جواهر الكلام - ج ١٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

للسيرة والطريقة ، وعدم كون مثله تباعدا وإن كان بعض صوره لا تخلو من نوع تأمل وشك ينبغي من جهتهما الاحتياط فيه ، بل وفي سائر صوره ، فتأمل جيدا ، وربما كان في المقام بعد بعض الفروع والكلام لكن لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرنا على ذوي البصائر والأفهام ، والله أعلم بحقائق الأحكام.

ويكره أن يقرأ المأموم غير المسبوق خلف الإمام المرضي في أولتي الفريضة الإخفاتية وفاقا للمراسم على الظاهر والنافع والمعتبر والتلخيص والدروس والبيان والموجز وكشف الالتباس والجعفرية وغيرها ، بل في المعتبر والدروس وغيرهما أنه الأشهر ، بل في الروضة أنه الأجود المشهور ، وهو كذلك ، لأنه وجه الجمع بين الأدلة بعد أن علم سقوط وجوب القراءة عن المأموم بالإجماع المحكي إن لم يكن المحصل صريحا في الخلاف والمعتبر والمنتهى ، وظاهرا في التذكرة ، والمعتضد بنفي الخلاف عنه في النجيبية بل والسرائر وإن كان معقد ما فيها ضمان الإمام القراءة ، ضرورة إرادة السقوط منه نحو الضمان في الديون ، كالأخبار (١) الدالة على ضمان الإمام القراءة وعدم ضمانه غيرها ، بل لا جمع يعتد به بينها غير ذلك ، إذ المعتبرة التي هي العمدة في المقام وإن كان كثير منها مشتملا على النهي عن القراءة عموما وخصوصا الذي هو حقيقة في التحريم ، لكن جملة أخرى منها ظاهرة في الجواز والكراهة ، كالصحيح (٢) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الامام أيقرأ فيهما بالحمد وهو إمام يقتدى به؟ فقال : إن قرأت فلا بأس ، وإن سكت فلا بأس » إذ من الواضح إرادة الإخفات من الصمت كما فهمه غير واحد من الأصحاب ، وخبر إبراهيم بن علي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١٣.

١٨١

المرافقي وعمر بن الربيع البصري (١) المنجبر ضعف سنده بالشهرة المحكية أو المحصلة ، أنه سئل جعفر بن محمد عليهما‌السلام « عن القراءة خلف الامام فقال : إذا كنت خلف الامام وتتولاه وتثق به فإنه يجزيك قراءته ، وإن أحببت أن تقرأ فاقرأ فيما يخافت به ، فإذا جهر فأنصت ، قال الله تعالى (٢) ( وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) » وما في السرائر عن المرتضى أنه‌ روي (٣) أنه بالخيار فيما خافت فيه‌ أي إن شاء قرأ وإن شاء لا ، بل عنه أيضا وفيها أنه لا يقرأ فيما جهر فيه الامام ، ويلزمه القراءة فيما خافت فيه الامام ، وصحيح سليمان (٤) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أيقرأ الرجل في الأولى والعصر خلف الامام وهو لا يعلم أنه يقرأ ، فقال : لا ينبغي له أن يقرأ ، يكله إلى الامام » لإشعار لفظ « لا ينبغي » بذلك ، خصوصا بعد الانجبار بالشهرة والاعتضاد بما تقدم.

فاحتمال إرادة الحرمة منه أو إباحة الترك التي هي أعم منها ومن الكراهة لقوة إمكان وروده لدفع توهم وجوب القراءة المحكي عن جماعة من العامة الذي قد عرفت معلومية بطلانه عندنا نصا وفتوى بعيد ، على أنه يكفي في إثبات المطلوب ما قبله لا لأن الكراهة مما يتسامح فيها ، ضرورة عدم تماميته في مقابلة الحرمة المستفادة من ظاهر النواهي المفتي بها في ظاهر المقنع والغنية والتحرير والتبصرة والمدارك وعن السيد ( رحمه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١٥ وفي الوسائل « عمرو بن الربيع » كما أن في التهذيب ج ٢ ص ٣٣ ـ الرقم ١٢٠ « أبو أحمد عمرو بن الربيع النصري » وهو سهو فإنه لا أثر له في كتب التراجم والموجود فيها « أبو أحمد عمر ابن الربيع البصري » وهو الصحيح.

(٢) سورة الأعراف ـ الآية ٢٠٣.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٨.

١٨٢

الله ) والتقي وغيرهما من متأخري المتأخرين ، بل لأنه دليل معتبر في نفسه ، أو بملاحظة الانجبار صالح للخروج به عن ظاهر تلك النواهي ، خصوصا بعد شيوع استعمال النهي في الكراهة ، واحتمال إرادة نفي الوجوب منها هنا ردا على بعض العامة ، حتى أنه من جهة هذا الاحتمال على الظاهر نفى الكراهة عن القراءة في اللمعة بل صريح النهاية وذيل عبارة المبسوط كالمحكي من عبارة القاضي استحباب قراءة الحمد ، بل وكذا عن ابن سعيد ، لكنه خير بينه وبين التسبيح وحده ، وإن كان هو أيضا ضعيفا جدا ، بل لا نعرف دليلا على الاستحباب المزبور سوى الأمر في‌ قوله عليه‌السلام (١) : « إن لم تسمع فاقرأ » المراد منه الجهرية قطعا ، وظاهر لفظ الاجزاء مع الأمر بالقراءة إن أحب في خبر البصري الممنوع دلالته على الندب ، وإرادة قلة الثواب من الكراهة هنا التي لا تنافي كونه مستحبا ، ضرورة عدم إرادة المعنى المصطلح منها في القراءة التي هي جزء الصلاة ، وفيه بعد التسليم أنه يرجع معه النزاع لفظيا ، إذ المراد نفي الاستحباب الساذج.

فظهر حينئذ من ذلك كله أن القول بالكراهة هو الأقوى في المقام ، ولا ينافيه ما‌ في بعضها (٢) « من أن من قرأ خلف إمام يأتم به بعث على غير الفطرة » لورود أعظم من ذلك كاللعن ونحوه في المكروهات حتى‌ ورد في تفريق الشعر أن « من لم يفرق شعره فرقه الله بمنشار من النار » (٣) إلا أن الاحتياط بترك القراءة لا ينبغي تركه لقوة احتمال الحرمة.

نعم يستحب له التسبيح بل يكره له السكوت‌ للصحيح (٤) عن الصادق عليه‌السلام « إني أكره للمرء أن يصلي خلف الإمام صلاة لا يجهر فيها بالقراءة فيقوم كأنه حمار ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦٢ ـ من أبواب آداب الحمام ـ الحديث ١ من كتاب الطهارة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

١٨٣

قال : قلت : جعلت فداك فيصنع ما ذا؟ قال : يسبح » وخبر علي بن جعفر (١) عن أخيه عليه‌السلام المروي عن قرب الاسناد « سألته عن رجل يصلي خلف إمام يقتدى به في الظهر والعصر يقرأ ، قال : لا ولكن يسبح ويحمد ربه ويصلي على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » وإطلاق صدر‌ خبر أبي خديجة (٢) عن الصادق عليه‌السلام « إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأولتين ، وعلى الذين خلفك أن يقولوا : سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر وهم قيام ، فإذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك أن يقرءوا فاتحة الكتاب ، وعلى الامام أن يسبح مثل ما يسبح القوم في الركعتين الأخيرتين » بل ربما كان ظاهر المحكي عن المقنع تعيين التسبيح إلا أنه في غاية الضعف بعد الأصل وظاهر الصحيح الأول ، وإمكان تحصيل الإجماع على عدمه ، بل لعله نفسه أيضا لم يرده وإن عبر بعبارة بعض هذه الأخبار كما هي عادته فيه.

وأما أخيرتا الإخفاتية فيقوى في النظر بقاء حكم المنفرد فيهما وفاقا للغنية والإشارة والمختلف والمحكي عن التقي وغيره ، للأصل وإطلاق الأدلة وظاهر‌ صحيح ابن سنان (٣) عن الصادق عليه‌السلام « إذا كنت خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة حتى يفرغ وكان الرجل مأمونا على القرآن فلا تقرأ خلفه في الأولتين ، وقال : يجزيك التسبيح في الأخيرتين ، قلت : أي شي‌ء تقول أنت؟ قال : اقرأ فاتحة الكتاب » بل قد يشم منه معلومية الحكم ووضوحه ، والطعن فيه بظهوره في أفضلية القراءة من التسبيح المعلوم عكسها في محله يدفعه بعد تسليم دلالته إمكان منعه أولا في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٩.

١٨٤

مثل المأموم المفروض عدم قراءته في الأولتين‌ بعد ورود « لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب » (١) ولعله لذا حكي عن بعضهم التصريح بأفضلية القراءة ، وعدم قدحه في المطلوب ثانيا ، وكذا الطعن فيه بأنه لا دلالة فيه على جواز القراءة لاحتمال إرادته بالتنصيص على إجزاء التسبيح رفع توهم أنه كيف يكون مجزيا مع أن الصلاة لا تتم إلا بالقراءة لا إرادة إجزاء غيره أو رجحانه ، ولا ينافي ذلك‌ قوله عليه‌السلام في ذيله : « اقرأ فاتحة الكتاب » لمعلومية أنه عليه‌السلام لا يأتم إلا بغير المرضي ، فلا تسقط القراءة عنه ، إذ هو كما ترى ، خصوصا لو قرئ « اقرأ » فيه بصيغة الأمر على إرادة أي شي‌ء تقول أنت في الحكم ، مضافا إلى وضوح منع ما فيه من دعوى عدم ايتمام الإمام إلا بغير المرضي بل قد يأتم بعضهم ببعضهم ، وإن كان قد يقال لا إمام حينئذ إلا أحدهما على أن الظاهر إرادة القراءة في الأخيرتين لا الأولتين ، فتأمل جيدا.

ولذيل خبر أبي خديجة السابق (٢) بل وخبر علي بن جعفر (٣) بناء على إرادة مطلق الرجحان من الأمر فيه بالجملة الخبرية ، بل والصحيح الأول أيضا بناء على إرادة الأعم من المعنى المصطلح من لفظ الكراهة فيه مع ذلك أيضا ، وصحيح معاوية بن عمار (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين قال : الإمام يقرأ فاتحة الكتاب ، ومن خلفه يسبح » والمرسل (٥) في السرائر أنه روي « يقرأ في الأخيرتين أو يسبح » وخبر أبي خديجة (٦) المروي في المعتبر عن الصادق عليه‌السلام « إذا كنت في الأخيرتين فقل للذين خلفك يقرءون ، فاتحة الكتاب » ولغير ذلك مع السلامة عن المعارض في شي‌ء من أدلة المقام عدا ما دل على‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١١.

(٦) البحار ج ١٨ ص ٦٢٢ من طبعة الكمباني.

١٨٥

سقوط القراءة المختص بحكم التبادر بالمتعينة منها كمعاقد الإجماعات السابقة لا مطلقا بحيث يشمل المخير بينها وبين التسبيح ، بل المرجوحة بالنسبة إليه كما قيل ، واحتمال إرادة الأعم منها ومن الأذكار من لفظ القراءة بعيد جيدا ، بل قد يقطع بفساده بملاحظة النصوص والفتاوى ، ولذا لم يسقط القنوت والأذكار ونحوها ، فيتجه حينئذ الاستدلال بالأخبار الحاصرة ضمان الإمام في القراءة خاصة على المطلوب بعد حمل القراءة فيها على المتعينة ، على أنه لو سلم شمولها للقراءة المخيرة لم تكن دالة على سقوط التسبيح الذي هو أحد فردي التخيير أو أفضلهما ، بل قد يشعر بعض تلك الأخبار بأن مدار سقوط القراءة وعدمه السماع وعدمه ، على أن السقوط هنا عن المأموم ليس إلا لضمان الامام ، وهو لا يكون إلا حيث يختار الإمام القراءة ، لعدم دليل يقتضي ضمانه غيرها ، واحتمال اندراج التسبيح فيها قد عرفت بعده ، وفي غالب الأوقات يثبت عدم معرفة المأموم حال الامام واختياره القراءة أو التسبيح ، ولم يتعارف تنبيه المأمومين لذلك ، بل المتعارف خلافه ، ولغير ذلك من السيرة والطريقة ونحوهما.

فما عن ابني إدريس وحمزة من القول بسقوطهما حتما عند الأول منهما وجوازا عند الآخر كالمحكي عن ظاهر المرتضى وابن سعيد والفاضل في المنتهى وغيرهم ضعيف محجوج بجميع ما عرفت ، بل وبأولوية الجواز في الأخيرتين من الأولتين ـ لما عرفت من أن التحقيق الجواز فيهما على الكراهة ـ لا شاهد له يعتد به سوى ما تقدم وسوى‌ خبر ابن سنان (١) عن الصادق عليه‌السلام المروي في المعتبر « إذا كان مأمونا فلا تقرأ خلفه في الأخيرتين » وهو مع إرساله محتمل أو مظنون أنه عين صحيح ابن سنان المتقدم المشتمل على خلاف ذلك ، واحتمال عثور المصنف عليه في بعض الأصول يدفعه‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٦.

١٨٦

عدم نسبته إلى أحدها منه كما هي عادته في أمثاله ، وسوى‌ صحيح زرارة (١) عن الباقر عليه‌السلام « وإن كنت خلف إمام فلا تقرأن شيئا في الأولتين وأنصت لقراءته ولا تقرأن شيئا في الأخيرتين ، فإن الله عز وجل يقول (٢) للمؤمنين : « ( وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ ) ـ يعني في الفريضة خلف الامام ـ ( فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) » فالأخيرتان تبعتا الأولتين » بناء على شمول التبعية للإخفاتية وإن كان المورد الجهرية ، وفيه ـ مع إمكان منع شموله للإخفاتية ، ضرورة انصرافه إلى الجهرية المعهودة ، واقتضاء التبعية فيهما الجواز بناء على المختار ، بل الكراهة أيضا وإن كان ربما يقطع بعدمها ـ انه قاصر عن معارضة جميع ما سمعته ، فلا مانع من إرادة التبعية فيه هنا في أصل الجواز بدون كراهية ، ويثبت حينئذ التسبيح بعدم القول بالفصل وبالأدلة السالمة عن المعارض فيه ، كل ذلك مع موافقة المختار للاحتياط ، خصوصا بالنسبة للتسبيح ، لضعف القول بالسقوط حتما جدا ، بل لم نتحققه من الحلي المنسوب اليه ذلك ، إذ ظاهر عبارته نفي الوجوب خاصة كما لا يخفى على من لاحظها.

نعم يستفاد من هذا الصحيح المتأخر سقوط القراءة ، بل على وجه الحتم في أخيرتي الجهرية كما عن ظاهر التبصرة ومجمع البرهان وإن كنا لم نتحققه منهما ، إلا أنه لا دلالة فيه على سقوط الفرد الثاني من فردي التخيير الذي هو التسبيح ، كما عن الحلي حتمية سقوطه أيضا مع القراءة نحو ما سمعته عنه في الإخفاتية ، لكنا لم نتحققه أيضا منه ، بل أقصى عبارته سقوط الوجوب ناسبا له إلى الرواية ، كما أنه لم نتحقق أيضا ما نسب إلى المبسوط والنهاية وابن سعيد من استحباب قراءة الحمد وحدها فيهما كما لا يخفى على من لا حظ عباراتهم ، بل وكذا ما نسب إلى القاضي وأبي الصلاح وظاهر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٣.

(٢) سورة الأعراف ـ الآية ٢٠٣.

١٨٧

المختلف والذخيرة من التخيير بين الحمد والتسبيح استحبابا ، نعم لعله ظاهر المحكي عن السيد والواسطة ، بل وكذا جملة من الأقوال المنسوبة في المقام إلى الأصحاب حتى أنهاها بعض مشايخنا إلى سبعة ، وفي الإخفاتية التي تقدم البحث فيها سابقا إلى تسعة.

وكيف كان فالأقوى في النظر هنا بقاء حكم المنفرد أيضا من التخيير بين التسبيح والقراءة كالاخفاتية وفاقا لمن عرفته فيها ، للأصل وإطلاق ما دل على وجوب أحدهما السالمين عن معارضة إطلاق النهي عن القراءة خلف الإمام المرضي بعد انصرافه إلى القراءة المتعينة ، وهي في الأولتين ، خصوصا المشتمل على التعليل بالإنصات ، بل قد يشعر ذلك بوجوب القراءة في الأخيرتين اللتين لا جهر فيهما كي ينصت إليها ، بل قد يدعى أولوية القراءة فيهما من الأولتين حيث لا يسمع الهمهمة بل وإن سمعها بناء على عدم الحرمة ، ولكثير مما سمعته في الإخفاتية ، فلا حاجة إلى التكرير ، والخروج عن ذلك كله بالصحيح المزبور مع ابتنائه على حرمة القراءة في الأولتين كي تتبعهما الأخيرتان في ذلك بعيد جدا ، مع أنه لا دلالة فيه على سقوط التسبيح ، اللهم إلا أن يفهم من سقوط القراءة إرادة ضمان الامام والاكتفاء بما يفعله عنه ولو تسبيحا.

وأما أولتا الجهرية مع سماع المأموم القراءة فالإجماع محصلا أو منقولا مستفيضا حد الاستفاضة على عدم وجوب القراءة فيهما ، بل في التذكرة « لا يستحب إجماعا » بل في الرياض « لا خلاف في أصل المرجوحية على الظاهر المصرح به في كلام جماعة كالتنقيح والروض والروضة » إلى آخره ، بل في ظاهر المبسوط أو صريحه والمقنع والفقيه والنهاية والغنية والوسيلة والمختلف والتحرير والتبصرة وكشف الرموز والمدارك والذخيرة والمحكي عن السيد والقاضي وأبي الصلاح وواسطة ابن حمزة وغيرها حرمة القراءة ، وهو مع موافقته للاحتياط قوي جدا ، للنهي عنها في المعتبرة (١) المستفيضة جدا مع التعليل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

١٨٨

في بعضها (١) بالأمر بالإنصات ، بل ربما يظهر من سبر أخبار المقام معروفية ذلك قديما بين الشيعة حتى أنهم كانوا يكتفون في بيان كون الامام مرضيا وغير مرضي بالقراءة خلفه وعدمها.

ولا معارض له سوى إشعار لفظ الاجزاء في‌ موثق سماعة (٢) « سألته عن الرجل يؤم الناس فيسمعون صوته ولا يفقهون ما يقول ، قال : إذا سمع صوته فهو يجزيه وإذا لم يسمع صوته قرأ لنفسه » وهو مع إضماره وعدم استفادة تمام المدعى منه بل ولا الصورة المهمة منه كما ترى ضعيف جدا ، إذ أقصاه أنه أقل فردي المجزي ، ولعله في مقابلة سماع الصوت وفقه قوله ، لا لجواز القراءة منه.

وسوى دعوى معلومية ندبية الإنصات المأمور به في نفسه بالإجماع والسيرة وغيرها ، بل وفي خصوص المقام بالأصل والسيرة ، وما عساه يظهر من الإجماع من التنقيح حيث نسب استحبابه إلى من عدا ابن حمزة من الأصحاب ، فالتعليل به حينئذ في‌ صحيح ابن الحجاج (٣) عن الصادق عليه‌السلام « وأما الصلاة التي يجهر فيها فإنما أمر بالجهر لينصت من خلفه ، فان سمعت فأنصت ، وإن لم تسمع فاقرأ » ، بل وصحيح زرارة (٤) عن الباقر عليه‌السلام « وإن كنت خلف امام فلا تقر أن شيئا في الأولتين وأنصت لقراءته ، ولا تقر أن شيئا في الأخيرتين ، فإن الله عز وجل يقول للمؤمنين ( وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ ) ـ يعني في الفريضة خلف إمام ـ ( فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) » والحسن كالصحيح (٥) عن أحدهما عليهما‌السلام « إذا كنت خلف إمام تأتم به فأنصت وسبح في نفسك » يومي إلى إرادة عدم الحرمة من النهي عن القراءة.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ١٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ١٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ٦.

١٨٩

وفيه ـ مع خلو أكثر الأخبار عن التعليل به ، وقوة احتمال إرادة الحكمة منه لا التعليل الحقيقي أو ما يجري مجراه ، وعدم ظهور إرادة التعليل من الأخيرين ، بل أقصاهما الأمر به لنفسه ، وإن استدل عليه في أولهما بالآية ، واحتمال إرادة تعليل النهي الأول عن القراءة بالآية مع أنه مبني على اقتضاء الأمر بالشي‌ء النهي عن الضد بعيد جدا ، بل وكذا لا ظهور في الصحيح الأول بتعليل النهي عن القراءة بالإنصات ، بل أقصاه بيان وجه الأمر بالجهر بالقراءة ، وهو غير ما نحن فيه ـ أنه يمكن منع دعوى الإجماع في المقام ، وانعقاده على الندب في غير المقام بعد أن كان مورد الآية الفريضة كما في الصحيح لا يقتضي الاستحباب هنا ، ونسبة نديته في التنقيح إلى من عدا ابن حمزة يمنعها التتبع ، وبالجملة فالخروج عن تلك النواهي في تلك المعتبرة المستفيضة بمثل ذلك كما ترى.

ودعوى أن جملة منها شاملة بإطلاقها أو عمومها للإخفاتية التي قد أثبتنا الكراهة فيها‌ كالحسن والصحيح (١) عن الصادق عليه‌السلام « إذا صليت خلف إمام مؤتم به فلا تقرأ خلفه سمعت قراءته أو لم تسمع إلا أن يكون صلاة يجهر فيها ولم تسمع فاقرأ » ولما إذا لم يسمع القراءة مما ستعرف عدم الحرمة فيه أيضا ، بل في بعضها التنصيص عليه كقول الصادق عليه‌السلام في الصحيح (٢) : « إذا صليت خلف إمام تأتم به فلا تقرأ خلفه سمعت قراءته أو لم تسمع » فيتجه حينئذ إرادة الكراهة منه التي هي أولى من مجازية القدر المشترك ، بل أولى من التقييد ، على أنه متعذر حتى في الرواية الأولى ضرورة أنه بقرينة الاستثناء فيها كالنص في الإخفاتية ، فلا يمكن تقييد النهي فيها حينئذ بها ، يدفعها منع اقتضاء مثل ذلك الكراهة بعد اختصاص كثير من الأدلة بالنهي عن القراءة في الصلاة الجهرية المسموعة المراد منه بمقتضى أصالة الحقيقة السالمة عن المعارض‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١٢.

١٩٠

الحرمة ، بخلافه في الإخفاتية لما عرفت ، فجمعهما حينئذ في نهي واحد بعد ثبوت كراهة أحدهما بدليل مستقل وحرمة الآخر كذلك ولو بظاهر النهي في دليل آخر يعين إرادة القدر المشترك.

ودعوى أولوية الكراهة منه فيكون قرينة على إرادتها من النهي في ذلك الدليل المستقل بعد تسليمها ليس بأولى من مراعاة أصالة الحقيقة فيه المقتضية لإرادة القدر المشترك من نهي الجمع ، بل هي أولى ، ضرورة أولوية الكراهة من القدر المشترك لا من مراعاة أصالة الحقيقة التي يجب الجمود عليها إلى أن تحصل القرينة الصارفة والمعينة ، وليست ، إذ لا أقل من تصادم الاحتمالين المزبورين ، فلا موجب للخروج عنها حينئذ.

وأما الصحيح الأخير (١) فالظاهر إرادة الإخفاتية منه أو غير المسموع بحيث يفهم وإن كان تسمع فيه الهمهمة لا الجهرية غير المسموعة أصلا ، لما ستعرف من أنه لا كراهة في القراءة فيها ، فيجري فيه حينئذ ما سمعته حذو النعل بالنعل ، ومن ذلك كله يعلم ضعف القول بالكراهة وإن اشتهر بين المصنف ومن تأخر عنه ، بل أطلق في الدروس نسبته إلى المشهور كما عن غيرها ، بل ربما استفيد من نسبة التنقيح وجوب الإنصات المنافي للقراءة إلى ابن حمزة خاصة وندبيته للباقين الإجماع عليه ، وإن كان قد يخدش بأنه لا تلازم بين الندبية المزبورة والكراهة ، ضرورة مجامعتها للحرمة ، كما أنه يعرف مما سبق المناقشة في إطلاق دعوى الشهرة أيضا على الكراهة ، فتأمل.

ومن السماع أو يلحق به سماع الهمهمة حرمة أو كراهة ، كما هو ظاهر المتن والمعتبر والنافع والتحرير والإرشاد والتلخيص والدروس والبيان واللمعة والنفلية والتنقيح والموجز والهلالية والجعفرية وغيرها ، بل نسبه في مفتاح الكرامة إلى فتوى المعظم ، للحسن كالصحيح (٢) « فان كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ » وخبر عبيد بن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٧.

١٩١

زرارة (١) « إن سمع الهمهمة فلا يقرأ » الواجب من جهتهما ـ خصوصا بعد اعتضادهما بالشهرة ، وبإطلاق ما دل من المعتبرة على عدم القراءة خلف الإمام المؤتم به ـ تقييد ما دل على القراءة إذا لم يسمع ، بناء على صدق عدم سماعها معها كما في الرياض ، وهو وإن كان لا يخلو من بحث ، لكنه خال عن الثمرة بعد ما عرفت ، نعم قد يظهر من المبسوط الفرق بين سماع الهمهمة وغيرها من سماع القراءة نفسها ، فينصت في الثاني ويخير فيها بين القراءة وعدمها في الأول ، بل كاد يكون ذلك صريح النهاية والمحكي عن واسطة ابن حمزة ونجيب الدين بن سعيد ، ولعله لإشعار لفظ الاجزاء في موثق سماعة (٢) المتقدم ، وهو لا يخلو من وجه.

وهل يستحب التسبيح والدعاء والتعويذ لخبر زرارة (٣) عن أحدهما عليهما‌السلام « إذا كنت خلف إمام تأتم به فأنصت وسبح في نفسك » وخبر أحمد بن المثنى (٤) « كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فسأله حفص الكلبي فقال : أكون خلف الامام وهو يجهر بالقراءة فأدعو وأتعوذ ، قال : نعم فادع ». أولا لمنافاته للانصات المأمور به في المعتبرة المستفيضة؟ وجهان لا يخلو أولهما من قوة بناء على عدم منافاته للانصات ، خصوصا لو فسر التسبيح في النفس بما يقرب إلى التصور ، فتأمل.

وأما إذا لم يسمع حتى الهمهمة فتجوز في الجملة القراءة بلا خلاف أجده بين الأصحاب ، بل ولا حكي عن أحد منهم عدا الحلي ، مع أنه لا صراحة في عبارته في السرائر بذلك بل ولا ظهور ، ولا يبعد أنه وهم من الحاكي ، نعم ظاهر جماعة من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢ لكن رواه عن أبى المعزى حميد بن المثنى وهو الصحيح.

١٩٢

الأصحاب كالشيخ في المبسوط والنهاية والمصنف في النافع والمرتضى وأبي الصلاح وابن حمزة وعلي بن أبي الفضل الحلبي فيما حكي عنهم وجوب القراءة ، اقتصارا على المتيقن مما خرج من الأصل ، وعموم ما دل على وجوبها ، وعملا بالأمر في المعتبرة المستفيضة ، وصريح المختلف والتذكرة والمنتهى والتحرير والبيان واللمعة والموجز والهلالية والجعفرية وغيرها الاستحباب ، جمعا بين ما اشتمل على الأمر من المعتبرة وبين ما دل على جواز الفعل والترك ، كصحيح علي بن يقطين (١) « سألت أبا الحسن الأول عليه‌السلام عن الرجل يصلي خلف إمام يقتدى به في صلاة يجهر فيها بالقراءة فلا يسمع القراءة ، قال : لا بأس إن صمت وإن قرأ » مؤيدا بما دل على ضمان الإمام القراءة من المعتبرة وغيرها ، وظاهر القاضي بل والمتن والتلخيص الإباحة ، للأصل والصحيح المزبور بعد حمل الأمر في تلك المعتبرة عليها ، لوروده في مقام توهم المنع ، وفيه أنه لا يتصور الإباحة في جزء العبادة ، اللهم إلا أن يمنع ذلك بأن يخص عدم التصور في مجموع العبادة دون أجزائها ، فيكتفى حينئذ برجحان الجملة ، بل هو في الحقيقة كالجزء المندوب في العبادة الواجبة ، ضرورة تضاد الأحكام ، بل قد يقال إنه لا مانع من تحقق الكراهة الحقيقية في بعض الأجزاء بمعنى مرجوحية الفعل بالنسبة للترك لا أقلية الثواب ، فإنه لا مضايقة عند العقل وغيره في قول الشارع أطلب الصلاة جماعة طلبا راجحا إلا أن ترك القراءة فيها أرجح من فعلها وإن كان لو فعلت كانت من أجزائها وداخلة تحت اسم الصلاة ، ويزيد ذلك إيضاحا فرض تعلق الطلب بمركب خارجي كالسرير ونحوه مع فرض مساواة عدم بعض أجزائه لوجوده أو رجحانه عليه وإن كان هو جزء أيضا لو جي‌ء به إلا أنه لا يقدح في رجحان الطلب للمجموع من حيث الاجتماع ، فلا بأس حينئذ بكونه جزءا من المطلوب وإن لم يتعلق به الطلب المتعلق باسم الجملة ، ودعوى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١١.

١٩٣

انحلال طلب الجملة إلى طلب كل جزء جزء في نفسه يمكن منعها ، إلا أن للبحث في جميع ذلك مجالا ليس ذا محله.

نعم يرد على القول المزبور بل وسابقيه أيضا أنه ليس أحد منها يجمع به بين تمام أخبار المقام ، ضرورة اشتمال بعضها على النهي عن القراءة كقول الصادق عليه‌السلام في الصحيح السابق (١) : « إذا صليت خلف إمام تأتم به فلا تقرأ خلفه سمعت قراءته أو لم تسمع » مؤيدا بإطلاق النهي عن القراءة وبإطلاقه في الجهرية ، ضرورة صدقها وإن لم يسمع ، بل وبإطلاق الأمر بالإنصات بناء على عدم توقفه على السماع كما يومي اليه بعض الأخبار ، وبمساواتها حينئذ للإخفاتية التي أثبتنا الكراهة فيها ، بل قد يدعى شمول بعض أخبارها لها ، فيتجه حينئذ الحكم بالكراهة جمعا بين الأخبار كلها بعد إرادة الجواز من الأوامر ، لورودها في مقام توهم الحظر ، إلا أني لم أعرف بها قائلا ، ولعله لأن العمدة في الشهادة لها مما ذكرناه الصحيح المذكور ، ومن المحتمل قويا إرادة الإخفاتية من‌ قوله عليه‌السلام فيه : « أولم تسمع » لا الجهرية غير المسموعة كما عساه يومي اليه‌ صحيح الحلبي (٢) عن الصادق عليه‌السلام « إذا صليت خلف إمام تأتم به فلا تقرأ خلفه سمعت قراءته أو لم تسمع إلا أن يكون صلاة يجهر فيها بالقراءة ولم تسمع فاقرأ ».

وعلى كل حال فلا ريب أن الترك أحوط وإن كان القول بالحرمة في غاية الضعف ، بل القول بالندب لا يخلو من قوة ، خصوصا بعد فرض قطع النظر عن احتمال الحرمة ومراعاة قاعدة التسامح وإن كان يعارضها فيها احتمال الكراهة إلا أنه أقوى منها ومن الإباحة هنا نصا وفتوى ، وكأن المصنف توقف في رجحانه على الإباحة وإن جزم بعدم الكراهة حيث قال مستثنيا من عبارته السابقة إلا أن تكون الصلاة جهرية‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

١٩٤

ثم لا يسمع ولا همهمة فإنه لا يكره حينئذ ، والتحقيق ما سمعت ، كما أنك قد سمعت أيضا الكلام فيما أشار إليه من الخلاف في أصل المسألة أي قراءة المأموم خلف الامام بقوله وقيل يحرم ، وقيل يستحب أن يقرأ الحمد فيما لا يجهر فيه بل قد سمعت أيضا ما به يعرف ما في إطلاق مختاره الذي أشار إليه بقوله والأول أي الكراهة مطلقا إخفاتية أو جهرية مسموعة ولو همهمة أشبه فلا حظ وتأمل.

ولو كان يسمع بعض القراءة في الجهرية دون البعض ففي إلحاقه بالمسموع تماما أو عدمه كذلك أو كل منهما بكل منهما وجوه لا يخلو أخيرها من قوة ، كما أنه يقوى هذا أيضا في باقي الصلوات التي لم يجب فيها جهر ولا إخفات كصلوات الآيات والعيدين ونحوهما ، فينصت حيث يسمع ويقرأ حيث لا يسمع نحو ما سمعته من الوجوب والحرمة والكراهة ، ويقوى في النظر أيضا جريان حكم السماع في الجهرية على من كان سمعه خارقا للعادة ، فيسمع ما لا يسمعه غيره ، بل وجريان حكم غير السامع على من كان ذلك بعرض كصمم ونحوه ، لظهور الأخبار أن السماع وعدمه في الجهرية هو المدار ، نعم قد يحتمل جريان حكم الإخفاتية على من يسمع القراءة فيها لشدة قرب من الامام ونحوه ، مع احتمال العدم أيضا ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.

هذا كله في الصلاة خلف الإمام المرضي وأما لو كان الامام ممن لا يقتدى به لأنه مخالف وجبت القراءة في الصلاة خلفه تقية كما صرح به جماعة من الأصحاب بل لا أجد فيه خلافا بينهم كما اعترف به في المنتهى وعن السرائر ، بل نسبه في الحدائق إلى عمل الأصحاب تارة ، وبزيادة « كافة » أخرى ، لانتفاء القدوة المعتبرة في ضمان الإمام القراءة ، بل هو منفرد حقيقة كما يومي اليه‌ خبر الفضيل (١) عن الباقر والصادق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٤ وخبر الفضيل مذكور في ذيله.

١٩٥

عليهما‌السلام « لا تعتد بالصلاة خلف الناصب واقرأ لنفسك كأنك وحدك » وخبر زرارة (١) عن الباقر عليه‌السلام « عن الصلاة خلف المخالفين ، فقال : ما هم عندي إلا بمنزلة الجدر » ول‌ قول الصادق عليه‌السلام في الحسن كالصحيح (٢) : « إذا صليت خلف إمام لا يقتدى به فاقرأ خلفه سمعت قراءته أو لم تسمع » وقول أبي الحسن عليه‌السلام في صحيح ابن يقطين (٣) : « اقرأ لنفسك ، وإن لم تسمع نفسك فلا بأس » جواب سؤاله « عن الرجل يصلي خلف من لا يقتدى بصلاته والامام يجهر بالقراءة » إلى غير ذلك مما يستفاد منه الحكم المزبور منطوقا ومفهوما.

فما في‌ خبر زرارة (٤) عن الباقر عليه‌السلام « لا بأس بأن تصلي خلف الناصب ، ولا تقرأ خلفه فيما يجهر فيه ، فان قراءته تجزيك إذا سمعتها » وأخيه بكير (٥) « سألت الصادق عليه‌السلام عن الناصب يؤمنا ما تقول في الصلاة معه؟ فقال : أما إذا جهر فأنصت للقراءة واسمع ثم اركع واسجد أنت لنفسك » وغيرهما كخبر أحمد ابن عابد (٦) ونحوه يجب طرحهما بعد إعراض عامة الأصحاب عنهما كما اعترف به في الحدائق ، أو حملهما على فعل صلاة غير هذه الصلاة ، لعلم الامام عليه‌السلام بضرر أو مصلحة في خصوص السائلين حتى في القراءة خفيا كما يومي اليه في الجملة صحيح معاوية بن وهب (٧) بل وخبر إسحاق بن عمار (٨) في المقام ، بل وغيرهما في غيره ، أو على إرادة القراءة خفيا بناء على أنها لا تنافي الإنصات ، أو على إرادة القراءة بعد الإنصات كما عساه يومي اليه في الجملة صحيح ابن وهب (٩) أيضا المشتمل على قصة ابن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ٣.

(٦) المستدرك ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢ لكن رواه عن أحمد بن عائذ وهو الصحيح.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ٢.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ٤.

(٩) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ٢.

١٩٦

الكواء مع أمير المؤمنين عليه‌السلام أو غير ذلك.

نعم ظاهر بعض النصوص والفتاوى الاجتزاء بالحمد خاصة مع التعذر كأن ركع الامام مثلا ، بل في المدارك الإجماع عليه ، وفي الذخيرة نفي الخلاف فيه على الظاهر ، لمرسل ابن أسباط (١) عن الباقر والصادق عليهما‌السلام المنجبر بما عرفت « في الرجل يكون خلف الامام لا يقتدى به فيسبقه الإمام بالقراءة قال : إذا كان قد قرأ أم الكتاب أجزأ أن يقطع ويركع » وخبر محمد بن أبي نصر (٢) عن أبي الحسن عليه‌السلام « قلت له : إني أدخل مع هؤلاء في صلاة المغرب فيعجلوني إلى ما أن أؤذن وأقيم ولا أقرأ إلا الحمد حتى يركع أيجزيني ذلك؟ قال : نعم يجزيك الحمد وحدها » بل وخبر ابن عذافر (٣) « سألت الصادق عليه‌السلام عن دخولي مع من أقرأ خلفه في الركعة الثانية فركع عند فراغي من قراءة أم الكتاب ، فقال : تقرأ في الأخراوين كي تكون قد قرأت في ركعتين ».

بل عن التهذيب والروضة والجعفرية وشرحها عدم وجوب إتمام الفاتحة لو ركع الامام قبل فراغ المأموم منها وإن أوجب فيما عدا الأولين منها إتمامه في أثناء الركوع كما في ظاهر الموجز وعن الدروس والذكرى والبيان ، لكن عن الأولين تقييده بالإمكان ، وإلا سقطت ، إلا أنا لم نعرف لهم دليلا على ذلك بالخصوص ، بل ظاهر‌ صحيح أبي بصير (٤) عن الباقر عليه‌السلام الدال على قطع القراءة مع التعذر خلافه قال : « قلت له : من لا أقتدي به في الصلاة ، قال : افرغ قبل أن يفرغ ، فإنك في حصار ، فان فرغ قبلك فاقطع القراءة واركع معه » نعم إطلاقه دليلهم على قطع الفاتحة والخروج عن إطلاق الأمر بالقراءة وما دل على أنه لا صلاة بدونها ، لكن قد يناقش‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

١٩٧

بأنه لا دلالة فيه على خصوص الفاتحة بل أقصاه الإطلاق المعارض بإطلاق نحو‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب » بل وبخصوص مفهوم مرسل ابن أسباط المتقدم المؤيد بإشعار خبر ابن أبي نصر السابق ، فعدم الاعتداد بالصلاة المزبورة حينئذ ووجوب إعادة غيرها لا يخلو من قوة ، وفاقا للتذكرة وعن نهاية الأحكام ، بل قيل : إنه قضية ما في المبسوط والنهاية.

ولعله أولى منه بذلك ما إذا لم يتمكن من شي‌ء من القراءة كما لو أدركهم في الركوع ، لكن عن ظاهر الهداية والمقنع والبيان ونص التهذيب الانعقاد بمجرد تكبيره ودخوله معهم ، ولعله لخبر إسحاق بن عمار (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني أدخل المسجد فأجد الإمام قد ركع وقد ركع القوم فلا يمكنني أن أؤذن وأقيم وأكبر ، فقال لي : فإذا كان ذلك فادخل معهم في الركعة واعتدد بها ، فإنها من أفضل ركعاتك ، قال إسحاق : ففعلت ثم انصرفت فإذا خمسة أو ستة قد قاموا إلى من المحزوميين والأمويين فقالوا : جزاك الله عن نفسك خيرا ، فقد والله رأيناك خلاف ما ظننا بك وما قيل فيك ، فقلت : وأي شي‌ء ذاك؟ قالوا : اتبعناك حين قمت إلى الصلاة ونحن نرى أنك لا تقتدي بالصلاة معنا فقد وجدناك قد اعتددت بالصلاة معنا ، قال : فعلمت أن أبا عبد الله عليه‌السلام لم يأمرني إلا وهو يخاف علي هذا وشبهه » لكن فيه بعد إرادة التكبير المستحب من التكبير فيه وبعد الغض عن سنده أنه لعله لمصلحة لخصوص السائل كما وقع نظيره في غير المقام.

فالأولى عدم الاعتداد بها ولا بالصلاة التي يضطر فيها إلى القيام قبل التشهد ، ولا يجزيه فعله قائما للأصل وإطلاق ما دل (٢) على اعتبار الجلوس فيه السالمين عن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ١.

١٩٨

المعارض ، خلافا للموجز وعن الجعفرية وشرحها من الاجتزاء به ، بل قيل إنه به صرح علي بن بابويه فيما نقل من عبارته ، بل في الأول إلحاق التسليم به أيضا ، ولم نعرف له مستندا في الملحق والملحق به.

نعم لا يجب الجهر في القراءة الجهرية إذا لم يتمكن منه قطعا كما في المدارك ، ولا نعرف فيه خلافا كما في المنتهى ، ولصحيح ابن يقطين السابق (١) ومرسل ابن أبي حمزة (٢) عن الصادق عليه‌السلام « يجزيك إذا كنت معهم من القراءة مثل حديث النفس » لكن من المعلوم إرادته المبالغة في الإخفات كما عن السرائر الاعتراف به ، ضرورة عدم صدق اسم القراءة إن أريد الحقيقة ، وليس هو إلا مجرد تصور لا قراءة كما هو واضح ، ولا ينافي ذلك ما حكي عن بعض العامة من وجوب قراءة المأموم فلا يجب الإخفات حينئذ لعدم التقية ، لأنه من المحتمل أن المشهور بينهم عملا أو فتوى أيضا عدم القراءة بحيث لا يكفي في رفعها ذهاب بعضهم إلى القراءة ، فتأمل.

ولو فرغ المأموم من القراءة قبل الامام استحب له إبقاء آية من السورة ثم يذكر الله ويسبحه ويكبر ويهلل حتى يفرغ فيتم السورة ويركع ، بل أطلق الإمام عليه‌السلام في‌ موثق زرارة (٣) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أكون مع الإمام فأفرغ من القراءة قبل أن يفرغ ، قال : أبق آية ومجد الله وأثن عليه ، فإذا فرغ قرأتها ثم تركع » وخبر ابن أبي شعبة (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « قلت له : أكون مع الإمام فأفرغ قبل أن يفرغ من قراءته ، قال : فأتم السورة ومجد الله تعالى وأثن عليه حتى يفرغ » ولذا حكم في الذكرى بعد أن ذكر خبر زرارة باستحباب ذلك مع الإمام المرضي وغيره ، وقال : إن فيه دلالة على استحباب التسبيح والتمجيد في الأثناء ، وعلى جواز القراءة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٣.

١٩٩

خلف الامام ، وهو جيد ، بل فيه دلالة على عدم وجوب المتابعة في الأقوال في الجملة أيضا ، خصوصا لو قلنا : المراد منه القراءة في الأخيرتين بالنسبة للمرضي.

ثم إن ظاهر النصوص والفتاوى عدم وجوب إعادة هذه الصلاة بعد مراعاة تلك الأمور التي سمعتها من القراءة وغيرها وإن كان الوقت باقيا ، بل ولو كان له مندوحة عن ذلك ، وفاقا لبعض وخلافا لآخر ، للإطلاق المزبور ، والحث على حضور جماعتهم ، وإدراك الصف الأول والمبالغة في فضلها حتى أن في بعضها (١) التشبيه بصلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفي آخر (٢) كسل السيف في سبيل الله مع ظهور وجه الحكمة فيها من أنهم حتى يقولوا رحم الله جعفرا ما أحسن ما كان يؤدب به أصحابه ولما يحصل به من تأليف القلوب وعدم الطعن على المذهب وأهله ، ودفع الضرر وغير ذلك ، بل قد ورد الحث (٣) على مخالطتهم وعيادة مرضاهم وتشييع جنائزهم ، وأنكم إن استطعتم أن تكونوا الأئمة والمؤذنين فافعلوا.

نعم يظهر من بعض المعتبرة (٤) أن الأفضل الصلاة في المنزل ثم الصلاة معهم وأنها تحسب حينئذ نافلة ، ولتمام البحث في ذلك محل آخر تقدم بعضه في الوضوء ، إلا أنه ينبغي أن يكون المراد بمن لا يقتدى به في النصوص والفتاوى العامي المخالف في الدين لا ما يشمل المؤمن الفاسق الذي يصلى خلفه رغبة أو رهبة ، اقتصارا فيما خالف الأصول والعمومات من ترك الجهر بالقراءة أو تركها ونحوهما على الظاهر أو المتيقن من النصوص والفتاوى ، نعم لو فعل ذلك ولم يترك شيئا مما يجب عليه منفردا جاز وإن كان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧٥ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

٢٠٠