جواهر الكلام - ج ١٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

كل زيادة تدخل عليك أو نقصان » بل في الوافي زاد فيها « ومن ترك سجدة فقد نقص » لكن المعروف والمنقول في كتب الاستدلال وغيرها كالوسائل عدمها ، والظاهر أنها من عبارة الشيخ في التهذيب في بيان وجه الاستدلال بالخبر المزبور على وجوب سجدتي السهو على من ترك السجدة وإن قضاها ، فلاحظ ، وما في سنده من الوهن منجبر بما عرفت ، وخبر جعفر بن بشير السابق (١) وخبر منهال القصاب (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام أسهو في الصلاة وأنا خلف الامام فقال : إذا سلم فاسجد سجدتين ولا تهب » فان تعليقه الحكم على مطلق السهو يشمل ما نحن فيه ، ولا يقدح خروج كثير من الأفراد ، لما عرفت أن ذلك يقدح في العموم اللغوي.

وربما استدل عليه بخبر الفضيل بن يسار (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « من حفظ سهوه وأتمه فليس عليه سهو ، إنما السهو على من لم يدر أزاد في صلاته أم نقص » ونحوه غيره ، إما لأن المراد منه الشك في الخصوصية بعد معلومية أحدهما كما لعله المعنى الحقيقي لهذه العبارة ، فيجب حينئذ هنا ، لعدم القول بمدخلية هذا الشك ، أو لأنه إذا وجب للشك في الزيادة والنقيصة فمع التيقن بطريق أولى ، وربما نوقش بأنه لا أولوية عقلية ولا لفظية ، بل هذا الخبر بالدلالة على خلاف المطلوب أوضح ، لدخول قاضي السجدة تحت من حفظ سهوه وأتمه ، وقد تدفع بأنها عرفية ، وعدم رفع الفعل بعد الصلاة اسم النقصان ، بل ولا هو معنى التتمة.

وعن ظاهر المنقول عن المفيد في الغرية وأبي جعفر بن بابويه ووالده عدم الوجوب بل عن أمالي الأول منهما أنه من دين الإمامية ، للأصل ، مضافا إلى‌ مضمرة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٦.

٣٠١

أبي بصير (١) المشتملة بعد الأمر بقضائها بعد الانصراف على قوله عليه‌السلام : « وليس عليه سهو » كمضمر محمد بن منصور (٢) « سألته عن الذي ينسى السجدة الثانية من الركعة الثانية أو شك فيها. فقال : إذا خفت أن لا تكون وضعت جبهتك إلا مرة واحدة فإذا سلمت سجدت سجدة واحدة وتضع جبهتك مرة وليس عليك سهو » ويؤيده مع ذلك خلو الأخبار (٣) الصحيحة الكثيرة الواردة في مقام البيان عن الأمر بهما ، والموثق (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن سهو ما يجب فيه سجدتا السهو قال : إذا أردت أن تقعد فقمت أو أردت أن تقوم فقعدت أو أردت أن تقرأ فسبحت أو أردت أن تسبح فقرأت فعليك سجدتا السهو ، وليس في شي‌ء مما يتم به الصلاة سهو ـ إلى أن قال ـ وسئل عن الرجل ينسى الركوع أو ينسى سجدة هل عليه سجدتا السهو ، قال : لا ، قد أتم الصلاة » إلى آخره.

وفي الكل نظر ، أما الأول فهو ـ مع كونه مضمرا ضعيفا لا جابر له موهنا باعراض المشهور عنه ـ معارض للإجماعات السابقة محتمل لأن يراد بالسهو المنفي الموجب للإعادة أو غيرها لا سجدتيه ، أو لحال التدارك ، بل رواية الفقيه له مسندا صحيحا لا تجدي أيضا بعد الاعراض المزبور ، وما سمعته من محكي الإجماع المسطور ، وأما الثاني ففيه مع ذلك أيضا أنه صريح أو كالصريح في صورة الشك ، والكلام في النسيان وإن استفيد حكمه منها ، وأما التأييد بالخلو المتقدم فهو غير صالح لأن يعارض ما سمعت من الأدلة المتقدمة ، وكذلك الموثق مع قصور دلالته واشتماله على ما لا يقول به الخصم والحصر في السؤال ، ومعلومية إرادة حال التدارك منه بقرينة ذكر الركوع وغيره ، فكان الأول هو الأقوى ، فما وقع من بعض المتأخرين كالفاضل المعاصر في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب السجود.

(٤) التهذيب ج ٢ ص ٣٥٣ ـ الرقم ١٤٦٦ من طبعة النجف.

٣٠٢

الرياض وغيره من الميل اليه ضعيف.

وأما وجوبهما لنسيان التشهد ففي المدارك أنه لا خلاف فيه ، بل في الخلاف الإجماع عليه في موضعين ، وعن الغنية الإجماع عليه أيضا ، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة غاية الاستفاضة التي قد تقدم بعضها في البحث عن قضائه ، فما عن ظاهر بعضهم من العدم لعده مواضع السجود مع تركه له ضعيف جدا ، والظاهر أنه لا فرق بين الأول والثاني كما تقدم سابقا ، ويأتي الكلام إن شاء الله في باقي ما يجب له سجدتا السهو في الخاتمة.

وأما الخلل الحاصل في الصلاة بسبب طرو الشك فيها ، والمراد به التردد مع تساوي الطرفين‌ ففيه مسائل : الأولى من شك في عدد الواجبة الثنائية أعاد كالصبح وصلاة السفر وصلاة العيدين إذا كانت فريضة والكسوف عند علمائنا كما في التذكرة والمعتبر مع زيادة الجمعة فيهما ، وترك التمثيل بالكسوف وصلاة العيدين في ثانيهما ، بل في المنتهى « ذهب إليه علماؤنا أجمع إلا ابن بابويه » وإن ترك التمثيل فيه بالعيدين أيضا ، على أن النقصان والزيادة في التمثيل غير قادحين ، ولذا حكى الإجماع العلامة الطباطبائي في المصابيح على البطلان في كل شك تعلق بغير الرباعية وصلاة الاحتياط من الفرائض ، وعن الانتصار والغنية الإجماع في الفجر والسفر ، وفي الخلاف « من شك في صلاة الغداة أو المغرب فلا يدري كم صلى أعاد ـ إلى أن قال ـ : دليلنا إجماع الفرقة ـ ثم قال ـ : من شك في صلاة السفر أو صلاة الجمعة وجب عليه الإعادة ـ إلى أن قال ـ : دليلنا ما قلناه في المسائل الأول من إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط » والظاهر أنه لا يريد بقوله في العبارة الأولى « فلا يدري » تخصيص نوع الشك ، بل هو ما يشمل ما نحن فيه بقرينة استدلاله بأخبار ليست خاصة في ذلك ، وكيف كان فلم أعثر على مخالف في هذا الحكم ، بل ولا من حكي عنه ذلك سوى ما نقله بعضهم عن ابن بابويه من تجويز البناء على‌

٣٠٣

الأقل ، وستعرف ضعفه ، على أنه غير ثابت ، بل أطال بعض المتأخرين في بيان فساد هذا النقل عنه.

والذي يدل على الحكم المذكور ـ مضافا إلى ما سمعت من الإجماعات الصريحة والظاهرة ـ الأخبار المستفيضة ، منها‌ قول أحدهما عليهما‌السلام في خبر زرارة (١) قال : « قلت له : رجل لا يدري واحدة صلى أم اثنتين؟ قال : يعيد » ومنها‌ رواية إسماعيل الجعفي وابن أبي يعفور (٢) عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام قالا : « إذا لم تدر واحدة صليت أم اثنتين فاستقبل » ومنها‌ مضمرة سماعة (٣) قال : « سألته عن السهو في صلاة الغداة قال : إذا لم تدر واحدة أم اثنتين فأعد الصلاة من أولها ، والجمعة أيضا إذا سها فيها الامام فعليه أن يعيد الصلاة ، لأنها ركعتان » ومنها‌ خبر محمد (٤) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل لا يدري واحدة صلى أم اثنتين؟ قال : يستقبل حتى يستيقن أنه قد أتم ، وفي الجمعة وفي المغرب وفي الصلاة في السفر » ومنها‌ خبر عنبسة بن مصعب (٥) « إذا شككت في الفجر فأعد » ومنها‌ مرسلة يونس (٦) « ليس في الفجر سهو » إلى غير ذلك من الأخبار ، لكنها لم تتعرض لخصوص العيدين والكسوفين ، إلا أن الإطلاق والتعليل بالنسبة إلى الجمعة بكونها ركعتين مع الاعتضاد بما سمعت كاف في الدلالة على ذلك.

وما في بعض الأخبار كخبر عمار الساباطي (٧) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل لم يدر صلى الفجر ركعتين أو ركعة قال : يتشهد وينصرف ثم يقوم فيصلي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث ١٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث ١٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث ٧.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث ٥.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث ٣.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث ١٢.

٣٠٤

ركعة ، فإن كان صلى ركعتين كانت هذه تطوعا ، وإن كان صلى ركعة كانت هذه تمام الصلاة » لا ينبغي أن يلتفت اليه ، بل قال الشيخ في الاستبصار : « أنه خبر شاذ مخالف للأخبار كلها ، واجتمعت الطائفة على ترك العمل به » انتهى ، كبعض الأخبار الأخر (١) المتضمنة للبناء على الركعة للشاك في الواحدة والثنتين ، فإنها مع عدم الجابر لأسانيدها وإعراض الأصحاب عنها محتملة للحمل على النافلة ، أو استقبال الصلاة.

فوائد : منها أنه يظهر من بعض الأصحاب هنا أن البطلان على مقتضى القاعدة ، لعدم العلم ببراءة الذمة لاحتمال الزيادة والنقيصة ، وفيه إشكال ، إذ لا مانع من الاعتماد على استصحاب الصحة ، وعلى أصل عدم الفعل ، فينفى به الزائد حيث يتعلق به الشك ويتم الناقص ، وما يقال : إنه مكلف بمصداق الصلاة في الخارج وأصالة العدم لا يقضي بتحقق الصدق يدفعه بعد منعه أنه مناف لكلامهم في كثير من المقامات بالنسبة إلى الشك في الأركان وغيرها زيادة ونقيصة ، كاحتمال أن ذلك كله الدليل ، إذ هو مناف لما يظهر من تمسكهم بالأصل فيه ، بل وكذا القول : إن أصالة العدم تقضي أيضا بعدم تحقق هيئة المأمور به ، فهي معارضة لذلك ، لأن الظاهر أن الهيئة من جملة التوابع ، فبعد الحكم الشرعي بوجوب الإتيان مثلا تتبع الهيئة هذا ، والمسألة لا تخلو من تأمل ، وستسمع لها تتمة إن شاء الله بعد الفراغ من البحث عن صور الشك الأربعة.

ومنها أن الذي يظهر من‌ قولهم عليهم‌السلام (٢) : « إذا شككت في الفجر فأعد » ونحوه البطلان بمجرد وقوع الشك ، فيكون حينئذ حاله كحال الحدث كما عن الفاضل الشيرواني ، ولكن الذي صرح به بعض الأصحاب كالفاضل وثاني الشهيدين وغيرهما العدم ، فلو زال الشك قبل فعل المنافي صح ، وهو كذلك ، بل قد يدعى أن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٢٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٥.

٣٠٥

مثل العبارة المتقدمة ظاهرة في استمرار الشك لا إذا زال ، ولم يذكره أحد في المبطلات للصلاة على كل حال ، إنما الذي يظهر من ملاحظة الأخبار إرادة تحصيل اليقين بهما الذي لا ينافيه مجرد وقوع الشك وإن زال ، على أن فيه من العسر والحرج ما لا يخفى إذ اشتراط حصول اليقين أو الظن من أول الصلاة إلى آخرها بأول التفات الذهن لا يتيسر في أغلب الأوقات.

ثم على تقدير ذلك فهل يجب عليه التروي أو يجوز له القطع قبله؟ وجهان لا يخلو أولهما مع كونه أحوط من قوة ، بل صرح به ثاني الشهيدين في المسالك ، بل لعله ظاهر روضته ، إلا أن الأقوى خلافه ، للأصل وإطلاق الأدلة سيما في غير المقام من أفراد الشك في الركعات والأفعال الذي لم يذكر أحد فيه وجوب التروي ، ودعوى عدم صدق أنه شاك قبل التروي واضحة الفساد ، وإلا لاقتضى جواز الأفعال حال التروي لعدم حصول الشك ، كما أنه لا دلالة في نصوص ذهاب الوهم على ذلك ، ضرورة إمكان إرادة اتفاق ذهاب الوهم ، أو أنه لو تروى أو نحو ذلك مما لا دلالة فيه على الوجوب ، فمن الغريب ما في المسالك من الاستدلال بنحو ذلك ، ولذا أنكر عليه سبطه في المدارك ، ومنه يعلم ما في كلام الفاضل البهبهاني في شرح المفاتيح ، فالتحقيق حينئذ جواز البناء مع التذكر قبل صدور المنافي منه كالسكوت الطويل وفوات الموالاة في أفعال الصلاة ونحو ذلك ، وله استئناف الصلاة مع صدق الشك ، لإطلاق الأمر بالإعادة عند حصوله المقيد بما إذا لم يتفق الذكر له قبل صدور المنافي الذي له أن يفعله حال الشك ، بل له استئناف الصلاة والاكتفاء بالشك مبطلا من غير حاجة إلى فعل مبطل آخر غيره ، هذا.

وعلى تقدير وجوب التروي فهل يقدر بخروجه عن الصلاة مثلا ونحو ذلك أم لا؟ لا يبعد الثاني ، فيتروى مقدار يكتفي به الناس في مثل ذلك ، فتأمل ، ولو أوقع‌

٣٠٦

بعض الأفعال حال الشك ثم زال الشك عنه يحتمل قويا البطلان وإن كان ما فعله موافقا ، لأنه فعل غير مأمور به في الصلاة ، وكونه كذلك في الواقع مع عدم العلم به غير نافع لفوات النية والاستدامة ، واحتمال الاكتفاء بالنية الأولى بعيد ، نعم ربما يتوهم الصحة إذا وقع الفعل بنية القربة المطلقة إذا كان مما يصح فيه ذلك مثل قراءة القرآن ، إلا أن المتجه القول ببطلان ذلك الواقع ثم إعادته ، لعدم الاكتفاء بالواقع أولا حيث لم يصادف الجزم في الصلاة الذي هو عبارة عن الاستدامة ، وعدم إفساده للصلاة ، لكونه لم ينوه أنه لها ، والفرض أنه مما لا يبطلها.

ومنها أن الظاهر من بعض الأخبار المتقدمة وكلام الأصحاب عدم الفرق بين تعلق الشك بالنسبة للزيادة والنقيصة ، وما في بعضها من وقوع السؤال عمن لا يدري واحدة أم اثنتين لا يقتضي تقييدا لقوله عليه‌السلام (١) : « مثلا إذا شككت في الفجر فأعد » ودعوى أن مثل هذه العبارة لم تقع في كل ثنائية حتى يتمسك بها يدفعها عدم القول بالفصل ، على أن عبارات الأصحاب وظاهر إجماعاتهم كافية في ذلك.

ومنها أنه قد نقل عن جماعة التصريح بأنه لا فرق في هذا الحكم بين الواجبة بالأصل والعارض كالمنذورة ونحوها ، ولعله لإطلاق النصوص والفتاوى ، مضافا إلى التعليل بأنها ركعتان ، ولا يعارض ما دل على حكم النافلة ، لخروجها بالنذر عنها ، وإن كان لا يخلو من تأمل ، للشك في شمول الإطلاق وفي أن لحوق الحكم في النافلة لوصف النفل أو أنه لذاتها وإن ألزمها النذر ، لكن لا يبعد البطلان إن قلنا إنه مقتضى القاعدة نعم لو قلنا مقتضاها الصحة اتجه ذلك ، هذا ، وقد يستفاد من إجرائهم حكم الواجب على النافلة التي تجدد لها الوجوب بنذر ونحوه جريان حكم النفل على الواجب الذي عرض له وصف الندب كصلاة العيدين والمعادة احتياطا أو بقصد الجماعة والتبرعية عن الغير‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٥.

٣٠٧

ونحو ذلك ، فلا تبطل حينئذ بالشك ، لكنه لا يخلو من إشكال بل منع ، خصوصا فيما كان الحكم فيه معلقا على الاسم كالمغرب ونحوه ، وستسمع تمام الكلام إن شاء الله في البحث عن حكم الشك في النافلة.

ولو شك المسافر في مواضع التخيير بعد إكمال الركعتين احتمل البطلان مطلقا ، والصحة كذلك ، والصحة إذا كان الشك مسبوقا بقصد الإتمام ، لتناول الأدلة حينئذ لها ، وليس له العدول حينئذ إلى القصر لإرادة الابطال وإن جوزناه له قبل هذا العارض ، لحرمة الابطال ، واقتصارا على المتيقن من محل العدول ، أما لو كان من أول الأمر قصده القصر فالمتجه حينئذ البطلان ، لكونه شكا في ثنائية ، خلافا للعلامة الطباطبائي فاستقرب الصحة معينا عليه التمام حينئذ ، للمنع من بطلان العمل ، وامتناع التخيير بين الصحيح والفاسد ، وفيه أنه بطلان لا إبطال ، ولا تخيير بين الصحيح والفاسد بل هو فاسد بحث ، ولذا لم يكن له العدول ، نعم لو فرض أنه شك ولم يكن قصد القصر أو التمام من أول الأمر بناء على أن له تأخير ذلك إلى محل الافتراق أمكن القول بذلك ، وأنه يتعين عليه اختيار التمام ، لما سمعت ، مع أنه لا يخلو من نظر للشك في جواز اختيار التمام له حينئذ ، إذ المتيقن من جوازه حال قابليته لكل منهما ، لكن قد يقال : إن القصرية والتمامية ليستا من المقومات للماهية ، ولذا لم يجب التعرض لهما في النية ، فتخبيره حينئذ بينهما يرجع إلى إرادة الاجتزاء بما يقع منه من الأربع والاثنين ، فلا عدول فيه يحتاج إلى الدليل كالظهرية والعصرية ، بل ولا تخييره يحتاج إلى النية كي يرد ما سمعت ، ومنه يظهر وجه الصحة في السابق مطلقا ، فتأمل جيدا.

ومنها ما صرح به جمع الأصحاب في صلاة الكسوف أنه متى تعلق الشك بعددها بطلت ، ومتى تعلق بركوعاتها فان كان في المحل جاء بالمشكوك فيه ، وإلا لم‌

٣٠٨

يلتفت إلا إذا تعلق شكه بالركوع بما يرجع إلى الشك في الركعات ، كما إذا شك في أنه هل هو في الخامس أو في السادس ، فان كان في الخامس كان في الأولى ، وإن كان في السادس كان في الثانية ، لكن هناك قولان آخران نقلهما الشهيد في الذكرى بالنسبة للشك في الركوع : أحدهما عن قطب الدين الراوندي ، وهو أنه إذا لم يتعلق شكه بما يزيد على الاحتياط المعهود فإنه يحتاط ، لدوران الشك في اليومية مع الركوع ، ولا تضر زيادة السجود في الاحتياط ، لأنه تابع ، أما إذا زاد كما لو شك بين الاثنين والخمس فان الاحتياط يكون بثلاث ركعات ، وهو زائد على الاحتياط المعهود ، فلا تعرض في كلامه له ، ولو كان بين الأربع والخمس تلافى بركعة ، لأنه غير زائد على الاحتياط المعهود ، وهو الجبر بركعة أو ركعتين ، وإن لم يكن كذلك في اليومية ، للعلم بإحراز الأربع فيها وأصالة عدم الزيادة ، ولو كان شكه بين الواحد والاثنين احتاط أيضا بركعة ، لعدم زيادته على الاحتياط المعهود وإن كان هو مبطلا في اليومية ، وقد يحتمل ذلك في كلامه ، فيكون كصاحب البشرى بالنسبة إلى ذلك ، والله العالم.

وثانيهما عن صاحب البشرى ، وهو معاملة ركوعات الأولى معاملة اليومية ، فمتى وقع بين الأول والثاني بطل ، وفي غيره يصح ، إلى أن قال : « أما إذا وقع بين الرابع والخامس فنهاية ما يلزمه سجدتا السهو ، وهل يسجد عند ذلك بناء على أنه صلى خمسا أم لا؟ وجوه ثلاثة : الأول البناء أخذا برواية عمار (١) أنه يبني على الأكثر ثم يتلافى ما نقص بعد الصلاة ، الثاني التخيير بين الركوع وعدمه جمعا بين الرواية السابقة وبين قاعدة من شك في الركوع وهو قائم أتى به ، فان اختار الأول تلافى بعد الصلاة ما نقص ، وإلا فلا ، الثالث البناء على الأقل ويركع ثم يهوي إلى السجود ـ ثم قال ـ :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ١.

٣٠٩

وحكم ما بعد الخمسة حكم الخامسة ، وإن قلنا إن الحكم في الخمس الثانية مثل الخمس الأولى كان له وجه » ثم أطال في ذلك بعبارات تقضي بأن المسألة لديه في كمال التردد وعدم التنقيح ، ولا يخفى عليك ضعفهما ، أما الأول فلعدم المطابقة بين الفائت والاحتياط لمكان زيادة السجدتين ، وقوله : « إنه تابع » أول البحث ، إذ لا دليل عليه ، وأما الثاني فهو مبني على تسمية الركوعات ركعات ، وهو ممنوع ، وعلى تسليمه فالأخبار الواردة في الشك كادت تكون صريحة في عدم شمولها لمثل ما ذكر ، كما لا يخفى على المتأمل فيها ، على أن في كلامه مواضع أخر للنظر تركناها خوف الإطالة.

وكذا المغرب تفسد بالشك فيها على المشهور شهرة كادت تكون إجماعا ، بل حكاه عليه جماعة نصا وظاهرا ، بل عن الأمالي أنه من دين الإمامية ، وبذلك يظهر ما في نسبة الخلاف اليه أو إلى والده ، مع أن المنقول عنه في المقنع أنه قال : إذا شككت في المغرب أعدت ، وروي (١) « إذا شككت في المغرب ولم تدر واحدة صليت أم اثنتين فسلم ثم قم فصل ركعة ، وإن شككت في المغرب ولم تدر في ثلاث أنت أم في أربع وقد أحرزت الاثنتين في نفسك وأنت في شك من الثلاث والأربع فأضف إليها ركعة أخرى ، ولا تعتد بالشك ، فان ذهب وهمك إلى الثالثة فسلم وصل ركعتين وأربع سجدات وأنت جالس » وهي كما ترى غير ظاهرة فيما نقل عنه ، بل الظاهر منها موافقة الأصحاب ونسبة ذلك إلى الرواية ، ويؤيده أيضا ما نقل عنه قبل من التصريح بأنه إذا شك في المغرب أعاد ، وإذا شك في الفجر أعاد ، وأما عبارة الفقيه المنقولة عنه فهي وإن كانت غير نقية من الاضطراب لكنها غير صريحة فيما نقله عنه الأصحاب من جواز البناء على الأقل كما نقل ذلك عن والده أيضا.

__________________

(١) المقنع ص ٣٠ المطبوع بطهران عام ١٣٧٧ « باب السهو في الصلاة » وذيله لا يوافق ما في الجواهر.

٣١٠

وكيف كان فخلافهما على تقدير تحققه غير قادح ، لما سمعت من الإجماع المنقول على لسان جملة من الفحول ، وبعض الأخبار المتقدمة في المسألة السابقة ، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة (١) الآمرة بالإعادة عند الشك في المغرب ، وهي كثيرة ، فما في‌ خبر عمار (٢) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل شك في المغرب فلم يدر ركعتين صلى أم ثلاثا قال : يسلم ثم يقوم فيضيف إليها ركعة ، ثم قال : هذا والله مما لا يقضى أبدا » كخبره الآخر (٣) « قلت : يصلي المغرب فلم يدر اثنتين صلى أم ثلاثا قال : يتشهد وينصرف ثم يقوم فيصلي ركعة ، فإن كان صلى ثلاثا كانت هذه تطوعا ، وإن كان صلى اثنتين كانت هذه تمام الصلاة ، وهذا والله مما لا يقضى أبدا » ـ بعد الاعراض عنهما من أكثر الأصحاب ، بل في الاستبصار قد اجتمعت الطائفة على ترك العمل بهما ـ لا مناص من حملهما على التقية أو طرحهما أو غير ذلك ، وهو واضح ، كوضوح جريان الفوائد المتقدمة ، هذا ، بل صرحت بعض الأخبار هنا بالفساد إن تعلق الشك بالزيادة كما في‌ خبر موسى بن بكر (٤) سأله الفضيل عن السهو ، فقال : « إذا شككت في الأولتين فأعد » وقال : « في صلاة المغرب إذا لم تحفظ ما بين الثلاث إلى الأربع فأعد صلاتك » (٥) وفي الاستبصار (٦) « إذا جاز الثلاث إلى الأربع فأعد صلاتك » وهو مع إطلاق كلام الأصحاب وإجماعاتهم مضافا إلى‌ قوله : « إذا شككت في المغرب فأعد » (٧) يقضي بعدم الفرق بين تعلق الشك بالزيادة والنقيصة ، فما عن المقنع من أنه إذا تعلق بالزيادة أضاف ركعة ضعيف مع عدم ثبوت هذا النقل عنه ، ولعله للعبارة المتقدمة لكن قد عرفت نسبته للرواية فيها خاصة ، اللهم إلا أن يكون ذلك من كلامه لا منها ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ١١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ١٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ١٩.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٩.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ١٠.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ١.

٣١١

وعلى تقديره فمن المحتمل كون المراد حال الشك بين الاثنتين والثلاث والأربع بعد إحراز الاثنتين بأن حدث بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة ، فيكون إضافة الركعة حينئذ لاحتمال النقيصة وعدم الاعتداد بغيره من الاحتمال ، والله العالم.

المسألة الثانية إذا شك في فعل شي‌ء من أفعال الصلاة واجبا كان أو مستحبا ثم ذكر فان كان الشك وهو في موضعه أي قبل أن يدخل في فعل آخر واقع بعده كالشك في التكبير قبل أن يدخل في القراءة ، وكالشك في القراءة قبل الركوع ، والركوع قبل السجود ، إلى غير ذلك من الأفعال المذكورة في كتب الفقهاء المختص كل واحد منها باسم كالنية والتكبير والقراءة والركوع والسجود والتشهد والقيام أتى به وأتم ، وإن كان قد انتقل عنه وكان داخلا في غيره مضى في صلاته سواء كان ذلك الفعل ركنا أو غيره إجماعا محكيا على لسان جماعة إن لم يكن محصلا ، ونصوصا (١) بل وسواء كان في الأولتين من الرباعية أو الأخيرتين على الأظهر الأشهر ، بل المشهور شهرة كادت تكون إجماعا ، إذ لم يعرف الخلاف في ذلك إلا عن الشيخين وابن حمزة في الوسيلة والعلامة في التذكرة ، قال في مفتاح الكرامة : أما المفيد فقد قال : « كل سهو يلحق الإنسان في الركعتين الأولتين من فرائضه فعليه إعادة الصلاة » وأما الشيخ فلعل الناقل أراد قوله في النهاية من أنها تبطل بالشك بالركوع أو السجود من الأوليين ، أو مع ما في التهذيب من أنه لو نسي سجدة من الأوليين تبطل الصلاة ، ولعله لم يقف على غير ذلك في كتب الشيخ ، على أن ما ذكره عنه في التهذيب مبني على أن القول بالبطلان فيها يستلزم البطلان هنا ، وقد يمنع ، وعن ابن حمزة في الوسيلة أنه قال : « تبطل بالشك في الركوع من الأوليين بعد الفراغ من السجود‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

٣١٢

أو في السجود في واحدة منهما بعد الفراغ من الركوع » وفي التذكرة « ليس بعيدا من الصواب الفرق بين الركن وغيره ، فتبطل إن شك في الأوليين في ركن ، لأن الشك فيه في الحقيقة شك في الركعة ، بخلاف ما إذا كان المشكوك فيه غير ركن » لكن لا يخفى عليك أنهم لم يتفقوا على معنى واحد ، بل عبارة المفيد محتملة لإرادة النسيان من السهو دون الشك ، وعبارة النهاية ليست عامة ، كما أن عبارة الوسيلة ظاهرة في أنه حيث لا يمكن التدارك ، وعبارة التذكرة خاصة في الركن.

وكيف كان فيدل على المطلوب إطلاق الأخبار الكثيرة ، بل في بعضها ظهور في خصوص الركعتين الأولتين ، فضلا عن العموم والإطلاق وترك الاستفصال في آخر ، منها‌ قول أبي عبد الله عليه‌السلام في خبر أبي بصير (١) « عن الرجل يشك وهو قائم لا يدري ركع أم لم يركع ، قال : يركع ويسجد » ونحوه خبر عمران الحلبي (٢) ومثلهما خبر أبي بصير أيضا والحلبي (٣) وفي خبره الآخر (٤) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل شك فلم يدر سجد سجدة أم ثنتين قال : يسجد حتى يستيقن أنهما سجدتان » ومثله خبر الشحام (٥) عن الصادق عليه‌السلام أيضا ، ومنها‌ صحيح زرارة (٦) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل شك في الأذان وقد دخل في الإقامة قال : يمضي ، قلت : رجل شك في الأذان والإقامة وقد كبر قال يمضي ، قلت : رجل شك في التكبير وقد قرأ قال : يمضي ، قلت : رجل شك في القراءة وقد ركع قال : يمضي ، قلت : شك في الركوع وقد سجد قال : يمضي على صلاته ، ثم قال : يا زرارة إذا خرجت من شي‌ء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشي‌ء » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ١.

٣١٣

وهو كالصريح في شموله للأولتين ، وعدم فرقه بين الأركان وغيرها ، وفي‌ صحيح ابن مسلم (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « كلما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو » وفي‌ خبر أبي بصير (٢) قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إن شك في الركوع بعد ما يسجد فليمض ، وإن شك في السجود بعد ما قام فليمض ، كل شي‌ء شك فيه مما قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه » كصحيح إسماعيل بن جابر (٣) إلى غير ذلك ، مضافا إلى ما تقدم مما دل (٤) على خصوص نسيان السجدة والقراءة ونحوها ، بل وما دل (٥) على أن نسيان غير الركن لا يبطل الصلاة ، وإلى نفي الخلاف وإطلاق الإجماعات على أن من سها عن شي‌ء وذكره قبل أن يتجاوز محله أتى به ، إلى غير ذلك من الأدلة التي يقصر القلم عن إحصائها على التفصيل ، فإن إعطاء هذه القواعد الشرعية وحملها على كونها في غير الأولتين وإجرائها بالنسبة للمسافر في خصوص المغرب مما لا يقبله طبع فقيه.

حجة المفيد الأصل ، وقول أبي عبد الله عليه‌السلام في خبر عنبسة بن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٣.

(٢) نقله في الوافي ـ في باب الشك في أجزاء الصلاة ـ عن التهذيب بإسناده عن أبي بصير عن أبى عبد الله عليه‌السلام ولكنا لم نعثر عليه في الوسائل والتهذيب والاستبصار بعد الفحص في مظانها ، ولا يخفى أن صحيحة إسماعيل بن جابر تشتمل على فرعين ، اشتركت في الفرع الأول رواية إسماعيل وأبي بصير وأوردهما في الوسائل في الباب ١٤ من أبواب السجود ـ الحديث ١ ـ ٤ وأما الفرع الثاني فلم يرد إلا في صحيحة إسماعيل التي ذكرها في الوسائل في الباب ١٣ من أبواب الركوع ـ الحديث ٤ والباب ١٥ من أبواب السجود ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب السجود والباب ٢٨ من القراءة في الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٥.

٣١٤

مصعب (١) قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : « إذا شككت في الركعتين الأولتين فأعد » ونحوه غيره ، وفي‌ حسنة الوشاء (٢) قال : « قال أبو الحسن الرضا عليه‌السلام : الإعادة في الركعتين الأولتين ، والسهو في الركعتين الأخيرتين » وخبر عامل بن جذاعة (٣) عن الصادق عليه‌السلام قال : « إذا سلمت الركعتان الأولتان سلمت الصلاة » وخبر البقباق (٤) قال : « قال لي : إذا لم تحفظ الركعتين الأولتين فأعد صلاتك » إلى غير ذلك مما دل على الأمر بالإعادة بمجرد الشك في الفجر والجمعة والسفر والأولتين.

وفيه أما الأصل فهو ـ مع إمكان منعه بأن يقال : أما في الشك قبل تجاوز المحل فالأصل يقضي بعدم الفعل ، فيأتي به ، واستصحاب الصحة تحكم ، وأما في الشك فيه بعد تجاوز محله فلأن استصحاب الصحة يقضي بعدم الالتفات ، فتأمل ـ مقطوع بما سمعت من الأدلة ، وأما الأخبار فلا يخفى على من لاحظها أنها ظاهرة في الشك بالنسبة للعدد ، كما يقضي به اشتمال بعضها على المغرب أيضا ، وقوله عليه‌السلام في آخر (٥) : « فأعدهما حتى تثبتهما » بل لو لم تكن ظاهرة في ذلك لوجب تنزيلها عليه ، لما سمعت من الأدلة المتقدمة ، لرجحانها عليها من وجوه متعددة ، فالقول بأنه يمكن تقييد تلك بالركعتين الأولتين مع أنه لا يتأتى في بعضها كما ترى تقديم للمرجوح من وجوه ، منها إعراض المشهور شهرة كادت تكون إجماعا ، فلا محيص عن الركون إلى إطلاق تلك القاعدة المدلول عليها بمحكي الإجماع أو محصله ، وما سمعت من الأخبار المعتضدة والمنجبرة بما عرفت بل المطابقة لما يقتضيه التدبر والاعتبار ، بل وما هو لسائر بني آدم في جميع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث ١٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث ١٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث ١٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث ١٥.

٣١٥

أفعالهم المدار (١).

إنما البحث في تعيين الموضع المعبر عنه في كلام بعض بالمحل والغير في الرواية الذي يدور التلافي وعدمه مداره بالإجماع بقسميه والنصوص ، والذي يقوى في النظر وإن قل المفتي به إن لم ينعقد إجماع على خلافه أن المراد به كلما صدق عليه الغيرية عرفا واجبا أو مستحبا لكن إذا كان مرتبا شرعا ، لظاهر ما سمعت من المعتبرة المؤيدة بظاهر حال المسلم من عدم الدخول في المرتب على شي‌ء قبل فعل ذلك الشي‌ء ، بل هو الموافق لسهولة الملة وسماحتها ، بل قد يدعى أن في غيره حرجا ، ضرورة صعوبة التكليف بذكر قراءة أول السورة مثلا في آخرها ، خصوصا السور الطوال ، بل الإنسان في أغلب‌

__________________

(١) اعلم أولا أن هنا قاعدتين : الأولى كل شي‌ء شك فيه قبل أن يدخل في غيره يجب الإتيان به ، الثانية إذا شك فيه بعد أن دخل في غيره لا يلتفت اليه ، ويدل على الأولى ـ بعد الإجماع المنقول المعتضد بنفي الخلاف وبأصالة عدم الفعل فيجب التلافي ـ الأخبار ، وفيها الصحيح وغيره ، منها‌ خبر أبى بصير سأل الصادق عليه‌السلام « عن رجل شك وهو قائم لا يدرى ركع أم لم يركع قال : يركع ويسجد » ومثله خبر الحلبي ، ومثلهما الأخبار الآمرة بإعادة السجدة عند الشك فيها ، وتتم دلالة الجميع بعدم القول بالفصل ، ومنها مفهوم‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح زرارة : « يا زرارة إذا خرجت من شي‌ء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشي‌ء ، وقول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيح ابن مسلم : « كل ما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو » وقول الصادق عليه‌السلام في خبر أبى بصير : « كل شي‌ء شك فيه مما قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه » ومثله خبر إسماعيل بن جابر ، والمناقشة في حجية المفهوم في هذه الأخبار أو عمومه لا يلتفت إليها سيما في المقام ، لما سمعت من دعوى الإجماع ، بل يمكن التحصيل ، ومنطوق هذه الأخبار المعتضد بغيره من الروايات الدالة على عدم الالتفات بالنسبة للركوع والسجود المتممة للدلالة بعدم القول بالفصل حجتنا على القاعدة الثانية ، مضافا إلى الإجماع المنقول ويشهد له التتبع فيمكن دعوى التحصيل ( منه رحمه‌الله ).

٣١٦

أحواله يعتريه السهو وشغل الذهن بحيث لا يفيق إلا وهو في جزء من أجزاء الصلاة ، وجميع ما تقدم لا يعلم أنه وقع أو ما وقع ، ولا كيف وقع ، بل لعل بناء الناس في جميع أحوالهم وأمورهم على ذلك حتى الحداد في حدادته والنجار في نجارته وجميع أرباب الصنائع في صنائعهم لا يلتفتون إلى شي‌ء بعد الانتقال عنه والدخول في غيره.

لكن في المسالك أن المفهوم من الموضع محل يصلح لإيقاع الفعل المشكوك فيه كالقيام بالنسبة إلى الشك في القراءة وأبعاضها وصفاتها ، والشك في الركوع ، وكالجلوس بالنسبة إلى الشك في السجود والتشهد ، ثم قال : « وهو في هذه الموارد جيد لكنه يقتضي أن الشاك في السجود والتشهد في أثناء القيام قبل استيفائه لا يعود اليه ، لصدق الانتقال عن موضعه ، وكذا الشاك في القراءة بعد الأخذ في الهوي ولم يصل إلى حد الراكع ، أو في الركوع بعد زيادة الهوي عن قدره ولما يصر ساجدا ، والرجوع في هذه المواضع كلها قوي ، بل استقرب العلامة في النهاية وجوب العود إلى السجود عند الشك ما لم يركع ، وهو غريب » انتهى. وهو مع كونه تقييدا للغير في النصوص من غير مقيد يقتضي وجوب تلافي التكبير بعد الشروع في القراءة ، بل وبعد تمامها قبل الركوع ، مع أنه هو ونظيره مورد القاعدة في صحيح زرارة (١) السابق (٢) ولعل الذي ألجأه إلى ذلك التعبير بالمحل في كلام بعضهم ، فالأولى حينئذ التعبير بما في الرواية ويظهر منه في الروضة وتبعه عليه بعض المتأخرين أن المراد به الأفعال المعهودة شرعا المفردة بالتبويب كالنية والتكبير والقراءة والركوع والسجود والتشهد ونحو ذلك ، فكل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ١.

(٢) قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « رجل شك في التكبير وقد قرأ ، قال : يمضى ، قلت : رجل شك في القراءة وقد ركع ، قال : يمضى ، قلت : شك في الركوع وقد سجد ، قال : يمضى على صلاته ، ثم قال : يا زرارة إذا خرجت من شي‌ء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشي‌ء » ( منه رحمه‌الله ).

٣١٧

شي‌ء شك فيه منها قبل أن يدخل في الفعل الآخر وجب تلافيه ، وكل شي‌ء شك فيه بعد دخوله في آخر منها لا يلتفت ، وهو مع أنه تخصيص أيضا لهذه القاعدة الجارية في أكثر أبواب الفقه يقتضي وجوب تلافي كل ما شك فيه إذا كان في مقدمات الأفعال لا فيها أنفسها ، كما إذا شك في الركوع وهو هاو إلى السجود ولما يسجد ، وكذلك الشك في القراءة وهو هاو إلى الركوع قبل أن يصل إلى حد الركوع ، وكذلك لو شك في التكبير والقراءة والركوع وهو هاو إلى السجود ولما يسجد ، والموجود في الرواية الصحيحة (١) عدم الالتفات إلى الركوع المشكوك فيه في أثناء الهوي إلى السجود ، وكأنه رحمه‌الله أخذه من سؤال السائل عن هذه الأفعال المفردة في التبويب ، لكن ذلك لا يقتضي التخصيص في جواب الامام ، بل الظاهر عدم إرادة التقييد في خبري أبي بصير (٢) وإسماعيل بن جابر (٣) الظاهرين في أن مساقهما مساق غيرهما من النصوص ، سيما بعد التصريح بعدم الالتفات إلى الركوع المشكوك فيه في أثناء الهوي إلى السجود ، ودعوى أن العطف بثم التي هي للترتيب والتراخي يقضي بوجود الواسطة بين الخروج من المنسي والدخول في آخر ، وليست إلا هذه المقدمات ممنوعة ، سيما بعد أن كان من موردها المصرح به فيها نحو الشك في التكبير وقد دخل في القراءة ، ولا مقدمات بينهما ، فليس المراد حينئذ إلا عدم الالتفات إلى المشكوك فيه بعد الدخول في الغير المترتب عليه أي غير كان ، لا غيرا مخصوصا ، فكان الأولى أو الأقوى هو الأول وإن خالف المشهور في بعض المسائل التي ستسمعها المتفرعة على ما ذكرنا.

منها لو شك في قراءة الحمد أو بعضها وهو في السورة ، أو شك في السورة أو بعضها وهو في القنوت ، أو في الجميع وهو في الهوي إلى الركوع ، ونحو ذلك ، فإنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٦.

(٢) راجع التعليقة « ٢ » على ص ٣١٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٤.

٣١٨

لا يلتفت على الأول ، بل لا يلتفت عليه لو شك في بعض الآيات بعد الدخول في الآية الأخرى ، بل في الكلمة والكلمة الأخرى ، بخلاف الآخرين فيتلافى الحمد عليهما إذا شك فيه في السورة كما هو المحكي عن المشهور والشيخ ، لكن ظاهر معتبر المصنف وعن سرائر الحلي حاكيا له فيها عن رسالة المفيد إلى ولده وناسبا له إلى أصول المذهب عدم التلافي كما قلنا ، بل مال اليه أو قال به بعض متأخري المتأخرين ، ويؤيده أنه من المستبعد جدا بل من الممتنع تذكر المصلي ولو على جهة الظن وهو في آخر سورة طويلة جميع ما تقدم وأنه وقع منه من غير تغيير بإعراب أو تشديد أو نحوهما بحيث متى شك وهو في آخر السورة في حرف من حروف الفاتحة وجب عليه تلافي الحمد وتلك السورة أو غيرها ، وكيف والمصلي غالبا يسهو حال الصلاة ويشتغل ذهنه بالأمور الدنيوية ، على أن ذلك بعيد من سهولة الملة وسماحتها ، بل وعمل العلماء في كل عصر ، بل ربما أورد عليه زيادة على ما عرفت أنه إذا شك في قراءة الحمد بعد تمام السورة وقلنا بوجوب التلافي وجب عليه إعادة السورة أيضا مراعاة للترتيب ، وفيه احتمال القران إن قرأ سورة أخرى غير تلك السورة ، بل وإن قرأ تلك السورة أيضا على وجه ، أو قراءة أزيد من سورة المنهي عنه أيضا مطلقا ، لكن قد يدفع بأن المشهور في صورة النسيان عدم وجوب تعيين تلك السورة عليه ، وما هو إلا لأن مثله لا يعد من القران كاندفاع ما يستدل به للمشهور من مفهوم تقييد المضي بالركوع في صحيح زرارة المتقدم بأن ذلك إنما وقع في كلام السائل الذي لا يحكم على الجواب ، ومن ذلك كله يظهر لك أن الوجه عدم الرجوع لو شك في القراءة كلا أو بعضا وهو في الهوي إلى الركوع ، كما هو مقتضى الأوليين بخلاف الأخير.

ومنها لو شك في القراءة أو بعضها وهو في القنوت ، فلا يرجع على الأول كما في المدارك والرياض وعن مجمع البرهان والذخيرة والكفاية ، بخلاف الثاني بل والثالث‌

٣١٩

إن لم يكن القنوت من الأفعال المفردة بالتبويب ، فيرجع كما عن الشهيدين.

ومنها لو شك في الركوع بعد الهوي إلى السجود ففي الروضة وعن الذكرى الرجوع ، والأقوى عدم الرجوع لما عرفت ، وخبر البصري (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع؟ قال : قد ركع » ومنها لو شك في السجود وقد قام ، وعلى الأول بل والأخيرين ينبغي عدم الرجوع كما هو خيرة الأكثر ، بل عن السرائر دعوى الإجماع عليه ، وهو الحجة ، مضافا إلى‌ قوله عليه‌السلام (٢) : « وإن شك في السجود بعد ما قام فليمض » فما عن الشيخ والفاضل في نهايتهما من القول بالرجوع ما لم يركع ضعيف جدا.

ومنها الشك في التشهد في حال القيام ، وهو كسابقه حتى في دعوى السرائر الإجماع عليه أيضا ، فما عن بعضهم من وجوب الرجوع لا يلتفت اليه ، ولعله اشتباه فيه وفي السابق بين صورة الشك والنسيان.

ومنها لو شك في السجود وهو في التشهد ، وعلى الأول والأخير ينبغي عدم الرجوع أيضا ، بخلاف الثاني فالرجوع كما عن بعضهم ، ولعله لقوله عليه‌السلام في خبر البصري (٣) قلت : « رجل نهض من سجوده فشك قبل أن يستوي قائما فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ قال : يسجد » فإنه شامل لما كان القيام عن تشهد وغيره ، لكن فيه أن الظاهر من قوله : « نهض من سجوده » القيام بعد السجود لا بعد التشهد.

ومنها لو شك في السجود وهو آخذ بالقيام ولم يستقم قائما ، وعلى الأول والثاني ينبغي عدم الرجوع ، إلا أني لم أعثر على مخالف هنا في وجوب الرجوع ، نعم عن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٦.

٣٢٠