جواهر الكلام - ج ١٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

دخول في الصلاة حتى يقال : إنه سها عن ركن فيها ، لأن الكلام بعد انعقاد الصلاة وكونها صحيحة ، ولعله لذا لم يحرروا هذه المسألة وأطلقوا أن السهو عن الركن يتدارك ما لم يدخل في ركن آخر مع ذكرهم أن السهو عن التكبير لا يتدارك بالدخول في القراءة أو لأن التلافي في الحقيقة عين الإعادة ، بل هو مبني أيضا على عدم اشتراط مقارنة النية في مثل هذا الحال ، وإلا سقط البحث من أصله أيضا.

والظاهر أنه لا فرق في وجوب الإعادة بين الشروع في القراءة وغيرها من الأذكار التي تقرأ أمام القراءة وإن كان ظاهر عبارتهم يقضي بالتخصيص في القراءة ، لكنه مبني على الغالب ، وإلا فالمراد أنه متى سها عن التكبير وجب إعادة الصلاة.

هذا كله في المحل بالنسبة للتكبير ، وأما بالنسبة للقيام فقد ذكر جمع منهم المصنف أن من أخل به حتى نوى بطلت صلاته ، وصريح بعضهم جعله من الأركان ، ولا يخفى ما فيه ، لأنه مبني على جزئية النية ، بل على جزئية القيام معها أيضا ، ولعل مقصودهم بيان ما تبطل الصلاة بتركه ولو سهوا بالنسبة إلى أجزاء الصلاة أو ما يقرب من أجزائها فنقول حينئذ : من سها عن القيام حتى نوى فالظاهر بطلان صلاته ، أما بناء على كون النية جزء من الصلاة فيمكن الاستدلال عليه حينئذ بعد الأصل في نحو العبادة التوقيفية بالأخبار الدالة على وجوبه في الصلاة ، كقوله عليه‌السلام في خبر زرارة (١) : « من لم يقم صلبه فلا صلاة له » وقول أمير المؤمنين عليه‌السلام (٢) « من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له » وقول أبي جعفر عليه‌السلام (٣) في قوله تعالى (٤) : ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) : النحر الاعتدال في القيام أن يقيم صلبه ونحره » إلى غير ذلك ، مضافا إلى ما نقل من الإجماع على وجوبه في الصلاة وأنه ركن ، وأما بناء على كون‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ٣.

(٤) سورة الكوثر ـ الآية ـ ٢.

٢٤١

النية شرطا خارجا عن حقيقة الصلاة فكذلك أيضا ، لأنه يعتبر فيها حينئذ جميع ما يعتبر على تقدير الجزئية كما يظهر من جماعة من الأصحاب ، وكأن وجهه ما نقل من الإجماع على وجوب مقارنة النية تكبيرة الإحرام ، ولا ريب في شرطية القيام بالنسبة إليها ، وهو متجه بناء على أن المراد بالمقارنة ما هو الظاهر منها من كون الزمان الواحد ظرفا لهما ، وكذلك إن أريد بها إيقاعها بين الالف والراء ، أو أريد بها بسط النية على التكبير بالابتداء والانتهاء ، أما إن أريد بالمقارنة وقوع التكبيرة في آخر جزء من النية فيمكن القول حينئذ أنه إن سها عن القيام حتى نوى ثم ذكر قبل أن يكمل بحيث أمكنه المقارنة صحت ، وإلا فلا ، بل قد يدعى أنه حينئذ لا دليل على البطلان بتعمد مثل ذلك فضلا عن سهوه ، وتصريح الجماعة بخلافه ما لم يكن إجماعا لا حجة فيه ، نعم يمكن أن يدعى ظهور ما دل على اعتبار القيام في الصلاة من الأخبار المذكورة ومن‌ قول أبي جعفر عليه‌السلام في خبر أبي حمزة الصحيح (١) : « يصلي قائما » ونحوه مع أغلبية وقوع النية عند الفعل في ذلك ، بل يمكن للمتتبع تحصيل الإجماع على أنها على تقدير شرطيتهما للصلاة لا بد من تأخرها عن جميع شرائط الصلاة سيما القيام ، ومن هنا وقع الخلاف في كونها جزءا أو شرطا ، لكن ذلك كله بناء على ما هو الظاهر في معنى النية لا على مختارنا فيها ، فإنه لا يتأتى شي‌ء من ذلك.

وأما بطلان الصلاة بالسهو عن النية حتى كبر فالإجماع محصلا ومنقولا عليه ، مضافا إلى‌ قولهم عليهم‌السلام (٢) : « لا عمل إلا بنية » ولا ريب في عدم صدقه بعد فوات التكبير ، إلى جميع ما ذكرنا أشار المصنف وإن تسامح بإطلاق لفظ الركن على ما ليس ركنا اصطلاحا بقوله كمن أخل بالقيام حتى نوى أو بالنية حتى كبر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب مقدمة العبادات من كتاب الطهارة.

٢٤٢

أو بالتكبير حتى قرأ ثم قال أو بالركوع حتى سجد أو بالسجدتين معا حتى ركع فيما بعد ، وقيل يسقط الزائد من الركوع والسجود ويأتي بالفائت مع ما بعده ويبني ، وقيل يختص هذا الحكم أي الإسقاط مع الإتيان بالفائت بالأخيرتين ، ولو كان في الأولتين استأنف ، والأول أي البطلان أظهر من غير فرق بين الأولتين والأخيرتين ، أما في الأول أي الإخلال بالركوع حتى سجد فهو المشهور ، بل ربما نسب إلى عامة المتأخرين ، كما أنه حكي عن المفيد والمرتضى وسلار وابني إدريس والبراج وأبي الصلاح ، بل هو ظاهر المحكي عن ابن أبي عقيل أيضا ، لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه ، إذ لم يعلم أن التدارك وجه له ، ول‌ قول الصادق عليه‌السلام في الصحيح عن رفاعة (١) « سألته عن رجل نسي أن يركع حتى يسجد ويقوم قال : يستقبل » وموثقة إسحاق بن عمار (٢) « سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن الرجل ينسى أن يركع قال : يستقبل حتى يضع كل شي‌ء من ذلك موضعه » وقول الصادق عليه‌السلام في خبر أبي بصير (٣) : « إذا أيقن الرجل أنه ترك ركعة من الصلاة وقد سجد سجدتين وترك الركوع استأنف الصلاة » وخبره الآخر (٤) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل ينسى أن يركع قال : عليه الإعادة » وصحيح زرارة (٥) عن أبي جعفر عليه‌السلام « لا تعاد الصلاة إلا من خمس : الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود ».

بل يمكن الاستدلال عليه أيضا في الجملة بقول أبي جعفر عليه‌السلام في خبر زرارة وبكير (٦) : « إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة ركعة لم يعتد بها واستقبل صلاته » وما في البعض من الضعف على تقدير وجوده منجبر بالشهرة المحصلة والمنقولة ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الركوع الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الركوع الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الركوع الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الركوع الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الركوع الحديث ٥.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ١.

٢٤٣

بل في المنقول عن الغنية الإجماع عليه ، بل قد يستدل بما عن النجيبية أيضا « ان من سها عن ركن من الأركان الخمسة أعاد إجماعا » وبما في السرائر في المسألة من الإجماع على أن الركوع ركن متى أخل به ساهيا أو عامدا حتى فات وقته وأخذ في حالة أخرى بطلت صلاته ، ودعوى أن بعض هذه الروايات ليست بصريحة في الذكر في الأثناء بل لا تأبى الحمل على نسيان الركوع أبدا يدفعها مع أن البعض الآخر كاف في ذلك أنه مطلق لا استفصال فيه ، وهو حجة كما بين في محله ، وكذلك دعوى أنها ليست دالة على الإخلال بمجرد الدخول في السجود ، على أنه على تقدير سجوده سجدة واحدة لا يحصل بالتدارك إلا زيادة سجدة واحدة سهوا ، وهي غير قادحة ، ولم يقم إجماع على عدم جواز التلافي بمجرد الدخول في ركن آخر ، إذ مع أنه لا قائل بالفصل في المقام يكفي في ذلك إطلاق جملة من المعتبرة المتقدمة ، مع إطلاق إجماع الغنية أيضا ، بل قد يقال : وإجماع النجيبية والسرائر المتقدمين ، بل هو مقتضى القاعدة أيضا ، وعدم البطلان بزيادة السجدة مع عدم ترك الركوع لا يلزم منه صحة ما نحن فيه ، والقياس لا نقول به ، فحينئذ لا يشمله‌ قول أبي عبد الله عليه‌السلام (١) « في رجل استيقن أنه زاد سجدة لا يعيد الصلاة من سجدة » لأن الظاهر أن المراد منه زيادة سجدة خاصة لا ما إذا كانت الزيادة مع نسيان الركوع ، بل هو من التخريج الذي لا نقول به ، فتأمل.

لا يقال إن خبر أبي بصير الأول ظاهر في تقييد ذلك بالسجدتين فيقيد به تلك المطلقات ، لأنه ـ مع كونه غير قابل للتقييد ، لانجبار تلك المطلقات بفتوى الأصحاب من غير خلاف يعرف بينهم في المقام ، إذ لم نقف على من فصل بين السجدة الواحدة والسجدتين سوى ما في مفتاح الكرامة من أنه في بعض العبارات حتى سجد سجدتين مع أني لم أقف عليها ، بل هي غير صريحة في ذلك ـ غير ظاهر في التقييد بناء على حمل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٣.

٢٤٤

الواو في قوله عليه‌السلام : « وسجد سجدتين » على معنى أو ، بل لا تعارض حينئذ بينه وبين تلك المطلقات ، لكونه من قبيل التنصيص على أحد الأفراد ، مع أن الظاهر من مفهومه هنا رفع اليقين لا اليقين مع السجدة الواحدة ، وإن أريد بالركعة الركوع كان الواو في قوله عليه‌السلام : « وترك الركوع » بمعنى « أو » وكان شاهدا لنا ، ولذلك لم يجعله المناقش في المقام منه ، فتأمل جيدا.

وكذا لا يقال إن‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر عبد الله بن سنان (١) : « إن نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا ثم ذكرت فاصنع الذي فاتك سهوا » أيضا مطلق شامل لما بعد السجدة الواحدة وقبلها ، وبين المطلقين تعارض العموم من وجه ، لأنا نقول : قد عرفت أن ما ذكرناه أرجح من وجوه متعددة لا تخفى فما ظهر من صاحب المدارك وتبعه صاحب الحدائق من المناقشة في البطلان مع الذكر قبل إتمام السجدتين ليس في محله ، وقوله في الحدائق : إنه لا يوافق ما ذكروه في غير المقام من غير خلاف بينهم ان من سها عن واجب يمكن تداركه ثم تداركه صحت صلاته يدفعه أن الكلام في إمكان تداركه في المقام ، نعم ظاهر كلام الأصحاب حيث يتحقق السجود ولو على ما لا يصح السجود عليه في الأقوى دون الهوي ونحوه ، أما الواصل إلى حد السجود من غير تحقق سجود منه كما إذا كان محل سجوده فيه هبوط ففي إلحاقه به وجهان ، أقواهما الإلحاق ، تحكيما للقاعدة في البطلان ، ويحتمل عدمه ، لعدم صدق مسمى السجود ، هذا.

وعن ابني الجنيد وبابويه الخلاف في أصل المسألة ، قال الأول على ما في المختلف : « لو صحت الأولى وسها في الثانية سهوا لم يمكن استدراكه كأن أيقن وهو ساجد أنه لم يكن ركع فأراد البناء على الركعة الأولى التي صحت له رجوت أن يجزيه ذلك ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ١.

٢٤٥

ولو أعاد إذا كان في الأولتين وكان الوقت باقيا كان أحب إلى وفي الثنائيتين أي الأخريين ذلك يجزيه » انتهى ، وهو ظاهر في إرادة بطلان ما وقع منه ، وليس يريد إعادة ركوع ثم سجود ، بل الظاهر أنه يوجب ركعة مستقلة من قراءة ونحوها ، ولا يقدح ما وقع بين الأولى والثانية وهكذا ، وقال علي بن بابويه على ما في المختلف أيضا : « وإن نسيت الركوع بعد ما سجدت من الركعة الأولى فأعد صلاتك ، لأنه إذا لم يثبت لك الأولى لم يثبت لك صلاتك ، وإن كان الركوع من الركعة الثانية أو الثالثة فاحذف السجدتين واجعل الثالثة ثانية ، والرابعة ثالثة » انتهى. ومراده إلقاء ما وقع ما بين الأولى وغيرها وجعل الثالثة المقدرة على معنى كونها ثالثة لو كانت الثانية صحيحة ثانية ، بل يظهر من المنقول عن الشيخ في النهاية عدم اشتراط سلامة الأولى في وجه أيضا ، قال : « فان تركه ناسيا ثم ذكر في حال السجود وجب عليه الإعادة ، فان لم يذكر حتى صلى ركعة أخرى ودخل في الثالثة ثم ذكر أسقط الركعة الأولى وبنى كأنه صلى ركعتين ، وكذلك إن كان قد ترك الركوع في الثانية وذكر في الثالثة أسقط الثانية وجعل الثالثة ثانية وتمم الصلاة » بل يظهر من المبسوط وجود قائل بالتلفيق مطلقا ، لقوله في فصل السهو : « وفي أصحابنا من قال : يسقط السجود ويعيد الركوع ثم يعيد السجود ، والأول أحوط ، لأن هذا الحكم يختص بالأخيرتين » ونحوه عن الجمل والاقتصاد ، وقال في باب الركوع : « إن أخل به عامدا أو ناسيا في الأولتين مطلقا أو في ثالثة المغرب بطلت صلاته ، وإن كان في الأخيرتين من الرباعية فإن تركه عمدا بطلت صلاته ، وإن تركه ناسيا وسجد السجدتين أو واحدة منهما أسقط السجدة وقام وركع وتمم صلاته » انتهى. وهو صريح في التفصيل الذي ذكره المصنف ، ولا يخفى أن كلام هؤلاء المخالفين جميعهم ظاهر في أن زيادة السجدتين سهوا غير مبطلة ، فما يأتي مما تسمعه من المدارك والرياض وغيرهما من نفي الخلاف في بطلان الصلاة بزيادة السجدتين‌

٢٤٦

سهوا في غير محله ، إلا أن يكون مرادهم في غير ما نحن فيه ، فتأمل ، كما أنه لا يخفى عليك احتياج تحرير هذه الأقوال إلى زيادة تنقير ، لكن لما كان المختار عدمها جميعها كان الاعراض عن ذلك أولى.

وكيف كان فمما يمكن الاستدلال به لذلك‌ قول أبي جعفر عليه‌السلام في خبر محمد بن مسلم (١) « في رجل شك بعد ما سجد أنه لم يركع قال : فان استيقن فليلق السجدتين اللتين لا ركعة لهما ، فيبني على صلاته على التمام ، وإن كان لم يستيقن إلا بعد ما فرغ وانصرف فليقم فليصل ركعة وسجدتين ولا شي‌ء عليه » وفي الوسائل رواه الصدوق بإسناده عن العلاء ، قلت : فيكون الرواية حينئذ صحيحة ، لأن طريق الفقيه إلى العلاء صحيح لا على رواية الشيخ ، ومنه يظهر وجه وصف بعضهم لها بالصحة كما يظهر ما في طعن آخر فيها ، وقول الصادق عليه‌السلام في صحيح العيص بن القاسم (٢) « في رجل نسي ركعة من صلاته حتى فرغ منها ثم ذكر أنه لم يركع يقوم ويركع ويسجد سجدتي السهو » وفيه مع عدم كون الثاني مما نحن فيه إلا على وجه تسمعه فيما يأتي أنه لا يصلح حجة لتفصيل الشيخ ، ولا لتفصيل ابن الجنيد وابن بابويه ، بل ولا لتفصيل النهاية في أحد الوجهين ، لعدم الفرق فيه بين الأولى وغيرها ، ولا بين الأولتين والأخيرتين ، ولا بين ما إذا ذكر في حال السجود في الأولى كما اشترطه في النهاية وغيره ، ومجرد كون ذلك جمعا بين الأخبار لا يقضي به مع عدم الشاهد عليه ، بل الجمع فرع التكافؤ ، وليس ، لرجحان الأخبار الأولة من وجوه عديدة من الانجبار بالشهرة والإجماع المنقول وغيرهما.

واحتمال أن الشاهد على التفصيل بين الأولى وغيرها‌ الرضوي (٣) « وإن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٣.

(٣) فقه الرضا عليه‌السلام ص ٩.

٢٤٧

نسيت الركوع بعد ما سجدت من الركعة الأولى فأعد صلاتك ، لأنه إذا لم تصح لك الأولى لم تصح لك صلاتك ، وإن كان الركوع من الركعة الثانية أو الثالثة فاحذف السجدتين واجعلها أعني الثانية الأولى ، والثالثة ثانية ، والرابعة ثالثة » المؤيد بما عن العلل والعيون (١) كما في الرياض يدفعه بعد تسليم حجية الرضوي أنه لا يقاوم أيضا تلك الأخبار المنجبرة بالقاعدة وغيرها مما عرفت ، فإنه لا يكفي في شاهد الجمع مجرد كونه حجة كما بين في محله ، هذا.

وفي الرياض تضعيف الصحيح الأول باشتماله على ما لا يقول به الخصم بل ولا أحد من وجوب صلاة ركعة مع سجدتين بعد الانصراف من الصلاة إذا استيقن ترك الركوع ، قال : ومنه يظهر شذوذ الثاني وعدم ارتباطه بما نحن فيه ، قلت : هذا من جملة فروع المسألة ، فإن القائلين بالتلفيق يلتزمون ذلك ، لصيرورة الثالثة مثلا ثانية ، والرابعة ثالثة ، فتكون الفريضة ناقصة ركعة ، فإذا ذكرها بعد التمام جاء بها على القاعدة ، ولذا جعله في المبسوط من فروع المسألة ، وقوله : ومنه يظهر شذوذ الثاني فيه أن له ارتباطا على تقدير أن يراد بالركعة فيه الركوع بقرينة قوله : لم يركع ، فحينئذ يكون من المسألة ، ويحمل قوله عليه‌السلام في الجواب : ويركع مع السجود معه ، لأنه من قبيل من نقص ركعة ، والأمر سهل ، نعم دلالة الجزء الأول على التلفيق مطلقا متجهة ، لكن لم يعرف قائله وإن نسب إلى الشيخ ، مع أنك قد عرفت أنه غير قابل للمعارضة لما سمعت من الأدلة.

وكذا ذكر في الرياض وغيره أنه لا شاهد للشيخ على ما ذكره من التفصيل بين الأولتين والأخيرتين ، وفيه أنه لعله الروايات التي ذكروها في باب الشك ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٢.

٢٤٨

منها‌ قول الصادق عليه‌السلام (١) : « إذا سلمت الركعتان الأولتان سلمت الصلاة » ومنها‌ قوله عليه‌السلام أيضا (٢) : « ليس في الركعتين الأولتين من كل صلاة سهو » ومنها‌ قول أبي الحسن الرضا عليه‌السلام (٣) : « الإعادة في الركعتين الأولتين والسهو في الركعتين الأخيرتين » إلى غير ذلك من الأخبار ، بل في السرائر الإجماع على بطلان الصلاة إذا لم تسلم الأولتان ، قال : ذلك في المسألة ، نعم المتجه في الرد عليه حينئذ أن المراد بالسلامة والسهو في هذه الأخبار الشك في أعدادها لا كل سهو فيها كما لا يخفى على من لاحظها مع غيرها ، على أنك قد عرفت انجبار الأخبار السابقة بما يوجب تأويل المقابل أو الطرح لا الجمع ، لأنه فرع التكافؤ ، فتأمل.

وأما البطلان في ناسي السجدتين حتى ركع فهو المشهور شهرة كادت تكون إجماعا ، بل عن النجيبية أنه لا خلاف فيه ، وفي المنقول عن الغنية الإجماع عليه أيضا ، وقد عرفت أن كلام من تقدم في الركوع ، نعم يظهر من المبسوط أن القائلين بالتلفيق لم يفرقوا بين السجدتين والركوع ، وكذلك بالنسبة إلى مذهبه من التفصيل بين الأولتين والأخيرتين ، بل تقدم في فصل السجود نسبة الخلاف إلى جماعة ، فلا حظ ، لكن قد عرفت أن الصحيح مخصوص في الركوع ، فلا معنى للتعدية ، ودعوى أن السجود كالركوع غير ثابتة ، وعلى تقديرها كان جميع ما تقدم حجة عليه ، والأولى الاستدلال له بخبر عبد الله بن سنان المقدم.

وكيف كان فلا ريب أن الأقوى البطلان ، لما عرفت من الإجماع ونفي الخلاف والقاعدة المتقدمة مع إطلاق جملة من الروايات السابقة ، كقوله في‌ صحيح زرارة المتقدم : « لا تعاد الصلاة إلا من خمسة : الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود » بل يدل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث ١٠.

٢٤٩

عليه أيضا ما دل على أن زيادة الركوع مبطلة على كل حال ، كقول الصادق عليه‌السلام في خبر منصور بن حازم (١) : « لا يعيد صلاة من سجدة ويعيدها من ركعة » ومثله غيره ، فان الظاهر من مقابلة السجدة أن يراد بالركعة الركوع كما فهمه بعضهم ، مع إمكان الاستدلال عليه بمادل (٢) على إعادة ناسي السجدة الواحدة ما لم يركع ، فلاحظ وتأمل ، بل ومفهوم‌ خبر محمد بن مسلم (٣) عن أحدهما عليهما‌السلام « ان الله عز وجل فرض الركوع والسجود ، والقراءة سنة ، فمن ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة ، ومن نسي القراءة فقد تمت صلاته » وموثق منصور بن حازم (٤) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني صليت المكتوبة فنسيت أن أقرأ في صلاتي كلها فقال : أليس قد أتممت الركوع والسجود؟ فقلت : بلى ، قال : فقد تمت صلاتك إذا كنت ناسيا » على أنه أيضا سيأتي في المسألة نفي الخلاف من الرياض والمدارك عن البطلان بزيادة الركوع ، وإن كان فيه ما فيه ، إلا أن يريدوا في غير هذه المسألة لنقلهم الخلاف فيها عن قريب ، وبجميع ما ذكرنا يخص‌ خبر عبد الله بن سنان المتقدم (٥) قال : « إن نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا ثم ذكرت فاصنع الذي فاتك »

وكذا تبطل لو زاد في الصلاة ركعة أو ركوعا أو سجدتين أو تكبيرا ، وحينئذ أعاد سهوا وعمدا بخلاف غيرها ، فإنها لا تبطل زيادته ، أما النية فلأنها القصد إلى الفعل ، وهو إن لم يكن استحضاره مؤكدا لم يكن مفسدا ، بل قد عرفت سابقا أن الذي تقتضيه الضابطة في وجه بل قول استحضار هذا القصد في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٣.

٢٥٠

تمام الفعل ، لكن لمكان العسر والحرج اكتفي بالاستدامة الحكمية ، واحتمال تصور زيادتها إذا جدد النية الأولى في الأثناء أي قصد جميع الفعل في الأثناء يدفعه أولا أن الجميعية لا دخل لها في النية ، وثانيا أنه إن وقع منه ذلك عمدا أي مع تنبه لكونه في الصلاة فالإبطال حينئذ إن قلنا به لترك الاستدامة لا لزيادة النية ، وإلا فبدونه لا دليل على البطلان وإن وقع ذلك منه سهوا بأن كان قد غفل عن كونه في الصلاة ، بل الذي يظهر من تتبع الأدلة كالحكم بصحة المتكلم سهوا وغيره الصحة ، فإنه يدخل فيه المتكلم بزعم أنه ليس في الصلاة وهو منه ، وعلى تقدير كون مثل ذلك تركا للاستدامة يتجه التزام أن تركها سهوا غير قادح كما في سائر أجزاء الصلاة ، فتأمل جيدا ، فإنه قد يظهر من كشف اللثام البطلان بزيادة النية سهوا ، لكنه كما ترى.

وأما القيام فالظاهر الإجماع ، على أن زيادته في الجملة سهوا غير مبطلة كنقيصته هذا إن قلنا بركنيته على الإطلاق ، وإلا فبناء على ما نقوله من تخصيص الركنية منه بالمتصل بالركوع لكون السابق على التكبير والمقارن له شرطا خارجا عن الصلاة التي أولها تكبيرة الافتتاح فلا يتصور حينئذ زيادته بدون الركوع ، وكذا لو قلنا بجزئية القيام حال التكبير فإنه لا يتصور بدونه بعد تشخص ركنيته به على معنى أن الركن القيام التكبيري كما اعترف به في كشف اللثام ، وزاد فيه القيام ، والتزم أنه لا يتصور زيادته إلا بزيادتها أيضا ، ولكن قد عرفت أن زيادتها غير مبطلة ، هذا ، وما ذكره المصنف من بطلان الصلاة بزيادة الركعة كما في القواعد والإرشاد هو المنقول عن الجمل والمقنع وكافي ثقة الإسلام والعقود والمراسم والغنية ، ومن هنا قال في الذكرى : إن الأكثرين أطلقوا البطلان.

لكن مقتضى هذا الإطلاق عدم الفرق بين الجلوس بمقدار التشهد وعدمه ، وبين التشهد وعدمه ، والرباعية وغيرها ، وفي الرياض أنه الأشهر ، وفي المدارك أنه بهذا‌

٢٥١

التعميم قطع الشيخ في جملة من كتبه والسيد وابن بابويه ، وعن مصابيح الظلام أن المشهور المعروف البطلان من غير فرق بين الرباعية وغيرها ، وبين زيادة ركعة أو أزيد وبين أن يكون قد جلس بقدر التشهد أولا ، وعن الدروس أن المشهور البطلان مطلقا وعن الغنية الإجماع على الإعادة فيما لو زاد ركعة ، وفي الخلاف الإجماع على أنه إذا صلى المغرب أربعا أعاد ، وفيه أيضا في آخر كلامه بعد أن صرح بالبطلان ونسب اعتبار الجلوس إلى بعض أصحابنا ما نصه عندنا أنه لا بد من التشهد ، ولا يكفي الجلوس بمقداره وإنما يعتبر ذلك أبو حنيفة ، وفي السرائر « أن من صلى الظهر مثلا أربع ركعات وجلس في دبر الرابعة فتشهد الشهادتين وصلى على النبي والأئمة ( عليهم الصلاة والسلام ) ثم قام ساهيا عن التسليم فصلى ركعة خامسة فعلى مذهب من أوجب التسليم فالصلاة باطلة ، وعلى مذهب من لم يوجبه فالأولى أن يقال : الصلاة صحيحة لأنه ما زاد في صلاته ركعة ، لأنه بقيامه خرج من صلاته ، وإلى هذا القول يذهب شيخنا أبو جعفر في استبصاره ، ونعم ما قال » انتهى. وأنت خبير أن ذلك ليس خلافا منه لاشتراطه التشهد لا الجلوس بمقدار التشهد ، على أنه بناه على الندبية ، ومن هنا قواه بعض المتأخرين لكن مع اشتراطه التشهد لا الجلوس بقدره ، وجعل أخبار الباب مشيرة إلى ندبية التسليم فتكون المسألة حينئذ ذات أقوال ثلاثة ، لكن لم أجد قائلا صريحا من القدماء بناء على وجوب التسليم وأنه جزء من الصلاة باشتراط الصحة بالتشهد لا بالجلوس بقدره ، إذ من ذكر التشهد لا الجلوس بقدره يبنيه على ندبية التسليم مع إمكانه لمكان الأخبار.

نعم المخالف صريحا العلامة في التحرير والمختلف وموضع من القواعد وظاهرا في المنتهى والشهيد في الألفية ، بل هو المنقول عن ابن الجنيد والشيخ في التهذيب والمصنف في المعتبر ، بل نسب إلى جملة من المتأخرين ، ففصلوا بين أن يكون قد جلس بمقدار التشهد فتصح ، أو لا فتفسد ، لكن صريح الأكثر منهم تخصيص ذلك في‌

٢٥٢

الرباعية ، نعم ظاهر بعض أدلة العلامة في المختلف التعميم في الجميع ، كمن بنى المسألة على ندبية التسليم ، وكيف كان فكلامهم في المسألة لا يخلو من اضطراب لاختلاف كيفية المدرك فيها.

وتفصيل الحال أن يقال : أما بناء على وجوب التسليم فالمتجه الفساد كما اعترف به ابن إدريس وغيره ، للأصل ، ولأنه من الإخلال بالهيئة بزيادة مالا تغتفر زيادته في الصلاة مع‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « صلوا كما رأيتموني أصلي » وشغل الذمة اليقيني يحتاج الفراغ كذلك ، مضافا إلى إجماع الغنية وما تسمعه من الأخبار ، ودعوى أن مقتضى القاعدة الثانية الصحة ، لأنه لم يقع منه إلا السهو عما ليس بركن في الصلاة فلا تفسد به الصلاة يدفعها أولا أن مقتضى ذلك عدم الفرق بين أن يكون جلس مقدار التشهد أولا ، مع أن الإجماع إذا لم يجلس كما في المنتهى والذكرى وعن المعتبر والتذكرة على الفساد ، بل في التحرير أنها باطلة قولا واحدا ، بل قد عرفت أن النزاع خاص بالرباعية ، وإلا فقد سمعت أن الشيخ نقل الإجماع على بطلان صلاة من صلى المغرب أربعا ، واحتمال أن ذلك كله خرج بالإجماع ونحوه وإلا كان مقتضى القاعدة الصحة لا ينبغي أن يصدر ممن له نظر وتأمل في أطراف هذه المسألة ، بل الاعتماد على مثل ذلك نوع من التعويل على الهباء والاتكال على المنى ، وثانيا أن البطلان لم ينشأ من جهة النسيان بل لأنه لم يخرج عن الصلاة حينئذ سيما بعد نية المصلي إتيان الركعة داخلة في الصلاة مع فعل ما يبطلها عمدا وسهوا كالركوع وغيره.

لا يقال : إذن لا يتحقق صورة نسيان التسليم أبدا بحيث تصح معه الصلاة ، لأنا نقول : قد يتحقق في صورة تخيل المصلي الخروج عن الصلاة وفعل المنافي حينئذ بهذا الزعم ، ويكون خروجه حينئذ بمجرد الاعراض عن الصلاة وتخيل التمام ، واحتمال أن‌

__________________

(١) صحيح البخاري ج ١ ص ١٢٤ و ١٢٥.

٢٥٣

الخروج في المسألة متحقق بفعل المنافي أيضا الذي هو القيام يدفعه منع إخراج القيام له مع نية أن هذا الفعل منه للصلاة ، لتخيله أنها ثلاثة مثلا ، ومن هنا ترى أن العرف لا يرتاب في كون القائم بزعم عدم الإتمام زائدا في الصلاة باقيا على التلبس بها غير خارج عنها فاعلا للمنافي في أثنائها ، بخلاف ناسي السلام سهوا مع البناء على الخروج عن الصلاة والاعراض عنها ، وإن كان التحقيق عدم الفرق بينهما ، على أنه قد عرفت اقتضاء القاعدة البطلان في الإخلال بكل واجب عمدا وسهوا ، وما دل على اغتفار السهو إن لم نقطع بعدم شموله لمثل المقام وإلا فالشك لا ينبغي أن ينكر ، فتبقى القاعدة سالمة ، وأيضا لو كان يخرج المصلي بالقيام لم يتجه الحكم منهم بالتدارك إن ذكره قبل الركوع ، لعدم إمكان تداركه للخروج عن الصلاة ، مع أنه عن بعضهم نفي الخلاف في وجوب التدارك وصحة الصلاة ، وعن الآخر لا إشكال فيه ، نعم ربما وقع إشكال في سجود السهو ، كل ذا مع أنه لا مانع من التزام أن لا صورة يتحقق فيها السهو عن التسليم مع صحة الصلاة كما يظهر من المصنف فيما يأتي ، فإنه ظاهر في أن ناسي التسليم إن ذكر ذلك بعد فعل ما يبطل الصلاة عمدا وسهوا بطلت صلاته ، وإن ذكره بعد فعل ما يبطلها عمدا لا سهوا فالأشبه الصحة ويأتي بالتسليم حينئذ ، فساوى بينه وبين نقصان الركعة كما ستعرف ، بل لعله التحقيق.

هذا كله مضافا إلى الأخبار المعتبرة المنجبرة بالشهرة المحصلة والمنقولة وإجماع الغنية وغيره ، منها قول أبي جعفر عليه‌السلام في حسنة زرارة بإبراهيم بن هاشم (١) وهي تجري مجرى الصحيح ، بل أقوى‌ من بعض الصحاح « إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة ركعة لم يعتد بها واستقبل صلاته استقبالا إذا كان قد استيقن يقينا » وقول الصادق عليه‌السلام في صحيح أبي بصير (٢) : « من زاد في صلاته فعليه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٢.

٢٥٤

الإعادة » ومضمرة الشحام (١) « سألته عن الرجل صلى العصر ست ركعات أو خمس ركعات قال : إن استيقن أنه صلى خمسا أو ستا فليعد » بل قد يستدل عليه بالحكم بالإعادة في الوقت لو نسي المقصر وأتم صلاته ، فإنه من المسألة عند التأمل ، وبالأخبار (٢) المتضمنة لإعادة الصلاة من ركعة لا من سجدة وغيرها ، وقد عرفت فساد القول بأن مثل ذلك ليس زيادة في الصلاة بناء على وجوب التسليم ، بل لم يدع هذا أحد قبل المصنف فيما نقل عنه العلامة في المختلف ، مع أنه لو كان بالجلوس بمقدار التشهد يفرغ من الصلاة وإن لم يتشهد لما وجب عليه التدارك قبل الركوع ، إلا أن يكون على جهة القضاء ، وكذا لو كان الجلوس للتروي.

وبالجملة كيف يكون الجلوس الذي هو واجب عليه مخرجا له عن الفرض مع أن لو سها عن التشهد مع الجلوس بقدره ثم ذلك قبل أن يقوم لا إشكال في وجوب التشهد عليه على وجه التدارك ، ولو كان هذا الجلوس مخرجا لكان لا معنى لوجوب التدارك ويلزمه إما القول بأنه لا مصداق لهذه الروايات أو القول بأنه إن كان قد جلس بمقدار التشهد ليست زيادة ، وإن كان لم يجلس كان زيادة في الصلاة ، وكل منهما فيه ما لا يخفى ومن هنا استند المخالف إلى ما تسمعه من دعوى القول بندبية التسليم المعلوم ضعفها فيما تقدم ، أو إلى الأخبار التي منها‌ صحيح زرارة (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام « عن رجل صلى خمسا فقال : إن كان قد جلس في الرابعة قدر التشهد فقد تمت صلاته » وخبر محمد بن مسلم (٤) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل استيقن بعد ما صلى الظهر أنه صلى خمسا قال : وكيف استيقن؟ قلت : علم ، قال : إن كان علم أنه جلس‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الركوع.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث ٥.

٢٥٥

في الرابعة فصلاة الظهر تامة ، وليقم فليضف إلى الركعة الخامسة ركعة وسجدتين فيكونان ركعتين نافلة ولا شي‌ء عليه » وخبر جميل بن دراج (١) عن الصادق عليه‌السلام « في رجل صلى خمسا قال : إن كان جلس في الرابعة بقدر التشهد فعبادته جائزة » وهي ـ مع الطعن في سند البعض ، وإعراض المشهور عنها ، وموافقتها للعامة ، واشتمالها على مخالفة القواعد في المسألة وغيرها من انعقاد الركعتين نافلة بغير نية ولا تكبيرة إحرام ـ غير ظاهرة الدلالة على ما ذكروه ، لاحتمال حملها على ما هو المتعارف المعلوم من أنه إذا جلس عقيب الرابعة يكون مشغولا في التشهد ، إذ من المستبعد جدا بقاؤه جالسا ، بل قد وجد مثل هذا الإطلاق وإرادة التشهد منه كما في بعض أخبار سبق الإمام المأموم (٢) فإنه أمر باللبث قدر التشهد ثم لحوق الامام ، والمراد به التشهد ، والمراد حينئذ بالجلوس بمقدار التشهد ما يشمل التسليم ، لإطلاق التشهد على الشامل له ، ولا ينافيه قول السائل : « صلى خمسا » مثلا ، لأن المراد أنه تنبه وإذ قد وقع منه خمس ركعات فبين الامام (ع) طريقا لمعرفة حاله السابق من الجلوس وعدمه بأنه إن كان جالسا علم حينئذ أو ظن أنه قد تشهد وسلم وقام ، لاستبعاد غيره ، وإلا أعاد ، وربما يؤيده‌ قوله عليه‌السلام في خبر محمد بن مسلم (٣) : « فيكونان نافلة » إلى آخره ، بل وقوله عليه‌السلام فيه : « ولا شي‌ء عليه » إذ لو كان ناسيا لأمره بقضائه ، بل جميع هذه الأخبار محتملة بعد حمل الجلوس قدر التشهد فيها على التشهد لأن تكون سندا للقائلين بندبية التسليم ، بل استظهره منها بعضهم ، فتخرج حينئذ الاستدلال ، نعم يرجع للبحث عن أصل وجوب التسليم وقد أثبتناه ، بل قد يقال : إن المقصود من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٥.

٢٥٦

قوله : « إن جلس » إلى آخره ، في هذه الأخبار إرادة استنباط حال المصلي هل فرغ من الصلاة ثم شرع في غيرها ولو بإتمامها ساهيا فلا تكون زيادة في الصلاة ، أو أنها زيادة فيها فأراد معرفة حاله بهذا الطريق.

ومن هنا يمكن أن يقال بشي‌ء ، وهو لو رأى المصلي نفسه أنه في خامسة أو سادسة ولكن وقع له الشك في أنه هل كان قد فرغ من الصلاة وأن هذه ابتداء صلاة جديدة أو أن هذه زيادة في الفريضة وقعت منه سهوا فإنه قد يقال بالصحة حينئذ حملا لما وقع من المسلم عليها ، بل قد يكون هذا الشك منه شكا في الشي‌ء بعد دخوله في شي‌ء آخر ، فلا يلتفت ، بل يحتمل القول به لو رأى نفسه قائما قبل تحقق الركوع منه فيبني على الصحة لما ذكرنا أيضا ، ولا منافاة فيه لكلام الأصحاب ، إذ المراد منه أنه بعد أن علم أنه لم يقع منه تشهد ولا تسليم لا ما ذكرنا ، بل يمكن القول فيها بالصحة أيضا فيما لم يتنبه المكلف إلا وهو في خامسة مع علمه بعدم وقوع التشهد والتسليم منه ، لكنه يحتمل أنه نسيهما فابتدأ في صلاة جديدة وقلنا بصحة الصلاة في مثله ، ويحتمل أن ذلك وقع منه زيادة في الصلاة ، فإن أصالة الصحة تقضي بكون الواقع منه على الوجه الأول ، لأنه هو الصحيح ، وإن كان الجزم بذلك لا يخلو من إشكال ، فتأمل.

ولعل خبر محمد بن مسلم (١) الآتي منزل على بعض ما ذكرناه ، وما فيه من التشهد والتسليم في الأثناء لعله مبني على جواز قضاء المنسي ولو في أثناء النافلة ، لكونه غير مناف لها ، فتأمل جيدا ، فإنه لا يتم تنزيله على ذلك.

وكيف كان فقد ظهر لك أن هذه الأخبار لا تصلح لأن تكون مقيدة لإطلاق تلك الأخبار الصحيحة الموافقة للقواعد الشرعية المنجبرة بالشهرة المحصلة والمنقولة وإجماع الغنية وغيره.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٧.

٢٥٧

هذا كله بناء على وجوب التسليم ، وأما بناء على ندبيته فقد عرفت أن بعضهم استوجه الصحة ، وفيه أنه ينبغي اشتراطها بالتشهد مع نسيان التسليم لا بالجلوس بمقداره وإن لم يتشهد ، لأنه حينئذ لم يفرغ أيضا من الصلاة ، لعدم الاكتفاء بالجلوس ، والاكتفاء بذلك فيه يقضي بالاكتفاء بالجلوس أيضا بقدر التسليم وإن لم يسلم بناء على وجوبه ، فلا ينبغي تخصيص الصحة حينئذ بالندبية ، مع احتمال أن يقال وإن كان بعيدا إنا وإن قلنا بندبية التسليم وحصول التشهد منه لكن نقول ببطلان الصلاة أيضا ، لاشتراط الخروج حينئذ بنية الخروج مثلا والاعراض عن الصلاة ونحو ذلك ، لا بتمام الأجزاء الواجبة ، وإلا لم يكن معنى لندبية التسليم وجزئيته ، بل لا بد حينئذ من القول بكونه خارجا عن الصلاة مستحبا ، وهو بعيد ، فحينئذ يصدق عليه أنه زاد في صلاته ركعة وإن قلنا بالاستحباب وبه يتم الفساد ، ومن هنا تعرف أن بناء المسألة على الاستحباب أو الوجوب غير متجه إلا إذا قلنا بخروجه على تقدير الاستحباب عن الصلاة قهرا ، ويكون التسليم مستحبا خارجيا وإن كان هذا غير لازم لدعوى الاستحباب.

وحيث بان لك فساد القول بالصحة استغنينا عن ذكر كثير من المسائل المترتبة عليه على التفصيل ، ولا بأس بذكرها على الاجمال ، منها ما عرفت الإشارة إليه من التعدية لغير الرباعية ، وقد عرفت أن المدارك في المسألة مختلفة ، فبعضها يقضي بالتعدي كالتمسك بأن الأمر يقتضي الاجزاء ، وما تقدم من حكاية السهو ونحو ذلك ، وآخر يقضي بالاقتصار ، كالتمسك بالروايات الخاصة ، مع احتمال أن يقال بالتعدية أيضا تنقيحا للمناط وفهما من الروايات أنه لا خصوصية للرباعية ، ومنها الظاهر أنه لا فرق بين زيادة ركعة أو أكثر كما يقتضيه عموم الجواب في الأخبار والقاعدة لو كانت هي المنشأ ، بل قد يقال إن الركعتين أولى بالبناء على النافلة ، ومنها القول بالصحة لو ذكر بعد الركوع قبل السجود ، بل هو أولى ، نعم يبقى الكلام في أنه حينئذ هل له أن يصيرها نافلة أو أن‌

٢٥٨

ذلك مخصوص بما إذا جاء بركعة؟ وجهان ، واحتمال القول بأنه يتشهد ويسلم للصلاة ثم يسجد متما للركعة ويضيف إليها أخرى فتكون نافلة في غاية الضعف ، لكونه تصرفا من غير إذن من الشارع ، ومنها أن القائلين بالصحة يشترطون العلم بحصول الجلوس منه أما لو لم يعلم مع العلم بأن ما هو فيه ليس ابتداء صلاة جديدة فالظاهر الفساد عندهم ، وما ورد في بعض الأخبار كخبر محمد بن مسلم (١) عن الصادق عليه‌السلام ـ قال : « سألته عن رجل صلى الظهر خمسا قال : إن كان لا يدري جلس عقيب الرابعة أم لم يجلس فليجعل أربع ركعات منها الظهر ، ويجلس ويتشهد ثم يصلي وهو جالس ركعتين وأربع سجدات ويضيفهما إلى الخامسة فتكون نافلة » ـ لا يقولون به ، فحينئذ يكون معرضا عنه‌ كبعض الأخبار (٢) « أنه صلى بنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الظهر خمس ركعات ثم انفتل فقال له بعض القوم : يا رسول الله هل زيد في الصلاة شي‌ء؟ قال : وما ذاك؟ قال : صليت بنا خمس ركعات قال : فاستقبل القبلة وكبر وهو جالس ثم سجد سجدتين ليس فيهما قراءة ولا ركوع ثم سلم ، وكان يقول : هما المرغمتان » أو يحملان على بعض الوجوه الصحيحة التي لا تخفى على المحيط بما قدمنا ، بل قد عرفت منه سقوط ذلك كله عندنا ، وأن الصحة محصورة بالذاكر قبل الركوع دون ما عداه حتى لو ركع إلا على القول بالإرسال ، مع أن الأقوى خلافه كما تسمع إن شاء الله.

وأما بطلان الصلاة بزيادة الركوع والسجدتين ففي تعليق الإرشاد ومجمع البرهان الإجماع عليه في الثاني ، وفي المدارك أنه مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا ، وبلا خلاف كما في الرياض كما عن غيرهما ، لكن ينبغي تخصيص ذلك فيما يأتي من الخلاف بالإرسال وبما مضى من مسألة الركعة وبما تقدم من كلام الشيخ في مسألة التلفيق ، فإنه يرجع إلى عدم قدح زيادة الركوع والسجدتين ، وكيف كان فالوجه فيه ـ بعد القاعدة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٩.

٢٥٩

المحكمة التي لا زالت العلماء يستدلون بها من أن زيادة الركن كنقيصته مخلة بهيئة العبادة التوقيفية ـ الأخبار المتقدمة سابقا ، كقوله عليه‌السلام : « إذا استيقن أنه زاد في صلاته ركعة لم يعتد بها واستقبل الصلاة استقبالا » وقوله عليه‌السلام : « لا يعيد الصلاة من سجدة ويعيدها من ركعة » فإن مقابلتها بالسجدة قاضية بإرادة الركوع ، خصوصا وقد أطلقت عليه في جملة من النصوص ، بل هذا هو الموافق للنظم إن لم يثبت مراد شرعي بالركعة ، فتأمل ، إلى غير ذلك من الأخبار المتقدم بعضها في صورة النقصان نسيانا ، بل قد يستدل أيضا بمادل (١) على أن الصلاة ثلاثة أثلاث : طهور وركوع وسجود ، وغيرها من النصوص ، والمناقشة في بعضها بأنه يلزم أن يكون الخارج أضعاف الداخل وهو ممنوع يدفعها أولا ما بيناه في الأصول من أن المدار على الاستنكار العرفي وثانيا أن هذا العموم ليس لغويا فلا يجري فيه ذلك ، هذا ، وليعلم أن هناك مواضع استثنوا فيها اغتفار زيادة بعض الأركان ليس هذا موضع ذكرها ، وتأتي إن شاء الله في محالها.

وقيل : لو شك في الركوع فركع ثم ذكر أنه ركع أرسل نفسه ذكره ثقة الإسلام والشيخ وعلم الهدى ( رحمهما الله ) والحلي وابنا حمزة وزهرة على ما حكي عن بعضهم بل عن الأخير الإجماع عليه ، وقواه بعض المتأخرين والأشبه البطلان كما في النافع والتحرير والمختلف والمنتهى والتنقيح وعن ظاهر الحسن وصريح جمع من المتأخرين ، بل ربما نسب إلى أكثرهم ، بل في التنقيح أن عليه الفتوى ، وهو الأقوى في النظر ، للأصل المتقدم سابقا ، إذ هو إخلال بالهيئة ، فلم يأت بالمأمور به على وجهه ، وقول الباقر عليه‌السلام في الحسن كالصحيح (٢) : « إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ١.

٢٦٠