جواهر الكلام - ج ١٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

١

ِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌

( الفصل الثاني )

من الركن الرابع

( في قضاء الصلوات )

وفعلها خارج وقتها الموظف لها من الشارع مستحبة كانت أم واجبة ويقع الكلام في ثلاثة مواضع : الأول ما يحصل بسببه الفوات و (١) الثاني حكم القضاء والثالث لواحقه ، أما السبب‌ فمنه ما يسقط معه وجوب القضاء ، وهو سبعة : الصغر ما لم يبلغ مدركا لمقدار الركعة والطهارة ولو الاضطرارية إجماعا محصلا ومنقولا مستفيضا كالسنة (٢) بل لعله من ضروري المذهب بل الدين كما اعترف به في المفاتيح ومثله في ذلك كله الجنون بآفة سماوية ولم يمض عليه من‌

__________________

(١) وفي الشرائع « الفصل الثاني في قضاء الصلوات والكلام في سبب الفوات والقضاء ولواحقه ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب مقدمة العبادات والباب ٣ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها من كتاب الصلاة.

٢

أول الوقت مقدار أداء الصلاة ، أما إذا كان من فعله فقد قال الشهيد في الذكرى : إن عليه القضاء مسندا له إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه ، ووافقه الشهيد الثاني ولعله لكونه السبب في الفوات ، وأن المتبادر من إطلاق الأدلة غيره ، فيبقى داخلا تحت‌ عموم (١) قوله عليه‌السلام : « من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته » ولأنه الموافق للتشديد بأمر الصلاة ، ولما يشعر به‌ قوله عليه‌السلام (٢) : « كلما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر » ولعل نسبته إلى الأصحاب نشأت من ذكر بعضهم إيجاب القضاء في شرب المرقد ، وإلا فما عثرنا عليه من كلام الأصحاب في المقام لا تفصيل فيه ، ومثله الإجماعات المنقولة ونفي الخلاف ، ونحو‌ قوله عليه‌السلام (٣) : « رفع القلم » وغيره ، وكان العمل على الإطلاق هو الأقوى ، لأصالة البراءة ، واحتياج القضاء إلى أمر جديد وكونه السبب لا يخرجه عن شمول اللفظ ، ودعوى أن المتبادر غيره بحيث صار ما عداه من الأفراد النادرة ممنوعة ، وبه يقيد أو يخص‌ قوله عليه‌السلام : « من فاتته » لو سلم شمولها لمثل ذلك كما ستسمعه.

وأما إذا مضى عليه من أول الوقت مقدار أداء الصلاة فقد سبق الكلام فيه ، بل لعل عبارة المصنف غير محتاجة إلى القيد في إخراجه ، لعدم سببية الجنون الفوات فيه ، بل اختياره مع الجنون ، وكذا لو كان سبب الفوات عذرا لا يسقط معه القضاء مع الجنون ، كمن نام ثم استيقظ مجنونا بعد ما مضى من الوقت مقدار أداء الصلاة ، نعم لا فرق بين الإطباقي من الجنون والأدواري بعد فرض تسبيبهما الفوات في جميع الوقت للإطلاق ، ولا بين الماليخوليا وغيره ، لصدق المجنون عليه عرفا.

__________________

(١) لم نعثر على هذا اللفظ في شي‌ء من أخبار العامة والخاصة ، نعم يستفاد ذلك من صحيحة زرارة المذكورة في الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب القصاص في النفس ـ الحديث ٢ من كتاب القصاص.

٣

وكذا يسقط القضاء مع الإغماء المستوعب للوقت على الأظهر الأشهر كما في الروضة ، بل هو المشهور نقلا وتحصيلا ، بل في السرائر أنه المعمول عليه بل عن الغنية الإجماع عليه ، وفي الرياض أن عليه عامة من تأخر ، بل لا خلاف فيه إلا من نادر كما عن الصدوق في المقنع ، ونحوه غيره لم ينقل الخلاف إلا عنه ، لكن في الحدائق عن بعض أنه يقضي آخر أيام إفاقته إن أفاق نهارا ، وآخر ليلة إن أفاق ليلا ثم نقل قول الصدوق بقضاء الجميع.

وكيف كان فلا ريب في أن الأقوى الأول لما سمعت ، وللمعتبرة (١) المستفيضة حد الاستفاضة والواضحة كمال الوضوح في الدلالة ، مع أنها مشتملة على القاعدة التي‌ قال الصادق عليه‌السلام (٢) : « إنها من الأبواب التي يفتح منها ألف باب » ومعتضدة بما عرفت ، فلا يلتفت إلى ما قابلها من الروايات القاصرة عن المقاومة لها من وجوه ، بل فيها ما هو متروك الظاهر عند كافة الأصحاب ، ضرورة اختلافها في الدلالة إذ بعضها (٣) دال على قضاء ما فاته ولو شهرا فصاعدا ، لأن أمر الصلاة شديد ، وآخر (٤) على خصوص يوم إفاقته أو ليلتها ، وثالث (٥) إذا جاز ثلاثة أيام فليس عليه قضاء ، وإن كان ثلاثة أيام فعليه القضاء فيهن ، وفي رابع (٦) المغمى عليه يقضي صلاة ثلاثة أيام ، وفي خامس (٧) يقضي صلاة يوم ، وفي السرائر وعن الفقيه روي (٨) أنه يقضي صلاة شهر ، وصحة السند في بعضها غير مجدية بعد إعراض الأصحاب عنها عدا الصدوق ، مع أنه بنفسه حملها في الفقيه على الاستحباب المنسوب في الرياض إلى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب قضاء الصلوات.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ الحديث ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ الحديث ٤ و ١٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ الحديث ٦ و ١٠.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ الحديث ٥.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ الحديث ٧.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ الحديث ٩.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ الحديث ٥.

٤

المتأخرين كما حكاه في الوافي وغيره عنه ، فيكون الاختلاف حينئذ فيها لاختلاف مراتبه في الفضل ، فأولها الجميع ، ثم الشهر ، ثم الثلاثة ، ثم اليوم الذي أفاق فيه أو ليلته.

بل ينبغي الجزم بالاستحباب للزبور بعد ما عرفته من ذلك الاختلاف فيها ، وخصوص‌ خبر أبي كهمس (١) قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام وسئل عن المغمى عليه أيقضي ما ترك من الصلاة؟ فقال : أما أنا وولدي فنفعل ذلك » ومرسل منصور بن حازم (٢) عنه عليه‌السلام أيضا أنه سأله « عن المغمى عليه شهرا أو أربعين ليلة فقال : إن شئت أخبرتك بما آمر به نفسي وولدي أن تقضي كلما فاتك » نعم لولا المسامحة في السنن لأمكن حملها كلا أو بعضا على التقية ، والأمر سهل.

ثم لا فرق في سبب الإغماء بين الآفة السماوية وفعل المكلف ، لإطلاق النصوص وبعض الفتاوى ، خلافا للذكرى فأوجب القضاء في الثاني دون الأول ، ونسبه كما عن غيره إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه ، وتبعه عليه بعض من تأخر عنه ، بل لعله ظاهر السرائر حيث قيد عدم وجوب القضاء بما إذا لم يكن هو السبب في دخوله عليه بمعصية يرتكبها ، وكيف كان فمستنده على الظاهر انصراف الإطلاق إلى المتبادر المتعارف ، سيما مع اشتمال جملة من نصوص الإغماء على‌ قوله عليه‌السلام : « كلما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر » فيبقى غيره حينئذ مندرجا في عموم‌ قوله عليه‌السلام : « من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته » واستحسنه في الرياض لو لا ما يظهر من الفوات من تحقق الخطاب بالفعل ثم يفوت ، وهو مفقود في المقام ، وفيه أولا منع عدم تحقق الخطاب في الفرض أو بعض أفراده ، لأن الممتنع بالاختيار لا يقبح معاملته معاملة المقدور المتعلق به الاختيار ، وثانيا منع توقف صدق اسم الفوات على تحقق الخطاب في نحو ما نحن فيه ، بل أقصاه توقفه على عدم النهي كالحائض ونحوها على إشكال ، فالأولى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ الحديث ١٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ الحديث ١٣.

٥

في رد الشهيد حينئذ إطلاق النصوص بعد منع الانصراف المزبور ، اللهم إلا أن يثبت إجماع كما أشعرت به عبارته السابقة ، وكأنه أخذه مما ذكره المصنف وغيره من وجوب القضاء على من زال عقله بسبب منه كشرب المسكر ، بل قد يظهر من المنتهى نفي الخلاف فيه ، لكنه كما ترى ، وعلى كل حال فالمتجه بناء عليه اختصاص ذلك بما لو علم ترتب الإغماء على فعله أو بالمعصية التي أشار إليها في السرائر ، لما ستسمعه إن شاء الله فيما يأتي.

وكذا لا يجب القضاء إذا كان السبب الحيض والنفاس مع استيعا بهما إجماعا محصلا ومنقولا وسنة (١) بل كاد يكون ضروريا من مذهب الشيعة ، فان لم يستوعبها (٢) فقد تقدم الكلام فيه ، ولا فرق على الظاهر عندهم بين حصوله من فعلهما أولا ، سيما إذا كان بعد دخول الوقت وإن لم يمض مقدار الأداء ، ولعله لعدم صدق الفوات هنا للنهي الأصلي في المقام بخلاف السابق ، بل لا فرق أيضا بين فعلهما ذلك لترك الصلاة أو لغيره للصدق الممنوع انصرافه إلى غير ذلك.

وكذا يسقط القضاء بـ ( الكفر الأصلي ) بلا خلاف أجده فيه ، بل في المنتهى وغيره الإجماع عليه ، بل في المفاتيح نسبته إلى ضرورة الدين ، للنبوي (٣) « الإسلام يجب ما قبله » وبذلك يخص عموم « من فاتته » أما لو أسلم في دار الحرب وترك صلاة كثيرة فإنه يجب عليه قضاؤها وإن كان معذورا بعدم تمكنه من الوصول.

والتقييد بالأصلي لإخراج المرتد الواجب عليه القضاء للعموم ، وكذا من انتحل الإسلام من الفرق المخالفة حتى المحكوم بكفرها منها ، فان الظاهر وجوب القضاء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب الحيض.

(٢) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصحيح « فان لم يستوعبا ».

(٣) الخصائص الكبرى ج ١ ص ٢٤٩.

٦

ما لم يأتوا بالفعل موافقا لمذهبهم ، فلا يجب حينئذ قضاء عليهم كما صرح به هنا الشهيدان وأبو العباس والصيمري ، بل عن الأردبيلي نسبته إلى الشهرة بين الأصحاب ، بل عن الروض نسبته إليهم مشعرا بدعوى الإجماع عليه لا لأن ذلك يكشف عن صحة أفعالهم وإن كان ربما يومي اليه بعض الأخبار الآتية ، بل هو إسقاط من الشارع حينئذ ، للمعتبرة المستفيضة ، منها‌ رواية الفضلاء (١) عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام « قالا في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء الحرورية والمرجئة والعثمانية والقدرية ثم يتوب ويعرف هذا الأمر ويحسن رأيه أيعيد كل صلاة صلاها أو صوم أو زكاة أو حج أو ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك؟ قال : ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك غير الزكاة لا بد أن يؤديها ، لأنه وضع الزكاة في غير موضعها ، وإنما موضعها أهل الولاية » ومنها‌ خبر معاوية بن بريد العجلي (٢) عن الصادق عليه‌السلام « سألته عن رجل وهو في بعض هذه الأصناف من أهل القبلة متدين ، ثم من الله عليه فعرف هذا الأمر يقضي حجة الإسلام فقال : يقضي أحب إلى ، وقال : كل عمل عمله وهو في حال نصبه وضلالته ثم من الله تعالى عليه وعرف الولاية فإنه يؤجر عليه إلا الزكاة ، فإنه يعيدها لأنه وضعها في غير موضعها ، لأنها لأهل الولاية ، وأما الصلاة والحج والصيام فليس عليه قضاء » إلى غير ذلك.

وما يشعر به‌ خبر عمار الساباطي (٣) المنقول عن الكشي من سقوط القضاء رأسا مطرح أو مؤل ، قال : « قال سليمان بن خالد لأبي عبد الله عليه‌السلام وأنا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب المستحقين للزكاة ـ الحديث ٢ من كتاب الزكاة.

(٢) ذكر صدره في الوسائل في الباب ٢٣ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ١ من كتاب الحج وذيله في الباب ٣١ من أبواب مقدمة العبادات ـ الحديث ١ لكن رواه عن يزيد بن معاوية العجلي وهو الصحيح.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب مقدمة العبادات ـ الحديث ٤.

٧

جالس : إني منذ عرفت هذا الأمر أصلي في كل يوم صلاتين أقضي ما فاتني قبل معرفتي ، فقال : لا تفعل ، فان الحال التي كنت عليها أعظم من ترك ما تركت من الصلاة » فإنه مع ندوره وعدم الجابر لسنده محتمل لأن يكون سليمان سماها فائتة لمكان اعتقاده أنه بحكم من لم يصل ، وقوله عليه‌السلام : « من ترك ما تركت » يراد به من شرائطها وأفعالها عند أهل الحق ، فلا يكون فيه دلالة ، لكن ومع ذلك فالإنصاف أن احتمال سقوط القضاء أصلا ورأسا فعلوا أو لم يفعلوا فضلا عن أن يخلوا بترك شرط ونحوه لا يخلو من وجه ، خصوصا الفرق المحكوم بكفرها منهم ، بل هو أولى قطعا من المحكي عن العلامة من التوقف في سقوط القضاء عمن عمل منهم ، إذ هو ضعيف جدا كما اعترف به في الذكرى ، قال : لأنا كالمتفقين على عدم إعادتهم الحج الذي لا اختلال فيه بركن ، مع أنه لا ينفك عن المخالفة لنا ، وهو جيد ، لكن اعتبر هو في اللمعة عدم الإخلال بر كن عندنا في عدم وجوب إعادة الحج على المخالف لا عندهم ، بل ظاهر الروض نسبته إلى غيره أيضا ، فيفارق الصلاة حينئذ من هذه الجهة ، إذ المعتبر في عدم وجوب قضائها عدم الإخلال بها على مقتضى مذهبه ، إلا أن وجه الفرق غير ظاهر كما اعترف به في الذخيرة تبعا للروض ، بل ظاهر النصوص السابقة خلافه ، ودعوى كون وجهه أن الصحيح هو الموافق لما عندنا دونهم ، فتجب إعادته حينئذ مع الإخلال وخروج الصلاة عن ذلك الدليل لا يوجب خروج الجميع ، على أنه قد يفرق بين الصلاة وبينه بأن عدم إعادتها لعله لسهولة الشريعة ، إذ الصلاة تتكرر في كل يوم ، فلو كلف بقضاء ستين سنة أو سبعين مثلا لكان فيه كمال المشقة ونفر عن الاستبصار يدفعها ظهور الأدلة السابقة في الجميع لا الصلاة خاصة ، بل صريح بعضها الحج.

نعم استثنى المحقق الثاني مما يسقط عن الكافر بعد إسلامه حكم الحدث كالجنابة‌

٨

وحقوق الآدميين ، فلعله هنا كذلك أيضا ، مع أنه يمكن منعه عليه هنا في الأول خاصة لعموم الأدلة بخلاف الثاني لإشعار تعليل الزكاة به ، بل بعضها أولى من الزكاة ، والفرق بينه وبين الكافر واضح بالفعل وعدمه.

وفي وجوب إعادة غسل المتنجسات إذا كان فاسدا عندنا وجهان ، أقواهما ذلك للأصل وقصور الأدلة عن التناول ، وليس هو كرفع الحدث الذي قد عرفت إمكان دعوى عدم وجوب إعادة الرافع له ، وقضيته جواز الدخول به في العبادة التي يفعلها بعد الإيمان المشروطة به حتى أنه لو توضأ مثلا ثم استبصر قبل أن يصلي كان له الدخول في صلاتنا بذلك الوضوء ، وهو مشكل جدا خصوصا إذا قلنا بفساد جميع ما فعله حال المخالفة وإن عدم القضاء ونحوه تفضلا لا لانكشاف صحة ما فعله ، وإن كان قد يقال أيضا بناء عليه أن من الفضل أيضا عدم إعادة الوضوء والغسل ، لكن لا ثمرة مترتبة على الوجهين أو القولين.

لا يقال : إن مراد الأصحاب بعدم وجوب القضاء ونحوه على المستبصر إنما هو في الواجبات التي خرجت أوقاتها كالصلاة والصوم ونحوهما ، لا ما إذا كان وقته باقيا كما نص عليه المحقق الثاني والشهيد الثاني والخراساني في الكافر على ما حكي عن الأخيرين بل عن الأخير منهما الإجماع عليه ، فلعله هنا كذلك أيضا ، فيجب الصلاة عليه لو استبصر وكان الوقت باقيا وإن كان قد صلى ، ومن ذلك كل واجب لا يوصف بالقضاء كالوضوء والغسل ونحوهما ، فيعيدهما حينئذ للعبادات الجديدة ، لأنا نقول : ظاهر النصوص السابقة عدم الفرق بين الموقت وغيره ، بل كاد يكون صريحها ، ولذا نص فيها على الحج الذي هو ليس بموقت وإن كان فوريا ، وعلى استثناء الزكاة وغير ذلك ، فالإجماع المزبور محل منع إن أراد به ما يشمل المخالفين.

ولو فعل المخالف حال خلافه الفعل موافقا لمذهبنا سواء كان مما يشترط فيه‌

٩

القربة وفرض له صورة يتحقق فيها ذلك ، أو لا يشترط كغسل النجاسة ونحوها ثم استبصر سقط عنه الثاني قطعا ، والأول في وجه أيضا وفاقا للذكرى والروض ، لأولويته من الفعل على مذهبه ، ولإطلاق الأدلة ، ولأنه لم يفقد إلا الايمان ، ولعله كاف في صحة الفعل وإن تأخر في الوجود عنه ، ولما عرفته في الحج ولغير ذلك ، لكن ومع ذلك كله فلا نظر فيه مجال ، لإمكان المناقشة في جميع ذلك ، ومن هنا حكي عن جماعة التوقف فيه ، فتأمل ، فإن تحرير هذه المسائل يحتاج إلى إطناب تام ، ولعل الله يوفقنا له في غير المقام.

وربما يأتي لهذا الكلام تتمة إن شاء الله كما أنه مضى تمام البحث في كتاب الطهارة في أنه لا يجب القضاء على من ترك الصلاة لـ ( عدم التمكن ) بسائر الوجوه من فعل ما يستبيح به الصلاة من وضوء أو غسل أو تيمم كما اختاره في المنتهى والتحرير وفي التنقيح أنه منسوب إلى المفيد في رسالته إلى ولده ، لأن القضاء محتاج إلى أمر جديد ، وهو مفقود ، وقوله عليه‌السلام : « من فاتته » ظاهر فيمن كلف.

ولا أداء هنا عند الأصحاب ، ولا نعلم فيه مخالفا صريحا كما في المدارك ، وبدون القيد كما عن الروض وغيره ، وما حكاه المصنف عن بعضهم أنه يصلي ويعيد نادر غير معروف القائل ، ولعله أشار به إلى ما نقل عن مبسوط الشيخ من التخيير بين تأخير الصلاة والصلاة والإعادة ، وهو كما ترى لا مستند له مخالف للقاعدة ، ول‌ قوله عليه‌السلام (١) : « لا صلاة إلا بطهور » و « كلما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر » (٢) وكذا ما عن المرتضى في الناصريات عن جده من القول بوجوب الفعل وعدم الفضاء وقيل كما في السرائر واللمعة والبيان وظاهر الروضة والمدارك وعن المرتضى والشيخين يقضي عند‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الوضوء ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ الحديث ٣.

١٠

التمكن لصدق اسم الفوات وعدم صحة سلبه عنه ، إذ دعوى اختصاصه بمن خوطب بالأداء يدفعها ملاحظة الأخبار (١) التي أطلق فيها على الساهي والنائم وغيرهما بل المغمى عليه ، بل لعل الظاهر منها أصالة القضاء في الصلاة لشدة أمرها ، خصوصا‌ الصحيح (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام الوارد في تفسير قوله تعالى (٣) ( إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً )‌ بل قد يومي اتفاقهم ظاهرا على وجوب قضاء شارب المسكر والمرقد إلى عدم اعتبار الخطاب بالأداء أيضا ، فما في الرياض ـ من اعتبار ذلك فيه فيسقط في المقام القضاء ، لاحتياجه إلى أمر جديد ، وليس إلا اسم الفوات المعتبر فيه الخطاب بالأداء ـ لا يخلو من نظر ومنع ، فالأقوى القضاء هنا ، لما عرفت ، بل في الروضة نسبته إلى صريح الأخبار ، كخبر زرارة (٤) عن الباقر عليه‌السلام « فيمن صلى بغير طهور أو نسي صلوات أو نام عنها فقال : يصليها إذا ذكرها في أي ساعة ذكرها ليلا أو نهارا » وغيره ، وإن كان المناقشة فيه واضحة حتى في صراحة الخبر المزبور فيما نحن فيه.

وكيف كان فقد ظهر لك أن الأشبه والأحوط الثاني لا الأول من غير فرق بين فقد الطهورين باختياره أو بآفة ، نعم قد يتجه التفصيل بذلك على الأول ، وقد تقدم تمام البحث في المسألة في كتاب الطهارة ، فلا حظ وتأمل.

هذا كله في السبب الذي يسقط معه القضاء‌ وما عدا ما تقدم يجب معه القضاء كالإخلال بالفريضة عمدا أو سهوا للإجماع بقسميه والسنة (٥) التي كادت تكون‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ و ٣ ـ من أبواب قضاء الصلوات.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٤.

(٣) سورة النساء ـ الآية ١٠٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ و ٣ ـ من أبواب قضاء الصلوات.

١١

متواترة ، بل هي كذلك ، بل الضرورة عدا الجمعة والعيدين لما تقدم سابقا وكذا يجب مع الإخلال بها بـ ( النوم ولو استوعب الوقت ) زاد على المتعارف أولا ، لصدق اسم للفوات ، ومن هنا أطلق الأصحاب ، وربما فرق بينهما فأوجب القضاء في الثاني دون الأول ، بل مال اليه بعض متأخري المتأخرين ، ولعله لاحتياج القضاء إلى فرض جديد ، وليس هو هنا إلا الإجماع ، إذ أخبار الفوات غير صادقة على من لم يكلف بالأداء ، والمعلوم منه الثاني ، فيبقى الأول على الأصل ، وفيه مع ظهور معقد الإجماع في الأعم منهما ما عرفته سابقا من صدق اسم الفوات على ذلك ، أو الاكتفاء في تحقق القضاء بما هو أعم من الفوات ، فالأقوى حينئذ عدم التفصيل ، نعم قد يفرق بين ما كان من فعله بأن شرب شيئا مثلا يقتضي الرقود وعدمه ، للشك في صدق اسم النوم عليه أو في إرادته منه.

ثم لا فرق في ظاهر المتن بين عدم الفعل رأسا وبين الإخلال بالشرائط التي لم يقم دليل على سقوط القضاء مع الإخلال بها ، ولعله كذلك سيما على القول بكون الصلاة اسما للصحيح ، لشمول ما دل على وجوب القضاء لمن لم يصل ولو للأصل ، بل الظاهر شمول اسم الفوات له ، خلافا للرياض في أحكام الخلل من عدم القضاء بالإخلال في الجزء أو الشرط الثابت من قاعدة الشغل ، وإن أوجبنا عليه الإعادة في الوقت ، لأنه يكفي في وجوبها فيه عدم العلم بالصحة ، بخلاف القضاء المتوقف على صدق الفوات.

ولو زال عقل المكلف بشي‌ء يزيل العقل غالبا وكان ذلك من قبله عالما بترتب الزوال عليه غير مكره ولا مضطر كالمسكر وشرب المرقد وجب عليه القضاء لأنه أي الشرب مثلا سبب في زوال العقل غالبا إذ هو عند الفقهاء ما ترتب عليه الشي‌ء غالبا بلا خلاف أجده ، بل في الذكرى نسبته إلى الأصحاب ، لصدق اسم‌

١٢

الفوات مع عدم شمول ما دل على الاسقاط عما تقدم له ، بل قد يشعر‌ قوله عليه‌السلام (١) : « كلما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر » بوجوب القضاء عليه ، وفي المنتهى ويقضي السكران كلما فاته وإن كان غائبا بالسكر ، ولا نعلم فيه خلافا ، وعلله مع ذلك بما أشار إليه المصنف من كونه السبب لذلك ونحوه ، إلى أن قال : « وكذا البحث فيمن شرب دواء مرقدا وإن تطاول زمان الإغماء » إلى آخره. وبالجملة فالحكم بوجوب القضاء فيما نحن فيه حيث لا يدخل فيما تقدم مما دل على سقوط القضاء واضح الوجه ، ويكفي فيه ما يفهم من الإجماع المنقول ونحوه ، أما لو دخل تحت اسم بعض ما تقدم كالمجنون والمغمى عليه فيشكل الوجوب فيه بأنه لو سلم شمول « من فاتته » له وجب الخروج عنه بما دل على سقوط القضاء عن المجنون مثلا ، ودعوى انصرافه إلى غير ذلك ممنوع ، لكن طريق الاحتياط غير خفي.

وأما لو لم يكن عالما بالاسكار مثلا أو كان مكرها أو شربه لضرورة دعت اليه أو كان مما لا يسكر غالبا كما لو أكل غذاء مؤذيا فآل إلى الإغماء لم يقض كما صريح بالأخير في المنتهى والتحرير ، وذكر الأولين في البيان ظاهرا في الأول وصريحا في الثاني ، وصرح بالثالث جماعة على ما قيل كسابقيه ، لكن لا يخفى أنه يشكل الحكم هنا بسقوط القضاء عمن لم يندرج منهم فيما تقدم مما استدل على سقوط القضاء عنه كالمجنون ونحوه بناء على صدق الفوات على من لم يخاطب بالأداء ، اللهم إلا أن يؤخذ بعموم‌ قوله عليه‌السلام : « كلما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر » الذي‌ قال الصادق عليه‌السلام (٢) : « إنه من القواعد التي يفتح كل باب منها ألف باب » لكن في شموله للبعض مناقشة واضحة ، نعم يتم الحكم بسقوط القضاء بناء على عدم شمول اسم الفوات لمن لم يكن مخاطبا بالأداء وعلى فرض انحصار دليل القضاء فيه.

ولو ارتد المسلم الذي انعقد وأحد أبويه مسلم أو من ولد وكان أحد أبويه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ الحديث ٩.

١٣

مسلما على ما يأتي في تعريف الفطري إن شاء الله ، ومن بلغ مسلما أو أسلم الكافر ثم كفر وهو المسمى بالمرتد الملي وجب عليه قضاء زمان ردته للفوات مع عدم شمول ما دل على سقوط القضاء عن الكافر له ، وبه صرح في السرائر والمنتهى والتحرير والبيان والرياض والمدارك وغيرها ، بل في المنتهى والمفاتيح وعن الناصرية والغنية والغرية والنجيبية الإجماع عليه ، بل عن الناصرية إجماع المسلمين ، وإطلاقهم كالمصنف قاض بعدم الفرق بين الفطري والملي كما عن جماعة التصريح به ، لكن يشكل ذلك بالنسبة إلى الفطري خاصة بناء على عدم قبول توبته ظاهرا وباطنا كما تقدم البحث فيه مستوفى في كتاب الطهارة ، إلا أن يريدوا يجب وإن لم يصح ، أو أن المراد بيان جنس المرتد في مقابل الكفر الأصلي المتحقق في الملي والفطري في المرأة (١) ولو عن فطرة كما يومي إلى ذلك ما سمعته من الإجماع ، بل من المسلمين كما في الناصرية.

ثم من المعلوم أن المراد بوجوب قضاء زمان ردته إذا لم يكن في حال من يسقط القضاء عنه كالجنون والحيض والإغماء ونحوها ، وكذا الكلام في فاقد الطهورين منه على إشكال فيه ، لاستناد الفوات إلى ما تقدمه من السبب ، وهل يجري الحكم في المخالف ونحوه إذا استبصر ثم رجع فيجب عليه القضاء وإن لم يخل به على مذهبه ، اقتصارا فيما خالف القاعدة على المتقين والمعلوم منه الحال الأول كالكافر أو لا يجب ، للإطلاق أو العموم مع ترك الاستفصال؟ الأقوى الأول وإن لم أعثر على مصرح من الأصحاب به.

وأما الثاني وهو حكم القضاء فإنه يجب قضاء الفائتة إذا كانت واجبة إجماعا محصلا ومنقولا وكتابا وسنة (٢) مستفيضة إن لم تكن متواترة ، ولا فرق بين اليومية وغيرها مع اجتماع شرائط القضاء ، بل الظاهر اندراج المنذورة ويستحب إذا‌

__________________

(١) في النسخة الأصلية « المرة » ولكن الصواب ما أثبتناه.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ و ٣ ـ من أبواب قضاء الصلوات.

١٤

كانت نافلة نهارية أو ليلية ، نعم يشترط أن تكون موقتة ولعل المراد بها الرواتب خاصة ، فلا يقضى غيرها وإن وقت الشارع لها وقتا ، لعدم دليل على مشروعيته ، لظهور اختصاص النص والفتوى بها ، بل في بعضها (١) التصريح بالتقييد بها استحبابا مؤكدا حتى‌ ورد (٢) أنه « يعجب الرب ملائكته منه ويقول : ملائكتي عبدي يقضي ما لم أفترضه عليه » و « إن الله تبارك وتعالى ليباهي ملائكته بالعبد يقضي صلاة الليل بالنهار ، فيقول : ملائكتي انظروا إلى عبدي يقضي ما لم أفترضه عليه ، أشهدكم أني قد غفرت له » (٣) وانه « من ترك القضاء لدنيا تشاغل بها عنه لقي الله تعالى مستخفا متهاونا مضيعا لسنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٤) والظاهر استحباب قضائها في كل حال يجب فيه قضاء الفريضة ، وتسقط مع سقوط قضائها.

نعم إن فاتت بمرض خاصة لا يزيل العقل لم يتأكد الاستحباب لقول الصادق عليه‌السلام لمرازم (٥) بعد أن سأله إني مرضت أربعة أشهر لم أصل فيها نافلة فقال : « ليس عليك قضاء ، إن المريض ليس كالصحيح ، كلما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر فيه » وإنما حمل ذلك على نفي التأكد لقول أبي جعفر عليه‌السلام في خبر محمد (٦) قال : « قلت له : رجل مرض فترك النافلة قال : يا محمد ، ليس بفريضة إن قضاها فهو خير يفعله ، وإن لم يفعل فلا شي‌ء عليه » ويستفاد من الخبر الأول تعميم الحكم لكل معذور ، لكنا لم نعثر على مصرح به من الأصحاب.

( فـ ) ان لم يصل من كان عليه القضاء لمانع لم يبلغه إلى حد العذر يستحب له أن يتصدق بقدر طوله ، وأدنى ذلك لكل ركعتين من صلاة الليل والنهار‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ـ الحديث ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ـ الحديث ١.

١٥

بمد فان لم يقدر على ذلك فلكل أربع ركعات من صلاة النهار مد فان لم يتمكن فمد إذا لصلاة الليل ومد لصلاة النهار ، ولعل ذلك هو مراد المصنف بقوله فعن كل يوم بمد أو يكون ذلك مرتبة أخرى ، والصلاة أفضل من الصدقة ، كل ذلك لخبر عبد الله بن سنان (١) عن الصادق عليه‌السلام « عن رجل عليه من صلاة النوافل ما لم يدر هو من كثرتها كيف يصنع؟ قال : فليصل حتى لا يدري كم صلى من كثرتها ، فيكون قد قضى بقدر ما علم من ذلك ، ثم قال : قلت له : فإنه لا يقدر على القضاء ، فقال : إن كان شغله في طلب معيشة لا بد منها أو حاجة لأخ مؤمن فلا شي‌ء عليه ، وإن كان شغله لجمع الدنيا والتشاغل بها عن الصلاة فعليه القضاء ، وإلا لقي الله وهو مستخف متهاون مضيع لحرمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : قلت : فإنه لا يقدر على القضاء هل يجزي أن يتصدق فسكت مليا ثم قال : فليتصدق بصدقة ، قلت : فما يتصدق؟ قال : بقدر طوله ، وأدى ذلك مكان كل صلاة ، قلت : وكم الصلاة التي يجب فيها مد لكل مسكين؟ قال : لكل ركعتين من صلاة الليل ولكل ركعتين من صلاة النهار مد ، فقلت : لا يقدر ، فقال : إذن لكل أربع ركعات من صلاة النهار ، قلت : لا يقدر ، قال : فمد إذن لصلاة الليل ومد لصلاة النهار ، والصلاة أفضل ، والصلاة أفضل ، والصلاة أفضل ».

ولا يخفى قصور العبادة عن إفادة مضمون الرواية ، بل فيها ما يخالف ظاهرها ، ومثلها عبارة النافع والتحرير ؛ والأولى العمل بمضمون الرواية كما يستفاد من الشهيد في البيان والعلامة في ظاهر المنتهى ، فإنه قال : « واستحبت الصدقة عن كل ركعتين بمد ثم لكل أربع بمد ، ثم مد لصلاة الليل ، ومد لصلاة النهار ، والصلاة أفضل ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ـ الحديث ٢ مع الاختلاف.

١٦

قلت : ولا فرق بحسب الظاهر بالنسبة لقضاء النوافل في سائر الأوقات ، فمن كانت عليه أوتار فائتة جاز قضاؤها في ليلة واحدة كما استفاضت به الأخبار (١) وأفتى به بعضهم ، وفي بعض‌ النصوص (٢) « كان أبو جعفر عليه‌السلام يقضي عشرين وترا في ليلة واحدة » خلافا لما ينقل عن العامة من أنه لا وترين في ليلة واحدة والظاهر أن الوتر يقضى على حاله من غير زيادة من دون فرق بين كونه قبل الزوال وبعد الزوال ، وما في بعض الأخبار (٣) من أنه بعد الزوال يقضى شفعا عقوبة لتضييعه محمول على التقية.

ويجب قضاء الفائتة من الفرائض المتحدة مرتبة على الحاضرة وقت الذكر إن كان فواتها بنسيان ما لم يتضيق وقت فريضة حاضرة لا الفوائت المتعددة فإنه لا يجب فيها ذلك ، خلافا لمن ستعرف من القائلين بالمضايقة مطلقا أو المواسعة مطلقا أو التفصيل بغير ما سمعت مما سيأتي كما هو خيرته في باقي كتبه ، بل تبعه عليه السيد في المدارك والسيد المحدث والفاضل المدقق الشيخ أحمد الجزائريان في هداية المؤمنين وتبصرة المبتدي على ما حكي عنهما والشهيد في ظاهر النفلية أو صريحها ، بل مال إليه في غاية المراد ، وإن كان الذي استقر عليه رأيه في غيرهما المواسعة مطلقا ، بل هو الذي استظهره الفاضل المدقق المتبحر ملا أسد الله في رسالته من مجموع عبارات الديلمي تبعا لأستاذه العلامة الطباطبائي في مصابيحه في الجملة ، لكن الإنصاف أنه إلى التفصيل بين الفوائت المعلومة المعينة فالتضييق ، والفوائت المجهولة بحيث لا يعلم مقدار ما في ذمته فالتوسعة أقرب مما استظهراه منه ، كما لا يخفى على المتأمل المتدبر ، نعم ليس هو من أهل المضايقة مطلقا قطعا وإن اشتهر ذلك عنه نظرا إلى ما حكاه من عبارته في المختلف.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب الصلوات المندوبة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب الصلوات المندوبة ـ الحديث ـ ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ الحديث ١٠.

١٧

ولا فرق في كلامه بين الفائت سهوا أو عمدا أو تفريطا بشرب مسكر ونحوه وإن صرح بالفورية في الأخيرين وعبر عنها في أحد فردي الأول بالقضاء وقت الذكر لظهور إرادتها أيضا منه ، إلا أن الفرق بينه وبين الأولين توقيته بالذكر لفرض نسيانه وتوقيتهما بأول أزمنة الفوات لفرض تعمده ، وإلا فليس المراد من القضاء وقت الذكر التوسعة قطعا كعبارة المتن ، إذ دعوى عدم ظهورها في ذلك كما وقع من أول الفاضلين المذكورين في الرسالة المزبورة في غاية الغرابة ، خصوصا مع اكتفائه ببيان الترتيب الذي صرح به في النافع وغيره من كتبه في الفائتة الواحدة بهذه العبارة ، واكتفائه ببيان عدم الترتيب فيما يأتي بالنسبة للمتعددة عن التصريح بعدم التضييق الذي حكى نصه عليه في غير واحد من كتبه ، واحتمال إرادته بما في المتن أنه مبدأ وقتها الذي يختص بها ولا يجوز تأخيرها عنه إلى أن يتضيق الحاضرة ، ثم هكذا دائما إلى أن يؤديها مما لا ينبغي أن يصغى اليه ، سيما بعد اشتهار تفصيل المصنف بين من تأخر عنه بموافقة القائلين بالتضييق في الواحدة والقائلين بالمواسعة في المتعددة ، جمعا بين أدلة الطرفين ، ولذا حكي عن ظاهر غاية المرام وغيرها ابتناء تفصيل المصنف في الترتيب على المضايقة والمواسعة كالقولين المشهورين.

نعم لعله لا يرى المضايقة الحقيقية بل يكتفي بالعرفية على ما يشعر به بعض المحكي من كلامه في المعتبر ، بل وكلام بعض أتباعه كسيِّد المدارك والجزائري ، والأمر سهل.

ثم إنه ليس في اقتصاره على وقت الذكر إشعار باختصاص هذا التفصيل في المنسية دون العمدية بعد وضوح كلامه في غير الكتاب بالإطلاق ، بل وفيه أيضا بملاحظة ما سيأتي له ، نعم لا ظهور في كلامه بمساواة الواحدة الباقية من المتعدد بعد قضائه للواحدة أولا في الحكم المزبور وإن كان يحتمل تفريعه عليه ، كما أن من عليه واحدة إذا فاتت عنه أخرى يسقط عنه وجوب التقديم ما دامت الفائتة متعددة ، ولا في مساواة‌

١٨

التي عرض لها التعدد لاشتباه ونحوه للتي لم يعرض لها ذلك حتى يجب تقديم جميع ما يجب فعله للمقدمة على الحاضرة ، وإن كان قد يقال : إن إجراء حكم الواحدة أوفق بعباراتهم فيشكل الحكم حينئذ فيما إذا لم يمكن تقديم الجميع على الحاضرة ، فتأمل.

نعم ظاهر المتن وغيره إرادة ضيق الوقت عن تمام فعل الحاضرة ، فلا يجزي في وجوب ابتداء القضاء عنده بل وعند القائلين بالمضايقة إمكان إدراك ركعة من الحاضرة كالحاضرتين ، أما لو ظهر له في أثناء المقضية أنه إن أتمها لم يتمكن إلا من ركعة من الحاضرة ففي وجوب قطعها بل جوازه وعدمهما تردد ، وإن كان قد تسمع فيما يأتي إن شاء الله ما يشهد للأول ، كما أنك ستعرف مستند تفصيل المصنف هناك أيضا إن شاء الله مفصلا ، والله الموفق.

ويجب مع التنبه وعدم الغفلة أن تترتب بمعنى تتقدم السابقة من الفرائض على اللاحقة كالظهر على العصر ، والعصر الفائتة على المغرب اللاحقة لها فواتا والمغرب على العشاء سواء كان ذلك ليوم حاضر أو صلوات يوم فائت بلا خلاف في الحواضر بعضها على بعض كالظهرين أنفسهما والعشاءين كذلك ، بل في المدارك وغيرها لا خلاف فيه بين علماء الإسلام ، بل الإجماع بقسميه عليه ، والنصوص (١) به مستفيضة تقدم ذكرها فيما سبق ، وكذا لا خلاف معتد به فيه بالنسبة للفوائت بعضها مع بعض بمعنى وجوب فعل السابق فواتا وإن كان عصرا مثلا على اللاحق وإن كان ظهرا ، بل عن مجمع البرهان نفيه عنه أصلا ، بل إن لم يكن الإجماع عليه محصلا فهو محكي في الخلاف والتنقيح وعن المعتبر والتذكرة وموضع من الذكرى ، كما أنه نسبه في المنتهى إلى علمائنا ، وفي كنز الفوائد إلى الإمامية مشعرين بدعوى الإجماع عليه نحو المحكي من نسبته إلى الأصحاب في موضع آخر من الذكرى ، نعم حكى في الذكرى عن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٣ ـ من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

١٩

بعض من صنف في المضايقة والمواسعة القول باستحبابه ، وهو محجوج بما عرفت ، بل قيل وبالنبوي (١) المنجبر بما سمعت « من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته » المراد منه بسبب عدم انصراف جهة الشبه إلى أمر مخصوص المشاركة بجميع وجوهه التي منها الترتيب الذي كان في الأداء ، والصحيح (٢) عن الباقر عليه‌السلام « إذا نسيت صلاة أو صليتها بغير وضوء وكان عليك قضاء صلوات فابدأ بأولهن فأذن لها وأقم ثم صلها ثم صل ما بعدها بإقامة إقامة لكل صلاة » والآخر عن محمد بن مسلم (٣) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل صلى الصلوات وهو جنب اليوم واليومين والثلاثة ثم ذكر بعد ذلك ، قال : يتطهر ويؤذن ويقيم في أولهن ثم يصلي ويقيم بعد ذلك في كل صلاة ».

وبالتأسي بالمحكي في التذكرة والمنتهى من فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الخندق (٤).

لكن قد يناقش في الأول ـ بعد الإغماض عن سنده وعدم وجوده في الأصول المعتمدة وظهور عاميته ـ بمنع عدم انصرافه إلى أمر مخصوص ، إذا الظاهر منه إرادة كيفية الفائتة الثابتة لها وقت أدائها من القصر والإتمام ونحوه لا ما يشمل السبق في الفوات ضرورة عدم كون ذلك من كيفيات الفائتة ، بل هو من الأمور الاتفاقية لها الحاصل بسبب تعاقب الزمان وتدريجيته ، كما يومي إلى ذلك كثرة تعرض الأخبار لبيان اتحاد كيفية القضاء والفائت من القصر والإتمام في السفر والحضر ، دفعا لتوهم أن العبرة بوقت القضاء لا الأداء ، منها‌ صحيح زرارة (٥) المعبر فيه عن ذلك بمثل لفظ النبوي المزبور‌

__________________

(١) لم نعثر على هذا اللفظ في الأخبار ولعله مأخوذ من مضامينها الواردة في أبواب القضاء من كتب الأخبار.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ الحديث ٣.

(٤) تيسير الوصول ـ ج ٢ ص ١٩٠.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ الحديث ١.

٢٠