جواهر الكلام - ج ١٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الشك في ركوع الأولى مثلا لا يكون كذلك بالنسبة للثانية ، كما هو محتمل أيضا بالنسبة إلى الفرائض ، فمن كان كثير الشك في ركوع ركعات الصبح مثلا لا يتعدى منه بالنسبة إلى الظهر.

ومما ذكرنا يظهر الحكم فيما لو كان كثير الشك في الشي‌ء حيث لا حكم له كأن يشك في الركوع مثلا بعد تجاوز المحل ، أو يشك كم صلى بعد الفراغ ونحو ذلك ، فإنه لا يكون بذلك كثير الشك لا فيه ولا في غيره ، فلو شك في الركوع قبل التجاوز تلافى لما سمعت سابقا ، وللأمر بالمضي في الصلاة الظاهر في عدم الالتفات حيث يكون له حكم ، بحيث لو لم يكن كثيرا لجاء به ، ولو لا فهم الأصحاب التعميم لمطلق الشك لأمكن الاستظهار من بعض الأدلة قصر الحكم أعني عدم الالتفات في الشك المفسد الموجب للإعادة ، لا فيما جعل الشارع له علاجا ، كالشك بين الثلاث والأربع مثلا.

والمدار على كثرة السهو في الصلاة لا الكثرة في نفسها ، فمن كان كثير السهو في نفسها إلا أنه في الصلاة ليس كذلك جرى عليه حكمه ، كما ينبئ عنه الموثق (١) المتقدم وغيره ، فتأمل.

ثم الذي يظهر من أدلة المقام أنه لا يجب على كثير السهو ضبط صلاته بنصب قيم أو بالحصى أو بالخاتم ونحو ذلك من التخفيف وغيره وإن كان متمكنا منه ، حتى لو علم أنه يعرض له ذلك في صلاة يريد أن يشرع بها لم يجب عليه ذلك ، وما في بعض الأخبار (٢) من الأمر بالادراج لكثير السهو أي ثلاث تسبيحات في الركوع والسجود كناية عن التخفيف ، والأمر بالإحصاء بالحصى محمول على إرادة بيان علاج‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٣ والباب ٢٨ منها.

٤٢١

السهو ، أو ان (١) ذلك مما ينبغي ، كما يشعر به‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر الحلبي (٢) : « ينبغي تخفيف الصلاة من أجل السهو » ونفي البأس في‌ خبر المعلى (٣) سأل الصادق عليه‌السلام فقال له : « إني رجل كثير السهو فما أحفظ صلاتي إلا بخاتم أحوله من مكان إلى مكان ، فقال : لا بأس به ».

أما من كان كثير الظن أو القطع فالظاهر البناء على ظنه وقطعه إلا إذا كان ما استفاد منه الظن أو القطع معلوما وكان لا يستفاد منه ذلك عند العقلاء ، فإنه حينئذ يشكل البناء عليه.

ويرجع في تحقق مسمى الكثرة إلى ما يسمى في العادة كثيرا كما صرح به جملة من الأصحاب ، بل قيل : إنه مذهب الأكثر ، كأن يسهو مثلا في كثير من أفعال صلاة واحدة أو يشك فيها شكا مفسدا فيعيدها فيشك ذلك الشك وهكذا ، لأنها المحكمة فيما لم يرد فيه بيان من الشارع ، وتحديده بالثلاث في‌ الصحيح (٤) عن الصادق عليه‌السلام قال : « إذا كان الرجل ممن يسهو في كل ثلاث فهو ممن كثر عليه السهو » مع ما فيه من الاجمال المسقط للاستدلال قد قيل : إن أظهر ما يراد منه أن لا يسلم من سهوه ثلاث صلوات متتالية ، وهو غير مناف للعرف ، بل لعله بيان له وليس حصرا ، لكن فيه أن مجرد تحقق السهو في ثلاث لا يتحقق به الكثرة مع اختلاف المحل ، فلعل الأولى إرادة السهو في كل شي‌ء من جزء أو غيره ثلاث مرات :

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصواب « وأن » وإلا لزم أن يكون ما قبل « أو » على وجه الوجوب.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٢ وهو خبر حبيب بن المعلى.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٧.

٤٢٢

أي بأن يسهو في الركوع مثلا ثلاث مرات ولو في ضمن ثلاث صلوات مع احتمال الاقتصار على الفريضة الواحدة ، لكن الأقوى خلافه خلافا للمنقول عن ابن حمزة من تحقق الكثرة بأن يسهو ثلاث مرات متوالية ، ولعل مراده في شي‌ء واحد كالركوع مثلا من غير تخلل ركوع معلوم الذكر ، ولا يريد الحصر بل يكون بيانا لبعض مصداق العرف ، وإلا فلا حجة له سوى ما سمعت من الرواية على إجمالها.

ولعله الذي أراده المصنف بقوله وقيل بأن يسهو ثلاثا في فريضة إذ لم أعثر على من نقل هذا غيره ، ولابن إدريس (١) فتحقق بأن يسهو في شي‌ء واحد أو فريضة واحدة ثلاث مرات أو في أكثر الخمس أعني الثلاث فيها ، فيسقط في الفريضة الرابعة ، وهو الذي أشار المصنف اليه بقوله وقيل بأن يسهو مرة في ثلاث فرائض ولا مستند له فيما أجد سوى ما سمعت ، ولعل مراده بيان تحديد العرف ، فيرتفع النزاع وإن كان في انطباقه إشكال والأول أظهر لما عرفت ، ولو شك في تحقق الكثرة بنى على عدمها للأصل ، كما لو شك في زوالها بعد تحققها لذلك ، إذ كما أن المرجع في تحققها إلى العرف كذلك هو المرجع في زوالها بحيث يصدق عليه أنه ليس كثير الشك في ذلك ، نعم على تقدير التحديد بالثلاث يحتمل أن يكون المدار في زوالها على سلامة الثلاث أيضا ، فتأمل جيدا.

المسألة الخامسة من شك في عدد النافلة بنى على الأكثر أو الأقل مخيرا بينهما كما صرح به جماعة ، بل في المصابيح وعن المعتبر الإجماع عليه ، بل في الرياض إجماعا على الظاهر المصرح به في جملة من العبائر مستفيضا ، بل في مفتاح الكرامة عن الأمالي عد من دين الإمامية أن لا سهو في النافلة ، فمن سها فيها بنى على ما شاء ، بل فيه أيضا عن ظاهر التهذيب الإجماع عليه أيضا ، حيث قال : « عندنا » بل ربما حكي‌

__________________

(١) معطوف على قوله ( قده ) : « للمنقول عن ابن حمزة ».

٤٢٣

أيضا عن المنتهى الإجماع عليه مستثنيا ابن بابويه حيث جوز البناء على الأقل والإعادة إلا أني لم أجد شيئا من الإجماع والاستثناء فيه ، وظني أنه وهم.

نعم في التذكرة « لا حكم للسهو في النافلة ، ولو شك في عددها بنى على الأقل استحبابا ، وإن بنى على الأكثر جاز ، ولا يجبر سهوه بركعة ولا سجود عند علمائنا أجمع » وقد يستفاد من تفريعه حكم الشك على نفي حكم السهو في النافلة نحو ما سمعته من الأمالي بل وغيرها من عباراتهم أنه المراد أو بعضه من مثل هذه العبارة ، فيكون حينئذ معقد إجماع الغنية حيث حكاه على نفي حكمه في النافلة وكثير الشك وجبر السهو وغيرها بل والخلاف أيضا ، حيث قال : « لا سهو في النافلة ، وبه قال ابن سيرين ، وقال باقي الفقهاء : حكم النافلة حكم الفريضة فيما يوجب السهو ، دليلنا إجماع الفرقة ، وأيضا الأصل براءة الذمة ، فمن أوجب حكما فعليه الدليل ، وأخبارنا في ذلك أكثر من أن تحصى » انتهى.

بل ومنه تظهر دلالة‌ صحيح ابن مسلم (١) عن أحدهما عليهما‌السلام عليه أيضا ، قال : « سألته عن السهو في النافلة فقال : ليس عليك شي‌ء » أو « سهو » على ما عن نسخة أخرى المعتضد‌ بالخبر (٢) « لا سهو في نافلة » إذ المراد بالسهو فيه الغفلة الشاملة لحال الشك ، كما هو ظاهر غيره من الأخبار التي عبرت به عنه كما تسمع بعضها فنفيه حينئذ على إحدى النسختين الذي يراد به نفي حكمه أو نفي شي‌ء عليه على النسخة الأخرى ظاهر في إرادة التعريض به لحكم الفريضة التي يكون حكمه فيها الجبر بعد البناء على الأكثر إن كانت رباعية ، والبطلان إن كانت ثنائية ، فالنفي حينئذ شامل لهما أي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ١.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٢.

٤٢٤

لا بطلان ولا جبر مع البناء على الأكثر ، لكن تنحصر حينئذ دلالته على البناء على الأكثر ولعله الذي فهمه منه الكليني ، ولذا قال بعد روايته الصحيح المزبور : وروي أنه إذا سها في النافلة بنى على الأقل ، إلا أنه لا بأس به للاكتفاء في جواز البناء على الأقل حينئذ بالأصل والمرسل المزبور بعد صرف ظهور تعيين البناء فيه على الأقل إلى التخيير جمعا أو الأفضلية ونحوها ، أو يقال : إن التخيير لازم للنفي المذكور في الصحيح المزبور ، ضرورة اندراج ما عداه من البطلان أو تعين الأكثر أو الأقل في المنفي على النسختين ، سيما الأولى منهما ، لصدق وجوب شي‌ء حينئذ عليه وكونه حكما للسهو ، ولعله لذا استدل بالصحيح المزبور في مصابيح العلامة الطباطبائي على التخيير بعد الإجماع كما أنه أيده به في المنتهى.

وكيف كان فما عساه يلوح من المدارك بل والذخيرة ـ من التوقف في جواز البناء على الأكثر ، لوضوح ضعف ما ذكره بعضهم دليلا له من جواز قطع النافلة اختيارا الذي من المعلوم صدور مثل ذلك منهم عند وضوح الحكم في المسألة ـ مما لا يصغى اليه بعد ما عرفت ، مضافا إلى إمكان دعوى استفادة جواز البناء على الأكثر هنا من ثبوته في الفريضة ، بل ربما كان في أدلته هناك ما يشمل المقام ، فلا ينبغي التوقف حينئذ في التخيير.

ولكن إن بنى على الأقل كان أفضل كما صرح به غير واحد ، بل في الرياض لا خلاف فيه يظهر ، بل قد يظهر من الذخيرة وعن غيرها الإجماع عليه ، بل في المدارك لا ريب فيه ، بل في المصابيح وعن المعتبر الإجماع عليه صريحا عملا باليقين وأخذا بالأشق ، وللمرسل السابق ، بل يتعين البناء على الأقل حيث لا يصح الأكثر كما صرح به بعضهم فيما إذا شك في الموظف والزائد أو الزائد والناقص حتى لو قلنا بجواز قطع النافلة ، فإن القطع غير البناء ، وإطلاق الأصحاب التخيير منزل على غير ذلك مما يصح الفعل بكل منهما قطعا ، فما عن بعضهم ـ من احتمال إبقاء الإطلاق على حاله بحيث يشمل‌

٤٢٥

الأقل والأكثر مع الصحة وعدمها ، ويتعين عليه حينئذ الإعادة لو اختار الثاني ـ كما ترى ضعيف جدا ، خصوصا لو قلنا بحرمة قطع النافلة ، فلو شك في الوتر حينئذ بنى على الركعة ولم تبطل بالإجماع المحكي في المصابيح إن لم يكن محصلا ، لكن في المعتبرة (١) الأمر بإعادتها مع الشك ، وينبغي حملها على الوجوب بالعارض أو على إعادتها بالشك بين الاثنتين والثلاث في الثلاثة المفصولة ، فإنه حينئذ شك في وقوع المفردة ، فتعاد كما يعاد غيرها من النوافل بالشك في الوقوع ، إذ احتمال إرادة التخيير أيضا بالنسبة إليه بحيث لو شك في أنه صلى من نوافل الزوال أو صلاة الليل مثلا أربعا أو ستة كان مخيرا أيضا بعيد جدا ، بل كأنه مقطوع بعدمه.

نعم لا فرق في الحكم المزبور بين النوافل كلها ثنائيها كما هو المعظم منها وثلاثيها كالوتر على القول بأنها ثلاث ركعات يجوز فيها الوصل ورباعيها كما في صلاة الأعرابي بل وصلاة جعفر عليه‌السلام على ما أرسل عن بعض القول به فيهما ، بل عن الشيخ أنه روى في المصباح في صلاة ليلة الجمعة صلاة أربع ركعات لا يفرق بينها وإحدى عشر ركعة بتسليمة واحدة وإن كان في ذلك منع ليس ذا محله ، بل قيل : إن المشهور المجمع عليه في السرائر المعهود في الشرع تثنية سائر النوافل عدا الوتر وصلاة الأعرابي ، للأمر بالفصل بالتسليم في الكل ، والنهي عن الوصل بينها في النص ، ولتمام البحث فيه محل آخر.

وكيف كان فيندرج هنا في النافلة حيث كان المراد بها ما قابل الفريضة بالنسبة للتخيير المذكور صلاة العيد مع اختلال شرائط الوجوب كما صرح به العلامة الطباطبائي في مصابيحه ، بل عن الشهيد الثاني رحمه‌الله التصريح به في الروض معللا له بأنها نافلة في هذا الحال ، بل قيل : إنه مقتضى كلام الفاضلين أيضا وغيرهما حيث قيدوا بطلانها بالشك إذا كانت فرضا ، بل في المصابيح التصريح باندراج المعادة ندبا بإدراك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٧ و ١٤ و ١٥.

٤٢٦

الجماعة أو احتمال الخلل أو وجود المخالف أو غيرها من الأسباب المخصوصة المقتضية لاستحباب الإعادة في مواردها المنصوصة يومية كانت أو غيرها كالكسوف المعادة قبل الانجلاء في حكم النافلة أيضا ، بل قال فيها : « وكذلك الصلوات المتبرع بها عن الأموات والواقعة بالمعاطاة من غير لزوم » ولعله لإطلاق النص والفتوى ، فإنها في جميع ذلك نافلة وليست بفريضة وإن لم نشترط في صدق المشتق بقاء المبدأ ، لاختلاف الموضوع في الصلاتين ، فإن المعادة غير الأولى ، والواقعة نفلا غير الواقعة فرضا ، مع طريان الوصف المضاد المانع من الصدق على تقدير الاتحاد.

لكن لا يخفى عليك أن ذلك جميعه محل للنظر والتأمل خصوصا اليومية منها ، وخصوصا التبرعية والاحتياطية منها ، للشك في تناول الإطلاق لها ، بل قد يدعى ظهور سائر أدلة أحكام الشك ونحوها في تعلقها بذوات هذه الصلوات من غير مدخلية للفرض والنفل فيها حتى لو وقعت من الصبي بناء على شرعية عباداته كباقي أحكام السهو والنسيان والزيادة والنقصان وقراءة السورة واشتراط القيام والاستقبال والاستقرار وحرمة القطع ونحوها ، كما لا يخفى على من لاحظها ، بل ليس في شي‌ء منها ظهور في لحوق شي‌ء من أحكام الشك للفريضة من حيث كونها فريضة ، بل إن كان ذكر مثل هذا الوصف في شي‌ء منها فهو خارج مخرج الغالب ، على أن في جملة من نصوص الشك (١) تعليق الحكم على اسم المغرب والغداة ونحوهما الشامل للفرض والنفل ، ودعوى ظهورها في الأول ليس بأولى من دعوى ظهور النافلة في غيرها ، لا أقل من ثبوت التعارض المقتضي لمراعاة الاحتياط ، إذ ترجيح إطلاق النفل عليه بالأصل والعمومات وظاهر الأصحاب وثبوت حكم النافلة لما يستحب من سائر الصلوات كالعيد والكسوف والطواف وحكم الفريضة للنافلة الملتزمة بالنذر وغيره الذي يفهم منه دوران حكم الشك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

٤٢٧

على وجوب المشكوك فيه وندبه من غير فرق بين اليومية وغيرها كما ترى بين معارض وبين ممنوع ، بل لا يبعد دعوى نظير ذلك في النافلة أيضا ، فيقال بثبوت جميع أحكامها لها وإن عرض لها الوجوب بنذر أو أمر سيد أو والد أو إجارة أو نحوها ، إلا ما علم تبعيته للنفل من حيث كونه نفلا كالتطوع في الوقت ونحوه لا غيره مما علم عدمه ، أو لم يعلم كالشك وعدم وجوب قراءة السورة ونحوه ، خصوصا الأحكام الموافقة للأصل الذي ينبغي الرجوع اليه عند الشك في شمول كل من دليلي الفريضة والنافلة لها ، ودعوى ظهور التعليق على النافلة في العدم عند عدم الوصف ـ وإن سلم عدم ظهوره في ذلك فلا ريب في عدم استفادة مساواة حكم المفهوم للمنطوق منه ـ يدفعها عدم حجية مفهوم الوصف أولا وخصوص الخارج مخرج الغالب منه ، وخصوصا بالنسبة إلى زائل الوصف من موضوع المنطوق ، بل الظاهر في مثله جريان الاستصحاب بعد الشك في مدخلية الوصف في الحكم لاحتمال إرادة ذات الموضوع غير المقيد بدوام الوصف ، بل لعل أكثر موارد الاستصحاب من هذا القبيل ، وليس هو من تغير الموضوع بعد فرض عدم معلومية مدخلية الوصف فيه ، كما أنه لا يحتاج بعد الاستصحاب في ثبوت الحكم المزبور إلى دعوى صدق المشتق ، ضرورة ثبوت الحكم حينئذ وإن صح سلب اسم النافلة عنه ، للاستصحاب الذي لا ينافيه انتفاء حكم المشتق من حيث انتفاء الصدق ، لعدم توقف حجيته على شي‌ء من ذلك ، ولتحريره زيادة على ما سمعت مقام آخر إن شاء الله.

هذا كله في الشك في العدد ، أما الشك في الأفعال فيقوى في النظر مساواة النافلة فيه الفريضة ، فيتدارك مع بقاء المحل ، ولا يلتفت مع خروجه ، وفاقا للمدارك وعن الروض وفوائد الشرائع ، بل تشعر عبارة الرياض بكونه إجماعيا ، تحكيما للقاعدة المستفادة من الأخبار فيه المؤيدة في الجملة بالاعتبار المحكمة غاية الأحكام الظاهرة في عدم الفرق فيه بين النافلة والفريضة ، بل وغيرهما من العبادات وغيرها إلا ما خرج‌

٤٢٨

بالدليل كالوضوء على نفي السهو في الصحيح المتقدم ونحوه لو قلنا بشموله لنحو المقام ، وإلا فقد يمنع ويدعى أن التدارك في المحل ليس من أحكام السهو ، بل هو لأصالة عدم الإتيان بالفعل ، خصوصا إذا لم يتلبس بشي‌ء بعده ، بناء على أن المحل شي‌ء مخصوص لا مطلق الدخول في شي‌ء آخر.

وخلافا للرياض ومحتمل الذخيرة وعن مجمع البرهان فلم يوجبوا التدارك ولو في المحل ركنا أو غيره ، لعموم الصحيح (١) والخبر (٢) وأولويته من العدد ، وفي الأول ما عرفت ، وفي الثاني منع واضح ، وأولى منه تدارك المنسي في محله ، إذ احتمال عدم الالتفات للصحيح المزبور أو البطلان لتوقيفية العبادة في غاية الضعف ، بل لعل الثاني مقطوع بعدمه ، كما أن الأول مبني على عموم السهو فيه للنسيان أيضا ، ولا بأس به ، إذ المراد منه الغفلة كما في المصباح المنير ، وعلى أن تدارك المنسي في المحل من أحكام السهو كي يندرج حينئذ في النفي المذكور ، وهو في حيز المنع ، بل قد يستفاد من‌ خبر الصيقل (٣) عن الصادق عليه‌السلام « في الرجل يصلي الركعتين من الوتر فيقوم فينسى التشهد حتى يركع ، ويذكر وهو راكع قال : يجلس من ركوعه فيتشهد ثم يقوم فيتم ، قال : قلت : أليس قلت في الفريضة : إذا ذكر بعد ما يركع مضى ثم يسجد سجدتين بعد ما ينصرف فيتشهد فيهما؟ قال : ليس النافلة كالفريضة » صحة التدارك بعد الخروج عن المحل ، كخبر الحلبي (٤) « سألته عن رجل سها عن ركعتين من النافلة فلم يجلس بينهما حتى قام فركع في الثالثة قال : يدع ركعة ويجلس ويتشهد ويسلم ثم يستأنف الصلاة بعد » على معنى إلقاء ما في يده من الركن مثلا ثم يتدارك المنسي ثم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ١.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٤.

٤٢٩

يستأنف أفعالا أخر غير الأولى ، لكن في الموجز « أنه إذا سها في ركعتي الغفيلة عن قراءة الآي الموظف لها حتى ركع قرأ الآي في ركوعه إن ذكر وهو راكع ، وفي سجوده إن ذكر وهو ساجد ، ولو لم يذكر حتى رفع رأسه من سجدة الثانية صارت مطلقة ، ويجوز له الاقتصار على ركعة واحدة ويستأنف الغفيلة ، ولو سها عن قنوتها تداركه قبل سجوده ، ويقضيه بعد سلامه ، ويكبر له مستقبلا ، والأفضل قراءة الآي والقنوت عليها » انتهى ، ولم نعرف مدركا لشي‌ء من هذه الأحكام.

نعم يظهر من الخبرين المزبورين أن زيادة الركن سهوا في النافلة غير قادحة ، كما هو صريح الموجز وظاهر الدروس خلافا للمدارك وعن الروض ، بل لعله مندرج في نفي السهو في الصحيح وغيره ، بل قد يتسلق منه إلى عدم قادحية نقصان الركن أيضا نسيانا ولم يذكره إلا بعد تمام النافلة بحيث لا يسعه التدارك أبدا وإن لم أجد أحدا صرح به ، بل في الدروس والمدارك وعن فوائد الشرائع والروض ومجمع البرهان وغيرها ما يقتضي البطلان كما هو صريح الموجز ، ولا بأس به ، لأنه الموافق للاحتياط المطلوب في العبادة التوقيفية ، بل ينبغي مراعاة الاحتياط في سابقه أيضا.

نعم ينبغي الجزم بنفي سجدتي السهو لما يوجبها كما صرح به في المنتهى والمدارك وغيرهما ، بل هو بعض معاقد الإجماعات السابقة ، بل في الرياض عن ظاهر الأول وصريح الخلاف نفي الخلاف فيه ، بل هو مندرج في نفي السهو في الصحيح وغيره بناء على إرادة الأعم من الشك منه على معنى نفي الموجب بالفتح ، بل لعله المفهوم من الخبرين السابقين أيضا ، كما أنه ينبغي الجزم بنفي مشروعية قضاء ما يقضى في الفريضة فيها من السجدة والتشهد المنسيين ، بل يتداركهما مع الإمكان ، ولا يلتفت مع عدمه ، كما إذا تخلل ما يخرج به عن كونه مصليا ولو لطول الزمان من الفراغ ، بناء على اختلاف الفريضة والنافلة في إمكان تدارك المنسي للخبرين السابقين وإن كان العمل بهما لا يخلو من نظر‌

٤٣٠

خصوصا مع التعدي لغير موردهما ، لكن يستفاد منهما ومن غيرهما من الأخبار سهولة الأمر في النافلة وإن لم تقف بتفصيل ذلك ، كما أنها ما وفت في تمام ما يتعلق بالتخيير بين الأقل والأكثر من بيان حاله لو بنى على الأقل ثم ظهر الأكثر أو العكس بعد الفراغ أو قبله ، وهل تحتسب له أو ينبغي له الإعادة ، وإن كان قد يستفاد حكم بعض ذلك مما ذكرنا ، كما أنه يمكن بعد ما سمعت أولوية ثبوت كل ما شرع في الفريضة مما هو مناسب للتخفيف في النافلة ، فتأمل جيدا.

( خاتمة في سجدتي السهو‌ )

وهما واجبتان حيث ذكرناه وزيادة فيمن تكلم في الصلاة ساهيا ولو لظن الخروج منها أو سلم في غير موضعه كذلك على المشهور بين الأصحاب قديما وحديثا نقلا وتحصيلا ، بل في الفقيه والمنتهى وعن ظاهر الشافية وصريح النجيبية بل وآراء التلخيص على ما عن غاية المراد الإجماع عليه فيهما ، كما عن الحسن بن عيسى على ما في المختلف نسبة أولهما إلى آل الرسول عليهم‌السلام وهو الحجة بعد‌ صحيح ابن الحجاج (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتكلم ناسيا في الصلاة يقول : أقيموا صفوفكم ، فقال : يتم صلاته ثم يسجد سجدتين » وابن أبي يعفور (٢) الوارد في الشك بين الثنتين والأربع عن الصادق عليه‌السلام ، قال فيه : « وإن تكلم فليسجد سجدتي السهو » بل وسعيد الأعرج (٣) المشتمل على قصة ذي الشمالين عن الصادق عليه‌السلام ، قال فيه : « وسجد سجدتين لمكان الكلام » ومنه حينئذ يظهر دلالة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ١٦.

٤٣١

غيره من الأخبار المشتملة على ذكر فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إياهما فقط من دون بيان أنه للكلام أو للسلام أو لهما ، بل وموثق عمار (١) عن الصادق عليه‌السلام « عن الرجل إذا أراد أن يقعد فقام ثم ذكر من قبل أن يقدم شيئا أو يحدث شيئا قال : ليس عليه سجدتا السهو حتى يتكلم بشي‌ء » وصحيح العيص (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي ركعة من صلاته حتى فرغ منها ثم ذكر أنه لم يركع قال : يقوم فيركع ويسجد سجدتين » وموثق عمار (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل صلى ثلاث ركعات وهو يظن أنها أربع فلما سلم ذكر أنها ثلاث قال : يبني على صلاته متى ذكر ويصلي ركعة ويتشهد ويسلم ويسجد سجدتي السهو وقد جازت صلاته » إلى غير ذلك.

فما عن ظاهر الصدوقين والجعفي ـ من عدم الوجوب فيهما ، بل ربما مال إليه في الثاني المدارك ، بل لعله أيضا ظاهر اقتصار الحسن بن عيسى والمفيد وعلم الهدى وابن حمزة وسلار في المحكي عنهم على الكلام ناسيا من غير ذكر السلام معه عكس المحكي عن أبي علي في الذكرى ـ ضعيف جدا ، بعد الإغضاء عن ضعف هذا الاستظهار الذي منشأه الاقتصار ، بل عن الفقيه وبعض نسخ المقنع النص على الكلام المحتمل إرادته منه ما يشمل السلام نحو كلام أولئك الأعلام ، كما نفي عنه الريب في الذكرى ، بل لعل ذكر السلام في كلام أبي علي مثالا للكلام ، فيرتفع النزاع حينئذ في المقام ، ويمكن دعوى الشهادة على أن ذلك الإجماع تام ، على أنا لم نعثر لشي‌ء مما ذكر على دليل قاطع للعذر سوى الأصل المعلوم عدم صلاحيته لمعارضة بعض ما تقدم فضلا عن جميعه ، وقوله عليه‌السلام (٤) :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث ٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث ١٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث ٥.

٤٣٢

« لا شي‌ء عليه » في بعض المعتبرة الواجب تخصيصه بتلك الأدلة كما هو قضية أصول المذهب ، لا حملها على الاستحباب من جهته المستلزم ترجيح الأضعف من وجوه على الأقوى من وجوه ، كما هو واضح.

أو شك بين الأربع والخمس وفاقا لصريح جماعة من الأصحاب ، بل في المقاصد والذخيرة أنه المشهور ، وفي السرائر نسبته إلى الأكثرين المحققين ، بل في المفاتيح نفي الخلاف فيه ، كما عن مجمع البرهان نفي الشك فيه ، بل في الغنية الإجماع عليه كما عن الحسن بن عيسى نسبته إلى آل الرسول عليهم‌السلام للمعتبرة ، كصحيح عبد الله بن سنان (١) عن الصادق عليه‌السلام « إذا كنت لا تدري أربعا صليت أم خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثم سلم بعدهما » وصحيح الحلبي (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا أم نقصت أم زدت فتشهد وسلم واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة تتشهد فيهما تتشهدا خفيفا » وغيرهما ، لكنها كما ترى ظاهرة بمعونة المضي في « صليت » فيها والاقتصار على ذكر التشهد والتسليم وغيرهما في وقوع الشك في ذلك بعد إكمال الركعة برفع الرأس من سجودها الأخير أو بتمام الذكر أو بوضع الرأس على المسجد لا قبله ، ولا بأس به بناء على انحصار الصحة في هذا الشك بذلك كما سمعته سابقا ، ضرورة عدم السجود حينئذ للفاسد ، أما على القول بالصحة حتى لو كان قبل السجدتين أو بينهما أو حال الركوع أو بعده بأن يكمل الركعة حينئذ ويندرج في النصوص فلا يبعد حينئذ القول بوجوب سجود السهو أيضا إذ هو فرع الاندراج ، لصدق عدم علمه بأنه صلى أربعا أو خمسا بعد أن أكمل الركعة إلا أنك قد عرفت فيما مضى أن الأصح الفساد في ذلك كله.

نعم لو كان الشك قبل الركوع صح ، لكن بالعلاج في إرجاعه للشك بين‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٤.

٤٣٣

الثلاث والأربع بأن يهدم قيامه ، فسجود السهو حينئذ لو كان لزيادة القيام أو احتماله لا للشك بين الأربع والخمس ، كما أنه يصح أيضا لو كان شكه بين الخامسة والسادسة قبل الركوع بأن يهدم ويرجع شكه إلى ما بين الأربع والخمس ، ويجب عليه حينئذ سجودان للسهو ، لزيادة القيام حينئذ ، وللشك بناء على تعدده بتعدد السبب ، كما هو واضح ، وقد تقدم الكلام سابقا فيما يصح من صور الشك بين الأربع والخمس ويفسد ، وكيف كان فما عساه يظهر من حصر بعضهم موجبات السجود في غيره أو كالحصر من عدم الوجوب فيما نحن فيه ضعيف جدا ، كما هو واضح ، فلاحظ وتأمل.

وقيل والقائل بعض أصحابنا كما في الخلاف تجب سجدتا السهو في كل زيادة في الصلاة ونقيصة منها إذا لم يكن مبطلا إلا أنا لم نعرف قائله صريحا قبل المصنف ، بل أطلق في الدروس عدم معرفة قائله ومأخذه ، كما أنه أطلق في الذخيرة والرياض أن المشهور عدم الوجوب لذلك من غير تقييد بين المتقدمين أو غيرهم ، لكن عن الجواهر المضيئة « أن المشهور وجوبهما لكل زيادة ونقصان » بل عن غاية المرام « أن الذي عليه المتأخرون وجوبهما في كل موضع لو فعله أو تركه عمدا بطلت صلاته » فيخرج حينئذ نسيان القنوت وفعل الذكر والدعاء بغير قصد ونحوهما مما لا يقدح عمدا وفي المقاصد بعد نقل ذلك عن بعضهم « أن النص والفتوى مطلقان ».

وعلى كل حال فالوجوب خيرة المختلف والتذكرة والتحرير والإرشاد في احتمال واللمعة والموجز والجعفرية والذكرى وفوائد الشرائع والروضة والمقاصد العلية وعن الإيضاح والهلالية والسهوية وتعليق النافع والتنقيح وإرشاد الجعفرية والغرية والدرة السنية والجواهر المضيئة وظاهر غاية المراد أو صريحه ، ومال اليه على ما قيل في المهذب البارع ، وقد سمعت أنه حكاه في الخلاف عن بعض أصحابنا ، وكأنه تردد فيه المصنف هنا بل ومعتبره ، ونسبه بعضهم إلى الصدوق أيضا ، وكأنه يقرب إليه في الجملة ما عن‌

٤٣٤

المفيد من وجوبهما على من لم يدر زاد سجدة أو نقص سجدة أو زاد ركوعا أو نقص ركوعا ولم يتيقن ذلك وكان شكه فيه حاصلا بعد مضي وقته وهو في الصلاة ، وما عن التقي من إيجابهما للشك في كمال الفرض وزيادة ركعة واللحن في الصلاة نسيانا ، بل ربما يستفاد من المحكي في الذكرى في مسألة محل السجدتين عن أبي علي أيضا إن لم يكن ظاهره أو صريحه ، فمن العجيب ما سمعته من الدروس مع أنه خيرة الفاضل قبله وخيرته نفسه فيما سمعته من كتبه ، بل قد سمعت أنه حكي عن الصدوق أيضا ، وربما استفيد من المحكي عن أبي علي كما عرفت.

ولا ريب في أنه أحوط إن لم يكن أقوى لمرسل ابن أبي عمير عن سفيان بن السمط (١) عن الصادق عليه‌السلام « تسجد سجدتي السهو في كل زيادة تدخل عليك أو نقصان » وهو وإن كان مرسلا إلا أن المرسل ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه ، فهو صحيح بناء على إرادة عدم قدح جهالة من بعده من هذه العبارة ، وأيضا مراسيل ابن أبي عمير بحكم المسانيد ، لأنه ممن لا يروي إلا عن الثقة ، فسفيان ابن السمط حينئذ ثقة عنده وعند غيره من العصابة وإن كان مجهولا عندنا الآن ، فتأمل وصحيح الحلبي (٢) المتقدم بناء على كون المعطوف عليه فيه فعل الشرط لا معمول « درى » بل وإن قلنا بذلك أيضا ، والمرسل في المحكي من عبارة ابن الجنيد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « من ترك شيئا من صلاته فليسجد سجدتي السهو بعد سلامه » إما لأولوية العلم من الشك أو لعدم القول بالفصل صريحا ، أو لأن المراد منه بقرينة استقراء أمثاله من التراكيب الشك في خصوصية الزيادة والنقصان بعد القطع بوقوع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٤.

٤٣٥

أحدهما لا الشك في أصل وقوع كل منهما وعدمه ، فيكون السجود حينئذ للعلم بوقوع مقتضية ، إذ احتمال أنه أحدهما لا قائل به.

ومنه حينئذ يظهر وجه نسبة ذلك للصدوق ، إذ المحكي عنه في الفقيه والأمالي إيجابهما على من لم يدر أزاد أم نقص ، كما أنه تظهر بذلك دلالة‌ صحيح زرارة (١) أيضا ، قال : « سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر زاد في صلاته أم نقص فليسجد سجدتين وهو جالس وسماهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المرغمتين » والفضيل بن يسار (٢) سأل أبا عبد الله عليه‌السلام « عن السهو فقال : من حفظ سهوه فأتمه فليس عليه سجدتا السهو ، وإنما السهو على من لم يدر زاد في صلاته أم نقص » وغيرهما ، بل قد يدل عليه أيضا‌ موثق عمار (٣) سأل الصادق عليه‌السلام « عن السهو ما تجب فيه سجدتا السهو؟ قال : إذا أردت أن تقعد فقمت أو أردت أن تقوم فقعدت أو أردت أن تقرأ فسبحت أو أردت أن تسبح فقرأت فعليك سجدتا السهو ، وليس في شي‌ء مما تتم به الصلاة سهو » ولو بمعونة عدم القول بالفصل بين القراءة والتسبيح وغيرهما ، مضافا إلى التأييد بما دل عليه في نسيان السجدة والقيام في محل القعود وبالعكس وغيرها ، وبتسميتهما في النص بالمرغمتين للشيطان الذي أصل حصول السهو نسيانا وشكا منه ، وبغير ذلك.

فيجب الخروج عن الأصل الذي لا يجري في المقام فضلا عن حاجته إلى قاطع بناء على شرطية صحة الصلاة بفعل السجدتين لا أنهما واجبتان تعبدا خاصة ، وعلى وجوب الاحتياط في الصلاة ونحوها مما اشتغلت الذمة فيها بيقين ، وعن إشعار خلو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٢.

٤٣٦

المعتبرة المستفيضة (١) الواردة في نسيان ذكر الركوع والجهر والإخفات وغيرها عن البيان للحاجة بعدم الوجوب ، بل قيل : إن في جملة (٢) من الصحاح منها التصريح بلا شي‌ء عليه الشامل للسجود وغيره ، كما أن في بعضها (٣) أيضا التصريح بنفيه لنسيان السجدة ، ولا قائل بالفصل.

ضرورة عدم صلاحية معارضة مثل ذلك لتلك الأدلة بحيث تطرح له أو تحمل على الندب الذي لم أعرف قائلا به هنا ، بل قد سمعت فيما تقدم أن الشهيد في الذكرى قال : لم يشرع بهما التطوع ، خصوصا الأول ، فإنهم عليهم‌السلام بمنزلة متكلم واحد كما أن كلامهم عليهم‌السلام كذلك ، فتركه في بعض الأحوال سيما إذا كان بصدد بيان أصل الصحة والفساد لا ينافي النص عليه في الآخر ، بل والثاني ، إذ يجب الخروج عن شمول ذلك العام بما سمعت ، وحمله على إرادة نفي الإعادة والإثم ونحوهما لا ما يشمل نحو المقام ، وقد سمعت فيما تقدم الكلام بالنسبة للسجدة.

نعم قد يناقش في دلالة تلك المعتبرة أولا بظهور إرادة الشك منها بمعنى عدم علم الزيادة والنقيصة والتمام وإن لم ينص على الأخير ، إلا أنه صار كالمتعارف إرادة هذا المعنى من مثل هذه العبارة ، فيرجع الحاصل حينئذ إلى أنه لم يدر زاد أو لا ، ونقص أو لا ، كما يشهد له في الجملة خبر السكوني (٤) الذي تسمعه ، ومنع الأولوية ، لاحتمال صلاحية السجود لتدارك المشكوك فيه لا المتيقن ، وثانيا بظهوره في إرادة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الركوع والباب ٢٦ من أبواب القراءة في الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٦ والباب ٢٦ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ١.

٤٣٧

الركعات ، كما لعله يومي اليه صحيح الحلبي (١) السابق ، بل ربما يومي اليه في الجملة أيضا‌ خبر السكوني (٢) عن الصادق عليه‌السلام « إنه أتى رجل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله أشكو إليك ما ألقى من الوسوسة في صلاتي حتى لا أدري ما صليت من زيادة أو نقصان » إذ لا ريب في ظهوره في إرادة الركعات من هذه العبارة ، كما أنه لا ريب في ظهوره في إرادة الشك لا ما إذا علم أحدهما وشك في الخصوصية ، على أن ذلك فرض نادر لا تحمل عليه تلك الأخبار.

ومن هنا قال في الرياض : « إنه كما يمكن تخصيص « لا شي‌ء » السابق بما هنا لأنه أظهر دلالة يمكن العكس بأن يقيد هذه المعتبرة بما إذا كان المشكوك فيه ركعة ، وهذا أرجح للأصل المعتضد بالشهرة الظاهرة والمحكية في كلام جماعة » إلى آخره ، لكن قد تدفع بمنع ظهور هذا التركيب في إرادة الشك كما لا يخفى على من له خبرة بكلام أهل اللغة والعربية ، بل والعرف بعد التأمل والتروي ، على أنه مؤيد بمرسل ابن أبي عمير (٣) السابق ، ولذا جزم المولى الأكبر في شرح المفاتيح بأن المعنى الحقيقي لهذه العبارة الشك في الخصوصية ، وندرته بعد استفادة حكم غير النادر منه أي معلوم الزيادة ومعلوم النقيصة غير قادحة ، وبمنع عدم انسياق الأولوية منه بعد تسليم إرادة الشك منه ، خصوصا بعد ظهور ضعف الاحتمال المذكور ، على أنه يمكن دعوى عدم القول بالفصل بين وجوبهما للشك في الزيادة والنقيصة وبينه للعلم بأحدهما ، إذ هو خيرة العلامة وجماعة أيضا ممن تأخر عنه ممن ذهب إلى الوجوب هنا إن لم يكن جميعهم ، نعم ربما قيل بالعكس كما هو خيرة المولى الأكبر في الشرح المزبور على الظاهر ، ولعله لأن الظاهر أو المعلوم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٣.

٤٣٨

عدمه بالنسبة للأجزاء ، للمعتبرة (١) الكثيرة الدالة على تلافي المشكوك فيه في محله ، وعدمه في غيره الظاهرة في أن « لا شي‌ء عليه » غير ذلك ، وكذلك بالنسبة للركعات إذ هو بين مبطل كالشك في الثنائية ونحوها وبين ما كان حكمه الاحتياط بالركعات من غير سجود للسهو عند معظم الأصحاب وإن حكي عن الجعفي وجوبهما لخصوص الشك بين الثلاث والأربع ، نعم هو كذلك في خصوص الشك بين الأربع والخمس ، ومن المعلوم عدم إرادة خصوص ذلك من هذه الأخبار ، بل هو مقطوع بعدمه بالنسبة إلى صحيح الحلبي ونحوه مما ذكر فيه العبارة السابقة بعد ذكر الأربع والخمس ، اللهم إلا أن يقال : إن المراد به من لم يعلم الزيادة والنقيصة والتمام بعد الفراغ أو كان كثير الشك ، كما يومي اليه خبر السكوني المتقدم ، وتحمل الأخبار حينئذ على الندب الذي لا يقدح فيه عدم تعرضهم له حينئذ ، فتأمل.

ومن ذلك كله تعلم ما في كلام الرياض المتقدم وترجيحه الحمل المزبور بالأصل الذي عرفت حاله ، وبالشهرة الظاهرة والمحكية اللتين يمكن مناقشته فيهما معا ، إذ ليس عدم الوجوب صريح أحد من المتأخرين سوى الخراساني في ظاهر ذخيرته وصريح كفايته وحكي عن مجمع البرهان والشافية ، نعم هو ظاهر كل من حصر موجبات السجود وعددها من القدماء ، والمحكية معارضة بحكايتها ممن عرفت ، فلا ريب في أن الأحوط الوجوب إن لم يكن الأقوى ، بل لعله كذلك أيضا فيما لو شك في النقيصة والزيادة كما اختاره من عرفت بناء على ظهور العبارة السابقة فيه ، وإن استفيد منها حينئذ حكم المعلوم بالأولوية أو بعدم القول بالفصل ، ولعل منه حينئذ الشك بين الأربع والخمس.

لكن الإنصاف أنه أضعف من السابق إن لم يكن عدم الوجوب فيه أظهر ، للأصل السالم عن معارض ، بل المعتضد بظاهر ما عرفت من النصوص وغيرها ، مضافا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

٤٣٩

إلى إمكان دعوى العسر فيه ، إذ لا أحد إلا وهو لا يعلم النقيصة في صلاته والزيادة ، اللهم إلا أن يخص ذلك بمن تساوى الطرفان لديه ، كما هو الظاهر من عبارة المفتي به لا من احتمل ذلك وإن غلب على ظنه السلامة ، وإن قيل : إنه ربما تعطيه عبارة الإرشاد لكنه ليس قولا لأحد.

ثم إن الظاهر استثناء المندوبات كالقنوت ونحوه مما عرفت ، فلا يجب سجود السهو بنسيانه بعد العزم على فعله كما نص عليه الفاضل والشهيدان ، بل قد سمعت ما حكاه في غاية المرام ، اقتصارا فيما خالف الأصل على المنساق المتيقن من النقص ، خلافا لظاهر بعضهم ، بل والمحكي عن أبي علي من أنه لو نسي القنوت قبل الركوع أو بعده قنت قبل أن يسلم في تشهده وسجد سجدتي السهو ، أما لو زاد مندوبا ففي التذكرة سجد للسهو ، ولا ريب في أنه أحوط وإن كان فيه نظر كما في الروضة ، لعدم زيادة السهو على العمد ، ولا سجود للنقيصة إذا تدوركت ولما يصدر ما يحصل بسببه زيادة في الصلاة وإن كان هو قد سها عنها ، لنفي السهو عمن حفظ سهوه فأتمه ، وعدم صدق النقيصة ، وخبر الحلبي (١) سأل الصادق عليه‌السلام « عن الرجل يسهو في الصلاة فينسى التشهد فقال : يرجع فيتشهد ، قلت : أسجد سجدتي السهو؟ فقال : لا ، ليس في هذا سجدتا السهو » وغير ذلك ، لكن في الموجز وجوبه لكل سهو وإن تدارك فيها أو بعدها ، وفيه منع ، نعم ليس التدارك بعد تمام الصلاة يرفع صدق النقيصة فيها في وجه ، فيجب حينئذ للتشهد المنسي وأبعاضه والسجدة المنسية وإن لم نقل بوجوبه لهما من حيث أنفسهما كما أنه يجب حينئذ بناء على ذلك في سائر صور الشك الصحيحة إذا تبين بعد الاحتياط نقصها أو قبله بناء على الصحة وعدم وجوب الإعادة وإن تبين ، نعم الظاهر إرادة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٤.

٤٤٠