جواهر الكلام - ج ١٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

عن رجل يكسل أو يضعف فيصلي التطوع جالسا قال : يضعف ركعتين بركعة » وصحيح الصيقل (١) قال : « قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : إذا صلى الرجل جالسا وهو يستطيع القيام فليضعف » وخبر علي بن جعفر (٢) عن أخيه عليه‌السلام المروي عن كتابه ، قال : « سألته عن المريض إذا كان لا يستطيع القيام قال يصلي النافلة وهو جالس ، ويحتسب كل ركعتين بركعة ، وأما الفريضة فيحتسب كل ركعة بركعة » ولا ينافي ذلك النصوص (٣) المتضمنة عدد الرواتب مثلا بعد إمكان حملها على إرادة العدد بصلاة القائم ، بل هو الظاهر إن لم يكن المقطوع به ، إذ احتمال إرادة تضاعف الأجر خاصة من هذه النصوص واضح الفساد ، وإن كان ربما يشهد له‌ خبر أبي بصير (٤) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « قلت له : إنا نتحدث نقول : من صلى وهو جالس من غير علة كانت صلاته ركعتين بركعة ، وسجدتين بسجدة ، فقال : ليس هو هكذا هي تامة لكم » لكن يمكن حمله كما في الذكرى وعن المبسوط على إرادة بيان أصل الجواز وغيره على الاستحباب أو على غير ذلك ، كوضوح فساد احتمال إرادة الاحتساب المزبور من غير فصل بالتسليم للإطلاق ، فتكون النافلة حينئذ من جلوس التي هي عوض عن ركعتي القيام أربع ركعات بتسليمة واحدة ، ضرورة تنزيل الإطلاق المذكور على المعلوم من نصوص أخر (٥) معتضدة بالفتاوى من تثنية النوافل عدا ما خرج بالدليل كصلاة الأعرابي (٦).

وكيف كان فقد يساوي التضعيف المزبور في الفضل أو يفضل عليه ، بل هو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٣.

٢٢١

كصلاة القائم تلفيق كل ركعة من القيام والقعود بمعنى أنه يقرأ القراءة مثلا وهو جالس فإذا أراد أن يختمها قام فركع ، كما في‌ صحيح زرارة (١) « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : الرجل يصلي وهو قاعد فيقرأ السورة ، فإذا أراد أن يختمها قام فركع بآخرها قال : صلاته صلاة القائم » وفي‌ صحيح حماد (٢) عن أبي الحسن عليه‌السلام « فإذا كنت في آخر السورة فقم فأتمها واركع فتلك يحتسب لك بصلاة القائم » وفي‌ خبره الآخر أو صحيحه (٣) عن الصادق عليه‌السلام « فإذا بقي من السورة آيتان فقم فأتم ما بقي واركع واسجد فذلك صلاة القائم ».

ولو اقتصر على ذلك في إحدى الركعتين لم يبعد جوازه مع نقصان ربع الأجر أو أزيد منه بيسير بناء على نقصان الملفقة عن الركعة التي يقام فيها قياما ، نعم هو ربع لا غير لو صلى ركعة من قيام وأخرى من جلوس لو قلنا بجوازه كما هو الظاهر ، لعدم الفرق في الجلوس في النافلة بين الجميع والبعض ، بل هو ظاهر دليل الجواز ، وقد يقال بالمنع لعدم التوظيف ، والأول أولى ، لكن ليس له التضعيف للركعة الباقية في هذا ونحوه ، لاقتضائه التسليم على الركعة الواحدة المنافي للتثنية في النوافل.

ولا يخفى أن الظاهر من هذه النصوص الجلوس حتى في تكبيرة الإحرام ، وإنما يقوم في آخر السورة لكن في شرح المقدس البغدادي أن في تخصيص القراءة بالجلوس دلالة على أن التكبير للإحرام في القيام من حيث أن القيام هو الأصل الذي كان عليه في الاستعداد للصلاة ، وظاهره وقوع التكبير للإحرام فيه في إدراك فضل صلاة القائم وفيه بحث واضح.

ثم إن ظاهر المصنف وغيره ممن اقتصر على الجلوس عدم جواز غيره من الاستلقاء والاضطجاع ونحوهما اختيارا ، بل هو صريح الشهيد وغيره ، بل ظاهر الاقتصار في نقل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ٢.

٢٢٢

الخلاف في ذلك من غير واحد على العلامة في النهاية فأجازه عدمه من غيره للأصل الذي لا يقطعه ما يستدل به للفاضل من أن الكيفية تابعة للأصل فلا يجب ، والنبوي (١) « من صلى نائما فله نصف أجر القاعد » إذ الأول كما ترى ، ضرورة أن المراد بالوجوب المعنى الشرطي كالطهارة ، وأما الثاني فهو ليس من طريقنا ، فلا يتمسك به لإثبات مثل هذا الحكم المخالف لأصالة التوقيف في العبادة ، لكن قد يقال بجريان دليل التسامح في كيفية العبادة كأصلها ، فيكفي حينئذ في إثباته فتوى مثل الفاضل المزبور والخبر المذكور وإن لم يكن من طريقنا ، وفحوى النصوص (٢) الواردة في جواز فعلها حال الجلوس والمشي وعلى الراحلة ونحو ذلك مما يومي إلى أن المراد وجودها في الخارج على أي حال يكون ، وخصوص‌ خبر أبي بصير (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « صل في العشرين من شهر رمضان ثماني بعد المغرب واثنتي عشر ركعة بعد العتمة ـ إلى أن قال ـ : قلت : جعلت فداك فان لم أقو قائما؟ قال : فجالسا ، قلت : فان لم أقو جالسا؟ قال : فصل وأنت مستلق على قفاك » ومن المعلوم إرادة الضعف في الجملة عن الأداء جالسا من نفي القوة كما يومي اليه تعليق فعلها جالسا على ذلك مما علم عدم اشتراطه به ، فتأمل جيدا.

ثم إن إطلاق أكثر النصوص والفتاوى يقتضي التخيير في الجلوس بين جميع كيفياته ، بل في بعضها (٤) نفي البأس عن التربع ومد الرجلين وأن ذلك واسع‌ وفي آخر (٥) « عن الصلاة في المحمل فقال : صل متربعا وممدود الرجلين وكيف أمكنك » ‌

__________________

(١) سنن أبى داود ج ١ ص ٣٤٤ الطبعة الثانية عام ١٣٦٩ مع الاختلاف في اللفظ.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ و ١٦ ـ من أبواب القبلة والباب ٤ من أبواب القيام من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب نافلة شهر رمضان ـ الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب القيام.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ٥.

٢٢٣

نعم يكره الإقعاء وهو كما قيل : أن يعتمد بصدور قدميه على الأرض ويجلس على عقبيه كما يفعله العامة ، للصحيح (١) « إياك والقعود على قدميك فتتأذى بذلك » وكذا إقعاء الكلب ، للنهي عنه (٢) ، وتمام الكلام في البحث فيه في غير المقام ، لكن في مصابيح الطباطبائي « أنه يستحب للجالس مطلقا أن يتربع في جلوسه ، فإذا ركع ثنى رجليه بلا خلاف للحسن (٣) وهو أن ينصب فخذيه وساقيه ، كذا قالوا » إلى آخره ، بل عن ظاهر المنتهى وغيره وصريح الخلاف الإجماع على استحباب التربيع قارئا ، كما عن ظاهر المعتبر وغيره استحباب ثني الرجلين راكعا ، ولا بأس به ، لحسن حمران بن أعين (٤) عن أحدهما عليهما‌السلام « كان أبي إذا صلى جالسا تربع ، فإذا ركع ثنى رجليه » وأما ما يشعر به بعض الأخبار من كراهة فعله مطلقا حتى‌ في بعضها (٥) « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجلس جلسة القرفصاء وعلى ركبتيه وكان يثني رجلا واحدة ويبسط الأخرى عليها ، ولم ير متربعا قط » فلعل المراد بالتربيع فيه ما عن مجمع البيان أن يقعد على وركيه ويمد ركبته اليمني إلى جانب يمينه ، وقدمه إلى جانب شماله ، واليسرى بالعكس ، بل هو المحكي عن الجوهري والزمخشري وفقه الثعالبي وغيرها كذلك ، بل لعله هو الذي يشهد له‌ خبر أبي بصير (٦) عن الصادق عن أمير المؤمنين عليهما‌السلام « إذا جلس أحدكم على الطعام فليجلس جلسة العبد ، ولا يضع إحدى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب السجود من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٧٤ ـ من أبواب أحكام العشرة ـ الحديث ١ من كتاب الحج.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب آداب المائدة ـ الحديث ٢ من كتاب الأطعمة والأشربة.

٢٢٤

رجليه على الأخرى ، ولا يتربع ، فإنها جلسة يبغضها الله ويبغض صاحبها » فيكون التربيع الذي ذكرناه في الصلاة غير ذلك ، بل هو ما سمعته من نصب الفخذين والساقين جلسة العبد المتهيّئ للامتثال والقيام إذا دعا ، والظاهر عدم وضع الأليتين فيه على الأرض ، وإلا كان من الإقعاء المنهي عنه في وجه ، ولعله ظاهر من اقتصر في تفسيره على نصب الفخذين والساقين ، لكن الذي حكي عن غير واحد التصريح بوضع الأليتين على الأرض فيه ، وله وجه ، ولا بأس بتعدد معنى التربيع فتأمل ، قال في القاموس : « تربع في جلوسه خلاف جثى وأقعى » ومقتضاه كما في الحدائق أنه على غير هذه الحالتين من هيئات الجلوس ، هذا ، وقد ذكر في الذكرى عن بعض الأصحاب أنه احتمل في كيفية ركوع القاعد وجهين متقاربين ذكرهما العامة ، وتمام البحث فيهما وفيما يتعلق بالقاعد من الفروع بالنسبة إلى تمكنه من أقل الركوع وأكمله فقط ، فهل يجب عليه أن يفاوت بينه وبين السجود بالانخفاض أو لا يجب؟ يذكر في بحث القيام في الصلاة ، فلاحظ وتأمل ، إذ مثله يأتي في المقام أيضا.

ثم إنه يستفاد من التأمل فيما ذكرنا أن معنى جواز الجلوس في النافلة استحباب هذه الكيفية من الصلاة أيضا وإن كان الصنف القيامي أفضل منه ، لكن هو صنف مستقل برأسه راجح بالنسبة إلى تركه مرجوح بالنسبة إلى غيره ، بل هو بالنسبة إلى أفراده مختلف المرتبة في الفضيلة أيضا كما عرفته سابقا ، فمن نذر الصلاة جالسا حينئذ انعقد نذره كما في الذكرى وعن غيرها ، ولعله لعموم الأمر بالوفاء به ، وكون الصلاة جالسا مرجوحة بالنسبة إلى الصلاة قائما لا يقضي ببطلان النذر بعد أن كان هذا الفرد راجحا في نفسه أيضا ولو لعدم رجحان الخصوصية بنفسها بل هي من التوابع ، إذ لا يشترط في صحة النذر رجحانه مطلقا ، وإلا لاقتضى عدم انعقاده في المسجد مثلا إذا كان غيره أشرف منه ، وكذا لا يقضي بانعقاد المطلق دون المقيد ،

٢٢٥

إذ هو تفكيك مخالف لقصد الناذر مع اتحاده ، نعم يتم لو كان له قصدان مستقلان تعلق أحدهما بالمطلق والآخر بالمقيد على معنى نذر الصلاة وأن يكون جالسا فيها أمكن ذلك حينئذ.

ومنه يعلم أن المتجه البطلان فيما لو قيده المطلق بأمر لا يشرع معه ، كما لو نذر الصلاة بدون طهارة ، كما هو ظاهر القواعد وصريح الذكرى وعن غيرها ، وإن كان اللازم لاولهما حيث حكم بانعقاد النذر بالنسبة إلى المطلق دون القيد فيما لو نذر النافلة جالسا الحكم بالصحة هنا أيضا كذلك ، لكنه لا يخفى عليك ما فيه في المقامين ، وإن كان الثاني منهما أوجه من الأول ، لأن نذرها جالسا لا يقتضي حرمة القيام عليه فيها ، إذ النذر لا ينعقد في ترك الراجح وفعل المرجوح بالنسبة إلى غيره ، ولا جهة رجحان في خصوصية نفسها ، والاكتفاء برجحان طبيعة الفرد التي تتبعه الخصوصية يستلزم انعقاده في الأماكن المكروهة ونحوها ، فلا يراد حينئذ من نذرها جالسا عدم فعلها قائما ، ولو أراده لم ينعقد بالنسبة إلى ذلك ، نعم يبرأ بكل منهما ، كما أنه يأثم بتركهما معا ، وهو معنى وجوب المطلق دون القيد ، وليس هو كإطلاق نذر الركعتين المنصرف إلى القيام مع غفلة الناذر عن خصوص القصد وإناطته بما ينصرف اليه اللفظ ، وفيه أنه مع فرض عدم قصد الناذر التقييد خروج عن موضوع المسألة ، ومع فرضه لا يتجه إلزامه بالمطلق الذي لم يقصده الناذر ، ضرورة أنه غير المقيد ، فما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع ، بل المتجه حينئذ البطلان كما عن المحقق الثاني ، لعدم إمكان انعقاد ما نذره على وجه يحرم عليه الأفضل منه وعدم قصد غيره ، بل لعله عند التأمل كما لو علق النذر بالقيد كأن يقول : لله علي أن أكون على الراحلة أو جالسا أو مستدبرا عند راتبة الظهر اليوم نعم ينعقد القيد إن قال : لله علي إن استويت على الراحلة أو جلست على الأرض مثلا أن أكون عليها مصليا ، لأن المعتبر حينئذ رجحان الصلاة على تركها ، وليس ما نحن فيه‌

٢٢٦

منه قطعا ، بل هو أقرب شي‌ء إلى الأول ، ضرورة انصراف قوله : لله علي أن أصلي النافلة جالسا إلى إرادة إلزام القيد الزائد لا أصل المطلق وإلزام هذا القيد بهذا النذر بدعوى الاكتفاء في انعقاد النذر برجحان الفرد لرجحان الطبيعة فيه ، وإن لم يكن للخصوصية مدخلية يقتضي الإلزام بسائر المشخصات من الأمكنة والأزمنة وسائر المقارنات من اللباس وبعض الأحوال الراجعة للمصلي وغيره مما هو معلوم عدمه عند التأمل الجيد ، كما هو واضح.

بسم الله الرحمن الرحيم

( الركن الرابع في التوابع )

( وفيه فصول ) :

( الفصل الأول )

في الخلل الواقع في الصلاة المفروضة اليومية وإن شاركها غيرها من الفرائض والنوافل في كثير من الأحكام كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى وهو إما أن يكون عن عمد أي قصد مع تذكر المصلي كونه في الصلاة ، بل محل ما يجب الشي‌ء فيه ، وإلا لدخلت كثير من أحكام السهو في العمد كما ستعرف إن شاء الله تعالى أو سهو وهو كما عن الفقهاء عزوب المعنى عن القلب بعد خطوره بالبال ، ولعل عدم تعريفه أولى لظهوره ، وتساوي الخاص والعام في معرفته ، كوقوعه وعدم خلو غير المعصوم منه ، وإلا فتعريفه بما سمعت لا يخلو من إجمال ، ولا فرق في أحكام السهو بين العالم والجاهل فكما يقع من العالم السهو فيخل ببعض ما يعلم وجوبه كذلك من الجاهل بالوجوب بالنسبة للعزم على الفعل والتعود على وقوعه ، فيكون المدار حينئذ على سبب الترك ، فان‌

٢٢٧

كان الجهل كان من العامد ، وإن كان السهو كان من الساهي ، وإن كان الجهل سببا للسهو فوجهان أو شك والمراد به تردد الذهن من غير ترجيح ، قيل والفرق بينه وبين ما تقدمه بالنسبة للإخلال كونه نفسه خللا في الصلاة بخلاف الأولين ، فإنهما سببان للخلل الذي هو نقص مثلا ، وفيه تأمل ، فإنه قد يكون أيضا سببا للخل ، بقي الكلام في الخلل الواقع من سبق اللسان ، فإنه لا يندرج في أحد الثلاثة وإن كان الظاهر عدم بطلان الصلاة به مع التدارك بالصحيح ، ولو أراد الجهر مثلا فأخفت أو بالعكس على وجه لا يندرج في العامد ولا الناسي ولا الجاهل ففي التدارك جهرا أو إخفاتا نظر ، ولو كان الخلل وقع اضطرارا بفعل أجنبي مثلا فإنه لا يدخل في أحد الثلاثة أيضا.

ولو كان بمثل الطمأنينة في القراءة ففي إعادتها مطمئنا نظر.

أما أحكام العمد فمن أخل بشي‌ء من واجبات الصلاة لها أو فيها عامدا فقد أبطل صلاته لقوله : شرطا كان ما أخل به كالوضوء والتستر وطهارة الثوب والبدن ونحو ذلك أو جزء منها كالقراءة والسجود أو كيفية كالجهر والإخفات أو تركا كالكلام والالتفات والقهقهة ونحو ذلك ، لما تبين في الأصول من اقتضاء النهي في العبادة الفساد من غير فرق بين ما يتعلق بنفس العبادة أو شرطها أو خارج عنها فيها ، كالنهي عن التكفير والكلام وإن كان اقتضاؤه في البعض عقليا وفي الآخر عرفيا ، لكنهما مشتركان في أنه لم يأت بالمأمور به على وجهه ، لكون الإخلال بالجزء إخلالا بالكل ، ولانعدام المشروط بانعدام الشرط ، فيبقى في عهدة التكليف ، على أن الحكم في المقام إجماعي على الظاهر ، وعن نهاية الأحكام أنه لا خلاف فيه ، فما وقع من بعض المتأخرين من أن النهي إذا لم يتعلق بنفس العبادة أو شرطها لا يقتضي فسادها وإنما يثبت البطلان بدليل من خارج كما في الكلام والالتفات ليس في محله.

٢٢٨

نعم قد عرفت أنه لا بد في العامد من تذكر كونه في الصلاة ، بل لا بد من تذكر كونه في المحل الذي يجب فيه الشي‌ء ، فمن تكلم عامدا غافلا عن كونه في الصلاة أو من ترك الطمأنينة غافلا عن كونه في السجود مثلا ليس من العامد في شي‌ء ، وأولى منه ما لو زعم نفسه أنه خارج عن الصلاة ، وإلا لوجب الحكم بفساد صلاة من سلم زاعما الإتمام على أنه عن المنتهى « أنه لو تكلم ناسيا للصلاة لم تبطل صلاته ، وعليه علماؤنا أجمع » فما يقال ـ : إن القاعدة تقتضي البطلان في الجميع ، والمعلوم خروجه من السهو إذا كان في نفس الشي‌ء ، كأن يقع الكلام مثلا عن غير قصد أو يترك السجود كذلك فيبقى الباقي ، ولا بأس بالحكم بفساد صلاة المسلم مع زعم الإتمام بعد فرض كونه من المسألة ، إلا أن يدل دليل ، وما عن المنتهى لا صراحة فيه في كون الكلام وقع عمدا ، وعلى تقديره فهو أخص من الدعوى ـ ضعيف جدا ، لإطلاق النص والفتوى في السهو ، بل لعل الغالب في أفراده ذلك ، مع ما يظهر من ملاحظة الأخبار من إطلاق السهو على المسلم بزعم الإتمام ونحوه ، ولعلك تسمع لهذا الكلام تتمة إن شاء الله تعالى.

وكيف كان فلا فرق بين العالم بالحكم الشرعي التكليفي والوضعي والجاهل بهما أو بأحدهما معذورا كان الجاهل أو غير معذور على الأصح في الأخير ، ولذلك قال : وكذا أي تبطل صلاته لو فعل ما يجب تركه أو ترك ما يجب فعله جهلا بوجوبه أو بتوقف الصحة عليه ، فيكون كالعامد غير معذور ، وعن الدرة الإجماع عليه ، كما عن شرح الألفية للكركي أن جاهل الحكم عامد عند عامة الأصحاب في جميع المنافيات من فعل أو ترك ، مضافا إلى‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر مسعدة بن زياد (١) في قوله تعالى (٢) ( فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ ) إن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة : عبدي‌

__________________

(١) أمالي المفيد (ره) المجلس الخامس والثلاثون ـ الحديث ١ ص ١٧٢.

(٢) سورة الأنعام ـ الآية ١٥٠.

٢٢٩

أكنت عالما؟ فان قال : نعم قال له : أفلا عملت بعلمك ( بما علمت خ ل )؟ وإن قال : كنت جاهلا قال : أفلا تعلمت حتى تعمل ، فيخصمه ، فتلك الحجة البالغة » فما يقال في الجاهل المعذور : إنه مأمور ، والأمر يقتضي الإجزاء يدفعه أنه لا أمر حقيقة بل هو تخيل الأمر ، ووجوب العمل عليه بما تخيله للنهي عن الجرأة على المعصية لا يقتضي الاجزاء عن المراد والمطلوب واقعا ، وإلا لانهدمت قاعدة واقعية الشرائط والأجزاء كما هو واضح.

إلا الجهر والإخفات فإنه يعذر الجاهل بذلك إجماعا محصلا ومنقولا كما تبين في محله من غير فرق فيه بين المتنبه وغيره ، إلا إذا لم يمكن نية القربة من جهته ، بل لا يشترط في ذلك سبق تقليده بالمعذورية وإن فعل محرما بترك السؤال مع التنبه ، إذ لا تلازم بين صحة (١) العبادة وفعل المحرم من جهة أخرى في مواضعهما والمتيقن منه القراءة في الأولتين مع احتمال الإطلاق ، بل ظهوره في القراءة في الأخيرتين ، بل والذكر فيهما ، لشمول رواية زرارة (٢) المتقدمة سابقا له ، نعم قد يخص ذلك بما إذا لم يكن وجوب الإخفات من حيث المأمومية ، فإنه لا يعذر الجاهل فيه كما يأتي إن شاء الله ، واقتصارا فيما خالف الأصل على ما هو المنساق من غير المفروض ومثل الجهر والإخفات القصر والإتمام ، لا يستثنى من الجاهل بالحكم بالنسبة إلى الصحة والبطلان غير هذين المسألتين وإن تحققت المعذورية في الإثم في غيرهما ، والظاهر تناول معذوريته في المقام لما لو علم بعد الفراغ من القراءة قبل الركوع ، بل لو علم في الأثناء مضى ما كان جاهلا فيه ووجب الباقي ، وهل المراد بالجهل ما يشمل الجهل‌

__________________

(١) في النسخة الأصلية هكذا ولكن حق العبارة هكذا « بطلان العبادة » أو « لا تنافي بين صحة العبادة وفعل المحرم ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٥.

٢٣٠

بالخصوصية كما لو علم مثلا في الجملة وجوب الجهر في بعض الفرائض والإخفات في أخرى إلا أنه لم يعلمهما بالتفصيل؟ وجهان ، أقواهما عدم الشمول ، اقتصارا على المتيقن من النص والفتوى.

ولو جهل غصبية الثوب الذي يصلى فيه أو المكان فلا قضاء ولا إعادة بلا خلاف أجده ، لعدم النهي ، ولم يثبت اشتراط كونه ليس مغصوبا في الواقع ، نعم يتجه البطلان مع العلم بالغصبية ، لعدم جواز اجتماع الأمر والنهي في شي‌ء أو جهل نجاسة الثوب أو البدن ولو الجبهة ، بل وما تسمعه من الشعر ولو مسترسلا ونحوه مما يصدق معه إصابة الشخص المصلي المندرج في نحو‌ قول علي عليه‌السلام (١) : « ما أبالي أبول أصابني أو ماء إذا لم أعلم » فإنه معذور بالنسبة للقضاء من غير خلاف معتد به ، وأما الإعادة في الوقت ففيها قولان تقدما سابقا ، كما أنه تقدمت الأدلة على ذلك أو بنجاسة المقدار المعتبر من موضع السجود أي ما يسجد عليه فلا إعادة فيه أيضا كما في النافع والذكرى والتحرير والقواعد والإرشاد وعن المعتبر والهلالية وحاشية الإرشاد والروض ، بل حكي عن المبسوط والجمل وإن كان لا يخلو من نظر ، لكن على كل حال ما في الرياض ـ من أنه لم يتقدم لحكم السجود على الموضع النجس جهلا ذكر لا هنا ولا في شي‌ء مما وقفت عليه من كتب الفقهاء عدا الشهيد الثاني في الروض فألحقه بالثوب والبدن في الأحكام ـ في غير محله ، كما أن ما حكاه عن روض الشهيد كذلك أيضا ، لظاهر ما دل على اشتراط طهارة ما يسجد عليه ، إذ مقتضاه ثبوت الإعادة ولو مع الجهل ، وإلحاقه بالثوب والبدن من غير دليل يقتضيه قياس لا نقول به ، فلا يخرج عن إطلاق الأمر السالم عن المعارض فيه ، بل قضية ذلك وجوب القضاء أيضا عليه ، لصدق اسم الفوات عليه بظهور الشرطية في الواقع ، لكن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ٥ من كتاب الطهارة.

٢٣١

في الرياض أنه لم يعلم وجوب القضاء بناء على كونه فرضا مستأنفا ، ولا دليل عليه هنا عدا عموم الأمر بقضاء الفوات ، وهو فرع تحقق الفوات ، ولم يتحقق بعد احتمال اختصاص الشرطية بحال العلم كما في النظائر ، فيندفع القضاء بالأصل السالم عن المعارض وهو كما ترى.

نعم قد يتم ذلك لو قلنا بأن وجوب الإعادة عليه في الوقت لعدم العلم بالصحة الذي يتوقف العلم ببراءة الذمة عليه لا للحكم بفساد ما وقع ولو لظهور الشرطية فيما تقدم ضرورة حجية الظواهر كالنصوص ، بخلاف الأول فإن عدم الحكم بالصحة أعم من الحكم بالفساد المتوقف عليه اسم الفوات الذي هو موضوع القضاء شرعا ، مع أنه لا يخلو من تأمل ، لإمكان الاكتفاء في تحقيق الفوات بأصالة عدم حصول المطلوب منه ، فتأمل جيدا فإنه قد يقال : إن العمدة في شرطيته الإجماع المفقود في المقام بعد فتوى من عرفت بالعفو عنه الذي يمكن أن يستفاد من نصوص العفو عنه في اللباس مثلا ، سيما خبر زرارة (١) المشتمل على التعليل المؤكد لقاعدة الاجزاء في العمل بقاعدة اليقين ونحوها ، إلا أن ظاهر الأصحاب عدم العمل بعموم التعليل المذكور كما ستعرفه فيما يأتي إن شاء الله.

فروع : الأول إذا توضأ بماء مغصوب أذن له فيه الغاصب أولا مع العلم أو ما يقوم مقامه شرعا ، وفي الاكتفاء بخبر الواحد العدل فيما لو فرض كونه في يد مسلم مثلا إشكال ، لاحتمال صيرورته من قبيل المدعي فلا يقبل قوله بالغصبية سواء كان جاهلا بالحكم أو عالما إلا إذا كان جهلا بالحرمة يعذر فيه ، فان الظاهر الصحة ، لعدم توجه النهي ، وعدم ثبوت شرطية الإباحة في الواقع ، فيكون الحكم الوضعي في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب النجاسات ـ الحديث ١ من كتاب الطهارة.

٢٣٢

المقام تابعا للتكليفي وصلى أعاد الطهارة وحدها إن لم يصل وإلا أعاد الصلاة أيضا ، لما دل على شرطية عدم العلم بغصبية ماء الوضوء من قاعدة وإجماع منقول وغيرهما وأما لو جهل غصبيته لم يعد إحداهما وجاز له أن يدخل بذلك الوضوء في عبادة أخرى بلا خلاف أجده في ذلك ، وقد يلحق به الناسي للغصبية أيضا ، لعدم توجه النهي فيهما ، ولا دليل على اشتراط إباحة الماء في الواقع ، بخلاف نجاسته فإنه لا يعذر الجاهل فيها على الأصح وإن جاز له الإقدام بأصالة الطهارة ، وذلك لما دل على اشتراط الطهارة في الواقع ، والمشروط ينعدم بانعدام شرطه ، بل في الدرة السنية بعد أن ذكر حكم الجهل بغصبية الماء قال : وليس الجهل بنجاسة الماء كذلك إجماعا ، ولو علم بالغصب في الأثناء فالظاهر صحة ما وقع منه وتتميمه بالماء المباح لصحة الجزء ، إذ صحة كل شي‌ء بحسبه ، نعم قد يأتي وجهان فيما لو علم بعد تمام الغسل قبل المسح ، منشأهما صيرورة ذلك تلفا فينتقل للقيمة ، وأنه باق على مملوكية مالكه الأصلي وإن خوطب بالقيمة ، وكذلك لو علم بعد الصب على العضو للتتميم بالنسبة إلى إجراء ما على اليد من الماء على المكان الذي لم يصل اليه الماء.

الثاني إذا لم يعلم يقينا ولا ما يقوم مقامه أن الجلد جلد ميتة فصلى فيه ثم علم بعد الإتمام لم يعد إذا كان قد أخذه من يد مسلم شرعا أو اشتراه من سوق المسلمين وإن كان فيه كفار ممن لا يعرف إسلامه بالخصوص ، لقاعدة الاجزاء ، وظاهر الأخبار المتقدمة سابقا في اللباس معتضدين باتفاق الأصحاب عليه في الظاهر ، بل لو لا ه‍ لأمكنت المناقشة فيه بأن الظاهر مما تقدم سابقا كون التذكية شرطا فينعدم المشروط بانعدامها ، وجعل الشارع يد المسلم وسوق المسلمين بمنزلة العلم بالتذكية لا يقضي بالصحة حتى لو تبين الخلاف ، بل أقصاه الصحة مع استمرار خفاء الحال ، وبمنع قاعدة الاجزاء في مثله ، وإلا لانهدمت قاعدة الشرائط ، فتأمل جيدا ، وتقدم‌

٢٣٣

سابقا كثير من مباحث المسألة.

فإذا أخذه من يد غير مسلم أو وجده مطروحا ولو في بلد الإسلام بل ولو في أسواقهم وكان عليه أثر الاستعمال على ما يقتضيه إطلاق العبارة وإن كان لا يخلو من نظر ، لما يفهم من بعض المعتبرة من الاكتفاء بالصلاة في الفراء المصنوعة بأرض الإسلام وإن كان فيها غير مسلمين لكن بشرط غلبة المسلمين أعاد الصلاة وإن لم يظهر أنه ميتة ، لكون التذكية شرطا كما دلت عليه الأخبار (١) المعتبرة ، منها‌ قول الصادق عليه‌السلام في حسنة زرارة (٢) بإبراهيم بن هاشم : « فان كان مما يؤكل لحمله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وألبانه وكل شي‌ء جائز إذا علمت أنه ذكي قد ذكاه الذبح ».

وغيره من الأخبار ، وهي الحجة ، مع أن الأصل عدم التذكية مؤيدا بفتوى من وقفت على كلامه من الأصحاب هنا ، إلا أنه مع ذا يظهر من بعضهم الاشكال فيه ، وربما يؤيده بالنسبة إلى بعض الأفراد ، مضافا إلى ما سمعته آنفا ما تقدم لنا في آخر مباحث الطهارة ، ولكن هو الحكم بطهارة المطروح في بلد الإسلام الذي عليه أثر الاستعمال ، وهي أعم من جواز الصلاة فيه ، لاحتمال الاكتفاء فيها في مثل المفروض بعدم العلم بالميتة ، وهو أعم من الحكم بالتذكية التي هي شرط الصلاة وإن كان ذلك لا يخلو من نظر ، نعم الظاهر الصحة لو صلى فيه بل وسائر ما تقدم مع إمكان نية التقرب وصادف أنه مذكى في الواقع ، واحتمال أن سبق العلم بتذكيته شرط ولم يحصل ممكن ، لكنه بعيد جدا.

الثالث إذا لم يعلم أنه من جنس ما يصلى فيه كأن لم يعلم كونه جلد مأكول اللحم أو لا أو حريرا أولا وصلى أعاد الصلاة بلا خلاف معتد به أجده فيه ، بل في المدارك هذا الحكم مقطوع به بين الأصحاب ، لاستصحاب شغل الذمة ، وعدم العلم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب لباس المصلي.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ١.

٢٣٤

بتحقق الساتر المعتبر شرعا ، والشك في الشرط شك في المشروط ، والمناقشة فيه بمنع كون الشرط ذلك بل هو التستر بما لم يعلم تعلق النهي به ، ولو كان الملبوس غير ساتر كالخاتم ونحوه فأولى بالجواز يدفعها أنها لا تتم في مثل ما ورد فيه الأمر ، كقوله عليه‌السلام (١) : « لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلى فيما أحل الله أكله » بل ولا في ما كان الوارد فيه النهي (٢) أيضا كالحرير ونحوه بناء على أن اسم العبادة للصحيح وإن قلنا إن المستفاد منه مانعية الحرير لا شرطية غيره ، لكن من المعلوم أن العلم غير داخل في مفاهيم الألفاظ ، فليس معنى قوله : لا تصل في الحرير المعلوم أنه حرير ، بل النهي فيه منصرف إلى الواقع ، ويستفاد منه حكمان وضعي وتكليفي بمقتضى الفهم العرفي ، بل ليس الوضعي فيه تبعا للتكليفي ، فيثبت بطلان عبادة الجاهل مع ظهور كونه حريرا ، كما أنه لا ريب في عدم العلم بالامتثال إذا لم يعلمه من جنس ما يصلى فيه ، لعدم العلم بكونها صلاة ، فلا يجزى إلا الاحتياط اللازم فيما اشتغلت الذمة به بيقين.

وأما بناء على أنها للأعم أو الصحيح المجتمع من الأجزاء دون الشرائط والموانع فقد يقال : إن المتجه الصحة حال عدم العلم لصدق اسم الصلاة عليها ، فتدخل تحت الإطلاقات ، فيحكم بالصحة حتى تعلم الحريرية ، فحينئذ تكون فاسدة ويجب الإعادة لظهور‌ قوله عليه‌السلام (٣) : « لا تصل في حرير محض » بذلك ، لكن قد يمنع للفرق بين الشك في أصل المانعية والشك في موضوع ما ثبت مانعيته ، والأول هو المثمر اندراجه في الإطلاقات كما سمعت دون الثاني ، وشيوع الفرق بين الشرط والمانع بوجوب العلم بإحراز الأول والاكتفاء بعدم العلم في الثاني إنما هو فيما كان عدم المانع مقتضى الأصل ونحوه لا في مثل ما نحن فيه مما لا نصيب للأصل فيه ، مع أن الواقع فيه المانع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب لباس المصلي.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ٢.

٢٣٥

كما عرفت ، أو يدعى أن المفهوم من مثله ـ فضلا عما تعلق الأمر به كجلد مأكول اللحم ـ شرطية غير الحرير في صحة الصلاة ، فمع عدم العلم به كما هو الفرض لم يعلم الخروج عن العهدة عما ثبت التكليف به من شخصي الصلاة وإن قلنا إن اسمها للأعم ، ولعل القطع بوجوب الإعادة في كلام الأصحاب يرشد إلى ذلك ، أو للبناء على الأول لما عرفت من أنهم يفهمون من مثل هذه الخطابات أي « لا تصل في الحرير » ونحوه شرطية الصلاة في غير الحرير ولو لأنه لما ورد النهي عن الصلاة في الحرير مثلا كان مقيدا للأوامر الظاهرة في الاكتفاء بالصلاة في كل شي‌ء ، فهو من قبيل المقسم له إلى قسمين : الصلاة في غير الحرير والصلاة فيه ، فتبقى الصلاة في مجهول الحال غير داخلة في واحد منهما ، فلم يعلم الامتثال بها ، هذا ، مع أنه قد يظهر من عبارة ذلك المناقش الحكم بالصحة حتى لو علم بالحريرية مثلا بعد ذلك ، وهو معلوم البطلان.

وحاصل البحث في جميع ما تقدم أن الجاهل إما أن يكون بالحكم أو بالموضوع أي متعلق الحكم أما الأول فكالعامد بالنسبة للصحة والبطلان إلا في المسألتين السابقتين وفي الجاهل بالحكم جهلا يعذر فيه مع تبعية الحكم الوضعي للتكليفي كالجاهل بحرمة الغصب مثلا جهلا يعذر فيه ، وأما الجاهل بالموضوع فالظاهر أنه كذلك أيضا بالنسبة للصحة والبطلان إلا في مسائل ثلاث : الغصبية والنجاسة في الثوب والبدن ومحل السجود على الأقوى والميتة بشرط الأخذ ممن تقدم ذكره ، بل يدخل فيه كل ما رخص الشارع بالأخذ فيه من طريق خاص كما في بعض مسائل القبلة ونحوها.

وهل يدخل في ذلك خطأ البينة وحكم الحاكم ونحوهما؟ وجهان ، أقواهما العدم تحكيما لقاعدة الشرطية ونحوها ، فلو قامت البينة على كون الجلد جلد مأكول اللحم مثلا أو أن هذه القطعة أرض ثم تبين الخطأ فالأقوى وجوب الإعادة ، فتأمل ، فإنه قد يقال باقتضاء قاعدة الإجزاء عدمها ، لكن قد يمنع ظهور أمر العمل بنحو ذلك في الاجزاء.

٢٣٦

ومثله العمل بخبر الواحد وظن المجتهد ونحو ذلك ، نعم إنما يسلم ذلك في خصوص بعض الموارد التي أمر فيها بالصلاة على الوجه المخصوص الظاهر في كون ذلك مجزيا وإن لم يطابق الواقع كما سمعته في الصلاة بالمأخوذ من سوق المسلمين ، مع احتمال كون المراد منه الاذن في الاقدام ، وأنه طريق من الطرق ما لم يعلم الواقع ، بل مقتضى التأمل في كلام الأصحاب وحصرهم معذورية الجاهل بالحكم في المسألتين وبموضوع الشرائط فيما عرفت للأدلة هدم قاعدة الاجزاء من أصلها بالمعنى المزبور.

وأما عند التردد بين المصحح والمفسد كالأرضية للسجود فالظاهر الإعادة إلا مع نية التقرب ومصادفة الواقع على تأمل في البعض ، لاحتمال كون الشرط فيه سبق العلم لا من جهة التوصل إلى نية التقرب ، والظاهر أن ما ذكرناه بالنسبة إلى ما لا يعلم أنه من جنس ما يصلى فيه من الحكم بالبطلان لا يجري بالنسبة إلى العوارض الطارية له ، أو لبدن المصلي من الرطوبة التي لا يعلم كونها مما يؤكل لحمه أو لا ونحو ذلك من الفضلات بل وكذلك الشعرات التي لا يعلم كونها من مأكول اللحم أو لا ، للسيرة المستقيمة من العلماء والأعوام في عدم التجنب لمثل ذلك حتى يعلم ، بل قد يتمسك بالاستصحاب أيضا بأن يقال كان هذا الساتر أو البدن خاليا عن المانع فليكن الآن كذلك ، وإن كان هو كما ترى بعد الإحاطة بما ذكرناه ، مع احتمال القول بوجوب التجنب لما تقدم سابقا ولإطلاق بعض الكلمات ، والأول هو الأقوى ، ويجري هذان الاحتمالان في غير الساتر من اللباس ، بل وفي المحمول بناء على المنع منه من غير مأكول اللحم ، بل لا يخلو الفساد من قوة عند القائلين بوضع أسماء العبادة للصحيح ، بل ومطلقا بناء على ما عرفته من كون المراد من النهي عن ذلك ونحوه الواقع ، ولا طريق له إلا العلم بالعدم ، ولا سيره في المقام كما في العوارض ، مع أنه يمكن منعها في العوارض أيضا بالنسبة إلى الإعادة لو بان الواقع ، والله العالم فتأمل.

٢٣٧

وأما حكم الخلل الناشئ عن السهو والظاهر شموله للترك الناشئ عن الغفلة عن الشي‌ء وعدم خطوره في الذهن إما له نفسه أو لعدم خطور الصلاة ، وللترك لزعم الإتيان به ، فان لفظ السهو صادق على كل منهما ، وترتب الأحكام بالنسبة إليهما متحد ، وأما الترك لنسيان الحكم الشرعي فالظاهر أنه من العمد‌ فإن أخل بركن أي ترك ركنا من الأركان الخمسة المتقدم معناه سابقا أعاد الصلاة إن لم يذكر إلا بعد تجاوز المحل من غير فرق بين التكبير وغيره ، فما في بعض الأخبار (١) ـ من عدم بطلان الصلاة بالسهو عن التكبير حتى لو ركع القاضي بعدم ركنيتها ـ مخالف لإجماعنا المحكي على لسان جماعة ، بل والمسلمين أيضا عدا الزهري والأوزاعي ، نعم تسمع الخلاف فيما يأتي في مثل الركوع ، أما لو ذكر قبل تجاوزه فلا بطلان بل كان عليه أن يأتي به بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في المنتهى ، قال فيه : « لو أخل بركن في الصلاة سهوا وكان محله باقيا أتى به بلا خلاف بين أهل العلم » والظاهر بعد إمعان النظر أن المراد بالمحل في المقام عدم الدخول في ركن آخر في غير التكبير ، وأما فيه فهو الدخول في القراءة كما هو الظاهر من المصنف هنا والنافع والتحرير والمنتهى وغيرها ، فيكون الوجه حينئذ في الأول عدم استلزام التلافي سوى زيادة ما لا تقدح زيادته سهوا كما أشار إليه في المنتهى بقوله بعد نفي الخلاف المتقدم : فإن الإتيان به ممكن على وجه لا يؤثر خللا ولا إخلالا بهيئة الصلاة ، لكن فيه أنه لا يتم في السهو عن الركوع حتى دخل في السجود ، لكون زيادة سجدة واحدة سهوا غير قادحة في الصلاة ، كما أنه لا يتم الاستدلال عليه أيضا بفحوى الأخبار (٢) الآمرة بالإعادة على المشكوك فيه مع بقاء المحل ، إذ فيه أن المراد بالمحل فيهما مختلف على الظاهر لأن المراد به على الأصح في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ١٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الركوع والباب ١٥ من أبواب السجود.

٢٣٨

الشك الدخول في فعل آخر ، والمراد به هنا عدم الدخول في ركن.

وأما في التكبير فعن الدرة والذكرى الإجماع على بطلان صلاة من سها عن التكبير حتى قرأ وإن لم أجده فيهما ، بل الموجود الإجماع على الركنية والابطال سهوا ، نعم حكي عن إرشاد الجعفرية والنجيبية والشافية الإجماع على ذلك ، وفي المدارك أن هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب على ما نقله جماعة ، قلت : قد يظهر الخلاف في ذلك من السرائر حيث أنه جعل فيها من السهو الموجب لإعادة الصلاة السهو عن تكبيرة الافتتاح ثم لا يذكرها حتى يركع ، وجعل من السهو الموجب للتلافي السهو عن التكبيرة ثم ذكرها وهو في القراءة قبل الركوع ، فأوجب عليه أن يكبر ثم يقرأ ، بل ربما يظهر من المنقول عن المراسم ، لقوله : كمن سها عن تكبيرة الإحرام حتى يركع ، فإنه ظاهر في عدم القدح بالدخول في القراءة ، بل قد يدعى ظهوره من كل من اشترط في إبطال السهو عن الركن الدخول في ركن آخر ، لأن القراءة ليست ركنا.

وكيف كان فالأقوى الأول بعد الإغضاء عن عدم تصور الثاني كما ستعرفه لما سمعته من الإجماعات المنقولة ، مضافا إلى‌ قول أبي جعفر عليه‌السلام في الصحيح (١) : « عن الرجل ينسى تكبيرة الافتتاح قال : يعيد » إذ الظاهر إرادة إعادة الصلاة ، كقول أحدهما عليه‌السلام في رواية محمد (٢) في الذي يذكر أنه لم يكبر في أول صلاته فقال : « إذا استيقن أنه لم يكبر ، فليعد ولكن كيف يستيقن » وقول الصادق عليه‌السلام (٣) : « عن رجل سها خلف الامام فلم يفتتح الصلاة فقال : يعيد الصلاة ولا صلاة بغير افتتاح » وقوله عليه‌السلام أيضا في خبر ابن أبي يعفور (٤) « في الرجل يصلي فلم يفتتح بالتكبير هل تجزيه تكبيرة الركوع؟ فقال : لا ، بل يعيد صلاته‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ١.

٢٣٩

إذا حفظ أنه لم يكبر » ولا ينافي ذلك‌ خبر ذريح المحاربي (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن الرجل ينسى أن يكبر حتى قرأ قال : يكبر » وخبر زرارة أيضا عن أبي جعفر عليه‌السلام (٢) قال : « قلت له : الرجل ينسى أول تكبيرة من الافتتاح فقال : إن ذكرها قبل الركوع كبر ثم قرأ ثم ركع ». وخبر أبي بصير (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل قام في الصلاة فنسي أن يكبر فبدأ بالقراءة فقال : إن ذكرها وهو قائم قبل أن يركع فليكبر ، وإن ركع فليمض في صلاته » وذيله لا يخرجه عن الحجية كما ذكرنا ، إذ هي ـ بعد الغض عما في السند بالنسبة للبعض واشتمالها على ما لا يقول به الأصحاب ، ورجحان الأخبار السابقة عليها بالإجماعات المنقولة وغيرها ـ محتملة لأن يراد بالأمر بالتكبير فيها إعادة الصلاة ، واحتمال العكس ـ مع أنك قد عرفت رجحان الأولة ـ لا يقبله بعضها ، بل يؤيد الأول أيضا ما نقل من الإجماع على وجوب مقارنة النية تكبيرة الإحرام الشامل لصورتي العمد والسهو ، ومن هنا نقل عن السيد حسن بن السيد جعفر جعل مقارنة النية للتكبير من الأركان ، وكأن الذي دعاه إلى ذلك هو حكمهم ببطلان الصلاة مع السهو عن التكبير والدخول في القراءة.

على أن هذا كله مبني على أن المراد بالنية الاخطار والتصور الفكري مع اشتمالها على نية الوجه ونحوها كما هو الظاهر منهم حتى يتجه ثمرة لهذا النزاع من استقبال التكبير خاصة أو الصلاة ، وإلا فبناء على ما اخترناه من أن النية هي الداعي فالظاهر سقوط ذلك لكونها لازمة لإعادة التكبير ، ويكون استقبالا للصلاة ، بل هو مبني أيضا على كون النية جزءا من الصلاة وأن الدخول في الصلاة يتحقق بها ، والتكبير لتحريم القطع ، وإلا فبناء على أنها شرط وأن الصلاة لا تنعقد إلا بالتكبير يسقط البحث من جهة أنه لم يحصل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ١٠.

٢٤٠