جواهر الكلام - ج ١٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

من جلوس أو ركعة من قيام من غير ترتيب ، وبه تتم الصلاة على أي تقدير ، ولا تعيين للركعتين من جلوس ، لأن الموجب له احتمال الثلاث ، وهو موجب لأحد الأمرين ، لكن النص (١) ورد بركعتين من قيام ثم بركعتين من جلوس ، وبه أفتى الأكثر ، ومقتضاه تقديم الركعتين من قيام ، وتعيين الركعتين من جلوس مخالفا للقاعدة ، فيحتمل تنزيله عليها ، وإن نص فيه على أحد الفردين كما ذهب اليه بعض الأصحاب ويحتمل تخصيصها به كما لعله الأقوى ، فيكون للهيئة الاجتماعية حينئذ تأثير إلا أنه لا ينافي الإجماع السابق الذي هو مختص بما لا نص فيه ، وهو جيد جدا إن ثبت الإجماع المزبور على وجه يفيد ما سمعته من الشكوك المركبة في الألفية وغيرها التي منها يعلم عدم إجماع على الحكم فيها ، لما سمعته من الوجوه والاحتمالات ، وإلا فيشكل استفادة حكم المركب من البسيط كالعكس لو فرض وجود النص فيه دونه ، وإن كان ربما يقال : إن صحة المركب يستلزم صحة أجزائه ، والبناء فيه على الأكثر يقتضي البناء فيها على ذلك ، إذ لو وجب فيها البناء على الأقل لوجب في المركب ، فان الظاهر جريانه على الأصل ، إلا أن ابتناء الأحكام الشرعية التوقيفية على مثل ذلك مما لا يرجع إلى دليل معتبر من دلالة لفظية أو أولوية أو مساواة قطعية يسقط معه احتمال المصالح الخفية لا يخلو من نظر ومنع ، فتأمل ، على أن الظاهر عدم تمامية الإجماع المزبور في غير المركب المذكور المستغني بخصوص النصوص عن القاعدة المزبورة ، مضافا إلى نصوص العمل بالأكثر ، بل الظاهر عدم إرادة السيد العلامة غيره ، لأنه ليس مركبا بسائطه صحيحة غيره ، بخلاف الاثنتين والأربع والخمس ، والثلاث والأربع والخمس ، فان الاثنتين والخمس ، والثلاث والخمس ليسا من البسائط الصحيحة ، والله العالم.

ثم إنه قد عرفت مما تقدم سابقا فساد إلحاق صورة الشك بين الأربع والخمس‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٤.

٣٦١

بعد الركوع بما كان بعد السجود ، فقوله أي الشهيد : « الأصح » إلى آخره فيه ما فيه.

وأما الشك الحادي عشر فقد ذكر فيه الوجهين الذين في الثامن : البناء على الأقل أو الصحة والبناء على الأربع ، وفيهما ما عرفت ، مع أنه ليس على إطلاقه ، لكونه إن كان قبل الركوع يهدم ويرجع إلى ما بين الاثنتين والأربع ، وإن كان بعد الركوع فعندنا البطلان.

وأما الثاني عشر وهو الشك في السادسة فقد أجمله ، لأنه لم يذكر أنه هل وقع الشك بينه وبين ما عدا الخمس أو مع الخمس ، فان لكل حكما قد تبين سابقا ، بل منه أيضا يظهر فساد ما عن الهلالية من أنه إذا تعلق الشك بالسادسة أو بها وبالخامسة معا كان مبطلا ، إذ قد عرفت أنه ليس مطلق تعلق الشك بالسادسة مبطلا ، هذا ، ومن أراد الاطلاع على الاضطراب في هذا الباب فليراجع الألفية والجعفرية وشروحهما ، بل وكذا الذخيرة ، والتحقيق الذي لا ينبغي الريب فيه ما ذكرنا ، والله أعلم ، فتأمل جيدا.

( وهنا مسائل ) :

الأولى لو غلب على ظنه أي ظن أحد طرفي ما شك فيه في الأربعة بل وغيرها مما تقدم حتى الشك في الأولتين والثنائية والثلاثية بنى على الظن وكان كالعلم في عدم الاحتياط والسجود للسهو ونحو ذلك على المشهور نقلا وتحصيلا ، بل عن ظاهر الخلاف أو صريحه الإجماع عليه ، بل في المصابيح وعن الغنية والذكرى وغيرها الإجماع عليه ، بل في الرياض صرح به أي بالإجماع جماعة ، بل لا خلاف معتد به أجده فيه فيما عدا الأولتين والثنائية والثلاثية ، فمن شك مثلا بين الاثنتين والأربع وظن الاثنتين أو الأربع بنى عليه أي يجعل الواقع ما ظنه أقل أو أكثر حتى لو كان زائدا على الأربع بأن غلب على ظنه الخمس ، فإنه يجري عليه حكم من زاد خامسة.

٣٦٢

ويدل عليه حينئذ ـ مضافا إلى ذلك وما يأتي ـ المعتبرة المستفيضة : منها‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر عبد الرحمن وأبي العباس (١) : « إذا لم تدر ثلاثا صليت أو أربعا ووقع رأيك على الثلاث فابن على الثلاث ، وإن وقع رأيك على الأربع فسلم وانصرف ، وإن اعتدل وهمك فانصرف وصل ركعتين وأنت جالس » ومنها (٢) « إذا لم تدر اثنتين صليت أو أربعا ولم يذهب وهمك إلى شي‌ء فتشهد وسلم ثم صل ركعتين وأربع سجدات تقرأ فيهما بأم الكتاب » ومنها الصحيح (٣) « إن كنت لم تدر كم صليت ولم يقع وهمك على شي‌ء فأعد الصلاة » إلى غير ذلك من الأخبار المتممة بعدم القول بالفصل فيما أعلم ، ومن المعلوم أن المراد بالوهم فيها الظن لا المعروف منه ولا العلم قطعا ، ومن ذلك يظهر لك أن الاعتبار بمطلق حصول الظن قويا كان أو ضعيفا حاصلا من أول الأمر أو بعد التروي مصححا أو مبطلا ، فمراد المصنف وغيره بالغلبة ذلك ، وكأنهم عبروا بها لأنه لما كان الشك سابقا والظن طارئا فهو غالب على أحد طرفي الشك وإن كان الحكم غير مخصوص بالظن بعد سبق الشك ، بل لا فرق بينه وبين الظن ابتداء من غير سبق شك إجماعا ، فما يظهر من بعض العبارات كبعض الروايات (٤) غير ملتفت اليه.

ثم إن ظاهر المصنف وغيره عدم الاحتياط بعد البناء على ذلك والسجود للسهو ، لكن عن علي بن بابويه أنه قال في الشك بين الاثنتين والثلاث : « إن ذهب الوهم إلى الثالثة أتمها رابعة ثم احتاط بركعة ، وإن ذهب الوهم إلى اثنتين بنى عليه وتشهد في كل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٧.

٣٦٣

ركعة ويسجد للسهو » بل عنه وعن ولده أيضا إيجاب سجدتي السهو على من شك بين الثلاث والأربع وظن الأربع ، ولم أعرف للأول مستندا ، بل والثاني عدا بعض الأخبار العامة التي ستسمعها ، وخصوص‌ خبر الحلبي (١) عن الصادق عليه‌السلام قال : « إذا كنت لا تدري ثلاثا صليت أم أربعا ولم يذهب وهمك إلى شي‌ء فسلم ثم صل ركعتين وأنت جالس تقرأ فيهما بأم الكتاب ، وإن ذهب وهمك إلى الثلاث فقم فصل الركعة الرابعة ولا تسجد سجدتي السهو ، فان ذهب وهمك إلى الأربع فتشهد وسلم ثم اسجد سجدتي السهو » لكن حمله على الاستحباب بعد إعراض الأصحاب عن ظاهره من الإيجاب هو المتجه.

وأما‌ خبر محمد بن مسلم (٢) قال : « إنما السهو بين الثلاث والأربع ، وفي الاثنتين والأربع بتلك المنزلة ، ومن سها فلم يدر ثلاثا صلى أم أربعا واعتدل شكه قال : يقوم فيتم ثم يجلس فيتشهد ويسلم ويصلي ركعتين وأربع سجدات وهو جالس ، فان كان أكثر وهمه إلى الأربع تشهد وسلم ثم قرأ فاتحة الكتاب وركع وسجد ثم قرأ فسجد سجدتين وتشهد وسلم ، وإن كان أكثر وهمه إلى اثنتين نهض فصلى ركعتين فتشهد وسلم » فمع ما فيه من الاضطراب المنافي لقواعد الأصحاب محتمل للحمل على استحباب صلاة الركعة عند الظن بالأربع ، بل لا يبعد الحكم به في جميع صور الاحتياط مع ظن الأكثر كما لعله يستفاد من بعض الأخبار في بعض الصور ، فلاحظ وتأمل.

وأما الظن بالنسبة إلى خصوص أعداد الأولتين ، بل في كل فريضة ثنائية أو ثلاثية فالمشهور بين المتأخرين اعتباره أيضا كالعلم ، بل عن بعضهم نفي الخلاف فيه إلا من ابن إدريس ، وآخر نسبته إلى الأصحاب عداه ، بل في الدرة السنية أن شيخنا قال : العمل على مقتضاه أي الظن في الرباعية وغيرها من الأفعال أو الركعات مما لا خلاف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٤.

٣٦٤

فيه إلا من ابن إدريس ، والنصوص مصرحة به ، بل في بعض حواشي الألفية أن أصحابنا مجمعون على اعتباره في عدد الصلاة وأفعالها ، كما عن الغنية الإجماع عليه ، وهو الحجة ، مضافا إلى إطلاق بعض الأخبار المتقدمة ، وخبر إسحاق بن عمار (١) قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إذا ذهب وهمك إلى التمام ابدأ في كل صلاة فاسجد سجدتين بغير ركوع ، أفهمت؟ قلت : نعم » المؤيد‌ بالنبوي العامي (٢) « إذا شك أحدكم في الصلاة فلينظر أحرى ذلك للصواب » بل عن كتاب المسائل لعلي بن جعفر (٣) الاكتفاء بالظن في أعداد الركعات وأخذ البناء عليه من المسلمات مع تقرير أخيه الحجة عليه ، بل يمكن الاستدلال عليه بالأخبار الدالة على رجوع الإمام للمأموم وبالعكس (٤) بناء على أن ذلك لحصول الظن ، وضبطها بالحصى (٥) والخاتم (٦) وحفظ الغير (٧) وكحفظ الطواف الذي هو صلاة به أيضا ونحو ذلك ، فان جميعها مرجعها إلى الظن ، مضافا إلى المعروف على ألسنة الأعوام والعلماء « المرء متعبد بظنه » وإلى قيام الظن في الشرعيات مقام العلم عند تعذره حتى حكي عن ابن إدريس الاعتراف به ، بل في المصابيح نقل غيره الإجماع عليه مطلقا ، وكان مراده العلامة في المختلف في باب القضاء على ما في بالي ، فلاحظ ، وأن الصلاة عبادة كثيرة الأفعال والتروك فالمناسب لشرعها الاكتفاء بالظن مطلقا ، وإلا كانت معرضة للفساد بكل وهم ، كل ذلك مع ما في التكليف بالعلم من العسر والحرج ، فإنه لا يكاد يوجد من تصدر عنه صلاة مع القطع واليقين.

خلافا لما عن ابن إدريس من عدم الاكتفاء بالظن في الركعتين الأولتين ، بل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٢.

(٢) سنن البيهقي ج ٢ ص ٣٣٠ وسنن النسائي ج ٣ ص ٢٨ « باب التحري ».

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٢.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ١.

٣٦٥

في كل فريضة ثنائية أو ثلاثية ، بل قد يقال : إنه ظاهر الشيخ في المبسوط والخلاف وعن النهاية ، والفاضل في المنتهى والتذكرة ، والمصنف في المعتبر والنافع وعن المقنعة ، لذكرهم وجوب الإعادة في الشك في عدد الصبح والمغرب وعدد الركعات بحيث لا يدري كم صلى والأولتين من غير تفصيل بين الشك والظن ، ثم ذكروا أحكام الشك في الأخيرتين مفصلين بين الظن وغيره ، لكن لعل اقتصارهم على المفسد (١) فيما تقدم أولا على الشك ـ مع أن المعروف من الشك والذي صرح به في الفقه والأصول واللغة كما عن الزمخشري وغيره بل هو الموافق للعرف تردد الذهن من غير ترجيح لأحد الطرفين ، بل في المصابيح أنه الذي اشتهر بين الفقهاء ، وعليه عامة العلماء ـ كالصريح في قصر الإفساد عليه دون الظن ، وتفصيلهم في الأخيرتين حينئذ لا لكون لفظ الشك في كلامهم شاملا للظن ، بل هو لمكان تصريح الأخبار به في المقام ، وعادتهم ذكر الحكم الموجود في الروايات ، ولذا جعله بعضهم كالمسألة المستقلة كالمصنف ، بل قال في المبسوط بعد ذكر أحكام الشك : « فان غلب في ظنه أحدهما عمل عليه ، لأن غلبة الظن في جميع أحكام السهو تقوم مقام العلم على سواء » أو يكون ذكرهم له في الأخيرتين للرد على بعض العامة القائلين بعدم الاكتفاء به فيها ، أو يكون لبيان أن ليس طرد الشك فيها موجبا للاحتياط ، بل هو مشروط بالتروي ولم يتعقبه ظن ، فاما إذا تعقبه ظن فلا احتياط ، ولذا ترى كثيرا منهم يذكرون حكم الظن الطاري بعد الشك من غير تعرض للظن الابتدائي ، فان حكمه معلوم عند الجميع ، بل يمكن أن يكون ذلك منهم أيضا بناء على أن ما عدا الأخيرتين بمجرد طرو الشك فيها تبطل وإن حصل بعده ظن ، أخذا‌

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصواب « في المفسد » فان متعلق قوله : « اقتصارهم » قوله : « على الشك » وقوله : « كالصريح » خبر قوله : « لعل ».

٣٦٦

بظواهر الأخبار (١) الآمرة بالإعادة بمجرده ، بل ربما يظهر من بعض المتأخرين كصاحب المدارك وغيره الميل اليه ، فيكون هذا التفصيل ليس لشمول لفظ الشك ، بل هو تفصيل في الشك بين ما يعرض بعده ظن أو لا ، وبينهما بون بعيد ، فتأمل جيدا فإنه دقيق ، هذا.

مع أنه كيف يحتمل كون المراد بلفظ الشك ما يشمل الظن في كلام مثل العلامة والمحقق وكون الظن قسيما له مما لا يكاد يخفى على أحد ، بل إرادة ذلك تدليس لا شبهة فيه ، ودعوى أنه في اللغة لما يشمله لأنهم فسروه بما هو خلاف اليقين يدفعها مع أنهم لا زالوا يفسرون بالأعم اتكالا على المتعارف ، ونحوه ما سمعته عن الزمخشري وغيره والتبادر العرفي وكونه المعروف في عبارات العلماء ـ سيما المتأخرين كالمصنف والعلامة ومن هو قريب من زمانهم واستعمالهم له في بعض المقامات في خلاف اليقين لقرينة كقولهم : « من تيقن الطهارة وشك في الحدث » ونحوه ـ لا ينافي الحقيقة العرفية ، فتأمل جيدا ، كل ذلك مع ما عرفت من نسبة الشهيد وغيره الاكتفاء بالظن إلى الأصحاب وإجماع ابن زهرة ، بل قد يقال : إن عبارة ابن إدريس المنقولة عنه غير صريحة بالخلاف ، لأنه صدر كلامه بنحو ما نقل عن المرتضى والمفيد من أن كل سهو يعرض والظن غالب فيه بشي‌ء فالعمل بما غلب عليه الظن ، وإنما يحتاج إلى تفصيل أحكام السهو عند اعتدال الظن وتساويه ، ثم قال : « والسهو المعتدل فيه الظن على ضروب ستة : فأولها ما يجب فيه إعادة الصلاة على كل حال ، وعد منه السهو في الأوليين والمغرب والغداة ـ إلى أن قال ـ : وثالثها ما يجب فيه العمل على غالب الظن ، وعد منه الشكوك المتعلقة بالأخيرتين » وهو كما ترى غير صريح في الخلاف ، لما سمعته من التصريح في أول كلامه ، فيحتمل تفصيله حينئذ في الأخيرتين أحد الوجوه المتقدمة ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

٣٦٧

وأقوى ما يحتمل فيه أن مجرد طرو الشك في القسم الأول مفسد وإن غلبه الظن بخلافه في الأخيرتين ، فإنه يعمل بالاحتياط إن لم يغلب الظن ، وإن غلب بنى عليه ، فتأمل جيدا ، فحينئذ ينعدم الخلاف في المسألة على الوجه المذكور في كلام الأصحاب ، نعم قد ينقدح خلاف آخر وهو ما أشرنا اليه.

وكيف كان فأقوى ما يستدل به له على تقدير الخلاف الأصل في وجه تقدم سابقا ، والأخبار (١) الكثيرة الظاهرة في وجوب تحصيل اليقين باحرازهما ، والأصل مقطوع بما سمعت ، والأخبار معارضة بما عرفت ، على أن في كثير منها تعليق البطلان على الشك القاضي بانتفائه عند انتفائه ، ويتحقق الانتفاء حيث يحصل الظن بناء على ما عرفت من تفسير الشك ، فلا بأس حينئذ أن يراد بالحفظ والسلامة والدراية ونحوها ما يشمل الظن ، ودعوى أن ما تقدم سابقا مما دل على اعتبار الظن مطلق أو عام فيتخصص بما دل على اعتبار اليقين في الأولتين يدفعها ـ مع أن التعارض في بعضها بالعموم من وجه ، والترجيح في جانب ما دل على الظن قطعا ، لما عرفت من فتوى المشهور والإجماع المنقول المعتضد بالنسبة إلى الأصحاب ، ونفي الخلاف من غير ابن إدريس كما عرفت ، وغير ذلك مما تقدم ، بل وغيره من أصالة الصحة والنهي عن إبطال العمل (٢) وعن تعود الخبيث (٣) ونحو ذلك ـ أنه لا مقاومة له من وجوه ، بل بعض ما تقدم خاص أقوى من هذا الخاص من وجوه ، فلا ريب حينئذ أن الأقوى المشهور من العمل على الظن مطلقا فرضا أو نفلا مصححا أو مبطلا في الأولتين وغيرهما.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

(٢) سورة محمد (ص) ـ الآية ٣٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٢.

٣٦٨

وأما اعتبار الظن بالنسبة إلى الأفعال وجودا وعدما بحيث تبطل الصلاة إن ظن العدم في الركن بعد تجاوز المحل ، ولا يلتفت لو ظن الوجود إن كان في المحل فهو ظاهر المصنف والإرشاد والألفية واللمعة وصريح الروضة والدرة ، بل هو المنقول عن الوسيلة والسرائر وجمل العلم والذكرى والجعفرية وشرحيها وفوائد الشرائع والمسالك والمقاصد والنجيبية وعن ظاهر الجمل والعقود والإشارة والهلالية والميسية ، بل عن المحقق الثاني أنه لا خلاف فيه ، وقد سمعت ما نقلناه عن المبسوط والمرتضى والمفيد والدرة السنية وبعض حواشي الألفية.

ويدل عليه ـ مضافا إلى إطلاق بعض ما تقدم من الأدلة ـ الأولوية المستفادة من الاكتفاء به في الركعات ، بل هي ليست إلا مجموع الأجزاء ، فإذا كان الظن في المجموع كافيا ففي البعض بطريق أولى ، بل قد يقال : إنه لا يجتمع قبول الظن في نفس الركعة وعدم قبوله في نفس الجزء ، ومن هنا يمكن أن يرد على ابن إدريس بأنه يلزمه الاكتفاء بالظن بالركعة إذا اكتفى بالظن في الأفعال ، ضرورة كون ظن جميع الأفعال عين ظن الركعة ، اللهم إلا أن يلتزم عدم الاكتفاء بالظن لو اتفق في جميع أفعال الركعة كل ذا مع أنه قد يقال : إن الحكم بالظن في كثير من مواضعه فيها موافق لمقتضى القاعدة.

أما الاعتماد على ظن العدم مع بقاء المحل فلأنه أولى من الشك قطعا ، فإذا تدورك مع الشك فمع ظن العدم بطريق أولى.

وأما بطلان الصلاة حيث يظن عدم الإتيان بالركن بعد تجاوز المحل فللأصل ، وأما الحكم بقضاء نحو السجدة والتشهد لو ظن عدم الإتيان فلأصالة عدم الإتيان بهما ، وكذلك لو ظن زيادة الركن استصحابا لشغل الذمة ، وأما الرجوع إلى تدارك مظنون العدم فيما لو خرج عن محل الشك دون محل النسيان كما في الرجوع إلى السجود بعد القيام إن ظن عدم الإتيان به فلعله لأصالة عدم الإتيان ، وعدم الالتفات إليه بالنسبة‌

٣٦٩

إلى الشك للدليل المختص به دونه ، لوروده بلفظه ، وهو مما يؤيد ما ذكرنا سابقا ، فإنه نقل هنا عن ظاهر الأصحاب عدم شموله للظن ، نعم قد يقال : إن أصالة عدم الإتيان بالفعل معارضة باحتمال الفساد لو كان المتدارك مثلا ركنا ، فيبقى استصحاب الشغل حينئذ لكن الذي يظهر من الأصحاب جريان أصالة العدم بالنسبة إلى الأفعال من دون الالتفات إلى هذا الاحتمال ، وقد تقدم البحث فيه سابقا ، فتأمل جيدا.

المسألة الثانية لا بد في صلاة الاحتياط من النية وتكبيرة الإحرام كما صرح به جماعة ، بل لا أجد فيه خلافا ، بل عن الدرة الإجماع عليه ، فلا يكتفي باستدامة نية الصلاة وتكبيرتها ، لظهور النصوص (١) والفتاوى في كونها صلاة مستقلة عن الأولى ، واقعة بعد اختتامها بالتسليم ، مأمورا بها بأمر على حدة بتشهد وتسليم مختص بها ، وإن كانت هي معرضة لإتمام السابقة إن كانت ناقصة ، وللنافلة إن كانت تامة كما صرح به في بعض النصوص (٢) السابقة ، بل قد يظهر ذلك من هذا التعريض نفسه فضلا عن غيره ، كما أنه يظهر منه ما صرح به بعضهم ، بل نسب إلى الشهيد ومن تأخر عنه من أنه يعتبر فيها جميع ما يعتبر في الصلاة عدا القيام في البعض من الطهارة والستر والاستقبال وغيرها ، بل والتشهد والتسليم ، مضافا إلى الأمر بهما فيما تقدم من الأدلة ، بل وما صرح به في القواعد أيضا من اعتبار اتحاد الجهة إن لم تظهر له القبلة بمعنى مراعاة خصوص جهة المجبورة لو كان المكلف متحيرا فرضه الصلاة إلى أكثر من جهة واتفق وقوع الشك له في صلاة إحدى الجهات ، ضرورة ظهور اقتضاء ذلك التعريض مراعاة المشترك في الصحة على كل من التقديرين مهما أمكن لا إذا لم يمكن ، بل يظهر بالتأمل فيما ورد من كيفيتها في النصوص السابقة أن الشارع لاحظ فيها ذلك في أكثر أفعالها ، بل لعل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ و ١١ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

٣٧٠

أمره بالتشهد والتسليم فيها وبإيقاعها بعده منه أيضا ، لحصول الصحة معه على كل من التقديرين ، أما على النافلة فواضح ، وعلى الجبرية فليس فيه سوى كون التشهد والتسليم الأولين في غير محلهما سهوا ، ولا ضير فيه ، ولا ينافيه تكبير الافتتاح وإن كان هو ركنا تفسد زيادته لكنه اغتفره الشارع هنا كما اغتفره في غير مقام ترجيحا لجانب النافلية على الجزئية ، لمشروعية نظيره بالنسبة للثاني في الجماعة مثلا ، بخلاف الأول فإنه لم تشرع نافلة من غير تكبير ، على أنه قد يمنع إفساد زيادته هنا لو صادف النقص من حيث القصد به إلى افتتاح صلاة جديدة ، فلا يكون زيادة ركن في تلك الصلاة كما أشرنا سابقا إلى نظيره ، كما أنه قد يقال : إن المراد كونها صلاة جعلها الشارع معرضا لكل منهما ، ولا تكون صلاة إلا بالافتتاح بالتكبير ، فتأمل.

نعم قد يقتضي التعريض المذكور عدم وجود التعرض فيها لنية الأدائية والقضائية لو كانت جابرة لمقتضية أو وقعت بعد خروج الوقت إن قلنا بعدم بطلان الصلاة معه ونية النيابة إن كانت جابرة لما هي كذلك ، وإن صرح بوجوب جميع ذلك بعضهم فيها ، لإطلاق الأمر بها عند عروض الشك من غير تعرض لوجوب شي‌ء من ذلك ، وكونها جابرة للسابق على تقدير النقصان أمر شرعي لا مدخلية لنية المكلف فيه ، فليس عليه سوى التعرض للقربة في امتثال هذا الأمر في هذا الحال الذي تشترك فيه الصحة على كل من التقديرين ، ولعله لذا عن نهاية الفاضل الإشكال في وجوب نية القضاء والأداء فيها ، بل عن بعضهم التصريح بأن وجهه ما يؤول إلى ما ذكرنا ، على أنه لا يجب التعرض لشي‌ء من ذلك في المجبور عندنا إن لم يتوقف عليه التعيين فضلا عن الجابر ، فتأمل جيدا.

بل من التعريض المذكور يظهر لك الحال فيما أشار إليه المصنف بقوله هل يتعين في صلاة الاحتياط الفاتحة أو يكون مخيرا بينها وبين التسبيح؟ قيل : بالأول‌

٣٧١

كما هو المشهور نقلا وتحصيلا شهرة كادت تكون إجماعا ( لـ ) ما قد عرفت من التعريض المزبور القاضي بمراعاة الصحيح على كلا التقديرين ، وليس هو إلا بالفاتحة ، ضرورة توقف صحتها لو كانت نافلة واقعا عليها ، إذ لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب ، وللأمر بها في النصوص السابقة المشعرة بما قلنا أيضا ، مضافا إلى ظهور الأدلة إن لم يكن صراحتها في أنها صلاة منفردة وإن كانت معرضة لما سمعت ولا صلاة إلا بها كما عرفت وقيل بالثاني كما عن المفيد والحلي خاصة مع أنه حكي عنهما الاختلاف في عدد التسبيح ( لـ ) اعتبار مرغوب عنه ، بل لعله اجتهاد في مقابلة نص الأدلة وظاهرها ، وهو أنها قائمة مقام ثالثة أو رابعة فيثبت فيها التخيير كما يثبت في المبدل بل ينبغي القطع بفساده ، ضرورة عدم التلازم بين جبرها النقصان لو اتفق وكونها بدلا بالمعنى المذكور ، وإلا لاقتضى كونها نافلة على تقدير التمام خلافه ، نعم هي صلاة مستقلة معرضة لكل من الأمرين ، فينبغي مراعاة الحالتين فيها حينئذ مهما أمكن.

ومن ذلك كله ظهر لك أن الأول أشبه وأصح ، بل لا شبه ولا صحة في غيره ، بل لعله للمراعاة المزبورة صرح في البيان والدروس وعن غيرهما بوجوب الإخفات فيها ، لإحراز الصحة معه على كل من التقديرين بخلاف الجهر ، بل وكذا ما حكي عن نهاية الأحكام وإرشاد الجعفرية الإجماع عليه ، وفي التذكرة نفي الخلاف فيه من عدم وجوب الزيادة على الفاتحة ، لعدم توقف الصحة في كل من التقديرين عليها ، بل قد يؤثر فعلها فسادا لأحدهما في بعض الأحوال ، مضافا إلى إمكان دعوى ظهور النصوص في عدمها أيضا ، بل الظاهر اقتضاء التعريض المزبور صحة الصلاة وإن تذكر المصلي نقصانها بعده كما صرح به جماعة ، بل هو ظاهر إطلاق النص والفتوى ومقتضى قاعدة الاجزاء والاستصحاب وغيرهما ، بل كاد يكون صريح‌ خبر عمار (١) السابق قال :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٣.

٣٧٢

« سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن شي‌ء من السهو في الصلاة فقال : ألا أعلمك شيئا إذا فعلت ثم ذكرت أنك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شي‌ء؟ قلت : بلى ، قال : إذا سهوت فابن على الأكثر ، فإذا فرغت وسلمت فقم فصل ما ظننت أنك نقصت ، فان كنت قد أتممت لم يكن عليك في هذه شي‌ء ، وإن ذكرت أنك كنت نقصت كان ما صليت تمام ما نقصت » من غير فرق بين كونه في الوقت أو خارجه ، وبين كونه محدثا أو لا ، بل وبين المطابقة للمجبورة بأن يكون ناقصة ركعة عن قيام مثلا وقد جاء بها كذلك وعدمها ، كما لو جاء بركعتين من جلوس بدلها ، وإن حكي عن الموجز البطلان مع المخالفة ، لكن لا نعرف له دليلا معتدا به ولا موافقا ، ولا بين تخلل المنافي بينه وبين الصلاة بناء على صحة الاحتياط معه وعدم تخلله ، وإن استقرب البطلان حينئذ في الدروس ، إلا أن إطلاق الأدلة والتعريض المزبور حجة عليه ، ولا بين ذي الاحتياطين وكان الجابر الثاني منهما ، كما في الشك بين الاثنتين والثلاث والأربع وذي الاحتياط الواحد ، وإن استشكله بعضهم بحصول الفصل حينئذ بأركان متعددة ، وفي الدروس وفي الاحتياطين يراعى المطابقة للمقدم منهما ، لكن إطلاق الأدلة وبناء تعريضه ومشروعيته على ذلك يدفعه ، على أنه لو اعتبرت المطابقة لم يسلم احتياط تذكر فاعله الاحتياج اليه كما في الذكرى والروضة ، بل ليس ذلك من زيادة الركن في الصلاة ، لما عرفت أنها صلاة مستقلة وإن كانت معرضة للأمرين السابقين ، بل لو أثر ذلك على تقدير الحاجة اليه لم يكن له فائدة ، إذ مع الغناء عنه لا يجب ، ومع الحاجة تبطل الصلاة بما اشتملت عليه من الأركان ، والحصر عقلي ، ودعوى أن فائدته حال عدم الذكر خاصة لا شاهد لها ، بل الشاهد على خلافها.

نعم كل ذلك لا يقتضي اغتفار الفصل بالركعتين إلا ما ذكرناه من بناء شرعيته على هذا الوجه ، أما لو تذكر النقص في أثنائه فإن كان هو المطابق كما وكيفا‌

٣٧٣

كما لو ذكر نقصان الاثنتين في الشك بينهما والثلاث والأربع مثلا في أثناء ركعتي الاحتياط من قيام ، أو ذكر نقصان الواحدة في الشك بين الثلاث والأربع في أثناء الركعة الاحتياطية من قيام فالأقوى عدم الالتفات ويتم احتياطه وتصح صلاته ، وفاقا لجماعة إن لم يكن المشهور ، استصحابا لصحة الصلاة المجبورة ، ولصحة الصلاة الاحتياطية المؤيد بكون الصلاة على ما افتتحت عليه ، بل للأمر المقتضي للإجزاء ، مضافا إلى إطلاق الأدلة ، والتعريض المذكور ، بل قد يستأنس له بخبر عمار السابق ، وبما عرفت من الصحة مع الذكر بعده ، بل لا مانع يتخيل سوى زيادة التكبير الذي قد عرفت اغتفار الشارع له هنا ، بل قد سمعت احتمال أنها ليست من الزيادة المبطلة ، للقصد بها افتتاح صلاة أخرى.

نعم قد يقال بعدم تعين الفاتحة هنا ، بل يعود التخيير السابق بينها وبين التسبيح لمضي احتمال كونها نافلة المقتضي للإلزام بالجامع ، للصحة على التقديرين ، وتعين كونها جابرة ، مع احتماله لبقاء كونها صلاة مستقلة لا تصح بدون الفاتحة ، لا أنها صارت ركعة رابعة جزء من الصلاة الأولى حقيقة وإن حصل الجبر بها ، فتأمل جيدا ، وخلافا للفاضل وعن غيره فالاستئناف ، وهو ضعيف جدا كما اعترف به في الذخيرة بعد أن ذكره احتمالا ، وبطلان الاحتياط والرجوع إلى حكم تذكر النص احتمالا آخر ، والمختار ثالثا ، وإتمام الاحتياط حتى الركعتين من جلوس في الصورة الأولى مثلا احتمالا رابعا وهي عدا المختار منها كما ترى ، بل ينبغي القطع بفساد الأخير منها ، ضرورة عدم الوجه للإتيان بها ( بهما خ ل ) بعد تذكر النقصان المجبور بالركعتين الأولتين ، إذ هما لاحتمال كون الصلاة ثلاثا المفروض عدمه هنا ، فدعوى احتمال وجوبهما لإطلاق الأدلة به المعلوم عدم تناوله للفرض مما لا ينبغي الالتفات إليها ، اللهم إلا أن يقال : إنه احتياط واحد مركب من أربع ركعات : اثنتان منها من قيام ، واثنتان من جلوس وتسليمتين نحو‌

٣٧٤

صلاة الأعرابي مثلا ، وقد حكمنا بصحته بالشروع فيه ، فيبقى إتمامه على حاله ، وإن كان حكمه حينئذ الإتمام بالأولتين ونفل الأخيرتين من جلوس ، فتأمل ، بل وكذا الاحتمال الثاني لعدم الدليل على فساده بهذا الذكر ، بل ظاهر الأدلة كما عرفت خلافه ، بل قد يتجه على تقدير فساد الاحتياط ما ذكره العلامة لا الرجوع إلى حكم تذكر النقص الممكن دعوى عدم شمول دليله لمثل ذلك ، خصوصا لو كان قد تذكر بعد فعل أكثر أركان الاحتياط أو جميعها ، بل وكذا يظهر لك بأدنى تأمل فيما ذكرنا أنه لا وجه للتفصيل بين تخلل المنافي بناء على صحة الاحتياط معه وعدمه ، فيعيد الأول دون الثاني ولا بين التذكر بعد الإكمال قبل التشهد وعدمه ، فيعيد الثاني دون الأول ، ولا بين التذكر بعد إكمال التشهد قبل التسليم وعدمه ، فيعيد الثاني دون الأول ، وإن صرح في البيان بالأول ، بل قد يعطيه كلام غيره ، كما أنه قد يعطي ما في الموجز الثاني ، وبالثالث صرح في محكي الجواهر ، لعدم دليل يعتد به على شي‌ء من هذه التفاصيل ، بل لعل القول بالإعادة أولى منها حينئذ وإن كان قد عرفت ضعفه في الغاية ، كما عرفت قوة المختار الذي على فرض قصور تناول أدلة الشك لمثل المفروض ـ باعتبار عروض تذكر النقصان ، كقصور تناول أدلة تذكر النقصان له باعتبار ظهورها أو صراحتها فيمن سلم بعنوان إتمام الصلاة ثم تذكر النقصان بخلاف المقام ، فيبقى حينئذ ما ذكرناه من الاستصحاب على حاله ـ غير محتاج إلى الدليل اللفظي ، ومقتضاه حصول الجبر بها ، لأنها افتتحت على ذلك ، بل هو معنى صحتها المستصحبة.

وكذا يقوى في النظر الصحة لو تذكر النقص في أثناء احتياطه المخالف بالكيف دون الكم ، كما لو ذكر الثلاث في أثناء ركعتي الجلوس ، لإقامة الشارع إياهما مقام ركعة من قيام ، فيجري حينئذ هنا ما سمعته ، واحتمال البطلان لاختلال النظم هنا مزاحمة للشارع فيما يرجع أمره اليه ، ولا فرق بين سبقهما باحتياط سابق كما في الشك بين الاثنتين‌

٣٧٥

والثلاث والأربع ، وعدمه كما في الشك بين الثلاث والأربع. لما سمعته من عدم قدح مثل هذا الفصل بصلاحيتها للجبر على حسب الذكر بعد الفراغ ، بل ولا فرق أيضا بين التذكر بعد الركوع فيهما أو قبله ، وإن حكي عن الذكرى هنا أقربية عدم الاعتداد بما فعله من النية والتكبيرة والقراءة ووجوب القيام لإتمام الصلاة ، لكنه لا شاهد له ، ضرورة اتحاد دلالة الأدلة على ما قبل الركوع وبعده.

أما المخالف بالكم كما لو ذكر الثلاث في أثناء الركعتين من قيام فقد قيل : إن لم يتجاوز القدر المطابق بأن لم يكن قد شرع في الركعة الثانية تشهد وسلم واجتزى بها ، لكن في الذخيرة مع ذلك الاحتمالات الأربعة السابقة فيه ، وإن تجاوز فان كان قبل الركوع هدم وكان كالسابق ، وإلا بطل احتياطه ووجب عليه حكم تذكر النقص ، وعن بعضهم مساواته للسابق بعدم الاعتداد بالزائد وإن كان ركنا فيسلم ويجتزي ، وفي الذخيرة إن تجاوز القدر المطابق فان كان قد جلس عقيب الركعة ففيه أوجه : الاكتفاء به وترك التتمة ، وإتمام الاحتياط بأسره وإتمام الركعتين ، وبطلان الصلاة والرجوع إلى حكم تذكر النقص ، وإن لم يجلس عقيب الركعة ففيه الأوجه السابقة ، لكن بعضها في الصورة السابقة أقوى منه هنا ، قلت : إلا أن الذي يقوى في النظر القاصر ـ بعد فساد احتمال كونه احتياطا واحدا قد حكمنا بصحته الذي ذكرناه سابقا ـ بطلان الاحتياط مطلقا تجاوز أو لم يتجاوز كما عن الأردبيلي ، والرجوع إلى حكم تذكر النقص ، أما الأول فلفرض ظهور النقص الذي لم يجعل الشارع هذا الاحتياط معرضا لجبره ، إذ عرضه للنافلة أو جبر نقص الاثنتين خاصة ، ولذا أمر لاحتمال نقص الواحدة بغيره ، فاحتمال الاقتصار حينئذ على جزئه المطابق مطلقا أو إن لم يركع صعب الاقتناص من الأدلة الشرعية إن لم يكن تهجما عليها ، فضلا عن باقي الاحتمالات السابقة والأحوال‌

٣٧٦

المتقدمة ، بل لعل بعضها من المقطوع بفساده ، وأما الثاني فلعدم قدح مثل هذا الفصل وإن كان بأركان كثيرة كما لم يقدح لو اتفق الجبر بما تعقبه من الاحتياط فيما لو ذكر بعده ، بل لعل خبر عمار (١) السابق مشعر بذلك كاشعار البناء على الإتمام والتسليم به ، ضرورة كون المراد من ذلك الاحتيال في عدم بطلان الصلاة بمثل وقوع هذه الأركان في أثناء الصلاة ، فتأمل ، لكن الاحتياط هنا باستئناف الصلاة مما لا ينبغي تركه ، سيما بعد ما أشرنا إليه سابقا من إمكان منع شمول دليل حكم تذكر النقص لمثل الفرض ، وإن كان يقوى في النظر الآن خلافه ، بل لعل منع شمول الدليل لا ينافيه ، إذ المراد مساواته له في الحكم بعد استظهار عدم قادحية هذا الفاصل لا مشاركته له في دليله.

ومن ذلك كله يتضح لك فساد الحكم بالصحة والاجتزاء لو فرض ذكر الثلاث بعد إتمام الركعتين ، بل هي أوضح مما سبق فسادا وإن نسبه في الروضة إلى ظاهر الفتوى معللا له فيها بالامتثال المقتضي للاجزاء ، وهو عجيب ، إذ الفرض ظهور كون ما امتثل به ليس مما عرضه الشارع جبرا لما ظهر ، بل جعل له كيفية أخرى غير هذه الكيفية ، بل مقتضاه عدم صلاحية الأولى جابرة لذلك ، ولذا لم يجتز بها ، فالاجتزاء حينئذ بها على معنى جعل واحدة من الركعتين جابرة والأخرى ملغاة لا تقدح زيادة في علم الشارع ، بل وكذا فساد احتمال إلحاقه بمن زاد في صلاته ركعة سهوا فيها كما عن الموجز ، وإن كان هو أولى من سابقه في الجملة.

بل ومما ذكرنا يتضح لك أولوية الفساد أيضا والرجوع إلى حكم تذكر النقص لو ذكر الاثنتين في أثناء الركعتين من جلوس بناء على جواز تقديمهما على ركعتي القيام ضرورة ظهور عدم صلاحية ذلك لجبر ما ظهر فواته ، إذ الشارع عرضه لجبر الواحدة الفائتة خاصة ، فدعوى إضافة ركعة من قيام إليها إن كان قد ذكر بعد إكمال أركانهما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٣.

٣٧٧

وإلا أكمل ثم أضاف وتتم صلاته مما لا ينبغي الالتفات إليها ، بل هي من القول بغير علم المنهي عنه كتابا وسنة ، ومنه أشكل الحكم على بعضهم بعد البناء منه على فساد المختار معللا له باقتضائه عدم تأثير زيادة الأركان في الصلاة الذي قد عرفت فساده بما لا مزيد عليه ، فقال : « إن إكمالها بركعة أخرى قائما يوجب تغييرا فاحشا ، مع أنه لو ذكر بعد ركعة جالسا فان اكتفى منه بأخرى قائما لزم قيام ركعة من جلوس مقام ركعة من قيام اختيارا ، وإن أوجب إكمال ركعتين من جلوس ثم ركعة من قيام لزم جواز الجلوس مع القدرة على القيام ـ ثم قال ـ : ومن هنا يظهر أن الأصح وجوب تقديم الركعتين من قيام ، فيرتفع الاشكال » وفيه أن المتجه بناء عليه ما عرفت من إلقاء ما في يده وتدارك النقص ، ومن العجيب احتمال بعضهم في الفرض إتمام الاحتياط حتى الركعتين من قيام إلا على الاحتمال السابق ، أو إتمام ما في يده من ركعتي الجلوس والاكتفاء به ، خصوصا الثاني منهما ، إذ هو من الغرائب ، نعم ربما احتمل بطلان الاحتياط والصلاة كما أشرنا إليه سابقا ، بل وإلى وجهه أيضا ، لكن الأقوى ما سمعت.

أما لو كانت الركعة من قيام بناء على جواز إبدال الجلوس به فكذلك المتجه عندنا البطلان والرجوع إلى حكم التدارك ، إذ التلفيق بزيادة ركعة أخرى عليها مما لا دليل عليه ، بل ظاهر الأدلة خلافه كما عرفته في نظيره ، فلا يسمع من قائله إلا أن يفرض أنه شارع واليه الأمر كله.

بل وكذا يظهر لك الحال بأدنى ملاحظة لما تقدم منا فيما إذا شك بين الثلاث والأربع وبنى على الأربع وتشهد وسلم ثم ذكر أنها اثنتان في أثناء احتياطه أو بعده ، وإلا فالحكم واضح قبله ، ضرورة رجوعه حينئذ إلى حكم تدارك النقصان قطعا ، كما في كل صورة من صور الاحتياط وقد ذكر النقصان قبل الشروع فيه بلا خلاف أجده فيه وإن كان الأولان عندنا أيضا كذلك ، فيبطل احتياطه ويتم صلاته ، لكن ليس بتلك‌

٣٧٨

المكانة من الوضوح ، ولذا اضطرب في نظائره كلام الأصحاب ، بل قيل هنا أيضا : إنه إن اختار الركعة من قيام أتمها ركعتين وأتم صلاته ، وهو كما ترى ، بل لعل الفرض أولى بما ذكرنا مما تقدم ، لكون الاثنتين المذكورتين مما لم يتعلق بهما شك قبل ذكر نقصانهما كي تصلح ركعة الاحتياط حينئذ التي أضيفت إليها ثانية جابرة لهما ، فتأمل جيدا ، فان كلام الأصحاب رضوان الله عليهم هنا لا يخلو من تشويش واضطراب ، والله أعلم بحقيقة الحال ، واليه المرجع والمآل.

هذا كله لو ذكر النقصان ، أما لو ذكر التمام فحكمه واضح ، إذ هو بعد الفراغ نفل كما صرح به في بعض النصوص (١) السابقة ، بل وفي الأثناء أيضا على الأصح من غير فرق بين الركعة والركعتين ، نعم له القطع إن قلنا به في النافلة ، بل قد يتعين عليه لو كان عليه فرض وقلنا بحرمة التطوع وقته ، مع احتمال الاغتفار هنا تخصيصا للحرمة بالمبني على النفل ابتداء ، بل يقوى الاغتفار إن قلنا بحرمة قطع النافلة ، إذ ليست هي من غير المشروع حتى لا يحرم قطعها ، لأن الفرض دخول المكلف فيها بنية الفرض وإن قلبها الشارع في الأثناء نفلا ، كما هو واضح.

المسألة الثالثة لو فعل المكلف ما يبطل الصلاة قبل الاحتياط عمدا كالكلام ونحوه ، أو عمدا وسهوا كالحدث ونحوه وإن اقتصر بعضهم على الحدث ، إلا أن الظاهر إرادتهم المثال منه ، كما يومي اليه ما في المتن ، بل عن الذكرى ما يقتضي التصريح به ، لاشتراك الجميع فيما تسمع من أدلة الطرفين قيل والقائل الأكثر في المفاتيح ، والمشهور عن المصابيح تبطل الصلاة ويسقط الاحتياط وإن كان لم يشهد لهما التتبع ، إذ لم أجده إلا للمختلف حاكيا فيه عن غرية المفيد ما لعله يظهر منه ذلك ، والمحقق الثاني في شرح الألفية غير جازم به أيضا ، بل قال فيه : لعله الأقرب ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ١ و ٢.

٣٧٩

وللذكرى والدرة على ما حكي عنهما ، كما عن حواشي الشهيد أنه أولى ، وليس في كتب القدماء جميعها على ما قيل إلا ما يظهر من وجوب المبادرة ، ولعلهما فهماه من ذلك ، لكنه كما ترى ، إذ هي مما لا خلاف فيها كما في الروضة وعن الروض والمصابيح ، بل في المسالك والمحكي عن الأخير الإجماع عليه ، وفي الكفاية أنه ظاهر كلام الأصحاب كما عن الذكرى أنه ظاهر الفتاوى والأخبار ، إلى غير ذلك ، إنما البحث في البطلان وعدمه.

نعم هو الأقوى في النظر لأنها معرضة لأن تكون تماما والحدث مثلا يمنع من ذلك لما عرفت من اقتضاء التعريض له مراعاة سائر أحكام الجزئية عدا ما عارضه التعريض بها أيضا للنافلة المقتضي مراعاة أحكامها أيضا ، فالمشترك حينئذ بينهما الممكن الذي تحصل به الصحة على كلا التقديرين ـ ومنه ما نحن فيه ـ لا بد منه سوى القيام في بعض الأحوال للدليل ، ولعله تغليبا لمراعاة غلبة التعدد في النافلة ، مع أنك قد عرفت سابقا القول بمنع الجلوس أصلا في ركعات الاحتياط الذي يمكن تأييده بذلك ولإشعار وجوب المبادرة المجمع عليه كما عرفت بمراعاة حكم الجزئية ، ضرورة أنها لو كانت صلاة منفردة ما روعي فيها حكم ذلك لم يكن لوجوب المبادرة وجه ، إذ احتمال التعبدية المحضة للإجماع بعيد أو باطل ، بل في المحكي عن المصابيح « أنه لم يدع أحد الإجماع على تحريم فعل المنافي بينهما تعبدا من غير مدخلية البطلان أصلا ، لأن الفقهاء غير ابن إدريس حكموا بالمنع ، لكون الاحتياط معرضة لتماميته كما هو صريح أدلتهم وفتاويهم في غاية الوضوح ، فلذا نسب الخلاف إلى ابن إدريس ، نعم وافقه العلامة في خصوص الإرشاد » انتهى.

بل ينبغي القطع بلزوم وجوب الفور للمختار بناء على مساواة الواجب فورا للموقت في فواته بفوات وقته كما هو أحد الوجهين فيه إن لم يكن أقواهما ، وعدم منافاة الفورية لبعض أفراد المبطل كالكلام عمدا يدفعه عدم القول بالفصل ، بل قد يستفاد من‌

٣٨٠