا ثم استصوب استحباب الإعادة ، بل قربه الخراساني أيضا في الكفاية في الرفع من السجود ، ولم يستبعد التخيير في الركوع ، كالمحدث البحراني تردد في وجوب الإعادة واستحبابها بعد أن جزم بخلاف ما عليه الأصحاب من وجوب الاستمرار ، بل يشهد له ترك الاستفصال في‌ صحيح الفضيل (١) سأل أبا عبد الله عليه‌السلام « عن رجل صلى مع إمام يأتم به ثم رفع رأسه من السجود قبل أن يرفع الإمام رأسه من السجود ، قال : فليسجد » وصحيح ابن يقطين (٢) الذي هو كخبر الأشعري (٣) سأل أبا الحسن عليه‌السلام « عن الرجل يركع مع الإمام يقتدي به ثم يرفع رأسه قبل الامام ، قال : يعيد ركوعه معه » بل قد يستفاد من موثق ابن فضال (٤) الآتي خصوصا بناء على إرادة الراجح من الظن فيه ، وعدم الاجتزاء به في امتثال خطاب المتابعة ، فتأمل ، وموثق محمد بن علي بن فضال (٥) قال لأبي الحسن عليه‌السلام أيضا : « أسجد مع الامام وأرفع رأسي قبله أعيد ، قال : أعد واسجد ».

لكن بملاحظة ظهور اتفاق الأصحاب ـ الذين من أيديهم خرجت هذه الأخبار‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ٥.

٢١٣

وهم أعرف من غيرهم بها ، وما دل (١) على البطلان بزيادة الركن ، بل ومطلق الزيادة في الصلاة عمدا ، وتعارف عدم تعمد السبق وقصده في الجماعة ، خصوصا بعد حرمته شرعا التي يبعد من المسلم الآني لتحصيل فضيلة الجماعة واستحبابها ارتكابها ـ يجب تنزيلها على غير صورة العمد إلى مخالفة الإمام بسبقه ، بل لعل ذلك مع وجوب حمل فعل المسلم خصوصا مثل ابن فضال على غير المحرم هو الداعي إلى ترك الاستفصال في السؤال ، لا إرادة التعميم في المقال سيما مع ملاحظة‌ سؤال ابن فضال في الموثق الآخر (٢) لأبي الحسن عليه‌السلام أيضا كتب إليه « في الرجل كان خلف إمام يأتم به فيركع قبل أن يركع الامام وهو يظن أن الامام قد ركع فلما رآه لم يركع رفع رأسه ثم أعاد ركوعه مع الامام أيفسد ذلك عليه صلاته أم يجوز تلك الركعة؟ فكتب يتم صلاته ولا تفسد صلاته بما صنع » إذ لعله منه يقوى في الظن إرادته بل وغيره من السؤال عن الرفع ونحوه ما لا يشمل العمد للسبق بل كان لسهو أو تخيل فعل الامام ونحو ذلك ، وملاحظة النهي في‌ موثق غياث بن إبراهيم (٣) قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام « عن الرجل رفع رأسه من الركوع قبل الامام أيعود فيركع إذا أبطأ الامام ويرفع رأسه معه؟ قال : لا » المتجه بسببه الجمع بينه وبين الأخبار السابقة بما عليه الأصحاب من تنزيله على العمد ، والأولى على غيره ، إذ هو أولى من الطرح قطعا ، ومن حمله على رفع الوجوب والأولى على الندب أو الجواز ، أو على كون الامام ممن لا يقتدى به ، إذ الحكم فيه أنه لا يجوز العود اليه قطعا ، كما أنه صرح به غير واحد ، لأنه بحكم المنفرد عنه ، أو على التفصيل بين الركوع والسجود ، فيرجع في الثاني دون الأول ، لاستلزامه زيادة الركن دونه ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الركوع والباب ١٩ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٦.

٢١٤

بل الأخير مع أنه كاد يكون خرق الإجماع المركب لا يتجه في مثل صحيح ابن يقطين السابق وخبر الأشعري ، إلا أن يحملا على ما عليه الأصحاب من اغتفار ذلك سهوا وهو رجوع إلى ما فر منه ، على أنه مع ذلك كله يمكن دعوى إشعار الموثق المزبور بالعمد لا لظهور قوله : « رفع » فيه بالقصد ، إذ هو كالأفعال في الأخبار السابقة المحمولة عند الأصحاب على السهو ، والقصد أعم من العمد المراد منه هنا قصد سبق الامام بذلك لا مطلق القصد إلى الرفع الذي يمكن مجامعته للسهو عن الجماعة ونحوه ، بل لايماء قوله فيه : « أبطأ الإمام » إلى أن رفعه ذلك كان لتخيله قرب لحوق الامام به ، وإلى أنه لم يمكث مع الامام زمانا معتدا به ، ولذا أبطأ عليه ، ولغير ذلك ، لا أقل من أن يكون شهرة الأصحاب أو اتفاقهم شاهدا على الجمع المزبور ، ضرورة عدم حصول الظن معهما بإرادة صورة العمد من إطلاق الأخبار الأول ولا صورة السهو من الموثق المزبور ، فيبقى كل منهما حجة في كل منهما.

ويتضح حينئذ وجه ما ذكره المصنف من أنه لو كان ذلك الرفع من الركوع والسجود ناسيا للمأمومية أعاد كما في جميع الكتب السابقة في صورة العمد للأخبار السابقة ، وأولويته من ظن الركوع أو مساواته له ، وبقاء خطاب المتابعة ، وغير ذلك مما يستفاد مما قدمنا حتى ما سمعته أولا من إمكان الاستئناس له بأخبار جماعة الجمعة الدالة على اغتفار ترك المتابعة لعذر كالضيق ونحوه ، ضرورة أنه من الأعذار أيضا ، بل في بعضها (١) التصريح بأنه لا بأس بترك الركوع مع الامام سهوا فيركع ثم يلحق به ، بل في آخر (٢) التصريح بعدم البأس في الجملة بزيادة السجدتين فيمن لم يتمكن من السجود خاصة في الركعة الأولى ، ولما قام الإمام للثانية بقي قائما معه فلما ركع الامام لم يستطع أن يركع هو معه لكنه سجد معه ، قال الصادق عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٢.

٢١٥

« فان كان نوى بالسجدتين أنهما للأولى قام وجاء بركعة ثانية وتمت صلاته ، وإن لم ينو أنهما للأولى أو الثانية لم يكونا لأحدهما ، فيجي‌ء بسجدتين جديدتين للأولى ، ويقوم ويأتي بركعة ثانية وتمت صلاته » إذ هو صريح في اغتفار زيادة السجدتين اللتين هما ركن هنا للعذر ، مضافا إلى ما سمعته من الأخبار السابقة ، فالتفصيل حينئذ بين رفع الرأس في الركوع وبينه في السجود لاستلزام الأول زيادة ركن بخلاف الثاني اجتهاد في مقابلة النص والفتوى ، على أنه قد يستلزم زيادة الركن في السجود أيضا لو فرض سبقه بالرفع في السجدتين.

ثم من المعلوم أن ظاهر الكتاب والأصحاب والنصوص كما عرفت واعترف به غير واحد وجوب الاستمرار في الأولى والإعادة في الثانية ، لكن في التذكرة وعن نهاية الأحكام عدم وجوب العود في الأخيرة ، وكأنه مال إليه في المدارك ، ولا ريب في ضعفه بعد ما سمعت من تلك الأدلة المعتضدة بما عرفت السالمة عن المعارض بعد تنزيل موثق النهي (١) على صورة العمد ، فلو ترك الاستمرار في الأول بطلت صلاته للنهي في الموثق المزبور بعد ضميمة عدم القول بالفصل بين الركوع وغيره ، لاستلزامه الزيادة عمدا في الصلاة التي لم يثبت اغتفارها هنا ، خصوصا لو كانت ركنا ، بخلاف الإعادة في الثانية وإن استظهره في المدارك أيضا ، لكن الأقوى خلافه ، لصيرورته حينئذ كالعامد التارك للمتابعة ، كما في الدروس والبيان والموجز وعن الجعفرية وشرحيها وفوائد الشرائع وتعليق النافع والفوائد الملية ، فيأثم ولا تبطل صلاته كما صرح به في الهلالية والميسية والروضة على ما قيل ، اللهم إلا أن يدعى الفرق بينهما بظهور الأمر في النصوص هنا بالشرطية وتوقف الصحة عليه ، بخلاف ترك المتابعة عمدا ، وبأنه لما كان رفعه نسيانا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٦.

٢١٦

لم يكن هو الرفع المطلوب منه فيحتاج إلى الإعادة كي يحصل له الرفع المطلوب الذي هو مع الامام ، وإن كان ضعف الثاني واضحا بمنع عدم كونه المطلوب بعد أن عرفت تعبدية وجوب المتابعة ، ولذا لو أراد الناسي العود فرفع الإمام رأسه سقط العود على الأقرب كما في البيان ، واستجوده في كشف الالتباس ، ومثله لو نسيه أيضا ، بل وقد يناقش في الأول أيضا بتبادر إرادة المتابعة من هذه الأوامر ، وقد عرفت تعبديتها.

لكن ومع ذلك فالأحوط إعادة الصلاة خصوصا في الوقت ، بل اقتصر في الكفاية والذخيرة على الجزم به ، ونظر في القضاء ، وظان الرفع من الامام كالناسي في الأحكام كما في الدروس والبيان وعن غيرهما ممن تأخر عنهما ، للموثق المزبور بضميمة عدم القول بالفصل ، لكن قد يناقش بعد التسليم باحتمال إرادة العلم هنا ، فتأمل.

هذا كله في السبق في الرفع من حيث كونه رفعا ، أما إذا كان قد رفع رأسه عمدا قبل أن يذكر الذكر الواجب بطلت صلاته لا للسبق بل لتعمد تركه الذكر ، وهو أمر غير ما نحن فيه ، فما في التذكرة والموجز وعن نهاية الأحكام والهلالية ـ من التصريح هنا بأنه لو سبق إلى رفع من ركوع أو سجود فان كان بعد فعله ما يجب من الذكر استمر وإن كان لم يفرغ إمامه منه ، وإن كان قبله بطلت وإن كان قد فرغ إمامه ـ لا مدخلية له في محل البحث.

أما لو كان ناسيا فلا ريب في عدم البطلان ، لكن لو عاد إليهما تحصيلا للمتابعة ففي وجوب الذكر عليه لرجوعه إلى محله وتنزيل تثنية الركوعين منزلة ركوع واحد بقرينة‌ قوله عليه‌السلام (١) : « يعود ويرجع » وعدمه لخروجه عنه ، وحصول ركوع الصلاة الذي كان يجب الذكر فيه ، ولذا لا يجب عليه فعله لو صادف الامام رافعا ، ومنع كونهما ركوعا واحدا شرعا ، إذ اغتفار الزيادة أعم من ذلك؟ وجهان أو قولان ، أحوطهما الأول ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٦ وفيه‌ « أيعود فيركع ».

٢١٧

وأقواهما الثاني.

وكذا الحكم لو أهوى المأموم إلى ركوع أو سجود قبل إمامه ، فيستمر مع العمد وإن أثم كما هو المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا ، بل عليه عامة المتأخرين كما اعترف به في الذكرى ، بل في التذكرة وغيرها نسبته إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه ، ولعله كذلك ، إذ لا خلاف أجده فيه إلا من بعض متأخري المتأخرين ، فتردد في صحة الصلاة معه أو جزم بالعدم نحو تردده أو جزمه فيما سبق ، وربما حكي عن المبسوط ، وهو وهم لما سمعته من عبارته ، واستشعر أيضا من عبارة الصدوق المتقدمة ، لكنه على كل حال ضعيف جدا ، لما عرفت من تعبدية المتابعة لا شرطيتها ، كضعف احتمال وجوب الرجوع عليه لإطلاق الأخبار السابقة في الرفع بناء على عدم القول بالفصل بينه وبين الركوع ، إذ قد عرفت تنزيله على صورة النسيان جمعا بينه وبين الموثق السابق ، فقضية عدم القول بالفصل وجوب الاستمرار عليه كما في الرفع المشترك مع ما نحن فيه ببعض الأدلة السابقة من استلزام زيادة الركن التي لم يثبت اغتفارها هنا ، أو زيادة غيره كذلك بناء على إفساد مطلق الزيادة في الصلاة.

نعم قيد الصحة في التذكرة مع السبق إلى الركوع بعد أن اعترف بإطلاق الأصحاب كالمتن والمبسوط والسرائر وغيرها بما لم يكن قبل فراغ الامام من القراءة ، وإلا فسدت الصلاة ، وتبعه الشهيد في الذكرى والدروس والحواشي المنسوبة اليه وأبو العباس في الموجز وغيرهما ، بل والمحقق الثاني على ما حكي عنه وعن شيخه ابن هلال وتلميذيه شارحي الجعفرية ، بل في المدارك بطلت قطعا ، بل في الذكرى وإن كان قد قرأ المأموم في صورة يستحب له ذلك بناء على عدم إجزاء الندب عن الفرض ، وهو جيد إن لم يثبت ضمان الامام لها على جميع أحوال المأموم ، كما لعله الظاهر من إطلاق الأدلة والفتاوى في المقام وغيره ، فلا يعتبر حينئذ في المأموم ما يعتبر في القاري حال‌

٢١٨

القراءة من الطمأنينة والانتصاب ونحوهما ، بل قد يومي اليه زيادة على ذلك ايتمامه في أثناء القراءة أو بعدها مع اكتفائه بقراءة الإمام ، بل وظاهر اتفاقهم في صورة السبق سهوا على عدم وجوب القراءة عليه بعد رجوعه إلى الامام إذا كان قد ركع في أثنائها ، على أنه يجب تقييد ما ذكروه بما إذا لم يكن ذلك غفلة عن القراءة وإن كان هو قد تعمد السبق كما في الدروس ، إذ لا منافاة بين تعمده ذلك وغفلته عنها ، فيكون حينئذ كترك الطمأنينة حال قراءة الإمام غافلا الذي لا يقدح في ضمان الامام عنه ، ضرورة مساواة الانتصاب الفائت بسبب الركوع لها ، وإن كان هو في الأول يجب الرجوع إليها إذا تنبه ، لتمكنه منها ، بخلافه في الثاني ، لاستلزامه زيادة ركن وخروجه عن محل تدارك المنسي ، فتأمل جيدا ، ولتمام البحث في ذلك كله مقام آخر لكنه على كل حال هو غير ما نحن فيه ، إذ الفساد هنا بترك القراءة أو ما في حكمها عمدا لا المتابعة.

ويرجع إلى متابعة الإمام مع السهو كما هو المشهور بين الأصحاب أيضا نقلا وتحصيلا ، بل لا أجد خلافا معتدا به في عدم الفرق بينه وبين الرفع الذي عرفت حكمه والدليل عليه فيما مضى سوى ما في المنتهى فاستوجه الاستمرار هنا مع أنه رجع عنه في آخر كلامه ، وقوى العود أيضا ، وسوى ما وقع لبعض متأخري المتأخرين من التفصيل بين الركوع والسجود ، فيرجع في الأول ، وتفسد الصلاة أو يستمر في الثاني ، والأقوى الأول لبعض ما سمعته في الرفع ، بل جميعه بناء على عدم الفصل كما هو ظاهر الأصحاب نقلا وتحصيلا ، ولذا ذكر بعضهم حكم السبق في الرفع دون الركوع والسجود ، وآخر بالعكس ، وثالث الأمرين معا مفصلا فيهما بالعمد والسهو مع خلو الأخبار عنه في الركوع والسجود ، وللموثق (١) « كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام في رجل كان خلف إمام يأتم به فيركع قبل أن يركع الامام وهو يظن أن الامام قد ركع ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٤.

٢١٩

فلما رآه لم يركع رفع رأسه ثم أعاد الركوع مع الامام أيفسد ذلك عليه صلاته أم يجوز تلك الركعة؟ فكتب يتم صلاته ولا يفسد بما صنع صلاته » بناء على مساواة النسيان له أو أولويته منه كما هو كذلك هنا قطعا ، فتغتفر حينئذ زيادة الركوع فضلا عن غيره ، ولكن الاحتياط بإعادة الصلاة في سائر الصور الغير المنصوصة لا ينبغي تركه.

ولو لم يرجع أو يستمر ففي صحة الصلاة وعدمها البحث السابق ، نعم قد يقيد هنا القول بالصحة مع عدم الرجوع عن الركوع الذي سبق الامام فيه سهوا بما إذا لم يكن الإمام في حال القراءة ، وإلا بطلت الصلاة كما عن الغرية وفوائد الشرائع التصريح به إذ هو حينئذ كالركوع عمدا قبل فراغ الامام من القراءة ، وفيه أنه لا عبرة بهذا الانتصاب للقراءة بعد فرض صحة ركوعه ، وأنه الركوع الصلاتي ، وأنه وجب عليه آخر للمتابعة ، ضرورة أن المعتبر فيها الانتصاب قبل الركوع لا بعده ، فليس حينئذ في تركه الرجوع إلا ترك المتابعة التي عرفت تعبديتها لا شرطيتها ، ودعوى أن الركوع الصلاتي الحاصل مع الامام لا ما قبله وإن كان هو مغتفرا مصادرة ، بل قد يومي الاجتزاء به في صورة العمد إلى خلافها ، إذ لا فرق بينهما إلا بالإثم وعدمه.

ومنه ينقدح حينئذ بطلان الصلاة لو أنه أراد الرجوع إلى الامام بعد وصوله إلى حد الركوع وقبل الذكر ، لما فيه من ترك الواجب في محله ، اللهم إلا أن يدعى جعل الشارع للركوعين بمنزلة ركوع واحد ، فلا بأس بتأخير الذكر للثاني ، وفيه بحث أو منع كالبحث أو المنع في إيجاب الذكر في الثاني بعد ما عرفت من أن وجوبه للمتابعة التي لا تقتضي وجوب الذكر ، وإلا فركوع الصلاة قد حصل بالأول من غير فرق بين حصول الذكر في الأول أو نسيانه ، بل وكذلك غير الذكر مما لا تقتضيه المتابعة لو كان من الطمأنينة وغيرها ، فتأمل جيدا ، فإن المسألة غير محررة مع أنها كثيرة النفع جدا ، إذ مما يتفرع عليها أيضا وجوب الركوع عليه لو نوى الانفراد بعد رجوعه منه وقبل‌

٢٢٠