جواهر الكلام - ج ١٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

بعض أدلة الفورية زيادة على وجوبها صفة شرطيتها أيضا ، إذ هي ليس دليلها منحصرا بالإجماع ، بل الأخبار (١) كادت تكون صريحة في ذلك ، خصوصا المشتمل منها على الفاء (٢) المقتضية للتعقيب بلا مهلة ، بل وعلى لفظ « إذا » (٣) الظاهر في أن وقت فعلها عند الفراغ ، وغير ذلك ، ولا ريب في ظهورها باشتراط صحتها بالتعقيب المزبور إذ بدونه لم يأت بالمأمور به على وجهه ، على أنه لو سلم عدم ظهورها بذلك فلا إشكال في كون المستفاد منها خصوص هذا الفرد دون غيره ، فيكفي في فساده عدم الدليل على صحته حتى إطلاقات الأوامر بعد فرض إرادة الفورية منها وانسياق التعقيب من مساقها ، بل لعل القائل بعدم مساواة الفورية للتوقيت في الفوات إنما هو حيث تكون مستفادة من نفس الأمر لا في مثل ما نحن فيه ، ضرورة كون الحاصل هنا من الأدلة أن علاج الشك فعل الاحتياط بدارا ، فكيف يتحقق الامتثال بدونه ، لا أقل من الشك فيبقى يقين الشغل بالصلاة بحاله ، بل قد عرفت سابقا اقتضاء القواعد الفساد بالشك في عدد الفريضة ، فيقتصر فيما خالفها على الثابت المتيقن المتعقب لها ، بل ينبغي القطع بذلك بناء على شرطية المشكوك في شرطيته ، إذ من الواضح حصول الشك في شرطية التعقيب في صحة الاحتياط ، كما أنه من الواضح حصول الشك في ثبوت علاج الفريضة بغير المتعقب لها ، بل لعله من هذه الحيثية لا يبتني على قاعدة الشك في الشرط حتى تتجه الصحة عند من لم يعتبرها كما هو المختار عندنا ، إذ مبنى ذلك التمسك بالإطلاقات المتوقفة على إحراز الركعات ، فمع الشك كما في الفرض لا جزم بصدق اسم الصلاة وثبوت الصحة مع تعقيب العلاج للأدلة الخاصة ، بل قد يقال : إن هذه الفورية ليست‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ و ١١ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٤ و ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٢.

٣٨١

إلا بمعنى موالاة أفعال الصلاة ، وإلا فمن المعلوم أن الأمر لا يقتضي الفور عندنا ، فتأمل جيدا.

بل قد يؤيد ذلك كله بعدم عد الاحتياط فريضة على حدة غير اليومية والعيدين والآية والملتزم بالنذر ، وما ذاك إلا للتعريض المزبور ، وبما في‌ صحيحة ابن أبي يعفور (١) « وإن كان صلى ركعتين كانت هاتان تمام الأربع ، وإن تكلم فليسجد سجدتي السهو » إذ ظاهرها إرادة التكلم قبل الركعتين ، بل تعرضه لذكر ذلك في المقام من دون مقتض لذكره بالخصوص كالصريح في إرادة بيان كون المصلي قبل الإتيان بالركعتين كمن سلم ظانا خروجه من الصلاة وتكلم ، والمناقشة في سندها بأن في طريقها محمد بن عيسى عن يونس ، وفي دلالتها بعدم الصراحة يدفعها وثاقتهما التي لم يقدح فيها طعن بعض القميين وعدم اشتراط حجية الدليل بالصراحة ، بل يكفي الظهور ، سيما إذا كان مثل ما نحن فيه ، كاندفاع المناقشة فيما ذكرنا سابقا بأنه لا يلزم من الفورية بطلان الصلاة بتخلل الحدث ، وبأن معرضيتها لا تقتضي أن تكون جزءا مع انفصالها عنها بالنية وتكبيرة الإحرام وغيرهما ، إذ بالتأمل فيما تقدم يتضح لك فساد ذلك كله.

بل وفساد المشار اليه بقول المصنف وقيل : لا تبطل بتخلل الحدث فضلا عن غيره كما هو خيرة الحلي ، وتبعه الفاضل في بعض كتبه والشهيدان وجماعة من متأخري المتأخرين ( لـ )لأصل وإطلاق الأخبار وظهور الأدلة في أنها صلاة منفردة وكونها بدلا لا يوجب مساواتها للمبدل في كل حكم إذ في الجميع ما عرفت ، خصوصا الأخير ، لعدم منافاة انفرادها مراعاة الجزئية مهما أمكن ، بل يشهد لذلك من الأمور ما سمعت ، كما أنه قد يشهد للانفراد النية والتكبير ونحوهما ، ومن هنا حكي عن فخر المحققين ـ بعد أن نقل القولين بانيا لهما على التمامية والانفرادية ـ اختيار قول ثالث حاكيا له‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٢.

٣٨٢

عن والده أنه ذكره له مذاكرة ، وهو التمامية من وجه والانفراد من آخر جمعا بين الأدلة ، وفيه أنه لا محصل له ، إذ البحث هنا في أن ما نحن فيه من أي وجه ، على أن كونه تماما من وجه يقتضي مراعاة الجزئية مهما تيسر ، فالتفصيل حينئذ بذلك لا وجه له كالتفصيل في الدروس بين تبين النقصان وعدمه ، فلا يقدح الحدث ونحوه في الثاني دون الأول ، إذ هو في الحقيقة اختيار الحلي إلا إذا تبين النقصان ، فيعيد الصلاة لو كان قد أوقع احتياطها بعد حدث ، ولا شاهد يعتد به على ذلك ، ومن العجيب دعوى الحلي هنا ما عرفت وما حكي عنه سابقا من التخيير بين القراءة والتسبيح في الاحتياط معللا له بالبدلية ، وليس هو إلا تناقض ، وإن تكلف بعضهم لدفعه بما لا يرجع إلى محصل ، بل هو تحكم محض ، فتأمل.

والأجزاء المنسية كالركعات الاحتياطية في بادي النظر بالنسبة إلى بطلان الصلاة بتخلل الحدث ونحوه ، بل ربما قيل : إنها أولى بذلك ، للقطع بجزئيتها كما هو ظاهر الأخبار (١) إن لم يكن صريحها ، ولذا وجب الإتيان بها فورا ، كما عن الذكرى الإجماع عليه ، بل هو المنساق من الأدلة ، ومنه يظهر بطلان التمسك بإطلاق الأمر بالقضاء على الصحة وإن تخلل الحدث ، كما أنه يظهر مما قدمنا سابقا إمكان جريان الاستدلال بأكثر ما سمعته هناك على ما هنا حتى ما ذكرناه من كون الفورية المزبورة ليست هي إلا موالاة لحوق الأجزاء بعضها ببعض ، لا فورية تعبدية نحو سجدتي السهو التي لا ربط لهما بالصلاة بحيث لو تركهما عمدا لم تبطل صلاته وإن أثم ، فلاحظ وتأمل ، لكن قد يناقش بأنه لا مانع عقلا ولا شرعا من كونها تتمة للصلاة السابقة ، وأنها هي الأجزاء الفائتة وإن تخلل الحدث ونحوه ، وفيه أنه مسلم بعد مجي‌ء الدليل ، أما بدونه فظاهر الجزئية وكونهما (٢) الفائتين يقتضي مراعاة حكمهما السابق لهما قبل السهو ، فتبطل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

(٢) أي السجدة والتشهد اللذان عبر ( قده ) عنهما بالأجزاء المنسية إذ لا قضاء لغيرهما.

٣٨٣

حينئذ بالتخلل المزبور ، ولا ينافيه ظهور الأدلة بل صراحتها في عدم بطلان الصلاة بنسيان غير الركن ، وأنها لا تعاد من سجدة وغير ذلك ، إذ البطلان هنا ليس لتركهما ونسيانهما ، بل للتخلل المذكور الذي لا مدخلية له في نسيانهما من حيث كونه نسيانا.

نعم قد يقال بإشعار‌ موثق عمار (١) عن الصادق عليه‌السلام بخلاف ذلك كله ، سأله « عن الرجل نسي سجدة فذكرها بعد ما قام وركع قال : يمضي في صلاته ولا يسجد حتى يسلم ، فإذا سلم سجد مثل ما فاته ، قلت : فان لم يذكر إلا بعد ذلك قال : يقضي ما فاته إذا ذكره » إذ هو ظاهر في أنه إن لم يذكرها إلا بعد حين قضاها وقت الذكر وتمت صلاته وإن انمحت صورة الصلاة ، كصحيح ابن مسلم (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام « في الرجل يفرغ من صلاته وقد نسي التشهد حتى ينصرف فقال : إن كان قريبا رجع إلى مكانه فتشهد ، وإلا طلب مكانا نظيفا فتشهد فيه ، وقال : إنما التشهد سنة في الصلاة » بل في‌ صحيح زرارة (٣) عن الباقر عليه‌السلام ما يستفاد منه عدم بطلان الصلاة بترك قضاء التشهد المنسي عمدا معللا له بأنه سنة ، ولا ينقص السنة الفريضة ، قال : « لا تعاد الصلاة إلا من خمسة : الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود ، ثم قال : القراءة سنة ، والتشهد سنة ، ولا ينقص السنة الفريضة ».

بل قد يستفاد من حمل بعض الأصحاب الأخبار المشتملة على الحدث في الصلاة بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة قبل التشهد على النسيان كون الحكم من المسلمات ، منها‌ خبر زرارة (٤) عن الباقر عليه‌السلام « في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ١.

٣٨٤

في السجدة الأخيرة وقبل أن يتشهد قال : ينصرف فيتوضأ ، فإن شاء رجع إلى المسجد وإن شاء ففي بيته ، وإن شاء حيث شاء قعد فيتشهد ثم يسلم » وخبره الآخر (١) قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجود الأخير فقال : تمت صلاته ، وإنما التشهد سنة في الصلاة ، فيتوضأ ويجلس مكانه أو مكانا نظيفا فيتشهد » وصحيحه أيضا (٢) سأل الصادق عليه‌السلام « عن رجل صلى الفريضة فلما فرغ ورفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الرابعة أحدث فقال : أما صلاته فقد مضت ، وبقي التشهد ، وإنما التشهد سنة في الصلاة فليتوضأ وليعد إلى مجلسه أو مكان نظيف فيتشهد » ونحوه‌ خبر ابن مسكان (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « عن رجل صلى الفريضة فلما رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الرابعة أحدث فقال : أما صلاته فقد تمت ، وأما التشهد فسنة في الصلاة فليتوضأ وليعد إلى مجلسه أو إلى مكان نظيف فيتشهد ».

إلا أنها نصوص قد ذكرناها غير مرة ، وفيها ما ينافي الفورية المجمع عليها ، وفيها ما يقتضي قضاء التسليم مع التشهد ، وفيها ما يقتضي ندبية التسليم ، وفيها ما يقتضي غير ذلك مما هو مناف للمعروف من مذهب الإمامية من بطلان الصلاة بتخلل الحدث في أثنائها ولو سهوا وأن التسليم جزء من أفعالها ، ولا يخرج عن الصلاة إلا به ، فالذي يقوى خروج هذه النصوص على مذاق العامة ، هذا.

وقد يستفاد من المحكي عن فخر المحققين حصر النزاع في خصوص السجدة والتشهد المنسيين المتذكر لهما قبل مضي زمان يخرج به عن كونه مصليا ، فإنه ـ بعد أن ذكر وجه الإشكال في الصحة وعدمها إذا تخلل الحدث واختار عدم البطلان ـ قال : « وعلى القول‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٢ لكن هذا خبر عبيد بن زرارة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٤ لكن هذا خبر عبيد بن زرارة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٣.

٣٨٥

باشتراط عدم التخلل المراد به بعد ذكرها قبل مضي زمان يخرج به عن كونه مصليا ، فلو لم يذكرها حتى تخلل حدث أو مضى زمان يخرج به عن كونه مصليا أو خرج الوقت فإنها تخرج عن كونها جزءا ، ولا تبطل بذلك الصلاة وإن تعمد الحدث ، ويصير الجزء قضاء ، ويترتب على الفوائت » بل لعل ما عن محرر أبي العباس من التفصيل بأنه « إن أحدث عمدا بطلت صلاته ، وإن كان سهوا وبعد خروج الوقت أو بعد أن مضى بعد التسليم زمان يخرج به عن كونه مصليا لم تبطل صلاته » مبني على ما سمعت وإن حكي عن غاية المرام أنه قال : المشهور بين الأصحاب عدم الفرق بين الساهي والعامد ، وكلما وجهت للفرق وجها ورد عليه الاعتراض.

وبالجملة قد يقال ـ : إن لم ينعقد إجماع على خلافه وقلنا باعتبار بعض النصوص السابقة ـ بعدم بطلان الصلاة لو كان قد ذكر المنسي بعد أن تخلل المنافي ، بل قد يشعر به إطلاق ما دل على عدم بطلان الصلاة بنسيانهما ، ضرورة كون الفرض من أفراده ، بل قد ينتقل منه إلى عدم البطلان مطلقا كما هو خيرة اللمعة والبيان والدروس والروضة والموجز والمدارك وعن الغرية ، لظهوره حينئذ في عدم بقاء حكم الجزئية لها ( لهما ظ ) كظهور عدم بطلان الصلاة بتخلل باقي أركانها بينهما في ذلك أيضا ، اللهم إلا أن يفرق بالدليل الذي مع التأمل فيه يقتضي أن هذه الأجزاء لها تدارك للمتذكر قبل أن يدخل في ركن وبعده بعد السلام من غير فرق في جزئيته للصلاة في الحالين ، وبذلك وغيره مما تقدم سابقا بان (١) أن له حكم الجزئية حقيقة ، بل هو في الصلاة ما لم يأت به بعد السلام الذي هو آخر الصلاة في غير الفرض ، أما فيه فآخرها الجزء المنسي ، ولذا يكون سجود السهو بعده لا قبله ، والمراد بعدم البطلان بنسيانه من حيث كونه نسيانا لا من جهة تخلل الحدث في أثناء الصلاة ونحوه ، فتأمل جيدا فإن المسألة لا تخلو من إشكال وإن كان‌

__________________

(١) ليس في النسخة الأصلية لفظ « بان » ولكن الصواب ما أثبتناه.

٣٨٦

الاحتياط طريق السلامة.

وكيف كان فعلى الأول لو صلى عمدا قبلهما أو قبل صلاة الاحتياط بناء على المختار فيها بطل وأبطل ، للنهي عن الفصل بالمنافي ، بل وسهوا إذ هي كالصلاة الواقعة في أثناء الصلاة سهوا في بطلان كل منهما بزيادة الركن ونحوه بناء على كون ذلك منه ، وإلا فحيث يقع منه فعل كثير ، وبالوقوع في وقت وحال لا يصلح لها بل لا خطاب بها فيه ، بل وكذا يتجه البطلان مع العمد بناء على الثاني من عدم الفساد بتخلل المنافي وإن حرم إن قلنا باقتضاء الأمر بالشي‌ء النهي عن الضد ، أما مع السهو فلا حتى إذا ذكرها في الأثناء وكان مما يحرم إبطالها ، نعم قد يحتمل العدول إلى الاحتياط مع إمكانه وفيه بعد ، لقصور الدليل عن تناوله ، هذا.

لكن في الذكرى « أنه لو صلى عمدا قبل الاحتياط غيره بطل فرضا كان أو نفلا ترتبت على الصلاة السابقة أولا ، لأن الفورية تقتضي النهي عن الضد ، أما سهوا وكانت نافلة بطلت ، وكذا إذا كانت فريضة لا يمكن العدول فيها ، لاختلاف نوعها كالكسوف ، أو لتجاوز محل العدول ، ويحتمل الصحة بناء على أن الإتيان بالمنافي قبله لا يبطل الصلاة ، وإن أمكن العدول احتمل قويا صحته كما يعدل في باقي الصلوات » وفيه مواضع للنظر يحتاج دفعها إلى تقييد لإطلاق بعض كلماته تظهر بالتأمل فيما قدمنا ، كما أنه يظهر منه وجه عدم إجزاء الإعادة عمن وجب عليه الاحتياط كما في الذكرى وعن الجعفرية والغرية وعن إرشاد الجعفرية والدرة السنية التصريح به ، بل وكذا من وجب عليه قضاء الأجزاء المنسية ، أما على المختار فللتخلل القاضي بوجوب إعادة صلاة ثالثة عليه ، وأما على غيره فلعدم الخطاب بها ، بل يجب عليه فعل الاحتياط وقضاء المنسي لكن عن الذكرى « أنه ربما احتمل الإجزاء لإتيانه بالواجب وزيادة » وفيه ما عرفت على كل من القولين ، نعم تتجه الصحة على المختار لو كان قد أبطل الاحتياط بمناف‌

٣٨٧

قبل الإعادة ، والأحوط له في الفرض السابق فعل الاحتياط وقضاء المنسي ثم الإعادة ثالثا ولو لزمه احتياط في الظهر فضاق الوقت إلا عن العصر زاحم به إذا كان يبقى ركعة للعصر ، وإن كان لا يبقى صلى العصر ، وفي بطلان الظهر الوجهان في فعل المنافي قبله ، كما في الذكرى وعن الدرة وإرشاد الجعفرية وغاية المرام التصريح به ، بل هو واضح ، ولو علم الضيق في أثناء الاحتياط ففي الذكرى أن الأقرب العدول إلى العصر لأنه واجب ظاهرا ، وفيه نظر أو منع ، بل المتجه القطع وابتداء العصر ، ولو لزمه احتياط في العصر مثلا وكان قد خرج الوقت صلاة بعده وتمت صلاته ، ونحوه الأجزاء المنسية ، إذ ليس خروج الوقت نفسه من دون تخلل مناف مبطلا ، لكن قد صرح بعضهم بوجوب نية القضاء معه ، وفيه منع حتى لو قلنا بوجوبها في غيره ، إذ هو من توابع الأولى ، فمع فرض أنها أداء ولو بإدراك الركعة كان الاحتياط كذلك ، كما أنه صرح آخر بوجوب ترتب الاحتياط والأجزاء المنسية على الفائت قبلها أبعاضا كانت أو صلاة مستقلة ، وهو أوضح منعا من السابق.

نعم قد يقال بوجوب الترتيب في نفس الفائت من الأجزاء المنسية والركعات الاحتياطية بأن يقدم السابق فالسابق سببا ، كما لو فاته مثلا سجدة من الركعة الأولى وركعة احتياط قدم السجدة ، ولو كان من الركعة الأخيرة قدم الاحتياط ، مع أنه احتمل في الذكرى في الأخير تقديم السجدة أيضا ، لكثرة الفصل بينها وبين الصلاة ، بل قد يقال بوجوب تأخر الأجزاء المنسية عن ركعات الاحتياط مطلقا ، للأمر بها بعد الصلاة التي لم يعلم تمامها إلا بعد الاحتياط ، كما أنه قد يقال بالبطلان مطلقا بتعذر الامتثال على وجهه ولو للشك في تناول الأدلة للفرض ، أو يقال بعدم وجوب مراعاة ذلك مطلقا ، لوجوب إتيان الجميع فورا بعد الصلاة ولو شرعا بعد الأمر بالبناء على الأكثر والتسليم ، ومنه ينقدح احتمال وجوب فعلها قبل الاحتياط عكس السابق وإن‌

٣٨٨

كان الأولى الأول ، وعليه يحتمل قويا البطلان مع المخالفة للفصل بالمنافي حينئذ ، والإثم خاصة ، كما أنه عليه يحتمل قويا استقبال الصلاة من رأس لو اشتبه عليه الحال ، فلم يعلم السابق من اللاحق ، وسقوط مراعاة الترتيب هنا خاصة ، والتكرير بالتقديم والتأخير لكل منهما للمقدمة ، وإن كان الوسط هنا هو الأوسط ، والله أعلم ، فتأمل جيدا فيه وفي غيره مما تركنا التعرض للتفصيل خوف الملل والإطالة من الأمور التي تعرف بالاحاطة بما قدمنا والتأمل فيه.

المسألة الرابعة من سها في سهو لم يلتفت وبنى على صلاته بلا خلاف ، للصحيح (١) « ليس على الامام سهو ، ولا على من خلف الامام سهو ، ولا على السهو سهو ، ولا على الإعادة إعادة » ولكن في العبارة إجمال ، لاحتمال كون المراد بالسهو في المقامين الشك ، أو معناه المعروف خاصة كذلك ، أو الأول في الأول والثاني في الثاني ، أو بالعكس ، وعلى التقادير يحتمل السهو الثاني نفسه من دون حذف مضاف وحذفه على أن يكون المراد الموجب بالفتح ، فالصور ثمان :

الأولى الشك في موجب الشك بالكسر بمعنى الشك في الشك ، وعن الأصحاب أنه لا يلتفت ، وهو متجه إذا وقع بعد الفراغ من الصلاة في الأعداد وغيرها (٢) ، لأصالة عدمه وعدم تحقق سبب الاحتياط ، فيبقى على مقتضى البراءة ، ولكونه في الحقيقة شكا بعد الفراغ ، ولا فرق بين الشك في وقوع أصل الشك وبين الشك في أن ما طرأ عليه مثلا في الركعة الثالثة شك أو ظن ، ودعوى أن الأصل في ذلك المتحقق‌

__________________

(١) ذكر صدره في الوسائل في الباب ٢٤ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٣ وذيله في الباب ٢٥ منها ـ الحديث ١.

(٢) كمن شك بعد الفراغ انه هل كان قد شك في السجود مثلا من الركعة الثالثة أو أنه هل شك بين الثلاث والأربع ( منه رحمه‌الله ).

٣٨٩

أن يكون شكا لزيادة الظن عليه والأصل عدمها يدفعها عدم جريان الأصل في مثل المقام ، إذ الرجحان وعدمه أي التساوي فصلان مقومان لكل منهما لا يصلح الأصل لتحقيق خصوص أحدهما ، بل هو متجه أيضا لو وقع الشك في أثنائها في الأفعال بعد الدخول في غيرها ، كمن شك حال القيام في أنه هل كان شاكا في السجود سابقا مثلا أولا ، إذ العبرة بحاله حال القيام ، فان كان شاكا لم يلتفت لدخوله في الغير ، وإن كان ظانا تداركه كما لو كان عالما ، ولا ينافيه الرواية (١) إذ ليس التفاتا لهذا الشك ، بل هو أخذ بحكم الظن واليقين ، بل لو كان قد علم حصول الشك في السابق ولكنه لا يعلم في الحال الثاني أنه عمل على مقتضى الشك الأول بأن تدارك المشكوك فيه مثلا أولا لم يلتفت أيضا ، إلا أنه لا دخل له فيما نحن فيه ، إذ المراد تعلق الشك بنفس الشك ، بل هو داخل في الشك بموجب الشك ، ولو علم عدم العمل على مقتضى الشك بطلت إن كان عن عمد ، وإلا تدارك إن أمكن التدارك ، وإلا فسدت إن كان ركنا ، وإلا فهي صحيحة ، مع احتمال الصحة حتى لو كان ركنا ولا يتلافى ، لعدم كونه معلوم النسيان في الواقع ، فلا تشمله أدلته ، لكن الأول الأقوى ، فتأمل جيدا.

بل ومتجه أيضا بالنسبة للأعداد في الأثناء ، كما لو وقع له الشك مثلا في أنه هل شك في حال الجلوس السابق على هذا الجلوس بين الاثنتين والأربع مثلا حتى يكون ما وقع منه مفسدا مثلا ، لكونه كان مخاطبا بالبناء على الأربع ، أو لم يقع له الشك في ذلك ، لأصالة عدم وقوعه ، نعم يرجع أمره إلى اختبار حاله اللاحق ، فيعمل على مقتضاه لا حاله السابق المشكوك فيه ، بل لو كان مظنونا لم يلتفت ، لعدم الدليل على حجيته في مثل المقام ، هذا.

__________________

(١) ذكر صدره في الوسائل في الباب ٢٤ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٣ وذيله في الباب ٢٥ منها ـ الحديث ١.

٣٩٠

ولكن قد يظهر من بعضهم المناقشة بأنه لا يتجه فيما إذا اتحد زمان الشكين ، فإنه حينئذ في الحقيقة شاك في نفس الفعل ، فيجب عليه تداركه ، وفيه أنه لا يتصور اتحاد زمان الشكين ، لكون الشك من الأمور الوجدانية ، ولا الظن بالظن ، نعم يصح تعلق العلم بالعلم في زمان واحد وبالظن أو الشك لا الظن بالظن أو الشك بالشك أو الظن بالشك أو الشك بالظن أو الظن بالعلم أو الشك به ، كما هو واضح ، وبأنه لا يتجه فيما إذا اختلف زمان الشكين ، لكنه قبل خروجه عن محل التدارك ، كما إذا شك في أثناء التشهد أنه شك قبله في السجود أولا ، إذ لا معنى حينئذ لعدم الالتفات كما هو ظاهرهم ، لكونه في الحقيقة شكا في الفعل مع بقاء محله ، فيجب عليه الإتيان به وفيه أولا أنه لا يتجه بناء على أن المحل مطلق الغير ، وثانيا هو ليس التفاتا لهذا الشك نفسه ، بل تلحقه أحكامه في الحال الثاني ، فإن كان ظانا للفعل فيه فلا يلتفت ، وإن كان ظانا للعدم أو شاكا تدارك ، إذ من الواضح أن ليس معنى قوله : « لا شك في شك » أنه لا يلتفت لحكم العلم أو الظن في حال الشك في الشك ، وثالثا قد يقال : إن المراد من عدم الالتفات إلى الشك في الشك بعد تجاوز محل الشك ، فتأمل ، وبأنه لا يتجه أيضا فيما لو شك في أنه هل شك سابقا بين الاثنتين والثلاث أو بين الثلاث والأربع ، إذ الحكم فيه أنه إن ذهب شكه الآن وانقلب إلى اليقين أو الظن فلا عبرة به ويأتي بما تيقنه أو ظنه ، وإن استمر شكه فهو شاك في هذا الوقت بين الاثنتين والثلاث والأربع ، وفيه ما قد عرفت من أن المراد عدم الالتفات إلى الشك في الشك ، ولا يصير كالشك ، فلا مانع حينئذ من جريان كل من الظن واليقين والشك على مقتضاه ، ولا منافاة ، على أن ما ذكره لا يخلو من مناقشة تظهر مما سبق.

بل ربما أجيب عن تمام هذه المناقشة بأن مراد الأصحاب الشك في الشك حال كونه مطلقا لا مقيدا بسجدة أو تشهد أو ركعة حتى يرد ، لكنه تقييد من غير مقيد ،

٣٩١

والتحقيق ما سمعت ، ومنه يظهر أنه لا مخالفة في تفسير الرواية بهذا المعنى للقواعد ، بل هو موافق للأصل كما تقدم ، فتأمل جيدا.

الثانية الشك في السهو أي الشك في أنه هل سها أم لا ، وقد نقل عن جمع من الأصحاب أنه لا يلتفت ، وهو كذلك لو وقع بعد الفراغ أو في الأثناء بعد تجاوز المحل الذي يتلافى فيه المشكوك به ، كما إذا شك حال القيام أنه هل سها عن السجدة أولا فإنه لا يلتفت ، لأنه في الحقيقة شك بعد الدخول في الغير ، أما لو شك كذلك وكان المحل باقيا كما إذا شك في السجدة وهو في التشهد مثلا فإنه يتدارك ، لكونه شكا في الشي‌ء قبل تجاوز محله ، وهدم تلك القاعدة المعلومة المنقول عليها الإجماع ببعض محتملات هذه الفقرة مما لا يجترئ عليه ذو حريجة في الدين ، بل لعل ظاهر إطلاق بعض الأصحاب عدم الالتفات غيرها ، بل قد يقال : المراد الشك في مطلق السهو أي أنه سها أم لا من دون تعلقه بني‌ء خاص ، وإن كان ضعيفا كما ذكرناه في الصورة الأولى.

نعم قد يقال المراد أنه لا يلتفت إلى نفس الشك بالسهو وإن جرت عليه الأحكام الأخر من الظن والشك ، ففي المفروض لا يلتفت إلى نفس الشك في السهو ، نعم يرجع إلى اختبار حاله بالنسبة إلى الفعل ، فان كان شاكا فيه جاء به ، وإلا فلا ، فتأمل.

وكيف كان فهل يجري على تقديره لو كان أصل السهو متيقنا لكن وقع الشك في تعيينه ، كما إذا علم أنه سها عن سجدة ولم يعلم أنها من أي ركعة ، أو علم أصل السهو ولم يعلم أنه سجدة أو قراءة ، أو علم أصل السهو ولكن لا يعلم أنه سجدة أو تشهد ، أو علم أصل السهو ولكن لا يعلم أنه سجدة أو ركوع ، أو علم أصل السهو ولكن لا يعلم أنه ركوع أو قراءة؟ ربما أطلق بعضهم عدم الالتفات ، وتفصيل القول فيها‌

٣٩٢

على ما تقتضيه الضوابط.

أما في الأول فإن كان بعد الفراغ فلا ريب في وجوب قضائها عليه ، إذ لا دخل للعلم بخصوصية الركعة في وجوب القضاء ، وإن كان في الأثناء فإن وقع له الشك وهو في حال يمكن أن يتلافى فيه لو كان مشكوكا به بخصوصه وجب عليه التلافي ، كما إذا علم فوات سجدة إما من الركعة الأولى أو الثانية أو الثالثة وكان جالسا في الثالثة لكونه مشكوكا فيه وهو في المحل ، ويحتمل عدم الوجوب ، للشك في شمول أدلة تلافي المشكوك في المحل لمثله ، لظهورها فيما إذا تعلق الشك به ابتداء لا تبعا كما في المثال ، نعم يجب عليه القضاء بعد الفراغ ، لما ذكرنا سابقا ، فيتجه حينئذ لا شك في سهو في مثل ذلك ، على أن الظاهر منه أيضا تعلق الشك في السهو عن الشي‌ء بعد الخروج عن المحل الذي يتدارك فيه المشكوك فيه حتى يقال : إنه سها عنه لا مع بقاء محله ، فلا يرد حينئذ نحو ذلك ، وإن وقع له الشك في حال لا يتلافى فيه المشكوك فيه كما إذا كان في حال القيام في المثال المفروض لم يلتفت قطعا ، واحتمال أنه بعد تحقق النسيان يجب عليه الإتيان بالممكن للمقدمة ، فيتدارك السجدة الأخيرة إلا إذا دخل في ركن ضعيف كما لا يخفى.

وأما الثاني فإن كان بعد الفراغ فلا التفات لكل منهما ، واحتمال وجوب قضاء السجدة تحصيلا ليقين البراءة ضعيف ، تحكيما لأصالتها ، وإن كان في الأثناء فإن كان في محل يمكن أن يتدارك فيه أحدهما جرى فيه ما تقدم من الكلام ، وإلا فلا التفات.

وأما الثالث فان كان بعد الفراغ جاء بهما معا ، تحكيما للمقدمة ، مع احتمال وجوب إعادة الصلاة أيضا احتياطا ، لاحتمال الفصل بين الجزء المنسي والصلاة ، وإن كان في الأثناء فإن كان في محل يمكن أن يتداركا فيه معا كما إذا وقع في حال الجلوس اتجه وجوب الإتيان بهما معا ، ولا يقدح القطع بالزيادة فيها ، ومثله إذا لم يدخل في‌

٣٩٣

ركن آخر كما إذا وقع ذلك حال القيام قبل الدخول في الركوع ، وأما إذا أمكن تدارك أحدهما كما إذا دار بين سجدة من ركعة فائتة وبين التشهد في حال الجلوس احتمل وجوب تدارك التشهد ، لكونه في الحقيقة مشكوكا فيه مع بقاء محله ، ويحتمل العدم ، لما تقدم سابقا ، أما لو كان حال القيام فلا ، ويجب عليه قضاء السجدة بعد الصلاة.

وأما الرابع فان كان بعد الفراغ اتجه قويا وجوب قضاء السجدة أولا ثم الإعادة للمقدمة ، ويحتمل الصحة ولا قضاء للسجدة لأصالة الصحة ، ولا يقين بفوات السجدة حتى تقضى ، وربما احتمل وجوب الإتيان بالسجدة من دون إعادة ، لأنه مع الإتيان لم يعلم البطلان ، لكنه في الحقيقة هدم لباب المقدمة في مثل ذلك ، وإن كان في الأثناء فإن كان في محل يمكن تدارك أحدهما فيه لو كان مشكوكا فيه تداركه ، ويجي‌ء فيه ما تقدم ، وإن لم يكن في محل كذلك فالظاهر من جماعة البطلان ، لعدم يقين البراءة ، ويحتمل قويا الصحة لأصالتها ، ولا قضاء للسجدة مثلا ، والأحوط إن لم يكن الأقوى إتمام الصلاة ثم قضاء السجدة ثم الإعادة.

وأما الخامس فان كان بعد الفراغ فالأقوى في نظري الصحة لما سمعت ، ويجي‌ء احتمال البطلان على ظاهر كلامهم ، لعدم يقين البراءة ، ومثله لو كان في الأثناء إذا تجاوز محلهما ، أما لو كان في محل يمكن أن يتدارك فيه أحدهما أو هما معا جرى فيه الكلام المتقدم ، هذا ما تقتضيه الضوابط في مثل هذه الأشياء ، واحتمال تحكم « لا شك في سهو » في بعضها في غاية الضعف ، لعدم ظهوره في ذلك.

الثالثة أن يراد بالسهو الشك في كل منهما لكن على تقدير مضاف في الثاني‌ أي موجب شك بالفتح ، ولعل هذه الصورة والتي بعدها أظهر ما يقال في هذه العبارة ، بل لعله هو الظاهر من الأصحاب أيضا ، قال في المنتهى : « ومعنى قول الفقهاء : « لا سهو في السهو » لا حكم للسهو في الاحتياط الذي يوجبه السهو ، كمن شك بين‌

٣٩٤

الاثنتين والأربع ، فإنه يصلي ركعتين احتياطا ، فلو سها فيهما ولم يدر صلى واحدة أو اثنتين لم يلتفت إلى ذلك ، وقيل معناه أن من سها فلم يدر سها أم لا لا يعتد به ، ولا يجب عليه شي‌ء ، والأول أقرب » انتهى. وفي مفتاح الكرامة عن أربعين المجلسي « أن أكثر الأصحاب خصوا قولهم : « لا سهو في سهو » في هذه الصورة وبصورة الشك بموجب السهو ».

وكيف كان فعليه لا يلتفت إلى الشك في عدد ركعات الاحتياط بل ولا في أفعالها ، بل في الدروس « نسبته إلى ظاهر المذهب زيادة على ما عرفت ، والمراد بعدم الالتفات كما صرح به بعضهم البناء على الأكثر بالنسبة إلى الأعداد ما لم يستلزم فسادا كما إذا كان موجب الشك ركعة فإنه يبني على الأقل ، وبالأفعال البناء على وقوعها وإن كان في المحل من غير فرق بين الأركان وغيرها ، وكذا سجدتا السهو حيث يوجبان بالشك ، فلا يلتفت إلى الشك فيهما أعدادا وأفعالا ، لكن عن الأردبيلي المناقشة في هذا الحكم ، بل يبني على الأقل في الجميع ويأتي بالفعل المشكوك فيه قبل تجاوز المحل ، لعدم صراحة النص في سقوطه ، والأصل بقاء شغل الذمة ، ولعموم ما ورد في العود إلى المشكوك فيه قبل تجاوز المحل ، وهو لا يخلو من وجه بالنسبة للأفعال إلا أنه لم يوافقه على ذلك أحد كما عن المجلسي الاعتراف به ، بل ربما نوقش بأن أدلة تلافي المشكوك فيه ظاهرة في الصلاة اليومية ، لا أقل من الشك في شمولها لمثل ركعتي الاحتياط وسجدتي السهو ، ودعوى أن التلافي على القاعدة ، لأصالة بقاء شغل الذمة بالفعل يدفعها أنها تتجه حيث يكون في المحل الأصلي لا إذا تجاوز عنه ولم يتجاوز عن المحل الذي قرره الشارع في أصل الصلاة للعود إلى الفعل المشكوك فيه ، إذ لا يصح جريان الأصل فيه ، ومن ذلك وغيره احتمل بعضهم أن الذي تقتضيه القواعد في ركعات الاحتياط وسجدتي السهو حينئذ من دون نظر إلى قولهم : « لا سهو في سهو » ‌

٣٩٥

إنما هو البناء على الأقل بالنسبة للعدد وتلافي المشكوك فيه قبل أن يدخل في مطلق غيره لكن فيه نظر ظاهر ، ولا ريب أن المتجه العمل في الأعداد بالخبر (١) المنجبر دلالة بالمشهور بين الأصحاب ، بل ربما قيل : إنه متفق عليه ، بل والأفعال في وجه وإن كان الأقوى خلافه كما ستعرف.

وهل يدخل الشك في أصل فعل الاحتياط وسجود السهو؟ ربما احتمل بعضهم ذلك ، لكن الأقوى خلافه ، للأصل وعدم ظهور النص فيه ، ولو شك في فعل من أفعال الصلاة كالركوع ونحوه وكان في المحل وجب تلافيه بلا إشكال ، لكن لو شك في ذكر أو طمأنينة مثلا في ذلك الركوع ففي تلافيهما وجهان ، من تناول العبارة له لكون هذا الركوع موجب شك ، فالشك في أفعاله شك في موجب شك ، ومن أن العود إلى الركوع ليس من الشك حتى يكون موجبا ، بل هو من أصالة عدم الإتيان به فالشك في أفعاله ليس شكا في موجب شك ، ولعله الأقوى ، للشك في دخوله ، فتأمل.

وكذا لا يندرج فيه ما لو تيقن حصول شك منه ولكن لم يعلم أنه هل كان يوجب ركعة أو ركعتين ، بل يأتي بهما معا للمقدمة ، نعم يمكن القول بوجوب الإعادة بعد الاحتياط لاحتمال الفصل بين الصلاة وجبرها ، ومنه ينقدح قوة احتمال الاقتصار على أول ما يقع من الاحتياط ركعة أو ركعتين مع الإعادة ، لأن الثاني إن كان هو الجابر فقد تحقق الفصل بالسابق ، وإن كان الجابر الأول فلا فائدة فيه ، وأما احتمال وجوب الاقتصار على الإعادة فهو ممكن ، لكن فيه أنه يحتمل أن تحصل الصلاة الأولى المخاطب بجبرها بأول ما يقع منه.

وكذا لا يندرج فيه ما لو شك في الإتيان بالفعل المشكوك كأن شك مثلا هل‌

__________________

(١) ذكر صدره في الوسائل في الباب ٢٤ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٣ وذيله في الباب ٢٥ منها ـ الحديث ١.

٣٩٦

جاء بالسجدة المشكوك فيها أو لا؟ لما عرفت سابقا من الشك في كون تلافي السجود من موجب الشك ، ولأنه لا يندرج فيه الشك في أصل وقوع موجب الشك ، بل هو ظاهر في الشك في كيفية موجب الشك ، على أنه لا جابر له في مثل المقام ، فحينئذ يرجع إلى القاعدة فيه ، وهي تقتضي وجوب تلافيه ما دام في المحل الذي يمكن تلافي المشكوك فيه فيه.

الرابعة الشك في موجب السهو بالفتح ، وهو فيما بعد الصلاة منحصر في أمور ثلاثة : الأول سجدتا السهو ، الثاني السجدة المنسية ، الثالث التشهد المنسي على إشكال في الأخيرين ينشأ من احتمال أنهما ليسا من موجب السهو ، بل السهو جوز تأخيرهما ، وإلا فهما الواجبان بالأمر الأول للصلاة ، فلا يجري حينئذ فيهما هذا الحكم ، ولعله لذا لم يصرح الأصحاب بحكم الشك في ذكر السجدة المنسية أو الطمأنينة ، وكذلك بالنسبة للتشهد المنسي ، بل الذي عثرنا عليه التصريح بأن الشاك في عدد سجدتي السهو أو في أفعالهما لا يلتفت ، لكونه شاكا في موجب السهو كما عن البيان وغاية المرام والسهوية والمدارك والروضة وغيرها ، والمراد بعدم الالتفات أنه يبني على الأكثر إلا إذا استلزم فسادا ، فإنه يبني على المصحح ، فلو شك هل سجد سجدة واحدة أو سجدتين بنى على الثنتين وإن كان قبل التشهد ، ولو شك أنهما ثنتان أو ثلاثة يبني على الثنتين ، وهل الشك في أصل الفعل من جلمة الشك في موجب السهو؟ وجهان ، أقواهما العدم ، فمن شك أنه هل سجد للسهو أم لا سجد ، لأصالة عدمه ، وللشك في شمول هذه الفقرة له.

ومما تقدم لك أولا يظهر أن السهو عنه في أثناء الصلاة ثم ذكره قبل تجاوز المحل فجي‌ء به ليس من موجب السهو ، بل هو الواجب بالأصل ، فمن سها عن سجدة فذكر قبل الركوع فتدارك ثم شك في الذكر أو الطمأنينة مثلا قبل رفع الرأس أتى به ، وأولى منه لو تيقن السهو عن السجدة مثلا ثم شك في أنه هل جاء بها أم لا ، بل إن كان في محل‌

٣٩٧

يمكن تدارك المشكوك فيه تداركها ، لكونه في الحقيقة شكا في الشي‌ء قبل تجاوز المحل ، وإن كان في محل لا يتدارك فيه المشكوك كما إذا كان في حال القيام لم يلتفت ، لكونه شكا في الشي‌ء بعد الدخول في غيره ، وربما نقل عن الشهيد الثاني وغيره التصريح بأنه إن تيقن السهو عن فعل وشك في أنه هل عمل بموجبه أم لا أتى به ثانيا إن كان في محل يمكن أن يتدارك فيه ، وإلا قضاه بعد الصلاة إن كان مما يقضى ، وهو ظاهر في إرادة المحل النسياني ، ولهذا أوجب القضاء بعد الصلاة إن خرج عنه ، وهو مشكل لما عرفت سابقا من الدخول تحت القاعدتين ، فتأمل.

الخامسة أن يراد بلفظ السهو الأول النسيان ، وكذلك الثاني من دون تقدير مضاف ، ومعناه أنه سها عن أنه سها ، كما لو سها عن سجدة ثم ذكرها في حال التشهد فنسي العود إليها وقام ، والظاهر أن الحكم فيه أنه إن ذكرها قبل الركوع أتى بها ، وإلا قضاها بعد الصلاة ، فإن كان المنسي ركنا حينئذ بطلت صلاته ، هذا ما تقتضيه القواعد ، واحتمال هدمها بمثل هذه الفقرة المجملة المعنى بالنسبة إلى ذلك مشكل ، ولذا لم أر من صرح بما يقتضي جريانها هنا ، فتأمل.

السادسة أن يراد بالثاني الشك بمعنى أنه سها عن أنه شك ، كما لو شك في السجدة وكان في محل يمكن تداركها لو كانت مشكوكا بها ثم سها عن ذلك ، والحكم فيه أنه إن ذكر قبل تجاوز محل تدارك المشكوك تداركها ، لكونه شكا قبل تجاوز المحل ، وحصول السهو في الأثناء لا يخرجه عن ذلك ، أما لو خرج عن محل تدارك المشكوك لكن لم يخرج عن محل تدارك المنسي كما إذا قام مثلا في محل الفرض فهل يجب عليه الرجوع ، لأنه في الحقيقة نسيان للسجدة المخاطب بها وإن كانت مشكوكا بها ، أو أنه لا يجب عليه ذلك ، لكونه شكا في شي‌ء بعد تجاوز المحل؟ إشكال (١) ويجري الكلام فيما لو كان‌

__________________

(١) الظاهر الوجه الأول لأن المراد من الشك بعد التجاوز هو الذي ابتدأه حال التجاوز لا استمراره الى حال التجاوز والمقام من الثاني نعم لو سها عن فعل السجود المنسي حتى قام فشك حال القيام في سجوده الذي كان متيقنا فواته أو شك في تداركه فوجهان لا يبعد المضي أما الأول فلأن الأحوال إذا تعاقبت عمل على الأخير وهو هنا الشك متجاوزا بعد اليقين وأما الثاني فظاهر إلا أن يدعى عدم شمول دليل الشك بعد التجاوز لذلك لكنها ضعيفة فتأمل « منه رحمه‌الله ».

٣٩٨

ذلك ركنا ، فإنه يحتمل حينئذ عدم البطلان ، لعدم العلم بكونه منسيا وإن دخل في ركن ويحتمل قويا عدم تناول القاعدتين لهذا الفرد ، أما قاعدة تدارك المنسي فلظهورها فيما لو كان منسيا يقينا ، وأما قاعدة الشك بعد تجاوز المحل فلظهورها في تعلق الشك ابتداء لا المسبوق بشك في المحل ، فلا بد من الرجوع إلى قاعدة أخرى غيرهما ، وهي تقتضي البطلان ، إذ لا يحصل يقين البراءة إلا بذلك ، لا يقال : إن السهو عن السجدة يقينا لا يبطل الصلاة ، ففي المشكوك بها بطريق أولى ، لأنا نقول : ليس البطلان من هذه الجهة ، ولذا لا نقول به لو ذكرها بعد الدخول في ركن ، بل نوجب إتمام الصلاة ثم الاحتياط بقضاء السجدة ، ولكن الحكم بالبطلان هنا من جهة عدم العلم بكيفية الفعل ، فلا نتمكن من الأمر بالتدارك ولا بعدمه ، فان قلت : إن الأصل يقتضي وجوب التدارك ، لأنه كان يجب عليه سابقا فيجب عليه الآن ، قلت : كان يجب عليه لكونه في المحل أي محل المشكوك به ، أما بعد خروجه عنه فلا ، لاحتمال دخوله تحت قاعدة الشك في شي‌ء بعد التجاوز عن المحل ، واحتمال القول إنه لا يلتفت لكونه من السهو في السهو على التفسير الذي نحن فيه بعيد ، لعدم ظهور هذه الفقرة في مثله ، بل قد عرفت أن المنقول في تفسيرها خلاف ذلك كما تقدم لك في عبارة المنتهى ، ومثله عن الشيخ أيضا ، نعم يحتمل أن يقال بوجوب التدارك لأنه من المحكوم عليه شرعا بالنسيان ، فيدخل تحت‌ قوله عليه‌السلام (١) : « من نسي سجدة » كما في غير ذلك من نحو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ١.

٣٩٩

هذا التركيب ، ولعل القول بإتمام الصلاة ثم الاحتياط بإعادتها لا يخلو من قوة ، والقول بالتخيير هنا لمكان التردد للفقيه ، فهو مخير بعيد ، فتأمل جيدا.

السابعة أن يراد بلفظ السهو النسيان ، ولكن على تقدير مضاف‌ أي السهو في موجب السهو بالفتح ، مثلا سها عن إحدى السجدتين في سجدتي السهو ، ومثله يجري في السجدة المنسية والتشهد المنسي لو سها عن بعض واجباتهما إن قلنا إنهما من جملة موجب السهو بالفتح ، بل كذلك يجري في المتدارك في أثناء الصلاة إن قلنا إنه منه ، والمنقول عن جملة من الأصحاب التصريح بأنه لا حكم للسهو في سجود السهو ، والظاهر أن المراد بعدم الحكم له أنه لا يوجب سجودا للسهو أو قضاء بعد الفراغ ، بل إن ذكر في المحل جاء به ، وإلا فلا ، وأما احتمال أن يراد بعدم الحكم له عدم الالتفات بمعنى أنه من سها عن إحدى السجدتين ثم ذكرها وهو في المحل فلا يأتي به بدعوى شمول العبارة له فهو في غاية البعد ، وأما الزيادة فيها سهوا كأن يكون قد سجد ثلاث سجدات أو أربعا مثلا فيحتمل شمول العبارة له حينئذ ، فلا يبطل ، وأما لو تركهما سهوا وجاء بالتشهد فقط فالظاهر البطلان ، لما فيه من انمحاء الصورة ، وقد يقال : إن المتجه الرجوع في مثل المقام إلى ما تقتضيه الأصول والضوابط ، وهي تقتضي إعادة السجدتين إذا ترك سجدة واحدة منهما مثلا ، واحتمال عدم البطلان تمسكا بهذه الفقرة فيه من الاشكال ما لا يخفى على أن الخبر (١) الذي تضمنهما ظاهر في إرادة السهو بمعنى الشك بقرينة‌ قوله عليه‌السلام فيه قبلها : « وليس على الامام ولا على من خلفه سهو » فان الظاهر إرادة الشك ، على أن عبارة المنتهى السابقة قد يدعى ظهورها في ذلك بقرينة تمثيله ، فالخروج عن القاعدة بمجرد ذلك مشكل ، فتأمل جيدا.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ١.

٤٠٠