جواهر الكلام - ج ١٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الثامنة أن يراد بالسهو الثاني الشك ، ولكن على حذف مضاف‌ أي موجب الشك بالفتح كالركعات للاحتياط ، فإنه لا حكم للسهو فيها بالمعنى المتقدم في موجب السهو بالفتح ، فمن سها فيها مثلا عما يوجب سجود السهو فإنه لا حكم له حينئذ ، فلا يجب سجدتا السهو بعد الفراغ ، ونقل عن جماعة من الأصحاب التصريح به ، بل عن بعضهم نقل الشهرة عليه ، وربما علل ذلك مضافا إلى قولهم : « لا سهو في السهو » بأن ما دل على وجوب سجود السهو ظاهر في الصلاة اليومية ، فيقتصر عليه ، نعم عن بعضهم أنه لا يشمل ـ بناء على هذا التفسير ـ ما لو نسي السجدة مثلا ، فيجب حينئذ قضاؤها بعد الفراغ ، وفيه نظر أو منع ، بل قد يقال أيضا : إن ما دل على وجوب قضاء السجدة بعد الفراغ ظاهر في اليومية ، كما ذكر ذلك في سجدتي السهو.

ولو سها عن بعض الواجبات في الركعات الاحتياطية وذكر قبل تجاوز المحل فالمنقول عن جماعة من الأصحاب وجوب التدارك ، وفيه إشكال أيضا ، لكونه سهوا في موجب السهو أي الشك ، فينبغي عدم الالتفات ، والحاصل أنه يعامل عندهم معاملة الصلاة الأصلية في النسيان ، وكذلك بالنسبة إلى الزيادة والنقيصة في الأركان إلا في وجوب سجود السهو ، فلا يوجبونه هنا لمكان « لا سهو في السهو » وأنت خبير بما فيه لصدق العبارة على جميع ذلك ، فينبغي تمشية الحكم في الجميع ، ومن هنا كان الظاهر الاقتصار في تفسير هذه الفقرة على أن يراد بالسهو الأول الشك والسهو الثاني الشك أو السهو على إرادة الموجب ، فيكون المعنى لا شك في موجب شك أو سهو بالفتح وعلى عموم المجاز ، والمراد حينئذ عدم الالتفات إلى الشك في أعدادها ، أما الشك في أفعالها فهل هو كذلك أو يبقى على القاعدة من التلافي في المحل وعدمه في خارجه؟ الظاهر الثاني ، وأما الشك في أصل الإيقاع فالظاهر عدم اندراجه ، وعن ظاهر جملة من المتأخرين إمكان إرادة الثمان من هذه الفقرة ، وهو مشكل ، لمخالفته لمقتضى الأصل‌

٤٠١

في جملة منها ، والخروج عنه بمثل هذا النص المجمل مشكل ، بل قد عرفت ظهور سياق النص والفتوى في إرادة الشك من السهو الأول كما سمعته من منتهى الفاضل ، وأظهر منه ما عن الشيخ ، فإنه قال بعد نقل العبارة : وله تفسيران : الأول أن الشك فيما يوجبه الشك كالاحتياط وسجود السهو ، الثاني أن يشك هل شك أم لا ، قال : وكلاهما مما لا حكم له ، ويبني في الأول على الأكثر ، لأنه فرضه ، بل في الرياض استظهار إرادة الشك من السهو الثاني أيضا منهما ومن غيرهما ، بل استظهر عدم الخلاف فيه من عبارة الأول منهما بعد أن ادعى أن نقلهما في مثل ذلك حجة ، وعليه فلا يمكن إرادة السهو بالمعنى المعروف مطلقا ، ويندفع أكثر وجوه الاجمال ، ويبقى من حيث الاختلاف بين التفسيرين ولا ريب في مطابقة الثاني لمقتضى الأصل في كثير من موارده ، فلا يحتاج إلى النص وإن أكده على تقدير وضوح دلالته على ما يطابقه ، وإنما المحتاج اليه الأول لمخالفته الأصل الدال على لزوم تحصيل المأمور به على وجهه ، ولا يتم إلا مع عدم الشك ، مضافا إلى إطلاق ما دل على لزوم تدارك المشكوك مع بقاء المحل مثلا ، ولما كان النص يحتمله ، والثاني لم يمكن التمسك به لإثباته إلا أن يرجح باخبار الفاضل كونه مراد الفقهاء ، مع ظهوره من كلماتهم واستدلالهم بالنص على أنه لا سهو في سهو بناء على أن ظاهره إثبات حكم مخالف للأصل لا موافق له ، وليس إلا على تقدير التفسير الأول مع اعتضاده بما قيل من الاعتبار ، وهو أنه لو تداركه أمكن أن يسهو ثانيا ، ولا يتخلص من ورطة السهو ، ولأنه حرج فيسقط اعتباره ، ولأنه شرع لازالة حكم السهو ، فلا يكون سببا لزيادته.

ومما ذكرنا ظهر استقامة الحكم على كلا التفسيرين كما هو ظاهر كلام الشيخ المتقدم وهو لازم لكل من اختار التفسير الأول ، لموافقة الثاني للأصل في جملة من موارده كما أوضحناه سابقا ، فلاحظ ، إلا أنه مع ذلك كله يقوى في النظر إرادة الأعم من‌

٤٠٢

الشك والسهو المعروف من السهو الثاني لكن على تقدير الموجب بالفتح كما قدمناه سابقا بل لو لا وحشة الانفراد لأمكن القول بأن المراد من النص عدم الحكم لخصوص كل من السهو والشك في كل من موجبهما ، فلا يلتفت للشك في العدد في موجب الشك ، ولا للسهو في موجب السهو خاصة ، دون الشك في موجب السهو والسهو في موجب الشك ، فيكون المراد كل واحد بالنسبة إلى مجانسه ، بل قد يؤيده ما في الصحيح (١) المتضمن لذلك ، ولا على الإعادة إعادة إذ أظهر التفسيرين له أنه إذا أعاد الصلاة لخلل موجب للإعادة ثم حصل أمر موجب لها لا يلتفت اليه ، كما يعضده‌ الصحيح (٢) « لا تعودوا الخبيث من أنفسكم بنقض الصلاة ، فإن الشيطان خبيث معتاد لما عود » والاعتياد لغة يحصل بالمرتين كما صرح به في الحيض وإن استشكله بعض مشايخنا بعدم حصول الاعتياد عرفا بالمرتين أولا ، وبعدم وضوح القائل به ثانيا ، بل ظاهر حصر الفتاوى لمقتضي عدم الالتفات للشك في أمور مخصوصة غير ما في الصحيح عدمه ، لكن فيه أنه لا بأس بإثبات ذلك كله بهذا الصحيح لحجيته وظهور دلالته واعتضاده بغيره وعدم القطع بشذوذه ، وإن لم يظهر قائل صريح به ، فان ذلك لا يستلزم الإجماع على خلافه ، فلا حاجة حينئذ لحمله على إرادة خروجه مخرج الغالب من كثير الشك ، لأنه الذي يحصل له الشك بعد الإعادة أيضا غالبا دون غيره ، فنفي الإعادة حينئذ على الإعادة للكثرة ، إذ فيه ـ مع إمكان المناقشة في الغلبة المزبورة ـ أنه يقضي بإرادة نحوه فيما تضمنه هذا الصحيح من نفي السهو عن السهو ، ضرورة سياق الجميع فيه مساقا واحدا ، وهو مخرج له عن صلاحية الاستدلال به على نفي السهو في السهو من حيث هو سهو في سهو وإن لم يكن هناك كثرة كما هو الفرض فيما تقدم ، بل هو خلاف طريقة الأصحاب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٢.

٤٠٣

المستدلين به لذلك ، وكذا لا حاجة لالتزام حصول الكثرة بالشك في الإعادة ولو مرة إذ هو كما ترى ، لكن ومع ذلك فالإنصاف عدم ترك الاحتياط بالإعادة إلى أن يحصل مزيل حكم الشك من الكثرة ونحوها ، فتأمل جيدا.

وكذا لا يلتفت إذا سها أي شك المأموم إلى شكه لكن ليس له البناء حينئذ على الأقل أو الأكثر بل عول على صلاة الامام وكذا لا شك على الإمام إذا حفظ عليه من خلفه بلا خلاف أجده في كل من الحكمين ، بل في المدارك نسبته إلى قطع الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه ، ويدل عليه مضافا إلى ذلك‌ مرسلة يونس (١) عن الصادق عليه‌السلام « سألته عن الامام يصلي بأربعة أنفس أو خمسة فيسبح اثنان على أنهم صلوا ثلاثة ويسبح ثلاثة على أنهم صلوا أربعا ، ويقول هؤلاء قوموا ، ويقول هؤلاء اقعدوا والامام مائل مع أحدهما أو معتدل الوهم فما يجب عليه؟ قال : ليس على الامام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه باتفاق منهم ، وليس على من خلف الامام سهو إذا لم يسه الامام » وخبر حفص بن البختري (٢) عنه عليه‌السلام أيضا ، قال : « ليس على الامام سهو ولا على من خلف الامام سهو » إلى آخره ، وصحيحة علي بن جعفر (٣) عن أخيه موسى عليه‌السلام « سألته عن رجل يصلي خلف الامام لا يدري كم صلى هل عليه سهو؟ قال : لا ».

وظاهر إطلاق النص والفتوى عدم الفرق بين كون المأموم متحدا أو متعددا ذكرا أو أنثى عدلا أو فاسقا ، بل عن الدرة نسبة الأخير إلى الأصحاب ، بل قد يقال بشموله للصبي المميز بناء على شرعية عبادته على إشكال ، لكونه من الأفراد الخفية ، وعدم قبول خبره ، مع إمكان منع الخفاء ، على أن الرواية مشتملة على العموم اللغوي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث ١.

٤٠٤

وعدم الاعتماد على خبره في غير ذلك لا يقضي بعدمه هنا كما في الفاسق ، والفرق بين الفاسق والصبي بالتكليف وعدمه ، وبأن الفاسق مصدق بالنسبة إلى فعله فهو في الحقيقة مخبر عن فعله ، والامام يعتمد على فعله لا على إخباره عن فعل الامام يدفعه أن العمدة في المقام النص الذي قد عرفت شموله كإطلاق الفتاوى الجابرة له ، فما عن بعض المتأخرين ـ من عدم الجواز في الصبي إلا إذا أفاد ظنا فحينئذ يعتمد على ظنه ، وربما نقل عن بعضهم بل عن آخر عدم التعويل عليه وإن أفاد ظنا ـ ضعيف جدا ، خصوصا الأخير ، وأضعف منه ما عن ثالث من الإشكال إذا كان المأموم امرأة.

وكذا يستفاد من إطلاق النص والفتوى أنه لا فرق في ذلك بين حصول الظن وعدمه ، بل يؤيده أيضا ذكرهم هذا الحكم بالخصوص ، وإلا فلو كان المدار على حصول الظن لم يكن لذلك مزية ، فإنه إن حصل من غير المأموم أو غير الامام اكتفي به أيضا كما صرح به بعضهم ، لما تقدم سابقا من جواز الاعتماد عليه في أعداد الركعات غير مقيد بسبب خاص ، نعم يتجه اعتماد كل منهما على حفظ الآخر إذا لم يحصل له ظن بل كان باقيا على شكه ، أما إذا كان ظانا فيشكل اعتماده على غيره مع أنه موهوم عنده ، وإن صرح به بعض الأصحاب ، بل قد يقال : إن الظاهر من لفظ السهو المنفي نصا وفتوى الشك ، على أنه كيف يعتمد على غيره مع أنه يحتمل أن يكون غيره ظانا أيضا ، بل قد عرفت التوقف من بعضهم في الاعتماد إذا لم يحصل له ظن بمقتضى حفظ الإمام أو المأموم لظهور المرسلة في الرجوع إلى الآخر والاستناد اليه والاعتماد عليه ، ولأن ذلك خرج مخرج الغالب من حصول الظن حينئذ ، ففي المقام بطريق أولى.

والحاصل رجوع الظان إلى غيره إن لم يقم عليه إجماع فهو في غاية الإشكال ، لعموم ما دل على الاعتماد على الظن كما تقدم سابقا ، مع أنه على تقدير تسليم شمول الدليل في المقام فهو من باب التعارض من وجه ، والترجيح لتلك ، فتأمل ، وما يقال :

٤٠٥

إن لفظ السهو المنفي حكمه في الفتاوى والنصوص يشمل الظن لأعميته لغة منه ومن الشك مع أن‌ في الخبر (١) « الامام يحفظ أوهام من خلفه » والوهم شامل للظن ، لإطلاقه عليه شرعا ، بل معنى حفظه للأوهام أن المأموم يترك وهمه ويرجع إلى يقين الإمام ، فإذا ثبت ذلك فيه ثبت في الآخر لعدم تعقل الفرق ، مع أنه لا قائل به ـ لا يخلو من تأمل ، لمنع شمول لفظ السهو لذلك ، بل الظاهر من ملاحظة أسئلة الأخبار إرادة الشك منه هنا ، والمراد بالخبر ضمان الامام ما يتوهم به من خلفه ، كما ستسمع إن شاء الله في الاستدلال على عدم سجود السهو على المأموم ونحوه ، بل ما ذكره في تفسيره لا يكاد يعقله أحد منه.

نعم يمكن التمسك عليه بما في مرسلة يونس السابقة المشتمل سؤالها على كون الإمام مائلا إلى أحدهما أو معتدل الوهم ، مع أن الجواب فيها ظاهر في أنه إذا حفظ من خلفه باتفاق منهم رجع إليهم وإن كان مائلا ، فتأمل ، لكن فيه من التكلف والبعد ما لا يخفى ، ولا جابر لها في خصوص ذلك ، لأنه وإن صرح به بعضهم إلا أنه لم يصل إلى حد الشهرة والمقطوع به بين الأصحاب ، كما في المدارك أنه لا شك مع حفظ الإمام أو بالعكس.

ومما تقدم لك سابقا يظهر لك الإشكال في رجوع الشاك منهما إلى الظان إذا لم يحصل له ظن ، لما عرفت من الإشكال في رجوعه كذلك إلى المتيقن فضلا عن الظان مضافا إلى أن الظاهر من الحفظ الموجود في المرسلة الذي قيدت به باقي الأخبار المشتملة على نفي حكم السهو العلم لا الظن ، ودعوى أنه بمنزلته ممنوعة بالنسبة إلى غير الظان ، كدعوى أن المراد بالحفظ هنا عدم الشك ، فيدخل حينئذ الظان ، بل لا يمكن إرادة اليقين منه هنا ، إذ كيف يعرف ذلك من الامام أو المأموم ولا يرى الامام من المأموم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٢.

٤٠٦

وبالعكس سوى البناء على الفعل المحتمل أن يكون منشأه ظنا أو علما ، فالأمر بالرجوع مع غلبة عدم معرفة الحال دليل على ذلك ، إذ أقصى ما يقضى به ذلك أنه ليس يجب معرفة العلم باليقين ، بل يكفي الظن به أو احتماله أيضا ، وهو غير الاكتفاء بالظن بعد العلم به ، على أنه يجوز أن تظهر الثمرة بعد الصلاة واختبار حال من رجع اليه ، كما أنه يجوز أن يتمسك الإمام أو المأموم عند إرادة الاعتماد على أصالة عدم عروض الشك أو الظن بل البقاء على اليقين السابق ، ولا حاجة حينئذ إلى اختباره بعد الصلاة ، فتأمل جيدا.

والحاصل أن الصور في المقام ثلاثة : الأولى رجوع الشاك إلى المتيقن ، والظاهر أنه كذلك وإن لم يحصل معه الظن ، لتناول الأدلة له ، مع أنه نقل عن بعضهم دعوى الشهرة عليه ، فما تقدم سابقا من الاشكال فيه من بعض مشايخ مشايخنا ضعيف ، الثانية رجوع الظان اليه ، وقد عرفت الكلام فيه ، الثالثة رجوع الشك إلى الظان ، وقد عرفت الاشكال فيه أيضا وإن كان قد يقوى رجوعه ، إلا أن الاحتياط لا ينبغي تركه ، وقد ذكر في الحدائق في المقام صورا تبلغ خمس عشرة صورة كلها يظهر حكمها مما تقدم ويأتي ، فتأمل.

أما المتيقنان فلا يرجع أحدهما إلى الآخر من غير خلاف أجده ، ووجهه واضح نعم عن بعضهم أنه قال : لو قيل بوجوب متابعة المأموم الامام كان له وجه ، وكأنه للإطلاق ، وهو معارض بالإطلاق الآخر ، على أن المرسل قد اشترط في رجوعه إلى الامام عدم سهوه ، والفرض أنه علم سهوه ، ثم إنه كيف يجتزي بصلاة يقطع أنها خمس ركعات ، وما دل على المتابعة لا يشمل ذلك قطعا ، إذ المراد منها أنها في الصلاة.

وأما الشاكان فان اتحد محل الشك فلا إشكال في لزومهما حكمه ، ولا رجوع لأحدهما إلى الآخر ، إذ هو ترجيح بلا مرجح ، وإن اختلف محل الشك فقد قال الشهيد الثاني في روضته وتبعه عليه بعض من تأخر عنه : إنه إن جمع لشكهما رابطة رجعا إليها ،

٤٠٧

كالثلاث لو شك الامام بين الاثنتين والثلاث والمأموم بين الثلاث والأربع أو بالعكس وإلا تعين الانفراد ، كما لو شك الامام بين الاثنتين والثلاث والمأموم بين الأربع والخمس أو بالعكس ، وربما ظهر من المحكي عن موجز أبي العباس الفرق بين الصورتين في الأول ، قال : « لو شك الامام بين الاثنتين والثلاث والمأموم بين الثلاث والأربع وجب الانفراد ، ولو انعكس فلا سهو ووجب الإتمام بركعة » وفيه ما ستعرف ، ولا فرق في الرجوع إلى الرابطة بين ما يكون أحدهما موجبا للبطلان أولا كما عن بعضهم التصريح به ، فلو شك أحدهما بين الثلاث والخمس والآخر بين الاثنتين والثلاث رجعا إلى الثلاث ، بل ولا بين كون الرابطة شكا أو لا ، كما لو شك المأموم بين الاثنتين والثلاث والأربع والامام بين الثلاث والأربع أو بالعكس ، إذ يسقط حينئذ حكم الاثنتين عن المأموم ويرجع شكهما معا بين الثلاث والأربع ، إذ المراد بالرابطة الطرف الذي اشتركا به في شكيهما ، كالثالثة في المثال الأول ، والرابعة لو كان الشك بين الثلاث والأربع والأربع والخمس ونحو ذلك ، وكان الوجه في الرجوع إليها رجوع كل منهما إلى يقين الآخر ، فإنه يقتضي في المثال الأول البناء على الثالثة ، إذ يقين الإمام أنها ليست رابعة ينفي أحد الطرفين من المأموم ، ويقين المأموم أنها ليست ثانية ينفي أحد الطرفين من الامام ، فإذا زال احتمال الرابعة لمكان يقين الامام وزال احتمال الثانية لمكان يقين المأموم تعين أن يكون ثالثة ، ولا فرق في ذلك بين الامام والمأموم ، فما يظهر من الموجز كما سمعت عبارته من الفرق لا وجه له.

وأما إذا كان الرابطة شكا فقد تكون التبعية من طرف واحد كما في المثال الذي سمعته ، وهو فيه الامام لمكان يقينه أنها ليست ثانية ، وقد يكون من الطرفين كما إذا دخلت الخامسة في شك الإمام ، فإنه يتحقق الرجوع في كل منهما.

٤٠٨

والظاهر جريان حكم الرابطة في الفرائض التي تبطل بنفس الشك فيها كالمغرب مثلا ، فإنه إذا شك الامام بين كونها ثانية أو ثالثة والمأموم شك بين كونها ثالثة أو رابعة لم يلتفت كل منهما إلى شكه لمكان يقين الآخر ، وبنيا على الثالثة ، وكذلك في في الصبح لو شك أحدهما بين كونه واحدة أو ثانية والآخر بين كونها ثانية أو ثالثة ، فتأمل جيدا.

لكن لا يخفى عليك أن ذلك كله محل للنظر والتأمل ، لما فيه من تخصيص أدلة الشك إبطالا وحكما بتخريج غير ظاهر من النصوص والفتاوى ، بل الظاهر من‌ قولهم عليهم‌السلام (١) : « إذا لم يسه الامام » و « إذا حفظ من خلفه » (٢) حفظ عدد الصلاة غير غافل عنها لا أنه حافظ قدرا مشتركا وإن كان ساهيا بالنسبة إلى شي‌ء آخر بل بناء الامام على الثالثة في المثال لم يكن ليقين منه ولا ليقين من المأموم ، فكونها ثالثة غير محفوظ منهما ، وكذلك غيره ، فكيف يسوغ له البناء عليها مع عدم الاحتياط ، ويجترئ على تخصيص تلك الأدلة المحكمة بها ، لا أقل من الشك ، وكأنه لذا ربما ظهر من المحكي عن السهوية المنسوبة للمحقق الثاني الميل اليه ، قال : « إذا شك المأموم بين الثلاث والأربع والامام بين الاثنتين والثلاث قيل : فيه احتمالات : رجوع الإمام إلى يقين المأموم ، وهو الثلاث ، الثاني رجوعه إلى شك المأموم وهو الأربع ، والثالث وجوب الانفراد ، لضعف الأول بالبناء على الأقل ، وضعف الثاني برجوعه إلى يقين المأموم لا إلى شكه » انتهى. لكن الاحتمال الثاني لا أعرف وجهه.

بل قد يرد عليهم أن المتجه على ما ذكروه عدم لزوم حكم الشك مع عدم الرابطة إذ لا مانع في المثال المفروض من بناء الامام على الثالثة من غير احتياط لمكان قطع المأموم أنها ليست ثانية ، وبناء المأموم على الرابعة لمكان قطع الإمام أنها ليست خامسة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٨.

٤٠٩

فلا يجب عليه سجود سهو في حال الجلوس ، فتأمل ، واحتمال أن المراد في ذكر الرابطة بقاء الإتمام (١) الذي ـ لا يجري هنا ، بل قد يمنع من أصله ، لتعين الانفراد في المقام فلا يثمر ضبط أحدهما للآخر ـ يدفعه ظهور كلماتهم في عدم الاعتداد بحفظهما أصلا في الفرض ، وأن الانفراد متأخر فلا يقدح في الضبط المتقدم ، فتأمل.

ونحو ذلك أيضا يرد على ما وقع لهم من أنه إن تعدد المأمومون واختلفوا هم وإمامهم فالحكم ما تقدم من الرابطة وعدمها ، نعم يشترط أن يكون ما يرجع إليه الإمام من اليقين متفقا عليه عند جميع المأمومين ، كما إذا شك الامام مثلا بين الاثنتين والثلاث وأحد المأمومين بين الثلاث والأربع والآخر بين الثلاث والخمس فإنهم جميعا يرجعون إلى الثالثة ، لحصول اليقين من جميع المأمومين أنها ليست ثانية ، وحصوله من الامام أنها ليست رابعة ولا خامسة ، أما لو كان ذلك من بعض المأمومين كما لو كان الشك للإمام وبعض من خلفه بين الاثنتين والثلاث والبعض الآخر بين الثلاث والأربع فقد يقال حينئذ بوجوب الاحتياط على الامام والبعض الموافق له دون الآخر ، لعدم إمكان رجوع الإمام إلى يقين بعض المأمومين أنها ليست ثانية ، إذ الفرض موافقة البعض له في الشك ، ومن شرط جواز رجوعه حفظ من خلفه باتفاق ، كما سمعته في المرسل (٢) المنجبر بعمل الأصحاب كما قيل ، بل هو ظاهر المصنف هنا وفي النافع وعن غيره ، وكونه في بعض النسخ بإيقان بدل « اتفاق » لا يقدح في الدلالة بعد ظهور لفظ « من » مع السؤال فيه ، مع كون المشهورة الأولى ، ولا احتياط على البعض المخالف لمكان يقين الإمام أنها ليست رابعة ، ويبقى الائتمام للجميع ، وإنما يحصل الخلاف بعد الفراغ.

لكن في الروضة « ولو تعدد المأمون واختلفوا فالحكم كالأول في رجوع‌

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصحيح « الائتمام ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٨.

٤١٠

الجميع إلى الرابطة ، والانفراد بدونها ، ولو اشترك بين الامام وبعض المأمومين رجع الإمام إلى الذاكر منهم وإن اتحد ، وباقي المأمومين إلى الامام » وفيه أولا ما عرفت من احتمال اشتراط رجوع الامام بحفظ جميع المأمومين ، وإن كان عدمه لا يخلو من قوة لعدم معارضة الشاك للحافظ ، ومنافاته التخفيف المقصود بمشروعية هذا الحكم ، ضرورة عسر علم الامام باتفاق الجميع ، سيما مع كثرة المأمومين ، وغير ذلك ، وثانيا لا دليل على وجوب رجوع باقي المأمومين إلى الامام في هذه الصورة ، لعدم حفظه ، ورجوعه التعبدي لمكان حفظ بعض المأمومين ليس يقينا ولا منزلا منزلته ، هذا.

ويظهر من صاحب المدارك بل هو المنقول عن جده أيضا بل ربما تبعه عليه بعض من تأخر عنه أنه لا فرق في الحكم بين الأفعال والركعات ، بل نسبه في المدارك إلى الأصحاب ، وهو لا يخلو من تأمل للشك في شمول الأدلة له.

أما الظانان فالظاهر أنه لا رجوع لأحدهما إلى الآخر ما لم ينقلب ظنه إلى الأقوى ، بل الحكم أنهما إن اتفقا على محل الظن بقي الائتمام (١) أما إذا اختلف فقيل : إنه يتعين الانفراد ، وهو جيد إن كان المراد عند محال الافتراق ، وإلا فلا مانع من بقاء الائتمام (٢) قبله ، ولا يقدح فيه اختلافهما ، فتأمل.

هذا كله في السهو بالنسبة إلى كل من الامام والمأموم بمعنى الشك ، أما السهو بالمعنى المتعارف فهو إما أن يختص بالإمام أو المأموم أو يشتركا فيه ، أما الأول فالظاهر أنه لا إشكال في جريان جميع الأحكام المتقدمة سابقا بالنسبة إلى المنفرد عليه ، لعموم الأدلة ، فإذا سها عن ركن زيادة أو نقيصة بطلت صلاته ، أو سها عن شي‌ء كان في المحل وجب عليه التدارك ، وإن تجاوز وكان مما يقضى قضاه ، وإن كان مما يوجب سجود سهو وجب عليه من غير خلاف أجده في جميع ذلك ، وما في بعض العبارات من إطلاق‌

__________________

(١) وفي النسخة الأصلية « الإتمام » لكن الصواب ما أثبتناه.

(٢) وفي النسخة الأصلية « الإتمام » لكن الصواب ما أثبتناه.

٤١١

أن لا سهو على الإمام كإطلاق بعض الأخبار (١) مراد منه الشك كما هو واضح ، نعم ذكر الشيخ في المبسوط وعن الوسيلة والسرائر أنه يجب على المأموم متابعته في سجود السهو وإن لم يفعل موجبه ، بل فيه إن سبقه الامام للسجود بنقص صلاته جاء به المأموم بعد ذلك ، بل فيه إن ترك ذلك الامام عمدا أو سهوا وجب على المأموم الإتيان بهما ، نعم قال رحمه‌الله : « إن دخل المأموم في صلاة الامام وقد كان سبقه بالركعة أو الركعتين فان كان سهو الامام فيما قد مضى من صلاته التي لم يأتم بها المأموم فلا سجود للسهو على المأموم ، وإن كان سهوه فيما ائتم به وجب على المأموم السجود ».

لكن الأشهر بين المتأخرين كما في الرياض ، والمشهور بين الأصحاب كما في الذخيرة اختصاص سجود السهو بالإمام دون المأموم ، وهو الأقوى في النظر ، للأصل من غير معارض سوى ما قيل من عموم ما دل على وجوب متابعة المأموم الإمام الممنوع في مثل سجود السهو ، لخروجه عن الصلاة ، مع عدم جريانه في بعض ما ذكره من الصور لعدم وجود المتابعة فيها ، والموثق (٢) « عن الرجل يدخل مع الامام وقد سبقه الإمام بركعة أو أكثر فسها الامام كيف يصنع؟ فقال : إذا سلم الامام سجد سجدتي السهو ولا يسجد الرجل الذي دخل معه ، وإذا قام وبنى على صلاته وأتمها وسلم سجد الرجل سجدتي السهو » الذي هو ـ مع مخالفته المشهور بين أصحابنا ، وموافقته للمشهور بين العامة ، بل في المنتهى أنه مذهب فقهاء الجمهور كافة ـ محتمل لاشتراكهما في السهو ، ولذا استدل به العلامة في المنتهى عليه ، وطريق الاحتياط غير خفي.

ثم على وجوب المتابعة فلا يجب على المأموم بمجرد أنه يراه يسجد للسهو إذا لم يعلم بوقوع السبب الموجب لاحتمال كونهما ليسا لسبب موجب ، أو أنهما للسهو في صلاة سابقه كان قد نسيه أو غير ذلك ، لكن عن الشهيد في الذكرى وجوبه ، لأن الظاهر منه أنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٧.

٤١٢

يؤدي ما وجب عليه مع عدم مشروعية التطوع بهما ، وفيه نظر يعرف مما سبق ، مع إمكان منع عدم مشروعية التطوع بهما ، فإنه قد يحمل بعض الأخبار المشتملة عليهما عليه لمكان المعارض.

وأما إذا اختص السهو بالمأموم فالظاهر أنه لا إشكال في جريان حكمه عليه في غير سجود السهو وقضاء ما يتدارك بعد الصلاة ، فلو نقص ركنا أو زاد في غير المستثنى بطلت صلاته ، ويجب عليه أن يتدارك المنسي ما دام لم يدخل في ركن آخر ، لإطلاق الأدلة ، بل قد يقال : إنه إذا دخل في ركن سهوا بزعم دخول الامام فيه فبان عدمه فرجع إلى حال الامام وجب تدارك المنسي ، ولا يقدح ذلك الدخول ، وما في بعض العبارات كبعض الأخبار من نفي السهو عن المأموم مراد منه غير ذلك ، كما لا يخفى على من أمعن النظر فيها.

وأما قضاء السجدة ونحوها فالمشهور بين الأصحاب على ما حكي أنه يجب عليه القضاء ، وبه صرح في التذكرة والبيان والسهوية المنسوبة للمحقق الثاني ، وهو المنقول عن غيرها ، لعموم ما دل على القضاء السالم عن المعارض سوى ما تسمعه في سجود السهو خلافا لما عن المعتبر ، فلا قضاء عليه ، والأول هو الأقوى.

وأما سجود السهو فالظاهر لا خلاف في أنه لا يجب على الإمام شي‌ء حينئذ ، كما في المنتهى وعن مجمع البرهان والغرية الاعتراف به للأصل وغيره ، لكن هل يجب مع ذلك على المأموم أولا؟ قولان ، وفي الرياض « أن الأول هو الأشهر بين المتأخرين » وعن بعضهم أنه المشهور إلا أنه لم أعثر على مفت قبل العلامة رحمه‌الله في المنتهى والتحرير ، وعن المختلف وفي التذكرة لو قيل به لكان وجها ، ومن هنا حكي عن كشف الالتباس أن المشهور الثاني ، بل في الخلاف الإجماع عليه ، بل قيل وتبعه عليه بعض من تأخر عنه كالمصنف والعلامة وأبي العباس والشهيدين في الذكرى والمقاصد‌

٤١٣

ونقله في المنتهى عن المرتضى في المصباح ، وفي المفتاح أنه ظاهر الفقيه والمقنع وكذا الكافي ، كصريح جمل العلم والعمل ، بل عن كشف الالتباس أنه لم يقل بالأول إلا العلامة وحده ، وتبعه في موضع من الموجز ، وفي آخر وافق الأصحاب.

وكيف كان فحجة الأول ـ مضافا إلى ما دل على وجوب السهو (١) بأسبابها من غير تفصيل وإلى الموثق السابق ـ خصوص‌ صحيح عبد الرحمن بن الحجاج (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتكلم ناسيا في الصلاة يقول : أقيموا صفوفكم قال : يتم صلاته ثم يسجد سجدتين » والظاهر أن الرجل مأموم ، وخبر منهال القصاب (٣) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أسهو في الصلاة وأنا خلف الامام قال : فقال : إذا سلم فاسجد سجدتين ولا تهب » وما سمعت من الشهرة المحكية جابرة لما يقال في السند والدلالة.

حجة الثاني بعد الإجماع المعتضد بالشهرة المحكية خصوص‌ الموثق (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن الرجل سها خلف الامام بعد ما افتتح الصلاة فلم يقل شيئا ولم يكبر ولم يسبح ولم يتشهد حتى سلم فقال : قد جازت صلاته وليس عليه شي‌ء إذا سها خلف الامام ، ولا سجدتا السهو ، لأن الإمام ضامن لصلاة من خلفه » ولعله لما أشار إليه ذيل الخبر يمكن الاستدلال أيضا عليه بما عن‌ الصدوق من خبر محمد ابن سهل (٥) عن الرضا عليه‌السلام ، قال : « الامام يحمل أوهام من خلفه إلا تكبيرة الإحرام » وبتبديل الإحرام بالافتتاح على ما عن الكليني والشيخ ، وربما‌

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية والصواب « سجدة السهو ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث ٢.

٤١٤

استدل عليه بما تقدم سابقا من الأخبار المتضمنة أن ليس على الامام سهو إذا حفظ من خلفه ، وأن ليس على المأموم سهو إذا لم يسه الامام.

وهو لا يخلو من قوة وإن كان الأول أقوى ، لما عرفت من معارضة الموثق بأصح منه سندا المعتضد بغيره ، والعمومات في سجود السهو مع ترجيحه عليه بمخالفته لما أطبق عليه الجمهور إلا مكحولا كما حكاه في المنتهى ، والرشد في خلافهم ، ومعارضة ما اشتمل عليه من التعليل بما تضمنته الأخبار (١) الأخر من أن الامام لا يضمن صلاة المأموم ، ومنها مطلق فيما عدا القراءة (٢) وفي بعضها ما يشير إلى مذهب العامة في ذلك كصحيح معاوية بن وهب (٣) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أيضمن الإمام صلاة الفريضة؟ فإن هؤلاء يزعمون أنه يضمن ، فقال : لا يضمن ، أي شي‌ء يضمن إلا أن يصلي بهم جنبا أو غير متطهر » وبذلك يعرف الحال في‌ قوله عليه‌السلام : « الامام يحمل أوهام من خلفه » مع عدم العمل بها في غير سجود السهو ، ولعل المراد منه رجوعهم اليه عند الشك ، وأما ما دل على نفي السهو فالظاهر إرادة الشك بقرينة‌ قوله عليه‌السلام (٤) : « وليس على الامام سهو » على أن إرادة الشك مقطوع بها ، فيمتنع إرادة غيره معه ، إذ لا وجه له حينئذ إلا المجازية ، ولا قرينة ، اللهم إلا أن يجعل السهو من المتواطئ بالنسبة إلى الشك وغيره ، وهو بعيد ، كل ذا مع موافقته للاحتياط المطلوب في العبادة فحينئذ لو سلم المأموم قبل الامام لظنه سلامه فبناء على عدم الاجتزاء به يجب عليه سجود السهو كما عن التذكرة ، خلافا لما عن الذكرى من أنه يعيد المأموم التسليم ولا سجود عليه ، وهو ضعيف ، أما لو اشترك السهو بينهما عملا معا بمقتضاه ، ولو تركه أحدهما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٣.

٤١٥

لا يسقط عن الآخر ، قيل : والمأموم مخير بين إتيانه به مع الإمام بنية الائتمام وبين الانفراد ، ولعل الثاني أولى ، لعدم ثبوت مشروعية الائتمام فيه بعد خروجه عن الصلاة فوجوب المتابعة لا يشمله قطعا ، وإن كان هو لازم من أوجبه على المأموم تبعا لمجرد عروض السبب للإمام ، ضرورة أولوية العروض لهما منه ، لكنه ضعيف جدا.

ولا حكم للسهو مع كثرته كما صرح بذلك جماعة من الأصحاب ، بل لا أجد فيه خلافا كما اعترف به في الحدائق والرياض ، ومع ذلك فللمعتبرة المستفيضة ، منها‌ حسنة زرارة وأبي بصير (١) أو صحيحتهما ، « قلنا له : الرجل يشك كثيرا في صلاته حتى لا يدري كم صلى ولا ما بقي عليه ، قال : يعيد ، قلنا : يكثر عليه ذلك كلما عاد شك قال : يمضي في شكه ، ثم قال : لا تعودوا الخبيث من أنفسكم بنقض الصلاة فتطمعوه ، فان الشيطان خبيث معتاد لما عود به ، فليمض أحدكم في الوهم ، ولا يكثرن نقض الصلاة ، فإنه إذا فعل ذلك مرات لم يعد اليه ، قال زرارة : ثم قال : إنما يريد الخبيث أن يطاع ، فإذا عصي لم يعد إلى أحدكم » ومنها‌ صحيح محمد بن مسلم (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام « إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك ، فإنه يوشك أن يدعك ، إنما هو من الشيطان » وعن الفقيه « فدعه » مكان « فامض في صلاتك » ومنها‌ خبر ابن سنان (٣) عن غير واحد عن الصادق عليه‌السلام « إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك » ومنها‌ الموثق (٤) عن الصادق عليه‌السلام « في الرجل يكثر عليه الوهم في الصلاة فيشك في الركوع فلا يدري أركع أم لا ، ويشك في السجود فلا يدري أسجد أم لا ، فقال : لا يسجد ولا يركع ، يمضي في صلاته حتى يستيقن يقينا » إلى غير ذلك.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٥.

٤١٦

وظاهرها كالفتاوى إرادة البناء على وقوع المشكوك فيه وعدم الالتفات للشك من عدم الحكم للسهو ، بل صرح به في الرواية الأخيرة ، وهو المراد بالمضي في الصلاة حينئذ الواقع في غيرها ، بل اليه يشير التعليل السابق زيادة على ذلك من غير فرق بين الأعداد والأفعال ، ولا بين الشك المفسد وغيره ، ولا بين الثنائية وغيرها ، نعم ذلك كله حيث لا يؤدي البناء على الوقوع فسادا ، أما إذا أدى إلى ذلك كأن يكون الشك كثيرا في الأربع والخمس مثلا أو زيادة الركوع فإنه حينئذ يبني على الأقل كما صرح به بعضهم ، وكأنه للأصل ولما يظهر من إطلاق الفتوى عدم الحكم له ، ومن الأدلة أن ذلك تخفيفا على المكلف ورغما لأنف الشيطان ، فيتعين حينئذ البناء على المصحح هنا ، لكن عن الأردبيلي التخيير بين البناء على ما ذكرنا من البناء على الأكثر إلا إذا استلزم فسادا وبين البناء على مقتضى الشك إن فسادا ففسادا وإن احتياطا فاحتياطا ، وعن الشهيد في الذكرى احتمال عدم الالتفات لكثير الشك رخصة ، فيجوز أن يعمل على مقتضى الشك ، فيتلافى إن كان في المحل مثلا ، وفي السهوية المنسوبة للمحقق الثاني التخيير لكثير السهو بين البناء على وقوع المشكوك فيه وبين البناء على الأقل ويتم صلاته.

إلا أن الجميع مخالف للظاهر من النص والفتوى من غير مستند ، وقوله عليه‌السلام في خبر أبي بصير المتقدم « يعيد » ـ مما عساه يستدل به للأردبيلي بتقريب أن الجمع بينه وبين‌ قوله عليه‌السلام : « يمضي في شكه » يقتضي التخيير ـ فيه ـ مع عدم شموله لتمام المدعى ، وعدم الشاهد عليه في المقام ـ انه محتمل لإرادة الكثرة في أطراف الشك : أي لا يدري واحدة أم ثنتين أم ثلاثا أم أربعا بقرينة‌ قوله عليه‌السلام : « حتى لا يدري كم صلى ولا ما بقي عليه » لا الكثرة المبحوث عنها في المقام ، ولذا لما ذكر السؤال عنها أجاب عليه‌السلام بأنه يمضي في شكه ، فلا يجسر بمجرد ذلك على مخالفة الظاهر من النص والفتوى وارتكاب المجاز في مثل‌ قوله عليه‌السلام : « يمضي في صلاته » وقوله عليه‌السلام :

٤١٧

« لا يعد » ونحو ذلك مما فيه خروج عن أصول المذهب ، هذا ، ولم أجد في الأدلة ما يدل على ما ذكره الشهيد والمحقق الثاني إلا مجرد كونه احتمالا في الدليل ، فلا يصلح للفقيه البناء عليه ، وحينئذ لو تلافى ما شك فيه فالظاهر بطلان صلاته ، لكونه زيادة منهيا عنها إلا حيث يكون الفعل المشكوك فيه مما يصح فعله في الصلاة كالقراءة ، فله أن يأتي بها لا بنية الجزئية بل بنية القربة ، فتأمل.

وهل المراد بلفظ السهو الموجود في العبارة وغيرها من النص والفتوى مجرد الشك أو هو والسهو بالمعنى المتعارف؟ وجهان بل قولان ، أظهرهما الأول ، للقطع بعدم إرادة المعنى الحقيقي من لفظ السهو ، بل المراد إما الشك أو المعنى الشامل له وللحقيقي على عموم المجاز ، فالمتيقن حينئذ إرادة الشك ، فيقتصر عليه ، وبمجرد احتمال إرادة غيره معه لا يهجم على تخصيص ما دل على حكم السهو الشامل للمقام ، ودعوى أن التعميم أقرب المجازين للحقيقة فيتعين الحمل عليه لذلك ممنوعة ، وما عساه يقال ـ لا داعي إلى ارتكاب المجاز في لفظ السهو ، لاشتمال الأدلة على الشك والسهو ، فيستدل على الأول بما دل على حكمه فيها ، كخبري أبي بصير (١) وعمار (٢) المتقدمين ، وتبقى أخبار السهو له خاصة فلا تجوز فيه ـ يدفعه أنه وإن كان محتملا بالنسبة للأخبار ، لكنه غير محتمل بالنسبة إلى كلام الأصحاب ، لتعبيرهم عن هذا الحكم بلفظ السهو ، وهو العمدة في المقام ، بل مما يؤيد حمل لفظ السهو على الشك زيادة على ما عرفت نقل الإجماع إن لم يكن محصلا على أن جميع أحكام السهو من تلافي المسهو عنه إن كان في المحل ، وعدم تلافيه في خارجه والقضاء خارج الصلاة لو كان سجدة ونحوها ، وبطلان الصلاة لو كان ركنا إلى غير ذلك تجري بالنسبة إلى كثير السهو كما اعترف به من عمم لفظ السهو لهما كالشهيد في الروضة وغيره ، فلم يبق حينئذ معنى لانتفاء حكم السهو سوى سقوط سجدتي السهو ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٥.

٤١٨

وفي استفادة ذلك من الأدلة نظر ، لاشتمالها على‌ قوله عليه‌السلام : « فامض في صلاتك » ونحوه ، ولا دلالة فيه على سقوطهما ، لأن الأمر بالمضي في الصلاة لا ينافي وجوبهما خارجها.

وقال في الرياض في الجواب عن ذلك : « إن المراد من نفي حكم السهو نفي موجبه ، وهو ليس إلا سجدتا السهو ، لأن تدارك المسهو عنه في الصلاة أو في خارجها لم ينشأ من السهو حتى يكون ذلك من جملة أحكامه ، بل نشأ من عموم الأدلة الموجبة له ، فلا موجب للسهو حينئذ إلا السجدتان ، فيسقطان ، فيتجه حينئذ نفي الحكم عن السهو لكثيره ، وكذا فساد الصلاة كما إذا سها عن ركن لم ينشأ من نفس السهو ، بل من حيث الترك حتى لو حصل من غير جهته » وفيه أن هذا الكلام بعينه يمكن أن يجري بالنسبة إلى الشك أيضا ، فيقال : إن المراد من نفي الحكم عنه نفي موجبه ، وليس إلا الركعات الاحتياطية والسجود ، وأما تلافي المشكوك فيه فليس منه ، بل هو من جهة أصالة عدم الإتيان ، فيبقى مخاطبا به ، فينبغي أن يتلافى مع الكثرة ، فإنه لا معنى للتفرقة ، مع أن المؤدى لهما عبارة واحدة ، وهي لا حكم للسهو مع الكثرة ، وأيضا دعوى أن تدارك السجدة المنسية والتشهد المنسي خارج الصلاة ليس من موجب السهو في غاية البعد ، إذ الدليل الأول غير شامل لمثل ذلك قطعا ، بل قد يقال أيضا بالنسبة إلى تدارك المنسي في الصلاة إنه ليس مشمولا للدليل الأول ، ضرورة وجوب السجود قبل القيام ، فإذا قام سهوا لم يشمله الدليل الأول ، ولذا كان مقتضى القاعدة الفساد ، نعم لما دل الدليل أنه يجب عليك السجود وقلنا به فهو مما وجب للسهو ، وإن كان لا يخلو من نظر ، بل لا يخفى (١) على الناظر نحو قوله للأدلة « إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك ولا‌

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية والظاهر أن في العبارة تقديم وتأخير والصواب أن يقال : « بل لا يخفى على الناظر للأدلة نحو قوله (ع). ».

٤١٩

تعد » أن المراد منها عدم الالتفات إلى المسهو عنه ، فلو أريد بلفظ السهو ما يشمل الحقيقي لوجب الالتزام بعدم وجوب الالتفات إلى المسهو عنه ركنا كان أو غيره إذا كان كثير السهو ، فيقتصر حينئذ على ثلاث للظهر مثلا إذا سها عن الرابعة إن كان كثير السهو وإن ذكر ذلك قبل الخروج من الصلاة ، وقد التزم بذلك كله صاحب الحدائق حيث رجح إرادة ما يشمل الشك والمعنى الحقيقي من لفظ السهو ، وهو كما ترى منشأه الخلل في الطريقة والاعراض عن كلمات الأصحاب وإجماعاتهم ، فحينئذ يقتصر في الحكم على الشك ، ولا يتعدى منه إلى السهو ، فيجب السجدتان وغيرهما تحكيما لأدلتهما السالمة عن المعارض ، وما يقال : إن تلك الأدلة ظاهرة فيما إذا كان السهو جاريا على حسب الغالب في الناس لا فيما إذا كان خارجا عن أغلبهم ، فيشك في شمول الأدلة لمثل المقام ضعيف ، وإلا لجرى بالنسبة إلى تدارك المنسي في الصلاة وخارجها ، وهو لا معنى له ، فالأدلة بإطلاقها شاملة للمقام قطعا.

وأما سقوط سجود السهو الذي يوجبه الشك فلا إشكال فيه ، وما يقال : إن الأمر بالمضي ونحو ذلك لا يدل عليه ضعيف ، وإلا لجرى في مثل ركعات الاحتياط ، بل الظاهر من الأخبار أن هذه الكثرة من الشيطان ، فلا يعمل بموجبها حتى لا يطاع فلا يعود ، كما هو واضح.

ولو كثر شكه في فعل بعينه كالركوع مثلا فهل يعد كثير الشك بذلك ، فيجري عليه حكمه بالنسبة إلى غيره من الأفعال والأعداد أو يقتصر عليه فقط؟ وجهان ، قد اختار أولهما في المدارك والرياض وعن غيرهما ، للإطلاق المؤيد بالتعليل بأن ذلك من الشيطان ، والأقوى الثاني لأنه المتبادر من النصوص ، لظهورها في عدم الالتفات إلى ما كثر سهوه فيه ، وما ذكر من التعليل فهو للثاني أولى منه للأول ، فتبقى الأدلة الأول على حكم الشك محكمة ، بل يحتمل اختصاص الحكم بالنسبة إلى الركعات ، فمن كان كثير‌

٤٢٠