جواهر الكلام - ج ١٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

فانحلوني أهناه وأسهله وأرشده ، فإن وافق كتاب الله فأنا قلته ، وإن لم يوافق كتاب الله فلم » بل‌ روي عن الحسن بن سماعة (١) أنه قال : « سمعت جعفر بن سماعة وسئل عن امرأة طلقت على غير السنة ألي أن أتزوجها؟ فقال : نعم ، فقلت : أليس تعلم أن علي بن حنظلة روى إياكم والمطلقات على غير السنة فإنهن ذوات أزواج؟ فقال : يا بني رواية علي بن حمزة أوسع » بل قد ترجح عليها أيضا باعتبار السند كثرة وعدالة وغيرهما لو لوحظ مجموع رواة أخبار الطرفين ، بل قيل وباعتبار الدلالة أيضا من حيث الوضوح والخفاء المقتضيين لرد الثاني إلى الأول حسب ما ورد من إجماع المتشابه من كلامهم (ع) إلى المحكم منه ، وبملاحظة ما قدمنا ينكشف لك أن أدلة المواسعة أوضح من وجوه ، بل قد عرفت أنه لا صراحة في شي‌ء من أخبار المضايقة ببطلان الحاضرة وفسادها لو فعلت وحرمة سائر المنافيات ، ومن هنا احتاج الحلي من القائلين بها إلى دعوى اقتضاء الأمر بالشي‌ء المضيق النهي المفسد عن ضده الموسع حتى نفى الخلاف عنها بعد أن فهم وجوب المبادرة إليها من العبارات السابقة في الأخبار ، والمرتضى منهم إلى دعوى ظهور الأدلة في اختصاصها بوقت الذكر المقتضى لعدم صحة الحاضرة مثلا فيه كوقت اختصاص الظهر بالنسبة إلى العصر أو العكس ، والأولى بعد تسليم استفادة الفورية من الأدلة مفروغ من فسادها في الأصول ، كفساد دعوى نفي الخلاف فيها ، والثانية ممنوعة على مدعيها أشد المنع ، على أنها لا تجديه بالنسبة إلى حرمة باقي الأضداد ، كما أنها وسابقتها واضحتا البطلان فيما لو أخر الحاضرة حتى لم يبق من الوقت إلا مقدار فعلها فيه والتكسب لضرورة التعيش مثلا المستثنى عندهما ، إذ التكليف في هذه الصورة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب مقدمات الطلاق ـ الحديث ٦ من كتاب الطلاق وفي الوسائل « يا بني رواية ابن أبي حمزة أوسع » وهو الصحيح كما في الاستبصار ج ٣ ص ٢٩٢ الرقم ١٠٣٢.

١٠١

بتأخيرها إلى آخر الوقت مما ينبغي القطع بفساده ، ضرورة سقوط الأمر بالفائتة حينئذ المقتضي لما ذكراه ، بل لعلهما لم يلتزما البطلان في هذه الصورة ، فله حينئذ تقديمها على تكسبه حتى لو قلنا بكون منشأ الفساد غير ما ذكراه من فهم شرطية الترتيب من صحيح زرارة وغيره ، إذ لا ريب في سقوطه حينئذ بعدم التمكن منه ، وأخبار المواسعة وإن كان لا صراحة في أكثرها أيضا بالمواسعة المحددة بظن عدم التمكن في ثاني الأزمان لموت ونحوه ، أو بعدم ظن التمكن منه أو بالوصول إلى حد التهاون عرفا لكن يكفينا في ذلك ـ بعد عدم ظهور أخبار الطرفين في كل من الدعويين ـ إطلاق الأدلة بالقضاء المقتضي لذلك كما حرر في محله.

على أنه مع ذلك كله ففي العمل بأخبار المواسعة مراعاة ما اشتهر بين الأصحاب قولا وعملا من أولوية الجمع بين الدليلين من الطرح التي يمكن استنباطها من بعض الأخبار ، كقوله عليه‌السلام (١) : « لا يكون الرجل فقيها حتى يعرف معاريض كلامنا وأن الكلمة من كلامنا لتنصرف على سبعين وجها لنا من جميعا المخرج » و « أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلماتنا ، إن الكلمة لتنصرف على وجوه ، فلو شاء إنسان لصرف كلامه كيف شاء ولا يكذب » (٢) و « إنا نتكلم بالكلمة الواحدة لها سبعون وجها إن شئت أخذت كذا وإن شئت أخذت كذا » (٣) و « إن القرآن نزل على سبعة أحرف وأدنى ما للإمام أن يفتي على سبعة وجوه ، ( هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ

__________________

(١) البحار ج ٢ ص ١٨٤ المطبوعة بطهران عام ١٣٧٦ الباب ٢٦ من كتاب العلم الحديث ٥ عن معاني الأخبار.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب صفات القاضي ـ الحديث ٣٠ من كتاب القضاء.

(٣) البحار ج ٢ ص ١٩٩ المطبوعة بطهران عام ١٣٧٦ الباب ٢٦ من كتاب العلم الحديث ٥٨ عن بصائر الدرجات.

١٠٢

بِغَيْرِ حِسابٍ ) (١) ولا أقل من موافقة الجمع غالبا لما دل (٢) على أنك بأيهما أخذت من باب التسليم وسعك ، أو أنه غير مناف له ، ولا ريب في اقتضاء العمل بأخبار المضايقة على الوجه الذي يدعيه الخصم تخصيص عموم آيات وروايات لا تحصى ، وطرح صحاح مستفيضة وأخبار معتبرة ، وحمل بعيد جدا لجملة من أخبار أخر ، وإعراض عن عن أصول مقررة وحكم معتبرة ومؤيدات كثيرة بخلاف العكس ، فإنه يمكن رجوع أخبار المضايقة اليه على أحسن وجه وأجمله كما يعرف بالتأمل فيما مضى مما قدمنا ، بل لو أغضينا عن ذلك كله كان مقتضى الضوابط المقررة في تعارض الأخبار المتكافئة أنها تفرض بمنزلة الكلام الواحد من متكلم واحد ثم ينظر فيما يظهر منه مما يقرب حمله عليه ومن المعلوم أنه لو صنع ذلك كان استفادة جواز تقديم كل من الحاضرة والفائتة منه أوضح شي‌ء.

نعم قد يصعب ظهور الرجحان في أيهما لتعلق الأمر بكل منهما ، وكأنه لأنه في كل منهما خصوصية مقتضية خصوصا صاحبة الوقت حال فضيلته ، وربما كان اختلاف الأخبار فيه مؤميا إلى ذلك ، وإلى اختلافه بالنظر إلى المكلفين باعتبار كثرة القضاء وعدمه والتكاسل والتسامح في فعله وعدمه وقدم فواته وعدمه ونحو ذلك من الجهات والاعتبارات ، ولا يبعد رجحان مراعاة فضيلة الوقت عند خوف فواتها ، والتجرد عن تلك الاعتبارات على تقديم الفائتة ، والأمر سهل.

وأما دعوى رجحان الجمع بين أدلة الطرفين بتفصيل المصنف أو العلامة أو غيرهما مما سمعته سابقا في محل النزاع على ما ذكرنا هنا فهي بمكانة من الضعف لا تخفى على من له أدنى تأمل ونظر فيما تقدم من تلك الأدلة الخالية عن الإشارة إلى شي‌ء منها عدا‌

__________________

(١) الخصال ج ٢ ص ١٠ ـ الطبع القديم.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب صفات القاضي ـ الحديث ٧ من كتاب القضاء.

١٠٣

مورد سؤال أو جواب في بعض الأخبار يقطع بعدم إرادة ذلك التفصيل منه ، لأنه لم يسق لبيانه ، بل لعل سياقه ظاهر في إرادة المثال منه ، ومع ذلك ففي جملة من تلك الأدلة ما ينافي هذه التفاصيل كلها فضلا عن كونها عارية عن الشاهد المعتبر كما لا يخفى على من لاحظها أدنى ملاحظة ، ومن هنا كان تطويل الكلام في بيان ذلك بذكر الأدلة وتفصيلها وبيان منافاتها لا طائل فيه ولا حاجة تقتضيه ، بل من المعلوم والواضح أنهم عليهم‌السلام لو أرادوا شيئا من هذه التفاصيل لم يكتفوا في بيانها بمثل هذه الأقاويل ، بل قد يدعى الاستراحة من بيان فسادها بأنها خرق للإجماع المركب على عدمها وعدم غيرها من التفاصيل ، وإلا لكان يمكن دعوى تفصيل يجمع به بين الأدلة أحسن منها بأن يدعى إرادة وجوب المبادرة العرفية في سائر الفوائت التي لا يقدح فيها التأخير في الجملة ، خصوصا إذا كان لمصلحة في الصلاة كتجنب زمان مكروه أو أحوال لا يحصل فيها التوجه للعبادة من نهار سفر ونحوه على وجه لا يحصل فيه عسر وحرج واستنكار ، بل يجعل له أورادا معلومة في أوقات معلومة.

نعم يستثنى من زمان تلك المبادرة الصلاة الحاضرة خصوصا وقت فضيلتها حتى لو قلنا باقتضاء الأمر بالشي‌ء النهي عن ضده ، وأما غيرها فيبني على مسألة الضد ، نعم قد يلحق بها في ذلك الاستثناء الرواتب وما يساويها أو يزيد عليها من فعل بعض الرغائب ذوات الأوقات الخاصة لا المستحبات المطلقة ، بل قد يدعى عدم خرق مثل هذا التفصيل للإجماع دونها ، لإمكان دعوى عدم ظهور كلام بعض قدماء القائلين بالتوسعة في نفيه ، بل دعوى ظهور بعض الكلمات منه أو من غيره فيه ، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا لكتابة رسالة في المسألة تشتمل على تفاصيل الأقوال والأدلة ، بل وما سمعته في عنوان المسألة من الترتيب وحرمة فعل المنافي ووجوب العدول ونحوها بحيث‌

١٠٤

يجعل كل واحد منها مسألة مستقلة ، وينظر فيه للموافق والمخالف ، وما يصلح له وعليه لكيلا يقع اضطراب في الذهن وتشويش في الفكر ، وهو الموفق لأمثال ذلك والميسر للمسالك والمدارك والعاصم والساتر والغافر لزلل هاتيك المهالك.

هذا كله لو تعمد فعل الحاضرة مع سعة الوقت قبل الفائتة وأما لو كان عليه صلاة فنسبها وصلى الحاضرة أو الفائتة اللاحقة ولم يذكرها حتى فرغ فلا خلاف نقلا وتحصيلا في أنه لم يعد ما فعله ، بل عليه الإجماع كذلك ، بل ولا إشكال فيه خصوصا الأول منه ، ضرورة ثبوت الصحة على المختار من المواسعة ، بل وعلى المضايقة أيضا بناء على أن مدرك الفساد على القول بها النهي عن الضد المعلوم انتفاؤه في المقام لنسيان يقتضيه ، بل وعلى كونه اختصاص الوقت بالفائتة ، إذ من الواضح كما هو صريح مدعيه إرادة صيرورة وقت الذكر كذلك لا مطلق الوقت ، بل وعلى كونه ظهور النصوص السابقة في شرطية الترتيب ، لاستثناء صورة النسيان منه هنا قطعا ، إذ ليس هو أعظم من ترتيب الحاضرتين الساقط فيه نحو ذلك إجماعا منا إن لم يكن من سائر المسلمين ، ونصوصا ، بل قضية أصول المذهب وقواعده وظاهر أو صريح فتاوى الأصحاب ومعاقد إجماعاتهم صحتها لما نويت له وافتتحت عليه وقام له ، فلا يعدل بها بعد الفراغ إلى غيرها ، وما في صحيح زرارة السابق (١) من العدول بالعصر بعد الفراغ منه إلى الظهر معللا له بأنها أربع مكان أربع ـ مع أنه في خصوص الظهرين من الحاضرتين ، وحكي الإجماع على خلافه ، وإن احتمل العمل به في المفاتيح لصحته ، بل ربما حكي عن غيرها أيضا ، بل قد يلوح من المدارك لكن مثله غير قادح في محصل الإجماع الممكن دعواه في المقام فضلا عن محكيه ، واحتماله الفراغ من النية كما عن الشيخ أو الاشراف على الفراغ من الصلاة ـ لا يقوى على قطعها بعد إعراض الأساطين عنه.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١.

١٠٥

وأما لو ذكرها في أثنائها وكان العدول ممكنا بان لم يتجاوز محله عدل من الفائتة اللاحقة إلى الفائتة السابقة وجوبا بناء على لزوم الترتيب فيها بلا خلاف أجده فيه ، بل في مفتاح الكرامة عن حاشية الإرشاد المدونة للمحقق الثاني الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد إمكان استفادته من فحوى العدول في الحاضرتين والحاضرة والفائتة ، أو بضميمة دعوى عدم القول بالفصل ، بل قد يدعى صراحة كلمات الأصحاب في أن منشأ العدول فيهما الترتيب المتحقق في الفرض حتى أنهم جعلوا وجوبه وعدمه المدار في وجوب العدول وعدمه بالنسبة للحاضرة والفائتة ، وإن كان من الواضح عدم اقتضاء الترتيب في نفسه وحد ذاته العدول المخالف للأصول والقواعد ، بل هو محتاج إلى دليل مستقل.

ومن الحاضرة إلى الفائتة السابقة وجوبا على ما صرح به كثير من أهل المضايقة حتى حكى الإجماع عليه غير واحد منهم كما سمعته سابقا عند تحرير محل النزاع ، بل قد عرفت هناك أن العلامة في المختلف فرعه على القول بالتضييق ، وجعله لازما له ، بل وغيره مثله في ذلك أو ما يقرب منه ، ولعله لا لأن المضايقة في نفسها وحد ذاتها تقتضيه ، بل هو لازم اتفاقي لها ، بل للإجماع المحكي وصحيح زرارة المتقدم وغيره مما عرفت ضعفه فيما تقدم ، واستحبابا أو جوازا عند القائلين بالمواسعة على ما نسبه إليهم غير واحد جمعا بين ما دل على المواسعة المقتضية عدم وجوب العدول بطريق أولى وبين ما دل على العدول من الصحيح وغيره كما ظهر لك البحث في ذلك كله مفصلا ، ومنه يعرف وجوب العدول وعدمه على الأقوال الباقية المفصلة في المضايقة والمواسعة ، وإن كان ظاهر إطلاق المصنف هنا وجوب العدول حتى لو كانت الفوائت متعددة ، كما أن ظاهر العلامة في المختلف استحبابه حتى في فوائت اليوم ، إلا أنه يمكن تنزيلهما على ما عرفت ، والأمر سهل.

١٠٦

لكن ينبغي أن يعلم أن الحكم باستحباب العدول مبني ظاهرا على القول باستحباب تقديم الفائتة ، أما على العكس أو التخيير فالمتجه العدم ، اللهم إلا أن يفرق بين الذكر في الابتداء والأثناء ، إلا أنه يستلزم القدح في الأولوية المزبورة بحيث يمكن القول بوجوب العدول للصحيح والإجماع المحكي وإن قلنا بالمواسعة مع الذكر في الابتداء نحو ما سمعته على التقديرين ، فلا تكون المواسعة للعدول حينئذ منافية ، كما أن الضائقة ليست بمقتضية وإن كنا لم نعثر على قائل به من الأصحاب ، كما أنا لم نعثر على من نسب إلى الصدوقين وغيرهما عدم جواز العدول ، بل في المنتهى لا نعلم خلافا بين أصحابنا في جواز العدول وإن نسب غير واحد هناك إلى ظاهرهما وجوب تقديم الحاضرة ، وكأنه شاهد لما قلناه هناك من إرادتهما الاستحباب ، للإجماع محصلا ومنقولا على جواز تقديم الفائتة ، أو للفرق بين الابتداء والأثناء ، فيجب تقديم الحاضرة لو كان الذكر ابتداء ، ويجوز العدول منها إلى الفائتة لو كان في الأثناء للصحيح ، لكن الثاني كما ترى ، وإن كان لا يمنع العقل إيجاب مثل ذلك من الشارع فضلا عن جوازه ، إلا أنه لا يثبت مثله بمثل هذا الدليل كما هو واضح ، وكيف وقضية إيجابه تقديم الحاضرة إيجاب العدول من الفائتة إليها بناء على ما يظهر من الأصحاب من أن منشأ هذا العدول الترتيب ، كما أن قضية استحباب تقديم الحاضرة أو جواز تخييرا استحباب العدول أيضا من الحاضرة إلى الفائتة كذلك ، بل وقضية استحباب تقديم الفائتة الذي حكموا من جهته باستحباب العدول جوازه من الحاضرة إلى الفائتة (١) وإن كان مستلزما لفوات الاستحباب ، مع أنه لم يذكر أحد من الأصحاب شيئا من ذلك ، بل ولا غيره مما يقتضي النقل من الفائتة إلى الحاضرة ، نعم نص في البيان والذكرى والمفاتيح وعن كشف اللثام عليه لضيق الوقت ، مع أنه عن المدارك منعه أيضا ، لعدم ورود التعبد به ، وهو جيد بعد‌

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصحيح « من الفائتة إلى الحاضرة ».

١٠٧

حرمة القياس عندنا ، وأطلق في موضع من الأولين جوازه من الحاضرة إلى الفائتة وبالعكس ، والظاهر إرادتهما منه في الجملة لا على تفصيله في موضع آخر ، وهذا كله مما يشهد أن هذا العدول أمر تعبدي جاء به الدليل الذي ينبغي اتباعه ، وإلا فلا المضايقة تقتضيه ولا وجوب الترتيب أو استحبابه وجوازه ، كما أن المواسعة لا تنافيه ، ومنه يظهر ضعف الاستدلال به على المضايقة ، وقد أشرنا إليه سابقا.

كما أنه منه يظهر وجوب الاقتصار على المتيقن من دليل العدول ، لشدة مخالفته القواعد المحكمة ، فلا يجوز حينئذ بعد تجاوز محل الاشتراك بين الفرضين بأن ركع لثالثة الظهرين وكان الفائت صبحا كما نص عليه غير واحد من الأصحاب ، بل يحكم حينئذ بصحة المتلبس بها كما بعد الفراغ ، ولعله لما في الروضة من اغتفار الترتيب حال النسيان مع حرمة إبطال العمل ، وإن كان قد يخدش بأنه قد يقول من أوجب الترتيب باختصاص الاغتفار بما بعد الفراغ لا الأثناء ، فيتجه الفساد حينئذ ، والأمر سهل.

وكيف كان فظاهر هم بل هو صريح بعضهم حصر تجاوز محل العدول في ذلك ، وفيه بحث ، لإمكان الاكتفاء بزيادة الواجب مطلقا خصوصا القيام منه ، كما هو ظاهر المنتهى فيه ، بل ربما كان في الصحيح إشعار به في الجملة اقتصارا على المتيقن ، وركنية المزاد (١) وعدمها لا مدخلية لها في ذلك ، إذ ليس المدار في بقائه اغتفار الزيادة سهوا وعدمه لو فرض أنها المعدول إليها ، لعدم الدليل ، وإلا لاقتضى جواز العدول بالصبح بعد الفراغ منها قبل تخلل المنافي ، لعدم زيادة غير التسليم ، والتعبير بإمكان العدول إنما وقع في عباراتهم ، وإلا فلا أثر له في الصحيح (٢) الذي هو دليل العدول ، اللهم‌

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية والصحيح « المزيد » بدل « المزاد » لعدم استعمال باب الافعال في الزيادة ولا يجوز القياس في نقل المجرد إلى أي باب يراد.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١.

١٠٨

إلا أن يتمسك لنفي ذلك كله بإطلاق‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر عبد الرحمن (١) المتقدم في أخبار المضايقة : « فإذا ذكرها وهو في صلاة بدأ بالتي نسي ، وإن ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمها بركعة ثم صلى المغرب ثم صلى العتمة بعدها ، وإن كان صلى العتمة وحده فصلى منها ركعتين ثم ذكر أنه نسي المغرب أتمها بركعة ، فتكون صلاته للمغرب ثلاث ركعات ، ثم يصلي العتمة بعد ذلك » خرج منه ما لو زاد ركوعا وبقي غيره.

لكنه كما ترى ـ بعد الإغضاء عن سنده واحتمال إرادة وقت صلاة ـ ظاهر بعد التدبر فيه تماما في مساواة المعدول منها وإليها عددا التي صرح فيها بعضهم ببقاء العدول إلى الفراغ ، مع أن فيه بحثا أيضا ، لعدم استفادته من ذلك الصحيح أيضا بعد طرح ما تضمنه من العدول إلى الظهر بعد الفراغ ، بل لعل ظاهر بعض المفاهيم فيه خلافه ، اللهم إلا أن يدفع بإطلاق‌ قوله عليه‌السلام في خبر عبد الرحمن : « أتمها أي المغرب بركعة » أو يدفع هو وسابقه بالاستصحاب ، إلا أن جريانه هنا على وجه يكون حجة معتبرة صالحة للمعارضة لا يخلو من سماجة ، بل وكذا البحث فيما ذكره في البيان والروضة من ترامي العدول ودوره بمعنى ذكره السابقة ثم السابقة وهكذا ثم يذكر البراءة عن التي انتهى إليها في العدول ، فيرجع عنها إلى الأخرى حتى يرجع إلى الأولى مثلا ، إذ من الواضح عدم تناول الصحيح المزبور له ، بل أقصاه العدول إلى السابقة الواحدة ، اللهم إلا أن يقطع بإرادة المثال منه مؤيدا بظاهر إطلاق خبر عبد الرحمن لكنه جرأة ، والأولى مراعاة الاحتياط اقتصارا فيما خالف القواعد العظيمة على المتيقن ، بل وفي العدول أيضا من الحاضرة إلى الفائتة المشتبهة التي يجب تكرير ثلاث أو خمس لتحصيلها ، لظهور الصحيح في الفائتة المعينة ، وقياسها مع اختلاف الوجوبين بالأصالة والمقدمة غير سائغ ، ونحوه سائر ما يجب مقدمة للترتيب المشتبه أو غيره ، لكن عليه يتخير فيما يعدل إليها منها لو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢.

١٠٩

اشتركت في بقاء محل العدول ، ويسقط بعضها لو كان قد تعداه ، كما لو فرض كونه في رابعة الحاضرة بعد ركوعها فإنه يتعين عليه حينئذ العدول إلى الرباعية المرددة عندنا أو المعينة عند من أوجب الخمس ، ومثله في التخيير المزبور والتعيين لو كانت عليه فوائت متعددة ذكرها في أثناء الحاضرة وقلنا بسقوط الترتيب بين الفوائت ، إما حال النسيان أو مطلقا ، كما هو واضح ، فتأمل.

ثم المراد بالعدول كما صرح به في الروضة وغيرها بل هو ظاهر الصحيح المزبور أيضا أن ينوي بقلبه أن هذه الصلاة مجموعها ما مضى منها وما بقي هي السابقة مثلا ، ولا يتلفظ بلسانه ، فان لم يفعل هذه النية لم يحتسب له من الأولى ، لظهور الصحيح في كونه قلبا لا انقلابا ، بل ينبغي الجزم بالبطلان حينئذ عند من أوجب العدول ، ولا يجب عليه التعرض لباقي مشخصات النية حتى القربة اجتزاء بما وقع في النية الأولى التي جعلها الشارع للمعدول إليها ، ولو أنه يمكن حمل الصحيح على إرادة نية العدول بما بقي له من صلاته وإلا فما مضى لا مدخلية للنية في قلبه بل هو انقلاب شرعي تابع للنية بالباقي كان جيدا ، لقلة مخالفته للقواعد بالنسبة إلى الأول ، ولا يشترط في العدول التماثل بالجهر والإخفات كما هو صريح النص وظاهر الفتاوى ، بل في مفتاح الكرامة عن إرشاد الجعفرية الإجماع عليه.

هذا كله لو كان قد ذكر الفائتة في الأثناء وأما لو صلى الحاضرة في السعة مع الذكر للفائتة أعاد مطلقا على القول بالمضايقة مطلقا ، وفي الجملة بناء عليها في الجملة ، وليس له العدول ، لأنه فرع صحة المعدول منه ، بل ليس له ذلك على المواسعة أيضا وإن كان لا تبطل الحاضرة ، اقتصارا في العدول المخالف للأصل على المتيقن ، وكذا لو تعمد تقديم اللاحق من الفوائت على السابق بناء على عدم الترتيب فيها.

ولو دخل في نافلة وذكر أن عليه فريضة استأنف الفريضة إجماعا كما في‌

١١٠

القواعد بمعنى أنه لم يجز له العدول منها إليها ، لعدم جوازه من النفل إلى الفرض كما في السرائر والبيان والدروس والذكرى والموجز والمسالك وعن المبسوط ونهاية الأحكام وغيرها ، بل في البيان أنه لا يسلم له الفرض ، وفي بقاء النفل وجه ضعيف ، بل عن نهاية الأحكام وكشف الالتباس تبطلان معا ، وهو كذلك ، لأصالة عدم الجواز خصوصا من الأضعف إلى الأقوى ، وفوات الاستدامة ، فما في المفاتيح من أن الأظهر جواز مطلق طلب الفضيلة لاشتراك العلة الواردة لا يصغى اليه ، لكن قيل : إنه يجي‌ء على قول الشيخ فيما لو بلغ الصبي في أثناء الصلاة جواز النقل من النفل إلى الفرض ، مع أنه قد يمنع ، إذ هو من عروض تغير صفات الفعل الواحد المعين لا من النقل ، كما هو واضح ، فحينئذ لا خلاف معتد به في عدم الجواز الموافق لمقتضى الضوابط ، وقياسه على العكس أي النقل من الفرض إلى النفل لناسي سورة الجمعة يومها والأذان وطالب الجماعة ونحوها مما ليس ذا محل تحريره كباقي صور العدول ـ إذ مجموعها صحيحها وفاسدها ستة عشر حاصلة من ضرب أربع في العدول منه واليه ، لأن كلا منهما نفل وفرض أداء وقضاء ـ مع أنه مع الفارق لا وجه له بعد حرمته عندنا ، نعم له قطع النافلة وابتداء الفريضة بناء على جواز قطعها اختيارا ، بل قيل بتعينه بناء على المضايقة أو عدم صحة التطوع وقت الفريضة ، وإن كان قد يخدش بأنه يمكن دعوى الصحة في المقام على الأولى إن قلنا بحرمة قطع النافلة في نفسه اختيارا ، لمعذوريته في الابتداء بالنسيان ولحرمة القطع في الأثناء ، فكانت كالفريضة الحاضرة التي تجاوز فيها محل العدول ، بل وعلى الثانية أيضا إن قلنا بذلك يعني ما سمعت ، أما بناء على جواز التطوع ابتداء وحرمة القطع فلا ريب في وجوب الإتمام عليه ثم استئناف الفريضة ، كما هو واضح.

وتقضى صلاة السفر قصرا ولو في الحضر ، وصلاة الحضر تماما ولو في السفر بلا خلاف بيننا في شي‌ء منه نقلا وتحصيلا ، بل إجماعا كذلك ، بل في المدارك أنه‌

١١١

قول العلماء كافة إلا من شذ ، بل في الذكرى لا خلاف بين المسلمين في الحكم الثاني منه إلا من المزني فالقصر لو قضيت في السفر ، نحو ما في التذكرة من إجماع العلماء عليه إلا منه ، ومع ذلك فالمعتبرة (١) فيه صريحا وظاهرا مستفيضة تقدم بعضها فيما سبق ، مضافا إلى دعوى أنه المفهوم من القضاء ، كما أن المفهوم منه المساواة في غيره أيضا من الكيفيات كالجهر والإخفات ، ولذا نص عليهما جماعة ، بل في الخلاف الإجماع فيهما ، بل هو ظاهر معقد إجماع التذكرة المحكي على كون القضاء كالفوائت هيئة وعددا ، على أنه المستفاد أيضا من عموم التشبيه في النبوي (٢) بل وصحيح زرارة (٣) قال : « قلت له : رجل فاتته صلاة السفر فذكرها في الحضر ، قال : يقضي ما فاته كما فاته إن كانت صلاة السفر أداها في الحضر مثلها ، وإن كانت صلاة الحضر فليقض في السفر صلاة الحضر كما فاتته » لعدم تخصيص العام بالنص على بعض أفراده بعده ، اللهم إلا أن يدعى في خصوص المقام ظهور إرادة العددية لا غير منه هنا ، وهو غير بعيد ، نعم هو ممتنع على رواية الشيخ له في الخلاف محتجا به على ما نحن فيه ـ قال : روى حريز عن زرارة (٤) « قلت له : رجل فاتته صلاة من صلاة السفر فذكرها في الحضر ، فقال : يقضي ما فاته كما فاته » ـ في جميع هيئات الصلاة ، ولعله غير الخبر المزبور.

على أنا في غنية عن ذلك كله بما عرفت مما تقدم المقتضي زيادة على ما سمعت ثبوت سائر أحكام الأدائية من السهو والشك والظن والشرائط والأجزاء والمستحبات فيها من القنوت ونحوه ، ضرورة كونها هي بعينها إلا أنها خارج الوقت ، بل والمقدمات أيضا حتى استحباب الأذان والإقامة منها وإن رخص في سقوط الأول منهما فيما عدا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب قضاء الصلوات.

(٢) راجع التعليقة (١) من ص ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ الحديث ١.

(٤) الخلاف ج ١ ص ١٢٦ الطبع الحديث.

١١٢

الأولى من صلاة ورده لو كانت عليه فوائت من غير فرق بين الفريضتين الذين ( اللتين ظ ) يسقط فيهما أيضا يجمعهما في الأداء كالظهرين والعشاءين وبين غيرهما كالعصر والمغرب مثلا والعشاء والصبح تخفيفا من الشارع على القاضي ، وطلبا للمسارعة في قضاء ما عليه. فلو نسي حينئذ مثلا في المقتضية من الأجزاء ما لا يقدح في الأدائية لم يقدح في صحتها أيضا لأن وجوبها في الأداء مشروط بأن لا يكون ناسيا ، ودعوى اشتغال ذمته بها في حال الفوات فيجب حينئذ في القضاء يدفعها ـ مع أنها من الفروض النادرة التي لا يشملها عموم « من فاتته » الذي هو عرفي أو بمنزلته القاصر عن معارضة ما دل على الصحة دلالة وفتوى وأصولا ـ إمكان دعوى عدم الجزم باشتغال ذمته بها غالبا ، إذ لعله كان ينساها حين الاشتغال بالفعل وإن فرض أنه حين الفوات كان متذكرا إلى أن فاتت ، إذ لعله لو اشتغل بالصلاة حصلت منه الغفلة ، على أن المفهوم من الأدلة كون القضاء هو الأداء لكنه في وقت غير وقته ، فالتذكر في زمان لا يقدح في الصحة مع النسيان في آخر ، بل هو بعد مجي‌ء الدليل كبعض أوقات الأداء الموسع التي من الواضح عدم مدخلية التذكر في وقت منها في النسيان في آخر ، كما هو واضح ، نعم هيئة الأداء المعتبرة في القضاء إنما هي المطلوبة للشارع بخصوصها وإن تمكن المكلف من غيرها كالفصر والإتمام والجهر والإخفات ونحوهما ، لا التي كان المطلوب غيرها إلا أنه بتعذره وسهولة الملة وسماحتها وعدم سقوط الصلاة في حال انتقل إليها كالجلوس والاضطجاع في الصلاة ونحوهما فإنه لا يجب مراعاتها في القضاء ، بل لا يجزي لو فعل مع التمكن والقدرة كما نص عليه غير واحد من الأصحاب ، بل في مفتاح الكرامة عن إرشاد الجعفرية أن وجوب رعاية الهيئات وقت الفعل لا وقت الفوات أمر إجماعي لا خلاف لأحد من أصحابنا فيه ، بل هو من الواضحات التي لا تحتاج إلى تأمل.

ولعل منها ما نص عليه في القواعد والتذكرة والذكرى والموجز من سقوط كيفية‌

١١٣

صلاة شدة الخوف في قضائها وقت الأمن ، أما الكمية ففي الأولين إن استوعب الخوف الوقت فقصر ، وإلا فتمام ، بل والأخيرين وإن زاد في أولهما التصريح بأمر آخر ، فقال : « إن استوعب الخوف الوقت فقصر ، وإن خلا منه قدر الطهارة وفعلها تامة فتمام ، وإن أمن آخره فالأقرب الاكتفاء بركعة في التمام ، ولو فاتت قضاها تماما ، إذ الأصل في الصلاة التمام وقد أدرك مصحح الصلاة أعني الركعة » وهو جيد لا بأس به لكن ظاهرهم بل هو كصريح الشهيد منهم أن التمام متى تعين في وقت من أوقات الأداء كان هو المراعى في القضاء وإن كان المخاطب به حال الفوات القصر ، وعليه فمن كان حاضرا وقت الفعل ثم سافر فيه وفاتته الصلاة المخاطب بقصرها حاله وجب عليه التمام في القضاء ، كما أنه يجب عليه ذلك لو كان مسافرا في الوقت ثم حضر ، ولعله لأن الأصل في الصلاة التمام ، وفيه بحث إن لم يكن منع ، بل في المفتاح أن الأكثر على مراعاة حال الفوات بالنسبة للسفر والحضر لا الوجوب ، ويؤيده أنه الفائت حقيقة لا الأول الذي قد ارتفع وجوبه في الوقت عن المكلف برخصة الشارع له في التأخير ، اللهم إلا أن يفرقوا بين القصر الذي منشأه الخوف والقصر الذي منشأه السفر ، فإن الأول قريب إلى الإلحاق بكيفية صلاة الخوف ، فلا يراعى إلا مع الاستيعاب ، بخلاف الثاني فإنه كيفية مطلوبة لذاتها كالتمام ، فيراعى فيه حال الفوات لا حال الوجوب حتى لو اجتمع مع الخوف أيضا ، وهو لا يخلو من وجه وإن كان يقوى الآن في النظر خلافه ، لما عرفت من أنه هو الكيفية المطلوبة الفائتة وإن كان منشأ طلبها الخوف.

كما أنه قد يقوى في النظر ثبوت التخيير في القضاء بين القصر والإتمام إن كان الفوات في أحد أماكنه ، خصوصا إذا كان القضاء في أحدها وفاقا لما عن المحقق الثاني ، بل وصاحب المعالم في حاشيته على اثني عشريته على ما حكاه في مفتاح الكرامة عن تلميذه ، بل كأنه مال إليه في المدارك أيضا بعد أن جعل تعين القصر فيها وجها ،

١١٤

وخصوص التخيير فيها آخر ، لأنه هو الكيفية الفائتة في الأداء حتى لو تعين عليه التمام قبل الوصول إلى أحدها ، وإن كان الأحوط مراعاة التمام والقصر في قضائه ، بل وسابقه أيضا ، وإن اقتصر في المدارك والذخيرة على الثاني منهما في الاحتياط فيه ، ولعله لكون التمام فيه رخصة ، والأصل القصر ، لأن الفرض أنه مسافر ، لكن لما كان احتمال العكس قائما لأنه الأصل في الصلاة وإن خرج منه تعين القصر في غير الأماكن المزبورة وجوازه فيها كان الاحتياط بالجمع ، والأمر سهل.

إنما الكلام في إجزاء القضاء جالسا وماشيا ونائما وغيرها من الأحوال الاضطرارية التي هي مجزية حال الاضطرار في الأداء عما فاته من أداء الصلاة الاختيارية التي لم يكن مضطرا فيها إلى شي‌ء من ذلك فضلا عما فاته منها مضطرا إلى ما اضطر إليه في القضاء أو غيره ، وقد نص عليه في البيان والألفية وحاشية المحقق الثاني عليها والموجز والرياض وعن نهاية الأحكام وكشف الالتباس والجعفرية وشرحيها ، بل عن الخمسة الأخيرة التصريح بأنه لا يجب إلى زوال العذر ، بل عن ثلاثة منها بأنه لا يستحب ، بل لا أجد فيه خلافا صريحا ، بل هو ظاهر معقد إجماع إرشاد الجعفرية السابق ، بل في حاشية على الألفية لا أعرف مؤلفها الإجماع عليه صريحا ، نعم عن بعضهم استثناء خصوص فقد الطهورين من صور الاضطرار فأوجب تأخير القضاء إلى التمكن مدعيا عليه الإجماع ، وهو بمكانة من الظهور مستغنى بها عن الاستثناء المزبور ، وعن دعوى الإجماع المسطور ، لمعلومية عدم صحة القضاء بدونهما عندنا حتى لو قلنا بها في الأداء محافظة على مصلحة الوقت ، اللهم إلا أن يدعى مساواة القضاء له بناء على المضايقة فيه ، وفيه منع ، أما غيره فقد عرفت التصريح ممن سمعت بصحة القضاء معه ، وهو قوي جدا بناء على المضايقة ، إذ احتمال استثناء زمان التأخير منها إلى التمكن بعيد مناف لمقتضى أدلتهم عليها ، بل وعلى المواسعة أيضا إذا عرض الضيق بظن عدم التمكن بعد ذلك‌

١١٥

من الفعل أصلا وغيره من مقتضياته.

بل وكذا إذا لم يرج زوال العذر أبدا ، وإن كان يمكن القول بوجوب الإعادة فيه لو تمكن بعد ذلك أو ظهر فساد ظن الضيق ، لعدم ثبوت إجزاء مثل هذا الأمر الحاصل بسبب تخيل المكلف حصول مقتضية الذي هو الضيق وعدم زوال العذر واقعا لا الظن وعدم الرجاء وإن كانا هما طريقا لامتثال المكلف بما فعله أولا ، لكن بحيث يجزيان عن الواقع لو ظهر الخلاف غير ثابت ، لعدم الشاهد له حتى إطلاق أمر ظاهر بالبدلية ، أما إذا لم يعرض الضيق للمواسعة وكان راجيا للزوال رجاء معتدا به لغلبة زوال مثله أو غيرها فهو وإن كان قد يشهد له إطلاق الأمر بالقضاء المستوعب لسائر الأوقات المقتضي لصحة الفعل من المكلف فيها جميعا على حسب تمكنه ، وما ورد من‌ قولهم عليهم‌السلام (١) : « كلما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر » الذي هو من الأبواب التي ينفتح منها ألف باب ، وعدم وجوب الانتظار إلى ضيق الوقت في الأداء في سائر هذه الأعذار ، لظهور الأدلة من أخبار الصلاة على الراحلة وغيرها فيه ، وقد سمعت أن القضاء عين الأداء إلا في الوقت ، بل هو بعد مجي‌ء الدليل به صار كالواجب الواحد الذي له وقتان : اختياري واضطراري ، فوقت الأداء للأول ووقت القضاء للثاني ، فجميع ما ثبت للفعل في الحال الأول يثبت للثاني ، ضرورة لحوق هذه الأحكام للفعل نفسه من غير مدخلية وقته فيه ، لكن قد يشكل ذلك كله ـ بعد منافاته لإطلاق ما دل على شرطية الأمور المفروض تعذرها وجزئيتها ، واقتضائه الجواز مع العلم بالزوال في أقرب الأزمان الذي يمكن دعوى تحصيل القطع بفساد الدعوى فيه ـ بمنع اقتضاء إطلاق الأمر ذلك ، لأنه متعلق بالفعل الجامع للشرائط وإن كان المكلف مخيرا في الإتيان به في أي وقت ، وبذلك ونحوه صار أفرادا متعددة ، وإلا فهو في الحقيقة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب قضاء الصلوات.

١١٦

شي‌ء واحد أوقاته متعددة لا أن الأمر متعلق في كل وقت بالصلاة التي تمكن فيه ، فيكون لكل جزء من الوقت متعلق غير الآخر وإن اتفق توافق بعضها مع بعض ، ولهذا لا يجري حينئذ استصحاب ما ثبت للفعل في الوقت الأول للأداء مثلا من قصر أو تمام أو غيرهما في الوقت الثاني ، لاختلاف متعلق الأمر فيهما ، وليس هو عينه كي يصح استصحاب ما ثبت له في الوقت الأول ، ضرورة فساد جميع ذلك ، بل هو سفسطة ، إذ لا يشك أحد في أن المفهوم من مثل هذه الأوامر شي‌ء واحد إلا أن أوقاته متعددة حتى يثبت من الشارع إرادة فرد آخر منه في الوقت الثاني أو الثالث بدليل آخر ، لا أنه يستفاد من نفس إطلاق الأمر الشامل لمثل هذا الوقت الذي فرض تعذر الجزء فيه مثلا ، وإلا لم يجب السعي في تحصيل شي‌ء من مقدمات الواجب المطلق أصلا.

ودعوى استفادة ذلك من إطلاق ما دل على السقوط عن المريض مثلا يدفعها ـ مع ظهور تلك الأدلة في الأداء الذي لا يقاس عليه حكم القضاء ـ أن بينه وبين ما دل على وجوب ذلك في الصلاة عموما من وجه (١) بل لعل بعضه أخص منه مطلقا ، كدعوى استفادته من اتحاد القضاء مع الأداء بعد مجي‌ء الدليل بأصل ثبوته ، وأن أقصى إفادة الدليل توسعة الوقت وامتداده لصحة الفعل وإن كان يحرم على المكلف التأخير من الوقت الأول ، فهو حينئذ نظير الواجب الذي جعل الشارع له وقتين اختياريا واضطراريا ، إذ هي ـ مع أنها ممنوعة كل المنع في نفسها لأن الثابت بأمر القضاء شي‌ء آخر غير ما ثبت بأمر الأداء وإن كان هو مثله ومساويا له ـ مرجعها إلى قياس وقت الاضطرار على وقت الاختيار فيما ثبت له من الأحكام ، وهو ممنوع ، ضرورة أنه لا بأس باختصاص الثاني بأحكام عن الأول ، فدعوى استفادة ثبوتها في الأول من‌

__________________

(١) فيه تأمل ( منه رحمه‌الله ).

١١٧

ثبوتها في الثاني واضحة الفساد ، خصوصا لو كان منشأها الاستصحاب المعلوم عدم جريانه في نحو المقام.

وبالجملة فاستفادة سقوط الشرائط والأجزاء والخروج عن إطلاق أدلتهما بأمثال ذلك مما لا ينبغي الالتفات إليها ، نعم لا بأس به لو استفيد من ظهور أخبار ونحوها كما استفيد قيام التيمم مثلا مقام الماء مع حصول أسبابه من غير حاجة إلى انتظار ، ولذا ساغ فعله للقضائية وإن قلنا بالتوسعة وكان راجيا لزوال العذر ، بل وعالما ، مع أن فيه بحثا ليس ذا محل ذكره.

ولا ريب في عدم ظهور النصوص الدالة على جواز الصلاة على الراحلة مثلا ونائما ومضطجعا ونحوها من كيفيات الخوف كالاجتزاء بالتكبيرة عن الركعة وغيرها فيما يشمل القضائية الموسعة بعد رجاء زوال العذر وعدم ظن الفوات ، كما هو واضح ، بل في موثق عمار (١) السابق في أخبار المواسعة الذي فيه النهي عن القضاء على الراحلة والأمر بفعله على الأرض دلالة على خلافه ، ولا أقل من أن يكون التأخير فيما نحن فيه إلى زمان التمكن من باب المقدمة الواجب مراعاتها كالسعي في باقي المقدمات ، فحينئذ إطلاق أولئك الأصحاب الجواز لا يخلو من بحث ونظر ، خصوصا لو كان العذر مشرفا على الزوال ، وإن كان لتفصيل الحال في المسألة زيادة على ما سمعت محل آخر.

وأولى منه في البحث والنظر ما نص عليه في الموجز الحاوي من الكتب السابقة من الاجتزاء أيضا بالصلاة الاضطرارية للتحمل عن الغير وإن رجع عليه المؤجر (٢) بتفاوت ما بين الفعلين ، واحتمله المحقق الثاني في حاشيته على الألفية مستبعدا له بدون الأرش ، كما أنه احتمل فيها أيضا انفساخ الإجارة تارة وتسلط المستأجر على الفسخ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ الحديث ٢.

(٢) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصحيح « المستأجر » بدل « المؤجر ».

١١٨

أخرى معللا لأولهما بأن إطلاق الإجارة محمول على الهيئة الكاملة في الواجبات ، فلما تعذرت انفسخت ، ولثانيهما بإمكان الزوال ، ثم قال : « ولا أستبعد التسلط على الفسخ إذا كان الزوال بطيئا عادة وعدم الاكتفاء بهذا الفعل » قلت : قد يمنع التسلط على الفسخ إن لم تعتبر المباشرة في الإجارة ، بل يلزم باستئجار آخر على العمل ، نعم ما ذكره فيه من عدم الاكتفاء بهذا الفعل لا يخلو من قوة ، بل ينبغي القطع به مع ظهور الإجارة في إرادة الكامل ولو بانصراف الإطلاق اليه ، أما إذا لم يكن ظهور في الإجارة بذلك ، بل كان قصد المؤجر (١) الفعل المجزي شرعا ولو بحسب تكليف المستأجر (٢) فصحته مبنية على صحة التبرع بالصلاة العذرية عن الغير بحيث تكون مبرأة لذمته ، وفيه تأمل ، لاحتمال اختصاص المعذور بالعذرية ، فلا تتعدى منه إلى غيره ، لا أقل من الشك ، وشغل الذمة مستصحب ، وإن كان قد يقال : بأن أدلة التبرع شاملة لسائر المكلفين الذين منهم ذووا الأعذار ، إلا أن الانصاف عدم استفادة ذلك منها على وجه معتبر ، لعدم سوقها لبيان مثله كما لا يخفى على من لاحظها ، وعليه فلا يصح حينئذ استئجار الزمن ونحوه من ذوي الأعذار للقضاء عن الغير ابتداء لعدم صحة تبرعه ، وكذا ما عرض منها بعد الإجارة ، ضرورة عدم صلاحيتها لتسويغ غير السائغ قبلها ، بل أقصاها الإلزام بالسائغ قبلها ، فتفسخ حينئذ مع اشتراط المباشرة مثلا وعدم رجاء زوال العذر أو طول مدته ، ويلزم باستئجار غيره إن لم يكن كذلك.

ودعوى أن الإجارة لما وقعت مع مكلف غير ذي عذر ولم يكن قصد المؤجر (٣) فردا خاصا من الفعل كما هو الفرض كانت الصلاة المستأجر عليها من جملة الواجبات على‌

__________________

(١) حق العبارة « المستأجر ».

(٢) الصواب « المؤجر ».

(٣) الصحيح « المستأجر ».

١١٩

المكلف ، وروعي فيها سائر أحكام صلاته التي هي عليه ، بل هي في الحقيقة صلاة له وإن أبرأت ذمة الغير ، لا أنها صلاة الغير واقعة منه ، ولذا كان يراعى فيها أحكام السهو والنسيان والشك والظن وغير ذلك على حسب حال المؤدي لا المؤدى عنه ، فيجهر بالقراءة ويجتزى بستر عورتيه وإن كان المتحمل عنه امرأة ، وتخفت المرأة وتستر سائر بدنها وإن كان المتحمل عنه رجلا ، يدفعها وضوح الفرق بين هذه الأحكام الظاهرة أدلتها في لحوقها للصلاة نفسها من هذا المؤدي نفسه سواء كانت له أو لغيره وبين الأحكام العذرية كالصلاة جالسا ومضطجعا ومؤميا وعريانا وإلى غير القبلة ونحوها مما لم يكن في أدلتها ظهور في تناولها لما نحن فيه ، بل ظاهرها في صلاتهم أنفسهم لا التحملية بإجارة ونحوها ، نعم قد يلتزم ببعضها لو عرض في أثناء الصلاة ، فتأمل ، على أن استصحاب شغل ذمة المتحمل عنه محكم لا يخرج عنه بالشك ، وبقياس غير الثابت شرعا على الثابت.

هذا كله في التحمل بالإجارة ونحوها ، أما إذا كان بخطاب شرعي أصلي كأمر الولد بالقضاء عن أبيه ففي الحاشية المزبورة للمحقق الثاني دعوى وضوح الاجتزاء بالصلاة العذرية منه وإن كان مع رجاء الزوال فضلا عن غيره ، فيكون حينئذ حكمه عنده كحكم القضاء عن نفسه من غير فرق بينهما ، وهو لا يخلو من وجه في العذر الذي لم يرج زواله السابق على موت الوالد أو المتجدد لإطلاق الولي أو عمومه الشامل للزمن والأخرس ونحوهما ، أما مرجو الزوال من الأعذار كبعض الأمراض أو العوارض التي صارت سببا لفقد الساتر واشتباه القبلة وعدم إزالة النجاسة ونحوها ففيه البحث السابق ، بل يمكن البحث في الأول أيضا ، ضرورة انصراف ذلك الإطلاق الذي لم يسق لإفادة نحو ذلك إلى الغالب من الأفراد السالمة عن مثل هذه الأعذار ، فيبقى غيرهم حينئذ‌

١٢٠