جواهر الكلام - ج ١٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

دخول الرفع في الركعة وإن خرج عن السجود ولم يتوقف إكماله عليه ، لكن قد يدفعه أن مجرد الجواز غير مجد بعد ظهور العدم ، إذ الإنصاف صدق تمام مسمى الركعة في عرف المتشرعة بإكمال الذكر الواجب ، ولا ينافيه صدقة أيضا بالرفع ، لاحتمال كون الرفع من مشخصات الفرد لا المسمى من حيث التسمية ، فالركعة للقدر الذي يتحقق بإكمال الذكر ، ومن أفراد مسماها ما تحقق معه الرفع لا أن الصدق موقوف عليه ، ومن هنا كان هذا الأخير لا يخلو من قوة ، بل بما ذكرنا يتضح لك النظر في أكثر أدلة الأول ، نعم لو قلنا : إن المعتبر الشك حال الدخول في الثالثة لا حال الإكمال خاصة أمكن عدم اعتبار الشك حينئذ بعد الذكر قبل الرفع ، لعدم صدق الدخول في الثالثة حينئذ ، لكن قد يناقش أولا بأنه مشترك الإلزام بناء على أن تمام الرفع من الركعة الأول ، إذ لا ريب في اعتبار الشك بعد الرفع كما حكى الإجماع عليه في المصابيح والمقاصد ، مع عدم صدق الدخول في الثالثة ، اللهم إلا أن يفرق بين ابتدائه وانتهائه ، فالأول من تتمة الأولى ، والثاني مبدأ الثالثة ، وهو كما ترى ، وثانيا بأنه يمكن إدراجه في النص بالعلاج حينئذ ، إذ هو وإن طرأ له الشك بعد الذكر مثلا لكن له رفع رأسه قطعا ، لعدم كونه من المبطلات ، فإذا رفع اندرج فيها ، اللهم إلا أن يقال بظهور الأدلة في البطلان حينئذ ، فلا يكون للعلاج محل ، وبهذا يفرق بين المقام وبين الصور العلاجية بالهدم ونحوه مما ستسمعه فيما يأتي مما لا يعارض العلاج فيه ظاهر نص ، لكن قد يمنع ذلك فيما نحن فيه أيضا ، فتأمل جيدا ، فإن الذي استقر عليه رأينا القول الأول ، وهو اعتبار رفع الرأس في اعتبار الشك ، وإن كان الاحتياط لا ينبغي تركه سيما بالنسبة إلى القول الأخير ، والله العالم.

وكيف كان فالمسألة الثانية من شك بين الثلاث والأربع في أي حال كان قبل إكمال السجدتين أو بعدهما إذ هو لا يكون إلا بعد إحراز الركعتين كانت صلاته‌

٣٤١

صحيحة بلا خلاف أجده ، بل نقل عليه الإجماع جماعة ، كما أنه حكي عن أخرى ، بل هو قضية ما تسمعه من أدلة البناء على الأربع من الأخبار وغيرها ، بل في بعضها (١) لا يعيد الصلاة فقيه من هذا الشك وبنى على الأربع وتشهد وسلم على المشهور شهرة كادت تكون إجماعا ، بل هي كذلك ، إذ لا يقدح فيه ما حكي من الخلاف فيه على تقدير تحققه ، ولذا حكاه عليه في الخلاف والانتصار والغنية وعن ظاهر الأمالي والسرائر والمعتبر والروض ، وهو وما تقدم من النصوص الآمرة بالأكثر الحجة ، مضافا إلى الأخبار الخاصة المعتبرة سندا ودلالة ولو من جهة الانجبار بما عرفت ، منها‌ خبر عبد الرحمن بن سيابة والبقباق (٢) عن الصادق عليه‌السلام « إذا لم تدر ثلاثا صليت أو أربعا ـ إلى أن قال ـ : وإن اعتدل وهمك فانصرف وصل ركعتين وأنت جالس » ومنها‌ مرسل جميل (٣) عنه عليه‌السلام أيضا فيمن لا يدري أثلاثا صلى أم أربعا ووهمه في ذلك سواء ، فقال : « إذا اعتدل الوهم في الثلاث والأربع فهو بالخيار إن شاء صلى ركعة وهو قائم ، وإن شاء صلى ركعتين وأربع سجدات وهو جالس » ومنها‌ خبر الحلبي (٤) « وإن كنت لا تدري ثلاثا صليت أم أربعا ولم يذهب وهمك إلى شي‌ء فسلم ثم صل ركعتين وأنت جالس ، تقرأ فيهما أم الكتاب ».

فما عن أبي علي وابن بابويه من التخيير بين الأقل والأكثر مع عدم ثبوته عن الثاني ضعيف جدا ، بل لا مستند له سوى ما تقدم سابقا من الجمع بين روايات الأقل والأكثر بما قد عرفت ما فيه من أنه بعد تسليم عدم احتياجه إلى الشاهد فرع التكافؤ المفقود لوجوه متعددة ، فوجب طرح المقابل أو حمله على التقية أو غير ذلك ، كما سمعت سابقا.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٥.

٣٤٢

نعم ظاهر النصوص وبعض الفتاوى وقوع الشك بعد كمال مسمى الركعة ، إذ هو الظاهر من‌ قوله عليه‌السلام : « ثلاثا صليت أم أربعا » ضرورة إرادة أنه لم يدركون الذي وقع منه ثلاثا أم أربعا ، فلا يشملان ما لو وقع الشك في ذلك حال القيام مثلا كما في المقام ، إذ مرجعه أنه لم يدركون الذي في يده ثالثة أو رابعة ، لا أن ما فعله ثلاث أو أربع.

وكشف الحال أن يقال : إن الشك بين الأقل والأكثر له صورتان : الأولى أن يشك في أنه أتى بالأقل تاما أو بالأكثر كذلك ، كما لو شك في أنه صلى ركعتين أو ثلاثا ، فهو حينئذ جازم بالركعتين التامتين شاك في الثالثة ، وهكذا في غيره ، وكون ذات الأقل مقطوعا به لا ينافيه الشك فيه باعتبار وصف القلة بمعنى الإتيان به وحده ، وهذه الصورة هي مورد غالب النصوص والفتاوى في صور الشك المعروفة. الثانية أن يشك أنه في الأقل أو الأكثر كأن يشك أنه في الثانية أو الثالثة ، أو في الثالثة أو الرابعة ، أو في الرابعة أو الخامسة ، والشك في هذه الصورة لا يقتضي القطع بالأقل بمعنى كونه فيه ، لاحتمال كونه في الأكثر ، ولا بوقوع الأقل منه تاما ، لاحتمال كونه فيه ، لكنه يقتضي القطع بمتلو الأقل ، وهو العدد المتصل به من جهة النزول ، فلو قال : لا أدري في ثانية أنا أو في ثالثة كان قاطعا بالركعة الواحدة شاكا بينها وبين الثنتين ، ولو قال : لا أدري في ثالثة أو رابعة فهو محرز للثنتين شاك بينهما وبين الثلاث ، ولو قال : في رابعة أو خامسة فهو قاطع بالثلاث شاك بينها وبين الأربع ، فهذه الصورة ترجع إلى الأولى بعود كل منها إلى المرتبة النازلة عن نظيرها من السابقة ، ويستفاد حكمها منها إذا اختص الدليل بها ، فتبطل الصلاة في الأولى ، لكونه شكا بين الواحدة والثنتين ، وتصح في الثانية ، ضرورة أنه يرجع إلى الشك فيما وقع منه قبل هذا القيام الذي هو فيه المتردد بين كونه ثالثة أو رابعة بين الاثنتين والثلاث ،

٣٤٣

وفرضه البناء على الثلاث ، فيتم الذي بيده على أنه رابعة ، وكذلك الحال في الصورة الثالثة التي ترجع بنحو هذا التقرير إلى الشك فيما قبل هذا القيام بين الثلاث والأربع ، فيهدم حينئذ إذا كان قبل الركوع ويتشهد ويسلم ، أما إذا كان بعد الركوع قبل الإكمال فهو وإن كان شكا أيضا بين الثلاث والأربع إلا أن البناء على الأربع فيه يقتضي الفساد ، والنص فيه مسوق للصحة ، فلا يتناوله ، فينتقل إلى دليل آخر على الصحة ، أو يقال بالبطلان ، فعلم من ذلك كله حينئذ أن حكم الشك في الصورة الثانية يستفاد من حكمه في الصورة الأولى لا من النصوص الواردة فيه ، إذ هي ظاهرة في وقوع الشك بعد الكمال للركعة لا حال النقصان من القيام ونحوه.

كما أنه يمكن استفادة حكم الصورة الأولى من الثانية لو فرض اختصاصها بالدليل دونها ، لكن بالصعود لا بالنزول عكس الأولى ، فلو شك في الثنتين والثلاث كان شاكا في الثالثة والرابعة ، ولو شك في الثلاث والأربع كان شاكا في الرابعة والخامسة بناء على أن إكمال الأقل يستلزم الدخول في الأكثر ، إلا أنك عرفت ورود النصوص غالبا في الصورة الأولى دون الثانية ، فالحاجة اليه نادرة ، ولو كان شاكا بين الثلاث والأربع وهو قائم ثم ذكر نسيان سجدة من الركعة السابقة على القيام المذكور فالظاهر بطلان صلاته ، لصيرورته شاكا بين الاثنتين والثلاث قبل إكمال السجدتين ، والبناء على الأربع في حال الشك السابق لا يجعل السابقة ثالثة على وجه يكون النسيان فيها ثالثة ، ضرورة ترددها واقعا بين الثانية والثالثة ، نعم لو فرض الحال المزبور بعد الركوع في الرابعة التي بنى عليها أنها رابعة لم يبعد الحكم بصحة صلاته وعدم الالتفات إلى الشك المزبور الظاهر في عدم اندراجه في أدلته ، والله العالم ، هذا ولكن قد يطلق الشك في الركعات في عبارات الأصحاب ويراد به المعنى‌

٣٤٤

الأعم من الصورتين كما يومي اليه تقسيمهم الشكوك إلى الأقسام المتعددة بحسب وقوعهما في الأحوال المختلفة من كونها قبل الركوع أو بعده قبل إكمال السجدتين أو بعد الإكمال وقولهم : إن الشك بين الثلاث والأربع تصح معه الصلاة مطلقا ، بخلاف الشك بين الثنتين والثلاث مثلا ، فإنه تصح الصلاة فيه بعد إكمال الركعتين لا قبله ، إذ المنقسم إلى ذلك يمتنع أن يراد به أحد المعنيين بعينه ، بل يتعين فيه الحمل على الأعم المتناول للركعة التامة والناقصة على سبيل المجاز ، كما هو واضح.

وكيف كان بنى على الأربع في مفروض المتن واحتاط كالأولى بركعة من قيام أو ركعتين من جلوس مخيرا بينهما على المشهور شهرة كادت تكون إجماعا ، بل هي كذلك في الخلاف والانتصار والغنية وعن ظاهر غيرها ، مضافا إلى مرسل جميل (١) المتقدم المنجبر بالعمل بين الأصحاب ، بل هو والإجماع قرينة على أن المراد بالأمر بالجلوس في غيره أحد فردي المخير ، كما أنهما شاهدا الجمع بين ظاهر أخبار تتميم الناقص (٢) والأخبار الآمرة بالجلوس (٣) لو كان مثله محتاجا إلى شاهد ، فما عن بعض القدماء من تعيين القيام لا يلتفت اليه ، خصوصا بعد تصريح الروايات بالأمر بالجلوس هنا ، كما أنه لا يلتفت إلى ما عن العماني والجعفي من تعيين الجلوس ، لما عرفت من الإجماعات والمرسل وغيره ، مع أن خلافهما في ذلك غير متحقق ، لأن المنقول عنهما أنهما لم يذكرا الركعة من قيام ، وهو أعم من اختيار العدم ، فما وقع من بعض متأخري المتأخرين من الميل اليه كما ترى.

المسألة الثالثة من شك بين الاثنتين والأربع بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة أو بعد تمام الذكر وإن لم يرفع رأسه أو قبله أو بعد الركوع على اختلاف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

٣٤٥

الوجوه بل الأقوال في تحقق مسمى الركعة بنى وجوبا على الأكثر أي الأربع وتشهد وسلم بلا خلاف معتد به أجده فيه ، بل في الخلاف وعن الانتصار وظاهر السرائر الإجماع عليه ، بل في الرياض عن أمالي الصدوق أنه من دين الإمامية الذي يجب الإقرار به ، ويدل عليه ـ مضافا إلى ذلك وإلى الأخبار الآمرة بالبناء على الأكثر عند الشك ـ خصوص المعتبرة المستفيضة المعمول بها بين الأصحاب قديما وحديثا ، منها‌ صحيح محمد بن مسلم (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل صلى ركعتين فلا يدري ركعتان هي أو أربع قال : يسلم ثم يقوم فيصلي ركعتين بفاتحة الكتاب فيتشهد وينصرف » ومثله غيره ، كخبر ابن أبي يعفور (٢) الآتي ونحوه ، بل وخبر زرارة (٣) عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « قلت له : من لم يدر في أربع هو أو في ثنتين وقد أحرز الثنتين قال : يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب ويتشهد ولا شي‌ء عليه ، وإذا لم يدر في ثلاث هو أوفي أربع وقد أحرز الثلاث قام فأضاف إليها أخرى ولا شي‌ء عليه ، ولا ينقض اليقين بالشك ، ولا يدخل الشك في اليقين ، ولا يخلط أحدهما بالآخر ، ولكنه ينقض الشك باليقين ، ويتم على اليقين ، فيبني عليه ، ولا يعتد بالشك في حال من الحالات » فإنه بقرينة غيره من النصوص يراد منه ركعتا الاحتياط ولذا أمر فيهما بفاتحة الكتاب والقيام ونحو ذلك مما يعلم عدم إرادة تتمة الصلاة فيه ، كقوله عليه‌السلام : « أضاف » بل وقوله عليه‌السلام : « ولا يخلط » ونحوه مما فيه تعريض بالعامة القائلين بالبناء على الأقل مدعين أنه اليقين ، مع أنه في الحقيقة نقض ليقين الصلاة المشغول بها الذمة يقينا بالشك ، ضرورة احتمال الزائد على الأقل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٢.

(٣) ذكر صدره في الوسائل في الباب ١١ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٣ وذيله في الباب ١٠ منها ـ الحديث ٣.

٣٤٦

المساواة والزيادة ، كما أنه خلط لليقين بالشك ، أما على الاحتياط فإنه نقض للشك باليقين باعتبار تردده بين الإتمام والنفل ، بل من ذلك يعلم المراد باليقين في النصوص كما أشرنا إليه سابقا.

وعلى كل حال فلا إشكال في الحكم المزبور ، خلافا للمنقول عن المقنع من الإعادة لكن قال : وروي أنه يسلم فيقوم فيصلي ركعتين ، وكان مراده التخيير بين الإعادة والمختار ، ولعله للجمع بين ما تقدم والصحيح الآخر (١) المنسوب إلى الندرة في المعتبر والمنتهى « سألته عن الرجل لا يدري صلى ركعتين أم أربعا قال : يعيد الصلاة » وهو بعد تسليم عدم احتياج مثله إلى شاهد فيه أنه فرع التكافؤ المفقود من وجوه ، خصوصا بعد دعوى الفاضلين في التذكرة والمنتهى والمعتبر الإجماع على بطلان القول بالإعادة عند التعرض للبناء على الأكثر أو الأقل ، لكن لعل المراد تعينها ، فلا ينافي حينئذ ما تقدم من عبارة المقنع على أحد الاحتمالين ، وكيف كان فالمتجه طرح الصحيح المزبور أو حمله على غير الرباعية أو وقوع الشك قبل إحراز الركعتين أو غير ذلك.

وأضعف منه احتمال التخيير بين المختار والبناء على الأقل ، جمعا بين ما تقدم وبين أخبار الأقل ، إذ عرفت أن أخبار الأقل مطرحة بين الأصحاب موافقة للعامة معارضة بأقوى منها ، بل أضعف منهما احتمال التخيير بين المختار والإعادة والبناء على الأقل الذي منشأه وسابقيه اختلال الطريقة بالإعراض عن كلام الأصحاب والنظر إلى مجرد ما يقتضيه الأخبار ، مع أن فيه من المنافاة لمقتضى قواعد الجمع ما لا يخفى ، على أن ظاهر الأمر بالإعادة يقتضي البطلان ، ولا وجه للتخيير بينه وبين غيره ، اللهم إلا أن يراد الإبطال أو التخيير في الاحتياط بين صلاته والإعادة ، ونحو ذلك مما لا يخفى عليك ما فيه من التكلف المستبشع ، ومن هنا كان المتجه عدم إرادة التخيير من المرسل في المقنع.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٧.

٣٤٧

وعلى كل حال فالمتجه ما عليه الأصحاب من أنه إذا شك بنى على الأكثر وأتى بركعتين من قيام بلا خلاف أجده ، للمعتبرة المتقدم بعضها ، والإجماع المنقول ، فلا يجوز الجلوس ، لعدم الدليل ، بل ظهور الدليل في العدم ، ولا سجود للسهو لعدم سببه ، وما في‌ خبر أبي بصير (١) عن الصادق عليه‌السلام قال : « إذا لم تدر أربعا صليت أم ركعتين فقم واركع ركعتين ثم سلم واسجد سجدتين وأنت جالس ثم سلم بعدهما » لم أعثر على عامل به ، للأصل ، وقوله عليه‌السلام في المعتبرة السابقة : « لا شي‌ء عليه » بعد فعل الاحتياط ، ومفهوم‌ خبر ابن أبي يعفور (٢) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل لا يدري ركعتين صلى أم أربعا قال : يتشهد ويسلم ثم يقوم فيصلي ركعتين وأربع سجدات يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب ثم يتشهد ويسلم ، فان كان صلى أربعا كانت هاتان نافلة ، وإن كان صلى ركعتين كانت هاتان تمام الأربع ، وإن تكلم فليسجد سجدتي السهو » فما في خبر أبي بصير (٣) عن الصادق عليه‌السلام مع أنه من أخبار البناء على الأقل التي قد عرفت حالها لم أعثر على عامل به ، نعم عن جملة من المتأخرين حمله على الاستحباب ، ولو لا التسامح لأمكن المناقشة فيه أيضا ، ولعله لذا قيده بعضهم بالمفهوم السابق ، ولم يذكر الاستحباب ، والأمر سهل.

المسألة الرابعة من شك بين الاثنتين بعد إحرازهما على حسب ما تقدم والثلاث والأربع بنى وجوبا على الأكثر وهو الأربع وتشهد وسلم ثم أتى بركعتين من قيام وركعتين من جلوس على المشهور نقلا وتحصيلا ، بل في الانتصار والغنية الإجماع على ذلك ، وهو الحجة ، مضافا إلى ما تقدم من الأدلة على البناء على الأكثر ، وخصوص‌ مرسل ابن أبي عمير (٤) عن الصادق عليه‌السلام « في رجل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث ٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٤.

٣٤٨

صلى فلم يدر اثنتين صلى أم ثلاثا أم أربعا قال : يقوم فيصلي ركعتين من قيام ثم يسلم ، ثم يصلي ركعتين من جلوس ويسلم ، فان كانت أربع ركعات كانت الركعتان نافلة ، وإلا تمت الأربع » فما عن ابن الجنيد من جواز البناء على الأقل ما لم يخرج الوقت في غاية الضعف لا دليل له سوى ما سمعت من الجمع بين هذه الأدلة وبين أخبار الأقل الذي قد عرفت الحال فيه.

إنما الكلام في مسائل ثلاث : الأولى أن ظاهر عبارة المصنف بل صريحها كغيرها من عبارات الأصحاب بل قد سمعت من الانتصار والغنية دعوى الإجماع عليها عدم الاكتفاء بركعة من قيام وركعتين من جلوس كما عن الصدوقين وأبي علي ، بل عن الذكرى وغيرها « أنه قوي من حيث الاعتبار ، مدفوع من حيث النقل والاشتهار » وفي اللمعة « أنه قريب » ولعل المراد بالاعتبار المشار إليه أنه إن كانت النقيصة اثنتين كانت الركعة من قيام مع الركعتين من جلوس بدلهما ، وإن كانت واحدة كانت الركعة بدلا والثانية نافلة ، وإلا كانا معا كذلك ، لكن فيه أنه فاقد لهيئة ما لعله ناقص على تقدير كون الفائت اثنتين ، والتلفيق مع الفصل بالتسليم وتكبيرة الإحرام وكون إحداهما من قيام والأخرى من جلوس غير موافق للاعتبار ، على أنه لو كان الفائت اثنتين كانت تكبيرة الإحرام زائدة ، وهي مما تقدح زيادتها عمدا وسهوا ، واحتمال أن الركعتين من جلوس موصولة بالركعة القيامية ليست مفصولة ، فلا يلزم ذلك يدفعه ظاهر المنقول عنهم ، على أن الاجتزاء بالركعتين قائما حينئذ أولى.

نعم قد يستدل لهم‌ بالصحيح عن أبي إبراهيم (ع) (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل لا يدري اثنتين صلى أم ثلاثا أم أربعا فقال : يصلي ركعة من قيام ثم يسلم ، ثم يصلي ركعتين وهو جالس » وهو ـ مع أن سؤال الكاظم للصادق عليهما‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ١.

٣٤٩

على هذا الوجه غير معهود ، وعن بعض النسخ عن أبي إبراهيم عليه‌السلام بدون ذكر أبي عبد الله عليه‌السلام ـ معارض بما عن بعض النسخ « ركعتين من قيام » بل لعلها الأصح لتأيدها بالرواية السابقة الموافقة للمشهور بين الأصحاب المحكي عليه الإجماع ، بل قد يؤيدها أيضا ما عرفت أن الشهيدين قوياه من حيث الاعتبار ، ولو كان الخبر كذلك لكان أولى بالذكر ، وما عن الصدوق بعد ذكر هذه الرواية من غير فصل يعتد به أنه قال : وقد روي أنه يصلي ركعة من قيام وركعتين وهو جالس ، ولو كانت الرواية كذلك لم يكن لما ذكر وجه يعتد به ، وتأييد النسخة الأولى بكونها هي المشهورة ضبطا كما قيل وبموافقتها للمنقول عن الفقه الرضوي (١) لا يقاوم ما سمعت فالأصح حينئذ ما عرفت.

الثانية هل يتحتم الجلوس في الركعتين ، أو يجب الإتيان بركعة من قيام ، أو يخير؟ احتمالات بل أقوال ، أقواها الأول ، للأخبار (٢) الآمرة بذلك المعتضدة بظاهر فتوى الأصحاب والإجماع المنقول ، خلافا لما عن ظاهر المفيد في الغرية والديلمي في المراسم وأبي العباس في الموجز فالثاني ، وهو عجيب ، لما فيه من المخالفة لما سمعت من غير دليل معتد به ، فلعل مرادهم التخيير ، وهو الثالث كما اختاره في التذكرة والمختلف واستحسنه في الروضة للجمع بين أوامر الجلوس وظاهر‌ قوله عليه‌السلام : « أتمم ما ظننت أنك نقصت » (٣) ولأن هذا الشك مركب من البسائط ، فلا يزيد على ما وجب لكل واحد لو كان مستقلا ، وهو لا يخلو من وجه ، وإن كان الأوجه خلافه ، وتسمع له تتمة إن شاء الله تعالى في آخر مسائل الشك.

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ١.

٣٥٠

الثالثة ظاهر عبارة المصنف كظاهر غيرها من عبارات الأصحاب عدم وجوب الترتيب ، فيجوز تقديم الركعتين من جلوس على ركعتي القيام ، للعطف بالواو التي هي لمطلق الجمع ، وعطف المصنف بثم مع أن المنقول عن غيره تركها إنما يقتضي ترتب الاحتياط على التسليم لا الترتيب فيه ، نعم ظاهر النافع واللمعة والبيان وجوب الترتيب لعطف الركعتين من جلوس على ركعتي القيام بثم المقتضية لذلك ، وربما نقل عن المفيد وابن إدريس والمرتضى في بعض كتبه ، بل هو الذي يقتضيه الخبر المتقدم الذي هو المستند لهم في الحكم ، مع أنه لم يعلم ممن عطف بالواو الخلاف ، لعدم العلم بمذهبه فيها ، وبهذا ينقدح ما لعله يستند اليه من نقل الإجماع على عبارة العطف بالواو ، لكن قد يقال : إن ترك الأصحاب العطف بثم مع وجوده في الرواية كاد يكون صريحا في عدم إيجابه ، فيستدل حينئذ بالإجماع المنقول عليها المعتضد بالشهرة في التعبير بذلك ، فيكون قرينة على أن المراد هنا بثم الترتيب الذكري ، بل ربما احتمله بعضهم في سائر عطف الجمل ، وطريق الاحتياط غير خفي.

وكذا ظاهر عبارة المصنف في جميع صور الاحتياط وجوب الإتيان بالاحتياط بعد التسليم ، كما هو الظاهر من الأصحاب من غير خلاف أجده فيه ، للأخبار (١) الآمرة به قبله وبه بعده ، وما في بعضها (٢) من الأمر به من غير ذكر للتسليم محمول عليها ، لكن في الوافي بعد ذكر‌ خبر زرارة (٣) الذي لم يتعرض فيه لوقوع الاحتياط بعد التسليم قال : « ولم يتعرض في هذا الحديث لذكر فصل الركعتين أو الركعة المضافة للاحتياط ووصلهما كما تعرض في الخبر السابق ، والأخبار في ذلك مختلفة ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ و ١٠ و ١١ و ١٣ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٣.

٣٥١

وفي بعضها إجمال ، وطريق التوفيق بينها التخبير كما ذكره في الفقيه ، ويأتي كلامه فيه ، وربما يسمى الفصل بالبناء على الأكثر والوصل بالبناء على الأقل ، والفصل أولى وأحوط لأنه مع الفصل إذا ذكر بعد ذلك ما فعل كانت صلاته مع الاحتياط مشتملة على زيادة فلا يحتاج إلى إعادة ، بخلاف ما إذا وصل ، وما سمعت أحدا تعرض لهذه الدقيقة ، فلا تكونن من الغافلين » انتهى. وهو كما ترى.

وكان على المصنف التعرض لباقي صور الشك ، خصوصا الشك بين الأربع والخمس ، لورود النص فيه (١) كما ستعرف ، فنقول وبالله التوفيق ينبغي أن يعلم أولا أن الظاهر من بعض الأصحاب في المقام عدم جريان أصالة العدم والعمل على مقتضاها بل يتعين الرجوع في المنصوص إلى النص ، وفي غيره إلى الفساد أخذا بيقين البراءة ، نعم ربما عالجوا بعض الأشياء بما يرجع إلى المنصوص ، وهل هو لعدم جريانه في نفسه أو للاستظهار من الأدلة؟ يحتمل الأول ، لأن شغل الذمة اليقيني محتاج إلى الفراغ اليقيني ، ومع الشك لا يعلم المكلف الفراغ ، وأصالة العدم وإن كانت حجة شرعية وليس هو في إثبات معنى لفظ بل الفرض أنه بعد ثبوت معنى اللفظ لكنها معارضة بمثلها ، إذ لو شك بين الثالثة والرابعة أو بينها وبين الخامسة وتمسك بأصالة العدم في نفي الزائد وأتم الصلاة على مقتضاها عورض بأن الأصل عدم حصول معنى الصلاة المبرئة للذمة ، إذ الفرض أن الهيئة الحاصلة من العدد المخصوص وغيرها معتبرة فيها ، والأصل عدم حصولها ، نعم يتم جريان أصالة العدم في ذي الجزئيات دون ذي الأجزاء ، لانحلال الأول إلى تكاليف مستقلة بعضها عن بعض دون الثاني ، هذا.

لكن قد يظهر من بعضهم صحة البناء عليها هنا ، ولعله لأنها بعد فرض حجيتها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

٣٥٢

من الشارع من قبيل العلم ، فينقطع أصالة عدم الإتيان بالمبرئ بها ، لأنه بأصالة العدم مع العمل بمقتضاها يدخل تحت مسمى الصلاة شرعا ، فيكون مبرئا ، بل قد يؤيده تمسك مثل العلامة في المنتهى وغيره في مقام الشك في الأركان مع كونه في المحل بأصالة عدم الفعل ، واحتمال أن ذلك منه في مقام التأييد وإلا فالعمدة الدليل بعيد ، على أنه قد يفقد الدليل ، كما لو شك بعد أن ركع هل كان قد ركع سابقا أولا ، فإن الظاهر هنا عندهم الصحة ، تمسكا بأصالة عدم وقوعه منه سابقا ، والانصاف أنه مع ذلك كله لا يخلو الأول من قوة ، بل قد يقال : إن إثبات أصالة العدم فيما نحن فيه محتاج إلى واسطة ، بخلاف أصالة عدم المبرئ ، فتقدم عليه ، بل قد يظهر من ملاحظة كلمات الأصحاب في الصور العلاجية وفي حصرهم صور الشك الصحيحة إلى الخامسة أو السادسة ونحو ذلك أن عدم جريان الأصل من المسلمات ، ولعله من هذا وشبهه بالغ الأستاذ الأكبر في شرح المفاتيح في بطلان دعوى جريان الأصل حتى ادعى وضوح فسادها ، وربما يشهد له في الجملة ما سمعت من خبر زرارة (١) المشتمل على عدم نقض اليقين بالشك في حال من الحالات بناء على ما سمعته منافي غيره ، فلاحظ وتأمل جيدا ، فان كلامهم لا يخلو من اضطراب في المقام ، إلا أنه لا يخفى عليك ابتناء الفروع الكثيرة على تقدير تمشي هذا الأصل ، وثبوت أحكام لم يذكرها الأصحاب ، ولعلنا نشير إلى بعضها فيما يأتي.

لا يقال إنا وإن لم نقل بجريان الأصل لكن قد وردت روايات على مقتضاه ، فلم لم يؤخذ بها ، وهي روايات الأمر بالأخذ بالأقل ، ولا يقدح عدم الاستناد إليها في الشكوك المتقدمة ، وذلك لمكان المعارض هناك دونه في غيرها ، إذ لا يخفى على من لاحظها أنها ظاهرة في البناء على الأقل بالنسبة إلى المشكوك فيه من عدد الفريضة لا فيما إذا تجاوز الشك عددها ، وإلا لو كانت ظاهرة في ذلك لجرى مثلها في روايات الأكثر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٣.

٣٥٣

فتكون حينئذ معارضة لها ، واحتمال الفرق بأن روايات الأكثر ظاهرة في غير المتجاوز بقرينة‌ قوله عليه‌السلام : « وأتمم ما ظننت أنك نقصت » ونحوه دون أخبار الأقل ضعيف كما لا يخفى على من لاحظهما ، على أن أخبار الأقل قد عرفت موافقتها للتقية ، وإعراض الأصحاب عنها في الشكوك المتداولة المتعارفة التي تضمنها بعض أسئلتها فضلا عن غيرها ، كلا أن ذلك مخالف لطبع الفقاهة ، إذا تبين ذلك فاعلم أن الذي يظهر من الأصحاب أن أقصى ترقي الشك السادسة ، لصحة بعض صورها ، وإلا فمتى ترقى إلى الأعلى بطل ، نعم عن ظاهر ابن أبي عقيل إجراؤه في الزائد في بعض الصور كما تسمعه إن شاء الله تعالى.

ولا ريب أن الصور المتصورة هنا كثيرة إذا لاحظت الضرب بالنسبة إلى الأربعة المتقدمة مع الركعة الخامسة ومع السادسة ، ولاحظت محال ما يقع فيه ، بل أنهاها بعضهم إلى مائتين وخمسة وعشرين ، وآخر إلى مائتين وأربع وثلاثين ، وآخر إلى ثلاثمائة وثمان وثلاثين ، لكن ليس فيه كثير فائدة ، لاشتماله على الصحيح والفاسد ، وما لا يدور معه الحكم ، بل قد يترقى إلى أزيد من ذلك إذا لو حظ محال وقوع الشك في القراءة وأثنائها بالنسبة للفاتحة والسورة والقنوت ونحو ذلك ، وهذا مما لا يليق بالفقيه إنما المهم معرفة الصحيح من الفاسد ، وقد عرفت في السابق الصور الأربعة بسيطها ومركبها ، بل عرفت أيضا الخلاف في الصحة بناء على الخلاف في الركعة.

أما لو وقع الشك بالنسبة إلى الخامسة فهي إما أن يكون مع الأربعة أو غيرها فان كان الأول فلا يخلو إما أن يقع بعد إكمال السجدتين ورفع الرأس منهما أولا ، أما الأول فالظاهر فيه الصحة ، خلافا للمحكي عن خلاف الشيخ من البطلان ، ولا ريب في ضعفه ، بل عن المقاصد العلية الإجماع على خلافه ، ولعله كذلك ، ويدل عليه مضافا‌

٣٥٤

إلى ذلك‌ قول الصادق عليه‌السلام فيما رواه عبد الله بن سنان (١) عنه عليه‌السلام في الصحيح : « إذا كنت لا تدري أربعا صليت أو خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ، ثم سلم بعدهما » ومثله خبر أبي بصير (٢) وقوله عليه‌السلام أيضا في الصحيح (٣) : « إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا أم نقصت أم زدت فتشهد وسلم واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة ، تتشهد فيهما تشهدا خفيفا » وهي كما ترى صريحة أو كالصريحة في عدم وجوب شي‌ء غير ذلك ، خصوصا بعد اعتضادها بفتاوى الأصحاب بالنسبة إلى ذلك ، فما في الدروس عن الصدوق من إيجاب ركعتين جالسا احتياطا ضعيف جدا ، وربما حمل كلامه على الشك في ذلك قبل الركوع ، ولا بأس به ، نعم ظاهرها الشك بعد الإكمال ، إذ قبله لا يصدق عليه أنه لم يدر أنه صلى أربعا أو خمسا لمكان المضي في قوله عليه‌السلام : « صليت » نعم يمكن إلحاق الشك قبل رفع الرأس من السجدة الأخيرة به ، بل وقبل الذكر فيها أيضا. لتناول اللفظ لها ، إلا على احتمال أنه لا يصدق تمام الركعة إلا بعد رفع الرأس ، وفيه إشكال يعرف مما مر ، مع أنه يمكن إدراجه بالعلاج حينئذ ، إذ له الرفع والذكر.

وعلى كل حال فمتى وقع الشك بعد الركوع أو في أثنائه أو بعد رفع الرأس منه أو في أثناء الهوي للسجود أو في السجدة الأولى أو بين السجدتين أو قبل وضع الجبهة في السجدة الثانية ونحو ذلك بطلت الصلاة بناء على القاعدة السابقة ، لعدم دخولها تحت المنصوص ، ولا علاج بحيث ترجع اليه ، فاحتمال الصحة إذا وقع بعد الركوع لحصول معظم مسمى الركعة أو لتحقق مسمى الركعة بمجرد الركوع بل قيل : إنه المشهور ضعيف ، لما علمت من عدم تناول النص له بحسب الظاهر وعدم العلاج ، ودعوى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث ٤.

٣٥٥

حصوله بالهدم ـ فيرجع إلى الشك بين الثلاث والأربع ويعمل عمله ، إذ ليس فيه إلا احتمال زيادة الركوع ، وهو غير مفسد ، أو بالإتمام والاندراج تحت الشك بين الأربع والخمس ، واحتمال الزيادة غير قادح كما عرفت ـ يدفعها انحصار العلاج كما ستعرف بما يعلم عدم بطلان الصلاة معه على تقدير السهو كالقيام ونحوه ، على أنه لا تشمله أدلة ذلك الشك قطعا ، كما أنه لا معنى لإيقاع بعض أفعال الصلاة كالسجود ونحوه مع عدم معرفة أنه من الصلاة حال التذكر والتنبه ، إذ هو حينئذ خال من النية واستدامتها ، فتأمل ، وهل يلحق بغير الخامسة (١) السادسة ونحوها في هذا الحكم؟ الظاهر العدم ، خلافا للمنقول عن ظاهر ابن أبي عقيل ، وهو ضعيف ، إذ لا مستند له بعد بطلان القياس ، وقوله عليه‌السلام في الخبر المتقدم (٢) : « زدت أم نقصت » يراد منه الزيادة والنقيصة المعلومتان اللتان يسجد للسهو لهما ، نحو‌ قوله عليه‌السلام في الحسن (٣) : « سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر زاد أم نقص فليسجد سجدتين وهو جالس ، وسماها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المرغمتين » الظاهر في إرادة معلومية حصول أحدهما لكن لم يعلم الزيادة أو النقيصة لا أن المراد الزيادة أو لا ، أو النقيصة أو لا كما تقدم الكلام فيه ، ويأتي إن شاء الله.

وأما إذا وقع الشك بين الخامسة والرابعة قبل الوصول إلى حد الراكع سواء كان قبل القراءة أو بعدها قبل الهوي إلى الركوع أو بعده ولما يصل فلا ريب في عدم دخوله تحت الصور الخمسة المنصوصة ، نعم يظهر من جملة من الأصحاب إمكان علاجه بأن يهدم هذا القيام فيرجع شكه إلى ما بين الثلاث والأربع ، ويعمل عمله وتكون صلاته‌

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصواب « بالخامسة ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٢.

٣٥٦

صحيحة ، لكن قد يناقش فيه وفي سائر أنواع العلاج الآتية بأن الظاهر من تلك الصور وقوع الشك ابتداء لا بجعل وعمل ، على أن الذي يسوغ الهدم له إن كان عدم معلومية كونه للرابعة ، فلم لم يمنع من الهدم عدم معلومية كونه للخامسة ، والجلوس من القيام وإن كان ليس عملا كثيرا حتى تفسد الصلاة به ، فإذا جلس دخل تحت الصورة المنصوصة لكنه مغير للهيئة ، والفرض أنه لم يأت بالأدلة كيف يعمل ، فقد تبطل الصلاة بمجرد هذا الشك بحيث لا ينفعه العلاج ، بل قد عرفت أن الأصل الفساد ، وقول الصادق عليه‌السلام في خبر حمزة بن حمران (١) : « ما أعاد الصلاة فقيه ، يحتال لها ويدبرها حتى لا يعيدها » وإن كان مشعرا بصحة هذا العلاج ، لكنه ورد في بعض‌ الأخبار الآمرة بالإعادة (٢) فقال له الراوي : « أو ما قلت لا يعيد الصلاة فقيه؟ فقال : إنما ذلك بين الثلاث والأربع » وبالجملة لا اطمئنان للنفس بكون الحكم الشرعي لمثله ذلك ، ويدفعها ما قدمناه سابقا في المسألة الثانية من صدق كونه شاكا بين الثلاث والأربع بالنسبة إلى ما مضى من غير حاجة إلى هدم في تحقق الصدق المزبور ، اللهم إلا أن يقال إن المتيقن من المنصوص حال عدم التلبس بحال غير رفع الرأس من السجود ، والأصل الفساد ، ومن هنا كان الاحتياط لا ينبغي تركه ، وبناء على التمسك بأصالة العدم يتجه حينئذ إتمام الركعة وصحة الصلاة ، لكني لم أعرف به قائلا من الأصحاب.

وأما إذا وقع الشك بين الخمس والثلاث فليس في صورة ما نصت عليه الأدلة ، نعم تصح بعض الصور منه بالعلاج المتقدم ، كما إذا وقع الشك قبل الركوع ، فإنه حينئذ يهدم ويرجع شكه إلى ما بين الاثنتين والأربع فيعمل على مقتضاه ، أما لو وقع بعد الركوع بطلت الصلاة في سائر صوره ولا علاج.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٣.

٣٥٧

وأما بين الاثنتين والخمس فلا علاج له في صورة.

وأما بين الثلاث والأربع والخمس فله صورة يمكن علاجها ، وهو ما إذا وقع في حال القيام ، فإنه يهدم ويرجع شكه إلى ما بين الاثنتين والثلاث والأربع ، فيعمل على مقتضاه.

وأما السادسة ففي‌ مضمر أبي أسامة (١) « سألته عن الرجل صلى العصر ست ركعات أو خمس ركعات قال : إن استيقن أنه صلى خمسا أو ستا فليعد ، وإن كان لا يدري زاد أم نقص فليكبر وهو جالس ثم يركع ركعتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب في آخر صلاته ثم يتشهد » لكنه ضعيف لم أجد عاملا به ، مع منافاته لغيره من النصوص ، فالظاهر البطلان فيها متى دخلت مع ركعة من ركعات الفريضة إلا على ما نقل عن ابن أبي عقيل من جريانها مجرى الخامسة ، فإنه حينئذ تكون لها بعض الصور صحيحة ، كما إذا شك بعد إكمال السجدتين بين الرابعة والسادسة ، وعن الكركي « أن مقتضى الإلحاق بالخامسة الصحة في كل موضع تعلق فيه الشك بالرابعة بعد إكمال السجدتين وكل موضع أمكن فيه البناء على أحد طرفي الشك إذا كان للشك طرفان أحدهما الأكثر كالشك بين الأربع والست ، أو على أحد أطرافه إذا كان له أطراف ثلاثة ، كما لو شك بين الثلاث والأربع والست لم تبطل صلاته ، وما سوى موضع يمكن فيه البناء تبطل صلاته ، وهو مذهب ابن أبي عقيل » انتهى.

قلت : المنقول عن ابن أبي عقيل إلحاق السادسة بالخامسة في صورة يقع الشك بعد إكمال السجدتين بينها وبين الرابعة ، وأما في مثل المثال الذي ذكره وهو الشك بين الثلاث والأربع والست فان كان في حال القيام وهدم فإنه يرجع شكه إلى ما بين الاثنتين والثلاث والخمس ، وهو باطل ، وأما إذا كان حال الجلوس بعد الإكمال فلا يصح‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٥.

٣٥٨

فيه الشك في الخامسة على الأقوى فضلا عن السادسة ، وكأنه رحمه‌الله فهم من الشك بين الأربعة والخمسة طرح الخامسة والبناء على الطرف الصحيح ، فحيث يكون له طرف واحد يمكن صحة الصلاة فيه بنى عليه ، وحيث يكون له طرفان أخذ بالأكثر بعد طرح الطرف الزائد من السادسة ونحوها ، وينبغي أن يلتزم حينئذ بالبناء على الأربع حيث يقع الشك بين الثلاث والأربع والخمس بعد الإكمال ، وفيه منع ، وأما إذا وقع بين الخامسة والسادسة فلا علاج لصورة من صوره إلا صورة واحدة ، وهي ما إذا كان حال القيام ، فإنه يهدم ويرجع شكه إلى ما بين الأربع والخمس ، هذا.

لكن قال الشهيد في الألفية بعد ذكره الصور الأربعة المنصوصة : « الخامس الشك بين الاثنتين والخمس ، السادس الشك بين الثلاث والخمس بعد الركوع أو بعد السجود ، السابع الشك بين الاثنتين والثلاث والخمس ، الثامن الشك بين الاثنتين والأربع والخمس ، ففي هذه الأربعة وجه بالبناء على الأقل ، ووجه بالبطلان في الثلاثة الأول احتياطا ، والبناء في الثامن على الأربع ويحتاط بركعتين قائما وسجود السهو ، التاسع الشك بين الاثنتين والثلاث والأربع والخمس بعد السجود ، وحكمه حكم الثامن ، ويزيد في الاحتياط ، العاشر الشك بين الأربع والخمس بعد السجود موجب للمرغمتين كما مر ، وقبل الركوع يكون شكا بين الثلاث والأربع ، وبعد الركوع فيه قول بالبطلان والأصح إلحاقه بالأول ، فيجب الإتمام والمرغمتان ، الحادي عشر الشك بين الثلاث والأربع والخمس ، وفيه وجه بالبناء على الأقل ، وآخر بالبناء على الأربع والاحتياط بركعة قائما والمرغمتين ، الثاني عشر أن يتعلق الشك بالسادسة ، وفيه وجه بالبطلان ، وآخر بالبناء على الأقل ، أو يجعل حكمه كالخمس » انتهى.

وفيه نوع من التأييد لبعض ما ذكرنا سابقا ، ومواضع للنظر ، إذ قد عرفت أن البناء على الأقل في الصور الأربعة الأول منشأه الأصل أو أخبار الأقل ، وفي كل‌

٣٥٩

منهما ما سمعته ، على أن ظاهره عدم جريان البطلان في الصورة الرابعة التي جعلها ثامنا ، لأنه خصه بالصور الثلاثة ، مع أن الظاهر جريانه فيها أيضا ، لمكان الاحتياط الذي ذكره ، لعدم رجوعها إلى الصور المنصوصة لا ابتداء ولا بعلاج ، وما يقال : إنها مشتملة على شكين كل منهما صحيح يدفعه أن الاجتماع غير الانفراد ، ودعوى أن ما دل على حكم الشك مثلا بين الأربع والخمس مطلق يتناول حتى ما لو دخل معه غيره من الشكوك الصحيحة وكذلك بين الاثنتين والأربع ، ففي المقام ينبغي أن يبني على الأربع ، إذ الفرض أنه بين الاثنتين والأربع والخمس ، وهما شكان صحيحان في كل منهما يبني على الأربع ، نعم يأتي بركعتي الاحتياط يدفعها أولا أن ظاهر أخبار الشكوك المنصوصة الانفراد لا مع اجتماع غيرها معها كما لا يخفى على من لاحظها ، وثانيا أنا نمنع رجوعهما إلى شكين صحيحين فقط ، بل معهما شك آخر مفسد ، وهو بين الاثنتين والخمس ، وثالثا أنه لو كان المدرك في الصحة في نحو الصورة إطلاق أدلة الشكوك المتقدمة لكان ينبغي القول بها أيضا في الشك بين الاثنتين والثلاث والخمس ، لإطلاق ما دل على حكم الشك بين الاثنتين والثلاث ، لكن قد يدفع هذا الأخير بالتأمل ، ومثله يجري في التاسع الذي جعل حكمه حكم الثامن مع الزيادة في الاحتياط لمكان دخول الثالثة.

لكن صريح مصابيح العلامة الطباطبائي الإجماع على عدم تأثير الهيئة الاجتماعية في الشكوك بالنسبة للصحة والبطلان ، فالشك المركب حينئذ تابع لبسائطه فيهما وفي البناء على الأقل والأكثر وكيفية الاحتياط ، فلو بطلت البسائط حينئذ كلا أو بعضا بطل المركب ، ولو صح الجميع صح المجموع ، فالشك بين الثنتين والثلاث ، والثنتين والأربع والثلاث والأربع لو خلا عن النص لكان الحكم فيه الصحة ، لثبوتها في كل من الشكوك مع البناء على الأكثر الثابت في كل منها أيضا ، والاحتياط بركعتين من قيام وركعتين‌

٣٦٠