جواهر الكلام - ج ١٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

النار ، ثم نزل وهو يقول : قليل في سنة خير من كثير في بدعة » ومنها‌ موثق عمار (١) عن الصادق عليه‌السلام « سألته عن الصلاة في رمضان في المساجد فقال : لما قدم أمير المؤمنين عليه‌السلام الكوفة أمر الحسن بن علي عليهما‌السلام أن ينادي في الناس لا صلاة في شهر رمضان في المساجد جماعة ، فنادى في الناس الحسن بن علي عليهما‌السلام بما أمره به أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فلما سمع الناس مقالة الحسن بن علي عليهما‌السلام صاحوا وا سنة عمراه وا عمراه وا عمراه ، فلما رجع الحسن إلى أمير المؤمنين عليهما‌السلام قال له : ما هذا الصوت؟ قال : يا أمير المؤمنين الناس يصيحون واعمراه واعمراه ، فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : قل لهم صلوا » ومنها‌ خبر سليم بن قيس الهلالي (٢) قال : « خطب أمير المؤمنين عليه‌السلام فحمد الله وأثنى عليه ثم صلى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم قال : ألا إن أخوف ما أخاف عليكم خلتان : اتباع الهوى وطول الأمل ـ إلى أن قال ـ : قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متعمدين لخلافه ناقضين لعهده ، مغيرين لسنته ، ولو حملت الناس على تركها لتفرق عني جندي حتى أبقى وحدي أو قليل من شيعتي ـ إلى أن قال ـ : والله لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة وأعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة فتنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل معي يا أهل الإسلام غيرت سنة عمر ، نهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوعا ، ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري ».

ولعله ظاهر في بدعة الاجتماع في مطلق النوافل التي منها نوافل شهر رمضان ، ولا ينافيه مناداتهم بالنهي عن التطوع فيه بعد أن كان مورد عمومه عليه‌السلام ذلك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب نافلة شهر رمضان ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب نافلة شهر رمضان ـ الحديث ٤ من كتاب الصلاة.

١٤١

بل قد يظهر منه أيضا أن مراده بالنهي في الخبر الأول ذلك أيضا ، وأن ذكر شهر رمضان لأنه فرد من العام كما يومي اليه حكايته ما أمر به في هذا الخبر ، بل لعل صحيح الفضلاء أيضا كذلك بقرينة‌ قوله عليه‌السلام في الخطبة : « خالفوا فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » بل وبقرينة‌ خبر محمد بن سليمان (١) الطويل جدا ، قال : « إن عدة من أصحابنا اجتمعوا على هذا الحديث منهم يونس بن عبد الرحمن عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وصباح الحذاء عن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه‌السلام ، وسماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وقال أيضا : إني سألت الرضا عليه‌السلام عن هذا الحديث فأخبرني به ، ثم قال : قال هؤلاء جميعا : سألنا عن الصلاة في شهر رمضان كيف هي؟ وكيف فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ فقالوا جميعا : إنه لما دخلت أول ليلة من شهر رمضان ـ إلى أن قال ـ : فانصرف إليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : أيها الناس إن هذه الصلاة نافلة ، ولن يجتمع للنافلة ، فليصل كل رجل منكم وحده ، وليقل ما علمه الله من كتابه ، واعلموا أنه لا جماعة في نافلة ، فافترق الناس ».

وهو ـ مع انجبار سنده بما عرفت ، وشهادة قرائن كثيرة بصحة مضمونه ، واعتضاده‌ بالمروي (٢) عن الخصال والعيون « لا يجوز أن يصلى التطوع في جماعة ، لأن ذلك بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار » بل في التنقيح‌ روى الأصحاب « لا جماعة في نافلة » وبغير ذلك من النصوص الدالة في الجملة ، وبالأصول المقررة والقواعد المحررة المقتضية عدم سقوط القراءة ، وعدم وجوب المتابعة ونحوهما من أحكام الجماعة التي لا يعارضها إطلاق بعض الأخبار استحباب الجماعة في الصلاة بعد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب نافلة شهر رمضان ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٥ و ٦.

١٤٢

تبادر غير النافلة منها ، وكونها مساقة لبيان فضل الائتمام في نفسه من دون نظر لما يؤتم به من الفريضة والنافلة ـ كاشف عن المراد بالصحيح الأول لأن كلامهم (ع) يحل بعضه بعضا على أنه لا قائل باختصاص المنع في نوافل شهر رمضان ، فيكون إحداث قول ثالث.

فما عساه يظهر من المدارك والذخيرة من التوقف والتردد في هذا الحكم بل الميل إلى عدمه في غير محله قطعا ، وإن تجشم أولهما فقال : « ربما ظهر من كلام المصنف فيما سيأتي أن في المسألة قولا بجواز الاقتداء في النافلة ـ ثم حكى ما في الذكرى « لو صلى مفترض خلف متنفل نافلة مبتدأة أو قضاء لنافلة أو صلى متنفل بالراتبة خلف المفترض أو متنفل براتبة خلف راتبة أو غيرها من النوافل فظاهر المتأخرين المنع » ثم قال ـ : وهذا كلام يؤذن بأن المنع ليس إجماعيا ، والذي ألجأه إلى ذلك قصور سند بعض أخبار المختار ودلالة آخر وورود بعض أخبار صحيحة دالة على الجواز كصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله (١) عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : « صل بأهلك في رمضان الفريضة والنافلة فإني أفعله » وصحيح هشام بن سالم (٢) سأل أبا عبد الله عليه‌السلام « عن المرأة تؤم النساء ، قال : تؤمهن في النافلة ، فأما المكتوبة فلا » ونحوه غيره ـ ثم قال ـ : ومن هنا يظهر أن ما ذهب اليه بعض الأصحاب من استحباب الجماعة في صلاة الغدير جيد وإن لم يرد فيها نص بالخصوص ، مع أن العلامة نقل في التذكرة عن أبي الصلاح أنه روى استحباب الجماعة فيها ، ولم نقف على ما ذكره » انتهى.

وهو من غرائب الكلام لابتنائه أولا على الاعراض عن المشهور بل المجمع عليه كما عرفت ، والركون إلى خلافه بتجشم قائل به من نحو ما سمعت ، وأنه ليس بإجماعي عند الشهيد ، مع أنه على تقديره لا ينافي كونه كذلك عند غيره ، وثانيا على الطعن في دليل المختار بما ذكر مما عرفت سقوطه في الغاية ، مع توجه بعض الطعن المزبور إلى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

١٤٣

صحيحه الذي ألجأه إلى مثل ذلك بلا صراحة فيه بمطلوبه ، بل هو موافق للتقية ، كالتفصيل في صحيحه الآخر المعرض عنه بين الأصحاب ، وإن كان قد يظهر من الاستبصار القول به المحتمل إرادة النافلة التي تجوز فيها الجماعة ولو الفريضة المعادة استحبابا ، وغير ذلك ، ضرورة اشتماله على خصوص النافلة في شهر رمضان التي يمكن دعوى تواتر الأخبار ببدعية الجماعة فيها ، فضلا عن إجماع الشيخ في الخلاف على ذلك بالخصوص ، كاشتراك تتميمه بعد الإغضاء عن ذلك بعدم القول بالفصل بينه وبين دليل المختار ، بل هو أولى منه.

ومن ذلك يظهر ما في قوله : « ومن هنا » إلى آخره. مع أنه ضعيف في نفسه أيضا ، وإن كان هو ظاهر المفيد في مقنعته ، واختاره في اللمعة وفوائد الشرائع للمحقق الثاني وحاشية الإرشاد لولده وعن الغنية والإشارة والتقي والمجلسي وتلميذه أبي الحسن ، بل عن مجمع البرهان أنه المشهور ، وأنه ليس ببعيد ، بل عن إيضاح النافع أن عمل الشيعة على ذلك ، لكن لا دليل عليه أصلا فضلا عن أن يصلح لمعارضة ذلك الدليل سوى ما في التذكرة من أن التقي نسبه إلى الرواية ، وما في المقنعة من حكاية ما وقع للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الغدير (١) ومنه أنه أمر أن ينادى الصلاة جامعة ، فاجتمعوا وصلوا ركعتين ثم رقى المنبر ، وما في الروضة من التعليل بأنه عيد ، والآخر كما ترى وسابقه لا يجوز التعويل عليه هنا وإن قلنا بالتسامح في دليل المستحب لكن حيث لا يعارضه ما يقتضي الحرمة ، ودعوى أن دليل الحرمة لا يزيد على حرمة التشريع التي لا تمنع من التسامح في دليل المستحب يدفعها وضوح الفرق بين الأمرين خصوصا في المقام ، هذا ، ولعل في خلو كلام الأكثر عن ذكر الجماعة عند ذكرهم إياها في الصلوات‌

__________________

(١) المقنعة ص ٣٤.

١٤٤

المسنونة زيادة ظهور في عدم مشروعيتها فيها ، خصوصا مع كون ذلك المقام معدا لذكر كل ما فيه زيادة للفضل ، فلا حظ.

نعم ينبغي استثناء التجميع ببعض النوافل التي أشار إليها المصنف مستثنيا لها من الحرمة السابقة بقوله عدا الاستسقاء للإجماع عليه والنصوص (١) والعيدين مع اختلال شرائط الوجوب بناء على ما مر سابقا ، بل قد يقال : إنه لا ينبغي استثناء الثانية من ذلك وإن قلنا بصحة الجماعة فيها ، لعدم اندراجها في دليل النافلة بعد ظهورها في إرادة الأصلية منها لا ما كانت فرضا سابقا ، ومن هنا قال الحلي في سرائره بعد أن نقل عن بعض المتفقهة عدم جواز الجماعة فيها معللا له بأنها نافلة ولا يجوز الجمع فيها : « وهذا قلة تأمل من قائله ـ إلى أن قال ـ : فأما تعلقه بأن النوافل لا يجوز الجمع فيها فتلك النافلة التي لم تكن على وجه من الوجوه ولا في وقت من الأوقات نافلة واجبة ما خلا صلاة الاستسقاء ، وهذه الصلاة أصلها الوجوب ، وإنما سقط عند عدم الشرائط وبقي جميع أفعالها على ما كانت عليه من قبل » إلى آخره ، ومرجعه إلى ما ذكرنا من الشك في شمول النافلة لمثلها إن لم يكن الظاهر عدمه ، وهو جيد ، بل منه يظهر أنه لا ينبغي استثناء التجميع في صلاة اليومية استحبابا كالمعادة لإدراك جماعة والتبرعية عن الميت ونحوهما من حرمته في النافلة ، إذ هي أولى بعدم الشمول وإن كان قد يظهر من بعضهم التوقف فيه حتى لو عرض الوجوب باستئجار ونذر ونحوهما ، إلا أنه في غير محله كما مرت الإشارة إلى ذلك ، ويأتي له زيادة بيان إن شاء الله.

وكيف كان فـ ( تدرك الصلاة جماعة وتحتسب له ركعة بإدراك ) تكبيرة الركوع وهو مأموم إجماعا محصلا ومنقولا مستفيضا إن لم يكن متواترا كالنصوص (٢)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة الاستسقاء.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

١٤٥

بل قضية إطلاق معاقد جملة منها إدراكها بمجرد إدراكه تاما أي قبل حصول مسماه من الامام سواء أدرك التكبير معه أولا ، بل صرح به في الذكرى ، فقال : « إن أدرك الإمام قبل ركوعه احتسب بتلك الركعة إجماعا سواء أدرك تكبيرة الركوع أولا » لكن فيه أن ظاهر المخالف في المسألة الآتية ودليله اعتبارها في الإدراك ، كما ستعرف‌ وكذا تدرك بإدراك الإمام راكعا على الأشبه الأشهر ، بل لا أجد فيه خلافا بين المتأخرين كما اعترف به في الذكرى والرياض ، فنسباه فيهما إليهم ، بل نسبه في السرائر إلى المرتضى ومن عدا الشيخ من الأصحاب ، بل في الغنية نفي الخلاف عنه مطلقا ، بل الشيخ نفسه حكى عليه الإجماع في الخلاف مكررا للنصوص المعتبرة المستفيضة جدا إن لم تكن متواترة ، بل في السرائر أنها كذلك ، منها‌ الصحيح الذي رواه المشايخ الثلاثة (١) عن الصادق عليه‌السلام « إذا أدركت الامام وقد ركع فكبرت وركعت قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدركت الركعة ، وإن رفع رأسه قبل أن تركع فقد فاتتك الركعة » ومنها‌ الصحيح الآخر (٢) عنه عليه‌السلام أيضا أنه قال : « في الرجل إذا أدرك الامام وهو راكع فكبر الرجل وهو مقيم صلبه ثم ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك الركعة » ومنها‌ الصحيح (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « إذا دخلت المسجد والامام راكع فظننت أنك إن مشيت اليه رفع رأسه قبل أن تدركه فكبر واركع فإذا رفع رأسه فاسجد مكانك ، فإذا قام فالحق بالصف ». إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي منها أيضا الواردة (٤) في أمر الإمام بانتظاره في الركوع وتطويله كي يلحق المأمومون.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

١٤٦

فما في نهاية الشيخ وعن تهذيبه واستبصاره والمفيد والقاضي ـ من اشتراط الإدراك بإدراك تكبيرة الركوع ، قال في الأول : « وإن لحق تكبيرة الركوع فقد أدرك تلك الركعة ، فان لم يلحقها فقد فاتته » إلى آخره ـ ضعيف جدا ، وإن كان يشهد له‌ صحيح ابن مسلم (١) عن الباقر عليه‌السلام قال : « قال لي : إن لم تدرك القوم قبل أن يكبر الإمام للركعة فلا تدخل معهم في تلك الركعة » وصحيحه الآخر (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « لا تعتد بالركعة التي لم تشهد تكبيرها مع الامام » بل‌ والثالث (٣) أيضا « إذا أدركت التكبيرة قبل أن يركع الامام فقد أدركت الصلاة » بل وخبره الرابع (٤) أيضا عن الصادق عليه‌السلام « إذا لم تدرك تكبيرة الركوع فلا تدخل معهم في تلك الركعة » بل وحسن الحلبي أو صحيحه (٥) الوارد في الجمعة عن الصادق عليه‌السلام « إذا أدركت الإمام قبل أن يركع الركعة الأخيرة فقد أدركت الصلاة ، فإن أنت أدركته بعد ما ركع فهي الظهر أربع ركعات » متمما بعدم القول بالفصل بين جماعة الجمعة وغيرها قطعا ، وإن احتمله في الذخيرة إلا أنه في غير محله.

لكن الجميع كما ترى قاصر عن معارضة ما تقدم ، لرجحانها أولا بالشهرة العظيمة فتوى ، بل الإجماع كما سمعت ، بل ورواية ، خصوصا مع ملاحظة اتحاد الراوي في مقابلها عدا الأخير منها ، وبموافقة الكتاب ثانيا ، لصدق الامتثال بذلك ، وبقوة الدلالة ثالثا بخلافها ، لاحتمال الأخير إرادة الفراغ من الركعة ، والأولين والرابع الكراهة في غير الجماعة الواجبة ، بل وفيها على بعض الوجوه ، وإرادة تمام الركوع من التكبير للتعبير به عنه كما في الذكرى ، ولعل منه الصحيح الأول من أدلة الأول ، والتخصيص للعموم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١.

١٤٧

فيها وفي الثالث بأخبار المختار ، بل قد يقال بعدم عموم فيها ، فلم يكن فيها دلالة حينئذ أصلا ، إلى غير ذلك مما لا يخفى ، هذا.

وربما كان ظاهر الشيخ في نهايته أنه يكتفي في إدراك الركعة بمجرد سماع المأموم تكبيرة الركوع وإن لم يكن هو حال سماعها خارج الصلاة ، فيكون نزاعه حينئذ مع المشهور باشتراط الإدراك حال ركوع الامام بسماع التكبيرة وعدمها ، فالمشهور لا يشترطونه فيكتفون بمجرد الاجتماع معه في الركوع وإن لم يكن قد سمع ، وهو يشترط الإدراك في هذا الحال بسماع المأموم تكبيرة الركوع ، لا أن نزاعه في أصل الإدراك بإدراك الإمام راكعا ، وكأنه هو الذي فهمه منه المولى في شرح المفاتيح ، لكن على كل حال ضعفه ظاهر ، بل لعله على هذا التقدير أضعف ، لمعلومية عدم مدخلية التكبيرة المستحبة على الأصح في ذلك ، إذ قد لا يقولها الامام ، وإن كان قد يشهد له ظاهر بعض ما سمعته من الأخبار ، والأمر سهل بعد ظهور ضعفه على التقديرين ، فلا نطيل الكلام بتحرير ذلك.

ثم إنه لا فرق على المختار في تحقق الإدراك بإدراك الركوع بين إدراك الذكر معه أولا ، لإطلاق الأدلة السابقة ، فما عن التذكرة ـ من اشتراط ذكر المأموم قبل رفع الإمام رأسه ، ولعله لتوقف صدق إدراك الركوع عليه ، ومفهوم المروي عن‌ الاحتجاج (١) عن الحميري عن مولانا صاحب الزمان عليه‌السلام « انه إذا لحق مع الامام من تسبيح الركوع تسبيحة واحدة اعتد بتلك الركعة » ـ ضعيف جدا ، ضرورة منع الأول وقصور الثاني عن تقييد الصحاح السابقة المعتضدة بإطلاق الفتاوى ومعقد الإجماع ، خصوصا مع احتمال إرادة الاعتداد بالنسبة للفضيلة منه ، على أنك ستسمع ما وجدناه في التذكرة ، فالمعتبر حينئذ إدراكه قبل رفع رأسه بأن يركع معه وهو راكع ، ولا يكفي تحقق التكبير من المأموم ، بل ولا الهوي قبل الوصول إلى حد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٥.

١٤٨

الراكع وقد رفع الإمام رأسه من الركوع ، كما عساه يتوهم من صدر الصحيح الأول ، للأصل ، وذيل ذلك الصحيح الكاشف عن المراد بما في صدره والصحيح الآخر وغيرهما.

بل ولا يكفي وصول المأموم إلى ما أراده من حد الراكع فضلا عن الوصول إلى مسمى الركوع في حال أخذ الإمام في الرفع وإن لم يكن قد تجاوز حد الراكع ، لصدق رفع الإمام رأسه قبل ركوع المأموم ، لا أقل من الشك ، لندرة الفرض ، فيبقى أصالة عدم الجماعة من غير معارض ، لكن في الرياض تبعا للذخيرة أن فيه وجهين ، بل قد يظهر من بعض عبارات كشف الأستاذ الاكتفاء بذلك ، بل هو صريح التذكرة قال فيها : « إذا اجتمع مع الإمام في الركوع أدرك الركعة ، فإن رفع الإمام رأسه مع ركوع المأموم فإن اجتمعا في قدر الاجزاء من الركوع وهو أن يكون رفع ولم يجاوز حد الركوع الجائز وهو بلوغ يديه إلى ركبتيه فأدركه المأموم في ذلك وذكر بقدر الواجب أجزأه ، وإن أدرك دون ذلك لم يجزه » انتهى.

ولو شك في الإدراك وعدمه فلا جماعة أيضا ، لمعارضة استصحاب بقائه راكعا باستصحاب عدم لحوق ، وأصالة تأخر كل من رفع الإمام رأسه وركوع المأموم عن الآخر مع أصالة عدم الاقتران ، ولأن الشك في الشرط شك في المشروط ، ودعوى ظهور الأدلة في مانعية رفع الإمام رأسه ، فيكفي في تحققه أصالة عدمه لا شرطية الركوع واضحة المنع ، كدعوى عدم صلاحية معارضة استصحاب عدم لحوق المعتضد باستصحاب عدم الجماعة وأحكامها لاستصحاب بقائه راكعا المحتاج في إثبات المطلوب به إلى واسطة أخرى خارجة عن مقتضاه هي وصول المأموم إليه في هذا الحال ، نعم إنما يثمر استصحاب بقائه راكعا إلى حين الإدراك جواز دخول المأموم في الجماعة ونيتها ضرورة وضوح الفرق بين إثبات حصول الإدراك وتحققه به بعد العلم برفع الإمام رأسه وبين إثبات بقاء الامام على هذا الحال إلى أن يدركه ، إذ الثاني كاستصحاب‌

١٤٩

عدالة الامام وعقله وغيرهما من سائر شرائط الأفعال المستمرة المتأخرة التي لا يعلم المكلف حصولها في الآن الثاني ، بل يكتفي في إحرازها حتى ينوي القربة باستصحاب بقائها في الزمان المتجدد.

على أنه قد يقال بأن منشأ جواز الدخول في العبادة فيه وفي أمثاله مما لم يعلم حصول الشرائط في الزمان المتأخر بل قد لا يظن بل قد يظن العدم ظواهر الأدلة كالنصوص السابقة والسيرة والطريقة والعسر والحرج وغير ذلك ، كما أنه قد يقال أو قيل باعتبار الاطمئنان في الإدراك الذي هو كالعلم في العادة ، وإلا فالاستصحاب نفسه من دون حصول ذلك غير كاف أيضا ، وربما يؤيده الصحيح الأخير المشتمل على الأمر بالتكبير والركوع قبل الوصول إلى الصف إذا ظن عدم الإدراك لو مشى اليه ، لكنه كما ترى ضعيف جدا لا دليل عليه ، بل ظاهر الأدلة خلافه ، وأضعف منه تأييده بالصحيح المزبور ، بل هو عند التأمل لا دلالة فيه على شي‌ء مما نحن فيه أصلا ، فالأقوى الاكتفاء حينئذ بالدخول في الجماعة باحتمال الإدراك ، كما أن الأقوى عدم حصول الجماعة مع الشك في أنه أدرك أو لا ، بل ومع الظن الذي لم تثبت حجيته شرعا.

وأقل ما تنعقد الجماعة المندوبة باثنين ، الإمام أحدهما بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في المنتهى والرياض والمفاتيح ، بل في التذكرة وعن كشف الالتباس الإجماع عليه ، بل عن المنتهى عليه فقهاء الأمصار ، فلا يشترط حينئذ في حصولها الزيادة على ذلك إجماعا كما عن نهاية الأحكام ، وإن كان لفظ الجماعة حقيقة في الثلاثة فصاعدا عندنا ، لكن المدار هنا على حصول الصلاة جماعة شرعية يترتب عليه ما ذكر لها من الأحكام لا صدق اسم الجماعة ، وهو متحقق بمطلق الضم والاجتماع المتحقق في ضمن الاثنين قطعا ، لما عرفت ، ول‌ قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) الذي حكاه عنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٦.

١٥٠

مولانا الرضا عليه‌السلام « الاثنان فما فوقهما جماعة » كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للجهني (١) على ما حكاه الباقر عليه‌السلام في الخبر « نعم » جواب سؤاله عن أنه وامرأته جماعة ، وخبر الصيقل (٢) سأل الصادق عليه‌السلام « كم أقل ما تكون الجماعة؟ قال : رجل وامرأة » وصحيح محمد بن مسلم (٣) عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « الرجلان يؤم أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه » ولغير ذلك ، فللمتحد المصلي خلف غيره نية الائتمام ، بل ونية الجماعة المشروعة المتحققة بذلك قطعا ، فما في حواشي الشهيد عن الشيخ أنه إن كان المؤتم واحدا نوى الائتمام والاقتداء ، وإن كان اثنين مع الامام جاز أن ينوي الجماعة بخلاف الواحد ضعيف قطعا ، أو ينزل على ما لا ينافي المطلوب.

ثم لا فرق بين الذكور والإناث في الحكم المزبور ولو مع التفريق فيما يصح منه كالخناثى ، لإطلاق الأدلة وصراحة بعضها في بعض ، بل في‌ خبر أبي البختري (٤) عن جعفر عليه‌السلام انعقادها بالرجل والصبي ، قال عليه‌السلام : « إن عليا عليه‌السلام قال : الصبي عن يمين الرجل إذا ضبط الصف جماعة » وبه صرح غير واحد ، بل يشمله إطلاق الأدلة السابقة بناء على شرعية عبادة الصبي التي يشهد لها الخبر المزبور ، إلا أن يدعى انعقادها بذلك حتى لو قيل بالتمرين كما صرح به في الذخيرة تبعا للمحكي عن الروض ومجمع البرهان ، لإطلاق الأدلة وخصوص الخبر ، وهو لا يخلو من وجه ، وإن كان الأوجه بناء على التمرينية حمل خصوص الخبر المتقدم على إرادة حصول فضيلة الجماعة تفضلا لا انعقادها حقيقة ، نحو ما ورد في خبر الجهني (٥)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ٨.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ٢.

١٥١

والمرسل (١) عن الصدوق « من أن المؤمن وحده جماعة » ضرورة عدم حصولها حقيقة بذلك ، لمعلومية التنافي بينها وبين الانفراد ، فلا بد من حملهما على إرادة حصول فضلها له لو طلبها وأرادها فلم تتيسر له ، خصوصا لو أذن وأقام ثم صلى ، بل هو مراد الصدوق قطعا في المحكي عنه من أن الواحد جماعة ، لأنه إذا دخل المسجد وأذن وأقام صلى خلفه صفان من الملائكة ، ومتى أقام ولم يؤذن صلى خلفه صف واحد من الملائكة لا الجماعة بالمعنى المصطلح ، فلو نوى حينئذ الائتمام لم تصح نيته قطعا ، وفي بطلان الصلاة إشكال كما عن نهاية الأحكام من بطلان النية لبطلان ما نواه وتعذره ، ومن بطلان الوصف ، فيقع لاغيا ويبقى الباقي على حكمه ، لكن يقوى في النظر الثاني إن لم يجعله من مقومات ما نواه متقربا به ، ولو ائتم الصبي بمثله انعقدت جماعة بناء على شرعية عباداتهم وعلى اختصاص شرطية التكليف في الإمام بائتمام المكلفين لإطلاق‌ قوله (ص) « الاثنان فما فوقهما جماعة » لكن في كشف الأستاذ أن البناء على التمرين المحض في خصوص الإمامة غير بعيد.

ثم إن المراد بأقلية الاثنين في النص والفتوى من حيث العدد بمعنى أن لا مرتبة من العدد أقل منه تنعقد بها الجماعة ، فلا ينافيه حينئذ تفاوت أفراد هذا الأقل في الفصل كما يومي اليه خبر الصيقل (٢) المشتمل على أن أقل ما يكون به الجماعة رجل وامرأة ، ضرورة إرادة بيان اتصاف المرأة بالنقص عن الرجل منه ، وعدم الترغيب في جماعة النساء ، لكن قد يشكل بما في البيان من أن المرأتين بهذا الاعتبار أقل من الرجل والمرأة ، وإن كان قد يدفع بأنه لا دليل عليه سوى مجرد اعتبار لا يصلح معارضا لما سمعت ، فلعلهما حينئذ متساويان في نظر الشرع كما يومي اليه ما في كشف الأستاذ ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٧.

١٥٢

حيث قال : أقل ما تنعقد به الجماعة امرأتان إحداهما الإمام ، أو رجل وامرأة أو أزيد فضلا منه باعتبار التجانس أو غيره من الحكم الخفية ، كما عساه يشهد له الاقتصار في الخبر المزبور على أقلية الأول ، فالمتجه حينئذ الوقوف على خصوص المستفاد من الأدلة بالنسبة إلى قلة ذلك وكثرته في الثواب والسكوت عن غيره في سائر الصور المتصورة هنا بالنسبة للصبيين والصبيتين ، والصبي والصبية ، والمرأة والصبية ، والرجل والصبي ، والمرأة والرجل ، والمرأتين والرجلين ، والرجل والصبية ، وغير ذلك ، كصور الخنثى أيضا ونحوها.

نعم لا ريب في تصاعد فضلها بتصاعدها ، روى الشهيد الثاني عن الشيخ أبي جعفر ابن أحمد القمي نزيل الري في كتاب الامام والمأموم بإسناده المتصل إلى‌ أبي سعيد الخدري (١) قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أتاني جبرائيل مع سبعين ألف ملك بعد صلاة الظهر فقال : يا محمد إن ربك يقرؤك السلام وأهدى إليك هديتين قلت : وما تلك الهديتان؟ قال : الوتر ثلاث ركعات ، والصلوات الخمس في جماعة ، قلت : يا جبرائيل وما لأمتي في الجماعة؟ قال : يا محمد إذا كان اثنين كتب الله لكل واحد بكل ركعة مائة وخمسين صلاة ، وإذا كانوا ثلاثة كتب الله لكل واحد بكل ركعة ستمائة صلاة ، وإذا كانوا أربعة كتب الله لكل واحد بكل ركعة ألفا ومائتي صلاة ، وإذا كانوا خمسة كتب الله لكل واحد بكل ركعة ألفين وأربعمائة صلاة ، وإذا كانوا ستة كتب الله لكل واحد منهم بكل ركعة أربعة آلاف وثمانمائة صلاة ، وإذا كانوا سبعة كتب الله لكل واحد منهم بكل ركعة تسعة آلاف وستمائة صلاة ، وإذا كانوا ثمانية كتب الله لكل واحد منهم بكل ركعة تسعة عشر ألف ومائتي صلاة ، وإذا كانوا تسعة كتب الله لكل واحد منهم بكل ركعة ستة وثلاثين ألفا وأربعمائة صلاة وإذا كانوا عشرة كتب الله لكل واحد منهم بكل ركعة سبعين ألفا وألفين وثمانمائة‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٣.

١٥٣

صلاة ، فإن زادوا على العشرة فلو صارت بحار السماوات والأرض كلها مدادا والأشجار أقلاما والثقلان مع الملائكة كتابا لم يقدروا أن يكتبوا ثواب ركعة واحدة ، يا محمد تكبيرة يدركها المؤمن مع الامام خير من ستين ألف حجة وعمرة ، وخير من الدنيا وما فيها سبعين ألف مرة ، وركعة يصليها المؤمن مع الامام خير من مائة ألف دينار يتصدق بها على المساكين ، وسجدة يسجدها المؤمن مع الإمام في جماعة خير من عتق مائة رقبة » ولا استبعاد في شي‌ء مما ذكر فيه على لطف الله ورأفته وفضله وحكمته خصوصا بعد أن كان ذلك هديته منه إلى حبيبه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا غرو إن عظمت ، إذ الهدايا على مقدار مهديها ، لكن من المعلوم أن ذلك كله للجماعة الصحيحة لا مطلقا ، فينبغي المحافظة فيها حينئذ على جميع ما يعتبر فيها.

ومنه أنها لا تصح مع حائل بين الامام والمأموم غير الصفوف يمنع المشاهدة لمن يعتبر في الصحة مشاهدته في سائر الأحوال كالقيام والقعود ونحوهما جدارا كان أو غيره بلا خلاف أجده ، بل الظاهر أنه إجماعي كما في الذخيرة ، بل هو كذلك في صريح الخلاف والمنتهى والمدارك وعن إرشاد الجعفرية والمصابيح وظاهر الذكرى وعن المعتبر والغرية حيث نسب فيها إلى علمائنا ، لأنه خلاف المعهود من الجماعة التي يمكن دعوى وجوب الاحتياط فيها باعتبار توقيفيتها ، وعدم وضوح استفادة حكمها من الإطلاقات الغير المساقة لبيان كيفيتها ، ول‌ صحيح زرارة (١) عن الباقر عليه‌السلام « إن صلى قوم وبينهم وبين الامام ما لا يتخطى فليس ذلك الامام لهم بإمام ، وأي صف كان أهله يصلون بصلاة إمام وبينهم وبين الصف الذي يتقدمهم قدر ما لا يتخطى فليس تلك لهم بصلاة ، وإن كان بينهم سترة أو جدار فليس تلك لهم بصلاة إلا من‌

__________________

(١) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ٦٢ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢ وذيله في الباب ـ ٥٩ ـ منها ـ الحديث ١.

١٥٤

كان بحيال الباب ، قال : وهذه المقاصير لم يكن في زمن أحد من الناس وإنما أحدثها الجبارون ، وليس لمن صلى خلفها مقتديا بصلاة من فيها صلاة » قال (١) : وقال أبو جعفر عليه‌السلام : « ينبغي أن تكون الصفوف تامة متواصلة بعضها إلى بعض ، لا يكون بين الصفين ما لا يتخطى ، يكون قدر ذلك مسقط جسد الإنسان إذا سجد ».

فما في‌ خبر ابن الجهم (٢) « سألت الرضا عليه‌السلام عن الرجل يصلي بالقوم في مكان ضيق ويكون بينهم وبينه ستر أيجوز أن يصلي بهم؟ قال : نعم » يجب حمله على غير مانع المشاهدة أو التقية أو غير ذلك ، على أن الموجود فيما حضرني من نسخة الوافي بالشين المعجمة والباء الموحدة ، نعم حكى هو في بيانه عن بعض النسخ السين المهملة والتاء المثناة من فوق واحتمل تصحيفه.

أما إذا كان الحائل قصيرا لا يمنع المشاهدة فلا خلاف بل ولا إشكال في عدم قادحيته ، نعم قد يتوقف فيما لو منعها حال الجلوس مثلا دون القيام لقصره كما عن المصابيح ، لصدق السترة والجدار ، وتوقيفية الجماعة ، مع أن الذي صرح به الفاضل والشهيدان والكركي وولده وأبو العباس والمقداد والخراساني وعن غيرهم عدم قدحه أيضا ، بل لا أجد فيه خلافا ولا إشكالا ممن عدا من عرفت بينهم ، ولعله كذلك ، لعدم الشك في شمول إطلاق الجماعة له ، وعدم إرادة ما يشمله من السترة والجدار ، بل قد يقوى في النظر عدم قدحه لو كان شباكا مانعا للاستطراق دون المشاهدة ، وفاقا للسرائر والذكرى والدروس والبيان والموجز والمسالك ، بل هو المشهور كما في الذخيرة والكفاية والرياض ، بل لم أجد فيه خلافا إلا من الشيخ في الخلاف فلم يجوزه ، والسيد في الغنية حيث قال فيها : « ولا يجوز أن يكون بين الامام والمأمومين ولا بين الصفين‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٢ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٣.

١٥٥

ما لا يتخطى مثله من مسافة أو بناء أو نهر بدليل الإجماع الماضي ذكره » والحلبي في إشارة السبق يشترط أن لا يكون بين المؤتمين وبين إمامها حائل من بناء أو ما في حكمه كنهر لا يمكن قطعه أو غيره ، ولعلها لا صراحة فيها بالخلاف فيما نحن فيه بل ولا ظهور ، فينحصر حينئذ بالشيخ ، وإن حكي عن معتبر المصنف أنه حكاه عن المصباح ، بل في الذكرى « أنه يظهر من المبسوط والتقي عدم الجواز مع حيلولة الشباك مع اعترافه بجواز الحيلولة بالمقصورة المخرمة ، ولا فرق بينهما » انتهى ، لكن في الذخيرة موافقة المبسوط للمشهور ، وفي مفتاح الكرامة عن المبسوط ما نصه « الحائط وما يجري مجراه مما يمنع مشاهدة الصفوف يمنع من صحة الصلاة والاقتداء بالإمام ، وكذلك الشبابيك والمقاصير تمنع من الاقتداء بإمام الصلاة إلا إذا كانت مخرمة لا يمنع من مشاهدة الصفوف » وهي كما ترى مضطربة وإن كان الظاهر منها ما حكاه في الذكرى بناء على استئناف وأو المقاصير.

وكيف كان فلا حجة له سوى الإجماع المدعى في الخلاف على الظاهر والغنية كذلك الذي لم يثبت وفاق أحد من العلماء لهما فيه ، بل صريح من تأخر عنهما خلافه ، ودعوى صراحة الصحيح السابق فيه التي هي ممكنة المنع إن كان المراد بموضع الدلالة منه قوله فيه « ما لا يتخطى » إذ الظاهر إرادة المسافة منه كما يومي اليه لفظ القدر ، بل ذيله كالصريح في ذلك ، اللهم إلا أن يدعى عموم لفظ « ما » فيه لهما كما يومي اليه عبارة الغنية السابقة مؤيدا بتفريع السترة والجدار عليه في الصحيح ، إذ الموجود في كثير من النسخ الفاء وإن كان فيما حضرني من نسخة الوافي الواو ، بل وكذا إن كان المراد ما فيه من منع الاقتداء بمن في المقاصير ، إذ لعلها لم تكن مخرمة ، فان المقاصير جمع المقصورة ، وهي كما في المجمع الدار الواسعة المحصنة أو أصغر من الدار كالقصارة بالضم ، فلا يدخلها إلا صاحبها ، وفي الوافي المقاصير جمع المقصورة ، ومقصورة المسجد مقام الإمام أي ما يحجر لا يدخل فيه غيره ، وليس فيها إطلاق يتمسك به فضلا عن الصراحة ، ضرورة إرادة‌

١٥٦

المقاصير المخصوصة ، لكن ومع ذلك كله فالإنصاف بناء المسألة على اعتبار ما شك في اعتباره في الجماعة وعدمه ، ولو لإطلاق الأدلة ، كقوله تعالى (١) ( ارْكَعُوا مَعَ الرّاكِعِينَ ) وغيره ، ضرورة كون ما نحن فيه منه ، إذ لو سلم أن الصحيح لا دلالة فيه على المنع منه إلا أن ذلك بمجرده لا يصلح مقتضيا للجواز ، وكأنه هو منشأ القائلين بالصحة معه ، أو البناء على الثاني كما هو المفهوم من استدلال جملة من الأصحاب حتى الشيخ بل ظاهر إرسالهم له إرسال المسلمات أنه لا كلام فيه ، بل قد يظهر من بعض عبارات الشيخ الإجماع عليه.

إلا أن الأول لا يخلو من قوة ، إذ ليس في شي‌ء من الأدلة ما سيق لبيان حصول الجماعة بما يشمل الفرض ، بل هي بين مساق لبيان فضلها وبين مساق لبيان انعقادها من غير هذه الجهة ، وغير ذلك حتى الآية منها التي خوطب فيها بنو إسرائيل بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والركوع مع المسلمين الراكعين لو سلم إرادة الجماعة منها ، وإلا فمن المحتمل إرادة الخضوع والخشوع من الركوع فيها ، أو الصلاة على معنى دخولهم معهم وصيرورتهم مثلهم في أداء الصلاة معبرا بالركوع عنها ، لأنه أول أركانها المميزة لها عن غيرها ، وكررها اهتماما بشأنها ، وإظهارا لإرادة ذات الركوع من الصلاة التي أمروا بإقامتها لا صلاة اليهود الخالية عن ذلك كما قيل ، أو لأن المراد منها صلاة الجمعة الواجب فيها الاجتماع كما هو مقتضى حقيقة الأمر بالركوع معهم ، أو مطلق الجماعة ، وعلى كل حال فلم تسق لبيان حصول الجماعة وانعقاد الصلاة بمجرد صدق اسم الركوع معهم.

على أنه قد يمنع تحقق المعية مع الحائل ولو شباكا ، فدعوى حصول الجماعة وثبوت أحكامها المخالفة للأصل من سقوط القراءة ووجوب المتابعة ونحوهما بمثل ذلك كما ترى ، ومن هنا كان الاحتياط حينئذ بما ذكره الشيخ لا ينبغي تركه ، بل تردد فيه‌

__________________

(١) سورة البقرة ـ الآية ٤٠.

١٥٧

في الكفاية ، وأولى منه الحائل الذي يتحقق معه المشاهدة حال الركوع خاصة لثقب في وسطه مثلا ، أو حال القيام لثقب في أعلاه ، أو في حال الهوي إلى السجود لثقب في أسفله.

وليست الظلمة من الحائل قطعا ، بل ولا الطريق ولا النهر وفاقا للأكثر كما في المنتهى ، بل المشهور كما في الذخيرة ، لمنع الشك في شمول الأدلة لمثله ، واستصحاب الصحة قبل اعتراض الطريق والنهر ، خلافا للمحكي عن أبي الصلاح في الأخير ، واستجوده في المدارك إن أرادا ما لا يتخطى منه ، وقد سمعت ما في الغنية والإشارة ، ولأبي حنيفة فيه وفي سابقه قياسا على الجسم الحائل ، وهو على بطلانه مع الفارق ، لكن من المعلوم أن مرادنا عدم القدح من حيث النهرية والطريقية ، وإلا فمع فرض تحقق المنع من جهة أخرى كعدم التخطي إن قلنا باعتباره أو حصول التباعد السالب لاسم الجماعة أو غير ذلك لا إشكال في القدح ، وظني أن ذلك مبنى الحلبي وأبي المكارم لما ستعرف أن مبناهما في المسألة الآتية تجديد البعد المانع من انعقاد الجماعة بما لا يتخطى فما سمعته من المدارك لا يخلو من نظر ، فتأمل جيدا.

وكذا لا يندرج في الحائل الزجاج ونحوه مما يشاهد من خلفه كما في كشف الأستاذ ، لاعتبار المنع عن المشاهدة في الحائل في ظاهر النص وصريح الفتوى ، وفيه منع كون مثله مشاهدة ، بل أقصاه ارتسام صورة الشي‌ء فيه ، وهو غير المشاهدة حقيقة اللهم إلا أن يمنع ويدعى خرق البصر له أو تقوية به ، فيشاهد من خلفه حقيقة.

نعم يندرج في الحائل الشخص ، فلو فرض حيلولة إنسان بين الامام والمأموم يمنع المشاهدة بطلت الصلاة إلا أن يكون هو مأموما ، إذ مشاهدته حينئذ كافية ، لأنه مشاهد الامام ، وإلا لبطلت صلاة الصف الثاني المحجوب بالصف الأول ، وهو واضح الفساد.

١٥٨

ولو فرض فساد صلاة الحائل اتجه الفساد حينئذ ، لأنه كالأجنبي كما صرح به في المسالك مقيدا له بعلمه بفساد صلاته ، قال فيها : « ولا يقدح حيلولة بعض المأمومين إمامهم عن بعض مع مشاهدة المانع للإمام ، أو مشاهدة من يشاهده من المأمومين وإن تعددت الوسائط ، ويشترط عدم علم الممنوع من المشاهدة بفساد صلاة الحائل ، وإلا بطلت صلاته أيضا ، لأن المأموم حينئذ كالأجنبي » انتهى. لكن قد يناقش بظهور دليل الحائل في الفساد ولو مع عدم العلم حال الصلاة ، ولعله يريده بحمل النفي في كلامه على نفي عدم العلم أصلا المتحقق بالعلم بعد الصلاة ، اللهم إلا أن يدعى خروج خصوص هذا الحائل.

ولو تجدد الحائل في أثناء الصلاة ففي الصحة وعدمها وجهان ، كما لو تجدد رفعه بعد فرض دخول المصلي بوجه صحيح كعمى أو عدم علم ونحوهما ، لكن يظهر من المنتهى بطلان الائتمام في الأول ، وهو قوي جيد ، كقوته في الثاني أيضا ، ضرورة عدم الجدوى بتجدد رفعه ، نعم له نية الانفراد على الظاهر.

ولو كان الحائل بين الامام وبعض المأمومين أو بين بعض الصف اللاحق والصف السابق إلا أن من هو خلف الحائل منهم متصل بفاقده ولو بوسائط كما هو الغالب في مساجد زماننا هذا فلا بأس به في ظاهر جملة من الأصحاب بل صريحهم ، فاكتفوا في الصحة بمشاهدة الإمام أو مشاهدة مشاهده ولو بوسائط ولو بطرف العين ، كمشاهدة الجانبين ، صرحوا بذلك هنا وفيما يأتي فيما لو صلى الإمام في محراب داخل ، قال في موضع من المنتهى : « لو لم يشاهد الامام وشاهد المأموم صحت صلاته ، وإلا لبطلت صلاة الصف الثاني ، ولا نعرف فيه خلافا » وقال في آخر منه نحو ما في التذكرة والمسالك والمدارك وعن غيرها لو وقف المأموم خارج المسجد حذاء الباب وهو مفتوح يشاهد المأمومين في المسجد صحت صلاته ، ولو صلى قوم على يمينه أو شماله أو ورائه صحت‌

١٥٩

صلاتهم ، لأنهم يرون من يرى الامام ، ولو وقف بين يدي هذا الصف صف آخر عن يمين الباب أو يسارها لا يشاهدون من في المسجد لم تصح صلاتهم » ثم قال فيه : « ولو لم يكن المأمومون في قبلته بل على جانبه فان اتصلت الصفوف به صحت صلاته ، وإلا فلا ، ذكره الشيخ في المبسوط ـ إلى أن قال أيضا ـ : التاسع لا بأس بالوقوف بين الأساطين » وقيده في التذكرة بما إذا اتصلت الصفوف به أو شاهد الإمام أو بعض المأمومين ، إلى آخره إلى غير ذلك من عباراتهم الصريحة فيما ذكرنا ، بل نسبه في الذخيرة إلى الشيخ ومن تبعه ، بل في الكفاية أني لم أجد من حكم بخلافه ، كما أنه في الرياض بعد نسبته إلى الأشهر اعترف بأنه لا يكاد يعرف فيه خلاف إلا من بعض من تأخر ، ونسبه في مفتاح الكرامة إلى فوائد الشرائع والجعفرية والميسية والغرية وإرشاد الجعفرية وغيرها ، قال : ذكروا ذلك في مسألة المحراب الداخل ، لكن قال في الذخيرة : حكم المصلي خارج المسجد محاذيا للباب ناسبا له إلى جماعة من الأصحاب تارة وإلى الشيخ ومن تبعه أخرى متجه إن ثبت الإجماع على أن مشاهدة بعض المأمومين يكفي مطلقا ، وإلا كان في الحكم المذكور إشكال ، نظرا إلى‌ قوله عليه‌السلام : « إلا من كان بحيال الباب » فان ظاهره قصر الصحة على ذلك ، وجعل بعضهم هذا الحصر إضافيا بالنسبة إلى الصف الذي يتقدمه عن يمين الباب ويساره ، وفيه عدول عن الظاهر انتهى ، واستحسنه في الرياض هنا ، بل ربما مال اليه.

واعترضه في الحدائق ـ بعد أن جعل منشأ اشتباهه تخصيص المشاهدة المعتبرة في الصحة بالإمام دون اليمين والشمال ، ولذا صحت خصوص صلاة المحاذي للباب ـ بأن اللازم عليه بطلان صلاة طرفي الصف الأول المستطيل بحيث لا يرى المأموم إماما (١)

__________________

(١) وفي النسخة الأصلية « لا يرى الإمام إماما ».

١٦٠