جواهر الكلام - ج ١٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

ابن حسر أوصى أن يصلي عليه مالك بن أنس ، وأبو شريحة أوصى أن يصلي عليه زيد ابن أرقم ـ لا حجة فيه مع عدم ثبوته ، وعلى كل حال فالأقوى ما ذكرنا ، لكن لا ريب في أولوية صلاة الوصي بإذن الولي لما فيه من الجمع بين الحقين بل الحقوق والاحتياط ، والله أعلم.

وإمام الأصل عليه‌السلام أولى بالصلاة من كل أحد بلا خلاف أجده فيه ، بل عن ظاهر الخلاف الإجماع عليه ، بل لعله ضروري المذهب كما اعترف به في كشف اللثام ، لأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، أو قائم مقامه في ذلك كما نادى به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الغدير (١) وإن كان مورده أمير المؤمنين عليه‌السلام إلا أن المعلوم اشتراك الأئمة عليهم‌السلام جميعا به ، لاشتراكهم عليهم‌السلام في الإمامة المقتضية له ، ول‌ قول الصادق عليه‌السلام (٢) : « إذا حضر الامام عليه‌السلام الجنازة فهو أحق الناس بالصلاة عليها » وقول أمير المؤمنين عليه‌السلام في مرسل الدعائم (٣) : « إذا حضر السلطان الجنازة فهو أحق بالصلاة عليها من وليها » ولأنه هو الموافق لصلاح الميت ودفع الضرر عنه الذين ينبغي مراعاة الولي إياهما ، بل ربما كان منشأ ولايته أنه ادعى من غيره لصلاح الميت ، وتقديم الحسين عليه‌السلام سعيد بن العاص (٤) في الصلاة على الحسن قائلا : « لولا السنة لما قدمتك » لعله لإطفاء الفتنة كما في الذكرى ، فان من السنة إطفاؤها ، على أنه غير ثابت عندنا ، كما أنه لم يثبت عدم مسبوقية تلك الصلاة بصلاته عليه‌السلام ولا لحوقها ، مع أنه يمكن أن يكون قد أذن له‌

__________________

(١) الغدير للامينى ج ١ من ص ١٤ إلى ص ٧٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٢ من كتاب الطهارة.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٥ من كتاب الطهارة.

(٤) كنز العمال ـ ج ٨ ص ١١٤ ـ الرقم ٢١٤٥.

٢١

في الائتمام بغيره ولم ينو الائتمام هو به ، بل صلى بنية الانفراد ، على أن التقية باب واسع ، وعلى كل حال فهو غير مناف لما دل على أن المعصوم لا يصلي عليه إلا معصوم كما هو واضح.

وكيف كان فلا يحتاج الامام بعد ما عرفت من أولويته إلى الاذن ممن هو أولى به من نفسه أيضا كما هو صريح جماعة وظاهر آخرين ، بل لا أجد فيه خلافا سوى ما يحكى عن مبسوط الشيخ ومعتبر المصنف ومختلف الفاضل فاعتبروا الاذن جمعا بين الحقوق ( الحقين خ ل ) والأدلة ، ول‌ خبر السكوني (١) عن الصادق عليه‌السلام قال : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام إذا حضر سلطان من سلاطين الله جنازة فهو أحق بالصلاة عليها إن قدمه الولي ، وإلا فهو غاصب » وهو ـ مع ضعفه وإشعاره بعدم وجوب الاذن ولا يقولون به ـ محتمل كما في الذكرى لغير سلطان الأصل كما يشعر به التنكير المشعر بالكثرة ، بل يمكن أن يكون ذلك تعريضا في الولاة والخلفاء الذين يتقدمون بسلطانهم كقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) : « لا يؤم الرجل في سلطانه » بل حمله في كشف اللثام على تقدير جزاء للشرط فيه وإرجاع « هو » إلى الولي : أي إن قدمه الولي فذاك وإلا فهو غاصب ، قلت : يمكن احتمال ذلك في المحكي من عبارة المبسوط ، قال : فان حضر الامام العادل كان أولى بالتقديم ، ووجب على الولي أن يقدمه ( تقديمه خ ل ) فان لم يفعل لم يجز له أن يتقدم ، وإن كان ذيله يشهد لإرادة الإمام من الضمير المجرور على معنى وجوب الاذن على الولي فان لم يفعل أثم ، لكن ليس للإمام التقدم ، إلا أنه في غاية البعد ، ضرورة كون المناسب عدم مراعاته بعد إقدامه على المعصية إن لم يجبر على الاذن كما صرح به في الذكرى على تقدير اعتبار الاذن ، لا أنه يؤثر منعا في الأولوية‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٤ من كتاب الطهارة.

(٢) سنن أبى داود ج ١ ص ١٣٧ المطبوعة عام ١٣٧١.

٢٢

المزبورة ، خصوصا والامام أولى منه بماله من الاذن أيضا إن كان من المؤمنين ، فلو أذن لغير الولي نفذ فضلا عن مباشرته.

نعم قد يقال بأن ولاية الإمام حال حضوره الجنازة لا أنه متى أمكن الرجوع اليه لم يجز مباشرة أولياء الميت شيئا من أموره حتى يأذن لهم ، لما فيه من العسر والحرج بل يمكن كون المعهود من حال السلف خلاف ذلك ، كما أن اشتراط الحضور في الخبرين يومي اليه أيضا ، فما عساه يظهر ـ من إطلاق الأولوية في المتن وغيره من كونه كباقي الأولياء ، بل عن أبي الصلاح التصريح بذلك ، قال : الإمام أولى ، فإن تعذر حضوره وإذنه قولي الميت ـ لا يخلو من نظر ، كالمحكي عن ابن الجنيد من أن الأولى الإمام ، ثم خلفاؤه ، ثم إمام القبيلة كباقي الصلوات محتجا بأن له ولاية الصلاة في الفرائض ، ففي الجنائز أولى ، وهو مناف لإطلاق ولاية الأولى بالميراث بلا مقتض بعد وضوح منع الملازمة المزبورة ، بل هو مناف للضرورة إن أريد بالخلفاء ما يشمل المجتهدين في هذا الزمان ، بل عن التذكرة « أن الولي أولى من الوالي عند علمائنا » لكن في الذكرى « إن أراد : أي الفاضل توقفه على تقديمه وإن كان تقديمه مستحبا فحسن ، وإن أراد نفي استحباب تقديمه فظاهر الخبر : أي خبر السكوني يدفعه » قلت : قد عرفت ما في الخبر المزبور لكن لا بأس به بعد التسامح وفرض كون الوالي جامعا لشرائط الإمامة ، والله أعلم.

والهاشمي أولى من غيره إن قدمه الولي وكان بشرائط الإمامة بلا خلاف أجده فيه ، بل حكى الشهرة عليه غير واحد ، بل عن المعتبر والتذكرة ونهاية الأحكام الإجماع عليه لكن بمعنى أنه ينبغي للولي تقديمه ، فالإجماع المزبور كاف حينئذ في ثبوته فلا يقدح حينئذ عدم استثبات الشهيد في الذكرى‌ للمرسل النبوي « قدموا قريشا ولا تقدموها » في رواياتنا ، مع أنه أعم من المدعي ، وربما كان من ترويجات السقيفة ، نعم ما عن المفيد من وجوب التقديم في غاية البعد لعدم الدليل ، ولولا أن المحكي من‌

٢٣

عبارته يأبى الحمل على الامام لكان المتجه حمله عليه ، ويمكن أن يريد تأكد الندب ، والمحكي عن فقه الرضا عليه‌السلام الذي هو عين المحكي عن رسالة علي بن بابويه لو قلنا بحجيته لا دلالة فيه على الوجوب ، قال : « واعلم أن أولى الناس بالصلاة على الميت الولي أو من قدمه الولي ، فإن كان في القوم رجل من بني هاشم فهو أحق بالصلاة إذ قدمه الولي ، فإن تقدم من غير أن يقدمه الولي فهو غاصب » اللهم إلا أن يدعى ظهوره في إرادة وجوب تقديم الولي إياه كما سمعته من كشف اللثام في خبر السكوني ، ويؤيده أنه لا معنى لاشتراط الأحقية بتقديم الولي ، إذ لا فرق بينه وبين غيره في ذلك ، فلا بد حينئذ من جعل الشرط مستأنفا ويقدر له جزاء ، لكن كفانا مؤنة ذلك عدم حجية الكتاب المزبور مع مخالفته هنا للمشهور ، فتأمل.

وكيف كان فالمراد هنا ثبوت أصل الترجيح بالهاشمية لا رجحانها على سائر المرجحات ، وتخصيص المصنف هنا بالذكر لها لعله لخلاف المفيد ، أو لإرادة بيان ترجيحها في غير الأولياء ، لكن يبعد الأخير ظهور الفتاوى ومعاقد الإجماعات في عدم الفرق في الترجيح بها بين الأولياء وبين غيرهم ، كما أن الظاهر عدم اختصاص تلك المرجحات السابقة في الأولياء كما عرفت ، هذا ، وفي الذكرى « قال ابن الجنيد : ومن لا أحد له فالأقعد نسبا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الحاضرين أولى به » وهو إنما يقتضي ثبوت الولاية مع عدم الولي ، ويقتضي تقديم الأقرب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فالأقرب ، ولعله إكرام لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكلما كان القرب منه أكثر كان أدخل في استحقاق الإكرام » قلت : يمكن أن لا يكون مخالفا فيما نحن فيه من ترجيح تقديم الهاشمي على غيره ، إذ هو أمر غير الولاية ، وفيه حينئذ أنه مناف لما سمعته من ترتب الولاية على طبقات الإرث ، فلا بد من انتهائه إلى الامام عليه‌السلام ،

٢٤

ويأتي البحث السابق فيما لو غاب الولي ، والله أعلم.

ويجوز أن تؤم المرأة النساء بلا خلاف أجده فيه ، بل في التحرير الإجماع عليه ، وقال زرارة (١) في الصحيح لأبي جعفر عليه‌السلام : « المرأة تؤم النساء قال : لا إلا على الميت إذا لم يكن أحد أولى منها ، تقوم وسطهن معهن في الصف فتكبر ويكبرن » وسأله عليه‌السلام الصيقل (٢) في خبره أيضا « كيف تصلي النساء على الجنازة إذا لم يكن معهن رجل؟ قال : يصففن جميعا ولا تتقدمهن امرأة ، يقمن جميعا في صف واحد ولا تتقدمهن امرأة ، قيل ففي صلاة مكتوبة أيؤم بعضهن بعضا؟ قال : نعم » وقال الباقر عليه‌السلام في خبر جابر (٣) : « إذا لم يحضر الرجل تقدمت امرأة وسطهن وقام النساء عن يمينها وشمالها وهي وسطهن تكبر حتى تفرغ من الصلاة » وظاهر الجميع وجوب القيام وسط الصف ، بل في كشف اللثام أنه ظاهر الأكثر لظاهر الأخبار ، لكن قال المصنف هنا ويكره أن تبرز عنهن بل تقف في صفهن واقتصر في الكشف على نقل خلافه ، وكأنه حمل النص والفتوى على ذلك ولا بأس به.

وكيف كان فظاهر النص والفتوى ومعقد الإجماع عدم اشتراط صلاتهن بعدم الرجال ، بل يجزي ذلك منهن عنهم كما هو مقتضى الوجوب الكفائي الشامل للرجال والنساء والخنائي ، فما عساه يحكى عن ظاهر السرائر من اشتراط صلاتهن بعدم الرجال في غير محله ، مع أنه يمكن إرجاعه إلى الأصحاب وكذا الرجال العراة في الائتمام وعدم البروز عن الصف بل يقف معهم كالمرأة بلا خلاف ، بل في جامع المقاصد وفوائد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١ من كتاب الطهارة.

(٢) ذكر صدره في الوسائل في الباب ٢٥ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٣ وذيله في الباب ٢٠ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٤ من كتاب الطهارة.

٢٥

الشرائع نسبته إلى الشيخ والأصحاب ، لكن قال في الأخير مع أنهم صرحوا بأن العراة يجلسون في اليومية وكأنه بناء على أن الستر ليس شرطا في صلاة الجنازة ونحن نشترطه أو للفرق بينها وبين اليومية بالاحتياج إلى الركوع والسجود هناك بخلافه هنا ، وليس بشي‌ء لوجوب الإيماء ، والمتجه فعلها من جلوس واستحباب عدم التقدم بحاله ، وفيه أنه مخالف لظاهر الأكثر ، بل صريح التذكرة والذكرى والمحكي عن المعتبر وغيره ، بل ظاهرهم عدم الفرق في ذلك بين أمن المطلع وعدمه ، وإن كان قد يشكل بأنه كما يجب القيام في هذه الصلاة يجب حفظ العورة عن النظر ، بل هو أهم بالمراعاة ، ويمكن حمل كلامهم هنا على الأول ، وأمن بعضهم من بعض حاصل بوقوف الامام معهم في الصف ، فكل منهم مستتر بالآخر ، وعدم وجوب مثله في الفريضة إن قلنا به فللنص (١) ولأن القيام في هذه الصلاة من أركانها بخلافه في الفريضة ، وظاهر الوسيلة وجوب وضع اليد على السوأة ، قال : « يقف الإمام في وسطهم واضعين ( واضع خ ل ) أيديهم على سوآتهم » ولم أجده لغيره ، لكن لا بأس به لو توقف الحفظ عن النظر عليه ، كما أنه لا بأس بما هو ظاهر الأكثر من وجوب وقوف الإمام في الصف ، بل لا أجد تصريحا بخلافه من غير المصنف ، إذا المحقق الثاني وإن صرح بالندب إلا أنه صرح بالجلوس كما عرفت ، إلا أنه ومع ذلك فالقول بالندب غير بعيد الإرادة من إطلاق الفتاوى إذا لم يتوقف عليه التحفظ عن النظر ، ولعل إطلاق المصنف الجواز بناء على عدم توقفه غالبا ، لأن دبره مع بروزه مستور بالأليتين ، وقبله بالتقدم ، كما أن إطلاق الأصحاب الوقوف في الصف مبني على قبح النظر إلى صورة الأليتين ، بل لا يبعد جعل المدار في القيام أيضا على التمكن من التحفظ عن النظر وعدمه ، فيجب في الأول والجلوس في الثاني ، بل يصلون حينئذ من جلوس إن كانوا جميعا كذلك ، وإلا صلى كل منهم بحسب تمكنه بناء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب لباس المصلى من كتاب الصلاة.

٢٦

على مشروعية الصلاة للعاجز مع القادر ، لكن لا يأتم القائم بالقاعد كما في اليومية ، وإن كان في إقامة الدليل عليه بناء على عدم اندراج مثل هذه الصلاة في الإطلاق إشكال قد يدفعه أنه وإن قلنا بعدم اندراجها في إطلاق الصلاة لكن لا ريب في اندراج ائتمامها في إطلاق الائتمام ، فيعتبر فيه حينئذ ما اعتبر فيه في غيرها إذا كان دليل الاعتبار ظاهرا في الائتمام ، من حيث هو لا الائتمام بخصوص الفريضة مثلا ، فما في كشف الأستاذ ـ من أن في اشتراط القيام لو أم قائمين مع عجزه عن القيام ، وطهارته بالماء لو أم متطهرين به ، وعدم ارتفاع مقامه بما يعتد به على المأمومين وجهين ، أقواهما العدم ـ لا يخلو من نظر فيما عدا الوسط الذي يقوى عدم اعتباره في الفريضة فضلا عن هذه الصلاة ، وربما تسمع لذلك تتمة ، كما أنه بملاحظة ما سلف لنا في صلاة العاري يحصل ما له نفع تام في المقام ، فلاحظ وتأمل.

ثم إن الظاهر جريان البحث في ائتمام المستورين بالعاري ، فيستحب أو يجب الوقوف معهم في الصف ، والله أعلم.

وكيف كان فـ ( غيرهما ) من الأئمة : أي العاري والامرأة يبرز أمام الصف ولو كان المؤتم واحدا بلا خلاف أجده فيه ، بخلاف المكتوبة لخبر اليسع بن عبد الله القمي (١) سأل أبا عبد الله عليه‌السلام « عن الرجل يصلي على الجنازة وحده قال : نعم ، قلت : فاثنان قال : نعم ولكن يقوم الآخر خلف الآخر ولا يقوم بجنبه » ولا صراحة فيه بخصوص الائتمام ، فيمكن ثبوت الحكم في الانفراد أيضا ، إلا أني لم أجد نصا من أحد من الأصحاب عليه ، والظاهر إرادة الندب من إطلاق النص والفتوى ، بل مقتضى النهي في الأول منهما الكراهة ، وهو مما يؤيد إرادتهم من نحو ذلك فيما تقدم الندب أيضا ، إذ احتمال الوجوب هنا بعيد.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١ من كتاب الطهارة.

٢٧

وعلى كل حال فـ ( إذا اقتدى النساء بالرجل وقفن خلفه ) بالأولى لمطلوبية الستر ، ولأن الجنازة أولى من المكتوبة التي ينبغي تأخرهن عنه فيها وإن كان وراءه رجال وقفن خلفهم بلا خلاف ، بل في المدارك لا ريب فيه لتأخر رتبتهن ، ولأنه أبلغ في الستر وأبعد عن الافتتان بهن والاشتغال بتصورهن ، وفي‌ خبر السكوني (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خير الصفوف في الصلاة المقدم ، وخير الصفوف في الجنائز المؤخر ، قيل : يا رسول الله ولم؟ قال : صار سترة للنساء » واليه أشار في الفقيه فقال : وأفضل المواضع في الصلاة على الميت الصف الأخير ، والعلة في ذلك أن النساء كن يختلطن بالرجال في الصلاة على الميت الصف الأخير ، والعلة في ذلك أن النساء كن يختلطن بالرجال في الصلاة على الجنائز فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أفضل المواضع في الصلاة على الميت الصف الأخير فتأخرن إلى الصف الأخير فبقي فضله على ما ذكره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومراده كما في وافي الكاشاني « أن النساء إنما يختلطن بالرجال في الجنائز طلبا لفضل الصف المتقدم من صفوفهن المتأخرة ، فيقفن خلف الرجال متصلات بهم ، فنهين عن ذلك بتفضيل الصف الأخير من صفوفهن على الأول منها ، وأما في الصلوات المكتوبة فللزوم تأخرهن عنهم هنالك بمقدار مساقط أجسامهن أو أكثر لم يحصل الاختلاط المحذور منه ، وأما طلب الرجال التأخر بعد شرعيته هنا فلا مفسدة فيه ، لأنهن كن خلفهم لا يرونهن ، وأما تقدمهم على النساء في الصلاتين فكان من الأمور المعهودة عندهم ، وكانوا يعلمون ذلك ، وإنما كان فضيلة تأخرهم بالإضافة إلى أنفسهم دون النساء ، لتقدم الرجال على النساء على كل حال ، إذا عرفت هذا فمعنى‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « صار سترة للنساء » أن الصف المتأخر أنما فضل على المتقدم لتطلب النساء التأخر فالتأخر ، فيكون أبعد من الرجال ، فيكن مستورات عنهم بصفوفهن المتقدمة ، ثم لما شرع لهذه المصلحة بقي حكمه إلى يوم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١ من كتاب الطهارة.

٢٨

القيامة وإن لم يكن مع الرجال امرأة ، مع أن فيه منع الناس عن الازدحام ، قيل : ويحتمل أن يكون المراد بالصفوف في الحديث صفوف الجنائز لا المصلين ، فان كل صف من الجنائز أقرب إلى المصلي فهو المؤخر وهو الأفضل ، قلت ، وحينئذ يشكل التعليل » انتهى.

قلت : بل يشكل الدليل حينئذ على ما ذكره غير واحد من الأصحاب ، بل ظاهرهم الاتفاق عليه من فضل الصف الأخير في صلاة الجنازة عكس اليومية ، إذ لم نقف على غير الخبر المزبور ، لكن ومع ذلك عن المجلسي الجزم بالاحتمال المزبور ، بل بالغ في الإنكار على الأصحاب في فهم الخبر المذكور على غير ذلك ، قال : « والذي يفهم من الرواية وهو الظاهر منها لفظا ومعنى أن المراد بالصفوف في الصلاة صفوف جميع الصلوات الشاملة لصلاة الجنازة وغيرها ، والمراد بصفوف الجنائز إنما هو الجنائز المختلفة إذا وضعت بين يدي الإمام للصلاة عليها ، وأن المراد خير الصفوف في الصلاة الصف المتقدم : أي ما كان أقرب إلى القبلة ، وخير الصفوف في الجنائز المؤخر : أي ما كان أبعد عن القبلة وأقرب إلى الامام ، ولما كان الأشرف في جميع المواضع متعلقا بالرجال صار كل من الحكمين سببا لسترة النساء ، لأن تأخرهن في الصفوف سترة لهن ، وتأخر جنائزهن لكونه سببا لبعدهن عن الرجال المصلين سترة لهن ، فاستقام التعليل في الخبرين وسلم الكلام عن ارتكاب الحذف والمجاز ، وصار الحكم مطابقا لما دلت عليه الأخبار ، والعجب من الأصحاب كيف غفلوا عن هذا الاحتمال الظاهر وذهبوا إلى ما يحتاج إلى تلك التكلفات البعيدة الركيكة ، فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين » واستجوده في الحدائق لكن قال : إن دليل الأصحاب لا ينحصر في الخبر المزبور ، فيمكن أن يكون نص لم يصل إلينا كما في كثير من الأحكام ، بل التعليل المزبور من الفقيه كالصريح في وصول نص اليه كما لا يخفى على الممارس العارف بطريقته ، مضافا إلى ما‌ في فقه الرضا‌

٢٩

عليه‌السلام « وأفضل المواضع في الصلاة على الميت الصف الأخير ». (١) قلت : على أنه قد يقال بعدم حسن التعليل في الخبر المزبور إلا على ما ذكره الأصحاب ، ضرورة عدم الاحتياج للسترة في الصلاة على المرأة حتى يكون الصف المؤخر من جنائز الرجال سترة بين المصلي وبين جنائز النساء الذي هو المقدم ، بخلافه على ما عند الأصحاب ، إذ المراد أنه صار فضل التأخر سببا لستر النساء وعدم تقدمهن على الرجال أو محاذاتهن ، كما هو واضح بأدنى نظر ، فتأمل ، وكيف كان فلا ريب في تأخر النساء عن الرجال إلا أن الظاهر كون ذلك على الندب ، لإطلاق الأدلة وانسباق ثبوت ذلك فيها تشبيها لها بالصلاة ، أو أنها منها ، وقد عرفت عدم وجوب ذلك في الفريضة ، فهي أولى عند التأمل.

وعلى كل حال فـ ( ـان كان فيهن حائض انفردت عن صفهن استحبابا ) كما صرح به جماعة وإن كان ظاهر النصوص الوجوب كبعض الفتاوى ، قال محمد بن مسلم (٢) في الصحيح : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحائض تصلي على الجنازة قال : نعم ، ولا تصف معهم وتقف مفردة » وسأله عليه‌السلام سماعة (٣) أيضا « عن المرأة الطامث إذا حضرت الجنازة فقال : تتيمم وتصلي عليها وتقوم وحدها بارزة من الصف » والبصري (٤) « تصلي الحائض على الجنازة فقال : نعم ، ولا تصف معهم وتقوم مفردة » ومرسل ابن المغيرة (٥) عن رجل أنه سأله عليه‌السلام أيضا « عن الحائض تصلي على الجنازة فقال : نعم ولا تقف معهم » كقول الباقر عليه‌السلام في خبر ابن مسلم (٦) أيضا : « ان الحائض تصلي على الجنازة ولا تصف معهم » إلى غير‌

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام ص ١٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة الحديث ١ من كتاب الطهارة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة الحديث ٥ من كتاب الطهارة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة الحديث ٣ من كتاب الطهارة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة الحديث ٤ من كتاب الطهارة.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة الحديث ١ من كتاب الطهارة.

٣٠

ذلك ، لكن حمل الأمر والنهي فيها على الندب والكراهة لأنه المناسق له لقوة الإطلاق والحكم بندبية التأخر لغيرها غير بعيد ، كما أن المنساق من النصوص المزبورة إرادة انفرادها بصف عن النساء والرجال ، بل هو مقتضى إطلاق خبر سماعة لا خصوص الأخير وإن كان هو المذكور في كثير منها باعتبار تذكير الضمير ، لكنه لا ينافي الانسياق فضلا عن الإطلاق ، فما عن الذكرى ـ من أن في انفراد الحائض هنا نظرا من‌ قول الصادق عليه‌السلام : « لا تقف معهم تقف منفردة » وان الضمير يدل على الرجال ، وإطلاق الانفراد يشمل النساء ـ في غير محله ، خصوصا بعد فهم الأصحاب ، إذ لم أجد فيه خلافا من أحد ، ثم لا يخفى أن الأمر بالتيمم في موثق سماعة لا لتحصيل الطهارة ، ضرورة عدم إمكان حصولها قبل انقطاع الدم ، بل المراد استحباب الصورة ولا بأس به ، والله أعلم.

القسم الثالث في كيفية الصلاة وهي‌ على المؤمن خمس تكبيرات بلا خلاف أجده فيه بيننا ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منهما مستفيض أو متواتر كالنصوص منها المشتمل على بيان الوجه في ذلك أنه أخذ من كل من الخمس صلوات تكبيرة (١) أو من كل من الخمس فرائض : الصوم والصلاة والزكاة والحج والولاية تكبيرة (٢) ولعله لذا ترك العامة أحدها لعدم النصيب لهم في الأخيرة ، وبالجملة كون الصلاة عندنا خمسا كالضروري من المذهب ، بل يعرفه المخالف منا فضلا عن الموافق ، بل عن بعض العامة أنهم تركوه لأنه من شعار الشيعة ، قال في المحكي عن حواشي الشهيد : إن محمد بن علي بن عمران التميمي المالكي قال في كتابه الموسوم بفوائد مسلم : إن زيدا كبر خمسا وإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان كذلك يكبرها ولكن ترك هذا المذهب لأنه صار علما على القول بالرفض ، قلت : ومن هنا تركوا الحق في أصول الدين‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة الجنازة من كتاب الطهارة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة الجنازة من كتاب الطهارة.

٣١

وفروعه ، لأنه علم على الرفض ، وتكبير علي عليه‌السلام على سهل بن حنيف خمسا وعشرين تكبيرة كأنه تكرير للصلاة خمس مرات كما صرحت به‌ النصوص (١) وأنه عليه‌السلام كلما صلى ومشى به جاء جماعة فقالوا : لم ندرك الصلاة عليه فأنزله وأعاد الصلاة حتى انتهى به إلى قبره ، بل‌ عنه عليه‌السلام (٢) أنه قال : « لو كبرت عليه سبعين تكبيرة لكان أهلا » وفي آخر (٣) عن الصادق عليه‌السلام « أنه صلى عليه‌السلام خمسا لأن له خمس مناقب ، فصلى عليه لكل منقبة صلاة » وأشار فيه إلى أربعة منها ، هي أنه بدري أحدي من النقباء الذين اختارهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الاثنى عشر نقيبا ، عقبي أي أحد الستة الذين لاقاهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عقبة المدنيين وأخذ البيعة عنهم ، وترك ذكر الخامسة ، ولعلها الولاية لأمير المؤمنين عليه‌السلام لأنه من السابقين الذين رجعوا اليه عليه‌السلام ، بل منه يعلم ندب تكرير الصلاة لأهل الشرف والفضل كما ستعرف.

ومن ذلك يظهر الوجه في تكبير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على فاطمة بنت أسد أربعين (٤) وعلى عمه حمزة سبعين (٥) وان المراد صلاته أربعة عشر صلاة ، وقول الباقر عليه‌السلام في خبر زرارة (٦) : « أنه صلى عليه سبعين صلاة » يمكن حمله على إرادة الدعاء له سبعين مرة أي دعا له بعد كل تكبيرة ، فيتحد حينئذ مع الخبر الأول ، وعلى كل حال فليس المراد سبعين تكبيرة لصلاة واحدة ، بل‌ عن صحيفة الرضا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١ و ٥ و ٢١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١٢ من كتاب الطهارة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٨.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٥ و ٧ من كتاب الطهارة.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٦.

٣٢

عليه‌السلام (١) بإسناده إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : « رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كبر على عمه حمزة خمس تكبيرات ، وكبر على الشهداء بعده خمس تكبيرات ، فلحق حمزة سبعين تكبيرة ».

نعم في‌ خبر عقبة (٢) سأل جعفر عليه‌السلام « عن التكبير على الجنائز فقال : ذاك إلى أهل الميت ما شاءوا كبروا ، فقيل : إنهم يكبرون أربعا فقال : ذاك إليهم ». وفي‌ خبر جابر (٣) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن التكبير على الجنازة هل فيه شي‌ء موقت؟ فقال : لا ، كبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إحدى عشر وتسعا وسبعا وخمسا وستا وأربعا » ولا ريب في شذوذه ، وفي كشف اللثام أنه يجوز أن يكون بحضور جنازة أخرى أو جنازات أخر في أثناء الصلاة والاستئناف عليهما ، ويجوز خروج الزائد عن الصلاة ، ويجوز أن يراد بالتكبير الصلاة ، ويراد تكريرها ستا وسبعا فصاعدا ، ويجوز كون تكبيرات الامام والمأموم اللاحق بأجمعها ستا أو سبعا أو تسعا.

قلت : لا يقدح بعد ذلك أو بعضه بعد ما عرفت من الشذوذ ومخالفة الإجماع أو الضرورة فضلا عن المستفيض أو المتواتر من النصوص (٤) التي منها يعلم البطلان لو قصد من أول الأمر التقرب بالزائد أو الناقص على وجه التشريع وإن لم يفعل ما نواه أما لو زاد عمدا بعد نية التمام فقد قيل بعدم البطلان ، لوقوعه البتة في الخارج فلا تبطل ، وقد يشكل أولا بما عن جامع المقاصد مما إذا زاد عند بعض الأدعية تكبيرتين فإنه حينئذ ليس خارجا عن الصلاة ، وثانيا بأنه مع قصد الزيادة بما يأتي به دون التي هي من الصلاة لا تقع منها ، نعم لو زاد سهوا يمكن عدم البطلان وإن كان عند بعض الأدعية ،

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١٧ من كتاب الطهارة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة الجنازة من كتاب الطهارة.

٣٣

لعدم ثبوت حكم الركنية هنا ، ودعوى أنها الأصل يمكن منعها ، خصوصا بعد إمكان فتح قاعدة السهو التي منها يمكن القول بالصحة مع النقصان كذلك إذا لم يذكره إلا بعد انمحاء الصورة ، خلافا لبعضهم فصرح بالبطلان به إذا كان على وجه لا يمكن التدارك ، وفيه بحث يعلم من المباحث السابقة ، والله أعلم.

وكيف كان فـ ( الدعاء ) خاصة أو الشامل للشهادتين بينهن أي التكبيرات غير لازم عند المصنف خاصة هنا ، قيل : وظاهر النافع والمعتبر ، للأصل والإطلاق المقطوعين بما ستعرف إذا فرض كون الثاني منهما مساقا لنحو ذلك ، واختلاف النصوص الذي هو في خصوص بعض الكيفيات ، خلافا لمن عداه من الأصحاب فيجب ، بل لعله في النافع والمعتبر كذلك ، قال في الأول : « هي خمس تكبيرات بينها أربعة أدعية ولا يتعين ، وأفضله أن يكبر » إلى آخر ما في الكتاب مع زيادة الانصراف بالخامسة مستغفرا ، ونحوه في ذلك كله في كشف اللثام عن المعتبر مع زيادة أنه مذهب علمائنا ، بل حسن الظن به في نقل ما ظاهره الإجماع يوجب إرادته عدم تعين دعاء مخصوص لا أصل الدعاء ، وإلا كان ذلك منه من الغرائب ، ضرورة كونه محصلا ومنقولا في ظاهر الخلاف وصريح الغنية على خلافه ، بل عن شرح الإرشاد لفخر الإسلام « الصلاة على النبي وآله عليهم‌السلام واجبة بإجماع الإمامية » وفي الذكرى « أن الأصحاب أجمعهم يذكرون ذلك في كيفية الصلاة كابني بابويه والجعفي والشيخين وأتباعهما وابن إدريس ، ولم يصرح أحد منهم بندب الأذكار ، والمذكور في بيان الواجب ظاهره الوجوب ».

قلت : مضافا إلى اشتراك جميع نصوص الكيفية فعلا وقولا بخلافه على اختلافها ففي‌ صحيح محمد بن مهاجر (١) عن أمه أم سلمة « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١.

٣٤

كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا صلى على ميت كبر فتشهد ، ثم كبر فصلى على الأنبياء ودعا ، ثم كبر ودعا للمؤمنين ، ثم كبر الرابعة ودعا للميت ، ثم كبر وانصرف فلما نهاه الله عز وجل عن الصلاة للمنافقين كبر فتشهد ، ثم كبر فصلى على النبيين ، ثم كبر ودعا للمؤمنين ، ثم كبر الرابعة وانصرف ، ولم يدع للميت » قيل : وأرسله في الفقيه ورواه في العلل مبدلا الأنبياء بالنبي ، وزائدا والمؤمنات ، وفي‌ خبر إسماعيل (١) عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على جنازة فكبر عليه خمسا ، وصلى على أخرى فكبر عليه أربعا فأما الذي كبر عليه خمسا فحمد الله ومجده في التكبيرة الأولى ، ودعا في الثانية للنبي (ص) ودعا في الثالثة للمؤمنين والمؤمنات ، ودعا في الرابعة للميت ، وانصرف في الخامسة ، وأما الذي كبر عليه أربعا فحمد الله ومجده في التكبيرة الأولى ، ودعا لنفسه وأهل بيته في الثانية ، ودعا للمؤمنين والمؤمنات في الثالثة ، وانصرف في الرابعة ، ولم يدع له لأنه كان منافقا ».

وقال أبو بصير (٢) في خبره : « كنت جالسا عند أبي عبد الله عليه‌السلام فدخل رجل فسأله عن التكبير على الجنائز فقال : خمس تكبيرات ، ثم دخل آخر فسأله عن الصلاة على الجنائز فقال له : أربع صلوات ، فقال الراوي : جعلت فداك سألك ذاك فقلت خمسا ، وسألك هذا فقلت : أربعا فقال : إنه سألني عن التكبير وسألني هذا عن الصلاة؟ ثم قال : إنها خمس تكبيرات بينهن أربع صلوات ثم بسط كفه فقال : إنهن خمس تكبيرات بينهن أربع صلوات ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١٢ من كتاب الطهارة.

٣٥

وخبر علي بن سويد (١) عن الرضا عليه‌السلام فيما يعلم قال : « في الصلاة على الجنائز تقرأ في الأولى أم الكتاب ، وفي الثانية تصلي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتدعو في الثالثة للمؤمنين والمؤمنات ، وتدعو في الرابعة لميتك ، والخامسة تنصرف بها » والقداح (٢) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام « إن عليا عليه‌السلام كان إذا صلى على ميت يقرأ بفاتحة الكتاب ويصلي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » وسأل زرارة (٣) في الصحيح أبا عبد الله عليه‌السلام « عن الصلاة على الميت فقال : تكبر ثم تصلي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم تقول : اللهم عبدك وابن عبدك ابن أمتك ، لا أعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به منا ، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وتقبل منه ، وإن كان مسيئا فاغفر له ذنبه ، وافسح له في قبره ، واجعله من رفقاء محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم تكبر الثانية وتقول : اللهم إن كان زاكيا فزكه ، وإن كان خاطئا فاغفر له ، ثم تكبر الثالثة وتقول : اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده ، ثم تكبر الرابعة وتقول : اللهم اكتبه عندك في عليين ، واخلف على عقبه في الغابرين ، واجعله من رفقاء محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم كبر الخامسة وانصرف ».

وسأله عليه‌السلام أيضا أبو ولاد (٤) في الصحيح أو الحسن « عن التكبير على الميت فقال : خمس ، تقول في أولاهن : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له اللهم صل على محمد وآل محمد ، ثم تقول : اللهم إن هذا المسجى قدامنا عبدك وابن عبدك وقد قبضت روحه إليك ، وقد احتاج إلى رحمتك ، وأنت غني عن عذابه ، اللهم إنا لا نعلم من ظاهره إلا خيرا وأنت أعلم بسريرته ، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٨ من كتاب الطهارة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٤ من كتاب الطهارة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٢ من كتاب الطهارة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٥ من كتاب الطهارة.

٣٦

وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته ، ثم تكبر الثانية وتفعل ذلك في كل تكبيرة » وقال هو عليه‌السلام أيضا للحلبي (١) « تكبر ثم تشهد ثم تقول : إنا لله وإنا إليه راجعون الحمد لله رب العالمين رب الموت والحياة صل على محمد وأهل بيته ، جزى الله محمدا عنا خير الجزاء بما صنع بأمته وبما بلغ من رسالات ربه ، ثم تقول : اللهم عبدك وابن عبدك وابن أمتك ، ناصيته بيدك ، خلا من الدنيا واحتاج إلى رحمتك ، وأنت غني عن عذابه اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به منا ، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه ، وتقبل منه ، وإن كان مسيئا فاغفر له ذنبه ، وارحمه وتجاوز عنه برحمتك ، اللهم ألحقه بنبيك صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وثبته بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة ، اللهم اسلك بنا وبه سبيل الهدى ، واهدنا وإياه صراطك المستقيم ، اللهم عفوك ، ثم تكبر الثانية وتقول : مثل ما قلت حتى تفرغ من خمس تكبيرات ».

وقال سماعة (٢) : « سألته عن الصلاة على الميت فقال : تكبر خمس تكبيرات ، تقول أول ما تكبر : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، اللهم صل على محمد وآل محمد وعلى الأئمة الهداة ، واغفر لنا ولوالدينا ولإخواننا الذين سبقونا بالايمان ، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ، ربنا إنك رؤوف رحيم اللهم اغفر لأحيائنا وأمواتنا من المؤمنين والمؤمنات ، وألف بين قلوبنا على قلوب أخيارنا واهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ، فان قطع عليك التكبيرة الثانية فلا يضرك ، وتقول : اللهم هذا عبدك وابن عبدك وابن أمتك أنت أعلم به افتقر إلى رحمتك ، واستغنيت عنه ، اللهم فتجاوز عن سيئاته ، وزد في حسناته واغفر له وارحمه ونور له في قبره ولقنه حجته وألحقه بنبيه وآله ، ولا تحرمنا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٣ من كتاب الطهارة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٦.

٣٧

أجره ولا تفتنا بعده ، تقول هذا حتى تفرغ من خمس تكبيرات » وزاد في التهذيب « فإذا فرغت سلمت عن يمينك ».

وسأل عمار (١) أبا عبد الله عليه‌السلام في الموثق « سألته عليه‌السلام عن الصلاة على الميت فقال : تكبر ثم تقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، إن الله وملائكته يصلون على النبي ، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ، اللهم صل على محمد وآل محمد ، وبارك على محمد وآل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، اللهم صل على محمد وعلى أئمة المسلمين ، اللهم صل على محمد وعلى إمام المسلمين اللهم عبدك فلان وأنت أعلم به ، اللهم ألحقه بنبيه محمد وآله ( صلوات الله عليهم ) ، وافسح له في قبره ونور له فيه وصعد روحه ولقنه حجته ، واجعل ما عندك خيرا له ، وأرجعه إلى خير ما كان فيه ، اللهم عندك نحتسبه فلا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده ، اللهم عفوك عفوك ، اللهم عفوك عفوك ، تقول هذا في التكبيرة الأولى ، ثم تكبر الثانية فتقول : اللهم عبدك فلان ، اللهم ألحقه بنبيه محمد وآله وسلم وافسح له في قبره ونور له فيه وصعد نوره ولقنه حجته ، واجعل ما عندك خيرا له ، وأرجعه إلى خير مما كان فيه ، اللهم عندك نحتسبه فلا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده ، اللهم عفوك ، اللهم عفوك ، تقول هذا في الثانية والثالثة والرابعة ، فإذا كبرت الخامسة فقل : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات ، وألف بين قلوبهم ، وتوفني على ملة رسولك ، اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالايمان ، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ، ربنا إنك رؤوف رحيم ، اللهم عفوك عفوك وتسلم ».

وقال عليه‌السلام أيضا في خبر يونس (٢) : « الصلاة على الجنائز التكبيرة الأولى استفتاح الصلاة ، والثانية تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١٠.

٣٨

والثالثة الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى أهل بيته عليهم‌السلام والثناء على الله ، والرابعة له ، والخامسة تسلم وتقف بقدر ما بين التكبيرتين ، ولا تبرح حتى يحمل السرير من بين يديه » مضافا إلى نصوص (١) المستضعف والمنافق وغيرها مما تضمن أنها هي تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل.

وبالجملة لا ريب في إمكان دعوى تواتر الأخبار بوجوب الزائد على التكبيرات بل قد يدعى تواترها في الدعاء فيها للميت أيضا ، وقول الباقر عليه‌السلام في حسن زرارة ومحمد بن مسلم ومعمر بن يحيى وإسماعيل الجعفي (٢) : « ليس في الصلاة قراءة ولا دعاء موقت تدعو بما بذالك ، وأحق الموتى أن يدعى له المؤمن ، وأن يبدأ بالصلاة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » محمول على نفي الدعاء المعين له الذي حكى في المنتهى إجماع أهل العلم عليه ، وأشار إليه المصنف بقوله ولو قلنا بوجوبه لم نوجب لفظا على التعيين لا أصله ، بل قوله عليه‌السلام : « تدعوا » إلى آخره. ظاهر في ذلك ، قال في الذكرى بعد أن روى الخبر المزبور : « نحن لا نوقت لفظا بعينه ، بل نوجب مدلول ما اشتركت فيه الروايات بأي عبارة كانت » فما عساه يظهر من بعض متأخري المتأخرين ـ من أنه إنما يجب فيها الدعاء للميت أو لغيره كالمحكي عن ابن الجنيد ليس في الدعاء بين التكبيرات شي‌ء موقت لا يجوز غيره ـ واضح الضعف ، كاحتمال وجوب الذكر فيه وإن لم يكن دعاء ، لقول الصادق عليه‌السلام (٣) : « نعم إنما هو تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل كما تكبر وتسبح في بيتك على غير وضوء » جواب سؤال يونس بن يعقوب له عن الصلاة على الجنازة على غير وضوء الذي هو قرينة على كون المراد نفي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ و ٤ ـ من أبواب صلاة الجنازة من كتاب الطهارة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١ من كتاب الطهارة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٣ من كتاب الطهارة.

٣٩

كونها ذات الركوع والسجود التي يعتبر فيها الوضوء ، لا أن المراد بيان جميع ما يقال فيها.

فظهر أن ذلك كله لا ينافي ما ذهب إليه جماعة من الأصحاب ، بل في الذكرى والمحكي عن المختلف وجامع المقاصد وغيرهما نسبته إلى الشهرة من وجوب الشهادتين في التكبيرة الأولى ، والصلاة على محمد وآله في الثانية ، والدعاء للمؤمنين في الثالثة ، والدعاء للميت في الرابعة ، وهو الذي جعله المصنف أفضل ، فقال وأفضل ما يقال‌ ما رواه محمد بن مهاجر (١) عن أمه أم سلمة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا صلى على ميت كبر وتشهد ثم كبر وصلى على الأنبياء ودعا ثم كبر ودعا للمؤمنين ثم كبر الرابعة ودعا للميت ثم كبر وانصرف‌ وفيه أن دليل التأسي بفعله المروي فيه وفي‌ خبر إسماعيل (٢) أيضا بعد حمل الحمد والتمجيد فيه على الشهادة في غيره يقضي بوجوب التوزيع الذي قد عرفت موافقته للمعلوم من نظم الدعاء من الابتداء بثناء الله والصلاة على النبي ثانيا ، والدعاء للمؤمنين ثالثا ، وذكر المقصود رابعا ، وعرفت أيضا أنه المشهور بين الأصحاب ، بل في الخلاف الإجماع عليه ، قال : « يكبر أولا ويشهد الشهادتين ، ويكبر الثانية ويصلي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويكبر ثالثا ويدعو للمؤمنين ، ويكبر رابعا ويدعو للميت ، ويكبر الخامسة وينصرف ـ إلى أن قال ـ : دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم » ولعله كذلك أيضا ، إذ هو المذكور في الجمل والعقود والكافي والوسيلة والإشارة والجامع والغنية والتحرير والإرشاد والقواعد والدروس والبيان واللمعة والذكرى والموجز وفوائد الشرائع وحاشية الإرشاد والجعفرية وشرحيها والروض والكفاية والمنظومة وغيرها والفقيه والمقنع والهداية‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١ من كتاب الطهارة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٩ من كتاب الطهارة.

٤٠