جواهر الكلام - ج ١٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

تشاغل بالغسل فاتته فإنه يجوز له أن يتيمم ويصلي » على أنه قال : « وعندنا أن هذه الصلاة جائزة بغير وضوء إلا أن الوضوء أفضل » بل عنه في المهذب « أن الأفضل للإنسان أن لا يصليها إلا وهو على طهارة ، فان لم يكن على ذلك وفاجأته تيمم وصلى عليها ، فان لم يتمكن من ذلك أيضا جاز أن يصليها على غير طهارة ، ومن كان من النساء على حيض أو جنابة وأرادت الصلاة على الجنازة فالأفضل أن لا تصليها إلا بعد الاغتسال فان لم تتمكن من ذلك جاز لها ذلك بالتيمم ، فان لم تتمكن من ذلك جاز لها أن تصلي عليها بغير طهارة » إذ الظاهر إرادة الأعم من التعذر من عدم التمكن ، ومن هنا بعد أن حكى ذلك في كشف اللثام عنهم قال : وكأنهم أرادوا الفضل ، نعم عن أبي علي لا بأس بالتيمم إلا للإمام إن علم خلفه متوضئ ، مع أن الشهيد وغيره فهم منه الكراهة ، قال : وكأن نظره إلى إطلاق الخبر (١) كراهة ائتمام المتوضي بالمتيمم ، مع أنه ربما منع عليه بأن ذلك في الصلاة حقيقة ، وفيه كما في كشف اللثام أنه لا دليل عليه.

وكيف كان فلا إشكال في عدم اشتراط ذلك ، بل الظاهر عدم اشتراط إزالة الخبث أيضا وفاقا لجماعة ، بل لا أجد فيه خلافا ، نعم تردد فيه في الذكرى بعد أن اعترف بعدم الوقوف فيه على فتوى ولا نص ، ولعله من الأصل وإطلاق الأصحاب والأخبار (٢) جواز صلاة الحائض؟ مع عدم انفكاكها عن الدم غالبا ، وإرشاد التعليل في خبر يونس بن يعقوب (٣) الآتي اليه ، وأخفية الخبث لصحة الصلاة معه بخلاف حكم الحدث ، ومن إطلاق بعض الأخبار (٤) الناطقة بوجوب الطهارة من الخبث للصلاة ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٦ و ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٣ من كتاب الطهارة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الوضوء.

٦١

ولا يخفى عليك ضعف الأخير ، ولذا كان خيرته في الدروس والبيان العدم ، ضرورة عدم تأتيه بناء على كون الصلاة حقيقة في غيرها ، بل وعليه سواء كان على جهة الاشتراك لفظا أو معنى ، لانصرافها إلى غيرها ، خصوصا بعد‌ سؤال يونس بن يعقوب (١) أبا عبد الله عليه‌السلام « عن الجنازة أصلي عليها على غير وضوء فقال : نعم إنما هو تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل كما تكبر وتسبح في بيتك على غير وضوء » وقوله عليه‌السلام في مرسل حريز (٢) « الطامث تصلي على الجنازة لأنه ليس فيها ركوع ولا سجود ، والجنب يتيمم ويصلي على الجنازة » وغير ذلك ، كالمروي (٣) عن الرضا عليه‌السلام ونحوه إذ هو وإن كان لنفي الوضوء إلا أنه لا ريب في ظهوره في أنه لا يعتبر فيها ما اعتبر في الصلاة من حيث الصلاة ، بل إن كان كالاستقبال فهو لدليل مستقل.

ومن ذلك يظهر لك ما في الذكرى من جريان جميع ما يعتبر في الصلاة فيها إلا ما خرج بالدليل كالطهارة من الحدث مثلا بدعوى اندراجها فيها ، فيجب الستر حينئذ وغيره لها ، بل ينبغي مراعاة صفات الساتر فضلا عن أصله ، كما أنه ينبغي عدم فعل شي‌ء من الموانع في أثنائها ، وتبعه على بعضه كالستر بعض من تأخر عنه كالكركي والأستاذ في كشفه ، وتردد آخر في الموانع ، لكن في منظومة الطباطبائي الجزم بعدم ذلك كله ، قال :

وليس من شروطها رفع الحدث

قطعا كذا الأصح في رفع الخبث

وهكذا عدالة الامام

وسائر الشروط والأحكام

لذات أركان وفي الذكرى طرد

جميعها وهو ضعيف المستند

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٢.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١ من كتاب الطهارة.

٦٢

ولا أرى شرطا سوى الايمان

وما مضى والحل في المكان

مشيرا بما مضى إلى الاستقبال وكون رأس الميت على اليمين ونحوهما ، وبطلانها مع الغصب في المكان بعد وجوب القيام فيها بناء على عدم اجتماع الأمر والنهي في محل واحد واضح ، بل في كشف الأستاذ اعتبار إباحته للميت أيضا ، قال : « إلا المتسع فتجوز ما لم يكن المصلي أو الميت غاصبين أو مقومين للغاصب » وإن كان هو كما ترى للبحث فيه مجال.

نعم لا إشكال في البطلان مع عدم الحل في مكان المصلي ، بل وفي الساتر المغصوب وإن لم نقل بكون الستر من شروطها بناء على اتحاد كلي التصرف والقيام في الشخصي الخارجي ، لكن قد عرفت ما فيه في محله ، وكان على العلامة المزبور التنبيه عليه ، بل اشتراطه أيضا كالمكان إن كان الفساد عنده في ذات الركوع من هذه الجهة ، ومن هنا قال الأستاذ في كشفه : ويشترط فيها إباحة اللباس وعدم المانع ككونه حريرا أو ذهبا في وجه قوي كما أن ما ذكره من عدم اشتراط العدالة في الامام وإن كان قد يشهد له إطلاق الأدلة خصوصا نصوص تقدم الولي (١) من غير اشتراط في شي‌ء منها استجماعه للعدالة ونحوها من شرائط الائتمام معتضدا ذلك بخلو الفتاوى عن التعرض لاشتراط شي‌ء من ذلك ، لكن قد يناقش بأن لفظ الصلاة وإن كان لا يشملها إلا أن لفظ الائتمام لا ريب في شموله لائتمامها ، فما دل على اعتبار العدالة فيه وطهارة المولد وتعيينه بالإشارة والاسم وعدم ارتفاع مقامه بما يعتد به ونحو ذلك شامل له ، ولعله لذا قال الأستاذ في كشفه هنا : « والظاهر اشتراط طهارة المولد والعدالة » لكن قال : وفي اشتراط قيامه لو أم قائمين مع عجزه عن القيام وطهارته بالماء لو أم متطهرين به وعدم ارتفاع مقامه بما يعتد به على المأمومين وجهان ، أقواهما العدم ، أما الرقية والجذام ونحوه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب صلاة الجنازة من كتاب الطهارة.

٦٣

وسلامة اللسان من الآفة فلا مانع منها بلا شبهة ، وكان ذلك منه لاختلاف النصوص في إطلاق الاعتبار في الائتمام ، وفي الاختصاص بالائتمام بالصلاة التي قد عرفت انصرافها إلى غيره ، ففي‌ خبر الأصبغ بن نباتة (١) « سمعت عليا عليه‌السلام يقول : ستة لا يؤمنون الناس وعد منهم شارب الخمر » وما روى الصدوق (٢) بسنده عن أبي ذر « ان إمامك شفيعك إلى الله ، فلا تجعل شفيعك سفيها ولا فاسقا » وصحيح ابن مسلم (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام « خمسة لا يؤمنون الناس وعد منهم ولد الزنا » كخبر أبي بصير (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، بخلاف باقي ما يعتبر في الإمام مما ذكره فإنه خاص بائتمام الصلاة حتى الجلوس بناء على مشروعيته مع وجود القائم ، لأن‌ قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرسل الصدوق (٥) عن الباقر عليه‌السلام : « لا يؤمن أحدكم بعدي جالسا » إنما هو بعد ما صلى عليه‌السلام بأصحابه من جلوس ، فالمراد على الظاهر من قوله : « لا يؤمن » إلى آخره في الصلاة ، فتبقى الجنائز حينئذ على إطلاق الأدلة ، ولعل خلو الفتاوى هنا اتكالا على ما ذكروه في بحث الجمعة والجماعة مما يظهر منه اعتبار ذلك في أصل الائتمام بصلاة الفريضة وغيرها ، بل ظاهر ما سمعته منهم من ملاحظة تراجيح السابقة في المصلي على الجنازة التي هي التراجيح المذكورة في إمام الجماعة بالصلاة كالصريح في اتحاد أحكام الجماعتين ، وأوضح منه ما وقع للمصنف وغيره من أنه يتقدم الولي إذا كان بشرائط الإمامة وإلا قدم غيره ، فان الظاهر إرادة ما هو المذكور في الجماعة والجمعة من شرائط الإمام ، وإلا كان من الواجب التعرض للفرق بين الإمامين في المقامين.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

٦٤

نعم مقتضى ذلك عدم الاقتصار على اعتبار ما ذكره الأستاذ في كشفه ، بل ينبغي حينئذ اعتبار سائر ما ذكروه هنا في الامام وفي الجماعة ، فلا يصح إمامة القاعد مثلا بالقائم مثلا ، ولا يجوز الارتفاع والحائل إلا في النساء ، إلى غير ذلك مما لا يخفى جريانه في المقام ، كما أن ما جاز هناك من إمامة الأبرص والمتيمم والأعمى وغيرهم ولو على كراهة جاز هنا بالأولى ، ودعوى الفرق بين العدالة والارتفاع وطهارة المولد وبين غيرها بإطلاق الأدلة فيها دونها يدفعها أن العمدة فهم اعتبار تلك الأمور في الامام والجماعة مطلقا وإن كان المورد الصلاة المنصرفة إلى غير المقام ، وإلا فلا إطلاق معتد به في العدالة فضلا عن غيرها ، إذ الخبر المزبور وإن كان مرويا في المحكي عن مستطرفات السرائر كذلك لكن رواه الصدوق في المحكي عن خصاله « ستة لا ينبغي أن يؤموا الناس : ولد الزنا والمرتد والأعرابي بعد الهجرة وشارب الخمر والمحدود والأعلف » وهو ـ مع اشتماله على لفظ لا ينبغي والطعن في سنده وعدم ذكره اشتراط العدالة ، ضرورة أعمية نفي إمامة هؤلاء منها ـ معارض بإطلاق الأدلة هنا ، وبينهما تعارض العموم من وجه ، وعدم الترجيح يقضي بعدم الاشتراط ، وخبر أبي ذر لم يسنده إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليكون ظاهره حجة علينا ، ولم نعثر في الارتفاع على إطلاق ، فليس حينئذ في الجميع إلا ما عرفت من ظهور الأدلة والفتاوى في اعتبار ذلك في الامام والجماعة في الصلاة وغيرها فيعتبر حينئذ جميع ما يعتبر هناك ، ولا ريب في أنه أحوط وإن كان للنظر في تعينه مجال خصوصا بعد عدم المنقح من إجماع أو غيره ، بل الفرق بين الصلاتين بالتحمل وغيره مع وضوحه قد نصت عليه الأدلة كما عرفت ، فدعوى اعتبار جميع ما يعتبر في إمام جماعتها وإمامها لا تخلو من إشكال ، ومن هنا كان الاحتياط الذي هو ساحل بحر الهلكة لا ينبغي تركه.

كما أنه لا ينبغي تركه في سائر ما يعتبر في الصلاة إلا ما دل عليه الدليل ، خصوصا‌

٦٥

في الموانع كالكلام ونحوه مما لا يفسد هيئتها بحيث يخرجها عن صدق الاسم ، وإلا فتبطل قطعا ، قال في كشف الأستاذ : ويفسدها كلما يخل بصورتها من سكوت طويل أو فعل كثير أو فعل لهو ولعب وإن قل أو غير ذلك مما يفسد هيئتها ويخرجها عن صدق الاسم لذاته أو كثرته ، والأحوط أن يعتبر ما يعتبر في الصلاة عدا الحدث ، قلت : وإن كان ما ذكروه في وجه المنع من إطلاق الصلاة الشامل لها واضح الضعف كما عرفته مكررا ، فالأولى تعليله بأنه لما لم يكن المعهود إلا الصلاة المجردة عن ذلك كله اتجه مراعاة الاحتياط بل ربما قيل : بأن التكبيرة الأولى من التكبيرات تكبيرة الإحرام ، كما أن ذكر التسليم في جملة من النصوص المتقدمة سابقا يمكن أن يكون كناية عن التحليل والانصراف لا التسليم حقيقة ، وإن أمكن للتقية ، إلا أنه ينافيها اشتمال الخبر على الخمس تكبيرات ، كما أنه ينافي إرادة الوجوب تركه ونفيه في المستفيض من النصوص والإجماع محصلا ومنقولا على وجه يمكن تحصيله من نقلته ، واستحبابه المحكي من معقد إجماع جامع المقاصد والروض ، ويمكن إرادته من النفي في تلك النصوص ، وقول أبي علي : « ولا استحب التسليم فيها فان سلم الإمام فواحدة عن يمينه » ليس خلافا في المسألة أو غير معتد به ، كقوله في الذكرى بعد أن اعترف أن ظاهرهم عدم مشروعيته.

وأما شرعية التسليم استحبابا أو جوازا فالكلام فيه كالقراءة ، إذ الإجماع إنما هو على عدم وجوبه ، وقد ذكر في القراءة بعد أن حكى عن الشيخ التصريح بكراهة القراءة احتمال استناده فيها إلى أنه تكلف ما لم يثبت شرعيته ، وقال : يمكن أن يقال بعدم الكراهية ، لأن القرآن في نفسه حسن ما لم يثبت النهي عنه ، والأخبار خالية عن النهي وغايتها النفي ، وكذا كلام الأصحاب لكن الشيخ نقل الإجماع بعد ذلك ، ونحن فلم نر أحدا ذكر الكراهة فضلا عن الإجماع عليها ، إذ هو كما ترى لا يصلح مثله لإثبات المشروعية ولو على الاستحباب في خصوص المقام الذي هو محل البحث ، ضرورة عدم‌

٦٦

المنع في قراءة القرآن في نفسه فيها الجائز في الفريضة فضلا عنها ، وقول الرضا عليه‌السلام في خبر ابن سويد (١) المتقدم سابقا : « تقرأ في الأولى بأم الكتاب » محمول على التقية للإجماع بقسميه على عدم الوجوب ، بل معقد المنقول منه مستفيضا ومتواترا نفيها فيها ، فيمكن حمله على نفي المشروعية وجوبا واستحبابا منه ، كما صرح به في معقد ظاهر إجماع كشف اللثام وصريح المحكي عن الروض ، نعم عن المنتهى تجويز قراءتها لاشتمالها على الشهادة ، يعني قوله : إياك نعبد ، وعن خلاف الشيخ كراهتها ، وحكى الإجماع عليه ، لكن في كشف اللثام يجوز إرادته الإجماع على عدم الوجوب ، ولعله لما سمعته من الذكرى من عدم المصرح بها غيره ، وكيف كان فهي ليست بواجبة ولا مندوبة ، فقراءتها بعنوان أحدهما على الجزئية أو غيرها تشريع ، نعم لا بأس بقراءتها في نفسها ولا يجتزى بها عن الشهادة قطعا ، لعدم مرادفة إياك نعبد لها كما هو واضح ، والله أعلم.

وكيف كان فلا يجوز التباعد للمصلي إماما أو منفردا أو مأموما بغير الصفوف عن الجنازة المتحدة والمتعددة بغير تعدد الجنائز كثيرا كما صرح به الفاضل وأول الشهيدين وثاني المحققين وغيرهم ، بل ربما نسب إلى الأصحاب ، بل قد يظهر من المحكي عن الصدوق وجوب القرب ، قال : « فليقف عند رأسه بحيث إن هبت ريح فرفعت ثوبه أصاب الجنازة » لكن يمكن إرادته الندب كالمحكي عن المبسوط والنهاية والسرائر والمهذب والمنتهى أنه ينبغي أن يكون بينه وبين الجنازة شي‌ء يسير ، ولعله لذا قال في جامع المقاصد : إنه يستحب أن يكون بين الامام والجنازة شي‌ء يسير ذكره الأصحاب ، فيراد حينئذ من القرب الزائد على الواجب ، وعلى كل حال ففي كشف اللثام لم أظفر بخبر ينص على الباب ، لكن في جامع المقاصد وغيره أن المرجع في هذا التباعد إلى العرف ، ومثله الارتفاع والانخفاض ، ومقتضاه كونه منصوصا ، اللهم إلا أن يكون‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٨ من كتاب الطهارة.

٦٧

المراد الصدق العرفي الذي يخرج عن اسم الصلاة على الميت ، أو يراد التباعد الممنوع منه في عرف المتشرعة ، لأن الصلاة على الأموات كيفية معهودة مأخوذة يدا بيد عن صاحب الشرع ، وليس ذا إثباتا للحكم الشرعي بالعرف ، بل هو حفظ لكيفية مخصوصة نحو ما تسمعه منا في نظم الجماعة وفي الفعل الكثير في الصلاة ، كما أنه قد يقال في الاستدلال على المطلوب زيادة على ذلك بما تسمعه من الأمر بالوقوف عند الصدر والوسط والرأس ، فإنه وإن حمل على الندب لكن المراد الندب بالنسبة إلى خصوص الصدر مثلا لا أصل الوقوف عند الميت ، على أن المتجه التخيير فيها وفيما ثبت جوازه من الوقوف عليه من غيرها ، فالتباعد الذي لم يصدق عليه أحدها ولا هو مما ثبت جوازه ليكون أحد أفراد التخيير باق على المنع ، ضرورة عدم شمول الإطلاقات له بعد تقييدها بما عرفت ، فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع ، والله أعلم.

ولا يجوز أن يصلى على الميت إلا بعد تغسيله أو ما في حكمه وتكفينه بلا خلاف كما في كشف اللثام ، بل في المدارك هذا قول العلماء كافة ، ولعله الحجة ، لا ما فيها من أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هكذا فعل وكذا الصحابة والتابعون ، فيكون الإتيان بخلافه تشريعا محرما ، إذ قد يناقش فيه بمنع التشريع بعد الإطلاق الذي لا يعارضه غير الظاهر من الفعل في الوجوب كي يقيد به ، بناء على أن وجوب التأسي في معلوم الوجوب ، اللهم إلا أن يدعى ظهوره في الوجوب بالمواظبة عليه وعدم التصريح بخلافه ، أو يمنع اعتبار معرفة الوجه في وجوب التأسي ، أو يقال : إنه علم من الفعل الظاهر بالتكرار وغيره في خصوصيته على غيره من الأفراد عدم إرادة ظاهر تلك الإطلاقات ، إلا أنه لم يعلم وجهه ، فيرجع الإطلاق حينئذ إلى الإجمال ، فلا يعلم مشروعية الصلاة المتقدمة عليهما مثلا ، والأصل لا يشخص ، لكن الجميع كما ترى.

فالعمدة حينئذ ما عرفت لا ذلك ، بل ولا ما في الذكرى من‌ قول الصادق‌

٦٨

عليه‌السلام (١) : « لا يصلى على الميت بعد ما يدفن ، ولا يصلى عليه وهو عريان » ضرورة كونه أعم من التكفين فضلا عن التغسيل ، بل ولا الخبران الآتيان في فقد الكفن ، ضرورة دلالتهما على عدم جواز الصلاة على مكشوف العورة ، نعم قد يقال إنه المنساق من عطفها عليهما في النصوص وإن كان بالواو التي هي لمطلق الجمع إلا أنه لا يبعد إرادة الترتيب منها هنا بمعونة فهم الأصحاب ، بل لا ينكر انسياقه من سير تلك النصوص واتفاقها على ذكرها بعدهما كما لا يخفى على من له أدنى معرفة بلسانهم عليهم‌السلام.

وكيف كان فالظاهر من الفتاوى ومعقد الإجماع إرادة الوجوب الشرطي لا التعبدي خاصة ، فلا يعتد حينئذ بالصلاة قبل أحدهما ، بل مقتضى الشرطية عدم الفرق في ذلك بين العمد وغيره ، لكن في كشف اللثام احتمال الاعتداد ، ولا ريب في ضعفه نعم قد يقال ذلك في الناسي بناء على قاعدة العفو عنه ، لعموم حديث الرفع (٢) وغيره والغسل والكفن المقدمان على الحياة في المرجوم ونحوه مثل المؤخرين ، فيصلي عليهما حينئذ من دون إعادة شي‌ء منهما ، والطهارة الحاصلة من الشهادة أولى من الحاصلة بالغسل وستر ثيابه أولى من ستر الكفن ، فيصلي حينئذ على الشهيد من دونها كما استفاضت به النصوص (٣) أو تواترت ، والإجماع منا بقسميه عليه ، فما في خبر عدي بن حاتم (٤) وخبر عمار (٥) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام ومرسل الفقيه (٦) « من أن عليا عليه‌السلام لم يغسل عمار بن ياسر ولا هاشم بن عتبة المرقال ودفنهما في ثيابهما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١ من كتاب الطهارة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب غسل الميت ـ الحديث ٧ و ٨ و ٩ و ١٢ من كتاب الطهارة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب غسل الميت ـ الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب غسل الميت ـ الحديث ٤.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب غسل الميت ـ الحديث ٤.

٦٩

ولم يصل عليهما » وهم من الراوي ، أو المراد عدم صلاته بنفسه لمشغوليته عليه‌السلام بالحرب ، بل أمر غيره بالصلاة عليهما ، أو غير ذلك.

وكل ما أقيم مقام الغسل من صب أو تيمم أو تغسيل كافر أو نحوها كاف ( كفى خ ل ) في صحة الصلاة ، أما إذا لم يحصل شي‌ء من ذلك إما لتعذره كمن مات في بئر ونحوه وتعذر إخراجه ، أو لعدم وجود الفاعل فالظاهر وجوب الصلاة ، لإطلاق الأدلة التي لم يثبت تقييدها في محل الفرض ، وقاعدة الميسور ، وعدم ذكر الصلاة في خبر العلاء بن سيابة (١) في بئر محرج مات فيه رجل ولم يمكن إخراجه أنها تجعل قبرا له لمعلوميتها من العمومات.

ولا يعتد بغسل المخالف ولو لمثله وإن كان لو غسله المؤمن كغسلهم تقية كان مجزيا ، لصحة العبادة منه بخلاف الأول ، والأمر بإلزامهم ما ألزموا به أنفسهم لا يشمل المقام على الظاهر ، نعم قد يقال بوجوب الصلاة على موتاهم بناء على إسلامهم وإن كانوا هم المباشرين لتغسيلهم إذا كان لا يمكن للمؤمن التغسيل ولو الموافق لهم لسقوط التغسيل هنا بالتعذر ، فتبقى الصلاة كباقي أفراد من تعذر تغسيله ، كما أنه قد يقال بوجوبها وإن لم نقل بمشروعية غسل موتاهم ، قصرا لاشتراط صحتها بتقدم الغسل على من كان مشروعا تغسيله ومتمكنا منه أو بدله ، بخلاف من لم يكن مشروعا له ، فتبقى عمومات الصلاة بحالها حينئذ كغيره ممن تعذر تغسيله شرعا أو عقلا ممن له قابلية التغسيل.

نعم لما كان طريق وجوبهما وعدمه متحدا وهو جريان حكم الإسلام بعد الموت وعدمه اتجه حينئذ دعوى التلازم بينهما ، مع إمكان المنع أيضا بالفرق بين الغسل والصلاة بأن الأول إكرام للميت كما يظهر من النصوص (٢) ولا كرامة له ، بخلاف الصلاة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب الدفن ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب غسل الميت ـ الحديث ٣ و ٤ والباب ١٨ منها الحديث ١.

٧٠

المتضمنة للدعاء عليه ولعنه ، ومن ذلك يظهر لك حينئذ ما في الاستدلال بنصوص الصلاة عليهم (١) على مشروعية تغسيلهم ، اللهم إلا أن يكون وجهه فهم القابلية من‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) : « صلوا على كل ميت » ولا يجوز إلا بعد تغسيله ، ضرورة أن مقدمة المقدمة مقدمة ، نعم لو كان هناك دليل على عدم القابلية للغسل بحيث يرجح على ذلك أمكن القول حينئذ بوجوب الصلاة للعمومات التي لا معارض لها ، لا أنها تسقط مع احتماله أيضا وإن كان الأول أقوى ، فتأمل جيدا.

وعلى كل حال فان لم يكن له كفن جعل في القبر وسترت عورته وصلي عليه بعد ذلك كما صرح به جماعة ، بل في المدارك أنه مقطوع به في كلام الأصحاب ، ولعله لموثق الساباطي (٣) قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما تقول في قوم كانوا في سفر يمشون على ساحل البحر فإذا هم برجل ميت عريان قد لفظه البحر وهم عراة ليس عليهم إلا إزار كيف يصلون عليه وهو عريان وليس معهم فضل ثوب يكفنونه به؟ قال : يحفر له ويوضع في لحده ويوضع اللبن على عورته يستر عورته باللبن والحجر ثم يصلى عليه ثم يدفن ، قلت : فلا يصلى عليه إذا دفن فقال : لا يصلى على الميت بعد ما يدفن ، ولا يصلى عليه وهو عريان حتى توارى عورته » ومرسل محمد بن مسلم (٤) قال : « قلت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام : قوم كسر لهم مركب في بحر فخرجوا يمشون على الشط فإذا هم برجل ميت عريان والقوم ليس عليهم إلا مناديل متزرين بها وليس عليهم فضل ثوب يوارون الرجل فكيف يصلون عليه وهو عريان؟ فقال : إذا لم يقدروا على ثوب يوارون به عورته فليحفروا قبره ويضعوه في لحده يوارون عورته بابن أو أحجار‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب صلاة الجنازة من كتاب الطهارة.

(٢) كنز العمال ـ ج ٨ ص ٨٣ ـ الرقم ١٥٦٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٢.

٧١

أو تراب ثم يصلون عليه ثم يوارونه في قبره ، قلت : ولا يصلون عليه وهو مدفون بعد ما يدفن قال : لا ، لو جاز ذلك لأحد لجاز لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا يصلى على المدفون ولا على العريان » قلت : الخبران إنما يدلان على حكم العريان الذي لم يحصل له بعض الكفن أو ثوب توارى به عورته حال الصلاة لا كل من لم يكن له كفن الصادق على من له بعضه أو غيره مما يوارى به عورته ، ولذا قال في الذكرى : « فان لم يكن له كفن وأمكن ستره بثوب صلي عليه قبل الوضع في اللحد ، وإلا فبعده ويستر عورته بما أمكن ولو باللبن والحجر ، لما رواه عمار (١) » إلى آخره. بل صرح في جامع المقاصد بوجوب الأول مع إمكانه ، لكن في المدارك بعد أن حكى ذلك عن الذكرى قال : لا ريب في الجواز ، نعم يمكن المناقشة في الوجوب ، وفيه أنه قد يدل عليه مضافا إلى أقربيته للتكفين وحصول المشاهدة معه وعدم السفل والتباعد عنه مفهوم الشرط بناء على أن الأمر في جوابه للرخصة لا الوجوب كما هو الظاهر من كشف اللثام نافيا عنه الخلاف فيه في الظاهر ، قال بعد ذكر الخبرين المزبورين : ولعل وضعه في اللحد وستر عورته فيه لكراهة وضعه عاريا تحت السماء وإن سترت عورته كما قد يرشد إليه كراهة تغسيله تحت السماء ، ولرفع الحرج عن المصلين لما في ستر عورته خارجا ثم نقله إلى اللحد من المشقة ، وإلا فالظاهر لا خلاف في جواز الصلاة عليه خارجا إذا سترت عورته بلبن أو تراب أو نحوهما ، بل في المدارك التأمل في أصل وجوب الستر ، قال : « ومقتضى إطلاق الأمر بالستر وجوبه وإن لم يكن ثم ناظر وتباعد المصلي بحيث لا يرى ، لكن الرواية قاصرة من حيث السند عن إثبات الوجوب » وفيه أنه لا بأس به بعد الانجبار بما حكاه هو من قطع الأصحاب ، ومنه يظهر لك وجه النظر فيما ذكره في الكشف ، ولعل وجه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١.

٧٢

الفرق صدق اسم العراء على الخارج دون الموضوع في اللحد ، فالأحوط إن لم يكن الأقوى المحافظة على ما في الخبرين في موضوعهما ، والظاهر أن المراد بالعريان فيهما مكشوف العورة ، فيجزي سترها حينئذ بثوب ونحوه وإن صدق اسمه عليه ، مع إمكان منع الصدق في بعض الأفراد إن لم يكن جميعها ، وظاهر الخبرين وضع اللبن والحجر على نفس العورة لا سد اللحد بهما ليحصل به ستر العورة مع احتماله ، خصوصا إذا وضع في اللحد على هيئة المدفون لا مستلقيا كما عساه يومي اليه ظهور الخبر فيه ، وأنه لا يبقى إلا إهالة التراب عليه ، فيصلي عليه ويدفن ، لكن فيه أنه مخالف لما تقدم سابقا من وجوب الاستلقاء حال الصلاة ، اللهم إلا أن يكون ذلك خارجا عنه ، وملحقا بالصلاة على المدفون ، لكن لا ريب في أن الأحوط الأول مع ستر نفس العورة ثم بعد الفراغ من الصلاة يجعل على جانبه ويدفن.

والمصلوب الذي لم ينزل إلى ثلاثة أيام ولم يعلم نزوله بعدها لا يبعد مشروعية الصلاة عليه قبل إنزاله وإن لم يكن غسل وكفن ، لأنها الحد في بقائه شرعا ، فبعدها كان بحكم المدفون ، ولإطلاق دليل الصلاة عليه ، ويحتمل انتظاره إلى النزول فيغسل ويكفن ويصلى عليه ، لإطلاق دليل الشرطية ، ولعل منه كل من تعذر دفنه وكان غير مغسل أو غير مكفن ، إذ مشروعية الصلاة بدونهما تقديما لمصلحة الدفن ، فمع عدمه يسعى في حصولهما إلى آن الدفن فيصلي عليه بدونهما مع فرض تعذرهما ، فتأمل جيدا. والله أعلم.

هذا كله في الواجب‌ وأما سنن الصلاة فهي‌ أن يقف الامام عند وسط الرجل وصدر المرأة وفاقا للأكثر ، بل المشهور نقلا وتحصيلا ، بل عن مجمع البرهان نسبته إلى الأصحاب ، بل في المحكي عن المنتهى نفي الخلاف عنه ، بل في الغنية الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد‌ قول أمير المؤمنين عليه‌السلام في مرسل ابن المغيرة (١) :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١.

٧٣

« من صلى على امرأة فلا يقوم في وسطها ويكون مما يلي صدرها ، وإذا صلى على الرجل فليقم في وسطه » والباقر عليه‌السلام في خبر جابر (١) : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقوم من الرجال بحيال السرة ومن النساء أدون من ذلك قبل الصدر » بل يمكن حمل‌ قول أبي الحسن عليه‌السلام في خبر موسى بن بكر (٢) : « إذا صليت على المرأة فقم عند رأسها ، وإذا صليت على الرجل فقم عند صدره » عليه للمجاورة ولو بمعونة ما عرفت ، إذ هو أولى من احتمال التخيير وإن حكي عن الفاضلين في المعتبر والمنتهى ، لكن فيه أنه فرع المكافاة وليست قطعا ، نعم قد يقال به مع الفضل في الأول وعلى كل حال فما عن الاستبصار من الاقتصار على العمل بمضمونه في غير محله ، كالذي عن الخلاف من الوقوف عند رأس الرجل وصدر المرأة مدعيا عليه الإجماع ، إذ هو ـ مع أنا لم نجد للأول في النصوص أثرا ، بل قد سمعت خلافه فيها ، ولا في الفتاوى سوى ما يحكى عن علي بن بابويه ـ قاصر عن معارضته لما عرفت ، نعم عن الفقيه والهداية الوقوف عند الرأس مطلقا ، بل ربما حكي عن الشيخ أيضا وعن المقنع الصدر مطلقا ، وهما معا ضعيفان محجوجان بما عرفت ، هذا.

وفي كشف اللثام والأولى إلحاق الخنثى والصغيرة بالمرأة ، ولم يستبعده في الأولى في جامع المقاصد تباعدا عن موضع الشهوة ، وهو لا يخلو من وجه في الثانية ، كالحاق الصغير بالرجل ، بل جزم به في ظاهر المنظومة أو صريحها ، وإشكال في الأولى ، ولذا تردد فيها في المحكي عن الروض ، بل في كشف الأستاذ ويتخير في الخنثى المشكل والممسوح ، ولعل ملاحظة الصدر أولى ، ثم قال : وفي جريانه في الأبعاض وفي كيفيته فيها بحث ، قلت : خصوصا في البعض ، كما أن الأولوية المزبورة لا تخلو منه أيضا وإن كان وجهها واضحا ، هذا ، وظاهر المتن اختصاص الحكم بالإمام ، وقد عرفت أن مقتضى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٢.

٧٤

الدليل الأعم ، نعم ينبغي استثناء المأموم كما نص عليه جماعة ، وفي المنظومة.

والمقتدى له الوقوف في طرف

بالبعد في الصفوف أو بطول صف

مع أنه يمكن تعميم الحكم أيضا لمن أمكنه منهم بأن يكون مما يلي موقف الامام ، والله أعلم.

وإن اتفقا أي الرجل والمرأة وأريد الصلاة عليهما دفعة واحدة جعل الرجل مما يلي الامام والمرأة من ورائه كما ذكره جماعة ، بل عن ظاهر الخلاف أو صريحه الإجماع عليه ، بل لا خلاف فيه إلا من الحسن البصري وابن المسيب كما في كشف اللثام ، بل عن المنتهى أنه مذهب العلماء كافة ، كالمحكي عن المعتبر والتذكرة من أن به قال جميع الفقهاء ، وسأل الحلبي وزرارة الصادق عليه‌السلام (١) « عن الرجل والمرأة كيف يصلى عليهما؟ فقال : يجعل الرجل والمرأة ويكون الرجل مما يلي الامام » ومحمد ابن مسلم الباقر عليه‌السلام (٢) « كيف يصلى على الرجال والنساء؟ فقال : يوضع الرجل مما يلي الرجل والنساء خلف الرجال » وأحدهما عليهما‌السلام (٣) عن ذلك أيضا فقال : « الرجال أمام النساء مما يلي الإمام يصف بعضهم على أثر بعض » وابن بكير (٤) عن بعض أصحابه عن الصادق عليه‌السلام في جنائز الرجال والصبيان والنساء فقال : « توضع النساء مما يلي القبلة والصبيان دونهم والرجال دون ذلك ويقوم الامام مما يلي الرجال » بل لعله المراد من التقديم في‌ خبر البصري (٥) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام » عن جنائز الرجال والنساء إذا اجتمعت فقال : يقدم الرجال في كتاب علي عليه‌السلام » وخبر طلحة بن زيد (٦) عنه عليه‌السلام أيضا « كان علي عليه‌السلام إذا صلى على المرأة والرجل قدم المرأة وأخر الرجل ، وإذا صلى على العبد والحر قدم العبد وأخر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ـ ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ـ ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٤.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٥.

٧٥

الحر ، وإذا صلى على الكبير والصغير قدم الصغير وأخر الكبير » ومرسل الصدوق (١) عن علي عليه‌السلام على معنى التقديم إلى القبلة عكس التقديم‌ في مضمر سماعة (٢) « سألته عن جنائز الرجال والنساء إذا اجتمعت فقال : يقدم الرجل قدام المرأة قليلا وتوضع المرأة أسفل من ذلك قليلا عند رجليه ويقوم الامام عند رأس الميت فيصلي عليهما جميعا » نعم لا يجب ذلك قطعا ، بل عن المنتهى والمفاتيح نفي الخلاف عنه ، للأصل وقول الصادق عليه‌السلام في صحيح هشام (٣) : « لا بأس بأن يقدم الرجل وتؤخر المرأة ويؤخر الرجل وتقدم المرأة يعني في الصلاة على الميت » ومضمر الحلبي (٤) « سألته عن الرجل والمرأة يصلى عليهما قال : يكون الرجل بين يدي المرأة مما يلي القبلة فيكون رأس المرأة عند وركي الرجل مما يلي يساره ، ويكون رأسها أيضا مما يلي يسار الامام ورأس الرجل مما يلي يمين الامام » بل لو لا عدم مكافأة ذلك لما تقدم من وجوه لأمكن القول بالتخيير كما عن الاستبصار.

وكيف كان فإذا أراد مع ذلك الإتيان بالمستحب السابق الشامل إطلاق دليله لصورة الجمع فل يجعل صدرها محاذيا لوسطه ليقف الامام موقف الفضيلة فيهما كما صرح به الفاضل والشهيد وغيرهما ، بل حكاه في كشف اللثام عن المبسوط ، بل في مفتاح الكرامة عن المنتهى عليه إجماع العلماء كافة ، لكنا لم نتحققه ، بل قد يشكل ذلك بما سمعته من مضمري سماعة والحلبي السابقين ، وموثق عمار (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الرجل يصلي على ميتين أو ثلاثة موتى كيف يصلي عليهم؟ قال : إن كان ثلاثة أو اثنين أو عشرة أو أكثر من ذلك فليصل عليهم صلاة واحدة ، ويكبر عليهم خمس تكبيرات كما يصلي على ميت واحد وقد صلى عليهم جميعا يضع ميتا واحدا ثم يجعل الآخر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة الحديث ٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة الحديث ٧.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة الحديث ٢.

٧٦

إلى إلية الأول ثم يجعل رأس الثالث إلى إلية الثاني شبه الدرج حتى يفرغ منهم كلهم ما كانوا ، فإذا سواهم هكذا قام في الوسط فكبر خمس تكبيرات يفعل كما يفعل إذا صلى على ميت واحد ، سئل فإن كان الموتى رجالا ونساء قال : يبدأ بالرجال فيجعل رأس الثاني إلى إلية الأول حتى يفرغ من الرجال كلهم ، ثم يجعل رأس المرأة إلى إلية الرجل الأخير ثم يجعل رأس المرأة الأخرى إلى ألية المرأة الأولى حتى يفرغ منهم كلهم ، فإذا سوى هكذا قام في الوسط وسط الرجال وكبر وصلى عليهم كما يصلى على ميت واحد » وظاهر جماعة منهم الشهيد في الذكرى مع تصريحه هنا بما في المتن العمل به ، بل في قواعد الفاضل بعد أن ذكر هنا ما في المتن قال في آخر الفصل الثالث في تعدد الجنائز : وينبغي أن يجعل رأس الميت الأبعد عند ورك الأقرب وهكذا ، كما عن تذكرته وتحريره ونهايته ثم قال : صفا مدرجا ثم يقف الامام وسط الصف ، وظاهره المخالفة للأول ، لكن في كشف اللثام « والأخبار خالية عن تعيين الأبعد والأقرب إلا في الرجل والمرأة ، فيجعل المرأة وهي أبعد عند ورك الرجل ، وكلام المصنف في الموتى الذين من صنف واحد لما قدمه من جعل صدر المرأة بحذاء وسط الرجل » قلت : فيه انه مناف للنص المزبور الذي اعترف أنه هو الأصل في الحكم المذكور ، بل مناف لقوله الأبعد الذي لا مصداق له إلا في المرأة والرجل في النصوص ، ولا يتم فيما تسمعه من الذكرى ، وقال في جامع المقاصد : لا منافاة بين هذا وبين ما تقدم ، لأن ذلك مع اتحاد الرجل ، وقول المصنف فان كان عبدا وسط بينهما بيان للمرتبة في المذكورين ، ولا دلالة فيه على كيفية الصف ، وهو مناف أيضا لظاهر النص السابق ، ثم قال : نعم قد يقال الغرض من ذلك مراعاة القرب من الامام ، وذلك يفوت بالصف مدرجا ، قال في الذكرى في التفريع : لا فرق في التدريج إذا كان المجتمعون صفا واحدا بين صف الرجال والنساء والأحرار والعبيد والإماء والأطفال ، والظاهر أنه يجعلهم صفين كتراص البناء لئلا يلزم الانحراف‌

٧٧

عن القبلة ، وإن كان ظاهر الرواية أنه صف واحد ، وفي هذا الكلام شي‌ء ، قلت : لعله لا انحراف فيه عن القبلة في الصف الواحد أيضا ، وإنما فيه البعد عن الجنازة لو أراد استقبال الجميع ، وصيرورة الميمنة قريبا من الخلف بل الخلف في بعض الأحوال لو قرب من الجنازة التي هي وسط الرجال ، بل لعله لا يتأتى له حصول موقف الفضيلة منها أي الوقوف على وسطها ، فإنه لا بد من انحرافه عن ذلك إذا أراد الاستقبال لكن قد يدفع ذلك كله ظاهر النص ، فيقف حينئذ عند وسط الرجال وإن خرج ميمنة الصف عن جهة الإمام ، قال الشهيد في المحكي عنه من فوائد القواعد : « يقف في وسطهم وإن خرج عن محاذاة أوله وآخره للرواية » هذا ، وفي كشف اللثام بعد أن ذكر خبر عمار والظاهر جواز جعل كل وراء آخر صفا مستويا ما لم يؤد إلى البعد المفرط بالنسبة إلى بعضهم ، وكذا جعل كل عند رجل الآخر وهكذا صفا مستويا كما قالت بهما العامة ، واحتمل المصنف في النهاية التسوية وأجمل ، وظاهر الذكرى الاقتصار على المنصوص ، ثم ظاهر النص والأصحاب جعلهم صفا واحدا ، وأجاد الشهيد حيث استظهر جعلهم صفين كتراص البناء لئلا يلزم انحراف المصلي عن القبلة إذا وقف وسطهم ، وفي نسخة بدل التعليل المزبور ليكونوا في سمت قبلة المصلي ، وهو جيد ، بل قد يظهر من نصوص (١) تقدم المرأة ما ذكره من الصورة الأولى ، كما أن الصورة الثانية محتمل مضمر سماعة (٢) فضلا عن إطلاق الأدلة فيهما خصوصا في الأولى وإن كان الأولى اجتناب الصورة الثانية ، لفوات استقبال الجنازة فيها من دون نص صريح معتبر ، كما أنه لا يخفى عليك ما في الذي استجوده من كلام الشهيد.

وكيف كان فهذه الكيفية مخالفة لما سمعته من المتن وغيره ، ويمكن لهذه النصوص تقييد ما دل على الصدر والوسط بغير التعدد ولو اثنين من صنف واحد أو مختلفين ، أما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٨.

٧٨

فيه فالكيفية المزبورة إن لم يثبت إجماع على خلاف ذلك ، نعم ليس في شي‌ء من نصوص الدرج (١) ذكر تقديم المرأة إلى القبلة معه ، بل في خبر الحلبي (٢) منها عكس ذلك ، فيمكن اعتباره بعد حمل ما في صحيح الحلبي (٣) على الجواز ترجيحا لتلك النصوص عليه ، فيقيد بها إطلاق موثق عمار (٤) وغيره الدال على الدرج كما في كشف اللثام النص عليه ، قال : وفي خبر عمار عن الصادق عليه‌السلام التدريج يجعل رأس رجل إلى إلية الآخر وهكذا ، ووقوف الإمام في الوسط ، وهو لا ينافي الترتيب المذكور كما في الذكرى إلا باعتبار أن الامام يقوم في الوسط ، فلا يفيد تقديم طرف الصف القرب ، ولا تأخير وسطه البعد.

قلت : ومنه ينقدح احتمال عدم اعتباره ، وأنه مختص في غير الدرج المزبور ، لعدم فائدته فيه ، إذ مع قيام الإمام في الوسط لا يفيد التقديم القرب ، ولا التأخير البعد بل قد يدعى ظهور نصوص تقديم المرأة في غير الدرج المذكور ، لعدم صدق الامام ونحوه فيه ، فحينئذ لا معارضة بين تلك النصوص ومضمر الحلبي (٥) بل يمكن أن يكون ذلك وجه ما في المتن وغيره هنا من جعل صدر المرأة عند وسط الرجل لتحصيل موقف الفضل فيهما على معنى اعتبار ذلك في غير الدرج ، أما هو فكيفية أخرى غير هذه الكيفية قل من تعرض لها ، بل لم نعرفه قبل الفاضل ومن تبعه ، فتأمل جيدا ، فإن المسألة غير محررة في كلام الأصحاب ، لكن يسهل الخطب فيها أن الحكم فيها ندب يتسامح فيه.

ثم إن ظاهر المتن كصريح غيره بل لا أجد فيه خلافا تقديم الرجل للإمام على المرأة وإن كان عبدا ، بل عن الخلاف والمنتهى وظاهر التذكرة الإجماع عليه ، تغليبا لجانب الذكورة ، ولإطلاق الأدلة السابقة ، ولا ينافيه خبر طلحة (٦) ومرسل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة الحديث ١٠.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة الحديث ٧.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة الحديث ٥.

٧٩

الصدوق (١) لأن المراد فيهما العبد الذكر في مقابل الحر الذكر لا الحرة ، نعم هو دال على تقديمه عليه ، فحينئذ بوسط بين الحر والحرة ، كما أن من فحواه يستفاد تقديم الحرة على الأمة ، لكن في الذكرى وأما الحرة والعبد فيتعارض فحوى الرجل والمرأة والحر والعبد ، لكن الأشهر تغليب جانب الذكورة ، فيقدم العبد إلى الإمام ، قلت : قد عرفت الإجماع عليه ، فان جامعهم خنثى أخرت عن المرأة أيضا للإمام بلا خلاف أجده ، بل عن الخلاف والمنتهى وظاهر التذكرة الإجماع عليه ، لاحتمال الذكورة ، قلت : لكن قد يقيد ذلك بما إذا لم تكن مملوكة ، وإلا قدمت المرأة الحرة للإمام عليها ترجيحا للمرجح المعلوم على الموهوم.

وكيف كان فـ ( لو كان طفلا ) مع الرجل والمرأة جعل من وراء المرأة مما يلي القبلة كما عن النهاية والمهذب والغنية ، بل في الأخير الإجماع عليه لأولويتها بالشفاعة منه ، وإطلاق خبري طلحة والصدوق ، لكن قد يعارض بمرسل ابن بكير (٢) والإجماع عن الخلاف وظاهر الجواهر على تقديم الصبي لست فصاعدا للإمام عليها ، بل‌ في الخلاف عن عمار بن ياسر (٣) « أخرجت جنازة أم كلثوم وابنها زيد بن عمر ومعها الحسنان وابن عباس وعبد الله بن عمر وأبو هريرة ، فوضعوا جنازة الغلام مما يلي الامام والمرأة وراءه ، وقالوا : هذا هو السنة » بل بذلك يرجح مرسل ابن بكير على الخبرين المزبورين في ذي الست ، كرجحان الإجماع المذكور على إجماع الغنية الذي لم يشهد التتبع بصدقه ، نعم هما مع الإجماع المزبور يرجحان على المرسل المذكور بالنسبة إلى ذي الأقل من ذلك ، لاعتضادهما بالمحكي من إجماع الخلاف والمنتهى وظاهر الجواهر والتذكرة ، فإطلاق المتن حينئذ ومن عرفت تأخره عن المرأة إلى القبلة كإطلاق الصدوقين‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١١.

٨٠