جواهر الكلام - ج ١٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الذي عثرت عليه من الأخبار الدالة على ذلك إنما هو في الشك في الركوع وهو قائم ، نعم في‌ خبر أبي بصير (١) « في الرجل لا يدري ركع أم لم يركع قال : يركع » فيستدل حينئذ بإطلاقه على الشك ، ويأتي في المقام بطريق أولى ، فتأمل جيدا. فما في السرائر والمنتهى ـ من أنه لو سها عن الركوع وهو قائم عاد إلى الركوع مما قد يستظهر من تقييدهما بذلك الخلاف في المسألة ، مع إمكان المناقشة في كون مثله سهوا عن الركوع واحتمال عدم إرادتهما التقييد ـ محجوج بما سمعت.

والمراد بالقيام في المتن وغيره الانتصاب ، لكن قيده بعضهم بما إذا حصل النسيان حاله فهوى إلى السجود ، فإنه يجب حينئذ أن يقوم ويركع محافظة على الهوي الركوع ، إذ ذلك كان للسجود ، فلا يكتفى به ، أما إذا حصل النسيان بعد الوصول إلى حد الراكع فلا يقوم منتصبا ، بل يقوم منحنيا إلى حد الراكع ، والمراد على الظاهر أنه وصل إلى حد بحيث لو تجاوزه صدق عليه اسم الراكع لا أنه وصل إلى حد الراكع حقيقة ، إذ لا يتصور حينئذ نسيان الركوع ، بل هو نسيان الرفع والطمأنينة مثلا ، ولعل ما ذكره المصنف وغيره من وجوب القيام والركوع بعده مطلقا أولى محافظة على القيام الذي يكون عنه الركوع ، وأما الانحناء الأول فهو وإن كان للركوع إلا أنه لم يتحقق معه مسمى الركوع ، فلا يكتفى به ، اللهم إلا أن يقال إن القيام الأول كاف ، وما وقع في الأثناء إنما وقع سهوا فلا يكون قادحا ، بل هو بمنزلة ما لم يقع ، فيحصل القيام المتصل بالركوع وإن قام منحنيا ، وهو لا يخلو من نظر وتأمل ، وكيف كان فبناء على التقييد المذكور يجب القيام منحنيا إلى الحد الذي حصل النسيان عنده ، كما أنه حيث يجب القيام ثم الركوع لا يجب الطمأنينة في القيام لحصولها في السابق ، واحتمال وجوب الركوع عن قيام فيه طمأنينة ممنوع. نعم يجب حصول تمام القيام ، فتأمل.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٤.

٢٨١

هذا كله إذا لم يتحقق صورة الركوع منه ، وإلا أشكل ـ كما في المدارك ـ العود اليه ، لاستلزامه زيادة ركن ، فإن حقيقة الركوع هو الانحناء المخصوص ، وأما الذكر والطمأنينة والرفع منه فواجبات خارجة عن حقيقته ، لكن قد يقال إن المدار على القصد أو على عدم قصد العدم ، بل لعل العرف يتوقف على ذلك في الأفعال المشتركة ، فتأمل.

وكذا من ترك السجدتين أي يتلافاهما إذا ذكرهما قبل أن يصل إلى حد الراكع كما هو خيرة النافع والمنتهى والقواعد والإرشاد والبيان وظاهر الألفية والدرة السنية ، بل نسبه في مفتاح الكرامة إلى الشرائع وما تأخر عنها ، وعن الذخيرة نسبته إلى المتأخرين ، وفي المدارك إلى الأكثر ، وهو المنقول عن ابن حمزة ، وأما الشيخ في المبسوط فقد عد مما يوجب الإعادة السهو عن سجدتين من ركعة ثم يذكر ذلك وقد ركع في الثانية ، وهو مشعر بعدم الإعادة عند الذكر قبل الركوع ، ولكن قال فيما يوجب التلافي : « إن نسي سجدة واحدة من السجدتين وذكرها في حال قيامه وجب عليه أن يرسل نفسه فيسجدها ثم يعود إلى القيام » وهو مشعر بعدم العود مع نسيان السجدتين ، ومثله عن السيد وسلار ، فيكون كلامهم مضطربا ، نعم عن أبي الصلاح والمقنعة والسرائر الفساد وان اختلف تعبيرهم عن ذلك ، ففي المقنعة « إن ترك سجدتين من ركعة واحدة أعاد على كل حال ، وإن نسي واحدة منهما ثم ذكرها في الركعة الثانية قبل الركوع أرسل نفسه وسجد ثم قام » ومثله عن أبي الصلاح ، وفي السرائر « من السهو الذي لا يتدارك نسيان السجدتين ولم يذكرهما إلا في حال لو شك لا يرجع إليهما ـ ثم قال بعد ذلك ـ : من النسيان الذي يتدارك لو نسي السجدة وذكرها قبل الركوع » لكن عن غرية المفيد موافقة المشهور.

وعلى كل حال فالأول هو الأقوى ، لكونه سهوا عن ركن ولم يتجاوز محله ، فيمكن تلافيه فلا يفسد إجماعا ، أما أنه لم يتجاوز محله فلأن الظاهر من تتبع كلمات‌

٢٨٢

الأصحاب في غير المقام أن المراد بالمحل بالنسبة للسهو عدم الدخول في ركن آخر ، بل يمكن تحصيل الإجماع على ذلك ، وفي مفتاح الكرامة في شرح قول العلامة : « ولو ذكر في محله أتى به » قال : أي لو ذكر قبل الانتقال إلى ركن أتى به وصحت الصلاة ، لأنه لا يؤثر خللا ولا إخلالا بماهية الصلاة كما في المعتبر ، وقد قطع بذلك الأصحاب ، بل يدل عليه أيضا الإجماع على تدارك السجدة الواحدة كما تسمع ، إذ احتمال كون المحل للسجدة الواحدة غيره للاثنين تعسف بارد ، وأما أنه مع بقاء المحل يتدارك ففي المنتهى لا خلاف فيه بين أهل العلم ، بل حكى غيره الإجماع على ذلك ، فحينئذ لا ينفك المخالف عن مخالفة الإجماع ، لأنه إن قال بخروج المحل فقد عرفت أنه لا يصغى اليه ، وهو مخالف لما يظهر من كلماتهم بل إجماعاتهم ، وإن قال : إنه لا يتدارك وإن بقي المحل فقد عرفت ما قاله في المنتهى ودعوى الإجماع من غيره ، كل ذلك مع‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن سنان (١) : « إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا فاقض الذي فاتك سهوا » وقد عرفت سابقا أن المراد بالقضاء إنما هو ما يشمل التدارك بقرينة الإجماع على عدم مشروعية قضاء الأركان ، مع أن الذي سمعته فيما حضرني من الوسائل « فاصنع » بل في المدارك « يؤيده رواية محمد بن مسلم (٢) المتضمنة لتدارك الركوع بعد السجدتين ، فإنه إذا جاز تداركه مع تخلل السجدتين اللتين هما ركن في الصلاة جاز تدارك السجود مع تخلل القيام بطريق أولى » انتهى. لكن فيه أن الأصل غير ثابت ، فلا معنى للأولوية التي يمكن منع كونها الحجة شرعا ، كل ذا مع أنا لم نعثر على دليل للمخالف كما اعترف بذلك بعضهم سوى الأصل ، وقوله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٢.

٢٨٣

عليه‌السلام (١) : « لا تعاد الصلاة إلا من خمسة : الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود » وفيه أن الأصل على تقدير تسليمه ـ إذ الظاهر أن الأصل الصحة ـ يخرج عنه بما سمعت من الأدلة والقاعدة المستفادة من الشرع ، وأما قوله عليه‌السلام : « لا تعاد » إلى آخره. فالظاهر أن المراد منه من ترك واحدا من هذه الخمسة مطلقا لا في مثل المقام الذي يعاد فيه إلى السجود ، بل قد يكون للمشهور لا عليهم ، فتأمل.

أو إحداهما بلا خلاف كما في المنتهى والرياض ، وهو موضع وفاق بين العلماء كما في المدارك ، وبالإجماع صرح جماعة كما في الرياض ، وعن المصابيح الإجماع عليه ، وعن التذكرة نسبته إلى العلماء ، ويدل عليه مضافا إلى ذلك القاعدة المشار إليها سابقا ، والأخبار المستفيضة ، منها‌ صحيح إسماعيل بن جابر (٢) عن الصادق عليه‌السلام « في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتى قام فذكر وهو قائم أنه لم يسجد قال : فليسجد ما لم يركع ، فإذا ركع فذكر بعد ركوعه أنه لم يسجد فليمض على صلاته حتى يسلم ثم يسجدها فإنها قضاء » إلى آخره ، وبمعناه غيره.

ثم إنه لا إشكال في عدم وجوب الجلوس قبل السجود المتدارك حيث يكون المنسي السجدتين ، بل وكذا إذا كان المنسي سجدة واحدة وكان قد جلس بعد رفع رأسه من السجود الجلسة الواجبة ، أما إذا جلس بنية أنه للاستراحة لزعمه الفراغ من السجدتين فالأقوى في النظر الاكتفاء به أيضا ، بل عن الروض نسبته إلى كثير منهم ، لحصول الواجب به ، ونيته أنه الاستراحة (٣) لا تخرجه عن ذلك كما في سائر أفعال الصلاة ، وإلا لوجب على من سجد مثلا بنية أنه في الركعة الثالثة والفرض أنه في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ١.

(٣) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصواب ( للاستراحة ).

٢٨٤

الثانية الإعادة ، ولوجب على القائم بنية أنه للرابعة مع أنه في الثالثة القيام ثم القعود ، إلى غير ذلك مما لا معنى له ، على أن ما نواه لم يقع لاستحالته ، لكونه في غير محله ، فتكون نيته لغوا ، فهو بمنزلة من لم ينو ، وتكفي النية الأولى الإجمالية الواقعة في ابتداء الصلاة ، وربما يؤيده الأخبار (١) الدالة على أنه لو دخل في الصلاة بنية الفريضة ثم سها ونوى الندب بأفعالها لتخليه أنها نافلة لا يضره ذلك ، وكذلك العكس.

لا يقال إنه قد سلف في ناسي الركوع حتى هوى للسجود ولما يسجد أنه يقوم ويركع محافظة على الهوي للركوع ، ومقتضى ما ذكرت عدم الوجوب لوقوع الهوي منه ، ونيته أنه للسجود لغو ، إذ يدفعه أنا أوجبناه هناك محافظة على القيام المتصل بالركوع كما عرفت ، هذا ، وربما ظهر من المدارك والرياض عدم الاجتزاء ، لتضاد النية الأولى مع النية الثانية بالوجوب والندب ، والنية الأولى إنما تؤثر حيث لا يحصل نية ثانية مضادة لها ، وهو محتمل ، لكن الأقوى الأول.

وأما إذا لم يكن جلس فالذي صرح بعضهم به وجوب الجلوس حينئذ ، لكونه فعلا من أفعال الصلاة يجب تلافيه ، والمنقول عن الشيخ وظاهر غيره بل هو الذي صرح به في المنتهى عدم الوجوب ، للأخبار المتقدمة الآمرة بالسجود من غير استفصال بل ربما استدل لهم بأن الواجب الفصل بين السجدتين وقد تحقق بالقيام ، ومقتضاه النزاع في وجوب هذا الجلوس ، ولا ريب أن الأقوى الأول بناء على وجوبه على وجه يكون كغيره من أفعال الصلاة ، وترك الاستفصال إنما هو لأن السؤال عن السجدة دون غيرها ، نعم لو قلنا بوجوبه مقيدا بحال رفع رأسه من السجدة اتجه حينئذ عدم تداركه لفوات محله حينئذ ، وتنقيح ذلك من الأدلة لا يخلو من نظر وإن كان أصل الوجوب مفروغا منه ، ومن ذلك يعلم ما في تفريع وجوبه في قضاء السجدة لو فرض‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب النية من كتاب الصلاة.

٢٨٥

نسيانها مع الجلوس ، مع أنه قد يقال بعدم وجوب قضائه وإن كان واجبا مطلقا ، لعدم الدليل.

وأما لو شك في الجلوس فقد صرح بعضهم بالبناء على الأصل ، فيأتي به ، واحتمال أنه شك فيه بعد الانتقال عنه فلا يلتفت يدفعه أنه بعد الرجوع إلى المحل لتلافي السجدة يرجع شكه إلى الشك فيه وهو في محله ، لكن ومع ذا قد يقال بعدم الالتفات للشك في تناول ما دل على تلافي المشكوك فيه في المحل لمثل ذلك ، مضافا إلى ما في بعضها (١) من أن عدم التلافي حيث ينتقل لكونه في تلك الحال أذكر الصادق في مثل المقام ، فتأمل فإن المسألة نافعة في غير المقام ، كما لو رجع مثلا من القيام إلى السجدة المنسية فشك في حصول السجدة الثانية ، فإنه بناء على الأول يجب الإتيان بها ، وعلى ما قلنا العدم ، ولعله هو الأقوى ، ولو نسي الطمأنينة فيه خاصة ففي تداركها بإعادته مطمئنا فيه وعدمه نظر كما تقدم الكلام في نظائره ، فلاحظ وتأمل.

أو التشهد وذكر قبل أن يركع رجع فتلافاه ثم قام فأتى بما يلزم من قراءة أو تسبيح ثم ركع وإن كان قد قرأ سابقا محافظة على الترتيب بلا خلاف كما في الرياض ، بل في الخلاف والمدارك وعن الغنية الإجماع عليه ، ويدل عليه مضافا إلى ذلك القاعدة المتقدمة والأخبار المستفيضة ، منها‌ صحيح سليمان بن خالد (٢) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي أن يجلس في الركعتين الأولتين فقال : إن ذكر قبل أن يركع فليجلس ، وإن لم يذكر حتى يركع فليتم الصلاة » إلى آخره ، وبمعناه غيره ، نعم عبارة المصنف لم تشمل نسيان السجدة الأخيرة والتشهد الأخير ، فنقول : لا ينبغي الشك في وجوب تدارك السجدة بل السجدتين إذا ذكر في أثناء التشهد أو بعده قبل التسليم بناء على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب الوضوء ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٣.

٢٨٦

وجوبه وأنه من الصلاة ، لإمكان التدارك لبقاء المحل ، وأما إذا ذكر بعد التسليم فان كان المنسي السجدتين بطلت الصلاة لفوات الركن ، وإن كان واحدة قضاها منفردة كما عن الذكرى ، وهو المصرح به في المدارك والرياض ، بل في الأخير أني لم أجد في الحكم خلافا ، وفي الحدائق أن ظاهر الأصحاب عدم الخلاف فيه ، واستدل له بإطلاق‌ الصحيح (١) كما قيل « في رجل نسي من صلاته ركعة أو سجدة أو الشي‌ء منها ثم يذكر بعد ذلك قال : يقضي ذلك بعينه ، قلت : أيعيد الصلاة؟ قال : لا » ونحوه آخر (٢) كما قيل ، مضافا إلى‌ صحيح ابن سنان (٣) « إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا فاقض الذي فاتك سهوا » وشمولها لكثير مما لا يقول به الأصحاب لا يخرجها عن الحجية فيما بقي ، بل قيل : إنه لا يقدح وإن كان الخارج أكثر من الداخل ، لأن منع ذلك مختص بالعموم اللغوي دون الإطلاقي ، بل الاتفاق واقع على جواز التقييد فيه إلى الواحد.

قلت : أما صحة الصلاة حيث يكون المنسي واحدة فهو مما لا ينبغي الإشكال فيه نعم قد يقال هنا إن لم يكن إجماع بوجوب التلافي لا القضاء ، لبقاء المحل ، ووقوع التسليم منه لا يخرجه عن الصلاة ، بل هو من قبيل من سلم ساهيا في غير محله ، بل قد يقال بوجوب التلافي ما دام باقيا على هيئة المصلي ولم يطل الفصل ولم يحصل ما يفسد الصلاة وإن كان الفائت السجدتين ، لتوقف الخروج عن المحل على الشروع في ركن آخر ، ولم يحصل ، كما يرشد إلى ذلك كله حكم ناسي الركعة ، وما يقال ـ من أنه يلزم حينئذ القول بفساد الصلاة لو تخلل حدث قهرا أو نحوه ، لوقوعه حينئذ في الأثناء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٧.

٢٨٧

من جهة عدم خروجه بالتسليم ـ يدفعه بعد تسليم إمكان (١) عدم الالتزام بذلك أنه إذا وقع مثل ذلك كان خروجا عن الصلاة قهرا ، والمراد أنه لا يخرج عن الصلاة بالمخرج الاختياري أي التسليم لا القهري ، ويحكم حينئذ بصحة الصلاة إذا كان الفائت غير ركن ، وبالفساد حيث يكون الفائت ركنا ، كما يرشد اليه صحيح عبيد بن زرارة (٢) المشتمل على التعليل بأن التشهد سنة ، بل وصحيح زرارة (٣) وإن ذكر التسليم فيه ، لاحتمال إرادة قضائه تبعا للتشهد أو الندب أو غير ذلك مما تقدم في محله ، فلاحظ وتأمل.

ومما يؤيد ما ذكرنا ما يظهر منهم من أن الخروج عن المحل إنما يكون في الدخول في ركن ، وبدونه لا يخرج ، وإلا فلو نسي الركوع والسجود حتى تشهد وسلم ثم ذكر لا تفسد صلاته ، فنسيان السجود وحده بطريق أولى ، ولعل ما نقل عن الذكرى من احتمال إعادة السجدة مع التشهد مرتبا بينهما يؤيد ما ذكرنا ، وأما بناء على استحباب التسليم فقد ذكر بعضهم أن حاله كحال القول بالوجوب ، فمتى ذكر بعد التشهد قبل التسليم السجدة أو السجدتين تداركها ، قيل : وفيه نظر ، ولعله لأن الخروج قد تحقق بتمام التشهد ، فان كان الفائت ركنا بطلت الصلاة ، وإن كان السجدة قضيت ، وفيه أن القائل باستحباب التسليم لم يقل بكونه مستحبا خارجيا عن الصلاة ، بل هو جزء مستحب منها ، فبتمام التشهد يحصل الفراغ من الواجب ، وبالتسليم يحصل الفراغ من تمام الواجب والمستحب ، فحينئذ يتجه التدارك لبقاء المحل بعدم الخروج عن تمام الصلاة وإن حصل الواجب منها ، نعم لو اقتصر على التشهد ولم يأت بالتسليم اتجه ما ذكر في النظر ، فتأمل.

وأما التشهد فكذلك لا كلام في تداركه إذا ذكره قبل تمام التسليم ، أما لو ذكره‌

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصواب « عدم إمكان الالتزام ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ١.

٢٨٨

بعد ذلك فلا إشكال في عدم الفساد حيث يذكر ويفعل قبل حصول ما ينافي الصلاة من الحدث أو غيره ، وأما إذا ذكر بعد ذلك فالمعروف أن الصلاة صحيحة ويأتي بالتشهد قضاء ، خلافا لابن إدريس فإنه أوجب إعادة الصلاة ، قيل وهو متجه إذا تخلل الحدث على مذهبه من كون التسليم مستحبا ، فيكون الحدث واقعا في الأثناء ، لعدم المخرج ، وبذلك يفرق بينه وبين التشهد الأول ، فيقضي الأول وإن حصل الحدث بخلاف التشهد الثاني ، بل عن ابن إدريس التصريح بذلك ، ولولاه أمكن دعوى أنه لا تلازم بين القول باستحباب التسليم والفساد ، إذ الخروج يتحقق حينئذ إما بالتسليم وإن قلنا باستحبابه ، أو بالحدث نفسه ، أو بغير ذلك ، فيكون قد ترك ما لا يفسد تركه إذا كان نسيانا ، لعدم كونه ركنا ، كما أن القائل بوجوب التسليم وأنه به يتحقق الخروج من الصلاة لو تركه نسيانا فأحدث مثلا قد لا يلتزم بفساد الصلاة ، فتأمل.

وأما القضاء لو ذكره بعد التسليم فلإطلاق‌ الصحيح (١) بل ظاهره « في الرجل يفرغ من صلاته وقد نسي التشهد حتى ينصرف من صلاته فقال : إن كان قريبا رجع إلى مكانه فتشهد ، وإلا طلب مكانا نظيفا فتشهد فيه » المعتضد بإطلاق الخبرين (٢) المتقدمين ، وهي بإطلاقها حجة على ابن إدريس أيضا ، نعم ما ذكرناه من المناقشة في السجدة يتأتى في المقام أيضا ، بل لعل عبارة الشهيد في البيان في المقام تشير إلى ذلك ، قال : « ويتلافى التشهد الأول والصلاة على النبي وآله ما لم يركع ، والتشهد الأخير ما لم يحدث ، فإن أحدث أتى به بنية مستأنفة » انتهى وهو ظاهر في أن المراد بالتلافي التلافي المحلي لا القضائي ، فتأمل جيدا فان جميع ما سمعت مقتضى هذه المناقشة ، ولعله لا يخلو من قوة لو كان المنسي السجدتين اللتين يمكن إلحاقهما بنسيان الركعة ، ومن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ١ ـ و ٤.

٢٨٩

وجه لو كان سجدة ، أما التشهد فالظاهر أن نسيانه في الآخر مقتض لقضائه لا لتداركه باعتبار كون التسليم محله بعد تمام الركعة الرابعة ، فهو في حال النسيان في محله ، فيقتضي الخروج ، فيتعين القضاء ، بل لعل مقتضى إطلاق الأدلة كونه كذلك مع نسيان السجدة أما اقتضائه البطلان مع نسيان السجدتين فمحل للنظر أو المنع ، فالاحتياط لا ينبغي تركه ، والله العالم.

ولا يجب في هذين الموضعين سجدتا السهو ، وقيل يجب ، والأول أظهر للأصل‌ وخبر الحلبي (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يسهو في الصلاة فينسى التشهد قال : يرجع فيتشهد ، قلت : أيسجد سجدتي السهو؟ قال : ليس في هذا سجدتا السهو » وخبر أبي بصير (٢) « سألته عمن نسي أن يسجد سجدة واحدة فذكرها وهو قائم قال : يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع ، فان كان ركع فليمض على صلاته ، فإذا انصرف قضاها وحدها وليس عليه سهو » بناء على كون نفيه مع التدارك ، لكن في‌ خبر المعلى بن خنيس (٣) « سألت أبا الحسن الماضي عليه‌السلام عن الرجل ينسى السجدة من صلاته قال : إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها وبنى على صلاته ثم سجد سجدتي السهو بعد انصرافه ، وإن ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة ، ونسيان السجدة في الأولتين والأخيرتين سواء » ويمكن كون المراد سجود السهو لما وقع من زيادة القيام ونحوه لما تسمعه إن شاء الله في الخاتمة من وجوبه لكل زيادة ونقيصة ، لا أنه للسهو المتدارك ، بل يمكن كون مراد المصنف نفي الوجوب من هذه الحيثية ، لأنه حفظ سهوه فأتمه ، ولا سهو على من حفظ سهوه وأتمه كما تسمع التصريح بذلك في النصوص ، لا ما يشمل الزيادة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٥.

٢٩٠

المتخللة مثلا ، وإن كان قد يشهد‌ قوله عليه‌السلام في الموثق (١) : « وليس في شي‌ء مما تتم به الصلاة سهو » في أحد الوجهين ، والله العالم.

ولو ترك الصلاة على النبي وآله ( صلوات الله عليهم ) حتى سلم ولم يذكر إلا من بعد الركوع قضاهما بعد التسليم كما صرح به جماعة ، بل هو المشهور نقلا إن لم يكن تحصيلا ، بل في الخلاف « من ترك التشهد والصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قضى ذلك بعد التسليم وسجد سجدتي السهو ، وقال الشافعي : يجب عليه قضاء الصلاة ، دليلنا إجماع الفرقة ، والقضاء فرض ثان » انتهى. خلافا لابن إدريس ومن تبعه ، فلم يوجبوا قضاء ، للأصل المنقطع بخبر حكم بن حكيم (٢) المتقدم سابقا ، بل وبما قيل من أن التشهد يقضى بالنص فكذا أبعاضه تسوية بين الكل والجزء ، وأنه مأمور به ولم يأت به فيبقى في العهدة ، وبأن التشهد اسم للمجموع فحيث لم يأت ببعضه لم يأت به ، وإن كان قد يتوجه على الأول بعد تسليم الجزئية منه على وجه تقضى لو فاتت معه أنا نمنع تسوية البعض للكل ، وقضاء البعض في ضمن الكل بعد فرض تسليم الخصم له لا يقضي بقضائه مستقلا كما في الصلاة وأبعاضها ، وعلى الثاني أن البقاء في العهدة إما أن يكون منشأ الاستصحاب ، أو إطلاق ما دل على وجوبه ، وكلاهما منتفيان ، ضرورة ظهور الوجوب في المكان المخصوص في الصلاة ، والفرض أنه قد خرج منها ، وما في الرياض ـ من أن الأصل يقتضي الفساد ، وإنما خرجنا عنه في مثل المقام بالإجماع وهو هنا مع الإتيان به بعد الصلاة ، فيتعين حينئذ الإتيان به ـ يدفعه منع أن المدرك هذا الإجماع ، بل هو عموم ما دل على أن نسيان غير الركن غير مفسد للصلاة كقوله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٦.

٢٩١

عليه‌السلام (١) : « لا تعاد الصلاة » إلى آخره ، ونحوه من إطلاق الإجماعات وغيرها ، على أنه لم يعلم من القائل بوجوب القضاء أن الصحة متوقفة عليه ، بل قد يقول : إنه واجب لنفسه كما هو الظاهر من عدم البطلان بتخلل الحدث ونحوه ، وعلى الثالث أنا نمنع دخوله تحت اسم التشهد ، ولئن سلمنا فهو مع الإتيان بالبعض لم يصدق عليه أنه نسي التشهد كما لا يصدق عليه أنه جاء بالتشهد ، بل هو واسطة بين الأمرين كما هو مقتضى كونه اسما للمجموع ، فتأمل جيدا ، فانحصر الدليل بخبر حكم بن حكيم مع انجباره بما عرفت من الشهرة ، وما لعله يمكن تحصيله من الإجماع من عبارة الخلاف المتقدمة ، سيما على ما في مفتاح الكرامة من نقل عبارة الخلاف بلفظ « أو » ولعله عثر على نسخة أخرى ، فتأمل.

ومن هنا تعرف أن الظاهر عدم وجوب سجود السهو له من حيث وجوبه للتشهد لعدم دخوله تحت اسمه كما هو ظاهر المصنف وعن غيره ، وأبعاض التشهد تقضى كالصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما نص عليه بعضهم ، بل حكي عن ظاهر البيان والموجز الحاوي وكشف الالتباس أو صريحه وصريح الجعفرية وشرحها وتعليق الإرشاد ، لعموم خبر حكم السابق ، ولو نسي الصلاة على الآل عليهم‌السلام فقط فهل يجب على تقدير القضاء إعادة ما يتم به مما قبله وإن لم يكن نسيه كما في الذخيرة ، أو لا يجب كما هو الأقوى ، كما هو مقتضى خبر حكم ، ولأن قضاءه من حيث كونه جزء صلاة لا أنه خطاب تراد دلالته ، ولعله أشار إلى ذلك في الذكرى بقوله : ووجوب قضاء الصلاة وحدها مشعر بعدم اشتراط الموالاة في هذه الأذكار عند النسيان.

الثالث أي ما يتدارك مع سجدتي السهو وهو من ترك سجدة أو التشهد ولم يذكر حتى ركع قضاهما أو أحدهما أما السجدة فقد صرح بقضائها في المبسوط‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٥.

٢٩٢

والخلاف والنافع والقواعد والإرشاد والمنتهى والألفية والدرة السنية والمدارك والرياض ، بل هو المشهور نقلا وتحصيلا شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا ، بل عن الغنية والمقاصد العلية الإجماع عليه ، كما أن عن التذكرة والذكرى الإجماع على عدم بطلان الصلاة بالإخلال بواحده سهوا ، وهو الحجة ، مضافا إلى ما تقدم من خبر حكم ابن حكيم وما في معناه وخبر ابن سنان المتقدم (١) أيضا ، وهو قوله عليه‌السلام : « إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا فاقض الذي فاتك سهوا » والأخبار الخاصة ، منها‌ صحيح إسماعيل بن جابر (٢) عن الصادق عليه‌السلام « في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتى قام فذكر وهو قائم أنه لم يسجد قال : فليسجد ما لم يركع ، فإذا ركع فذكر بعد ركوعه أنه لم يسجد فليمض على صلاته حتى يسلم ثم يسجدها فإنها قضاء » وخبر أبي بصير (٣) قال : « سألته عن رجل نسي أن يسجد سجدة واحدة فذكرها وهو قائم قال : يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع ، فان ركع فليمض على صلاته ، فإذا انصرف قضاها وليس عليه سهو » ومثلهما في الدلالة على المطلوب موثق عمار الساباطي (٤) وغيره من الأخبار ، فما نقل عن العماني وثقة الإسلام من القول بفساد الصلاة ضعيف محجوج بما عرفت ، ولعل دليله‌ خبر المعلى بن خنيس (٥) « سألت أبا الحسن الماضي عليه‌السلام في الرجل ينسى السجدة من صلاته فقال : إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها وبنى على صلاته ثم سجد سجدتي السهو بعد انصرافه ، وإن ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة ، ونسيان السجدة في الأولتين والأخيرتين سواء » وهو مع أنه لا جابر لسنده معارض بما سمعت من الأدلة المستغنية عن ذكر الترجيح عليه ، فلا مانع من حمله على الاستحباب أو غيره.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٥.

٢٩٣

وكذا ما عن المفيد والشيخ في التهذيب من استقبال الصلاة إذا كانت من الركعتين الأولتين ، لصحيح البزنطي (١) المروي في الكافي والتهذيب عن أبي الحسن عليه‌السلام « سألته عن رجل صلى ركعة ثم ذكر وهو في الثانية وهو راكع أنه ترك سجدة من الأولى فقال : كان أبو الحسن عليه‌السلام يقول : إذا تركت السجدة في الركعة الأولى ولم تدر واحدة أم اثنتين استقبلت الصلاة حتى يصح لك أنهما اثنتان » وزاد في التهذيب مع إسقاط لفظ الصلاة وإبدال الواو بالفاء « وإذا كان في الثالثة والرابعة فتركت سجدة بعد أن تكون قد حفظت الركوع أعدت السجود » بل يؤيده ما دل على اشتراط سلامة الصلاة بسلامة الأولتين وقوله عليه‌السلام : « لا تعاد الصلاة إلا من خمسة ».

إذ هذه الرواية وإن كانت معتبرة السند إلا أنها لا تقاوم تلك المطلقات المنجبرة بشهرة العمل والإجماع المنقول وإطلاق الفتوى بعدم بطلان الصلاة بنسيان غير الركن على أنها معارضة برواية‌ محمد بن منصور (٢) « سألته عن الذي ينسى السجدة الثانية من الركعة الثانية أو شك فيها فقال : إذا خفت ألا تكون وضعت جبهتك إلا مرة واحدة فإذا سلمت سجدت سجدة واحدة وتضع جبهتك مرة وليس عليك سهو » وما في رواية المعلى بن خنيس المتقدمة من أن نسيان السجدة في الأولتين والأخيرتين سواء ، وعدم العمل منا بصدرها لا يقدح في العمل بذيلها ، فان الظاهر إرادة الاستئناف بل وخبر جعفر بن بشير (٣) المروي عن المحاسن ، قال : « سئل أحدهم عليهم‌السلام عن رجل ذكر أنه لم يسجد في الركعتين الأولتين إلا سجدة وهو في التشهد الأول قال : فليسجدها ثم ينهض ، وإذا ذكره وهو في التشهد الثاني قبل أن يسلم فليسجدها ثم يسلم ثم يسجد سجدتي السهو » هذا ، مع أنها غير واضحة المتن على اختلاف نسخه وإجماله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٧.

٢٩٤

فان قوله عليه‌السلام : « ولم تدر واحدة » إلى آخره ظاهر في الشك والسؤال ، وقوله عليه‌السلام : « إذا تركت » كقوله عليه‌السلام في آخره : « أعدت السجود » ظاهر في النسيان ، اللهم إلا أن يراد من الواو معنى « أو » مع أنه قد لا يتم من جهة أخرى أيضا ، أو يقال إن معنى الخبر على ما فهمه الشيخ أن السائل سأل عن رجل تيقن وهو راكع في الثانية أنه ترك سجدة من الأولى فقال عليه‌السلام : إن الشك يوجب استقبال الصلاة ، فاليقين أولى بخلاف الركعتين الأخيرتين فإنما عليه إذا ترك سجدة فيهما أن يقضيها بعد ، وهو كما ترى ، أو يقال : إن المراد من بطلان الصلاة بالشك في كون الفائت سجدة أو سجدتين كما ذكروه في الشك في كون الفائت من السجدتين من ركعة أو ركعتين ، وفيه أنا نمنع ذلك كما عرفته سابقا لأصالة الصحة ، على أنه لا وجه للتفصيل حينئذ بين الأولتين والأخيرتين ، بل ولا لقوله عليه‌السلام : « حتى تصح لك اثنتان ».

وأجاب عنها في الخلاف أنها لا تنافي الأخبار الأول ، لأن هذا الحكم مختص بمن يشك فلم يذكر فيلزمه الإعادة ، وإنما يجوز له المضي في الصلاة وإعادة السجدة بعد التسليم إذا كان ذلك مع العلم ، فلا تنافي بين هذه الأخبار ، وفيه أنه حينئذ لا مطابقة بين السؤال والجواب ، مع أنه إن كان ذلك صحيحا في الشك ففي النسيان بطريق أولى وقد أشار عليه‌السلام إلى العلة بقوله عليه‌السلام : « حتى يصح لك اثنتان » مع أن ذيله وقوله عليه‌السلام : « إذا تركت » ظاهر في النسيان ، وعن المختلف الجواب عنها بأن المراد بالاستقبال الإتيان بالسجود المشكوك فيه لا استقبال الصلاة ، قال : ويكون‌ قوله عليه‌السلام : « وإذا كان في الثالثة » إلى آخره ، راجعا إلى من تيقن ترك السجدة في الأولتين ، فإن عليه إعادة السجود لفوات محلها ، ولا شي‌ء لو شك ، بخلاف ما لو كان الشك في الأولى ، لأنه لم ينتقل عن محل السجود فيأتي بالمشكوك فيه‌

٢٩٥

ولا يخفى ما فيه من التعسف والركاكة ، على أن قول السائل : « وهو راكع » ينافيه ، اللهم إلا أن يعتبر في منافاته للتدارك رفع الرأس منه ، فيكون المراد حينئذ أن السائل لما سأل عن ذلك أجاب عليه‌السلام أن على الشاك أن يأتي بالسجدة في محلها حتى يكون آتيا بالسجدتين ، فالمتيقن أولى ، والراكع في الثانية لم يتجاوز محل الإتيان بالسجود فيهوي إلى السجود الثاني ، بخلاف ما إذا أتم الركعتين فتيقن في الثالثة أو الرابعة أنه ترك سجدة في الأولى فإنما عليه قضاء السجدة بعد ، ولا ينافيه ما عن الكافي وقرب الاسناد من أن لفظه « استقبل الصلاة » فإن الرجوع استقبال للصلاة أي رجوع إلى جزء متقدم منها ، هذا ، والانصاف أنه لولا ما قدمناه من شهرة العمل بين الأصحاب والإجماع المحكي ونحوهما لكان العمل بها متجها ، ضرورة قصور غيرها عن معارضتها بدونها سندا ودلالة ، ووجوب حمل المطلق على المقيد ، لكن قد يقال اختلاف متنه وإجماله يمنع من ذلك أيضا.

وكيف كان فالأقوى ما عليه المشهور ، وطريق الاحتياط غير خفي ، بل عن الشهيد أنه لم يستبعد حمله على استحباب الاستقبال ، كما أن الأقوى هو المشهور بينهم أيضا من قضاء السجدة بعد التسليم ، بل لم ينقل الخلاف فيه إلا عن المفيد في الرسالة الغرية وأبي الحسن علي بن بابويه في رسالته إلى ولده ما تسمعه عن الإسكافي ، أما الأول فقال : « إذا ذكر بعد الركوع فليسجد في الثانية ثلاث سجدات : واحدة منها قضاء » وأما الثاني فقال : « إن السجدة المنسية من الركعة الأولى تقضي في الركعة الثالثة ، وسجود الثانية إذا ذكرت بعد ركوع الثالثة تقضى في الركعة الرابعة ، وسجود الثالثة يقضي بعد التسليم » وهما مع منافاتهما لهيئة الصلاة ومخالفتهما للمعتبرة المستفيضة وعمل المشهور لم نعثر لهما على مستند في ذلك سوى الرضوي (١) الذي بعد تسليم حجيته‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ١.

٢٩٦

لا يهجم على طرح ما عرفت من الأدلة به.

وأما‌ صحيح ابن أبي يعفور (١) عن الصادق عليه‌السلام « إذا نسي الرجل سجدة وأيقن أنه قد تركها فليسجدها بعد ما يقعد قبل أن يسلم » فحمله في المدارك على ما ذهب اليه من استحباب التسليم ، ويمكن حمله بناء على الوجوب على التسليم المستحب بعد الواجب ، وإطلاقه عليه شائع في الأخبار ، والأمر سهل ، لعدم العامل به ، إذ هو لا يوافق أحد المذهبين المتقدمين ، نعم في إطلاقه دلالة على بعض ما ذهب اليه والد الصدوق ، وهو قضاء السجدة من الركعة الثانية ، وعلى المحكي عن الإسكافي أيضا قال : « واليقين بترك إحدى السجدتين أهون من اليقين بترك الركوع ، فإن أيقن بتركه إياها بعد ركوعه في الثالثة سجدها قبل سلامه ، والاحتياط إن كانت في الأولتين الإعادة إن كان في وقت » فتأمل.

وأما التشهد فالظاهر من عبارة المصنف وغيره أنه التشهد الأول ، بل هو صريح بعضهم ، لكن أطلق آخر ، بل في الرياض لم يظهر قائل بالفرق بينهما ، كما عن الذكرى « لا فرق بين التشهد الأول والأخير في التدارك بعد الصلاة عند الجماعة في ظاهر كلامهم سواء تخلل الحدث أم لا » انتهى.

وعلى كل حال فقال الشيخ في الخلاف : « من ترك التشهد والصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ناسيا قضى ذلك بعد التسليم وسجد سجدتي السهو ، وقال الشافعي يجب عليه قضاء الصلاة ، دليلنا إجماع الفرقة ، والقضاء فرض ثان يحتاج إلى دليل » انتهى وقال فيه في موضع آخر : « إذا نسي التشهد الأول من صلاة رباعية أو ثلاثية ـ إلى أن قال ـ : وإذا ذكر بعد الركوع مضى في صلاته ، فإذا سلم قضى التشهد ثم سجد سجدتي السهو ، ـ حتى قال ـ : دليلنا إجماع الفرقة » وعن الغنية والمقاصد العلية الإجماع على قضائه ، وفي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ١.

٢٩٧

الدرة وعن غيرها أنه المشهور ، وفي المدارك أنه مذهب الأكثر.

ويدل عليه مضافا إلى ما سمعت من الإجماع المنجبر بالشهرة المتقدمة والأخبار المطلقة كخبر حكم بن حكيم وما في معناه‌ الصحيح (١) « في الرجل يفرغ من صلاته وقد نسي التشهد حتى ينصرف ، فقال : إن كان قريبا رجع إلى مكانه فتشهد ، وإلا طلب مكانا نظيفا فتشهد فيه » وخبر علي بن أبي حمزة (٢) قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إذا قمت في الركعتين الأولتين ولم تتشهد فذكرت قبل أن تركع فاقعد فتشهد ، وإن لم تذكر حتى تركع فامض في صلاتك كما أنت ، فإذا انصرفت سجدت سجدتين لا ركوع فيهما ثم تشهد التشهد الذي فاتك » وما في سنده من الضعف قد عرفت الجابر له ، كالضعف في دلالته من حيث احتمال أن يراد به التشهد في السجدتين الذي يقوله الخصم كما ستعرف على أنه ظاهر في خلاف ذلك كما يقتضيه لفظ « ثم » وكذا المناقشة في الأول بظهوره في التشهد الأخير والكلام في التشهد الأول بعد أن عرفت أنه لا قائل بالفصل ، مع أنا نمنع ظهوره فيه.

فما عن المقنع والفقيه « إذا سلمت سجدت سجدتي السهو وتشهدت فيهما التشهد الذي فاتك » ـ مما هو ظاهر في الاجتزاء بذلك عن قضاء التشهد كما عن المفيد في الرسالة للأصل والموثق (٣) « سألته عن الرجل ينسى أن يتشهد قال : يسجد سجدتين يتشهد فيهما » وخبر الصيقل (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الرجل يصلي الركعتين من الوتر يقوم فينسى التشهد حتى يركع ويذكر وهو راكع قال : يجلس من ركوعه فيتشهد ثم يقوم فيتم ، قال : قلت : أليس قلت في الفريضة إذا ذكر بعد ما يركع مضى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ١.

٢٩٨

ثم سجد سجدتين بعد ما ينصرف يتشهد فيهما؟ قال : ليس النافلة مثل الفريضة » بل يؤيده أيضا خلو الأخبار الصحيحة وغيرها المستفيضة الواردة في مقام البيان عن الأمر بقضائه ، فإنها اقتصرت على الأمر بالسجدتين فقط ، منها‌ قول أبي جعفر عليه‌السلام (١) : « في الرجل يصلي ركعتين من المكتوبة ثم ينسى فيقوم قبل أن يجلس بينهما قال : فليجلس ما لم يركع وقد تمت صلاته ، فان لم يذكر حتى ركع فليمض في صلاته ، وإذا سلم سجد سجدتين وهو جالس » ونحوه غيره ـ ضعيف جدا ، إذ ذلك كله غير صالح له ، أما الأصل فالظاهر أنه غير منطبق على ما يدعونه من التداخل بين التشهدين ، بل الأصل عدمه ، على أنك ستسمع فيما يأتي إن شاء الله اختلافهما بالكيفية ، على أن ظاهر عبارتهم المتقدمة حذف تشهد السجدتين ، وستعرف فيما يأتي وجوبه إن شاء الله ، وأما الموثق فلا دلالة فيه أيضا ، فإن‌ قوله عليه‌السلام : « يتشهد فيهما » لا ظهور فيه أنه التشهد الفائت ، فإن كان الاستناد اليه من جهة الاقتصار على ذلك الظاهر في نفي غيره فهو راجع إلى التأييد الأخير بالصحاح كما عرفت ، ومثله في ذلك الخبر الذي بعده ، وأما خلو الصحاح ففيه أنه إن سلمنا ظهوره في ذلك فهو لا يعارض النص المنجبر بما عرفت من الشهرة والإجماع ، وكلامهم بمنزلة كلام متكلم واحد يبين بعضه بعضا.

فما يظهر من بعض المتأخرين من الميل اليه لذلك فيه ما لا يخفى ، فلم يبق لهم مستند سوى ما نقل عن‌ الفقه الرضوي (٢) قال : « وإن نسيت التشهد في الركعة الثانية فذكرت في الثالثة فأرسل نفسك وتشهد ما لم تركع ، فان ذكرت بعد ما ركعت فامض في صلاتك فإذا سلمت سجدت سجدتي السهو وتشهدت فيهما ما قد فاتك » وهو بعد تسليم حجيته لا يقاوم ما ذكرنا من الأدلة ، على أنه محتمل لأن يراد بقوله عليه‌السلام :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ١.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ١.

٢٩٩

« فيهما » بعدهما ، إذ من المعلوم أنه لا يراد به في حال السجود ، بل المراد البعدية ، ولا دليل على إرادة البعدية من غير فاصل ، بل قد يراد بعد تمامهما ، فتأمل ، بل تحتمله عبارة الفقيه والمقنع المتقدمة ، كما أنه يحتمل أن يراد به بيان التشهد في السجدتين ، وقوله عليه‌السلام : « ما قد فاتك » أي نظيره ، إذ قد يكون الفائت التشهد الخفيف ، وأيضا التأمل بذلك يقضي أنه يحذف تشهد السجدتين ، فليس خلافا في المسألة حينئذ بل هو خلاف آخر ، بل قد عرفت احتمال عدم الخلاف أصلا من المقنع والفقيه ، لاحتمالهما بعض الوجوه ، فينحصر حينئذ في المفيد ، مع أن المحكي عنه في المقنعة موافقة الأصحاب ، وتعرف فساده إن شاء الله.

ثم إن جميع ما ذكرنا من الأدلة والأخبار التي كادت تكون متواترة حجة على ما نقل عن الكاتب من القول بإعادة الصلاة ، لقول الصادق عليه‌السلام في الموثق (١) « في رجل نسي التشهد في الصلاة قال : إن ذكر أنه قال : بسم الله وبالله فقط فقد جازت صلاته ، وإن لم يذكر شيئا من التشهد أعاد الصلاة » وهو لا يقاوم ما ذكرنا من وجوه عديدة ، فيحمل على الاستحباب كما قاله في الوافي أو غير ذلك أو يطرح ، وكأنه لا إشكال عندهم في أن محل قضائه بعد التسليم للأدلة المقتضية لذلك من الأخبار وغيرها ، فتأمل.

ويسجد لكل من نسيان السجدة والتشهد سجدتي السهو أما الأول فهو المشهور شهرة كادت تكون إجماعا ، بل عليه الإجماع في المنتهى وعن الخلاف والغنية والتذكرة وآراء التلخيص للعلامة ، ويدل عليه مضافا إلى ذلك‌ مرسلة ابن أبي عمير عن سفيان بن السمط (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « تسجد سجدتي السهو في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٣.

٣٠٠