جواهر الكلام - ج ١٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

وسلار على ما قيل تقديمه للإمام لمرسل ابن بكير المزبور واستحسنه المصنف في المحكي عن معتبرة في غير محله.

نعم قد يقال بالإطلاق الأول لو كان الصبي مملوكا والمرأة حرة ، والإطلاق الثاني في العكس ترجيحا لجانب الحرية المعتضد في الأول بالصغر والكبر ، إلا أنه معارض لها في الثاني كمعارضة الذكورة لها في الأول ، إلا أنه قد تدفع الأخيرة بأن الثابت الترجيح بذكورة الرجل لا مطلق الذكورة بالنسبة للمرأة ، نعم لا بأس بها في الصبي والصبية ، فالإطلاق الأول حينئذ في الفرض المزبور متجه بخلاف الثاني الذي قد تزاحم فيه المرجحان المنصوصان كالصبي الحر ذي الست بالنسبة إلى العبد البالغ ، ففي كشف اللثام تقديمه للإمام عليه للشرف بالحرية ، وعن ابن حمزة ومنتهى الفاضل العكس ، لأنه أولى بالشفاعة ، وإطلاق خبري (١) تقديم الصغير إلى القبلة ، والأولى التخيير فيه وفي كلما تزاحم فيه المرجحات المنصوصة إذا لم يرجح أحدها على الآخر بالتعدد أو بمرجح خارجي من إجماع أو غيره ، ومنه يعلم الحال في تقديمه على الخنثى إذا كان من ست كما صرح به في الخلاف والمحكي عن السرائر والمبسوط والإصباح والجواهر ، بل لعل في ظاهر الأول أو صريحه الإجماع عليه ، بل قد يظهر من منظومة الطباطبائي ترجيح الذكورة على كل حال ، قال :

وقدم الذكور والأحرار

إليك ندبا وكذا اعتبارا

وإن تعارضت فقدم أولا

وأنت بالخيار فيما قد تلا

ولا يخلو من نظر ، فتأمل هذا ، وعن أبي علي أنهم يجعلون على العكس مما يقوم الأحياء خلف الإمام للصلاة ، وقال في إمامة الصلاة إن الرجال يلون الامام ، ثم الخصيان ثم الخناثى ، ثم الصبيان ، ثم النساء ، ثم الصبيات ، ولم نجد في النصوص ما يشهد له ، بل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٥.

٨١

ليس فيها لذكر الخصيان أثر ، والظاهر إلحاقهم بالرجال ، لكن عن الحلبي أيضا « تجعل المرأة مما يلي القبلة والرجل مما يلي الامام ، وكذلك الحكم إن كان بدل المرأة عبدا أو خصيا أو صبيا ، كما أنه ليس فيها ترجيح للجنائز المتساوية في الذكورة ونحوها » لكن عن التذكرة « لو كانوا كلهم رجالا أحببت تقديم الأفضل ، وبه قال الشافعي ، وعن المنتهى قدم إلى الامام أفضلهم ، لأنه أفضل من الآخر فأشبه الرجل مع المرأة » وعن التحرير « ينبغي التقديم بخصال دينية ترغيب في الصلاة عليه ، وعند التساوي لا يستحب القرب إلا بالقرعة أو التراضي » وفي كشف اللثام ولم أجد بذلك نصا إلا أن ينزل عليه‌ قوله عليه‌السلام في خبر السكوني (١) وسيف بن عميرة (٢) : « خير الصفوف في الصلاة المقدم ، وخير الصفوف في الجنائز المؤخر ، قيل : يا رسول الله ولم؟ قال : صار سترة للنساء » قلت : لكن ليس فيه ترجيح بالأفضلية ونحوها ، وكأنه لذا قال في الذكرى بعد أن نقل الترجيح عن العلامة بالأفضلية قال : وهو مخالف للنص والأصحاب نعم عن الوسيلة والجامع في رجلين أو امرأتين يقدم أصغرهما إلى القبلة ، قيل ولعله لخبري طلحة والصدوق ، وفيه أن الظاهر إرادة ما دون البلوغ من الصغر فيهما ، وبالجملة الأولى الوقوف على المستفاد من النصوص استفادة معتبرة ، إذ احتمال أن ما فيها من المثال ، وإلا فالمراد مراعاة سائر المرجحات بعيد جدا ، وعليه فالأمر غير منحصر في الأفضلية.

وكيف كان فمما ذكرنا يظهر لك كيفية النظم لو اجتمع الجميع الرجل والمرأة الحرة والمملوكة والصبي والصبية كذلك للست ودونها ، والخنثى البالغ وغيره للست وغيره الحر والمملوك ، وعن فوائد القواعد لثاني الشهيدين قال : جملة الحكم في ذلك أن يجعل الرجل مما يلي الإمام ، ثم الصبي الحر ، ثم العبد البالغ ، ثم العبد لست ، ثم الخنثى الحر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١.

٨٢

البالغ ، ثم الخنثى الحر لست ، ثم الخنثى الرقيق كذلك ، ثم المرأة الحرة ، ثم الأمة ، ثم الطفل الحر لدون ست ، ثم العبد كذلك ، ثم الخنثى الحر ، ثم الرقيق كذلك ، ثم الأنثى كذلك ، ولا يخفى ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرنا ، كما أن ما في كشف الأستاذ ومع اجتماع الجنائز يقدم الرجل الحر إلى الامام ، ثم الرق ، ثم الصبي الحر بالغا ست سنين ، ثم غير بالغها ممن يصلي عليه ، ثم الصبي الرق ممن بلغ ستا ، ثم من لم يبلغ والممسوح كذلك ، ثم الخنثى الحر ، ثم البالغة الحرة ، ثم صبيتها مرتبة ، ثم الأمة ، ثم صبيتها كذلك ، ثم النساء على هذا التفصيل كذلك أيضا ، كما أن مما قدمناه في تداخل الغسل المندوب والواجب يظهر لك ما أطنبوا فيه في المقام من الجمع بصلاة واحدة بينهما ، فلاحظ وتأمل ، والله أعلم.

ومن السنن أيضا أن يكون المصلي متطهرا بلا خلاف ، بل في المحكي عن التذكرة نسبته إلى علمائنا مشعرا بدعوى الإجماع عليه ، بل في المحكي عن الخلاف والغنية الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد‌ خبر عبد الحميد بن سعد (١) قال لأبي الحسن عليه‌السلام : « الجنازة يخرج بها ولست على وضوء فان ذهبت أتوضأ فاتتني الصلاة أأصلي عليها وأنا على غير وضوء؟ فقال : تكون على طهر أحب إلى » مع أن الصلاة ذكر ودعاء ومسألة وشفاعة للميت فاستحب في فاعلها أن يكون على أكمل أحواله وأفضلها ، نعم الظاهر مشروعية التيمم في مفروض سؤال الخبر المزبور كما دل عليه غيره من النصوص (٢) وأفتى به الأصحاب ، بل قد يقال بمشروعيته مع التمكن من الوضوء أيضا كما تقدم محررا في بحث التيمم ، فلاحظ وتأمل.

نعم لا ريب في رجحان الطهارة المائية عليه ، بل لا يبعد رجحان الصورية عليها فضلا عن الحقيقة ، لكن عن‌ فقه الرضا عليه‌السلام (٣) « وإن كنت جنبا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب صلاة الجنازة.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١.

٨٣

وتقدمت للصلاة عليها فتيمم أو توضأ » وظاهره المساواة ، وهو لا يخلو من تأمل ، كما أن‌ قوله عليه‌السلام أيضا (١) : « قد أكره أن يتوضأ إنسان عمدا للجنازة لأنه ليس بالصلاة ، وإنما هو التكبير ، والصلاة التي هي فيها الركوع والسجود » كذلك ولعله يريد نية الوجوب من التعمد والحرمة من الكراهة ، وإلا كان مخالفا للنص والفتوى كما عرفت ، والله أعلم.

ومن سننها أيضا أن ينزع نعليه كما عن جماعة التصريح به ، بل في المدارك هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا ، وهو الحجة إن تم إجماعا لا‌ خبر سيف بن عميرة (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « لا يصلى على الجنازة بحذاء ، ولا بأس بالخف » ضرورة اقتضائه الحرمة إلا أنه لقصوره من وجوه عن إثباتها يحمل على الكراهة فيه لا استحباب نزعه ، اللهم إلا أن يدعى رجوعه اليه ، ولا يخلو من تأمل ، وعليه فلا دلالة فيه على استحباب الحفاء كما عبر به في النافع والمحكي عن المعتبر والمنتهى ، بل في الذكرى أنه عبارة ابن البراج ، وهو الذي أراده العلامة الطباطبائي بقوله :

والخلع للحذاء دون الاحتفاء

وسن في قضائه الحافي الحفا

فإنه لقب القاضي عبد العزيز بن الجبار ، وفي معقد إجماع الغنية وأن يتحفى الامام وعلى كل حال فقد علل بأنه موضع اتعاظ ، فكان التذلل أنسب بالخشوع ، مضافا إلى‌ ما رواه الجمهور (٣) عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمهما الله على النار » وهما معا كما ترى ، بل في الذكرى استحباب الحفاء يعطي استحباب نزع الخف ، والشيخ وابن الجنيد ويحيى بن سعيد استثنوه ، والخبر ناطق به ،

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١.

(٣) سنن البيهقي ج ٣ ص ٢٢٩.

٨٤

وفي التذكرة اختار عدم نزع الخف ، واحتج بحجة المعتبر ، وهو تام لو ذكر الدليل المخرج للخف عن مدلول الحديث ، قلت : يمكن إخراجه بالخبر المزبور بناء على ظهور نفي البأس فيما يشمله ، كما أنه يمكن عدم استثنائه كما أطلقه في النافع وغيره ، لعدم منافاة نفي البأس لاستحباب الحفاء ، إذ أقصاه الجواز ، اللهم إلا أن يكون هنا كذلك بناء على إرادة ندب النزع من النهي الأول ، فيدل حينئذ على نفيه فيه ، لكن كل ذلك بعد الدليل على الحفاء ، وقد عرفت عدمه ، وإجماع الغنية مع موهونيته بمصير الأكثر إلى خلافه خاص بالإمام ، بل قد يظهر من المحكي عن المقنع عن شيخه التوقف في نزع النعل فضلا عنه ، قال : روي أنه لا يجوز للرجل أن يصلي على جنازة بنعل حذو ، وكان محمد بن الحسن يقول : كيف يجوز صلاة الفريضة به ولا يجوز صلاة الجنازة به ، وكان يقول : لا نعرف النهي عن ذلك إلا من رواية محمد بن موسى الهمداني ، وكان كذابا ، قال الصدوق : وصدق في ذلك إلا أني لا أعرف من غيره رخصة واعترف بالنهي وإن كان من غير ثقة ، ولا يراد الخبر بغير خبر معارض ، قلت : روى الكليني عن عدة عن سهل ابن زياد عن إسماعيل بن مهران عن سيف بن عميرة ما تقدم ، وهذا طريق غير طريق الهمداني إلا أن يفرق بين الحذاء وبين نعل الحذو ، وقد يفرق بين الصلاتين باشتراط عدم الخبث في ذات الأركان وعدمه في الجنازة ، لكن لا يخفى ما في كلام الصدوق من عدم اشتراط العدالة في الخبر وظهور الحرمة وغير ذلك ، كما أنه لا يخفى عليك ظهور الفتاوى في عدم الفرق هنا بين النعل العربية وغيرها ، فاحتماله بتنزيل الحذاء أو نعل حذو على غيرها فيختص ندب الخلع حينئذ بها لا ما يشمل العربية في غاية البعد ، خصوصا بعد تفسير الحذاء بالنعل في الصحاح وفي المحكي عن النهاية ، وإضافة النعل للحذو للتوضيح كما قيل أو غير ذلك ، والله أعلم.

ومن سننها أيضا أن يرفع يديه في أول تكبيرة إجماعا محصلا ومنقولا‌

٨٥

مستفيضا إن لم يكن متواترا ، بل لعله إجماع أهل العلم كما عن التذكرة والمنتهى وظاهر المعتبر ، بل لا خلاف فيه في النصوص كالفتاوى وأما في البواقي فيستحب أيضا على الأظهر وفاقا لوالد الصدوق وللتهذيب والاستبصار والجامع والنافع والمعتبر والتذكرة والتحرير والتلخيص والإرشاد ونهاية الأحكام والقواعد والبيان والدروس واللمعة والموجز والتنقيح وكشف الالتباس وجامع المقاصد وفوائد الشرائع والتلخيص وحاشية الميسي والروض والروضة والمسالك ومجمع البرهان والمفاتيح والحدائق والمدارك والمنظومة على ما حكي عن البعض ، بل عن كشف الالتباس أنه المشهور ، بل عن الروض أن عمل الطائفة عليه الآن ، بل في مفتاح الكرامة عن شرح الجعفرية أنه إجماعي ، لكن قال : لعل النسخة غير صحيحة كما هو الظاهر ، ولعله الأقوى تأسيا بفعل‌ الصادق عليه‌السلام المروي في الصحيح عن عبد الرحمن بن العزرمي (١) قال : « صليت خلف أبي عبد الله عليه‌السلام على جنازة فكبر خمسا يرفع يده في كل تكبيرة » وخبر عبد الله بن خالد مولى بني الصيداء (٢) فإنه صلى خلفه أيضا فرآه يرفع يده في كل تكبيرة ، بل‌ سأل يونس الرضا عليه‌السلام في خبره (٣) فقال له : « جعلت فداك أن الناس يرفعون أيديهم في التكبير على الميت في التكبيرة الأولى ولا يرفعون فيما بعد ذلك فأقتصر على التكبيرة الأولى كما يفعلون أو أرفع يدي في كل تكبيرة؟ فقال : ارفع يدك في كل تكبيرة » بل منه يستفاد أن ما رواه‌ غياث بن إبراهيم (٤) عن الصادق عن علي عليهما‌السلام « أنه كان لا يرفع يده في الجنازة إلا مرة واحدة يعني في التكبير » وإسحاق بن أبان الوراق (٥) عنه أيضا عن أبيه عليهما‌السلام « كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب صلاة الجنازة الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب صلاة الجنازة الحديث ٢ لكن روى عن محمد بن عبد الله بن خالد.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب صلاة الجنازة الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب صلاة الجنازة الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب صلاة الجنازة الحديث ٥ روى عن إسماعيل بن إسحاق.

٨٦

عليه‌السلام يرفع يده في أول التكبير على الجنازة ولا يعود حتى ينصرف » محمول على التقية ، بل تفوح رائحتها منهما لسليم حاسة الشم مع قطع النظر عن ذلك ، ولا يقدح فيه اختلاف العامة بعد أن كان ذلك مذهب مالك والثوري وأبي حنيفة الذي يتقى منه في ذلك الزمان ، لأنه الذي عليه السواد والسلطان والأتباع كما يومي اليه ما حكاه يونس ، بل هو المعروف عندهم في صلاة المكتوبة أيضا كما يومي اليه‌ خبر إسماعيل بن جابر (١) المروي عن قرب الاسناد عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رسالة طويلة كتبها لأصحابه إلى أن قال : « دعوا رفع أيديكم في الصلاة إلا مرة واحدة حين تفتح الصلاة ، فإن الناس قد شهر وكم بذلك ، والله المستعان ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ».

فلا ريب حينئذ في أولوية ذلك مما عن الشيخ من حملهما على بيان الجواز ، خصوصا مع إشعار « كان » بالدوام ، وقد يقال في الأول بعد فرض كون التعبير فيه من غير الراوي أن المراد رفع اليدين في الدعاء ، أي لا يستحب فيها إلا قنوت واحد ، وهو عند الدعاء للميت لا كالعيد ، قال في المدارك : ولم يذكر الأصحاب هنا استحباب رفع اليدين في حالة الدعاء للميت ، ولا يبعد استحبابه لإطلاق الأمر برفع اليدين في الدعاء المتناول لذلك ، وإن كان فيه أن مقتضى التعليل الرفع أيضا في غير الدعاء للميت بل لا يخفى عليك بعد حمل الخبر عليه إلا أنه لا بأس به بعد رجحان دليل الندب بصحة السند وكثرة العدد ومخالفة العامة والتسامح ، وما سمعته سابقا في أول أفعال الصلاة من ظهور بعض النصوص في كون الرفع هيئة التكبير ، كقول الرضا عليه‌السلام (٢) : « إنما ترفع اليدين بالتكبير لأن رفع اليدين ضرب من الابتهال والتبتل والتضرع ، فأحب الله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ٩ من كتاب الصلاة لكن رواه عن الكافي.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ١١ من كتاب الصلاة.

٨٧

عز وجل أن يكون العبد في وقت ذكره له متبتلا متضرعا مبتهلا » وغيره مما لا يخفى ، واحتمال معارضة ذلك كله بالشهرة بين قدماء الأصحاب ـ إذ المنقول عن الشيخين والمرتضى وابن زهرة والقاضي والتقي والبصري والعماد الطوسي والديلمي والعجلي والفاضل في المختلف العدم ، بل في الذكرى والمدارك وأكثر الأصحاب أن لا رفع إلا في الأولى ، بل في كشف اللثام وغيره أنه المشهور بمعنى عدم استحبابه في غيرها ، واليه يرجع ما في الذكرى أن الخروج عن جمهور الأصحاب بخبر الواحد فيه ما فيه ، بل في الغنية والمحكي عن شرح القاضي الإجماع عليه ، فيحمل تلك النصوص على إرادة بيان جواز الفعل ـ يدفعه مع أنه لا يتم في خبر يونس (١) أن الشهرة المتقدمة بعد تسليمها لظهور بعض العبارات في منع الرفع في غير الأولى ، بل في التنقيح حكايته عن البصري ومعارضته بالشهرة المتأخرة ، بل بها يوهن الإجماعان المزبوران ، بل لا يخفى حال الأول منهما على الممارس للغنية بل ولا الثاني ، ولو سلم التكافؤ بين الشهرتين فالترجيح بالعرض على مذاهب العامة بحاله ، مضافا إلى ما عرفت ، فلا حاجة حينئذ إلى ما عن المعتبر من الترجيح بأن ما دل على الزيادة أولى ، ولأن رفع اليدين مراد الله في التكبير الأول ، وهو دليل الرجحان ، فيشرع في الباقي تحصيلا للأرجحية ، ولأنه فعل مستحب ، فجاز أن يفعل مرة ويخل به أخرى ، فلذلك اختلفت الروايات ، إذ فيه أن خبر النقيصة الأول يدل على نفي الزائد صريحا ، فيتعارض ، والرجحان في الأولى لا يقضي به في غيرها ، ولفظ « كان » مشعر أو ظاهر في الدوام ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.

ومنها عند المصنف كما عرفت سابقا أنه يستحب عقيب الرابعة أن يدعو له إن كان مؤمنا ، وعليه إن كان منافقا وقد سمعت أن الأقوى الوجوب فيهما ، وأنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٣.

٨٨

لا يتعين خصوص اللعن منه كما تقدم ذلك مفصلا ، نعم ظاهر المصنف وغيره من القائلين بالأربع للمنافق أن محل الدعاء بعد الرابعة وإن لم يكن بعدها تكبيرة ، بل لعله لا خلاف فيه بين القائلين بالوجوب والندب والأربعة والخمسة لظهور الأدلة السابقة في أنها هي محل الدعاء للميت أو عليه ، ولا يبعده عدم تكبيرة أخرى بعدها على تقدير الأربع ، ولذا قال في الذكرى بندب الدعاء لا وجوبه ، وفيه ما عرفت سابقا ، كما أن ما في المدارك من أنه لا يتعين الدعاء بعد الرابعة كذلك وإن كان هو مبنيا على ما ذهب اليه من عدم وجوب التوزيع المزبور ، كما أن المحدث البحراني بعد أن ذهب إلى كفر المخالفين وعدم مشروعية الصلاة عليهم إلا تقية قال هنا : إنه متى صلى كان مخيرا بين الدعاء عليهم بعد كل تكبيرة كما هو ظاهر خبر الحسين بن أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) وغيره من الأخبار وبين الدعاء بعد الرابعة كما في فقه الرضا عليه‌السلام (٢) وفيه ما لا يخفى بعد التدبر في النصوص والفتاوى.

وأما الدعاء بدعاء المستضعفين إن كان كذلك أي مستضعفا كما في‌ صحيح الحلبي (٣) وأكثر كتب الأصحاب بل جميعها عدا النادر ، بل في الغنية الإجماع عليه « اللهم اغفر ( لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ ) » نعم قال في آخره : « وإن كان المستضعف منك بسبيل فاستغفر له على وجه الشفاعة لا على وجه الولاية » وستسمع المراد منه ، وفي‌ صحيح ابن مسلم (٤) عن أحدهما عليهما‌السلام والغنية والمحكي عن المبسوط وبعض الكتب « ربنا اغفر للذين ( تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ ) وزاد في الصحيح إلى آخر الآيتين أي قوله تعالى (٥) ( رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنّاتِ عَدْنٍ

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٦.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٢.

(٥) سورة المؤمن ـ الآية ٨.

٨٩

الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيّاتِهِمْ ، إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )‌ ولعله المراد في الصحيح الأول أيضا إلا أنه لم أعثر عليه في شي‌ء من الفتاوى إلا ما يحكى عن الجعفي ، فقال : إلى آخر الآيات ، وفي‌ صحيح الفضيل وابن أذينة (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « وإن كان واقفا مستضعفا فقل : اللهم » إلى آخر الآية ، نعم ستسمع احتمال إرادته من خبر ثابت بن أبي المقدام (٢) فيكون دعاؤه ما فيه ، والظاهر عدم التوقيت فيه للإطلاق السابق ، بل المراد الدعاء بجنس ذلك نحو ما سمعته في المؤمن والمنافق واليه أومأ في المحكي عن الكافي من أنه إن كان مستضعفا دعا للمؤمنين والمؤمنات.

كما أنه لا خلاف فيما أجده في كون الدعاء المزبور بعد الرابعة ، لأن الظاهر الخمس في كيفية صلاته كما صرح به في كشف اللثام على وجه يظهر منه كونه مفروغا منه ، لإطلاق ما دل عليها المقتصر في تقييده عند المصنف ومن عرفت على المنافق الذي هو غير المستضعف قطعا كما هو مقتضى المقابلة نصا وفتوى ، فالإطلاق حينئذ بحاله.

والمراد بالمستضعف هنا ـ وإن قيل إن ظاهر الأصحاب في الزكاة والوصية المخالف الذي ليس له نصب ـ هو من لا يعرف اختلاف الناس ، فلا يعرف ما نحن عليه ولا يبغضنا كما عن السرائر ولعله لتوقيع الكاظم عليه‌السلام لعلي بن سويد (٣) « الضعيف من لم يرفع اليه حجته ولم يعرف الاختلاف ، فإذا عرف الاختلاف فليس بضعيف » وقول الصادق عليه‌السلام في خبر أبي سارة (٤) « ليس اليوم مستضعف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٣ لكن رواه عن عمر بن أذينة عن الفضيل بن يسار.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٧ لكن رواه عن ثابت أبى المقدام وهو الصحيح.

(٣) أصول الكافي ـ ج ٢ ص ٤٠٦ « باب المستضعف » ١١.

(٤) أصول الكافي ـ ج ٢ ص ٤٠٦ « باب المستضعف » ١٢.

٩٠

أبلغ الرجال والنساء النساء » ولأبي بصير وسفيان بن السمط (١) « فتركتم أحدا يكون مستضعفا ، فو الله لقد مشى بأمركم هذا العواتق إلى العواتق في خدورهن وتحدث به السقايات في طرق المدينة » ولأبي بصير (٢) « من عرف الاختلاف فليس بمستضعف » ولأبي حنيفة (٣) الذي هو من أصحابنا « من عرف الاختلاف فليس بمستضعف » قول أبي جعفر عليه‌السلام لزرارة (٤) : « ما يمنعك من اليه من النساء المستضعفات اللاتي لا ينصبن ولا يعرفن ما أنتم عليه ، وممن لا يعرف الاختلاف أشباه الصبيان ممن ليس له مزيد تمييز يمكنه به معرفة الحق أو يبعثه على الفساد والبغض لنا » كما‌ قال أبو جعفر عليه‌السلام أيضا لزرارة (٥) : « هو الذي لا يستطيع حيلة يدفع بها عنه الكفر ولا يهتدي بها إلى سبيل الايمان ، لا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر ، قال : والصبيان ومن كان من الرجال والنساء مثل عقول الصبيان » وفي‌ خبر سليم بن قيس (٦) المروي في الاحتجاج عن الحسن عليه‌السلام « إن الناس ثلاثة : مؤمن يعرف حقنا ويسلم ويأتم بنا فذلك ناج محب لله ولي ، وناصب لنا العداوة يبرأ منا ويلعننا ويستحل دماءنا ويجحد حقنا ويدين الله بالبراءة منا فهذا كافر مشترك فاسق ، وإنما كفر وأشرك من حيث لا يعلم كما يسبوا الله من غير علم كذلك يشرك بالله بغير علم ، ورجل‌

__________________

(١) أصول الكافي ـ ج ٢ ص ٤٠٤ « باب المستضعف » ٤ وهو خبر سفيان بن السمط فقط.

(٢) أصول الكافي ـ ج ٢ ص ٤٠٥ « باب المستضعف » ٧.

(٣) معاني الأخبار ـ ص ٢٠٠ المطبوعة بطهران عام ١٢٧٩.

(٤) ذكر صدره في الوسائل في الباب ٣ من أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه ـ الحديث ٢ من كتاب النكاح.

(٥) أصول الكافي ـ ج ٢ ص ٤٠٤ « باب المستضعف » ٣.

(٦) الاحتجاج ـ ص ١٦٢.

٩١

أخذ بما لا يختلف فيه ورد علم ما أشكل عليه إلى الله تعالى مع ولايتنا ولا يأتم بنا ولا يعادينا فنحن نرجو أن يغفر الله له ويدخله الجنة ، فهو مسلم ضعيف » وعن الغرية « أنه الذي يعترف بالولاء ويتوقف عن البراء » وفي كشف اللثام « وكأنه نظر إلى‌ قول أبي جعفر عليه‌السلام في خبر الفضيل : « وإن كان واقفا مستضعفا فكبر وقل : اللهم اغفر للذين تابوا » إلى آخره. وفي الذكرى « هو الذي لا يعرف الحق ، ولا يعاند فيه ، ولا يوالي أحدا بعينه » قال في جامع المقاصد : والتفسيرات متقاربة إلا أن ما ذكره ابن إدريس ألصق بالمقام ، فان العالم بالخلاف والدلائل إذا كان متوقفا لا يقال له مستضعفا ، وما يقال من أن المستضعف هو الذي لا يعرف دلائل اعتقاد الحق وإن اعتقده فليس بشي‌ء ، إذ لا خلاف بين الأصحاب في أن من اعتقد معتقد الشيعة الإمامية مؤمن ، يعلم ذلك من كلامهم في الزكاة والنكاح والكفارات ، وفي كشف الأستاذ « أنه من لا يوالي ولا يعادي ويدخل نفسه في اسم المؤمنين والمخالفين ، ولا يعرف ما هم عليه » قلت : لعل الاستضعاف مراتب مختلفة ، كما أنه يكون من قصور العقل وغيره ، ويلحق في الصورة باسم المؤمنين أو المخالفين.

وعلى كل حال فالتكبير عليه بعد إحراز إسلامه والضعف في إيمانه بالمعنى الأخص خمس تكبيرات ، لإطلاق ما دل عليها في الميت الذي لم يعلم خروج غير المنافق والجاحد للحق ونحوهما ممن علم عدم شموله للمستضعف عنه ، والظاهر إلحاق ولد المستضعف به في ذلك أيضا ، كما أن الظاهر كون الاستضعاف حالة مقابلة للايمان والخلاف لا تتنقح بالأصل كما ستعرف الإشارة إليه في مجهول الحال ، والله هو العالم.

وإن جهله ولم يعرف مذهبه سأل الله تعالى أن يحشره مع من يتولاه كما في القواعد وعن التحرير والإرشاد والبيان ، لقول الباقر عليه‌السلام في صحيح‌

٩٢

زرارة ومحمد بن مسلم (١) : « ويقال في الصلاة على من لا يعرف مذهبه : اللهم إن هذه النفوس أنت أحييتها وأنت أمتها ، اللهم ولها ما تولت واحشرها مع من أحبت » بل في كشف اللثام أنه المذكور في المقنع والهداية والمقنعة والمصباح ومختصره والمهذب والغنية بل عن الأخير الإجماع عليه ، ولا ينافيه ما عن المعتبر والتذكرة والمنتهى ونهاية الأحكام والذكرى والدروس وجامع المقاصد وغيرها من الدعاء بما في‌ خبر ثابت بن أبي المقدام (٢) قال : « كنت مع أبي جعفر عليه‌السلام فإذا بجنازة لقوم من جيرته فحضرها وكنت قريبا منه فسمعته يقول : اللهم إنك خلقت هذه النفوس وأنت تحييها وأنت أعلم بسرائرها وعلانيتها ومستقرها ومستودعها ، اللهم وهذا عبدك ولا أعلم منه شرا وأنت أعلم به ، وقد جئناك شافعين له بعد موته ، فان كان مستوجبا فشفعنا فيه واحشره مع من كان يتولاه » إذ لا يريدون التعيين ، خصوصا ولا صراحة في الخبر المزبور أن الميت كان مجهول الحال عنده ، بل هو من المستبعد ، سيما مع كونه من جيرته ، بل الأقرب أنه كان مستضعفا ، وشفاعته عليه‌السلام فيه لأن له حق الجوار عليه ، ففي‌ صحيح الحلبي أو حسنه (٣) عن الصادق عليه‌السلام المتقدم سابقا « وإن كان المستضعف منك بسبيل فاستغفر له على وجه الشفاعة لا على وجه الولاية » فإن المراد بالسبيل الحق وبالولاية ولاية أهل البيت عليهم‌السلام كما في الوافي أي حق من لا ولاية له عليك لا يوجب أن تدعو له كما تدعو لأهل الولاية ، بل يكفي لذلك أن يستغفر له على وجه الشفاعة ، وربما يؤيده ما في‌ مرسل ابن فضال (٤) عن الصادق عليه‌السلام « الترحم على جهتين جهة الولاية وجهة الشفاعة » بل في وافي الكاشاني الترحم على جهة الولاية مثل ما مر من الدعاء للمؤمنين ، وعلى جهة الشفاعة مثل الخبر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٧ لكن روى عن ثابت أبى المقدام وهو الصحيح.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٥.

٩٣

المزبور ، ثم قال : وإنما تجوز الشفاعة لمن كان قد استوجبها كالمستضعف إذا كان من الشفيع بسبيل دون غيره ، وفي حسن ابن مسلم (١) عن أحدهما عليهما‌السلام السابق الدعاء للمجهول بدعاء المستضعف ، كما أن في‌ خبر سليمان بن خالد (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « تقول : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، اللهم صل على محمد عبدك ورسولك ، اللهم صل على محمد وآل محمد ، وتقبل شفاعته ، وبيض وجهه ، وأكثر تبعه ، اللهم اغفر لي وارحمني وتب علي ، اللهم اغفر للذين ـ إلى آخر الآية (٣) ـ فإن كان مؤمنا دخل فيها ، وإن كان ليس بمؤمن خرج منها » وفي‌ صحيح الحلبي (٤) عن الصادق عليه‌السلام « وإذا كنت لا تدري ما حاله فقل : اللهم إن كان يحب الخير وأهله فاغفر له وارحمه وتجاوز عنه ».

وكيف كان فلا إشكال في وجوب الدعاء هنا بعد أن كان الواقع عدم خلوه ممن عرفت وجوب الدعاء لهم وعليهم ، نعم الظاهر عدم التوقيت فيه ، بل يجب مراعيا لجهل حاله كما أومأ إليه في المحكي عن الكافي من اشتراط الدعاء له وعليه ، بل الأولى مراعاة احتمال الايمان والخلاف والاستضعاف ، فيأتي بدعاء صالح لذلك كله كما أومى إليه في بعض النصوص السابقة ، إلا أنه قد يظهر من دعائه في بعض آخر منها عدم مراعاة استضعافه ، ولعله لأن المفروض معلومية انتفائه أو لندرته ، ومنه يعلم فساد احتمال الحكم باستضعافه إذا جهل حاله بتخيل أنه ينقحه أصالة عدم الايمان والخلاف وإن كان هو لا يخلو من وجه ، بناء على بعض التفاسير للمستضعف الذي مرجعه إلى عدم معرفة الحق وعدم معاندته فيه وعدم موالاة أحد بعينه ، لكن النصوص والفتاوى كالصريحة بخلافه ولعله لأن الاستضعاف حالة أخرى متجددة بعد حال الصغر مقابلة للايمان والخلاف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٦.

(٣) سورة المؤمن ـ الآية ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٤.

٩٤

ينفيها الأصل أيضا ، فتأمل.

كما أن ظاهر النصوص والفتاوى تعليق الحكم على الجهل بمذهبه ونحوه المتحقق مع الظن به ، وهو كذلك ، ضرورة عدم الدليل على الاجتزاء به في مثل ذلك ، نعم لو كان مستنده ظاهر إقراره ونحوه مما علم الاكتفاء به اتجه خروجه حينئذ عن المجهول ، لكن في كشف اللثام تفسير الجاهل بالذي لم يعرف خلافه للحق وإن كان من قوم ناصبة ولا استضعافه ولا عرف إيمانه ولا ظن ، ثم قال : فعندي يكفي الظن في الايمان ولا بد من العلم في الباقيين ، وللنظر فيه مجال وإن كان قد يشهد له بعض النصوص المميزة للمؤمن عن غيره ببعض الأمارات الظنية ، ولتمام البحث فيه محل آخر.

نعم ما في المدارك الظاهر أن معرفة بلد الميت الذي يعلم إيمان أهلها أجمع كاف في إلحاقه بهم لا يخلو من قوة ، وربما عد مثله علما في العادة أو عومل معاملته ، والله أعلم.

والظاهر أن التكبير على المجهول خمس ، إما لإطلاق ما دل على وجوبها للميت المقتصر في تقييده على معلوم النفاق الذي قد يدعى انسياق الأدلة فيه ، وإما لأن بها يحصل يقين البراءة من الشغل اليقيني ، إذ هو إن كان من ذوي الأربع فلا يقدح زيادة الخامسة للاحتياط بعد الكمال ، وإن كان من ذوي الخمس فهي في محلها ، فلا حاجة حينئذ في يقين البراءة إلى التكرار وإن اختلف الصلاتان ، لكنه اختلاف هيئة عدد لم يعتبر في القليل منه عدم الزيادة عليه ولو بقصد الاحتياط حتى يتوقف يقين حصول البراءة على التكرار ، بل المراد حصول الأربعة في الخارج ولو كانت في ضمن خمسة لم يقصد بها التشريع المفسد ، وتسمع فيما يأتي إن شاء الله الاجتزاء بصلاة واحدة للمؤمن والمنافق على أن يشتركا في الأربعة ويختص المؤمن بالزيادة ، وأنه ونحوه ليس من التداخل في شي‌ء ، لعدم تعدد الأوامر وإن كان قد تعدد المأمور بالصلاة عليه ، فهو نحو الأمر بضرب الرجال الحاصل امتثاله بضرب كل واحد وبضربهم جميعا دفعة ،

٩٥

كما هو واضح ، فلاحظ وتأمل فإن له نفعا في المقام ، والله أعلم.

وإن كان الميت طفلا سأل الله أن يجعله مصلحا لحال أبيه شافعا فيه لكن في‌ خبر زيد بن علي (١) عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام « أنه كان يقول : اللهم اجعله لأبويه ولنا سلفا وفرطا وأجرا » وفي النافع والمحكي عن الفقيه والمقنع والهداية والمصباح ومختصره « اللهم اجعله لنا ولأبويه فرطا » بتقديم « لنا » وحذف السلف والأجر ، ولعله أقربهما من الفرط الذي هو من يتقدم لإصلاح ما يحتاجون اليه كما عن السرائر والمنتهى ، بل في الذكرى وعن الجامع الفرط الأجر المتقدم ، وفي الصحاح بالتحريك الذي يتقدم الواردة فيهي‌ء لهم الأرسان والدلاء ويمدر الحياض ويستقي لهم وهو فعل بمعنى فاعل ، ويقال رجل فرط وقوم فرط أيضا ، وفي الحديث (٢) « أنا فرطكم على الحوض » ومنه قيل للطفل : « اللهم اجعله لنا فرطا » أي أجرا يتقدمنا حتى نرد عليه ، اقتصروا عليه كالمحكي عن المبسوط والنهاية والاقتصاد والوسيلة والجامع ، كما أنه لعدم وجوب تقديم الأبوين في الدعاء قدم « لنا » عليه ، بل يسقط الدعاء بكونه فرطا لهما إذا لم يكونا مؤمنين ، ويختص بالمؤمنين حينئذ ، بل في‌ الدعائم (٣) عن جعفر ابن محمد عليهما‌السلام « أنه كان يقول في الصلاة على الطفل : اللهم اجعله لنا سلفا وفرطا وأجرا » من دون ذكر الأبوين.

والمتجه على ما في الكتاب ـ من اختصاص الدعاء بالصلاح والشفاعة لأبيه الذي لم أجد موافقا له عليه نصا وفتوى عدا ما عن الكافي في الجملة ، فقال : « دعي لوالده إن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الجنازة ـ الحديث ١.

(٢) كنز العمال ـ ج ٧ ص ٢٢١ ـ الرقم ٢٤١٢.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١.

٩٦

كان مؤمنا ، ولهما إن كانا مؤمنين » السقوط ولو كان أبوه خاصة كافرا ، لعدم جواز الدعاء له حينئذ ، وعدم ذكره غيره ، اللهم إلا أن يبدل الدعاء له بالدعاء عليه ، والأمر سهل بناء على عدم وجوب الدعاء هنا كما عن الروض ، قال : وفي الدعاء لأبوي لقيط دار الكفر مع الحكم بإسلامه نظر ، أقربه ذلك ، ثم قال : والأمر سهل لكونه غير واجب ، وفي كشف اللثام وفي وجوب الدعاء هنا الوجهان ، ويقوى العدم أنه ليس للميت ولا عليه ، قلت : كما أنه يقوى الوجوب ظاهر الفتاوى ، نعم الظاهر عدم التوقيت فيه باللفظ المخصوص ، وعن‌ فقه الرضا عليه‌السلام (١) « اللهم اجعله لأبويه ولنا ذخرا ومزيدا وفرطا وأجرا » وفي المقنعة « اللهم هذا الطفل كما خلقته قادرا وقبضته طاهرا فاجعله لأبويه نورا ، وارزقنا أجره ولا تفتنا بعده » وكذا الغنية والمحكي عن المهذب لكن فيهما « فرطا ونورا » بل قد يقال بوجوب الدعاء المزبور في صلاة الطفل المندوبة فضلا عن الواجبة ، لأن ندب الأصل لا ينافي وجوب الهيئة كالنافلة ، والأحوط المحافظة في الدعاء على مضمون الخبر المذكور ، والله أعلم.

وكيف كان فقد ذكر الأصحاب كما في كشف اللثام والمحكي عن الروض أنه إذا فرغ من الصلاة وقف موقفه حتى ترفع الجنازة لخبر حفص بن غياث (٢) عن أبي جعفر عن أبيه عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام « أنه كان إذا صلى على جنازة لم يبرح من مكانه حتى يراها على أيدي الرجال » وفي كشف اللثام ولكونه إماما خص الحكم بالإمام في المصباح ومختصره والسرائر والتذكرة والجامع والذكرى والدروس ، قلت : لكن ظاهر العبارة وغيرها بل صرح به الكركي وغيره عدم الفرق بين الامام‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١ وفيه « عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام ».

٩٧

وغيره ، لقاعدة الاشتراك ، ول‌ خبر يونس (١) « ويقف مقدار ما بين التكبيرتين ولا يبرح حتى يحمل السرير من بين يديه » نعم عن الميسي وثاني الشهيدين أنه يستثنى من المصلين من يتحقق بهم رفع الجنازة إن لم يتفق من غيرهم ، ونحوه في المدارك مع أنه لا يخلو من نظر إذا لم يصل إلى حد الوجوب ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.

ومنها ما في الذكرى ناسبا له إلى الشيخ والأصحاب أن يصلي عليها أي الجنائز في المواضع المعتادة ولعله الحجة في مثله سيما مع تأييده بالتبرك بكثرة المصلين فيها ، وبأن السامع بموته يقصدها فيحصل كثرة المصلين عليه المعلوم رجحانها حتى‌ قال الصادق عليه‌السلام في الصحيح عن عمر بن يزيد (٢) : « إذا مات الميت فحضر جنازته أربعون رجلا من المؤمنين فقالوا : اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به منا قال الله تبارك وتعالى : قد أجزت شهادتكم وغفرت له ما أعلم مما لا تعلمون ».

ولو صلى عليها في المساجد جاز بلا خلاف فيه بيننا ، بل عن المنتهى الإجماع عليه ، للأصل وخبر البقباق (٣) سأل الصادق عليه‌السلام « هل يصلى على الميت في المسجد قال : نعم » ومثله محمد بن مسلم (٤) نعم الظاهر الكراهة كما صرح بها جماعة ، بل عن الروض وجامع المقاصد نسبتها إلى الأصحاب كما عن المعتبر نسبتها إلى روايتهم ، بل عن مجمع البرهان الإجماع عليها إلا في مكة ، كالخلاف قال فيه : يكره أن يصلى عليها في المساجد إلا بمكة إلى أن قال : دليلنا إجماع الفرقة ، وفي‌ خبر أبي بكر بن عيسى بن أحمد العلوي (٥) قال : « كنت في المسجد وقد جي‌ء بجنازة فأردت أن أصلي عليها فجاء أبو الحسن الأول عليه‌السلام فوضع مرفقه في صدري فجعل يدفعني حتى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩٠ ـ من أبواب الدفن ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٢.

٩٨

خرج من المسجد ، ثم قال : يا أبا بكر ، إن الجنائز لا يصلى عليها في المساجد » لكنه كما ترى عام لا استثناء فيه لمكة كما سمعته من معقد إجماع الخلاف والمحكي عن مجمع البرهان وعن المنتهى تعليله مع ذلك بأنها كلها مسجد ، فلو كرهت الصلاة في بعض مساجدها لزم التعميم فيها أجمع ، لكنه كما ترى ، فالعمدة حينئذ في التخصيص الإجماع المزبور إن تم ، ومن الغريب ما في المدارك من نفي الكراهة مطلقا لما سمعته من خبر الجواز الذي لا ينافي ما دل على الكراهة ، بل لم أجد موافقا له على ذلك سوى ما يحكى عن أبي علي « لا بأس بها في الجوامع وحيث يجتمع الناس على الجنازة دون المساجد الصغار » نعم يمكن القول بارتفاعها لو اعتيدت ، ولذا استحبها في البيان في المواضع المعتادة ولو في المساجد مع أنه لا يخلو من نظر واضح.

ومنها صلاتها جماعة للتأسي والإجماع بقسميه على ذلك وعلى عدم وجوبها ، فيكفي صلاتها فرادى ، كما أنه يكفى فيها صلاة واحد ولو امرأة بلا خلاف فيه بيننا نصا وفتوى وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « صلوا » لا يدل على اشتراط الجمع ، فان الخطاب هنا كما في الذكرى لكل واحد لا للجميع ، وإلا لوجبت على عامة الناس ، فلا يشترط الاثنان ولا الثلاثة حينئذ ، واشتراط الأربعة لأنهم الحملة للجنازة غلط ناش عن اتباع الهوى ، والاعراض عن ذوي الهدى عليهم‌السلام ، إذ لا تلازم بين عدد الحمل والمصلين ، على أن الاتفاق حاصل على جواز حمل واحد.

ومنها الجهر للإمام في التكبير ، لأن كثيرا من الرواة حكى عدد التكبير من فعل النبي والأئمة ( عليهم الصلاة والسلام ) ، وهو لا يحصل غالبا إلا بسماعه ، فيتأسى بهم ، وظهور مساواتها المكتوبة في ذلك ، خصوصا بعد معلومية الحكمة في الجهر فيها ، وهي أعلام من خلفه ليقتدى به ، بل الظاهر استحباب جهرة بباقي الأذكار حتى الدعاء ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٣.

٩٩

لإطلاق الدليل المزبور ، خلافا لما عن الفاضلين من استحباب السر في الدعاء سواء فعلت ليلا أو نهارا ، لأنه أبعد من الرياء ، فيكون أقرب إلى الإجابة ، ول‌ خبر أبي همام (١) عن الرضا عليه‌السلام « دعوة العبد سرا دعوة واحدة تعدل سبعين دعوة علانية » وهو كما ترى ، نعم لا يبعد استحباب الإسرار للمأموم مطلقا كالمكتوبة ، لإطلاق دليله.

ومنها الاجتهاد في الدعاء للمؤمن كما في الخبر (٢) إلى غير ذلك من المندوبات التي يتسامح في سننها ، ولا يخفى كيفية تحصيلها من النصوص ، نعم لا يستحب فيها دعاء الاستفتاح عندنا ولا التعوذ والتكبيرات الست قبلها ، لابتنائها على التخفيف ، ولما مر من صفتها ، والله أعلم.

ويكره الصلاة على الجنازة الواحدة مرتين وفاقا للأكثر ، بل المشهور نقلا وتحصيلا ، بل في الغنية الإجماع عليه جماعة وفرادى من مصل واحد ومتعدد كما صرح به بعضهم ، وكالصريح من آخر فضلا عن إطلاق المصنف وغيره ، لخبر وهب بن وهب (٣) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلى على جنازة فلما فرغ جاءه ناس فقالوا : يا رسول الله لم ندرك الصلاة ، فقال : لا يصلى على جنازة مرتين ولكن ادعوا لها » ونحوه خبر إسحاق بن عمار (٤) عن الصادق عليه‌السلام ، بل رواه‌ الحسين بن علوان (٥) في المحكي عن قرب الاسناد عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام لكن قال : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلى على جنازة فلما فرغ جاء قوم لم يكونوا أدركوها ، فكلموا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يعيد الصلاة فقال لهم : قد قضيت الصلاة عليها ولكن ادعوا لها » إلا أنه للضعف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الدعاء ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الدعاء من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٢٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٢٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١٣.

١٠٠