جواهر الكلام - ج ١٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

والمصباح ومختصره على ما حكي عن البعض وإن كان ما في الخمسة الأخيرة ألفاظا معينة ، وفي الغنية بعد الثالثة والرابعة خاصة ألفاظ معينة ، لكن من المحتمل إن لم يكن الظاهر عدم إرادة لزوم التعيين ، وإنما هو على ضرب من التأديب ، بل هو كالصريح من الهداية ، حيث أنه بعد أن ذكر الألفاظ التي ستعرفها قال : « المواطن التي ليس فيها دعاء موقت الصلاة على الجنازة والقنوت والمستجار والصفا والمروة والوقوف بعرفات وركعتا الطواف » إلى آخره.

ولعل الجميع كذلك خصوصا كتب الصدوق ، كما أن ما في المبسوط والنهاية والاقتصاد والمقنعة والمراسم والسرائر والمهذب من شهادة التوحيد بعد الأولى حسب ، وفي الأربعة الأخيرة لها ألفاظ مخصوصة ، إلا أن في المهذب بعد ذكر الألفاظ « والاقتصار على الشهادتين مجز كذلك أيضا » بعد حمل شهادة التوحيد فيها على ما يشمل الشهادتين كما يومي اليه ما في المهذب حيث أنه ذكر كما ذكروا ، ثم قال : « والاقتصار » إلى آخره. ويؤيد ذلك كله ما عن المنتهى من إجماع أهل العلم على عدم دعاء معين ، قال : « إذا ثبت عدم التوقيت فيها فالأقرب ما رواه ابن مهاجر ـ ثم ذكر ـ أنه إذا كبر الثانية صلى على النبي وآله ( صلوات الله عليهم ) ، وأنه لا يعرف في ذلك خلافا ، وأنه رواه الجمهور عن ابن عباس ورواه الأصحاب في خبر ابن مهاجر وغيره ، وأن تقديم الشهادتين يستدعي تعقيب الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما في الفرائض ـ قال ـ : وينبغي أن يصلي على الأنبياء لخبر ابن مهاجر ـ ثم قال ـ : الدعاء للميت واجب لأن وجوب صلاة الجنازة معلل بالدعاء للميت والشفاعة فيه ، وذلك لا يتم بدون وجوب الدعاء ـ ثم قال ـ : لا يتعين هنا دعاء أجمع أهل العلم على ذلك ، ويؤيده أحاديث الأصحاب » ‌

٤١

وكيف كان فيدل عليه مضافا إلى ذلك خبر علي بن سويد الذي لا يقدح اشتماله على قراءة أم الكتاب في التكبيرة الأولى وخبر أبي بصير الذي ينبغي حمل ما فيه من الأربع صلوات على التغليب على الشهادتين ، بل قد تدل عليه بقية الأخبار السابقة بعد حمل ما فيها من الزائد على وظيفة كل تكبيرة على الندب ، لمعارضة الأدلة المزبورة ، أما هي فتبقى على ظاهر الأمر الذي هو للوجوب ، كما أن المجرد منها عن الشهادتين في التكبيرة الأولى مثلا لا ينافي ثبوتهما من دليل آخر ، ولا ظهوره في وجوب غيرهما على حسب ما سمعت ، وعدم ذكر كثير من الأصحاب جمع الأذكار كلها أو بعضها في كل تكبيرة لا ينافي الحكم ، مع أن الحسن بن عيسى قال : « تكبر وتقول : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، اللهم صل على محمد وآل محمد وأعل درجته وبيض وجهه كما بلغ رسالتك وجاهد في سبيلك ونصح لأمته ، ولم يدعهم سدى مهملين بعده ، بل نصب لهم الداعي إلى سبيلك الدال على ما التبس عليهم من حلالك وحرامك ، داعيا إلى موالاته ومعاداته ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة ، وعبدك حتى أتاه اليقين ، وصلى الله عليه وعلى أهل بيته الطاهرين ، ثم تستغفر للمؤمنين الأحياء منهم والأموات ، ثم تقول : اللهم إن عبدك وابن عبدك تخلى من الدنيا واحتاج إلى منا عندك ، نزل بك وأنت خير منزول به ، افتقر إلى رحمتك وأنت عني عن عذابه ، اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به منا ، فان كان محسنا فزد في إحسانه ، وإن كان مسيئا فاغفر له ذنوبه ، وارحمه وتجاوز عنه ، اللهم ألحقه بنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصالح سلفه ، اللهم عفوك عفوك ، وتقول هذا في كل تكبيرة ».

ولعل مراده الندب كما حكاه عنه بعضهم ، ونحوه في الجمع المزبور وإن اختلف اللفظ الجعفي كما في الذكرى ، وعن المختلف أنه استدل له في جمعه الأذكار بعد كل تكبيرة‌

٤٢

بخبر أبي ولاد (١) ثم قال : والجواب نحن نقول بموجبه لكنه لا يجب فعل ذلك لما قدمناه من حديث مهاجر ، قال : وكلا القولين جائز للحديثين ، ولما مر من‌ قول الباقر عليه‌السلام في صحيح زرارة وابن مسلم وحسنهما (٢) : « ليس في الصلاة على الميت قراءة ولا دعاء موقت » الخبر. وفي الذكرى بعد أن حكى عن الفاضل جواز الأمرين قال : « لاشتمال ذلك على الواجب ، والزيادة غير منافية مع ورود الروايات بها وإن كان العمل بالمشهور أولى ، ولكن ينبغي مراعاة هذه الألفاظ تيمنا بما ورد عنهم عليهم‌السلام وكذلك أوردناها » وظاهرة كالفاضل مشروعية ذلك ، وكان الأولى الاستدلال للجمع المزبور بمضمر سماعة (٣) لا حسن أبي ولاد المجرد عن الدعاء للمؤمنين بخلاف المضمر المزبور ، ولا يقدح قوله عليه‌السلام فيه : « فان قطع عليك » إلى آخره. فان المراد به عدم ضرر قطع تكبيرة الإمام عليك الدعاء لو كنت مسبوقا مثلا ، فأتم دعاءك وإن وقعت منه في الأثناء ، قال الكاشاني : « كأنه أريد به أنك إن كنت مأموما لمخالف فكبر الإمام الثانية قبل فراغك من هذا الدعاء أو بعده وقبل الإتيان بما يأتي فلا يضرك ذلك القطع ـ بل تأتي بتمامه أو بما يأتي بعد الثانية بل الثالثة أو الرابعة حتى تتم الدعاء ـ قوله عليه‌السلام : « تقول اللهم » أي تقول هذا أيضا بعد ذاك سواء قطع عليك بأحد المعنيين أو لم يقطع ، وفي التهذيب « فقل » بدل « تقول » وقوله عليه‌السلام في آخر الحديث : « يقول هذا » يعني تكرر المجموع وهذا الأخير ما بين كل تكبيرتين ، وفي التهذيب « حين يفرغ » مكان « حتى يفرغ » وعلى هذا يكون معناه أن يأتي بالدعاء الأخير بعد الفراغ من الخمس ، وفيه بعد ، والظاهر أنه تصحيف » إلى آخره.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٣ من كتاب الطهارة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٦.

٤٣

وعلى كل حال فالظاهر أنه لا بأس بالجمع المزبور كلا أو بعضا ، نعم ما ذكره من خصوص الألفاظ المزبورة لم نجده في شي‌ء مما وصلنا من النصوص ، كما أن ما في المحكي عن الفقيه والمقنع والهداية كذلك ، قال : « يكبر ويقول : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدي ودين الحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة ، ويكبر الثانية ويقول : اللهم صل على محمد وآل محمد ، وارحم محمدا وآل محمد ، وبارك على محمد وآل محمد كأفضل ما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، ويكبر الثالثة ويقول : اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات ، ويكبر الرابعة ويقول : اللهم هذا عبدك وابن عبدك وابن أمتك نزل بك وأنت خير منزول به ، اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به منا ، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه ، وإن كان مسيئا فتجاوز عنه واغفر له ، اللهم اجعله عندك في أعلا عليين ، واخلف على أهله في الغابرين وارحمه برحمتك يا أرحم الراحمين » بل ولا ما في المحكي عن المقنعة والمراسم والمهذب بعد التكبيرة الأولى « أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا فردا صمدا قيوما لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ، لا إله إلا الله الواحد القهار ربنا ورب آبائنا الأولين » وفي الباقية كما قاله الصدوق لكن قدموا بعد الثانية الدعاء بالبركة على الرحمة ، وزادوا بعد دعاء الثالثة « وأدخل على موتاهم رأفتك ورحمتك ، وعلى أحيائهم بركات سماواتك وأرضك ، إنك على كل شي‌ء قدير » وبعد الخامسة قول : « اللهم عفوك عفوك » وفي كشف اللثام وكذا في شرح القاضي لجمل السيد ، إلا أنه قال : « يتشهد المصلي بعد التكبيرة الأولى بالشهادتين » وقال بعض أصحابنا ومنهم شيخنا المفيد : « يقول بعد التكبيرة الأولى : لا إله إلا الله » إلى آخر ما سمعت ، ثم قال : « وكل من هذا الوجه ومن الشهادتين جائز » ‌

٤٤

قلت : قد عرفت ما يرده من الأدلة السابقة كقوله السابق في المحكي عن المهذب من جواز الاقتصار على الشهادتين ، وكذا لم نجد تمام ما عن المصباح ومختصره من قول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وفي الثانية كما في المقنعة ، وفي الثالثة كما ذكره الصدوق ، وزاد بعده « تابع بيننا وبينهم بالخيرات إنك مجيب الدعوات ، إنك على كل شي‌ء قدير » وكذا في الرابعة إلى قوله : « فتجاوز عنه » ثم قال : « واحشره مع من كان يتولاه من الأئمة الطاهرين » بل ولا ما في الغنية من تشهد الشهادتين بعد الأولى والصلاة على محمد وآله ( صلوات الله عليهم ) بعد الثانية والدعاء للمؤمنين ، فتقول : « اللهم ارحم المؤمنين » إلى آخر ما عن المقنعة ، وكذا في الرابعة إلا أنه قال : « اللهم عبدك » بلا لفظ « هذا » وزاد لفظ « وارحمه » بعد قوله « واغفر له » ولم يذكر في الخامسة شيئا ، وهذا كله شاهد على عدم إرادة الوجوب لخصوص ما ذكروه من هذه الألفاظ.

وقال الصادق عليه‌السلام لإسماعيل بن عبد الخالق (١) في الدعاء للميت : « اللهم أنت خلقت هذه النفس ، وأنت أمتها ، تعلم سرها وعلانيتها ، أتيناك شافعين فيها فاشفعنا ، اللهم ولها ما تولت ، واحشرها مع من أحبت » ولكليب الأسدي (٢) « اللهم عبدك احتاج إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه ، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه ، وإن كان مسيئا فاغفر له » ويشبه أن يكون لمن جهل حاله كما في كشف اللثام وفي المحكي عن‌ فقه الرضا عليه‌السلام (٣) « كبر وقل : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن الموت حق والجنة حق والنار والبعث حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ، ثم كبر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٧.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١.

٤٥

الثانية وقل : اللهم صل على محمد وآل محمد ، وبارك على محمد وآل محمد أفضل ما صليت ورحمت وترحمت وسلمت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين ، إنك حميد مجيد ، ثم تكبر الثالثة وتقول : اللهم اغفر لي ولجميع المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات ، وتابع بيننا وبينهم بالخيرات ، إنك مجيب الدعوات وولي الحسنات يا أرحم الراحمين ، ثم تكبر الرابعة وتقول : اللهم إن هذا عبدك وابن أمتك نزل بساحتك وأنت خير منزول به ، اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به منا ، اللهم إن كان محسنا فزد في حسناته ، وإن كان مسيئا فتجاوز عنه واغفر لنا وله ، اللهم احشره مع من يتولاه ويحبه ، وأبعده ممن يتبرأه ويبغضه ، اللهم ألحقه بنبيك ، وعرف بينه وبينه ، وارحمنا إذا توفيتنا يا إله العالمين ، ثم تكبر الخامسة وتقول : ( رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النّارِ ) » وكيف كان فقد عرفت قوة ما عليه المشهور من إيجاب القدر المشترك بين النصوص موزعا على التكبيرات ، واختلاف تلك النصوص مع ما عرفت من الجمع بينها لا ينافي وجوب القدر المشترك كما صرح به في كشف اللثام تبعا للذكرى ، بل لعله المراد مما في التذكرة أيضا ، قال : الأقوى أنه لا يتعين دعاء معين ، بل المعاني المدلول عليها بتلك الأدعية ، وأفضله أن يكبر ويشهد الشهادتين إلى آخر ما في الكتاب إلى قوله : ويكبر الخامسة وينصرف مستغفرا ذهب إليه علماؤنا أجمع ، وربما أو همت العبارة عدم وجوب التوزيع ، وإلا لم يكن ذلك أفضل ، بل هو الواجب لأنه معاني تلك الأدعية ، اللهم إلا أن يحمل على وجه آخر وإن بعد.

لكن على كل حال ينبغي بناء على اعتبار معاني تلك الأدعية الواردة في تلك النصوص إضافة الترجيع والتحميد والصلاة على سائر الأنبياء والدعاء للمصلي نفسه ونحو ذلك مما تعرفه بملاحظة النصوص السابقة إلى المعاني التي عرفتها ، نعم قد يدفع وجوب‌

٤٦

أكثر ذلك الأصل وخبر أم سلمة وما ماثله من النصوص السابقة ، والاتفاق على الظاهر على خلافه كالإنفاق ظاهرا على عدم وجوب دعاء بعد الخامسة ممن عدا المفيد والقاضي في شرح الجمل والديلمي والحلي على ما حكي عنهم ، فذكروا قول : اللهم عفوك عفوك ، وفي الوسيلة « عفوك » ثلاث مرات ، ولم نجده في شي‌ء من النصوص ، كما أن ما في‌ موثق عمار (١) « اللهم صل على » إلى آخره ، وما في‌ مضمر سماعة (٢) « اللهم هذا عبدك » إلى آخره ، بناء على روايته حين تفرغ ، وما في‌ فقه الرضا عليه‌السلام (٣) « ربنا آتنا » إلى آخره ، لم أجده في شي‌ء من الفتاوى ، فالأقوى حينئذ عدم وجوب شي‌ء من ذلك ، وقد صرح في الغنية باستحباب تثليث العفو مدعيا عليه الإجماع ، والله أعلم.

هذا كله إن كان الميت مؤمنا وإن كان منافقا اقتصر المصلي على أربع تكبيرات وانصرف بالرابعة إن قلنا بمشروعية الصلاة عليه أو وجوبها لغير تقية وفاقا للحلبي وابن حمزة وسعيد والفاضل في بعض كتبه والشهيدين والعليين وأبي العباس والصيمري وغيرهم على ما حكي عن بعضهم ، بل عن المفاتيح نسبته إلى الأصحاب خلافا لظاهر كثير من العبارات ، بل قيل أكثرها وصريح المحكي عن الهداية والغنية ، بل في الأخير الإجماع عليه ، ولا ريب أن الأقوى الأول للأصل ، والفرق بينه وبين المؤمن والإلزام له بمذهبه إن كان مخالفا ، وما دل (٤) على أن الخمس للخمس التي منها الولاية ، وهي مفقودة ، ولأنها شرعت للدعاء للميت ، وليس هنا ، ول خبر أم سلمة (٥) وخبر إسماعيل بن همام (٦) المتقدمين ، وصحيح إسماعيل بن سعد الأشعري (٧) سأل الرضا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٦.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٩.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٥.

٤٧

عليه‌السلام « عن الصلاة على الميت فقال : أما المؤمن فخمس تكبيرات ، وأما المنافق فأربع ، ولا سلام فيها » وقال الصادق عليه‌السلام في صحيح هشام بن سالم (١) : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكبر على قوم خمسا وعلى قوم آخرين أربعا ، فإذا كبر على رجل أربعا اتهم » إلى غير ذلك من النصوص التي بها يقيد إطلاق نصوص الخمس ، لا أنه يجمع بينها بالتخيير بين الانصراف بالرابعة وبين الدعاء عليه بعدها ثم يكبر الخامسة كما في حواشي الكتاب للكركي ، ضرورة مخالفته لقواعد المذهب ، على أن الاقتصار على الأربع لا ينافي وجوب الدعاء عليه الذي قد يدل عليه‌ قول أحدهما ( عليهما‌السلام » في صحيح ابن مسلم (٢) : « إن كان جاحدا للحق فقل : اللهم املأ جوفه نارا وقبره نارا وسلط عليه الحيات والعقارب وذلك قاله أبو جعفر عليه‌السلام لامرأة سوء من بني أمية صلى عليها أبي فقال : هذه المقالة واجعل الشيطان لها قرينا ، قال محمد ابن مسلم : فقلت له : لأي شي‌ء يجعل الحيات والعقارب في قبرها ، فقال : إن الحيات يعضضنها والعقارب يلسعنها والشيطان يقارنها في قبرها ، قلت : وتجد ألم ذلك قال : نعم شديدا » وفي خبر عامر بن السمط (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إن رجلا من المنافقين مات فخرج الحسين بن علي عليهما‌السلام يمشي معه فلقيه مولى له فقال له الحسين عليه‌السلام أين تذهب يا فلان؟ فقال له مولاه : أفر من جنازة هذا المنافق أن أصلي عليها ، فقال له الحسين عليه‌السلام : انظر أن تقوم على يميني فيما تسمعني أقول مثله ، فلما أن كبر عليه وليه قال الحسين عليه‌السلام : الله أكبر اللهم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١.

(٢) فروع الكافي ـ ج ١ ص ١٨٩ « باب الصلاة على الناصب » ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٦.

٤٨

العن فلانا عبدك ألف لعنة مؤتلفة غير مختلفة ، اللهم أخر عبدك في عبادك وبلادك وأصله حر نارك ، اللهم أذقه أشد عذابك ، فإنه كان يوالي أعداءك ويعادي أولياءك ويبغض أهل بيت نبيك » ورواه صفوان مثله بدون ذكر اللعن كالمحكي عن المقنعة والهداية من الدعاء عليه بذلك ، كما أن في الأولى والمحكي عن المهذب وشرح الجمل للقاضي الدعاء على الناصب بما في‌ خبر صفوان (١) لكن زادا في أوله « عبدك وابن عبدك لا نعلم منه طلا شرا ـ ثم قالا ـ : فاخزه في عبادك » إلى آخر ما مر محذوفا منه قوله : « أذقه أشد عذابك » والفاء في « فإنه كان » وزادا في آخره « فاحش قبره نارا ومن بين يديه نارا وعن يمينه نارا وعن شماله نارا ، وسلط عليه في قبره الحيات والعقارب » وفي خبر أحمد عن البزنطي (٢) قال : « اللهم أخز عبدك في بلادك وعبادك ». وفي‌ صحيح الحلبي (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا صليت على عدو الله فقل : اللهم إن فلانا لا نعلم إلا أنه عدو لك ولرسولك ، اللهم فاحش قبره نارا واحش جوفه نارا وعجل به إلى النار ، فإنه كان يتولى أعداءك ويعادي أولياءك ويبغض أهل بيت نبيك ، اللهم ضيق عليه قبره. فإذا رفع فقل : اللهم لا ترفعه ولا تزكه » وفي حسنه (٤) « ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في جنازة ابن أبي : اللهم احش جوفه نارا واملأ قبره نارا وأصله نارا ».

فما في الذكرى والدروس وتبعه المحقق الثاني وتلميذه والفاضل الميسي والكاشاني ـ من عدم الوجوب للأصل المقطوع بما عرفت ، ولأن التكبير عليه أربع وبها يخرج عن الصلاة الذي فيه ما لا يخفى ـ واضح الضعف ، بل المحكي عنه في حواشيه والموجز وشرحه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١ من كتاب الطهارة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٤ من كتاب الطهارة.

٤٩

وغيرها ، بل قيل : إنه ظاهر كثير من الأصحاب الوجوب ، نعم قد يتم عدم الوجوب بناء على عدم مشروعية الصلاة عليه إلا للتقية ، مع إمكان القول بالوجوب على هذا التقدير وإن بعد عملا بظاهر الأمر في خبري الحلبي (١) وابن مسلم (٢) لكن في كشف اللثام « وهل يجب اللعن أو الدعاء عليه؟ وجهان من الأصل وعدم وجوب الصلاة إلا ضرورة إن قلنا بذلك ، فكيف يجب أجزاؤها ، وهو خيرة الشهيد ، قال : لأن التكبير عليه أربع ، وبها يخرج من الصلاة ، وعليه منع ظاهر ، ومن ظاهر الأمر في خبري الحلبي وابن مسلم » قلت : لا يخفى عليك قوة الثاني على المختار من وجوب الصلاة عليه ، لأن المراد به هنا نصا وفتوى ـ خصوصا مع مقابلته بالمؤمن في الصحيح السابق ـ المخالف كما صرح به جماعة ، بل في كشف اللثام في شرح قول الفاضل : « ولعنه إن كان منافقا » أي مخالفا كما في المنتهى والسرائر والكافي والجامع ، وبمعناه ما في الغنية و « رة » من الدعاء على المخالف ، فما عن المصباح ومختصره ـ من التعبير بلعن المخالف المعاند ، والنهاية لعن الناصب المعلن والتبري منه ، والمبسوط لعن الناصب والتبري منه والوسيلة الدعاء على الناصب ـ لا يخلو من نظر إن أريد منه التخصيص ، وحمل جميع هذه النصوص على الناصب والمنافق في إسلامه لا داعي له بل ولا شاهد عليه ، بل لا يبعد كون التعبير عنه بالمنافق حقيقة إلا على بعض الوجوه التي ترجع معها إلى صورة الصلاة كالصلاة (٣) على عبد الله بن أبي الذي صلى عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد يدل الدعاء عليه على الدعاء على المخالف أيضا إلغاء للفرق بينهما وتنقيحا للمناط فيهما ، كما أن ما هو ظاهر في الناصب كذلك أيضا ، بل على بعض التفاسير له يشمل سائر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١ من كتاب الطهارة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٥ من كتاب الطهارة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٤ من كتاب الطهارة.

٥٠

المخالفين ، بل قد يقال باتحادهم في الحكم معه هنا وإن لم يكونوا متظاهرين بالعداوة لآل محمد ( عليهم الصلاة والسلام ) تخيلا منهم أنهم على عقيدتهم في الرضا عن الأول والثاني والثالث ، وإلا فهم أعداء لأعدائهم ومنهم آل محمد ( عليهم الصلاة والسلام ) وأوليائهم وتدليس الحال للتقية لا يرفع أصل العداوة كما هو واضح ، فقد يقال حينئذ بوجوب لعنهم أو رجحانه كما هو ظاهر القواعد والمحكي عن المنتهى والسرائر والكافي والجامع فضلا عن الدعاء عليهم بغيره ، وإن كان الأقوى عدم وجوبه أي اللعن بإطلاق الأدلة السابقة الذي لا ينافيه فعل الحسين عليه‌السلام وإن أمر وليه بقوله بعد تسليم كون الذي صلى عليه منهم لا ناصبا أو منافقا في إسلامه أو محكوما بكفره أو قلنا باشتراك الجميع في ذلك ، لكن الأولى في الجمع بينه وبين غيره من النصوص القول بوجوب الدعاء عليه من غير توقيت بدعاء مخصوص ، والله أعلم.

وكيف كان فـ ( يجب فيها النية ) بلا خلاف ولا إشكال ، وفي اعتبار الوجه وعدمه هنا ما تقدم سابقا ، إذ احتمال العدم فيها وإن قلنا به في غيرها لعدم اشتراكها بل هي إما واجبة أو مندوبة ضعيف ، ضرورة أن القائل باعتبار الوجه لا ينحصر دليله في التمييز ، بل ظاهره أو صريحه اعتباره وإن لم يتوقف عليه التمييز ، وإلا كان موافقا للمختار كما أوضحناه في محله ، نعم لا إشكال في اعتبار الإخلاص فيها كغيرها من العبادات ، كما أنه لا بد من مقارنتها للتكبير الذي هو أول العمل ، ويكفي في الباقي الاستدامة على التفسير السابق لها في محله ، ولا يشترط فيها التعرض فيها لكونها فرض كفاية ، لأنه من الأمور الخارجية ، وإن احتمله في الذكرى ، لأن النية لامتياز الشي‌ء على ما هو عليه ، لكنه واضح الضعف ، وقال فيها أيضا : ولا يشترط تعيين الميت ومعرفته ، بل يكفي نية منوي الإمام ، فلو عين وأخطأ فالأقرب البطلان ، لخلو الواقع عن نيته ، ونحوه غيره ، لكن في جامع المقاصد أنه ينبغي تقييده بما إذا لم يشر إلى الموجود‌

٥١

بأن قصد الصلاة على فلان لا على هذا فلان ، قلت : يمكن أن يأتي هنا ما ذكروه في تعيين الامام من حيث تعارض الإشارة والاسم ، فيصح في الصحيح فيه ويبطل في الباطل ، نعم ظاهرهم الفرق بين المقامين باعتبار التعيين فيه بخلافه هنا وإن وجب فيه القصد إلى معين متحد أو متعدد ، وعليه فرعوا الاكتفاء هنا بنية منوي الامام ، ومقتضاه عدم جواز مثل ذلك في الائتمام بالصلاة ، ولعله لعدم خروجه به عن الإبهام عند المصلي وإن خرج به عنه في الواقع ، والمعتبر الأول في الائتمام ، لأصالة عدم انعقاد الجماعة ، واقتصارا في إطلاقها على المتيقن المعهود ، بل لعله المنساق من الأدلة عند التأمل بخلاف المقام الذي لا مانع فيه سوى الإبهام المانع عن الامتثال ، فرفعه بالصفة المعينة في الواقع كاف في صدقه وإن لم يرتفع بها الإبهام عن المصلي باعتبار الشك في مصداقها ، ونحوه غيره من المتعلقات كالمنوب عنه بصلاة ونحوها ، فإنه يكفي فيها القصد إلى معين وإن لم يتعين عنده ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.

وأما وجوب استقبال القبلة فيها فلا خلاف فيه أيضا كما في المدارك قال : « لأن العبادة كيفية متلقاة من الشارع ، والمنقول من النبي والأئمة ( عليهم الصلاة والسلام ) فعل الصلاة كذلك ، فيكون خلافه تشريعا محرما » وفيه ما عرفت سابقا ، وفي كشف اللثام عليه الإجماع ظاهرا ويشمله العمومات ، وفيه منع إن أراد عمومات الصلاة كما ستعرفه ولا عموم مجديا في الوجوب في غيرها ، فالأولى الاستدلال له بالإجماع المزبور إن تم ، وما عساه يظهر من نصوص (١) كيفية الصلاة على الجنائز المتعددة من المفروغية عن اعتبار الاستقبال ، بل‌ مرسل ابن بكير (٢) منها عن الصادق عليه‌السلام قد يستدل به على ذلك ، قال له في جنائز الرجال والصبيان والنساء قال : « توضع النساء مما يلي القبلة والصبيان دونهم والرجال دون ذلك ، ويقوم الامام مما يلي الرجال » وثبوت الندب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٣.

٥٢

بالنسبة إلى موالاة الرجال لا يقضي به بالنسبة إلى موقفه ، على أنه ظاهر في الوجوب ، والمعارض له الذي بسببه حمل على الندب أو التخيير إنما هو بالنسبة إلى تقديم الرجال على النساء إلى القبلة ، فالذي يلي المصلي حينئذ النساء ، فموقفه حينئذ لا تغيير فيه ، فتأمل جيدا ، مضافا إلى ظهور‌ خبر جابر (١) قال لأبي جعفر عليه‌السلام : « أرأيت إن فاتتني تكبيرة أو أكثر قال : تقضي ما فاتك ، قلت : أستقبل القبلة؟ قال : بلى وأنت تتبع الجنازة » في ذلك ، وفي الوافي لا منافاة بين استقبال القبلة بالتكبير واتباع الجنازة كما هو ظاهر.

بل لا يخفى ظهور‌ خبر الجعفري (٢) المروي في التهذيب والكافي في الصلاة على المصلوب في اعتبار القبلة أيضا ، وأنه إنما جاز الانحراف فيه بالخصوص إلى ما بين المشرق والمغرب لأنه قبلة ، قال : « سألت الرضا عليه‌السلام عن المصلوب قال : أما علمت أن جدي عليه‌السلام صلى على عمه؟ قلت : أعلم ذلك ولكني لا أفهمه مبينا ، فقال : أبينه لك إن كان وجه المصلوب إلى القبلة فقم على منكبه الأيمن ، وإن كان قفاه إلى القبلة فقم على منكبه الأيسر ، فإن ما بين المشرق والمغرب قبلة ، وإن كان منكبه الأيسر إلى القبلة فقم على منكبه الأيمن ، وإن كان منكبه الأيمن إلى القبلة فقم على منكبه الأيسر ، وكيف كان منحرفا فلا تزائلن مناكبه ، وليكن وجهك إلى ما بين المشرق والمغرب ، ولا تستقبله ولا تستدبره البتة ، قال أبو هاشم : قد فهمته إن شاء الله فهمته والله » إذ من الواضح أنه إنما أمره عليه‌السلام بالقيام بما أمره ، لأن استقبال القبلة شرط في هذه الصلاة ، وكذا استقبال أحد منكبي الميت ، وفي القبلة سعة ، ولا يتحقق الأمران إلا بذلك ، وبه صرح الكاشاني في جامعه.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٤ من كتاب الطهارة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١ من كتاب الطهارة.

٥٣

نعم كان على المصنف وغيره استثناء مثل الانحراف المزبور في صلاة المصلوب من وجوب الاستقبال للخبر المزبور ، اللهم إلا أن لا يكونوا عاملين به ، بل في المحكي عن عيون الصدوق « أن هذا حديث غريب لم أجده في شي‌ء من الأصول والمصنفات » لكن في الذكرى « أنه وأن كان غريبا ولم يذكر الأصحاب مضمونه في كتبهم إلا أنه ليس له معارض ولا راد ، وقد قال أبو الصلاح وابن زهرة : يصلى على المصلوب ولا يستقبل وجه الإمام في التوجه ، فكأنهما عاملان به ، وكذا صاحب الجامع الشيخ نجيب الدين يحيي بن سعيد والفاضل في المختلف قال : إن عمل به فلا بأس به ، وابن إدريس نقل عن بعض الأصحاب أنه إن صلي عليه وهو على خشبة استقبل بوجهه وجه المصلي ، ويكون هو أي المصلي مستدبر القبلة ، ثم حكم بأن الأظهر إنزاله بعد الثلاثة والصلاة عليه ، قلت : هذا النقل لم أظفر به ، وإنزاله قد يتعذر كما في قضية زيد » انتهى وناقشه في الكشف « بأن المعارض لها ما دل على استقبال المصلي القبلة ، والراد لها وإن لم يوجد لكن الأكثر لم يذكروا مضمونها كما اعترف به » قلت بعد تسليم وجود المعارض المزبور يقيد به ، وبناء على عمل ابن زهرة به قد قيل : إنه يظهر منه الإجماع على ما سمعته منه ، وفي كشف الأستاذ نفي البأس عن العمل به ، وكيف كان فمع تعذر الاستقبال فكاليومية.

وكذا يجب القيام فيها بلا خلاف يعلمه فيه في التذكرة إلا من الشافعي ، بل الإجماع بقسميه محصله ومنقولة في الذكرى وجامع المقاصد والمدارك عليه ، كما أن الأمر بالقيام والوقوف فيها في تضاعيف النصوص كالمتواتر ، منها النصوص التي تسمعها في السنن في الوقوف عند الوسط والصدر ، إذ ندبية ذلك بعد أن كان المراد منها أفضل أفراد الواجب التخييري غير قادحة ، كما هو واضح ، نعم هو شرط مع الإمكان ، أما مع العجز فبحسب الإمكان كاليومية ، لقاعدة الميسور وغيرها مما سمعته في اليومية مما‌

٥٤

هو مشترك بينهما ، ولو وجد من يمكنه القيام ففي المدارك لم يسقط الفرض بصلاة العاجز لأصالة عدم سقوطه بغير الصلاة الكاملة ، مع احتمال السقوط لقيام العاجز بما هو فرضه وكان مراده أنه وجد المتمكن بعد وقوع صلاة العاجز ، لا وجوده قبل صلاته ، فإن مشروعية صلاة العاجز حينئذ فضلا عن الاسقاط لا تخلو من نظر ، بل منع لانحصار التكليف حينئذ بالمتمكن ، إذ الواجب الكفائي المكلف به الجميع على معنى عقابهم لو تركوه أجمع لا مع إرادة الفعل من كل واحد منهم ، ضرورة عدم تصوره في مثل الغسل ونحوه مما لا يقع إلا من واحد مثلا إلا على التكرار المعلوم انتفاؤه ، فحينئذ تعذر المكلف به والانتقال إلى بدله الاضطراري إنما يكون إذا تعذر على جميع من كلف به ، فيندرج حينئذ في قاعدة الميسور ونحوها لا إذا تعذر على البعض خاصة الذي هو أشبه شي‌ء بتعذر أحد فردي المخير به ، فإنه لا إشكال في انحصار التكليف في الآخر وعدم الانتقال إلى بدل المتعذر إذا لم يكن أحد فردي التخيير ، على أنه لا يخفى على ذي مسكة أن الشارع إذا أوجب الصلاة من قيام مثلا على الميت لا من مباشر بعينه لا ينتقل إلى غيرها من الصلاة مضطجعا ونحوه ممن تعذر عليه القيام مع تمكن الغير من الإتيان بالمراد ، خصوصا في مثل الكيفية من العربية في الأذكار ونحوها. واحتمال أن الصلاة باعتبار صحة وقوعها من متعدد دفعة كالواجب العيني ينتقل فيه إلى البدل بالنسبة إلى كل مكلف تعذر عليه يدفعه أن الظاهر اتحاد كيفية الخطاب في جميع الكفائيات من غير فرق بين ما لا يقع إلا من واحد وغيره ، إنما المراد في الجميع وقوع الفعل في الخارج من غير ملاحظة خصوص الفاعل ، فلا فرق حينئذ بين الصلاة وغيرها في ذلك.

أما لو صلى العاجز بظن عدم التمكن فوجد المتمكن الذي قلنا يمكن حمل ما تقدم من المدارك عليه فالاجزاء فيه وعدمه مبني على قاعدة الاجزاء ، ولعل الأقوى هنا العدم لا لعدم اقتضاء الأمر الإجزاء بل لأنه من تخيل الأمر كما حققناه في محله ، وكان المتجه‌

٥٥

على المعلوم من مذهبه في قاعدة الإجزاء الجزم هنا بالسقوط ، اللهم إلا أن يقال : إن أفصاه الاجزاء عن الفاعل لا عن غيره ، وفيه أن خطاب الكفاية خطاب واحد ، فمتى حصل فعل صحيح كان مسقطا عن الغير ، ومن هنا يظهر لك أنه لا وجه للقول بالمشروعية مع عدم السقوط عن الغير في المسألة السابقة ، بل لا بد من الحكم بعدم المشروعية كما اخترناه أو بالسقوط معه ، وإن كان قد يوهم المشروعية مع عدم السقوط بعض العبارات منها ما في كشف اللثام تبعا للروضة « ولو صلاها عاجز قاعدا أو راكبا أو نحوهما فهل تسقط عن القادرين؟ وجهان ، من تحقق صلاة صحيحة ، ومن نقصها مع القدرة الكاملة » وأوضح منه ما في الذكرى « لو وجد من يمكنه القيام فهو أولى من العاجز ، وفي الاجتزاء بصلاة العاجز حينئذ نظر ، من صدق الصلاة الواجبة بالنسبة إليها ، ومن نقصها وقدرة غيره على الكاملة » وفي جامع المقاصد ومع العجز يسقط كاليومية ، لكن هل يسقط بصلاة العاجز الفرض عن غيره ممن يقدر على القيام؟ الظاهر لا ، لأن الناقص لا يسقط الكامل ، ولأصالة بقائه في العهدة ، وكذا القول في العاري مع المستتر بناء على اشتراط الستر ومن لا يحسن العربية مع من يحسنها ، لكن قد يحمل الجميع على ما سمعته من المدارك ، وإلا كان محلا للنظر ، فتأمل ، كالذي سمعته سابقا من الأستاذ في كشفه من صحة ايتمام القائم بالقاعد ونحوه مما يقضي بالمشروعية المزبورة ، وهل يعتبر الاستقرار في القيام؟ وجهان ، جزم بأولهما الأستاذ في كشفه ، كما أنه جزم باعتبار مراتب العجز عن القيام كما في صلاة الفريضة ، ولعله لظهور البدلية ، مطلقا ، وان كان لا يخلو من تأمل بل سابقه لا يخلو من منع إذا لم يعتبر الاستقرار في مفهوم القيام ، فهو حينئذ كغيره مما يعتبر في الصلاة مما تسمع البحث فيه إن شاء الله ، والله أعلم.

ويجب أيضا جعل رأس الجنازة إلى يمين المصلي بلا خلاف أجده فيه ،

٥٦

بل في ظاهر الذكرى والكشف والمحكي عن المعتبر الإجماع عليه ، بل في الغنية ويجب إعادة الصلاة على الميت إذا كانت الجنازة مقلوبة بدليل الإجماع المشار اليه وطريقة الاحتياط ، وهو الحجة بعد الاعتضاد بالتأسي وقاعدة الشغل ، وموثق عمار (١) أنه سأل الصادق عليه‌السلام « عن ميت صلي عليه فلما سلم الإمام فإذا الميت مقلوب ، رجلاه إلى موضع رأسه ، قال : يسوى وتعاد الصلاة عليه وإن كان قد حمل ما لم يدفن ، فان دفن فقد مضت الصلاة عليه ، لا يصلى عليه وهو مدفون » لكن الخبر ومعقد الإجماع إنما هو إعادة الصلاة على المقلوب ، وهو أعم من كون رأسه على يمين المصلي بناء على إرادة كونه عن اليمين فعلا ، كما يقضي به استثناء المأموم في الروضة والمدارك وظاهر كشف اللثام وغيرها من هذا الحكم ، إذ لو أريد منه الجهة بمعنى كون الرأس إلى جهة اليمين أي المغرب والرجلين إلى المشرق في مثل العراق ونحوه ممن كانت قبلته نقطة ما بين المشرق والمغرب لم يكن فرق بين الامام والمأموم في ذلك ، ويتحقق بناء على عدم اعتبار المحاذاة بمعنى المسامتة وإن كان موقف المصلي متجاوزا عن رأسه بل كان الميت كله عن يساره ، لكن ظاهر الذكرى أن المراد من ذلك بيان استقبال الميت ، قال : ويجب الاستقبال بالميت بأن يوضع رأسه عن يمين المصلي ورجلاه إلى يسار المصلي ، وقد حكينا عن المهذب في بحث القبلة أنه بعد أن ذكر وجوب استقبال الميت في أحواله الثلاثة : الاحتضار والصلاة عليه والدفن من غير ذكر خلاف قال : « ويختلف استقباله باختلاف حالاته ، ففي الاحتضار يكون مستلقيا وظاهر رأسه مستدبرا ، ووجهه وباطن قدميه مستقبلا ، وفي حال الصلاة يكون مستلقيا أيضا ، ورأسه إلى المغرب ومقدم جنبه الأيمن مستقبلا ، وفي حال دفنه يكون مضطجعا ، رأسه إلى المغرب ووجهه وبطنه ومقاديم بدنه إلى القبلة ، ومستند هذا التفصيل نصوص الطائفة وعملهم عليه » وظاهر هما كغيرهما أن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١ من كتاب الطهارة.

٥٧

هذه كيفية الاستقبال بالميت الواجب حال الصلاة عليه ، فيراد حينئذ من اليمين جهته التي لا فرق فيها بين الامام والمأموم ، وهي المستفادة من الخبر ومعقد الإجماع المزبور دون نفس اليمين ، بل ستعرف ما يدل من النصوص والفتاوى على الوقوف عند الرأس بحيث يكون أمامه لا يمينه ، ومضمر الحلبي (١) في الصحيح « سألته عن الرجل والمرأة يصلى عليهما قال : يكون الرجل بين يدي المرأة مما يلي القبلة ، فيكون رأس المرأة عند وركي الرجل مما يلي يساره ، ويكون رأسها أيضا مما يلي يسار الامام ، ورأس الرجل مما يلي يمين الامام » مع أنه في خصوص الرجل وفي خصوص اجتماعه مع المرأة معارض بغيره فلا بد من حمله على ضرب من الندب ، كما تعرفه إن شاء الله فيما يأتي ، فالمتجه الاقتصار على الاعتبار المستفاد من الخبر ومعقد الإجماع السابقين من جهة اليمين لا نفسه ، وإن وجب مع ذلك المحاذاة للميت على الامام والمنفرد دون المأموم كما ستعرف إن شاء الله ، كاستفادة ما صرح به جماعة من الأصحاب من وجوب كونه مع ذلك مستلقيا على قفاه من معقد إجماع المهذب وغيره ، بل لا خلاف أجده فيه.

نعم بقي بحث آخر لا مدخلية له في شي‌ء من ذلك ، وهو أنه ذكر غير واحد من الأصحاب مع ذلك وجوب وقوف المصلي وراء الجنازة ، بل في الذكرى وغيرها أن هذا ثابت عندنا ، وفي كشف اللثام « دليله التأسي واستمرار العمل عليه من زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الآن والأئمة ، بل لا نجد فيه خلافا إلا من بعض العامة ، فجوز التقدم عليها فضلا عن كونها على أحد جانبيه قياسا على الغائب » وهو كما في الذكرى خطأ في خطإ ، لعدم جواز الصلاة على الغائب عندنا ، بل في المحكي عن التذكرة ونهاية الأحكام أنه يشترط حضور الميت عند علمائنا أجمع ، بل قيل : إن الإجماع ظاهر المنتهى وفوائد الشرائع أيضا ، لعدم صدق اسم الصلاة عليه بدونه ، أو يشك فيه فيشك في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٧ من كتاب الطهارة.

٥٨

شمول الأدلة له ، فالأصل عدم مشروعيته ، ولاستمرار السلف على تركه ، ولو جاز لما ترك ، خصوصا على مثل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغيره ، ولأنها مشروطة بشروط لا بد من العلم بها ، ولا يعلم بها مع الغيبة غالبا ، ككونه إلى القبلة واستلقائه ، ولظهور النصوص في اعتبار حضوره ، بل هو كالمقطوع به منها كما لا يخفى على من لاحظها ، وصلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على النجاشي قضية في واقعة ، ولعله خفض له كل مرتفع حتى شاهد جنازته كما عن الخصال والعيون عن محمد بن القاسم عن يوسف بن محمد بن زياد عن أبيه (١) عن الحسن بن علي العسكري عن آبائه عليهم‌السلام أو أن المراد دعا له كما في خبر حريز (٢) عن زرارة وابن مسلم.

ولا فرق في الغائب بين كونه في بلاد أخرى غير بلاد المصلي وبين كونه فيها ، خلافا للشافعية فجوزوه في الأول دون الثاني ، لإمكان الحضور ، ولعله بهم عرضا في المحكي عن المبسوط والسرائر ، فقيدا الغائب بكونه في بلد آخر ، لا لأنه يجوز عندهما على الغائب في بلد المصلي ، فإن الظاهر منع الجميع عندنا ، ولذا استدل في المحكي عن المنتهى بأنها لا تجوز على الحاضر في البلد مع الغيبة ، فعدم الجواز مع الكون في بلد أخرى أولى بل قيل : إن ظاهر المحقق الثاني في فوائده على الكتاب الإجماع أيضا على أنه لا يصلى على البعيد بما يعتد به عرفا كذلك ، ولا على من بين المصلي وبينه حائل إلا عند الضرورة نعم في جامع المقاصد « لو اضطر إلى الصلاة على الميت من وراء جدار ففي الصحة تردد » وفي كشف اللثام « من الشك في كونها كالصلاة بعد الدفن أو أولى ، ثم على الصحة ففي وجوبها قبل الدفن وجهان » قلت : الأقوى عدم الوجوب بل عدم الصحة بعد حرمة القياس ومنع الأولوية أو تنقيح المناط ، فلعل حيلولة خصوص القبر كعدمها عند الشارع مثل النعش ونحوه مما لا يمنع صدق اسم الصلاة عليه ، فالمراد حينئذ بالغائب الممنوع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٥.

٥٩

الصلاة عليه من لم يكن مشاهدا أو في حكم المشاهد شرعا.

وكيف كان فلا إشكال في وجوب كون المصلي خلف الجنازة جهة ، نعم في جامع المقاصد « هل يشترط أي مع ذلك أن يكون محاذيا لها بحيث يكون قدام موقفه حتى لو وقف وراءها باعتبار السمت ولم يكن محاذيا لها ولا لشي‌ء منها لم يصح؟ لا أعلم الآن تصريحا لأحد من معتبري المتقدمين بنفي ولا إثبات وإن صرح بالاشتراط بعض المتأخرين ، فإن قلنا به فاشتراطه بالنسبة إلى غير المأموم لأن جانبي الصف يخرجان عن المحاذاة » قلت : لا إشكال في أنها الأحوط في البراءة عن يقين الشغل ، بل هي المنساقة من الصلاة على الميت في النصوص فضلا عما دل منها على الوقوف عند الصدر والوسط والرأس ونحوها ، والحكم بندب ذلك إنما هو بالنسبة إلى باقي أفراد المحاذاة لا غيرها ، فتأمل ، والله أعلم.

وكيف كان فـ ( ليست الطهارة ) من الأصغر والأكبر من شرط صحتها للأصل والنصوص المستفيضة أو المتواترة كالمحكي من الإجماع ، بل هو محصل على عدم اشتراط ذلك أو بدله ، وما في المحكي عن المقنعة ـ من أنه لا بأس للجنب أن يصلي عليه قبل الغسل يتيمم مع القدرة على الماء ، والغسل له أفضل ، وكذلك الحائض تصلي عليه بارزة عن الصف بالتيمم ـ أقصاه ما في كشف اللثام من أنه لم يذكر صلاتهما بلا تيمم ولا تيمم غير المتوضي ، ولا صراحة فيه بل ولا ظهور بالاشتراط خصوصا الأخير ، بل لعل إطلاق كلامه يقضي بنفيه ، بل لا يبعد سيما في مثل عبارات هؤلاء القدماء إرادة الندب من ذلك ، ضرورة بدلية التيمم حالة التعذر ، ولا دليل على وجوبه هنا بالخصوص بل ظاهر الأدلة خلافه ، فيمكن إرادته الندب من ذلك كالمرتضى فيما حكي من جمله « ويجوز للجنب أن يصلي عليها عند خوف الفوت بالتيمم من غير اغتسال » والقاضي في المحكي من شرحها « وأما الجنب فإذا حضرت الصلاة على الجنازة وخشي من أنه إن‌

٦٠