جواهر الكلام - ج ١٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الزيادة في الصلاة بأن يكرر مثلا أفعالها سهوا لا ما يشمل نحو وقوع فعل خارج عنها فيها وإن لم يكن بعنوان أنه منها ، إذ لا يعد نحوه زيادة في الصلاة ، كما هو واضح ، والله أعلم.

ويسجد المأموم مع الامام واجبا إذا عرض له السبب على الأصح ، ولا يسقط عنه بسبب عروضه للإمام كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا في المسألة الرابعة من مسائل الكتاب ، ولعل ذا هو المراد بالمعية لا فعله بنية الائتمام ، لعدم ثبوت مشروعيته فضلا عن وجوبه كما قدمناه سابقا أيضا بل وتقدم أيضا أن الأصح فيما لو انفرد أحدهما لعروض السبب له كان له حكم نفسه خلافا لمن أوجبه على المأموم بمجرد عروضه على الامام ، فلاحظ وتأمل.

ومحلهما أي السجدتين بعد التسليم سواء كانتا للزيادة أو النقصان أو غيرهما مما يجبان له وقيل لكن لم نعرف قائله كما اعترف به غير واحد : محلهما قبله ، وقيل بالتفصيل بينهما ، فالأول للأول ، والثاني للثاني ، والقائل أبو علي في ظاهر المحكي عن كلامه أو صريحه في الدروس والبيان ، وإن قال في الذكرى : إنه ليس فيه تصريح بما يرويه عنه بعض الأصحاب من التفصيل ، نعم هو مذهب أبي حنيفة وكيف كان فـ ( ـالأول أظهر ) وأشهر ، بل هو المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا بل عليه عامة المتأخرين كما في الرياض ، بل هو خيرة المقنع وما تأخر عنه في مفتاح الكرامة ، بل هو مذهب الأصحاب عن كشف الرموز ، وعلمائنا عن نهاية الأحكام بل عليه الإجماع في الخلاف وعن مصابيح المولى الأكبر والأمالي والناصرية وغيرها ، للمعتبرة (١) المستفيضة حد الاستفاضة المتفرق كثير منها في المسائل السابقة الصريح بعضها بأنهما بعد التسليم جواب السؤال عن محلهما ، والمعتضدة بما سمعت مما ينفي احتمال‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

٤٤١

المناقشة في دلالة بعضها ، بل وبإمكان أصالة عدم قابلية الصلاة لنخلل ذلك في أثنائها ، خصوصا لو قلنا إنهما معا من زيادة الركن المفسدة وإن لم يكن فعلا بنية أنهما منها ، بل وبمخالفة المحكي عن أبي حنيفة أو غيره من العامة التي جعل الله الرشد في خلافها ، وبأنهما ليسا أولى من التشهد والسجدة اللذين يقضيان بعد السلام ، ومن هذا ينقدح مؤيد آخر أيضا ، وهو استلزام السجود في الأثناء له تقديم سجود السهو على السجدة والتشهد لو كانا هما السبب له ، أو فعلهما في الأثناء قبله أيضا ، وهما معا مخالفان لظاهر الأدلة.

فما في‌ ضعيف أبي الجارود (١) ـ « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : متى أسجد سجدتي السهو؟ قال : قبل التسليم ، لأنك إذا سلمت فقد ذهبت حرمة صلاتك » وصحيح سعد بن سعد الأشعري (٢) قال : « قال الرضا عليه‌السلام في سجدتي السهو : إذا نقصت قبل التسليم وإذا زدت فبعده » كصحيح صفوان بن مهران (٣) عن الصادق عليه‌السلام ـ يجب طرحه أو حمله على التقية كما عن الصدوق والشيخ ، فما في الذخيرة من احتمال التخيير جمعا بين الأخبار ضعيف جدا.

وعلى كل حال فـ ( صورتهما أن ينوي ويكبر مستحبا ثم يسجد ) على الأعضاء السبعة واضعا جبهته على ما يصح السجود عليه مطمئنا ثم يرفع رأسه بأن يجلس مطمئنا أيضا ثم يسجد ويرفع رأسه كذلك ويتشهد تشهدا خفيفا ثم يسلم أما النية فقد صرح بوجوبها الفاضل وغيره ، بل نسب إلى السرائر وأكثر ما تأخر عنها ، بل في المفاتيح أنه المشهور ، بل لا أجد فيه خلافا كما اعترف به في الرياض وإن لم يتعرض لذكرها المصنف هنا والنافع كالفاضل في الإرشاد ، بل قيل : والصدوق في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث ٦.

٤٤٢

المقنع والمفيد والسيد والشيخ وأبي علي (١) وأبي الصلاح فيما نقل عنه ، لكن الظاهر أنه لوضوحها ومعلوميته ، والاتكال على ذكرهم اعتبار ذلك في أوائل كتبهم بالنسبة إلى سائر العبادات لا لعدم الوجوب عندهم ، ضرورة أنهما عبادة كما هو الأصل في كل مأمور به ، ومندرجان تحت عموم أدلة النية سواء قلنا إن محلها قبل التسليم أو بعده ، وإن قال الشهيد في الحواشي البخارية : إنه ينبغي الاستغناء عن النية بناء على الأول ، وكأنه لأنهما عليه يكونان كالجزء من الصلاة ، فيستغني بنيتها عن نيتهما ، لكنه لا يخلو عن بحث ، على أنك عرفت أن المختار كونهما بعده ، واحتمال الاستغناء عليه أيضا لكونهما من توابع الصلاة ومن أحكام السهو فيها فيكتفى بنيتها عن نيتهما ضعيف جدا ، وخروج عن ظاهر الأدلة بتهجم وتهجس.

نعم لا يجب فيهما تعيين السبب وفاقا للذخيرة والكفاية ، لإطلاق الأدلة وصدق الامتثال ، وخلافا لنهاية الفاضل على ما حكي عنها والذكرى وتعليقي الإرشاد للكركي وولده فيجب ، ولعله لتوقف صدق الامتثال على ملاحظة ذلك ، فهي كالظهرية بالنسبة إلى الظهر ، وفيه منع واضح ، وربما فرع على هذا الخلاف ما لو ظن سهوه كلاما فسجد له فتبين له أنه كان نسيان سجدة مثلا ، فيعيد على الثاني كما في النهاية والهداية ( والهلالية خ ل ) الحكم به وإن احتمل في الأخير العدم دون الأول ، وفيه أنه يمكن القول بالإعادة عليه أيضا ، للفرق بين عدم النية وبين نية الخلاف ، ولعله لذا قال في الموجز : ولا يتعين سببه ، ولو عين فأخطأ أعاد وإن كان الأقوى في النظر عدم الفرق بينهما ، وأن التعيين في الواقع كاف وإن لغى في نية الخلاف سهوا ، إذ الكلام مثلا مسبب (٢) للسجدتين لا أنه قيد في المأمور به ، نعم قد يقدح في ذلك العمد ، لانحلاله‌

__________________

(١) وفي النسخة الأصلية « وأبى يعلى ».

(٢) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الأولى أن يقال : « سبب للسجدتين ».

٤٤٣

إلى عدم النية حينئذ وعدم الإتيان بالمأمور به.

كما أن الأقوى عدم وجوب تعيين السبب لو تعدد أيضا ، بناء على الأصح من عدم التداخل في أسباب السجود اتحد الجنس أو اختلف الذي هو خيرة التحرير والتذكرة والذكرى والدروس والبيان والموجز وحاشية الألفية للكركي وعن غيرها ، للأصل وتوقف البراءة اليقينية عليه ، ولأن كل واحد سبب تام ، فكذا مع الاجتماع لأنه لا يخرج الحقيقة عن مقتضاها ، فالتداخل يستلزم خرق الإجماع ، أو تخلف المعلول عن علته التامة لغير مانع ، أو تعدد العلل التامة مع تشخص المعلول ، أو الترجيح بلا مرجح ، أو عدم تساوي المتساويات في اللوازم ، والكل محال ، وكون علل الشرع علامات لا مؤثرات حقيقية غير مجد بعد معاملتها معاملة الحقيقية بالنسبة إلى ذلك وغيره ، كما هو واضح.

نعم يتعدد السجود بتعدد السبب ما لم يكن بعضا من جملة توالت كالقراءة مثلا إذا تركها نسيانا ، فإنه لا يجب عليه بكل حرف سجدتان وإن كان لو انفرد لأوجب لاتحاد السبب هنا وتعدده هناك ، بل ما في الذكرى ـ من أنه لو نسيها في الركعات نسيانا مستمرا لا تذكر فيه فالظاهر أنه سبب واحد ، ولو تذكر ثم عاد إلى النسيان فالأقرب تعدد السبب ، وكذا لو تكلم بكلمات متوالية أو متفرقة ولم يتذكر فكلام واحد ، ولو تذكر تعدد ـ لا يخلو من وجه وإن كان يمكن المناقشة فيه حيث يصدق التعدد من غير تخلل ذكر ، إذ اتحاد السهو الباعث على صدور ذلك لا يقضي باتحاد السهو فيه حتى لو حصل معه فصل مثلا يتحقق به التعدد ، فتأمل.

خلافا لما عن ظاهر المبسوط في أول كلامه من التداخل مطلقا ، واختاره في الذخيرة والكفاية ، وما عن السرائر من التداخل في متحد الجنس لإطلاق الأدلة دون مختلف الجنس لعدم الدليل ، بل ظاهر الدليل العدم ، وفيه أن ظاهر الدليل العدم في الجميع.

٤٤٤

وكيف كان فلا يجب تعيين السبب وإن تعدد للأصل وغيره ، خلافا للمحكي عن جماعة فيجب ، ولعل المراد وجوب نية التعيين بالسبب أو غيره من السبق ونحوه ، لتعدد المكلف به وعدم تشخص الفعل لأحدها بغير النية ، فلا يصدق الامتثال ، لا وجوب نية خصوص السبب ، فيرتفع الخلاف حينئذ من البين ، إذ الظاهر وجوب التعيين بهذا المعنى ، واحتمال أنه لما حصلت الأسباب الموجبة وتعدد الموجب بها صار كتعدد المأمور به بأمر واحد نحو صوم أيام وضرب أشخاص ، فلا يجب نية التعيين ضعيف مخالف لظاهر الأدلة ، نعم الظاهر أنها كذلك بالنسبة للترتيب ، فلا ترتيب في سجودات السهو وفاقا للشهيد في المقاصد العلية ، للإطلاق ، بل لعله ظاهر لفظ « ينبغي » في الذكرى أيضا ، بل أوجب فيها تقديم سجود الأجزاء المنسية على غيرها وإن كان سبب الغير متقدما كالكلام في الركعة الأولى ونسيان سجدة في الثانية ، لتقدم الجزء على السجود ، وارتباط سجوده به ، وإن كان هو لا يخلو عن إشكال كما عن التذكرة ، لعدم الدليل على وجوب ارتباطه به بحيث ينافيه نحو ذلك ، بل في الروض لو قيل بوجوب تقديم الأسبق سببه كان أولى ، بل جزم به المحقق الكركي في حاشية الألفية ، كجزمه بالترتيب بين سجودات السهو للأجزاء المنسية فيما حكي عنه في الجعفرية ، قيل وتبعه على ذلك شارحاها ، ولعله لأن الذمة قد اشتغلت بإيقاع سجود السهو بعد الصلاة فورا بمجرد صدور السبب الأول والثاني لما صدر على ذمة مشغولة بذلك ، فتشتغل الذمة حينئذ بإيقاعه بعد تفريغها من الأول.

بل لعله من ذلك ينقدح وجوب تقديمه على الجزء أيضا بعد فرض تقدم سببه عليه ، لاشتغال الذمة به على أن يؤدى بعد الصلاة فورا ، وكون الفائت جزءا وسجود السهو أجنبي فيقدم عليه وإن تأخر سببه عنه ـ بل يقدم أيضا على ركعات الاحتياط مع فرض سبقه عليها ، بل يجوز تقديمه عليها وإن تأخر عنها ، لعدم كونها أجزاء يقينا ،

٤٤٥

نعم هي تتقدم على سجود السهو وإن تقدم سببه لمعلومية أجنبيته دونها ـ يدفعه أنه لا تلازم بين جزئيته وهذه الأحكام ، إذ لا بأس بتأخره عن سجود السهو المتقدم سببه وإن كان جزءا ، لأن الذمة اشتغلت به بعد اشتغالها بفعل سجود سهو فورا بعد الصلاة ، فيكون قضاء الجزء حينئذ على هذا الحال ، ونحوه الركعات الاحتياطية ، فلا ينافيه تخلل سجود السهو.

وربما يؤيده أيضا ظهور رواية علي بن حمزة (١) في تقديم السجدتين على التشهد المنسي كما اعترف به في الروض والذخيرة ، لكن لم أجد من جزم بذلك ، بل ظاهر جميع من تعرض لذلك تقديم الجزء المنسي على سجود السهو وإن تقدم سببه إلا الشهيد الثاني في المقاصد ، فإنه قد يظهر منه الجواز لا الوجوب ، بل قد يظهر منه في الروض ومن الخراساني في الذخيرة جواز تقديم السجود على الجزء وإن تأخر سببه فضلا عن أن يتقدم عليه ، وإن كان الذي يقوى في الذهن تقديم الأجزاء المنسية والركعات الاحتياطية على السجود مطلقا ، والأجزاء على الركعات ، وبعضها على بعض السابق فالسابق ، والتخيير بين السجودات وإن تقدمت أسباب بعضها على بعض نظرا إلى أنها جميعها واجبات فورية ، يرجع في تقديم بعضها على الآخر إلى الترجيح ، وهو بما ذكرنا ، ولا دلالة في فوريته وسبق سببه على وجوب تقديمه ، كما لا ظهور فيما دل على وجوب سجود السهو بمجرد حصول سببه وشغل الذمة به على تقديمه على الغير ، لعدم كونه مساقا لذلك هذا ، ويحتمل التخيير بين الجميع عدا الأجزاء بعضها مع بعض لضعف هذه المرجحات عن إفادة الوجوب ، بل وبين الأجزاء أيضا وإن كان هو أضعف من سابقه ، وقد خرجنا عما نحن فيه ، لأن الحديث ذو شجون.

وكيف كان فلا يجب التعرض للأداء والقضاء في سجود السهو كما صرح به في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٢ عن على ابن أبي حمزة.

٤٤٦

موضع من الألفية ، وإن حكي عنه أنه قال : « إنه أحوط » وفي المقاصد العلية « أنه أجود » وفي الروضة « انه أولى » بل قال في موضع آخر منها كما عن الهلالية : « أن نيتهما أسجد سجدتي السهو في فرض كذا أداء لوجوبه قربة إلى الله تعالى » بل في البيان وحاشية الألفية للكركي وتعليقي الإرشاد له وولده وعن غيرها وجوب التعرض للأداء والقضاء ، فان خرج الوقت أو كانت الفريضة قضاء نوى القضاء كما صرح به في بعضها أيضا ، ولا ريب في ضعفه ، إذ التحقيق عندنا عدم وجوب ذلك في أصل الصلاة فضلا عن السجدتين اللتين يمكن دعوى عدم صحة ذلك فيهما فضلا عن وجوبه لكونهما من بعض أحكام السهو في الصلاة ، بل لو لم يفعلا بعد الصلاة لم ينو فيهما القضاء لأن الفورية ليست توقيتا عندنا ، وأضعف من ذلك ما في شرح الألفية للكركي من اعتبار تعيين المنوب عنه فيهما ، ومحل النية أول السجود بمعنى أنها تقارنه ، لكن لا بأس لو نوى حال الهوي أو حال التكبير ، لصدق المقارنة عرفا ، ولعله لذا قال في البيان وتعليقي الإرشاد للكركي وولده : يجوز مقارنة النية للتكبيرة وإن استحبت : أما لو نوى بعد الوضع ففي الروضة والمقاصد أن الأقوى الصحة ، ولا يخلو من تأمل ، كما أنه لا يخلو ما عن العويص للشيخ المفيد من أن آخرها يقارن أول الهوي من ذلك أيضا إن أراد الوجوب.

وأما التكبير فالأقوى عدم وجوبه ، للأصل وإطلاق الأدلة وخصوص‌ الموثق (١) « سألته عن سجدتي السهو هل فيهما تسبيح أو تكبير؟ فقال : لا ، إنما هما سجدتان فقط فان كان الذي سها الامام كبر إذا سجد وإذا رفع رأسه ، ليعلم من خلفه أنه قد سها ، وليس عليه أن يسبح فيهما ، ولا فيهما تشهد بعد السجدتين » نعم ظاهره استحباب التكبير للإمام للاعلام لا للسجدتين ، ومن هنا قد يتوقف في استحبابه وإن نص عليه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٣.

٤٤٧

الفاضلان والشهيد وغيرهم ، بل في الرياض أنه المشهور لا لضعف الموثق كما في المدارك والذخيرة ، إذ هو حجة عندنا في إثبات الواجب فضلا عن المستحب ، بل لعدم الدلالة كما عرفت ، على أنها مختصة بالإمام ، إلا أنه حيث كان الحكم استحبابيا يتسامح فيه أمكن الاجتزاء في إثباته بمثل فتوى من عرفت ، بناء على كفاية الاحتياط العقلي في ذلك مؤيدا هنا ببعض الأخبار (١) الواردة في سهو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قصة ذي اليدين المشتملة على تكبير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للسجدتين وإن كانت هي مطرحة عندنا.

وكيف كان فما عساه يظهر من المحكي عن المبسوط من الوجوب حيث قال : « إذا أراد أن يسجد سجدتي السهو استفتح وكبر وسجد عقيبه ويرفع رأسه » إلى آخره ، ضعيف جدا ، كاشكال الفاضل فيه في نهايته على ما حكي عنها ، مع احتمال إرادة الشيخ الندب ، كما يؤيده نسبة ذلك اليه وإلى جمع في المدارك ، فما في المفاتيح من أن المشهور أنه ينوي ثم يكبر ثم يسجد ثم يرفع رأسه ثم يسجد إلى آخره. من الغرائب إن أراد الوجوب ، إذ لم نعرف أحدا صرح به أو نسب اليه عدا الشيخ كما عرفت ، ولذا حكي عن الشهيد في كنز الفوائد أن أكثر الأصحاب نصوا على الذكر فيهما دون القراءة والتكبير إلا الشيخ ، فإنه قال : « إذا أراد أن يسجد استفتح بالتكبير ».

وأما السجود على الأعضاء السبعة فقد صرح به في القواعد وغيرها ، بل نسب إلى المفيد وجم غفير ممن تأخر عنه ، بل في التذكرة وتعليق الإرشاد للكركي وظاهر حاشية الألفية له وعن غيرها وجوب الطمأنينة في السجدتين ، بل صرح في بعضها بوجوبها بينهما أيضا ، بل قال المحقق الثاني وصاحب المدارك والخراساني وعن غيرهم :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٩.

٤٤٨

« يجب وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه فيه » بل في الذكرى والدروس والبيان واللمعة والألفية وحاشيتها للكركي والروضة وعن غيرها أنه يجب فيهما ما يجب في سجود الصلاة عدا الذكر ، فتندرج حينئذ الطهارة وغيرها كما نص عليه بعضهم ، وليس في شي‌ء من الأدلة تعرض لشي‌ء من ذلك ، ودعوى اعتبار جميع هذه الأمور في مسمى السجود واضحة الفساد خصوصا بالنسبة إلى البعض.

نعم قد يقال : إن الذمة لما اشتغلت به بيقين توقف العلم ببراءتها على الفرد المتيقن ، بل قد يدعى أنه المنساق من أمر المصلي بالسجود لتدارك سهوه ، إذ الظاهر إرادة السجود الصلاتي ، لكن الإنصاف أن للتوقف أو المنع فيما زاد على ما يتحقق به مسمى السجود عرفا أو شرعا ـ لعدم ظهور أو انصراف معتد به في شي‌ء من الأدلة ، فيبقى الإطلاق سليما ـ مجالا ، ولعله لذا قال في إرشاد الجعفرية على ما حكي عنه في ذلك ـ مشيرا به إلى دعوى أنه يجب فيه ما يجب في سجود الصلاة ـ نظر ظاهر ، وتوقف في القواعد والتذكرة في وجوب الطهارة والاستقبال ، بل استقرب العدم في التحرير في الطهارة ، بل عن الجواهر ذلك فيهما معا ، بل لعله ظاهر المصنف وجميع من ترك التعرض لهما وللستر ونحوه في مقام البيان ، خصوصا مع نصه على التشهد ونحوه ، لكن في الألفية والمقاصد وعن الهلالية والدرة التصريح بأن الطهارة والستر والاستقبال شرط ، وعن نهاية الأحكام « أن الأقرب وجوب الطهارة والاستقبال » وعن السرائر اشتراط الطهارة.

والمنشأ ما عرفت أيضا من الاحتياط في العبادة المقتضي للاقتصار على المتيقن أو المنساق إلى الذهن ، خصوصا وهما مكملتان وجابرتان للصلاة التي يشترط فيها ذلك ، مضافا إلى ما ستسمعه عند البحث في الفورية ، وإلى الأمر (١) بهما في الخبر قبل الكلام ، فالمحدث أولى ، أو أن ذلك مشعر باتصالهما بالصلاة اتصال الجزء ، بل قد يومي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٣.

٤٤٩

في الجملة الأمر (١) بهما في أثناء الصلاة إلى بعض ذلك وإن لم نقل به.

وأما منشأ عدم الوجوب فالأصل وإطلاق الأدلة أو عدم انصراف مفيد للشرطية ، خصوصا مع ملاحظة ما ورد (٢) من الأمر بفعلهما متى ذكر إذا نسيهما ، وملاحظة أنهما ليستا بصلاة ولا جزءا منها ، وإنما هما كالعقوبة أو للرغم لأنف الشيطان ولعل ذلك هو الأقوى في النظر.

وأما الطمأنينة فيهما وبينهما بعد الجلوس فمستنده نحو ما تقدم أيضا مع زيادة توقف الاثنينية ـ المستفادة من الأدلة والمحكي عليها الإجماع في المعتبر ـ على الجلوس بينهما ، بل عن مجمع البرهان « لعله لا خلاف في وجوب الجلوس بينهما مطمئنا » كما أنه نسبه في مفتاح الكرامة إلى الفاضل وجمهور من تأخر عنه ، لكن قد يناقش بما سمعت سابقا ، وبعدم توقف تحقق الاثنينية على الجلوس ، فضلا عن الطمأنينة كما في سجدتي الشكر وزيادة السجود في الصلاة ، إلا أن الاحتياط لا ينبغي تركه في البراءة عن الشغل اليقيني.

وأما التشهد فالمشهور نقلا وتحصيلا وجوبه ، بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا مشعرا بدعوى الإجماع عليه كالذكرى وعن غيرها ، بل في المعتبر وعن المنتهى الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد المعتبرة المستفيضة (٣) خلافا للمختلف فلم يوجبه للأصل وخلو بعض الأخبار (٤) عنه في مقام البيان ، بل كاد يكون صريح بعضها (٥) الوارد في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٤ و ٥ و ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٦ والباب ٨ منها ـ الحديث ١ والباب ١٤ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٢.

٤٥٠

نسيان التشهد حيث أمر فيه بالتشهد فيهما التشهد الذي فاتك ، وللموثق (١) السابق الصريح في ذلك ، بل لصراحة دلالته حمل الأمر في تلك الأخبار على الندب وإن تعددت ، وفيه أن الأصل يقطعه ظاهر الدليل ، كما أن إشعار الخلو بذلك لا يصلح لمعارضته ، وخبر نسيان التشهد غير معمول بظاهره ، ولذا كان المتجه إرادة الأمر بفعل تشهد فيهما كالتشهد الفائت ، فيكون حينئذ من أدلة المطلوب ، والموثق ـ مع اتحاده وإعراض المشهور عنه ، بل سمعت حكاية الإجماع على خلافه ـ لا يقاوم تلك المعتبرة المتعددة المعتضدة بما سمعت ، فالأولى الجمع بينها وبينه بإرادة نفي غير الخفيف من التشهد فيه ، إذ هو وإن أطلق الأمر به في بعض تلك المعتبرة (٢) كبعض عبارات الأصحاب منها عبارة القواعد والتحرير واللمعة وغيرها ، لكنه قيد بالخفيف في آخر منها‌ كالصحيح (٣) « واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة تتشهد فيهما تشهدا خفيفا » والمعتبرين (٤) الواردين فيمن لا يدري كم صلى أنه يبني على الجزم ويسجد سجدتي السهو ويتشهد تشهدا خفيفا نحو كثير من الفتاوى ، بل في المفاتيح أنه المشهور ، بل في الذكرى وغيرها نسبته إلى فتوى الأصحاب.

والمراد بالخفيف كما في الرياض وعن المبسوط والبحار مجرد الشهادتين والصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل في الأول أنه عزاه في الأخير إلى الأصحاب ، وربما احتمل إرادة التشهد المعهود في الصلاة ، والخفة تخفيف الأجزاء المندوبة ، وهو عين الأول بناء على أن التشهد المعهود في الصلاة هو الشهادتان والصلاة على النبي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٦ والباب ١٣ منها ـ الحديث ٢.

٤٥١

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإلا كان الأول أولى منه ، لكن الأمر سهل بناء على كون التخفيف رخصة كما هو صريح تعليق الإرشاد للكركي والروض ومحتمل أو ظاهر غيرهما لورود الأمر به مورد توهم وجوب غير الخفيف لا عزيمة ، وإن كانت هي أحوط في امتثال ظاهر الأمر المتعلق بالقيد المقتضي لوجوبه ، إلا أن الأول أقوى ، وبه يجمع حينئذ بين إطلاق النصوص وبعض الفتاوى وبين المقيد منهما ، وعلى كل حال فاحتمال إرادة الاقتصار على مجرد الشهادتين من الخفيف دون الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ لعدم اندراجها في إطلاق التشهد ، فضلا عن الخفيف منه كما عساه يوهمه ما حضرني من نسخة الروض ـ باطل قطعا ، خصوصا بعد ما في المعتبر من أن الواجب السجدتان والشهادتان والصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإجماع علمائنا ، وربما يستفاد من حصره الواجب في ذلك زيادة تأييد لإرادة ما تقدم أولا من الخفة مقابل الاحتمال الذي سمعته.

وأما التسليم فقد يومي تركه في بعض النصوص (١) في مقام البيان والحصر في الموثق (٢) السابق إلى عدم وجوبه ، كما هو صريح المختلف وظاهر عدم نصه عليه في القواعد ، بل في تعليق الإرشاد أن عبارات جميع الأصحاب خالية من إيجابه وأنه لم يثبت بالإجماع ، لكن التتبع شاهد بخلافه ، لذكرهم التسليم مع التشهد ، بل في الذكرى وعن غيرها نسبته إلى فتوى الأصحاب ، بل في المعتبر أن رواية عمار يعني الموثق المشعر بعدم وجوب التسليم متروكة ، بل قد حكى في المدارك عنه وعن المنتهى الإجماع عليه وإن كنت لم أجده في الأول منهما ، بل في مفتاح الكرامة « أن عبارات القدماء كالمفيد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ و ٣٢ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الباب ٧ و ٨ و ٩ من أبواب التشهد.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٣.

٤٥٢

والسيد والشيخ وأبي يعلى وأبي المجد وأبي عبد الله محمد بن إدريس والمتأخرين كالمحقق وغيره ممن تأخر عنه قد طفحت بأنه يتشهد ويسلم ، وإنما خلت عنه عبارة المقنع والقواعد » إلى آخره ، ومع ذلك كله فقد رواه عبد الله بن سنان (١) وأبو بصير (٢) في الصحيح ، فالقول بوجوبه حينئذ هو المتعين كما هو واضح.

والظاهر من النصوص والفتاوى إرادة التسليم الذي يخرج به عن الصلاة ، بل الظاهر خصوص صيغة « السلام عليكم » لكن أرسل عن أبي الصلاح أنه قال : ينصرف عنهما بالتسليم على محمد وآله صلى الله عليهم ، ولم أعرف له شاهدا ، ولعله يريد التسليم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي يقال في الذكر ، فيكون حينئذ موافقا للقائل بعدم وجوب التشهد والتسليم بعد رفع الرأس منهما ، وقد عرفت ضعفه في المقامين ، إلا أن المنقول عنه أن ذكرهما عنده الخالي عن التسليم كما تعرفه ، وأنه أمر بالتشهد الخفيف بعد رفع الرأس منهما ، ثم قال : « وينصرف عنهما بالتسليم على محمد وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

وكيف كان فـ ( هل يجب فيهما الذكر؟ فيه تردد ) ينشأ من الأصل وظاهر الحصر في الموثق السابق منضما إلى نفي التسبيح عليه فيه الذي يمكن دعوى نفي غيره بالأولوية باعتبار أنه نص فيه على نفيه لدفع توهم وجوبه من إطلاق السجود المنصرف إلى سجود الصلاة ، وإطلاق غيره من الأخبار الواردة في مقام البيان ، وقصور ما يمكن استفادته منه عنه من وجوه منها الاضطراب في متنه وغير ذلك ، ومن الاحتياط في البراءة عن الشغل اليقيني ، وصحيح الحلبي (٣) المروي في الفقيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « تقول في سجدتي السهو : بسم الله وبالله وصلى الله على محمد وآل محمد » وعن بعض النسخ « وعلى آل محمد » قال : وسمعته مرة أخرى « يقول : بسم الله وبالله السلام‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ١.

٤٥٣

عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته » ونحوه في التهذيب ، لكن بزيادة الواو قبل السلام بل والكافي أيضا ، لكن أبدل قوله : « وصلى الله » باللهم صل على محمد وآل محمد كما عن بعض نسخ الفقيه ، ومن هنا وقع الخلاف في ذلك بين الأصحاب ، فالمشهور كما في الذكرى على الثاني ، والمصنف في المعتبر والنافع والفاضل في المنتهى والمختلف والخراساني على الأول ، ولعله ظاهر نهاية الشيخ والمهذب البارع ، واختاره الأردبيلي على ما قيل ، ونفى عنه البعد في المدارك ، وكأنه مال إليه في الرياض ، ولعله الأقوى في النظر لما عرفت ولما في الصحيح من الاضطراب ، بل قد ضعف أولا بارتفاع منصب الامام عليه‌السلام عن السهو خصوصا في العبادة ، وثانيا باحتمال كون ما قاله على وجه الجواز لا اللزوم.

وربما يدفع الأول بجواز كون المراد بقوله فيهما على وجه الإفتاء لا أنه سها كما يومي اليه قوله عليه‌السلام فيه أولا « تقول » وإن كان قد ينافيه قوله عليه‌السلام ثانيا فيهما ، وفيه أن مجرد جواز ذلك غير كاف في ثبوت المطلوب ، إلا أن يدعى ظهوره بذلك كما في المدارك ، وبه حينئذ يندفع الثاني ، ضرورة ظهوره ـ وإن كان هو بالجملة الخبرية ـ في الوجوب ، لكن لا يخفى على الفقيه الممارس قصور مثل هذه الدلالة مع هذا الاضطراب عن إثبات الوجوب ، فضلا عن أن يعارض تلك الإطلاقات والموثق (١) المعتضد بالأصل وغيره مع صراحة دلالته أو ظهوره ظهورا قريبا إلى الصراحة ، ودعوى الانجبار بالشهرة يدفعها أنه لا صراحة في كلماتهم بالوجوب على وجه تتحقق به شهرة معتد بها ، فلا بأس بالعمل بها على وجه الاستحباب.

وعلى كل حال فـ ( لو وجب الذكر فهل يتعين بلفظ ) بالخصوص؟ الأشبه عند المصنف والتحرير والموجز والذخيرة لا كما عن المبسوط ، فيجزي حينئذ جميع ما سمعته في الصحيح وغيره من الأذكار أيضا ولو على التفريق بين السجدتين ، لقصور‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٣.

٤٥٤

الصحيح (١) عن التعيين ، فيبقى السجود حينئذ منصرفا إلى ما هو المتبادر منه أعني سجود الصلاة الذي لا يتعين فيه ذكر خاص عند بعضهم ، لكن عن حاشية الإيضاح أنه يجوز كل واحد من الذكرين معا وبالتفريق ، وظاهره الاقتصار على ما في الصحيح على اختلافه ، كظاهر الروضة والمقاصد العلية أو صريح الأخيرة ، وعن المقنع والمقنعة والسرائر التخيير بين الصورتين مع ذكر « اللهم صل على محمد وآل » بدل « صلى الله على محمد وآل محمد » وعن الجملين للسيد والشيخ والمراسم والغنية الاقتصار على ذكر « بسم الله وبالله اللهم صل على محمد وآل محمد » في السجدة الأولى و « بسم الله وبالله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته » في الثانية ، وفي مفتاح الكرامة نقلت هذه الصورة عن التقي ، ولعل ذلك كله مؤيد للاستحباب عند التأمل وإن كان الأحوط بناء على الوجوب المحافظة على ما في الصحيح ، بل لعل الأولى الاقتصار على الصورة الثانية أعني المشتملة على التسليم ، لاتفاق رواة الصحيح عليها إلا بزيادة الواو وعدمها ، وقد جزم المولى الأكبر بأن الأصح ترك الواو دون الأولى لاختلافهم فيها كما عرفت وإن كان الأقوى التخيير بين الجميع بناء على أن اختلاف النسخ كاختلاف الأخبار.

ويجبان على الفور عرفا كما صرح به بعضهم ، بل قد يشعر ما في شرح المولى الأكبر بالإجماع عليه ، كما أنه في الذخيرة والكفاية نسب وجوب المبادرة إليهما قبل فعل المنافي للأصحاب مشعرين بدعوى الإجماع عليه ، لأنه المنساق والمتيقن من الأدلة بل لعله الظاهر من لفظ « بعد السلام » في بعضها (٢) و « أنت جالس » في آخر (٣)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٨.

٤٥٥

و « بعد السلام وقبل الكلام » في ثالث (١) ونحو ذلك مما هو ظاهر كمال الظهور في ذلك ، بل قيل : إنه قضية الفاء المفيدة للتعقيب بلا مهلة ، وإن كان هو لا يخلو من نظر كاستفادة عدم الفورية من العطف بثم في بعض الأخبار (٢) إذ لا ريب في إرادة مجرد الترتيب منها ، وعلى كل حال فما عن ظاهر إرشاد الجعفرية من التأمل في الفورية في غير محله.

نعم لا يقدح فيها التأخر في الجملة مما لا ينافي الفورية عرفا ولا التأخر لتحصيل شرائطهما من الطهارة والستر ونحوهما ، إذ الاشتغال بمقدماته اشتغال به ، فلا تنافي الفورية نعم بناء على استحباب مثل ذلك فيهما لا الشرطية يشكل جواز تأخيرهما للاشتغال بتلك المقدمات ، لكن قضية حكمهم برجحانها لهما جواز التأخير لها أيضا وإن كانت مستحبة اللهم إلا أن ينزل على إرادة استحباب إيقاعهما باقيا على حال الصلاة بمعنى أنه لا يحدث عمدا أو يرمي الساتر أو نحو ذلك لا أنه يستحب استئناف مثل ذلك لهما لو اتفق ذهاب تلك الحالة أو أنه أذهبها عمدا ، وإلا لاتجه القول حينئذ باشتراط السجدتين بهذه الأمور كي لا ينافي الفورية ، ضرورة أنه أولى من دعوى كون المراد بالفورية ما لا ينافيها وإن لم تكن هي شرائط لهما ، لعدم دليل يرتكب بسببه هذا التصرف في الفورية التي هي ظاهر الأدلة ومقتضى أصالة إرادة الحقيقة فيها ، وإن كان قد يخدش ذلك بعدم صلاحية مثل هذا الأصل والظهور في الفورية لإثبات حكم شرعي هو اشتراطهما بالطهارة مثلا لثبوت جواز فعلها لهما ، ولا يمكن مجامعة ذلك للفورية الحقيقية إلا بأن تكون الطهارة مثلا شرطا لها كي لا تنافي الفورية ، إذ هو كما ترى لا يحصل منه الظن بالحكم ، ولا هو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ١.

٤٥٦

طريق متعارف لإفادته ، فالمتجه حينئذ الحكم بالفورية والحكم بجواز الطهارة لهما لو ثبت بإجماع ونحوه من غير تعرض للشرطية وعدمها ، فيحتمل أنه شرط وتبقى الفورية على حالها ، ويحتمل أنه غير شرط إلا أنه جاز تقديمه عليه لأنه مكمل ، فيراد بالفورية حينئذ ما لا ينافي نحو ذلك ، ولما استظهرنا هناك عدم الشرطية كان المتجه عندنا الثاني ، إلا أنه لم يثبت عندنا جواز فعل الطهارة لهما ، لما عرفته من الاحتمال السابق قريبا ، بل لعل ظاهر الأدلة خصوصا الخبر (١) الآمر بفعلهما متى ذكرهما لو نسيهما خلافه ، بل وأدلة الفورية أيضا ، فتأمل جيدا ، هذا.

ولكن من المعلوم أنه لا تلازم بين فورية السجدتين وبين بطلان الصلاة إذا لم يسجد فلو أهملهما عمدا أو نسيهما لم تبطل الصلاة كما هو المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا ، بل لا أجد فيه خلافا إلا من الشيخ في الخلاف ، فقال فيه على ما حكي عنه : هما واجبتان وشرط في صحة الصلاة كما عن بعض العامة ، وتبعه المولى الأكبر في شرح المفاتيح ، بل قيل : إنه قد يظهر من المعتبر موافقته أيضا ، ولا ريب في ضعفه ، للأصل بناء على التحقيق من جريانه في العبادة ، وظهور الأدلة في تمامية الصلاة أجزاء وشرائط ، وعدم توقف صحتها بعد على شي‌ء آخر وإن وجب السجدتان إرغاما لأنف الشيطان ، وإطلاق ما دل على صحة الصلاة مع الكلام نسيانا أو القيام في محل القعود أو غير ذلك من موجبات السجود سجد أو لم يسجد ، ولأن الشيخ وإن قال بالشرطية لكنه وافق على وجوب سجود السهو وإن طال الزمان لو نسيهما ، لما ستعرف ؛ ولذا تعجب منه في المختلف ، ولعله لأن قضية الشرطية فساد الصلاة ، فلا يجامع الوجوب المزبور ، إلا أنه قد يدفع بالفرق بين العمد والنسيان ، فيخص البطلان بالأول دون الثاني ، لكنه بعيد بل ممنوع أو يدفع بأن المقتضي للبطلان الترك بالمرة لا التأخير وإن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٢.

٤٥٧

عصى به في العمد بناء على الفورية ، فتبقى حينئذ صحة الصلاة مراعاة إلى حين الموت ، فان جاء بهما صحت ، وإلا بطلت ووجب قضاؤها عنه حتى لو كان تركه لهما نسيانا ، وهو كما ترى مع بعده في نفسه جدا لا يساعد عليه دليل ، بل ظاهر الأدلة خلافه.

فما في شرح المولى الأكبر للمفاتيح ـ من موافقة الشيخ في البطلان ناسبا له إلى ظاهر غيره من الأصحاب ، لقولهم : يجب السجدتان لكذا ، ومستدلا عليه بظاهر النصوص التي يستفاد الشرطية غالبا من أمثالها ، خصوصا ما جعل فيها تداركا لسهو ، إذ المتبادر من إيجاب شي‌ء عند وقوع خلل كونه تداركا وعلاجا ، فإذا لم يأت به لم يكن آتيا بالمأمور به على وجهه ، وخصوصا بعد زيادة التأكيد فيها في المبادرة إلى فعلها ، وأنها بعد السلام وقبل الكلام وأنت جالس وإذا سلمت ونحو ذلك مما هو ظاهر في أن وقتهما هذا لا مدة العمر ، وبتوقف البراءة اليقينية عن الشغل اليقيني على فعلهما ـ لا يخلو من نظر من وجوه ، مع أن ظاهره الإبطال في صورتي العمد والنسيان بمجرد التأخير عن وقت الفورية ، وكأنه مخالف للمجمع عليه حتى من الشيخ ، إذ قد عرفت أنه وإن كان قائلا بالبطلان لكنه وافق المصنف وغيره من الأصحاب في أن عليه الإتيان بهما ولو طالت المدة لعدم ظهور التوقيت من الأخبار المزبورة ، بل هي مجرد فورية كما لا يخفى على من لاحظها ، خصوصا بعد فهم الأصحاب وبعد التأييد بموثق عمار (١) سئل الصادق عليه‌السلام « عن الرجل إذا سها في الصلاة فينسى أن يسجد سجدتي السهو ، قال : يسجدها متى ذكر ، وعن الرجل يسهو في صلاته فلا يذكر حتى يصلي الفجر كيف يصنع؟ قال : لا يسجد سجدتي السهو حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها » واحتمال طرحه لاشتماله على غير ما نحن فيه من الأحكام التي لا يقول بها الأصحاب ـ بعد أن كان حجة في نفسه ، ومعمولا به بين الأصحاب هنا ولا معارض صريح له ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٢.

٤٥٨

بل ولا ظاهر لا ينبغي أن يصغى اليه ، كاحتمال قصر ذلك على صورة النسيان خاصة ، مع أني لا أعرف قائلا به ، بل كأنه خرق للإجماع أيضا ، فلا ريب في عدم توقيتهما بما ذكر.

نعم يجبان فورا كما عرفت ، فيأثم لو أخرهما عمدا ويأتي بهما في ثاني الأوقات أو ثالثها كما لو نسي ، ولا تسقط الفورية أيضا بالتأخير كما هو ظاهر الموثق والفتاوى إن لم نقل إن الأصل في كل واجب فوري ذلك ، ولا ينافيه ما في ذيله من التأخير حتى تطلع الشمس ، إذ هو إن لم نطرحه في خصوص ذلك كما هو ظاهر إطلاق الأصحاب ، أو لم نحمله على ما لا ينافي الفورية عرفا بأن كانت صلاة الفجر قريبا من طلوع الشمس وجب الاقتصار عليه خاصة كالتأخير لتحصيل الطهارة والساتر ونحوهما مما يحصل به كما لهما بناء على عدم شرطيتهما بذلك وعلى جواز التأخير لها لو كان المكلف فاقدا لها ، فتأمل.

وكذا لا ريب في عدم توقف الصحة على فعلهما رأسا ، لما عرفت مما لا يصلح معارضة ما ذكره له من تلك الاشعارات المعارضة بمثلها ، بل أقوى منها ، خصوصا بعد ملاحظة فتاوى الأصحاب ، لا أقل من الشك ، وما شك في شرطيته عندنا ليس بشرط ودعوى أنهما ليسا من الشرائط ـ لأنهما لتدارك أمر داخل في الصلاة ، فيكونان داخلين فيها ، إذ ما كان عوض الداخل داخل ـ لا محصل لها عند التأمل ، على أن التحقيق عندنا مساواة الأجزاء للشرائط في الانتفاء عند الشك ، والله أعلم.

٤٥٩

إلى هنا تم الجزء الثاني عشر من كتاب جواهر الكلام بحمد الله ،

وقد بذلنا غاية الجهد في تصحيحه ومقابلته للنسخة الأصلية

المخطوطة بقلم المصنف قدس روحه الشريف ،

وقد خرج بعون الله خاليا عن الأغلاط

إلا نزرا زهيدا زاغ عنه البصر

وحسر عنه النظر ، ويتلوه

الجزء الثالث عشر

في قضاء الصلوات

إن شاء الله

تعالى

عباس القوچاني‌

٤٦٠