جواهر الكلام - ج ١٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

على الأصل ، كبقاء شغل ذمة الميت عليه أيضا ، فتأمل جيدا فإن أكثر هذه المسائل ليست بمحررة في كلمات الأصحاب ، ولا دليل لها واضح من أخبار الباب ، فالاحتياط فيها مطلوب ، والله أعلم.

وإذ قد فرغ من الكلام في سبب الفوات والقضاء شرع في اللواحق ، فقال : وأما اللواحق فمسائل ، الأولى من فاتته فريضة من الخمس غير معينة قضى صبحا ومغربا وأربعا عما في ذمته على المشهور بين الأصحاب قديما وحديثا نقلا وتحصيلا ، بل في الرياض نسبته إلى عامة المتأخرين ، بل في السرائر وعن الخلاف وظاهر المختلف الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد تأيده بشهادة التتبع له ، ووجود الحكم المزبور في مثل النهاية التي هي متون أخبار غالبا ، بل والمقنع على ما حكى عنه الذي ذكر في أوله أن ما بينه فيه كان في الكتب الأصولية موجودا مبينا عن المشايخ العلماء الفقهاء الثقات ، وأنه لذلك حذف منه الاسناد روما للاختصار ، ومرسل علي بن أسباط (١) عن غير واحد من أصحابنا المنجبر بما سمعت ، بل قد يدعى عدم قدح مثل هذا الإرسال من مثل هذا المرسل عن الصادق عليه‌السلام « من نسي صلاة من صلوات يومه واحدة ولم يدر أي صلاة هي صلى ركعتين وثلاثا وأربعا » ومرفوع الحسين بن سعيد (٢) المروي عن المحاسن « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي صلاة من الصلوات الخمس لا يدري أيها هي ، قال : يصلي ثلاثة وأربعة وركعتين ، فان كانت الظهر أو العصر أو العشاء كان قد صلى ، وإن كانت المغرب أو الغداة فقد صلى » المؤيدين بأصالة عدم قدح مثل هذا الترديد في صحة العمل ، بل هو في الحقيقة تردد للشي‌ء في نفسه لا من قبل المكلف ، ضرورة عدم وجوب تعيين مثل ذلك عليه في الأداء والقضاء بعد اتحاد ما في ذمته ، إذ الظهرية والعصرية أو البدلية عنهما ليست من الأمور التكليفية ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ الحديث ٢.

١٢١

فلا تجب عند عدم توقف التعيين عليها ، لعدم الاشتراك أو غيره كما أومى إليه في الخبر الثاني.

وحينئذ لو ظهر له التعيين في الأثناء لم يجب عليه ملاحظة نية الجزم بفعله ، وإن حكم به في الذكرى ، وأولى منه في الاكتفاء لو ذكر بعد الفراغ ، وإن احتمل في الذكرى أيضا وجوب الإعادة عليه حينئذ ، لكنه ضعيف جدا ، لما عرفت من عدم وجوب مثل هذا التعيين وسقوطه خصوصا في نحو المقام المتعذر عليه الجزم بنية أحدها لمكان نسيانه حتى لو فعل الخمس ، إذ قصده ظهرية الواقع منه مثلا لا تورثه جزما بأنه الفائت منه كي يجزم به ، بل يمكن القول بعدم إجزائه عنه لو كرر الأربعة ثلاثا قاصدا بكل واحدة منها ما احتمل أنه فإنه من فرائض الأداء كما احتمله في الذكرى غير مرجح للاجزاء عليه ، بل عن الشهيد الثاني أيضا ذلك ، لأنه تعيين لما لا يعلمه ولا يظنه ، بخلاف الترديد فإنه آت في الجملة على كل محتمل ، وبخلاف الصبح والمغرب لعدم إمكان الإتيان بالواجب بدونهما ، ولاحتمال إرادة العزيمة من الخبرين ، بل كاد يكون ظاهرا ثانيهما ، لا الرخصة وإن حكي عن مجمع البرهان استظهارها ، بل في الذكرى « لو جمع بين التعيين والترديد أمكن البطلان ، لعدم استفادته رخصة به وعدم انتقاله إلى أقوى الظن ، والصحة لبراءة الذمة بكل منهما منفردا فكذا منضما » وإن كان ذلك منه لا يخلو من نظر يعرف بالتأمل فيما قدمنا ، كما أنه يعرف منه أيضا عدم الفرق في الحكم المزبور بين الحاضر والمسافر بمعنى اكتفائه بثلاث واثنتين بين الظهر والصبح والعشاء على ما صرح به جماعة ، بل في التذكرة نسبته إلى الأكثر ، والذخيرة إلى المشهور ، بل عن الروض أنه يمكن ادعاء الإجماع هنا ، لأن المخالف فيه كالمخالف هناك ، بل عنه وفي المختلف أن القول بالتكرير هنا دونه في الأولى مما لا يجتمعان ، ولعله لقطعهما بالمساواة لا للقياس الممنوع ، أو لدعوى دلالة الخبرين عليه ولو بفحواه وإرادة المثال مما فيه خصوصا الثاني‌

١٢٢

منهما المشتمل على ما هو كالتعليل ، أو لما ذكرناه آنفا من القاعدة المشتركة بين الحاضر والمسافر ، أو لغير ذلك ، فما في السرائر ـ من الفرق بين المسألتين بوجوب الثلاثة في الأولى والخمس في الثانية معللا ذلك باقتضاء القاعدة الخمس ، لكن خولف مقتضاها في الأولى للإجماع دون الثانية ، لاقتصار الأصحاب عليها خاصة ـ لا يخفى ما فيه بعد ما عرفت.

وأضعف منه ما قيل من أنه يجب عليه أن يقضي في الأولى أيضا صلاة يوم كما في الإشارة والغنية ، بل في ظاهر الأخيرة أو صريحها الإجماع عليه ، وحكي عن التقي وابن حمزة لكن لم أجده في وسيلة الثاني منهما ، كما أنا لم نتبين صحة الإجماع المزبور ، بل لعل التبين يشهد بخلافه ، كما عرفت ، بل ولم نعرف له دليلا أيضا سوى دعوى وجوب الجزم أو التعيين المقتضيين لفعل الخمس من باب المقدمة التي قد عرفت فسادها من وجوه.

ومن هنا كان الأول أقوى ، لأنه مروي في الخبرين السابقين المعتضدين بما سمعت ، بل وهو الأشبه أيضا بأصول المذهب وقواعده وإن كان لا مراعاة فيه للجهر والإخفات المتقدم وجوبهما في الأداء بل والقضاء أيضا ، بل ربما توقف في المختار بعضهم من هذه الجهة ، لكن قد يدفعها إطلاق النص والفتوى ومعقد الإجماع المقتضي بضميمة أصالة براءة الذمة سقوطه عنه هنا وثبوت التخيير له ، ضرورة استحالة التكليف بهما وعدم وجوب الجمع بينهما بعد أن ثبت أن تكليفه الثلاث ، خصوصا إذا كان على وجه العزيمة ، بل قد يدعى اندراجه فيما ثبت سقوطه فيه من الجهل به أو نسيانه وإن كان هو من جهة خصوص المكلف به من ذوات الجهر أو الإخفات لا الجهل بأصل الوجوب أو نسيانه ، بل قد يدعى أيضا عدم تناول أصل الوجوب للمقام ، ضرورة ظهوره في المعلومة المعينة ، فيبقى ما نحن فيه حينئذ على الأصل ، خصوصا بعد‌

١٢٣

ملاحظة النص ومعقد الإجماع والفتاوى حتى من الخصم أيضا ، لظهور أن منشأ إيجابه التكرير مراعاة الجرم والتعيين الذي قد عرفت فساده لا الجهر والإخفات ، وإلا لأوجب أربعا لا خمسا ، فلا ريب حينئذ في التخيير المزبور وإن احتاط بعضهم بمراعاته بفعل الأربع بل وبالخمس أيضا خروجا عن شبهة الخلاف ، لكن مما سمعته سابقا يظهر لك أن الاحتياط بإتيان المرددة مع ذلك ، لاحتمال عدم الاجزاء في المعين كما عرفت.

وكذا لا ريب في تخييره هنا بتقديم أي الفرائض شاء ، لاتحاد الفائت الذي أوجبنا الثلاث مقدمة لتحصيله ، فلا ترتيب حتى لو اشتبهت الفائتة بين يومي القصر والإتمام ، فإنه يجزيه رباعية مطلقة ثلاثيا وثنائية مطلقة رباعيا ومغرب مخيرا في تقديم أيها شاء ، إذ يقطع حينئذ بحصول فائتته كائنة ما كانت ، فيفعل حينئذ ما شاء من حواضر وفوائت مما هو مترتب عليها وجوبا أو استحبابا ، نعم لو فرض تعدد الفائت المشتبه أمكن القول بمراعاته بناء على عدم سقوطه بالنسيان أو الجهل ، فيجب التكرار حينئذ لتحصيله على نحو الوجوه المتقدمة سابقا في نظائره ، هذا ، وفي الرياض تبعا للروضة أنه لو كان في وقت العشاء ردد بين الأداء والقضاء بناء على وجوب نيتهما أو الاحتياط فيه ، وإلا كفت القربة ، وفيه احتمال وجوب تعيين العشاء عليه في نحو الفرض لرجوع شكه إلى ما عدا العشاء في خارج الوقت واليه فيه ، وتظهر الثمرة في وجوب الجهر عليه وعدمه.

ولو فاته من ذلك الذي ذكرناه وهو فريضة من الخمس غير معينة مرات لا يعلم عد ها قضى ثلاثا وأربعا واثنتين عندنا ويوما تاما عند من عرفت مكررا كذلك مراعيا للترتيب بينها لا فيها كما نص عليه في نحو المقام في الذكرى ، ووجهه واضح حتى يغلب على ظنه أنه وفى‌ كما أنه يجب عليه أيضا في المسألة الثانية التي هي إذا فاتته صلاة معينة كصبح أو ظهر ولم يعلم كم مرة أن يكرر من تلك‌

١٢٤

الصلاة التي فاتته حتى يغلب عنده الوفاء بل وكذا لو فاتته صلوات لا يعلم كميتها ولا عينها صلى أياما متوالية إلى أن يغلب عنده الوفاء وإن قال المصنف فيها إنه يفعل ذلك حتى يعلم أن الواجب دخل في الجملة إلا أنه لما لم يكن وجه للفرق بينها وبين المسألتين المتقدمتين بذلك ـ بل ولا فارق على كثرة من تعرض له ـ وجب إرادته من العلم هنا الظن كما جزم به في المدارك ، أو يريد من غلبة الظن في الأولتين العلم الذي هو في أيدي الناس في جميع أمورهم الذي لا يقدح فيه بعض الاحتمالات التي تقدح في العلم المصطلح عليه عند أرباب المعقول ، بل يمكن حمل كثير من عبارات الأصحاب عليه ، كما يومي اليه في الجملة توافق التعبير هنا عنه بغلبة الظن لا الظن خاصة ، بل وما في التذكرة أيضا حيث علله به ، قال فيها : « لو فاتته صلوات معلومة التعيين غير معلومة العدد صلى من تلك الصلوات إلى أن يتغلب في ظنه الوفاء ، لاشتغال الذمة بالفائت فلا تحصل البراءة قطعا إلا بذلك » بل وما في المحكي من عبارة الذكرى أيضا حيث فرعه عليه تارة وعبر به عنه أخرى ، قال فيها : « ولو فاته ما لم يحصه قضى حتى يغلب على الظن الوفاء تحصيلا للبراءة ، فعلى هذا لو شك بين عشر صلوات وعشرين قضى العشرين إذ لا تحصل البراءة المقطوعة إلا به مع إمكانها ـ إلى أن قال ـ : وكذا الحكم لو علم أنه فاته صلاة معينة أو صلوات معينة ولم يعلم كميتها ، فإنه يقضي حتى يتحقق الوفاء ، ولا يبني على الأقل إلا على ما قاله الفاضل » إلى آخره.

بل قد يؤيده أيضا أنه يجب تقييد المذكور بناء على إرادة الظن المزبور بما إذا لم يتمكن من العلم أو كان فيه عسر وحرج ، ضرورة وجوب تحصيله عليه بدونهما ، لتوقف يقين البراءة عن يقين الشغل عليه ، وهو ـ مع أنه لا إشارة في كلامهم اليه ، ولذا التزم بعض مشايخنا بالاكتفاء به وإن تمكن من العلم حاكيا له عن أستاذه الشريف العلامة الطباطبائي تمسكا بما أطبقوا عليه من هذا الإطلاق مستظهرا له من بعض متأخري‌

١٢٥

المتأخرين ممن عاصره أو قارب عصره وإن كان فيه منع واضح ، لمخالفته القواعد ، بل وتصريح بعض الأصحاب كالشهيدين وعن غيرهما من غير دليل ، إذ ليس في أخبار الباب كما اعترف به غير واحد من الأصحاب ما يشهد له ولو بإطلاقه فضلا عن النص عليه عدا ما قيل من‌ صحيح عبد الله بن سنان (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قلت له : أخبرني عن رجل عليه من صلاة النوافل ما لا يدري ما هو من كثرتها كيف يصنع؟ قال : فليصلي حتى لا يدري كم صلى من كثرتها ، فيكون قد قضى بقدر ما علمه من ذلك ». وهو مع أنه في النوافل التي لا يقاس عليها حكم الفرائض ، لأنها أشد منها ، نعم لو كنا نقول باقتضاء القاعدة الاقتصار في مثل الصور المفروضة على ما تيقن فواته خاصة أمكن حينئذ استفادة وجوب الزائد على ذلك حتى يصل إلى الظن من حكم النافلة بطريق الأولى ، مع أنه منعه في المدارك أيضا وإن كان في منعه نظر ، خصوصا بعد اشتمال الجواب على ما هو كالتعليل العام لذلك والفريضة ، ووارد فيمن لا يتمكن من العلم ، ولا دلالة فيه على الاكتفاء بالظن ، بل كان الأولى إبداله بخبر مرازم (٢) « ان إسماعيل بن جابر سأل الصادق عليه‌السلام عن النوافل الفائتة التي لا يمكن إحصاؤها فقال : توخ » معارض بقوي علي بن جعفر (٣) المروي عن قرب الاسناد عن أخيه موسى عليه‌السلام « سألته عن الرجل ينسى ما عليه من النافلة وهو يريد أن يقضي كيف يقضي؟ قال : يقضي حتى يرى أنه قد زاد على ما عليه وأتم » الذي دعوى أولوية الفريضة منه بذلك أوضح ، ونحو ذلك مما ستسمعه فيما يأتي عن قريب إن شاء الله ـ يؤدي إلى حمل عبارات الأصحاب على الفرد النادر جدا ضرورة غلبة معرفته عددا يقطع بدخول الواجب فيه يتمكن من فعله من غير عسر ولو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها الحديث ٣.

١٢٦

في الأزمان المتطاولة ، لكثرة دورانه بين الأعداد الحاصرة كالعشرة والعشرين والأنقص والأزيد ، خصوصا بعد إيجاب القضاء عليه إلى غلبة الظن بالوفاء ، فان مرتبة العلم بعدها تحصل بأقل قليل ، بل قد يمنع تحقق العسر والحرج في هذه التتمة أصلا ، على أن عادة الأصحاب إطلاق الحكم المقيد بعدم التمكن أو العسر أو الحرج اتكالا على ما علم من العقل والنقل من سقوط التكاليف عندهما لا الإطلاق الموافق لمقتضاهما مع إرادتهم خروج صورة التمكن التي لا عسر وحرج فيها منه من غير إشارة في كثير من كلماتهم إليها ، بل قضية تنزيل إطلاقهم الاكتفاء بالظن على ما سمعته من حال العسر والحرج في تحصيل العلم سقوط القضاء بالمرة لا وجوبه إلى أن يحصل الظن ، إذ لا مدرك للسقوط حال العسر إلا كونه حينئذ كالمشتبه بغير المحصور الذي يسقط فيه خطاب المقدمة أصلا حتى الميسور منه أيضا ، كما هو واضح.

فلا وجه ـ بناء على ما ذكرنا من إرادة العلم من غلبة الظن في كلامهم قديما وحديثا حتى نسب للقطع به في كلامهم ، وربما حكي عن الغنية الإجماع عليه ، كما أنه عساه يفهم من غيرها أيضا ـ للإنكار عليهم بأنه لا دليل عليه من النصوص وغيرها ، إذ هم حينئذ في غنية عنها بقاعدة توقف الشغل اليقيني على البراءة اليقينية المقتضية وجوب القضاء إلى أن يحصل العلم بالفراغ ، ضرورة كون المقام من أفرادها وإن كانت الأفراد التي اشتبه فيها المكلف به مختلفة في القلة والكثرة ، بل ينبغي القطع به فيما لو كان ، عالما بقدر الفوائت ثم نسيه فدار بين أفراد متعددة ، إذ لا ريب حينئذ في بقاء الخطاب واقعا بذلك المنسي ولو من جهة الاستصحاب الذي لا يقطعه عروض النسيان بعد إمكان امتثاله بإتيان عدد يعلم دخوله فيه ، فالتمسك حينئذ بأصالة البراءة في نفي الزائد عن القدر المتيقن الذي هو القدر المشترك بين سائر الأفراد التي اشتبه فيها المكلف به لا وجه له قطعا ، بل وكذا فيما لو لم يسبقه علم بالقدر بل كان اشتباهه فيه من أول الأمر لإجمال ما كلف‌

١٢٧

وخوطب به عليه ، فلا يقطع بالامتثال إلا بفعل ما يعلم به ذلك ، لا أنه يكتفي بفعل ما يرفع به يقين الشغل ، إذ من الواضح إرادة صدق الامتثال منه بتمام المأمور به بعد أن علم أنه مكلف لا عدم يقين الشغل كما في سائر باب المقدمة من الثوب النجس وغيره.

ودعوى بعض الشافعية التي احتملها العلامة في التذكرة بل استوجهها في المدارك والذخيرة تبعا للمحكي عن المقدس الأردبيلي الاكتفاء بقضاء ما تيقن فواته ونفي الزائد بالأصل في المسألة الثانية من المسائل الثلاث التي عرفت أنها جميعا من واد واحد ، تمسكا بما دل من المعتبرة (١) على عدم الالتفات للشك في الصلاة خارج وقتها ، وبمساواتها بعد التحليل لما إذا علم الفوات من أيام معينة ثم شك في الزائد عليها ، يدفعها ظهور تلك الأدلة في الشك في نفس الفوات ابتداء لا فيما يتناول الفرض ، وظهور الفرق بين تيقن مقدار معين ثم الشك في الزائد وبين سلخ القدر المتيقن من الأفراد التي وقع الاشتباه فيها ، إذ الأول محل أصل البراءة ، لأنه شك في التكليف نفسه وإن قارنه علم بتكليف آخر ، بل سائر موارده من هذا القبيل ، بخلاف الثاني الذي قد علم فيه التكليف الدائر بين الخمسة والستة والعشرة مثلا ، وإتيانه بالخمسة التي هي على كل حال مخاطب بها إما لأنها هي التمام أو بعضه لا يحصل معه القطع بامتثال ما علم أنه مكلف به من ذلك الأمر المجمل ظاهرا المعين واقعا ، ضرورة عدم صلاحية الأصل لتنقيح أن الخمسة مثلا هي تمام المأمور به ، بل لا ريب في ذم العقلاء له على تركه الفرد الذي يحصل به يقين الامتثال إذ هو كأمر السيد عبده بإكرام عدد خاص من علماء البلد لم يبينه له وكان له طريق ممكن للامتثال القطعي ، وربما أشير إلى ذلك في خبري (٢) النوافل المتقدمين التي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب المواقيت.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ـ الحديث ١ و ٣.

١٢٨

من المعلوم أولوية الفرائض منها بذلك ، اللهم إلا أن يدعى انحلال ذلك في الفوائت إلى أوامر متعددة ، ضرورة كون الفوات تدريجيا وإن كانت جميعها تندرج تحت الأمر بقضاء الفائت ، فكل ما علم منها وجب امتثاله ، ولا مدخلية له بغيره ، وما شك فيه فالأصل براءة الذمة منه ، خصوصا في مثل الصلاة التي قد ثبت عدم الالتفات إلى الشك فيها خارج وقتها ، بل قد يدعى استمرار طريقة الأصحاب على التمسك بالأصل في أمثاله من الدوران بين الأقل والأكثر في الديون والصيام وغيرهما ، وهو قوي جدا ، لكن ظاهر أكثر الأصحاب بل صريح بعضهم كالشهيدين والفاضل المعاصر قدس‌سره في الرياض وعن غيرهم خلافه هنا ، ولعله لما سمعت ، وعليه بناء على ما عرفت من إرادتهم العلم بغلبة الظن يستغنى عن تطلب الدليل لذلك ، أما لو كان المراد من ذلك الظن بمعنى أنه يكتفي بفعله القضاء وإن تمكن من العلم بسهولة كما سمعته سابقا من بعضهم فلا دليل عليه كما عرفت سوى ما يتوهم من الاتفاق الناشئ من هذا الإطلاق الذي هو كما ترى ، والمرسل المروي في كتب الأصحاب من أن المرء متعبد بظنه الذي لا ينبغي الاعتماد عليه في مثل المقام المقتضي لهدم القاعدة المزبورة على أي حال كانت ، كخبر إسماعيل (١) عن الصادق عليه‌السلام « سألته عن الصلاة تجتمع علي قال : تحر واقضها » إذ هو ـ مع احتماله النافلة أيضا ، بل ظهوره بقرينة السائل ، خصوصا بعد تعبيره في السؤال بما يظهر منه وقوع ذلك منه غير مرة ، وخبر مرازم (٢) المشتمل على سؤال إسماعيل بن جابر الصادق عليه‌السلام عن النوافل الذي قدمناه ـ ضعيف غير صالح لإثبات مثل ذلك أيضا ، وأما لو قلنا بأن المراد منها الظن لكن بعد تقييد الاكتفاء به بما إذا لم يتمكن من العلم ولو لعسر وحرج فلعل الدليل عليه ـ بعد ظهور كونه كالمجمع عليه بين الأصحاب ـ معلومية قيامه مقام العلم في كل مقام تعذر هو فيه ، بل عن المختلف الإجماع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ـ الحديث ١.

١٢٩

على نحو ذلك ، والمرسل المتقدم المنجبر بما عرفت وفحوى ما سمعته في النوافل ، واستصحاب وجوب القضاء إليه الذي كان ثابتا حال العلم ، ضرورة سبق مرتبته عليه هنا ، لأن الوفاء تدريجي ، وعدم سقوط الخطاب بمقدمة العلم بتعذر بعض أفرادها ، وتوقف الامتثال عليه بعد أن سقط العلم لتعذره ، للشك في حصول الامتثال بدونه ، وغير ذلك ، فتأمل جيدا.

المسألة الثالثة من ترك الصلاة مرة مستحلا قتل بلا خلاف كما عن مبسوط الشيخ وخلافه ومجمع البرهان ، بل إجماعا محكيا في التحرير والذكرى وعن الغنية وكشف الالتباس إن لم يكن محصلا إن كان ذكرا وولد أو انعقد وكان أحد أبويه مسلما على ما يأتي من الوجهين أو القولين في تفسير المرتد عن فطرة ، فإن ما نحن فيه منه كسائر من أنكر ضروريا من ضروريات الدين كما تقدم البحث فيه عند الكلام في الكافر في باب الطهارة ، بل تقدم هناك أيضا البحث في أنه مقتض للكفر بنفسه أو لاستلزامه إنكار صاحب الشريعة ، والفرق بينه وبين إنكار المعلوم ضرورة وبين المعلوم نظرا.

أما الأنثى فلا تقتل بذلك وإن كانت عن فطرة ، كما نص عليه هنا غير واحد ويأتي بيانه أيضا في محله من الحدود ، بل تحبس وتضرب أوقات الصلاة حتى تتوب أو تموت لما رواه‌ ابن محبوب (١) عن غير واحد من الأصحاب عن الباقر والصادق عليهما‌السلام « المرأة إذا ارتدت استتيبت ، فان تابت وإلا خلدت في السجن وضيق عليها في حبسها » وعن عباد بن صهيب (٢) عن الصادق عليه‌السلام « المرتد يستتاب ، فان تاب وإلا قتل ، والمرأة تستتاب ، فان تابت وإلا حبست في السجن وأضرّ بها‌

__________________

(١) الاستبصار ـ ج ٤ ص ٢٥٣ ـ الرقم ٩٥٩ المطبوع في النجف.

(٢) الاستبصار ـ ج ٤ ص ٢٥٥ ـ الرقم ٩٦٧ المطبوع في النجف.

١٣٠

الخبر ، والخنثى المشكل لم أجد لأصحابنا فيه هنا نصا ، فيحتمل كونه كالأنثى احتياطا في الدماء ، وكونه كالذكر لإطلاق ما دل على قتل المرتد الذي علم خروج المرأة منه خاصة لكن الأول أقوى.

واستتيب إن لم يكن كذلك بأن كان أسلم عن كفر ولو لتبعية أبويه فيه ، إذ يكون حينئذ مرتدا عن ملة الذي حكمه أنه يستتاب فان امتنع قتل لقوله تعالى (١) ( فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ ) إلى آخره. وصريح الإجماع المحكي عن كتاب المرتد من الخلاف وظاهر الغنية كما يأتي إن شاء الله تحريره في محله ، وتتحقق توبته باخباره عن اعتقاد وجوبها وفعلها مع الندم على ما فات منه ، بل وإن لم يفعل أيضا وإن كان يعزر حينئذ ، أما لو فعل ولما يخبر ففي الذكرى أنه لا تتحقق التوبة ، كما أن فيها استظهار عدم الاكتفاء هنا بالإقرار بالشهادتين ، قال : لأن الكفر لم يقع بتركهما.

فان ادعى المرتد عن فطرة الشبهة المحتملة في حقه ، لقرب عهده بالإسلام أو بعد بلاده عنه مثلا أو غيرهما مما يمكن صلاحيته لعدم ثبوت الضرورة عنده درئ عنه الحد حتى لو قلنا بأن كفره لنفسه لا لاستلزامه كما يدرأ سائر الحدود في نحو ذلك من الشبهات كما تسمع الكلام مفصلا إن شاء الله فيه وفيما ذكره في المدارك والذخيرة تبعا للذكرى والمسالك من سقوطه أيضا بدعوى النسيان في إخباره عن الاستحلال أو الغفلة أو تأويل الصلاة في النافلة ، لقيام الشبهة الدارئة للحد معها أيضا.

هذا كله في التارك مستحلا وأما إن لم يكن مستحلا بل كان للعصيان عزر ، فان عاد عزر ، فان عاد ثالثة ففي الخلاف وظاهر التحرير هنا قتل كما هو الشأن في سائر الكبائر التي لم يكن حدها القتل أو ما يقضى إليه ابتداء ، إذ احتمال إخراج الصلاة من بينها ـ للحكم بكفر تاركها ، وبراءة ملة الإسلام منه ، وأنه ما بين‌

__________________

(١) سورة التوبة ـ الآية ٥ و ١١.

١٣١

الكفر والايمان إلا ترك الصلاة في عدة أخبار (١) فيها الصحيح الصريح المشتمل على تعليل ذلك بأن تركها ليس للذة ، بل ما هو إلا لاستخفاف المستلزم للكفر بخلاف الزنا ونحوه من المعاصي التي يدعو إليها الداع ـ مرغوب عنه بين الأصحاب ، ونصوصه محمولة على المبالغة في شأنها أو على الترك ثلاثا المساوي للكفر في القتل أو الاستحلال أو الاستخفاف وعدم الاعتناء في الأمر بها كما يومي اليه في الجملة التعليل المتقدم ، لا إذا كان الترك للاشتغال بملاذ الدنيا وحب الراحة ، خصوصا في بعض الأوقات أو غير ذلك مما لا ريب عند الأصحاب في مساواة الترك له لسائر الكبائر التي ستعرف أن حكمها في باب الحدود القتل في الثالثة المسبوقة بالتعزيرين ، لخبر يونس (٢) المنسوب إلى رواية الأصحاب في الذكرى عن أبي الحسن الماضي عليه‌السلام « أصحاب الكبائر كلها إذا أقيم عليهم الحد مرتين قتلوا في الثالثة » المؤيد بخبر أبي بصير (٣) عن الصادق عليه‌السلام « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا حد شارب الخمر مرتين قتله في الثالثة » وخبره الآخر عنه عليه‌السلام (٤) أيضا « من أخذ في شهر رمضان وقد أفطر فرفع إلى الامام يقتل في الثالثة » ومضمرة (٥) أيضا ، قال : « قلت : آكل الربا بعد البينة ، قال : يؤدب ، فإن عاد أدب ، فإن عاد قتل » وغير ذلك مما يأتي في محله إن شاء الله.

وقيل كما في الإرشاد وظاهر بعض عبارات الذكرى وغيرها وعن المبسوط‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب حد المسكر ـ الحديث ٢ من كتاب الحدود والتعزيرات.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب حد المسكر ـ الحديث ٤ من كتاب الحدود والتعزيرات.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ٢ من كتاب الصوم.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب بقية الحدود والتعزيرات ـ الحديث ٢ من كتاب الحدود.

١٣٢

والموجز وكشف الالتباس ، بل في الأخير نسبته إلى الشهرة ، بل قد يظهر من المحكي عن الخلاف في كتاب الردة الإجماع عليه كما ستسمع : إنه لا يقتل إلا في الرابعة بل في الذكرى حكي عن المبسوط أنه لا يقتل فيها إلا بعد أن يستتاب ، فان امتنع قتل ، كما أنه حكي فيها عن الفاضل موافقته في ذلك ولا ريب في أنه هو الأحوط في الدماء التي حقنها مقتضى الأصل ، خصوصا بعد‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان ، أو زنى بعد إحصان ، أو قتل نفس بغير حق » وإلا فلم نعثر له على نص يشهد له ولو على وجه العموم للكبائر التي منها ترك الصلاة كما اعترف به بعض الأساطين من أصحابنا عدا ما حكى عنه في‌ المبسوط أنه قال : روي (٢) عنهم عليهم‌السلام « إن أصحاب الكبائر يقتلون في الرابعة » نعم روى أبو خديجة (٣) عن الصادق عليه‌السلام في المرأتين في لحاف واحد القتل في الرابعة مع أنه روى هو القتل (٤) فيه في الثالثة عنه عليه‌السلام أيضا ، وعن جميل (٥) أنه روى بعض أصحابنا قتل شارب الخمر في الرابعة ، مع أنك سمعت خبر أبي بصير من قتله في الثالثة ، وروى أبو بصير (٦) عن الصادق عليه‌السلام في الزاني القتل في الرابعة ، كخبر زرارة (٧) أو يزيد عنه عليه‌السلام أيضا ، مع أنه في الذكرى عن جميل بن دراج أنه روى بعض أصحابنا قتله في الثالثة ، وأيضا لا دلالة في شي‌ء‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٨ ص ١٩ و ١٩٤.

(٢) المبسوط : كتاب المرتد ـ حكم تارك الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب حد الزنا ـ الحديث ٢٣ من كتاب الحدود.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب حد السحق والقيادة ـ الحديث ١ من كتاب الحدود.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب حد المسكر ـ الحديث ٧ من كتاب الحدود.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب حد الزنا ـ الحديث ١ من كتاب الحدود.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب حد الزنا ـ الحديث ٢ من كتاب الحدود ولكن روى عن عبيد بن زرارة أو بريد العجلي.

١٣٣

منها على الاستتابة التي ذكرها ، بل ظاهرها وغيرها خلافه.

لكن على كل حال لا يسوغ قتله قبل تخلل التعزير ، لأصالة حقن الدم ، ومفهوم النصوص السابقة.

ثم لا فرق هنا في ظاهر النصوص والفتاوى بين الذكر والأنثى ، فتقتل حينئذ في الثالثة أو الرابعة وإن لم يكن حكمها في الارتداد الذي هو أعظم منه ذلك وإن تكرر منها كما اعترف به في الذكرى ، قال فيها بعد أن ذكر حكمها مع الارتداد كما ذكرنا : « ولو تركتها لا مستحلة وعزرت ثلاثا فظاهر الأصحاب قتلها في الرابعة ، وكذا في جميع مواضع الحد أو التعزير » انتهى.

ونحوها في ذلك المرتد الملي الذي قد يظهر من إطلاق بعض الأصحاب أن حكمه في الاستحلال الاستتابة وإن تجاوز الرابعة والخامسة فما زاد ، بخلافه هنا ، فإنه يقتل في الرابعة أو الثالثة من غير استتابة وإن كان هو أهون من الارتداد ، لكن في مفتاح الكرامة عن كتاب الردة من الخلاف المرتد الذي يستتاب إذا رجع إلى الإسلام ثم كفر ثم رجع ثم كفر قتل في الرابعة ولا يستتاب ، دليلنا إجماع الفرقة ، على أن كل مرتكب للكبيرة إذا فعل به ما يستحقه قتل في الرابعة ، وهو صريح في مساواة الارتداد لباقي الكبائر في الحكم المزبور ، ويؤيده عموم الكبائر الثابت حكمها بما سمعت لما يشمل الارتداد ، بل هو أكبر الكبائر ، ومنه يعلم الحال في المرأة أيضا بالنسبة إلى ما تقدم ، وتمام البحث في هذه المسائل يأتي في محله إن شاء الله تعالى.

( الفصل الثالث في الجماعة )

( والنظر في أطراف ) :

( الأول الجماعة مستحبة في الفرائض ) الحواضر اليومية كلها كتابا (١)

__________________

(١) سورة البقرة ـ الآية ٤٠ وسورة النساء ـ الآية ١٠٣.

١٣٤

وسنة (١) متواترة وإجماعا بل ضرورة من الدين يدخل منكرها في سبيل الكافرين ، بل والفوائت كما صرح به غير واحد ، بل في الذكرى ما يظهر منه دعوى إجماع المسلمين عليه ، لعموم الأدلة ، وبدلية القضاء عن الأداء ، وفعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك في قضاء صلاة الصبح (٢) بناء على صحة تلك الرواية ، بل وغير اليومية من الفرائض عند علمائنا كما في المنتهى حتى المنذورة عندنا كما في الذكرى ذاكرا بعده ما يظهر منه إرادة الإمامية من ضمير الجمع ، بل ينبغي القطع به بالنسبة إلى صلاة الكسوف بل وغيره من الآيات ، لصراحة بعض أدلتها السابقة في ذلك.

أما غيرها من المنذورة وركعتي الطواف والاحتياط فان ثبت إجماع على مشروعية الجماعة فيها بالخصوص فهو ، وإلا كان للنظر فيه مجال كما اعترف به في الرياض بل وغيره للشك في إرادتها من إطلاق أدلة المقام إن لم يكن ظاهرها العدم ، خصوصا الأخيرة ، لظهور دليلها في تعريضها للفريضة والنافلة المقتضي مراعاة الصحة فيهما على كلا التقديرين مهما أمكن ، وليس هو إلا الانفراد لاحتمال نفلهما الذي لا يشرع فيه الجماعة ، بل والأولى استصحابا لحالها قبل النذر وإن قلنا بعدم صدق المشتق حقيقة بعد زوال المبدأ بناء على عدم اشتراط حجية الاستصحاب في نحوه بذلك ، مع أنه قد يمنع عدم الصدق هنا ، لعدم زوال الوصف أصلا ، بل هو بالنسبة إلى خصوص الناذر فقط ، فيكفي في صدق اسم النافلة عليها كونها كذلك في حد ذاتها وبالنسبة إلى غالب المكلفين ، كإطلاق اسم النافلة على صلاة الليل بالنسبة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل قد يدعى عدم المنافاة بين وصف النفل من جهة الذات وبين الوجوب من جهة العرض كالنذر وأمر الوالد والسيد ، فتندرج حينئذ فيما دل على منع الجماعة في النافلة ، خصوصا بعضه مما ستعرف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٦.

١٣٥

الذي يمكن دعوى ظهوره في إرادة الذات لا شرطية الوصف ، لا أقل من الشك ، فتبقى على أصالة عدم مشروعية الجماعة فيها ، ودعوى أن مفهوم الوصف بالنفل قاض بعدم منع الجماعات في فاقده بعد تعليق المنع بالنافلة يدفعها مضافا إلى ما عرفت وإلى عدم حجيته أنه لو قلنا بحجيته فإنما هو بالنسبة إلى فاقد الوصف من غير موضوع المنطوق أما هو فيمكن منع الحجية فيه ، خصوصا لو ذكر موصوفة معه ، كقوله أكرم زيدا العالم كل يوم فلا يدل على عدم الإكرام بعد زوال الوصف عن زيد إن لم نقل بدلالته على خلافه ، لإطلاق الأمر بإكرام الذات الذي لا يقيده الوصف بالعالم بعد عدم ظهوره في اشتراط دوامه بذلك ، لاحتمال إرادة التوضيح منه ، أو التخصيص لإخراج الفاقد من غير الموضوع ، وكون العلم في الجملة علة للإكرام المستمر وغير ذلك.

فلا ريب في كون الاحتياط بترك الجماعة فيها ، بل وفيما بعدها أيضا من ركعتي الطواف وصلاة الاحتياط كما اعترف به فيهما في الرياض تبعا للمحكي عن غيره ، خصوصا مع ملاحظة الخلاف في استحباب الأولى منهما وإن كان الطواف واجبا ، وليس المقام مما يتسامح فيه كسائر المستحبات التي لا يقدح عدم مصادفتها للواقع ، ضرورة اشتغال الذمة هنا بيقين الذي يطلب فيه البراءة كذلك ، وليس هو إلا في الانفراد ، لاحتمال عدم مشروعية الاجتماع فيها ، فلا تبرأ الذمة ، اللهم إلا أن يقال : إن ذلك يقدح لو كان منشأ التسامح في المستحب الاحتياط العقلي ، أما لو كان هو الأخبار‌ كعموم (١) « من بلغه » ونحوه فلا ، إذ ذاك يكون حينئذ حجة شرعية في قبول الخبر الضعيف مثلا المثبت للأمر الاستحبابي ، فيكون المفرغ للذمة حقيقة ما دل على التسامح لا خصوص الخبر الضعيف ، لكن قد يمنع عموم دليل التسامح لمثل المقام ، فتأمل.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب مقدمة العبادات.

١٣٦

وكيف كان فالجماعة وإن استحبت في باقي الفرائض إلا أنها تتأكد قطعا في الصلوات المرتبة اليومية سيما الصبح ، بل والعشاءين ، وسيما جيران المسجد ومن يسمع النداء ، وقد ورد أن الجماعة تفضل على صلاة الفذ أي الفرد بأربعة وعشرين درجة ، أو بخمس وعشرين ، أو بسبع وعشرين ، أو بتسع وعشرين (١) و « أن الركعة في الجماعة بأربعة وعشرين ركعة ، كل ركعة أحب إلى الله من عبادة أربعين سنة (٢) » و « أن من صلى الفجر في جماعة ثم جلس يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس كان له في الفردوس سبعون درجة بعد ما بين كل درجتين كحظر الفرس الجواد المضمر سبعين سنة ، ومن صلى الظهر في جماعة كان له في جنات عدن خمسون درجة بعد ما بين كل درجتين كحضر الفرس الجواد خمسين سنة ، ومن صلى العصر في جماعة كان له كأجر ثمانية من ولد إسماعيل عليه‌السلام يعتقهم ، ومن صلى المغرب في جماعة كان له كحجة مبرورة وعمرة مقبولة ، ومن صلى العشاء في جماعة كان له كقيام ليلة القدر (٣) » وأن الجماعة أفضل من الصلاة فرادى في مسجد الكوفة (٤) الذي‌ روي أن الصلاة فيه بألف صلاة (٥) بل‌ روي (٦) « أن فضل الجماعة على الفرد ألفا ركعة ».

لكن في الروضة أن الجماعة مستحبة متأكدة في اليومية حتى أن الصلاة الواحدة منها تعدل خمسا أو سبعا وعشرين صلاة مع غير العالم ، ومعه ألفا ، ولو وقعت في مسجد يضاعف بمضروب عدده أي المائة في عددها ، ففي الجامع مع غير العالم الفان وسبعمائة ، ومعه مائة ألف ، ثم قال : « وروي (٧) أن ذلك مع اتحاد المأموم ، فلو تعدد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١ و ٥ و ١٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١١.

(٤) التهذيب ج ٣ ص ٢٥ ـ الرقم ٨٨ من طبعة النجف.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب أحكام المساجد ـ الحديث ١١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١٨.

(٧) الظاهر أن الشهيد قدس‌سره استفاد التضاعف بتعدد المأمومين مما روي في المستدرك في الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٣.

١٣٧

تضاعف في كل واحدة بقدر المجموع في سابقه إلى العشرة ، ثم لا يحصيه إلا الله » انتهى مبنيا على احتساب فضل الجماعة على الفرد بما ذكر ، وإلا فبناء على الألفين ضاق عن حصرها الحساب والكتاب ، بل‌ روي (١) أيضا « من مشى إلى مسجد يطلب فيه الجماعة كان له بكل خطوة سبعون ألف حسنة ، ويرفع له من الدرجات مثل ذلك ، وأن من مات وهو على ذلك وكل الله به سبعين ألف ملك يعودونه في قبره ، ويبشرونه ، ويؤنسونه في وحدته ، ويستغفرون له حتى يبعث » و « أن الله يستحيي من عبده إذا صلى في جماعة ثم سأله حاجة أن ينصرف حتى يقضيها » (٢).

بل قد يستفاد من جملة (٣) من أخبار الباب الدالة على أن تارك الجماعة لا صلاة له الكراهة أيضا ، كما هو ظاهر الحر في وسائله بتقريب أنه متى تعذرت الحقيقة وجب الانتقال إلى أقرب المجازات ثم الأقرب ، ولا ريب أنه الكراهة بعد الفساد ، لكن المعروف استفادة نفي الكمال من مثل هذا التركيب الذي هو أعم من الكراهة ، مع احتمال إرادة نفي الصلاة منه هنا عن التارك رغبة عن الجماعة ، كما يومي اليه بعض الأخبار (٤) وإرادة لا صلاة له بين المسلمين بمعنى عدم حكمهم بها له ، لعدم رؤياه في جماعة المسلمين كما يومي اليه آخر (٥) أو غير ذلك.

لكن قد يقال : إن الكراهة إن لم تستفد من هذا التركيب فيمكن استفادتها مما رواه‌ ابن أبي يعفور (٦) عن الصادق عليه‌السلام « انه هم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإحراق قوم كانوا يصلون في منازلهم ولا يصلون الجماعة ، فأتاه رجل أعمى فقال : يا رسول الله إني ضرير البصر وربما أسمع النداء ولا أجد من يقودني إلى الجماعة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٧.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٨.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٩.

١٣٨

والصلاة معك ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : شد من منزلك إلى المسجد حبلا وأحضر الجماعة » وابن ميمون (١) عنه أيضا عن آبائه عليهم‌السلام أنه قال : « اشترط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على جيران المسجد شهود الصلاة ، وقال : لينتهين أقوام لا يشهدون الصلاة أو لآمرن مؤذنا يؤذن ثم يقيم ثم آمر رجلا من أهل بيتي وهو علي عليه‌السلام فليحرقن علي أقوام بيوتهم بحزم الحطب ، لأنهم لا يأتون الصلاة » وغيرهما مما هو كذلك أو نحوه.

لكنك خبير أن ظاهرها لا يلائم الكراهة أيضا ، ضرورة عدم استحقاق العقاب المؤجل على عدم فعلها فضلا عن المعجل ، فوجب حملها بعد‌ صحيح زرارة والفضيل (٢) قلنا له : « الصلاة في جماعة فريضة هي ، فقال : الصلاة فريضة وليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلها ، ولكنها سنة من تركها رغبة عنها أو عن جماعة المؤمنين من غير علة فلا صلاة له » بل الإجماع بقسميه بل الضرورة من المذهب على عدم وجوبها لا كفاية ولا عينا في غير الموضعين المخصوصين على إرادة الترك حتى للواجب منها كالجمعة ، أو على إرادة الترك رغبة عن جماعة المسلمين ، معرضا به لبعض المنافقين الذين لم تطمئن قلوبهم بهذا الدين ، كما يومي اليه جملة من الأخبار ، منها‌ خبر ابن سنان (٣) عن الصادق عليه‌السلام « سمعته يقول : إن أناسا كانوا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبطأوا عن الصلاة في المسجد وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ليوشك قوم يدعون الصلاة في المسجد أن نأمر بالحطب فيوضع على أبوابهم فيوقد عليهم نار فتحرق عليهم بيوتهم » ومنها آخر (٤) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا غيبة إلا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١٠.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من كتاب الشهادات ـ الحديث ٢.

١٣٩

لمن صلى في بيته ورغب عن جماعتنا ، ومن رغب عن جماعة المسلمين وجب على المسلمين غيبته ، وسقطت بينهم عدالته ، ووجب هجرانه ، وإذا دفع إلى إمام المسلمين أنذره وحذره ، فان حضر جماعة المسلمين وإلا أحرق عليه بيته » إلى غير ذلك من الأخبار المشعرة بما ذكرنا المؤيدة بعدم ذكر أحد من الأصحاب الحكم بكراهة ترك الجماعة ، بل اقتصروا على ذكر استحبابها ، والأمر سهل بعد معلومية عدم حرمة الترك عندنا.

وأنها لا تجب بالأصل لا شرعا ولا شرطا إلا في الجمعة والعيدين مع الشرائط التي مر ذكرها في محلها وإلا فقد تجب بالعارض كالنذر وعدم معرفة القراءة ونحوهما.

كما أنها لا تجوز في شي‌ء من النوافل على المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا ، بل في الذكرى نسبته إلى ظاهر المتأخرين ، بل في المنتهى والتذكرة وعن كنز العرفان الإجماع عليه ، بل يظهر من السرائر في صلاة العيد أنه من المسلمات ، للنصوص المستفيضة ، منها‌ صحيح زرارة ومحمد بن مسلم والفضيل (١) الذي هو في أعلى درجات الصحة سألوا أبا جعفر الباقر وأبا عبد الله الصادق عليهما‌السلام « عن الصلاة في شهر رمضان نافلة بالليل في جماعة ، فقال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا صلى العشاء الآخرة انصرف إلى منزله ثم يخرج من آخر الليل إلى المسجد فيقوم فيصلي ، فخرج في أول ليلة من شهر رمضان ليصلي كما كان يصلي فاصطف الناس خلفه فهرب منهم إلى بيته وتركهم ، ففعلوا ذلك ثلاث ليال فقام في اليوم الثالث على منبره فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس إن الصلاة بالليل في شهر رمضان من النافلة في جماعة بدعة ، وصلاة الضحى بدعة ، ألا فلا تجتمعوا ليلا في شهر رمضان لصلاة الليل ، ولا تصلوا صلاة الضحى ، فان تلك معصية ، ألا وإن كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة سبيلها إلى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب نافلة شهر رمضان ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

١٤٠