جواهر الكلام - ج ١٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

ركعة لم يعتد بها واستقبل صلاته استقبالا » والصادق عليه‌السلام في صحيح أبي بصير (١) « من زاد في صلاته فعليه الإعادة » كقوله في خبر ابن حازم (٢) ونحوه‌ خبر عبيد بن زرارة (٣) : « لا يعيد الصلاة من سجدة ويعيدها من ركعة » بناء على أن المراد بها الركوع ، وفي التنقيح الاستدلال عليه بأنه زاد ركنا ، وكل من زاد ركنا تبطل صلاته أما الكبرى فإجماعية ، وأما الصغرى فلأن الركوع لغة الانحناء ، انتهى. وكلامه يعطي أن كون الركوع ركنا لا كلام فيه ، إنما الكلام في كون هذا من الركوع أولا وفي المختلف وغيره أنه لا خلاف في أن زيادة الركوع مبطلة ، وما تقدم من القول بالتلفيق لا يقضي بنفي الركنية مطلقا ، فإنهم لعلهم اغتفروه في ذلك المقام الخاص ، وهو تدارك السجدتين المنسيتين.

فإذا علمت ذلك ظهر أن مستند المتقدمين لا يخلو من أمرين إما الوقوف على رواية تدل على اغتفار مثل ذلك كما يقضي به إيراده في مثل النهاية التي هي متون أخبار أو أن هذا ليس ركوعا ، لأنه مأخوذ فيه رفع الرأس ، ولهذا لو ذكر بعد رفع رأسه بطلت صلاته إجماعا ، والأول لا يجوز الفتوى به بمجرد الاحتمال ، والثاني واضح الفساد ضرورة عدم مدخلية رفع الرأس في الركوع ، ولذا لو سها عنه لم تبطل صلاته لترك الركوع قطعا ، وتبين كون الركوع حاصلا لا يقضي بأن هذا ليس ركوعا ، وكون الهوي إلى السجود كان واجبا عليه وهذا قد اشتمل عليه ولم يزد إلا مجرد الطمأنينة كذلك لا يخرجه عن هذا الاسم ، وإلا لتأتي في صورة العمد أيضا.

ودعوى أن نية الركوعية والطمأنينة لا تشخصه ركوعا ، لأنها معارضة بالنية الأولى المقتضية لكونه هويا للسجود ، وهي مستدامة ، والمستدامة بحكم المبتدأة ، ومن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٣.

٢٦١

هنا أجمعنا على صحة صلاة من أوقع أفعالا بنية ركعة معينة من الصلاة فتبين أنه في غيرها بل قد سلف أيضا أنه لو دخل في صلاة بنية الفرض ثم عزبت عنه إلى النفل سهوا وأتمها بنية النفل كانت صحيحة ، وأما الطمأنينة فليست بركن ، فلا تضر زيادتها ، يدفعها أن النية الأولى لا تخرج المسميات عن المسمى اللغوي ، والمثالان ليسا من هذا القبيل ، مع أنه عليه تتجه الصحة حينئذ ولو رفع رأسه ، إذ لا زيادة إلا هذا الرفع الذي لا يقدح زيادته ، لكونه ليس ركنا ، وليس هو أعظم من القيام في غير محله ، وما في المدارك ـ من أن هذه الزيادة لم تقتض تغيير هيئة الصلاة ، ولا خروجا عن الترتيب الموظف ، فلا تكون مبطلة وإن تحقق مسمى الركوع ، لانتفاء ما يدل على بطلان الصلاة بزيادته على هذا الوجه من نص أو إجماع ـ في غاية الضعف من وجوه ، وما يقال : إنه مأمور بذلك ـ ومقتضاه عدم ترتب الفساد عليه بوجه من الوجوه ـ فيه ـ مع نقضه بصورة الرفع ، بل وبغيره من الأركان المتداركة عند الشك مع تبين الخلاف ـ أن ظواهر الأوامر الآمرة بتلافي المشكوك فيه عدم الفساد ما دام باقيا على ذلك الحال لا ما إذا انتقل منه إلى اليقين ، مع أنه يجب صرف الظاهر عن ظاهره لما سمعت من الأدلة ، نعم يمكن التمسك لهم بالإجماع المنقول عن الغنية ، ويؤيده فتوى من لا يعمل إلا بالقطعيات كالمرتضى وابن إدريس ، لكن ذلك بمجرده لا يجوز الجرأة به على هذا الحكم المخالف للأصول والضوابط ، وما سمعته من إطلاق الأخبار مع إعراض أكثر المتأخرين ، وطريق الاحتياط الإتمام والإعادة.

ثم اعلم أن الحاكمين بالصحة اختلفوا فبين من خص ذلك بالأخيرتين كما عن النهاية والوسيلة وبين من عمم الحكم لهما كما عن غيرهما ، وكأن الأول مبني على أن السهو متى دخل الأولتين في الركعات أو الأفعال أفسد ، فالمفسد حينئذ نفس تعلق الشك بالركوع فيهما لا زيادته بالخصوص فيهما ، ويأتي التعرض إن شاء الله لبطلانه.

٢٦٢

ولو ذكر قبل الوصول إلى حد الراكع فالظاهر الصحة ، لعدم تحقق زيادة الركوع منه ، لكن هل يجب عليه الانتصاب للسجود أو يكفي ما حصل منه من الهوي وإن كان لغيره ، والمسألة سيالة في غير المقام ، مثل من هوى لا للركوع حتى وصل إلى حد الراكع ثم ذكر أن عليه ركوعا ، ومثله السجود ونحو ذلك ، فيحتمل عدم الوجوب ، لكون مثل هذه الأشياء مقدمات لا واجبات في الصلاة لأنفسها ، فلا يقدح حصولها على أي وجه يكون ، ويحتمل قويا الوجوب ، لمنع كونها مقدمات ، لأنه بالنية وتكبيرة الإحرام في الصلاة حتى يتحلل بالتسليم إلا ما خرج من قتل عقرب مثلا ونحوه ، ويتفرع على الوجهين وجوبها وعدمه على تقدير تعذر الركوع والسجود مثلا ، فتأمل جيدا ، وقد يأتي التعرض لذلك إن شاء الله.

وإن نقص ركعة فما زاد كما صرح به في النافع ، بل هو الظاهر من كل من تعرض لهذه المسألة ، فما عن المحقق الثاني ـ من أن مراد المصنف بقوله : « وإن نقص » ما يتناول نقص الركعة فما زاد ونقص الركوع ـ لا أعرف له وجها ، إذ نقصان الركوع إن كان مع الإتيان بالسجود فمبطل للدخول في ركن ، فلا يجري عليه شي‌ء من الأحكام الآتية ، وإن كان مع نقصان السجود فهو من نقصان الركعة ، على أنه قد ذكر سابقا نقصان الركوع والسجدتين ، نعم يمكن إجراء الأحكام الآتية في الناسي للسجدتين من الأخيرة حتى سلم ، فلو أبدل الركوع بالسجود لكان له وجه ، كما أنه يمكن إبداء وجه لنقصان الركوع بحيث تجري عليه أحكام المسألة بأن يقال لو نقص ركوعا وسجد سجدة واحدة وقلنا إن مثل ذلك لا يقدح في تلافي الركن كما اختاره سابقا في المدارك فإنه يتجه حينئذ جميع الأحكام من الإتمام إن ذكر قبل فعل شي‌ء مما يبطلها ، والإعادة إن ذكر بعد فعل المبطل عمدا وسهوا ، والتردد ، مع أن الأشبه الصحة إن ذكر بعد فعل المبطل عمدا لا سهوا ، والأمر سهل.

٢٦٣

وكيف كان فان ذكر قبل فعل ما يبطل الصلاة في العمد خاصة أو في العمد والسهو ولم يحصل مناف للصلاة أتم ولو كانت ثنائية بلا خلاف أجده فيه على الظاهر كما اعترف به في المدارك ، بل الظاهر أنه متفق عليه إلا على القول إن الأولتين لا يتعلق بهما سهو أبدا ، فإنه يتجه حينئذ التفصيل ، لكنه في غاية الضعف ، بل لا ينبغي الالتفات اليه ، ويدل عليه مضافا إلى ما يمكن أن يستفاد من كلماتهم من دعوى الإجماع عليه أن كل من نقص شيئا للسهو عنه وذكر قبل أن يدخل في ركن آخر وجب عليه ، والفرض أنه لم يقع منه هنا إلا تشهد أو تسليم في غير محله سهوا ، وهو لا يقضي بفساد الصلاة ، لكونه ليس من ذلك ، والأخبار الكثيرة المعتبرة الآمرة بالإتمام بعد الذكر ، ومحل الفرض هو المتيقن من بين الأفراد ، إنما الكلام في دخول غيره معه ، ودعوى أن السلام مخرج عن الصلاة قهرا ممنوعة أشد المنع ، بل المعلوم منه ما كان في محله.

وإن ذكر النقص بعد أن فعل ما يبطلها عمدا وسهوا أعاد بلا خلاف أجده إلا ما يحكى عن الصدوق في المقنع ، قال : « فان صليت ركعتين ثم قمت فذهبت في حاجة فأضف إلى صلاتك ما نقص منها ولو بلغت الصين ولا تعد الصلاة ، فان إعادة الصلاة في هذه المسألة مذهب يونس بن عبد الرحمن » مع أن المنقول عن كشف اللثام والمجلسي أنهما قالا : إن الموجود فيما عندنا من نسخ المقنع « وإن صليت ركعتين ثم قمت فذهبت في حاجة لك فأعد الصلاة ، ولا تبن على ركعتين » ونحوه في مفتاح الكرامة ، فلم تكن المسألة من المتحقق فيها الخلاف ، فما يظهر من بعض متأخري المتأخرين من الميل إليه أخذا بظواهر بعض الأخبار الموافقة للعامة المعارضة بأقوى منها المعرض عنها بين قدماء الأصحاب ومتأخريهم إعراضا يسقطها عن الحجية إنما نشأ من اختلال الطريقة ، لعدم المبالاة بكلام الأصحاب حجج الله في أرضه وأمنائه على‌

٢٦٤

حلاله وحرامه في جنب الخبر الصحيح ، وكيف لا ولو أراد الإنسان أن يلفق له فقها من غير نظر إلى كلام الأصحاب بل من محض الأخبار لظهر له فقه خارج عن ربقة جميع المسلمين بل سائر المتدينين ، فالتحقيق حينئذ أنه كلما كثرت الأخبار وازدادت صحة ومع ذلك أعرض الأصحاب عنها ولم يلتفتوا إليها مع أنها بين أيديهم بمنظر منهم ومسمع تزداد وهنا ، ويضعف الاعتماد عليها لحصول الظن بل القطع بعدم كونها على ما هي ظاهرة فيه ، هذا مع الغض عن كونها معارضة بأخبار أخر مخالفة للعامة معتضدة بقواعد الباب ، بل معتضدة بما دل على بطلان الصلاة بالحدث مثلا والاستدبار ونحو ذلك خالية عما اشتملت عليه جملة من تلك الأخبار من سهو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المخالف لقواعد الإمامية العقلية ، فمن العجيب بعد ذلك كله ما يظهر من بعض المتأخرين من حملها على الجواز جمعا بينها وبين ما دل على الإعادة والاستقبال ، إذ هو مع أنه في الحقيقة إحداث قول ثالث فرع التكافؤ ، وقد عرفت عدمه من وجوه عديدة ، فالمتجه حينئذ طرحها أو حملها على ما لا ينافي المقصود.

وإن كان يبطلها عمدا لا سهوا كالكلام ولو في السؤال عن نقصان الصلاة فيه تردد ينشأ من أنه كالوقوع في الأثناء سهوا ، بل يشمله ما دل على اغتفاره سهوا مضافا إلى الأخبار الحاكمة بالصحة ، بل منها ما هو صريح في وقوع الكلام منه المنجبرة بشهرة الأصحاب ، ومن أن ذلك من قبيل العمد لا السهو ، لأن الفرض أنه تكلم عامدا لذلك بزعم الفراغ ، ولذا يصح لو كان عقدا أو إيقاعا ، مع أن المنقول عن المبسوط أن فيه رواية ، بل قد عرفت أن القاعدة تقضي بالبطلان في الجميع ، والمتيقن من القاعدة الثانية غير هذا الفرد ، فيبقى داخلا تحت الأولى.

والأشهر الأشبه الصحة وفاقا للمشهور نقلا وتحصيلا ، بل لعل عليه عامة المتأخرين ، خلافا للمحكي عن النهاية والجمل والعقود والوسيلة والاقتصاد والمهذب‌

٢٦٥

والغنية ، فيعيد الصلاة ، بل في الأخير الإجماع عليه ، وعن الحلي أنه أوجب الإعادة إذا نقص ركعة ولم يذكر حتى ينصرف ، وأطلق في كشف اللثام ، وقيل : وكذا الحسن ، ولظاهر المحكي عن المبسوط عن بعض أصحابنا من التفصيل بين الرباعيات وغيرها ، لمنع اندراجه في العمد المفسد ، إذ هو القصد للفعل مع التنبه للصلاة كما أوضحناه في أول الفصل ، ولا ينافيه صحته لو كان عقدا أو إيقاعا ، لكونه مقصودا ، ومنع جواز الاعتماد على مرسلة المبسوط التي لم نجدها في الجوامع العظام كالوسائل ، خصوصا بعد إعراضه نفسه عنها فيه ، أو إجماع الغنية الموهون بمصير الأكثر إلى خلافه وبالأخبار المعتبرة وغيرهما ، كمنع اقتضاء القاعدة ذلك ، بل استصحاب الصحة وصدق اسم الصلاة عندنا ، وما دل على اغتفار زيادة ما عدا الأركان من أجزاء الصلاة سهوا ، واغتفار تخلل الكلام ونحوه إذا كان كذلك من إجماع ونصوص قاضية بالصحة ، واحتمال اختصاص ذلك بالانفراد دون الاجتماع ينافيه إطلاق دليل العفو عن كل منهما المؤيد بشمول العفو في غير المقام لسائر ما ورد به حالتي الاجتماع والانفراد.

على أنه يجب الخروج عنها بعموم الأدلة الدالة على العفو عن السهو فيهما ونحوهما فضلا عن الخصوص ، كصحيح محمد بن مسلم (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « في رجل صلى ركعتين من المكتوبة فسلم وهو يرى أنه قد أتم الصلاة وتكلم ثم ذكر أنه لم يصل غير ركعتين فقال : يتم ما بقي من صلاته ولا شي‌ء عليه » بل‌ وصحيح زرارة (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « في الرجل يسهو في الركعتين ويتكلم فقال : يتم ما بقي من صلاته تكلم أو لم يتكلم ولا شي‌ء عليه » وإطلاق غيرهما من الأخبار الكثيرة جدا المصرح في بعضها بغير الرباعية وإن كان قد اشتمل جملة منها على ما هو محمول على التقية أو غيرها من قصة ذي اليدين وغيرها ، إلا أنه لا ينافي الاستدلال بها على المطلوب ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٥.

٢٦٦

وخبر علي بن النعمان الرازي (١) قال : « كنت مع أصحاب لي في سفر وأنا إمامهم فصليت بهم المغرب فسلمت بالركعتين الأولتين فقال أصحابي : إنما صليت بنا ركعتين فكلمتهم وكلموني ، فقالوا : أما نحن فنعيد ، فقلت : لكني لا أعيد وأتم بركعة ، فأتممت بركعة ثم سرنا فأتيت أبا عبد الله عليه‌السلام فذكرت الذي كان من أمرنا فقال لي : كنت أصوب منهم فعلا ، إنما يعيد من لا يدري ما صلى » وإن كان فيه إشكال باعتبار وقوع الكلام منه عمدا بعد العلم بالحال ، لكن يمكن إرادة إضمار القول منه بذلك ، لا أنه قال ذلك صريحا ، أو مبني على ما حكي عن موضع من التهذيب من احتمال أن يكون من سلم في الصلاة ناسيا فظن أن ذلك سبب لاستباحة الكلام ، كما أنه سبب لاستباحته بعد الانصراف كالمتكلم ناسيا في عدم وجوب الإعادة عليه ، وإن كان هو كما ترى.

فمن العجيب بعد ذلك كله ما عن الأردبيلي من نفي البعد عن التخيير بين الإعادة وعدمها ، بل قضية إطلاق هذه الأخبار إن لم يكن صريح بعضها ـ بل هو قضية العبارة وغيرها ، بل في التذكرة نسبته إلى ظاهر علمائنا ، بل في الرياض إرسال الإجماع عليه ـ عدم الفرق بين طول الفصل وعدمه ، للأصل ، وعدم ثبوت إبطال المحو لصورة الصلاة بالفعل الكثير ونحوه في حال السهو ، خصوصا في مثل المقام ، بل الثابت فيه خلافه ، لظاهر جملة من أخباره في تناوله ، بل كاد يكون صريح‌ الحسن (٢) « قلت : أجي‌ء إلى الامام وقد سبقني بركعة في الفجر فلما سلم وقع في قلبي أني أتممت فلم أزل أذكر الله تعالى حتى طلعت الشمس ، فذكرت أن الامام قد سبقني بركعة ، قال : فان كنت في مقامك فأتم بركعة ، وإن كنت قد انصرفت فعليك الإعادة » وإن كان لا صراحة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ١.

٢٦٧

في سؤاله بحصول الكلام ، إلا أنه قد يدعى ظهور الجواب في دوران الحكم على الانصراف وعدمه ، خلافا للمحكي عن الشافعي ومالك وأحمد من الإعادة مع طول الفصل ، بل مال اليه أو قال به في التذكرة كما عن المحقق الثاني في حاشية النافع ، بل يرجع اليه ما عن المختلف والروض من الحكم بالإعادة لو خرج عن كونه مصليا ، فلو افتتح حينئذ فريضة جديدة بعده ثم ذكر صحت لفساد الأولى به ، فلا يقع افتتاح الجديدة حينئذ في أثنائها ، أما عندنا فيقوى فسادهما معا ، كما إذا لم يفصل ، لزيادة تكبيرة الإحرام التي هي ركن في أثناء الأولى فتفسدها وإن لم تكن لها ، لإطلاق ما دل على الإعادة بالزيادة ، خصوصا بعد‌ قول أحدهما عليهما‌السلام في خبر زرارة (١) : « لا تقرأ في المكتوبة شيئا من العزائم ، فإن السجود زيادة في المكتوبة » الظاهر في كونه زيادة في الصلاة وإن كان للتلاوة ، ول‌ خبر زرارة (٢) المروي في المستطرفات عن كتاب حريز « لا قران بين صومين ، ولا قران بين صلاتين ، ولا قران بين فريضة ونافلة » بناء على أن المراد من القران بين الصلاتين الشروع في الأخرى قبل انتهاء الأولى كالقران بين الحج والعمرة ، لا خصوص الجمع بينهما بنية واحدة ، وأن المراد النهي عن القران الشامل للفريضتين.

وقول علي بن الحسين عليهما‌السلام (٣) في المروي عن قرب الاسناد وكتاب مسائل علي بن جعفر « وضع الرجل إحدى يديه على الأخرى عمل في الصلاة ، وليس في أثناء الصلاة عمل » بناء على إرادة عدم مشروعية عمل في الصلاة غيرها ، وإن كان يمكن دعوى ظهوره في عدم مشروعية عمل في الصلاة على أن يكون منها من دون توقيف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب النية ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ٤.

٢٦٨

من الشارع ، وإلا فلا بأس بنية الصوم في أثناء الصلاة ، ولا بإيتاء الزكاة في أثنائها ولا بغير ذلك مما لا ينافيها ، بل لا بأس بالمعاملة ولا بالإيقاع في أثنائها لمن ظن الفراغ منها ناسيا ثم ذكر أنه في أثنائها ، وعلى كل حال لعدم وقوعها في محلها من حيث كونها في أثناء الأولى لم يحصل بها افتتاح بعد أن حصل بها الفساد ، ضرورة عدم حصوله إلا بتمامها ، فكيف يتصور انعقاد الجديدة بها.

لكن في التذكرة وعن نهاية الأحكام والذكرى والبيان والروض عدم بطلان الأولى مع فرض الشروع في الثانية قبل حصول ما يبطلها ، لعدم كون التكبير زيادة وركنا في تلك الصلاة ، بل احتمل فيها جعل ما شرع فيها من الصلاة الثانية تتمة للأولى إذ وجود السلام بعد أن وقع سهوا كعدمه ، بل لم يستبعده الأستاذ في كشفه ، بل عن الذكرى المروي العدول ، بل عن الروض وغيره أن الأصح عدم الاحتياج إلى العدول لعدم انعقاد الثانية ، نعم ينبغي ملاحظة كونه في الأولى من حين الذكر بناء على تفسير الاستدامة الحكمية بأمر وجودي ، وعلى الأصح في الأفعال الباقية عدم إيقاعها بنية الثانية ، بل في كشف اللثام احتمال العدول بالنية والقطع ثم إتمام السابقة ، أو إتمام اللاحقة ثم إتمام السابقة ، وفي الذكرى « أن الأول مروي ، وعليه إن قلنا ببطلان الأولى لزيادة النية والتكبير عدل في جميع الثانية ، وإلا ففيما وافق المنسي » انتهى.

فتلخص حينئذ احتمال بطلانهما ، وصحتهما معا ، وبطلان الأولى وصحة الثانية والعكس ، مضافا إلى احتمال العدول ، واحتمال اختصاص ذلك في الفريضة المفتتحة ، أما النافلة فلا يتأدى الفرض بنية النفل ، لكن ذلك كله كما ترى ، وإن كان ربما يؤيد صحة الأولى ـ مضافا إلى ما في‌ المرسل (١) عن صاحب الأمر عليه‌السلام من الاجزاء عن الفريضة الأولى واغتفار ما زيد من الأركان ، قال فيه : « إنه كتب إليه الحميري‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ١.

٢٦٩

يسأله عن رجل صلى الظهر ودخل في صلاة العصر فلما صلى من صلاة العصر ركعتين استيقن أنه صلى الظهر ركعتين كيف يصنع؟ فأجاب إن كان أحدث بين الصلاتين حادثة يقطع بها الصلاة أعاد الصلاتين ، وإن لم يكن أحدث حادثة جعل الركعتين الأخيرتين تتمة لصلاة الظهر وصلى العصر بعد ذلك » ولعله المراد بما في الذكرى من أنه المروي ـ ظهور الصحة لو تبين له النقصان بعد الدخول في ركعات الاحتياط ، إلا أنه قد يفرق بينهما بظهور الأدلة في الأخير دون غيره ، أو يلتزم الفساد فيه أيضا ، فتأمل جيدا.

ومن ذلك كله يظهر لك وضوح فساد الصلاة المفتتحة قبل إفساد الأولى بمفسد قبل الشروع ، فلو أعاد حينئذ من نقص صلاته ولم يذكر إلا بعد السلام قبل أن يفعل المفسد لم يصح ، والاعراض من دون فعل المنافي غير كاف ، كما أنه لا يكفي فيه حصول القيام معه للثانية ، لمنع حصول البطلان به وإن تعمده ما لم يدخل في الفعل الكثير ، ولو كان في مواضع التخيير وعزم على التمام وسلم على اثنين صحت صلاته ، وفي جواز البناء على الإتمام وإجراء حكم السهو أو لزوم ذلك وجه قريب ، ولو زعم الإتمام على ركعة فذكر قبل فعل المفسد فقام ثم زعم الإتمام ثم ذكر فقام وزعم الإتمام ثم ذكر فقام وأتى بعد الجميع بالسلام والكلام تكرر عليه وجوب سجود السهو بحيث ينتهي إلى ثمان أو ستة عشر بتكرر الكلام مثلا والسلام كما هو واضح.

وكذلك التفصيل السابق لو ترك التسليم نسيانا بناء على وجوبه وجزئيته ثم ذكر فتبطل لو ذكره بعد فعل المنافي عمدا وسهوا ، لوقوعه حينئذ في أثناء الصلاة إذ لا مخرج شرعا عن حكمها غيره ، كما أنها تصح ويتلافاه لو ذكره قبل فعل شي‌ء ينافيها قطعا ، وعلى الأقوى لو كان بعد ما يبطلها عمدا لا سهوا ، ولكن قد يشكل الأول بعموم ما دل على عدم بطلان الصلاة بنسيان غير الركن من إجماع ونصوص ، وخصوص‌

٢٧٠

إطلاق‌ صحيح زرارة (١) عن الباقر عليه‌السلام « سألته عن الرجل يصلي ثم يجلس فيحدث قبل أن يسلم قال : تمت صلاته » كصحيحه الآخر (٢) « في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه من السجدة الأخيرة وقبل أن يتشهد قال : ينصرف ويتوضأ ، فإن شاء رجع إلى المسجد ، وإن شاء ففي بيته ، وإن شاء حيث شاء قعد فيتشهد ثم يسلم وإن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته » بل وحسن الحلبي (٣) عن الصادق عليه‌السلام « إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا ، وإن كنت قد تشهدت فلا تعد » كخبره الآخر (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « إذا نسي أن يسلم خلف الإمام أجزأه تسليم الامام » وخبر غالب بن عثمان (٥) عنه عليه‌السلام أيضا « سألته عن الرجل يصلي المكتوبة فيقضي صلاته ويتشهد ثم ينام قبل أن يسلم قال : تمت صلاته ، وإن كان رعافا فاغسله وارجع فسلم » بل قضية ما عدا الحسن وما بعده مما ذكرنا ذلك حتى لو نسي التشهد معه أيضا ، كما يدل عليه مضافا إلى ما سمعت‌ خبر عبيد بن زرارة (٦) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجود الأخير فقال : تمت صلاته ، وإنما التشهد سنة في الصلاة فيتوضأ ويجلس مكانه أو مكانا نظيفا فيتشهد » كخبره الآخر (٧) وخبر ابن مسكان (٨) عن الصادق عليه‌السلام أيضا ، بل وغير هما المتناولة كالسابقة صورة النسيان أو المحمولة عليها ، بل قضية ما عرفت أولا ذلك حتى لو نسي سجدة من السجدتين الأخيرتين معهما.

ولعله لذلك كله جزم في المدارك بعدم بطلان الصلاة بنسيان التسليم على القول بوجوبه ، بل هو مقتضى بعض عبارات من عرفت ممن حكم بصحة الصلاة بزيادة الخامسة فما زاد مع جلوسه قدر التشهد ، بل مال اليه أو قال به هنا في المسالك مقتصرا على تعليله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التسليم ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التسليم ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التسليم ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التسليم ـ الحديث ٦.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٢.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٤.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٣.

٢٧١

بما سمعته منا أولا ، بل قال : اللهم إلا أن يقال بانحصار الخروج فيه ، وهو في حيز المنع ، لكن ناقشه في المدارك بأن المقتضي للبطلان على هذا التقدير ليس هو الإخلال بالتسليم ، وإنما هو وقوع المنافي في أثناء الصلاة ، فإن ذلك يتحقق بفعله قبل الفراغ وإن لم يتعقبه ركن ، وفيه أنه لا يتجه بعد فرض عدم انحصار المخرج به ، إذ لعل تمام التشهد أو الاعراض مع فعل المنافي كاف فيه حال السهو ، على أنه قد يمنع شمول ما دل على بطلان الصلاة بالحدث مثلا ولو سهوا في أثناء الصلاة لنحو المقام ، خصوصا مع احتمال كون وجه إبطاله كذلك عدم إمكان تدارك ما يبقى من أجزاء الصلاة ، فبعد فرض اغتفار ذلك السهو وسقوطه لم يبق وجه لذلك ، بل قد يقال برجحان ما دل على عدم بطلان الصلاة بالسهو عن غير الركن على ما دل على بطلان الصلاة به مطلقا ، ودعوى عدم التعارض بين الأدلة ـ إذ البطلان لفعل المنافي في الأثناء لا لنسيان التسليم مثلا كما سمعته من المدارك ـ لا تخلو من تأمل أو منع ، على أنا في راحة منها بالأدلة الخاصة السابقة ، فالمتجه حينئذ عدم الفساد به مطلقا إن لم يكن إجماع على خلافه ، بل ينبغي القطع به بناء على استحباب التسليم ولو على الجزئية ، وإن كان قد يحتمل تحقق الفساد به أيضا ، لصدق حصول المنافي في الأثناء وإن كان هو مستحبا ، لكنه بعيد كبعد احتماله أيضا على تقدير الوجوب وأنه خارج عن الصلاة ، فتأمل جيدا ، فإنه قد أوضحنا الحال في أول الخاتمة في قواطع الصلاة ، وذكرنا هناك ما يقتضي القطع ببطلان الصلاة بذلك ، وأن هذه النصوص وما شابهها مع تعارضها في نفسها واحتمالها احتمالات متعددة قد خرجت مخرج التقية ، فلا حظ كي يتضح لك الحال في جميع أطراف المسألة ، لأنه كان متأخرا في التصنيف عن المقام ، والله العالم.

ولو علم أنه ترك سجدتين ولكن لم يدر أنهما من ركعة أو ركعتين‌

٢٧٢

ففي التذكرة والبيان بل والمنتهى وعن نهاية الأحكام والتحرير والروض رجحنا جانب الاحتياط الواجب مراعاته في نحو المقام مما اشتغلت الذمة فيه بيقين ، فيعيد حينئذ كما صرح به جماعة ، بل في الكفاية أنه المشهور على تأمل في دليله ، وهو في محله للاكتفاء في فراغ الذمة بأصالة الصحة ، بل هو في الحقيقة من الشك في المبطل بعد الخروج عن المحل ، ولعله لذا عن نهاية الأحكام والروض احتمال الصحة وقضاء السجدتين بل قد يقال بعدم وجوب قضائهما أيضا ، لعدم صلاحية أصالة الصحة لتشخيص أنهما من ركعتين ، ضرورة الاكتفاء في تحققه باحتمال أنهما من ركعتين ، لكنه لا يكفي في وجوب قضائهما ، لعدم تحقق فواتهما الذي هو موضوع القضاء ، فاحتمال أنهما من ركعة واحدة كاف في سقوطه ، ومن هنا احتمل الصحة في المدارك والذخيرة وعن الميسية وغاية المرام ومجمع البرهان من غير ذكره لقضاء السجدتين ، لكن قد يستغرب ذلك من حيث علمه بمشغولية ذمته بإعادة الصلاة أو قضاء السجدتين ، فمع فرض عدم الإتيان بأحدهما يقطع بعدم خروجه عن عهدة ما علم التكليف به ، إلا أنه قد يهونه إمكان دعوى أنه لا بأس به في الأحكام الظاهرية ، بل قد يدعى وقوع نظائر له فيها ، وإلا فبدونه ينقدح احتمال وجوب قضاء السجدتين عليه ثم الإعادة وإن لم أجده لأحد ، فتأمل جيدا.

ولو علم أن السجدتين كانتا من ركعتين ولكن لم يدر أيتهما هي قيل كما عن الشيخ وجماعة يعيد ، لأنه لم تسلم له الأوليان يقينا ، والأظهر أنه لا إعادة لأصالة عدم التقدم أولا ، وعدم الفرق عندنا بين الأولتين وغير هما في جميع أحكام السهو عدا العدد كما ستعرف ذلك إن شاء الله محررا ، فيقضيها حينئذ بعد الصلاة وعليه سجدتا السهو لنسيان السجدة إجماعا كما عن التذكرة لقول الصادق عليه‌السلام (١) :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٣.

٢٧٣

« تسجد سجدتي السهو في كل زيادة تدخل عليك أو نقصان » بل المتجه تكريرهما لكون الفرض نسيان السجدتين كما هو واضح.

وإن أخل بواجب غير ركن لم تبطل صلاته إجماعا محصلا ومنقولا ، بل هو المستفاد من النظر في مجموع الأخبار ، نعم منه ما تتم معه الصلاة من غير تدارك ولا سجود للسهو ومنه ما يسارك من غير سجود ، ومنه ما يتدارك مع سجدتي السهو‌ فالأول من نسي القراءة كما في النافع والقواعد والإرشاد وغيرها ، بل لا أجد خلافا فيه كما استظهره في الذخيرة واعترف به في المدارك ، بل نفاه نفسه فيها لا وجدانه ، كما عن صريح جامع المقاصد كالرياض إلا من ابن حمزة القائل بركنيتها ، وهو شاذ ، بل في المدارك الإجماع عليه ، للأخبار المستفيضة ، وفيها الصحيح وغيره ، كقول أحدهما في‌ صحيح زرارة (١) : « من ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة ، ومن نسي فلا شي‌ء عليه » والصادق عليه‌السلام في خبر منصور بن حازم (٢) بعد أن قال له : « إني صليت المكتوبة فنسيت أن أقرأ في صلاتي كلها أليس قد أتمت الركوع والسجود؟ قلت : بلى ، فقال : قد تمت صلاتك إذا كان نسيانا » إلى غير ذلك مما تسمع بعضه فيما يأتي ، وهي الحجة على القائل بركنيتها ، كما أن الأصل وقوله (ع) : « لا شي‌ء عليه » فيها حجة على القائل بوجوب سجدتي السهو لكل زيادة ونقيصة الشامل للمقام ، وإن كان ستعرف قوته فيما يأتي ، إلا أن التعارض بين ما هنا وبين ما دل عليه من مرسل ابن أبي عمير (٣) وغيره من وجه ، لكن لعل الترجيح لما هنا بالفتاوى وقلة الأفراد المرادة من قوله عليه‌السلام : « لا شي‌ء عليه » بعد الحكم بصحة الصلاة بالنسبة إلى أفراد الزيادة والنقصان وغير ذلك.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٣.

٢٧٤

أو الجهر أو الإخفات في مواضعهما وفي المدارك نفي الخلاف عنه في الجهر والإخفات ، بل الإجماع عليه أيضا ، بل قد يقال بعدم وجوب تداركه وإن ذكره قبل الركوع ، كما نقل عن كثير التصريح به ، فما لعله يظهر من المصنف وبعض العبارات كما عن صريح جامع المقاصد من مساواته في هذا الحكم للقراءة لا يخلو من تأمل ، لإطلاق ما دل على أنه لا شي‌ء عليه إن أخل بذلك ساهيا ، بل قد يستفاد منه أنه لا يرجع إليه في الأثناء ، بل لو تجاوز الكلمة إلى كلمة أخرى ، والظاهر أنه كنسيان القراءة نسيان الأعراب أو الترتيب بين الآيات ، وتسمع في آخر المبحث أن عليه الإجماع في عبارة الدرة وهو الحجة ، مضافا إلى أن في التلافي زيادة ركن ، لأن الفرض أنه لم يذكره إلا بعد أن ركع.

وكذا لا فرق بين نسيان القراءة جميعها أو بعضها كقراءة الحمد خاصة أو قراءة السورة وعلى كل حال فلم يذكر شيئا من ذلك حتى ركع أي وصل إلى حد الراكع وإن لم يذكر ، وفي‌ خبر أبي بصير (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي أم القرآن قال : إن كان لم يركع فليعد أم القرآن » ونحوه غيره ، ومثل القراءة التسبيح في الركعتين الأخيرتين أو الذكر في الركوع كما في النافع والقواعد والمنتهى وغيرها ، وفي المدارك والرياض وعن الذخيرة أنه لا خلاف فيه ، لما في التلافي من زيادة ركن ، وفي‌ الخبر (٢) « عن رجل ركع ولم يسبح ناسيا قال : تمت صلاته » أو الطمأنينة فيه بلا خلاف إلا ما عن الشيخ ، فقال بركنيتها ، وهو ضعيف كما بين في محله ، ولعله لذا نقل عن جماعة نفي الخلاف فيه هنا من غير استثناء ، ويحتمل رجوع الضمير في العبارة إلى الركوع أو الذكر ، وفي الخبر الأول (٣) الدال على عدم بطلان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ١.

٢٧٥

الصلاة بنسيان التسبيح دلالة على عدم البطلان بالطمأنينة فيه ، وبعدم القول بالفصل بين الطمأنينتين يتم المطلوب ، ويظهر فساد كلام الشيخ حتى رفع رأسه بحيث خرج عن مسمى الراكع ، واليه يرجع تعبير بعضهم بالانتصاب أو رفع رأسه أو الطمأنينة فيه أي في الرفع بلا خلاف أجده فيهما حتى سجد وإلا فقبله يتداركهما كما هو ظاهر العبارة ، ولعله لأنه ممكن فيجب للاستصحاب ، ولكن قد يناقش باستلزام زيادة قيام لو كان المنسي الطمأنينة خاصة ، اللهم إلا أن يقال إنها شرط فيه ، فلا يكون الأول صحيحا ، ولكن لا يخلو من نظر ، لاحتمال كونها واجبا حاله ، والفرض أنه قد فات كالذكر حال السجود أو رفع الرأس ، فالظاهر أن وجوبه لأن يسجد عن قيام ، فلذا يتداركه لو نسيه لا أنه من حيث كونه رفع رأس من الركوع ، فلا يتدارك إلا بإعادة الركوع ، وهو ركن ، وهو مناف لفتوى المصنف وغيره ، فتأمل.

أو الذكر في السجود كما في النافع والقواعد والمنتهى وغيرها وعن المبسوط والجمل والعقود ، للخبر (١) « عن رجل نسي تسبيحه في ركوعه وسجوده قال : لا بأس » أو السجود على الأعضاء السبعة كما في النافع والمنتهى ، بل قيل : لا خلاف فيه ، نعم قيل عدا الجبهة ، فإن نسيانها في السجدتين معا يوجب فوات الركن ، وفي الواحدة يقتضي فوات واحدة ، فيدخل في القسم الثالث ، وهو مبني على أن السجود لا يتحقق بدون وضع الجبهة ، ولعله لا يخلو من تأمل ، وعن النهاية من لم يمكن جبهته في حال السجود من الأرض متعمدا فلا صلاة له ، وإن كان ذلك ناسيا فلا شي‌ء عليه ، فتأمل على أن دخول مثل ذلك في تارك السجدة أو السجدتين محل نظر ، وأيضا العبارة ونحوها كالصريحة في عدم الاستثناء ، بل هو لا يخلو من قوة ، لإمكان منع عدم تحقق السجود إلا بوضع الجبهة ، فلو سجد على مقدم رأسه ونحو ذلك يعد عرفا أنه ساجد ، كما أنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٢.

٢٧٦

لا يسقط السجود بتعذر وضع الجبهة ، فليست هي حينئذ إلا كغيرها من المساجد ، وإن تعدد السجود بتعدد رفعها ووضعها بخلاف غيرها ، لكن ذلك لا يقتضي توقف اسم السجود عليها ، فتأمل.

أو الطمأنينة فيه كما صرح به جماعة ، بل في الرياض لا خلاف فيه ، بل قد يستدل عليه بالخبر المتقدم (١) في ذكر السجود بالتقريب المتقدم في ذكر الركوع حتى رفع رأسه بحيث يستلزم عوده زيادة سجدة ، وهو قيد للجميع ، بل قد يقال وإن لم يستلزم زيادة سجدة كما إذا كان الرفع يسيرا جدا عملا بإطلاق الخبر المتقدم في الذكر ، ولكن فيه أن الظاهر تحقق الزيادة بمطلق الرفع كما يومي اليه الأمر بجر (٢) الجبهة جرا لو وقعت على ما لا يصح السجود عليه أو رفع رأسه من السجود أي إكماله ، وإلا فلا يتحقق نسيان الرفع مع تحقق السجدتين ، ودعوى تحقق التثنية بالنية ضعيفة مخالفة للعرف كما في كل استدامة ، فإن النية لا تعددها على وجه يقال إنه فعل مرتين مثلا ، نعم قد يقال بناء على عدم اعتبار وضع الجبهة في السجود وأنه يتحقق بمطلق وضع الرأس بالحال المخصوص : إنه يمكن نسيان رفع الرأس مع تعدد السجود بأن يتعدد منه وضع الجبهة مثلا مرتين من دون رفع رأسه ولو بتقلب رأسه في ذلك ، اللهم إلا أن يمنع أن ذلك تعدد سجود بل تعدد أحواله في السجدة الواحدة ، ولكن يشكل حينئذ تعين الأمر بالجر مخافة تعدد السجود بدونه ، ضرورة إمكان وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه بتغير أحواله في تلك السجدة من دون رفع رأسه ومن دون جر ، ومن هنا يمكن القول بعدم وجوب الجر عينا ، وإنما أمر به حذرا مما تعارف من تعدد رفع الرأس ووضعه لا لنفي الاحتمال المزبور ، فتأمل جيدا فإنه دقيق جدا.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب السجود.

٢٧٧

أو الطمأنينة فيه أي في رفع الرأس من السجدة الأولى بقرينة قوله : حتى سجد ثانيا بلا خلاف فيه كما في الرياض أو الذكر في السجود الثاني أو السجود على الأعضاء السبعة أو الطمأنينة فيه أي في السجود حتى رفع رأسه على نحو ما مر في السجود الأول في جميع ذلك ، وبالجملة العمدة في الحجة على جميع ما تقدم إما استلزام زيادة ركن في الصلاة مع التلافي ، وإما الدليل الخاص من الإجماع المحكي المعتضد بنفي الخلاف وغيره ، قال في الدرة السنية في شرح الألفية ـ بعد ذكر جملة مما ذكر المصنف كنسيان القراءة أو أبعاضها أو صفاتها والذكر في الركوع وعربيته وموالاته والطمأنينة فيه والرفع والطمأنينة فيه والذكر في السجود وعربيته وموالاته والطمأنينة فيه والطمأنينة في الرفع من الأولى ـ : « لأنه إن دخل في ركن فلا يغتفر زيادته ، وإلا فقد أجمعوا على عدم التدارك » انتهى. وقد عرفت نفي الخلاف وبعض الروايات في البعض ، ولو عاد للتدارك حيث لم يستلزم زيادة ركن فسد مع العمد ، وصح مع السهو.

الثاني أي ما يتدارك من غير سجود للسهو من نسي قراءة الحمد حتى قرأ السورة استأنف الحمد كما في المبسوط والسرائر والنافع والقواعد والإرشاد والمنتهى وغيرها ، بل عن ظاهر الغنية الإجماع عليه ، بل في الرياض بلا خلاف يظهر ، بل بالإجماع صرح بعض من تأخر ، مضافا إلى القاعدة ، إذ هو واجب يمكن تلافيه ، والأخبار منها‌ خبر أبي بصير (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي أم القرآن ، قال : إن كان لم يركع فليعد أم القرآن » ومنها‌ موثقة سماعة (٢) « سألته عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب قال : فليقل : أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ، إن الله هو السميع العليم ثم ليقرأها ما دام لم يركع ، فإنه لا صلاة له حتى يقرأ بها في جهر أو إخفات » وأما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٢.

٢٧٨

خبر علي بن جعفر (١) عن أخيه عليه‌السلام المنقول عن قرب الاسناد « سألته عن الرجل افتتح الصلاة فقرأ سورة قبل فاتحة الكتاب ثم ذكر بعد ما فرغ من السورة قال : يمضي في صلاته ويقرأ فاتحة الكتاب فيما يستقبل » فلم أعثر على عامل به ، فاتجه حمله على إرادة أنه ذكر بعد ما فرغ من السورة وركع أو غير ذلك ، نعم مقتضى ما ذكرناه من الأدلة وجوب التلافي ما لم يصل إلى حد الراكع ، ولا تنافيه عبارة المصنف ونحوها ، ضرورة عدم إرادة تخصيص وجوب التلافي بما إذا ذكر بعد قراءة السورة ، كما هو واضح.

وعلى كل حال إذا استأنف الحمد وجب عليه إعادة سورة ، ولما لا يجب عليه قراءة تلك السورة كما صرح به في القواعد لعدم الدليل عليه فيبقى استصحاب التخيير سليما عن المعارض ، لكن يظهر عن المبسوط والإرشاد وجوب إعادتها بعينها ، ولعله‌ للرضوي (٢) « وإن نسيت الحمد حتى قرأت السورة ثم ذكرت قبل أن تركع فاقرأ الحمد وأعد السورة ، فإن ركعت فامض على حالتك » وفيه بعد تسليم حجيته أنه لا صراحة فيه بذلك ، إذ قد يكون المراد منه وإن كان بعيدا إعادة قراءة النوع ، بل قد تنزل بعض العبارات أيضا على ذلك ، نعم لم أجد مخالفا في وجوب إعادة السورة وعدم الاكتفاء بالقراءة الأولى ، لوجوب الترتيب الممكن تلافيه ، والأخبار المتقدمة لا تنافيه مع التصريح به في الرضوي كما عرفت ، ولكن لعل المتجه السجود للسهو لزيادة قراءة السورة كما سمعت أمر الصادق عليه‌السلام (٣) به لكل زيادة ونقيصة ، بل مقتضاه ذلك أيضا في المسألة الآتية لزيادة القيام فيها ، إذ المفروض قيامه مرتين في الركعة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٤.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٣.

٢٧٩

الواحدة المعتبر فيها قيام واحد ، ومثل نسيان قراءة الحمد نسيان السورة أو أبعاضها أو الصفات من الاعراب والترتيب بين الآيات عدا الجهر والإخفات كما عرفت ، وكان ذلك كله للقاعدة المشار إليها سابقا ، وصحيح معاوية بن وهب (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أقرأ سورة فأسهو فأتنبه وأنا في آخرها فأرجع إلى أول السورة أو أمضي قال : بل امض » محمول على إرادة وقوع السهو في الأثناء على وجه لم يعلم الإتيان بتمام السورة أو يخشى من فوات الموالاة ، أو أنه كما في الذخيرة من جملة ما يدل على استحباب السورة الذي قد عرفت تحقيق الحال فيه ، والله العالم.

وكذا لو نسي الركوع وذكر قبل أن يسجد أي قبل أن يتحقق منه مسمى السجود قام فركع ثم سجد وفي المدارك وعن المعتبر والمفاتيح والمصابيح الإجماع عليه ، لإطلاق الأمر مع بقاء المحل ، لعدم استلزام التلافي زيادة مفسدة ، بل قد يدل عليه أيضا‌ صحيح عبد الله بن سنان (٢) « إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا فاقض الذي فاتك سهوا » قيل للإجماع على عدم مشروعية قضاء مثل الركوع والتكبير بعد الصلاة فيحمل لفظ القضاء فيه على التدارك في المحل ، على أن الموجود في الوسائل التي عندي « فاصنع الذي فاتك » والأولى حمل القضاء فيه على الأعم من التدارك في المحل وغيره ، لما تسمع من الاستدلال به على القضاء خارج الصلاة ، وبذلك كله يقيد ما دل (٣) على وجوب استقبال الصلاة بنسيان الركوع ، بل قد يستدل عليه أيضا بمادل (٤) على تلافيه مع الشك ، فالنسيان أولى ، لكن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الخلل ـ الحديث ٧ والباب ٢٦ منها ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الركوع.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الركوع.

٢٨٠