جواهر الكلام - ج ١٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

على الثنتين ، بل ربما يظهر من‌ صحيح ابن الريان (١) الذي أفتى بمضمونه الشهيدان أنه لا ينبغي الفصل بين أداء الأربع بزمان ونحوه اختيارا ، قال : « كتبت إلى الماضي الأخير عليه‌السلام أسأله عن رجل صلى صلاة جعفر ركعتين ثم تعجله عن الركعتين الأخيرتين حاجة أو يقطع ذلك بحادث يحدث أيجوز له أن يتمها إذا فرغ من حاجته وإن قام عن مجلسه أم لا يحتسب بذلك إلا أن يستأنف الصلاة ، ويصلي الأربع ركعات كلها في مقام واحد؟ فكتب بلى إن قطعه عن ذلك أمر لا بد منه له فليقطع ثم ليرجع فليبن على ما بقي منها إن شاء الله » بل هو ظاهر في معاملتها معاملة الفريضة الرباعية التي هي بتسليمة واحدة ، قال في مصابيح الظلام فيما حكي عنه : « يأتي بالأخيرتين بعد زوال العذر بلا فصل احتياطا ، كما أن الفصل بين الأربع لا يفصل من غير عذر احتياطا للخبر المزبور » إلى آخره ، ولا ريب في أنه أحوط وإن كان الجزم به لا يخلو من نظر ، خصوصا بعد ما ورد من قصر الكيفية للمستعجل التي قد يدعى أولويتها من الكمية ، قال الصادق عليه‌السلام في خبر أبان (٢) : « من كان مستعجلا يصلي صلاة جعفر عليه‌السلام مجردة ثم يقضي التسبيح وهو ذاهب في حوائجه » وقال في‌ خبر أبي بصير (٣) أيضا : « إذا كنت مستعجلا فصل صلاة جعفر مجردة ثم اقض التسبيح » ولا بأس به بعد ورود الدليل به وفتوى مثل الشهيدين به في الدروس والذكرى والنقلية والروض وغيرها ، كما أنه لا بأس بصلاتها في المحمل في السفر كما نص عليه في الذكرى وغيرها ، وقد‌ كتب علي بن سليمان (٤) في الصحيح إلى الرجل عليه‌السلام يسأله « ما تقول في صلاة التسبح في المحمل؟ فكتب إذا كنت مسافرا فصل » بل لا يبعد أنها على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة جعفر (ع) ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب صلاة جعفر (ع) ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب صلاة جعفر (ع) ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة جعفر (ع) ـ الحديث ٤.

٢٠١

طريقة سائر النوافل ، فيجري حينئذ فيها ما يجري فيها ، لكن عن مصابيح الأستاذ الأكبر أن الأولى والأحوط العمل بالصحيحة ، وبما يظهر من الشهيد من الاقتصار على المحمل للمسافر.

وكيف كان فكيفيتها أن يقرأ في الأولى الحمد مرة اتفاقا ونصوصا وإذا زلزلت مرة وفي الثانية العاديات وفي الثالثة إذا جاء وفي الرابعة قل هو الله أحد وفاقا للمشهور بين الأصحاب وتحصيلا ، بل لا أجد فيه خلافا سوى ما في الفقيه من قوله بعد أن ذكر ما سمعت : « وإن شئت صليت كلها بالحمد والإخلاص » بل عن مقنعه أنه يقرأ بعد الحمد الإخلاص في الجميع ، وجعل المشهور رواية ، بل عنه في الهداية « أنه يقرأ في الأولى العاديات ، وفي الثانية الزلزلة ، وفي الثالثة النصر ، وفي الرابعة التوحيد » قيل : وهو المنقول عن رسالة أبيه ، بل والموجود في فقه الرضا عليه‌السلام (١) وسوى ما عن صاحب الشافية من اختياره ما في‌ خبر أبي البلاد (٢) عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : « قلت له : أي شي‌ء أقرأ فيها؟ وقلت : أعترض القرآن قال : لا ، اقرأ فيها إذا زلزلت وإذا جاء نصر الله وإنا أنزلناه وقل هو الله أحد » وما عن مجمع البرهان من التخيير ، وما عن الحسن بن عيسى من قراءة الزلزلة في الأولى ، والنصر في الثانية ، والعاديات في الثالثة ، والتوحيد في الرابعة ، ولا دليل على رخصة الفقيه بالخصوص فضلا عما سمعته عن مقنعه سوى ما في الروض والمسالك من أنه‌ في بعض الأخبار (٣) « إن شئت صليت كلها بالحمد وقل هو الله أحد » ولم نعثر عليه مسندا ، والتمسك لها أي الرخصة المذكورة بإطلاق الأمر بالقراءة في بعض النصوص وبسورة‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة جعفر (ع) ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة جعفر (ع) ـ الحديث ٢ لكن رواه عن ابن أبي البلاد.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة جعفر (ع) ـ الحديث ١.

٢٠٢

في آخر مع أنه لا ينبغي الاختصاص بالتوحيد ينافيه النهي في خبر أبي ولاد المزبور عن اعتراض القرآن فيها الذي هو بمعنى الوقوع فيه واختيار ما يشاء من السور ، وما في رواية ابن المغيرة (١) من أن الصادق عليه‌السلام قال : « اقرأ في صلاة جعفر عليه‌السلام بقل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون » ونحوه صحيح بسطام (٢) عنه عليه‌السلام أيضا مع أنا لم نجد من أفتى بمضمونهما لا اختصاص فيهما بالتوحيد ، وكذا لا دليل لما سمعته عن الحسن بن عيسى بالخصوص ، بل ولا ما في الهداية سوى ما سمعته عن فقه الرضا عليه‌السلام وأنه في رسالة علي بن بابويه التي هي مضامين النصوص ، وصاحب الشافية وإن اختار ما في خبر أبي ولاد لكنه أعرض عن خبر المفضل (٣) وخبر إبراهيم بن عبد الحميد (٤) عن أبي الحسن عليه‌السلام المعتضدين بما عرفت من الشهرة ، ونسبة الصدوق له في المقنع إلى الرواية ، بل ظاهره في الفقيه أن الفضل فيه وإن رخص بالتوحيد ، بل لو لا ما فيه من الإتيان بليلة القدر لأمكن إرجاعه إلى خبر المفضل ، ضرورة أنه بالواو التي هي لمطلق الجمع ، ومن ذلك يعرف ما في التخيير الذي اختاره المقدس الأردبيلي وإن كان هو أقرب من غيره ، بل كان ينبغي له ذكر ما في خبر ابن المغيرة والصحيح المزبور فردا آخر للتخيير ، ولا ريب أن الأولى على كل حال ما عليه المشهور وإن كان يقوى الجواز بجميع ذلك بل وبغيره ، للإطلاق مع حمل النهي المزبور على إرادة الإرشاد للأفضلية لا لعدم أصل الجواز ، والله أعلم.

ثم يقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمس عشرة مرة بلا خلاف أجده في هذا العدد ، بل وفي غيره مما تسمعه من الأعداد عدا ما ستعرفه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة جعفر (ع) ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة جعفر (ع) ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب نافلة شهر رمضان ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة جعفر (ع) ـ الحديث ٣.

٢٠٣

نصا وفتوى ، بل ولا في ترتيب الذكر نصا وفتوى أيضا سوى ما عن الفقيه من التخيير بينه وبين تقديم التكبير جمعا بين النصوص (١) المتضمنة للأول وبين خبر الثمالي (٢) المشتمل على تقديم التكبير ، ولا ريب أن الأول أحوط وأولى ، خصوصا بعد معروفية هذا الترتيب في الفريضة وفي قصر المجبورات ، بل ورد أنه المراد بالصالحات الباقيات ، وكذا لا أجد خلافا بين الأصحاب فيما يستفاد من لفظ « ثم » في المتن وغيره من تقديم القراءة على الذكر في سائر الركعات للنصوص (٣) أيضا عدا ما يحكى عن الفقيه أيضا والأردبيلي من جواز تقديمه عليها جمعا أيضا بين تلك النصوص وبين صحيح الثمالي المزبور أو خبره ، ولا ريب أن الأول أحوط وأولى.

ثم يركع ويقولها عشرا بلا خلاف أيضا نصا وفتوى ، لكن هل تكون عوض الذكر أو هي بعده؟ الأحوط الثاني ، بل قد يومي اليه عدم التصريح بالعوضية في نصوص المسألة ، بل قد يومي اليه زيادة على ذلك ما دل (٤) على قضاء الذكر بعد الصلاة للمستعجل ، إذ من المستبعد بل الممتنع تجرد الركوع هناك عن الذكر ، مع أن ظاهر هذين الخبرين تأخر التسبيح خاصة للاستعجال من دون مخالفة أخرى للكيفية ، ومعارضة ذلك باشتماله على ذكر العدد خاصة من غير تعرض لذكر الركوع مع قابلية هذا الذكر للبدلية يدفعها احتمال الاتكال على المعلومية ، كما يرشد اليه الاقتصار على العدد فيما هو من المعلوم عدم سقوطه به كالتشهد والاستغفار بين السجدتين والتكبير للركوع والسجود والرفع منهما والتسميع ونحو ذلك ، واحتمال الالتزام بسقوط ما عدا الأول أيضا مع أن الأول كاف في الإرشاد المزبور واضح المنع.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة جعفر (ع).

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة جعفر (ع) ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة جعفر (ع).

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب صلاة جعفر (ع).

٢٠٤

وهكذا يقولها عشرا بعد رفع رأسه من الركوع وفي سجوده وبعد رفعه وفي سجوده ثانيا وبعد الرفع منه ، فيكون في كل ركعة خمس وسبعون مرة وثلاثمائة في الأربع ركعات ، ومجموع الكلمات ألف ومائتا تكبيرة وتهليلة وتسبيحة وتحميدة كما نص على ذلك كله في‌ خبر أبي بصير (١) وغيره ، بل لا خلاف أجده في الفتاوى أيضا إلا ما يحكى عن ابن أبي عقيل من أنها خمس وستون في كل ركعة ، لأنه قال : « ثم يرفع رأسه من السجود وينهض قائما ويقول ذلك عشرا ثم يقرأ » وهو ـ مع أنه لا صراحة فيه بذلك ، لاحتمال عدم إسقاطه العدد بعد القراءة أيضا ، كما يومي اليه ما يحكى عنه من أنه وافق على إيقاع التسبيح بعد القراءة ، وإلا فمقتضاه حينئذ سبعون لا خمس وستون ـ لا دليل عليه ، بل صريح الأدلة خلافه ، كما أن صريح بعضها وظاهر آخر إيقاع العشرة بعد الرفع من السجدة الثانية وهو قاعد ، فما عساه يظهر منه من قوله ذلك بعد النهوض لا دليل عليه أيضا ، بل الدليل على خلافه ، ولعله يسقط الذكر بعد الرفع بجعل ما ذكره بعد النهوض ما يفعل بعد القراءة ، إلا أنه قدمه عليها لصحيح الثمالي أو خبره لا أنه الوظيفة بعد الرفع ، وإن كان ينافيه ما سمعته من المحكي عنه آنفا لكن لا ريب في ضعفه على كل حال ، ثم إنه من المعلوم وقوع التسبيح قبل التشهد في الثانية والرابعة كما صرح به صحيح الثمالي ، كما أنه من المعلوم أن للأربع ركعات قنوتين على حسب غيرها من النوافل ، وأنهما بعد التسبيح قبل الركوع ، وعن بعضهم نفي الخلاف فيه ، لكن يقال : إنه بعد الركوع في خبر (٢) مروي في احتجاج الطبرسي ، ولم يحضرني الكتاب المزبور ، إلا أن العمل على خلافه.

فاتضح من جميع ما ذكرنا تمام الكلام في كيفيتها وأنه يقرأ في الركعة الأولى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة جعفر (ع) ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب صلاة جعفر (ع) ـ الحديث ١.

٢٠٥

بعد الحمد إذا زلزلت ، وفي الثانية منها الحمد والعاديات ، وفي الثالثة الحمد وإذا جاء نصر الله والفتح ، وفي الرابعة الحمد وقل هو الله أحد ولا وقت موظف لهذه الصلاة بحيث لا يجوز في غيره للنصوص والفتاوى ، نعم قال في القواعد : « إن أفضل أوقاتها الجمع » ولعله‌ للتوقيع (١) من الناحية المقدسة في جواب سؤال الحميري في صلاة جعفر عليه‌السلام « أي أوقاتها أفضل؟ فوقع عليه‌السلام أفضل أوقاتها صدر النهار يوم الجمعة » بل لا يبعد شدة تأكدها في كل وقت شريف كشهر رمضان وليالي القدر منه وغير ذلك لما عرفت.

وفي‌ المروي (٢) عن عيون أخبار الرضا عليه‌السلام « انه كان يصلي في آخر الليل أربع ركعات بصلاة جعفر عليه‌السلام إلى أن قال : ويحتسبها في صلاة الليل » ولا بأس بالاحتساب المزبور بعد فتوى غير واحد من الأصحاب به ، بل ربما ادعى بعضهم الشهرة عليه ، بل في المصابيح نسبته إلى عامة المتأخرين بعد أن حكاه فيها عن الصدوق وابني حمزة وسعيد والعلامة والشهيد ، وبعد تظافر النصوص به ، منها ما سمعت ، ومنها‌ خبر أبي بصير (٣) عن الصادق عليه‌السلام « صل صلاة جعفر أي وقت شئت من ليل أو نهار ، وإن شئت حسبتها من نوافل الليل ، وإن شئت حسبتها من نوافل النهار حسب لك من نوافلك وتحسب لك في صلاة جعفر » ومنها‌ صحيح ذريح (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « إن شئت صل صلاة التسبيح بالليل ، وإن شئت بالنهار ، وإن شئت في السفر ، وإن شئت جعلتها من نوافلك ، وإن شئت جعلتها من قضاء صلاة » ومنها‌ خبره الآخر (٥) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صلاة جعفر أحتسب بها من نافلتي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب صلاة جعفر (ع) ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ـ الحديث ٢٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة جعفر (ع) ـ الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة جعفر (ع) ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة جعفر (ع) ـ الحديث ٢.

٢٠٦

فقال : ما شئت من ليل أو نهار » فما عن ابن الجنيد بعد أن ذكر جواز جعلها من قضاء النوافل قال : « لا أحب الاحتساب بها من شي‌ء من التطوع الموظف عليه » وما عن ابن أبي عقيل من أنه لا بأس بصلاتها في الليل إلا أنه لا يحسبه من ورده فيه ضعيف جدا ، وإن كان قد يشهد لهما‌ خبر بسطام (١) المروي عن أربعين الشهيد بسند فيه ضعف عن الصادق عليه‌السلام أنه قال في صلاة جعفر عليه‌السلام : « ولا تصلها من صلاتك التي كنت تصلي قبل ذلك » لكنه كما ترى قاصر عن معارضة ما عرفت ، خصوصا بعد ما قيل من اضطراب متنه أيضا كسنده ، لما يحكى عن بعض النسخ « وصلها من صلاتك » فلا يصلح قطعا لمعارضة ذلك الصحيح المؤيد بغيره وعمل الأكثر ، بل قيل : وما ثبت من احتسابها من نوافل شهر رمضان كما صرح به الأصحاب ، وورد به النقل (٢) عن الأئمة عليهم‌السلام.

نعم لو قلنا باتحاد التسليم فيها كما هو ظاهر الصدوق أمكن حينئذ المنع ، لمكان الاختلاف ، أما على المختار فلا جهة لمنع الاحتساب المزبور ، بل هو في الحقيقة اجتهاد في مقابلة النص الحاكم على أصالة عدم هذا الاحتساب ، لأنه من التداخل ، وما أبعد ما بينه وبين ما عن الشهيد في البيان من جواز احتسابها من الفرائض ، وربما مال إليه في الذكرى والروض بعد أن حكياه عن ظاهر بعض الأصحاب حيث عللاه بأنه ليس فيه تغيير فاحش ، بل حكاه في فوائد الشرائع عن الذكرى ساكتا عليه ، بل يشهد له مضافا إلى التعليل المزبور صحيح ذريح السابق ، لكن لأصالة عدم التداخل خصوصا الواجب والندب ، وعدم إجزاء النفل عن الفرض ، ووضوح قصور التعليل المذكور ـ إذ مع تسليم أنه لا تغيير فاحش باعتبار أن الزائد أذكار لا يقدح في الصلاة ، لكن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة جعفر (ع) ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب نافلة شهر رمضان ـ الحديث ١.

٢٠٧

متى جي‌ء بها بقصد صلاة جعفر لم يصح قصد الفريضة معها ، واحتمال صحيح ذريح قضاء النوافل أو ظهوره في ذلك ، وإلا لذكر الأداء من الفرض ، وعدم معهودية ذلك من فعلهم عليهم‌السلام بل المعهود منه غيره ، وعدم الفتوى به ممن عدا ما عرفت ـ لم يجتر على مخالفة هذا الأصل العظيم بذلك ، بل قد يومي الاقتصار في الاحتساب بالنوافل إلى عدمه زيادة على ذلك ، وإلا كانت الفرائض أولى بالذكر ، اللهم إلا أن يقال بإرادة احتسابها في الفرائض بمعنى أن المكلف ينوي الفريضة خاصة من غير ضم نية نفل معها إلا أنه يختار هذه الكيفية في أدائها التي لا تنافي الفرض ، لأنها أذكار ، فيعطى حينئذ فضلا من الله ثواب صلاة جعفر ، فلا مخالفة فيه حينئذ للأصل ، إذ ليس من التداخل على هذا التقدير ، بل لعل كل الاحتساب من هذا القبيل ، لكن فيه أن ظاهر أدلة الاحتساب قصد أنها صلاة جعفر والنافلة الموظفة مثلا لا أنه قهري ، على أن دعوى أن تلك الكيفية لا تنافي الفرض محل منع ، ضرورة أنها هيئة أخرى وإن كان الزائد أذكارا ، كيف وقد جاء بهذه الأذكار بقصد التوظيف في هذه الأحوال لا بعنوان رجحان الذكر المطلق ، بل لا يبعد دعوى عدم الاجتزاء بهذه الكيفية وإن لم يقصد الخصوصية بهذه الأذكار ، إذ لا أقل من الشك في براءة الذمة بها باعتبار عدم العهدية في مثل هذا الفصل والتراخي في أفعالها ، وشيوع عدم منافاة الذكر للصلاة يراد منه ما لم يستلزم تغيير الهيئة مثل هذا التغيير ، كقولهم بعدم منافاة القرآن لها ، مع أن من الواضح أنه لو قرأ سورة البقرة أو هي مع غيرها بين السجدتين أو قبل الهوي للسجود أو نحو ذلك لم تصح صلاته ، لتغيير الهيئة المعهودة ، ولعله حينئذ لا ينافيه قولهم : لا يبطل الصلاة القرآن والدعاء ، إذ قد عرفت أنه ليس البطلان لذلك ، بل إنما هو لما فاته من طول الفصل ونحوه مما هو مغير للهيئة ، وكيف كان فلا ريب في أن الأحوط‌

٢٠٨

والأولى عدم احتسابها في الفرائض ، هذا.

ولو سها عن التسبيح أو عن بعضه في بعض الأحوال قضاه في الحالة التي ذكره فيها ، للتوقيع (١) عن الناحية المقدسة في جواب سؤال محمد بن عبد الله بن جعفر « عن صلاة جعفر عليه‌السلام إذا سها في التسبيح في قيام أو قعود أو ركوع أو سجود وذكره في حالة أخرى قد صار فيها من هذه الصلاة هل يعيد ما فاته من ذلك التسبيح في الحالة التي ذكره أم يتجاوز في صلاته؟ فوقع عليه‌السلام إذا سها في حالة عن ذلك ثم ذكر في حالة أخرى قضى ما فاته في الحالة التي ذكره » وحكي العمل به عن ظاهر جماعة وصريح مجمع البرهان ومصابيح الظلام والحدائق ، ولا بأس به وإن كان الأحوط له قضاؤه بعد الفراغ مع ذلك ، وأحوط منه استئنافها جديدا ، والله أعلم.

ويستحب أن يدعو في آخر سجدة من هذه الصلاة بعد التسبيح بالدعاء المخصوص بها المروي في‌ مرفوع السراد (٢) « يا من لبس العز والوقار ، يا من تعطف بالمجد وتكرم به ، يا من لا ينبغي التسبيح إلا له ، يا من أحصى كل شي‌ء علمه ، يا ذا النعمة والطول ، يا ذا المن والفضل ، يا ذا القدرة والكرم أسألك بمعاقد العز من عرشك ، وبمنتهى الرحمة من كتابك ، وباسمك الأعظم الأعلى وكلماتك التامات أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تفعل بي كذا وكذا » أو المروي في‌ خبر أبي سعيد المدائني (٣) « سبحان من لبس العز والوقار ، سبحان من تعطف بالمجد وتكرم به ، سبحان من لا ينبغي التسبيح إلا له ، سبحان من أحصى كل شي‌ء علمه ، سبحان ذي المن والنعم ، سبحان ذي القدرة والكرم ، اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب صلاة جعفر (ع) ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب صلاة جعفر (ع) ـ الحديث ٢ لكن روى عن ابن بسطام.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب صلاة جعفر (ع) ـ الحديث ١.

٢٠٩

ومنتهى الرحمة من كتابك ، واسمك الأعظم ، وكلماتك التامة التي تمت صدقا وعدلا صل على محمد وأهل بيته ، وافعل بي كذا وكذا » والأحوط له جمعهما معا ، ولعل من لا يستحضر الألفاظ يستحب له ذكر المعاني وما يقاربها ولو بألفاظ أخر ، وكذا يستحب أن يدعو بعد الفراغ منها بالمنقول كما في الذكرى.

وقد ظهر لك مما سمعته من النصوص فضلا عما لم تسمعه مقدار فضيلة هذه الصلاة وشدة الاهتمام بها ، وربما كان فعلها أشد فضلا مما روي عنهم عليهم‌السلام من الصلوات وإن نسبت إليهم كصلاة علي وفاطمة عليهما‌السلام ، بل وما يحكى من صلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) « انها ركعتان يقرأ في كل ركعتين الحمد وإنا أنزلناه خمس عشرة مرة ، فإذا ركع قرأها كذلك ، فإذا انتصب قرأها كذلك ، فإذا سجد قرأها كذلك ، فإذا رفع رأسه من السجود قرأها كذلك ، ثم يقوم ويصلي ركعة أخرى كذلك » قيل : فإذا سلم دعا بالمنقول في المصباح فينصرف وليس بينه وبين الله عز وجل ذنب إلا غفر له ، وفعلها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الجمعة ، وإن كان الأولى له فعل الجميع قطعا ، ومع التعارض لا ريب في أولوية اختيار صلاة جعفر عليه‌السلام ، إذ لا أقل أنها قطعية بخلاف غيرها مما نقل بأخبار الآحاد كالصلوات السابقة وكصلاة الحسين عليه‌السلام ، قال في الذكرى : « تصلي يوم الجمعة أيضا أربع ركعات يقرأ في الأولى بعد التوجه الحمد خمسين مرة وكذا الإخلاص ، فإذا ركع قرأ الحمد عشرا وكذا الإخلاص ، وكذا في الأحوال ، ففي كل ركعة مائتي مرة ثم يدعو بالمنقول » وغيرها من الصلوات المنقولة في يوم الجمعة وغيره وبين العشاءين من كل يوم وغيره المروية في المصباح وغيره.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب بقية الصلوات المندوبة ـ الحديث ١.

٢١٠

بل تعرض لبعضها جماعة من الأصحاب منهم العلامة في القواعد ، قال : « يستحب‌ بين المغرب والعشاء صلاة ركعتين يقرأ في الأولى الحمد وقوله تعالى : ( وَذَا النُّونِ ) إلى آخر الآية (١) والثانية الحمد وقوله تعالى ( وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها ) إلى آخر الآية (٢) ثم يرفع يديه فيقول : اللهم إني أسألك بمفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا أنت أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تفعل بي كذا ، اللهم أنت ولي نعمتي ، والقادر على طلبتي ، تعلم حاجتي ، فأسألك بحق محمد وآل محمد لما قضيتها لي ويسأل حاجته فإنه يعطيه ما سأل » وقد رواها الشيخ في المصباح عن هشام بن سالم (٣) عن الصادق عليه‌السلام قال : « من صلى بين العشاءين ركعتين » وذكر الكيفية المزبورة ، بل‌ وكذا عن فلاح ابن طاوس (٤) مع زيادة ، « فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لا تتركوا ركعتي الغفيلة ، وهما ما بين العشاءين » وظاهر ذكر الكيفية في النص والفتوى بل ربما كان صريح البعض أنها غير ركعتي الرواتب ، وإن حكي احتماله عن بعضهم ، وأن المراد بين صلاة المغرب والعشاء إذا صليتا في وقت فضيلتهما لا وقتها كما حكي عن بعضهم أيضا ، بل الظاهر أن هذين الركعتين غير الركعتين اللتين ذكرهما في القواعد أيضا ، ورواهما‌ الشيخ في المصباح أيضا (٥) عن الصادق عليه‌السلام قال : « أوصيكم بصلاة ركعتين بين العشاءين يقرأ في الأولى الحمد مرة والزلزلة ثلاث عشرة مرة ، وفي الثانية الحمد مرة والتوحيد خمس عشرة مرة » وإن كان الظاهر أن هذين ليسا من الأربع أيضا ، فما عن بعضهم من الميل إلى أنهما من الأربع أيضا محل للنظر ، إذ‌

__________________

(١) سورة الأنبياء ـ الآية ٨٧.

(٢) سورة الأنعام ـ الآية ٥٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب بقية الصلوات المندوبة ـ الحديث ٢.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب بقية الصلوات المندوبة ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب بقية الصلوات المندوبة ـ الحديث ١.

٢١١

الأصل تعدد الفعل بتعدد الأمر وإن كانا معا مطلقين.

أما إذا كان أحدهما مطلقا والآخر مقيدا تقييدا يحتمل اندراجه في ذلك المطلق فقد يقال بعدم الحكم بالاتحاد أيضا ، للأصل بمعنى الظاهر من اللفظ وعدم التنافي ، لعدم إحراز الاتحاد ، بل لعله كذلك أيضا مع إحرازه أيضا ، لإمكان حمل الأمر بالمقيد على زيادة الفضيلة التي لا تنافي الفضل المستفاد من أمر المطلق ، فلا تنافي حينئذ بخلاف الأمر الوجوبي ، فإنه لا ريب في حصول التنافي مع فرض اتحاد المأمور به ، كما هو واضح ، ومن ذلك يعلم أنه لا ينبغي التأمل في التعدد إذا كان المقيد على وجه يظهر منه عدم الاندراج في ذلك المطلق أو تقطع ، ولعل ما نحن فيه من هذا القبيل ، ضرورة عدم اندراج الركعتين الذين أمر فيهما بقراءة الحمد وتلك الآيات المزبورة في الركعتين المأمور بهما بقراءة الحمد فيهما وسورة كالرواتب وركعتي الوصية المذكورة آنفا ، والحمل على التخيير في الكيفية لا دليل عليه ، بل ظاهر الدليل خلافه ، كما أن ظاهر دليل الوصية المشتمل على تلك الكيفية عدم اندراجه في مطلق الأمر بالركعات المحمول على الرواتب ، وكون منشأ فعلها إنها ساعة الغفلة لا يقتضي الاتحاد ، كل ذلك مع التسامح في دليل المستحب ، فلا ريب أن التعدد حينئذ أحوط وأولى ، وقد تقدم لنا بعض البحث في ذلك في أول كتاب الصلاة.

ويستحب أيضا يوم الجمعة الصلاة الكاملة ، وهي على ما رواه‌ الشيخ في المصباح (١) مسندة إلى جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي عليهم‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من صلى أربع ركعات يوم الجمعة قبل الصلاة يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب عشرا والمعوذتين والإخلاص والجحد وآية الكرسي عشرا عشرا. » قال في المصباح : وفي رواية (٢) أخرى « إنا أنزلناه عشرا وشهد الله عشر مرات‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٢.

٢١٢

فإذا فرغ من الصلاة استغفر الله مائة مرة ، ثم يقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم مائة مرة ، ويصلي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مائة مرة ، قال : من صلى هذه الصلاة وقال هذا القول رفع الله عنه شر أهل السماء والأرض » إلى غير ذلك من الصلوات الكثيرة المذكورة في المصابيح وغيرها من كتب الأصحاب شكر الله سعيهم وأجزل ثوابهم وجزاهم الله خيرا.

الثانية صلاة ليلة الفطر مما يختص وقتا معينا صلاة ليلة الفطر وهي على ما رواه السياري (١) مرفوعا إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ركعتان يقرأ في الأولى الحمد مرة وألف مرة قل هو الله أحد ، وفي الثانية الحمد مرة وقل هو الله أحد مرة‌ قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من صلى ليلة الفطر ركعتين يقرأ في أول ركعة منهما الحمد مرة وقل هو الله أحد ألف مرة ، وفي الركعة الثانية الحمد مرة وقل هو الله أحد مرة واحدة لم يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه » بل عن مسار الشيعة للمفيد أن في الرواية « لم ينفتل وبينه وبين الله عز وجل ذنب إلا غفر له » قلت : وخصوصا إذا سأل من الله ذلك.

وكيف كان فلا خلاف أجده بين الأصحاب في هذه الصلاة ولا في كيفيتها ، قال في الذكرى : إن السياري وإن كان معدودا في الضعفاء إلا أن الأصحاب تلقوها بالقبول ، لكن عن البيان أنه يقرأ في الأولى الحمد مرة ومائة مرة التوحيد ، وفي الثانية الحمد مرة والتوحيد مرة ، ولعله أراد غير هذين الركعتين.

ثم إن ظاهر النص والفتوى عدم اختصاص هذه الصلاة بوقت خاص من ليلة الفطر ، لكن عن الكفعمي أنه ذكر استحباب صلاة ركعتين بين العشاءين صفتهما ما سمعته عن البيان ، قال : وروي قراءة التوحيد في الركعة الأولى ألفا وقد يتوهم منه إرادة هذين الركعتين إلا أنه يمكن حمله على إرادة غيرهما ، خصوصا بعد قوله :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب بقية الصلوات المندوبة ـ الحديث ١.

٢١٣

« وروي » مما يشعر بتمريضه في الجملة ، مع أنك عرفت أنها الرواية المعمول عليها بين الأصحاب ، فيعلم حينئذ إرادة غير هذين الركعتين ، مضافا إلى أن الشيخ نص في المصباح على أن ذات الألف بعد الفراغ من جميع صلواته.

ومنها صلاة يوم الغدير وهو الثامن عشر من ذي الحجة قبل الزوال بنصف ساعة لكن الموجود في‌ خبر العبدي (١) عن الصادق عليه‌السلام « إن من صلى فيه ركعتين يغتسل عند زوال الشمس من قبل أن تزول مقدار نصف ساعة يسأل الله عز وجل يقرأ في كل ركعة سورة الحمد مرة وعشر مرات قل هو الله أحد وعشر مرات آية الكرسي وعشر مرات إنا أنزلناه عدلت عند الله عز وجل مائة ألف حجة ومائة ألف عمرة ، وما سأل الله عز وجل حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلا قضيت له كائنة ما كانت الحاجة ، وإن فاتتك الركعتان والدعاء قضيتها بعد ذلك » ولعله قريب إلى ما ذكره المصنف وغيره من توقيت الصلاة بذلك ، وإن كان الموجود فيه الاغتسال في الوقت المزبور لا الصلاة إلا أنه من المقدمات لها ، فلعل مرادهم بالصلاة ما يشمل ذلك ، أو أن المراد بالساعة في الفتاوى النجومية ، وفي النص التي وردت بها الأدعية في كل يوم والرابعة فيها من ارتفاع الشمس إلى الزوال ، إذ لا ريب في أنه إذا اغتسل قبل الزوال بنصف هذه الساعة كانت صلاته المتعقبة لغسله قبل الزوال بنصف ساعة نجومية ، ولعله اليه يرجع ما قيل من أنه يغتسل قبل النصف الذي هو للصلاة بنصف ساعة ، بل وما في المصباح من أنه يغتسل صدر النهار ، إذ المراد بالصدر القريب من الرأس بالنسبة إلى الآخر كصدر الإنسان ، وإلا فلا مأخذ لهما بالخصوص ، على أن الأمر فيه سهل بناء على ما عن المنتهى من أن هذه الصلاة تستحب في هذا اليوم ، وأشده تأكيدا قبل الزوال بنصف ساعة ، وهو لا يخلو من قوة.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب بقية الصلوات المندوبة ـ الحديث ١.

٢١٤

وكيف كان فلا خلاف أجده في هذه الصلاة بين قدماء الأصحاب ومتأخريهم كما عن بعضهم الاعتراف به عدا ما في الفقيه من أن شيخنا محمد بن الحسن بن الوليد رضي‌الله‌عنه كان لا يصحح هذا الخبر ، وكان يقول : إنه من طريق محمد بن موسى الهمداني ، وكان كذابا غير ثقة ، وكلما لم يصححه ذلك الشيخ ولم يحكم بصحته من الأخبار فهو عندنا متروك غير صحيح ، وأنت خبير بما فيه ، خصوصا والحكم استحبابي وخصوصا بعد المحكي عن المصنف في المعتبر من أنه روي في ذلك روايات ، منها رواية داود بن كثير (١) وإن كنا نحن لم نعثر على رواية أخرى غير المذكورة في كيفية الصلاة المزبورة ، إلا أنه هو أدرى أو يريد رواية أصل الصلاة لا هي مع الكيفية.

ثم إن مقتضى كون الواو لمطلق الجمع عدم الترتيب هنا وفي غيره بين ما يقرأ بعد الحمد ، فلا خلاف حينئذ في التقديم والتأخير في الفتاوي لو كان ، لكن في السرائر بعد أن عبر بنحو ما في الخبر من تقديم آية الكرسي على القدر قال : وروي أن آية الكرسي تكون آخرا وقبلها إنا أنزلناه ، وهو يعطي أنه قصد الترتيب بالواو ، وعليه تكون المسألة خلافية لتقديم جماعة ـ كما قيل ـ : القدر على آية الكرسي ، نعم الأولى بناء على ذلك المحافظة على ترتيب الخبر المزبور ، كما أن الأولى قراءة آية الكرسي إلى قوله تعالى ( هُمْ فِيها خالِدُونَ ) لكن بقصد القربة المطلقة فيما بعد قوله تعالى ( الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) لما قيل : إن المقرر عند القراء والمفسرين من أن آية الكرسي إليها إلا إذا نص على الزيادة ، بل قد يقال بأن له نية الخصوصية أيضا ، لإمكان دعوى أن المتعارف فيها بين المتشرعة هذا الحد ، ولعله لذا نص عليه في القواعد هنا ، بل أرسل في المصباح (٢)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب بقية الصلوات المندوبة ـ الحديث ٢ وفيه داود ابن كثير عن أبى هارون العبدي.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب بقية الصلوات المندوبة ـ الحديث ١.

٢١٥

عن الصادق عليه‌السلام في كيفية صلاة الرابع والعشرين من ذي الحجة ثم قال : وهذه الصلاة بعينها رويناها يوم الغدير ، وهو ظاهر في أن المراد بآية الكرسي في يوم الغدير إلى ( خالِدُونَ ) لنصه عليها هنا ، هذا.

وفي المختلف عن التقي أن من وكيد السنن الاقتداء برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في يوم الغدير بالخروج إلى ظاهر المصر عند الصلاة قبل أن تزول الشمس بنصف ساعة لمن يتكامل له صفات إمامة الجماعة بركعتين ، إلى أن قال : « وتقتدي به المؤتمون ، وإذا سلم دعا بدعاء هذا اليوم ومن صلى خلفه ، وليصعد المنبر قبل الصلاة فيخطب خطبة مقصورة على حمد الله تعالى والثناء والصلاة على محمد وآله ، والتنبيه على عظم حرمة يومه وما أوجب الله فيه من إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، والحث على امتثال أوامر الله سبحانه ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه ، ولا يبرح أحد من المؤمنين والامام يخطب ، فإذا انقضت الخطبة تصافحوا وتهانوا وتفرقوا » انتهى ، متضمنا لجملة أحكام لم نقف لها على دليل معتبر ، كاستحباب الجماعة فيها التي قد أشبعنا البحث فيها في ذلك الباب ، وكالخروج إلى الصحراء فإنه لا دليل له سوى أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعلها كذلك في ذلك اليوم ، لكن لم يكن قد خرج بل نزل الوحي عليه في أثناء الطريق فأداه كما نزل في ذلك الوقت وعلى ذلك الحال ، فلا تشمله حينئذ أدلة التأسي قطعا ، بل هو كأفعاله العادية ، وكاستحباب الخطبة فإنه لم نقف أيضا على رواية صريحة في ذلك سوى ما ستسمع ، لكن لعلها لا بأس بها لأنها ذكر لله سبحانه وتمجيده وتحميده وذكر لله ورسوله وآله وصلاة عليهم وموعظة وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر ونحو ذلك ، والكل حسن مرغوب شرعا في كل وقت ، ويوم الغدير أشرف الأيام ، والحسنات تتضاعف فيه ، وقد خطب فيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مضافا إلى ما‌ في‌

٢١٦

المصباح (١) مسندا عن الرضا عليه‌السلام من أن أمير المؤمنين عليه‌السلام صعد المنبر على خمس ساعات من نهار هذا اليوم فحمد الله وذكر الخطبة ـ إلى أن قال ـ : ثم أخذ في خطبة الجمعة وجعل صلاة جمعته صلاة عيده ، ولم يرو له صلاة لليوم بعد الخطبة وقبلها ولعل الذي دعا التقي إلى جميع ما سمعت إجراء أحكام العيد على يوم الغدير والمحافظة على حفظ ما وقع فيه ، ولذا ولتأكيد الاخوة وتثبيت المودة والتشبيه بالصحابة أمر فيه أمير المؤمنين عليه‌السلام في ذيل خطبته المزبورة بالتصافح والتهاني ونحوهما.

ثم إن الخبر المزبور قد صرح فيه بقضاء هذه الصلاة لو فاتت ، وعن المنتهى التصريح به ، كما أنك قد عرفت أن الشيخ أرسل عن الصادق عليه‌السلام صلاتها أيضا في اليوم الرابع والعشرين من ذي الحجة ، والله أعلم.

ومنها صلاة ليلة النصف من شعبان وعن مجمع البرهان أنها مشهورة ، بل في المصباح أنه رواها ثلاثون رجلا من الثقات ، قال في القواعد : وهي أربع ركعات بتسليمتين يقرأ في كل ركعة الحمد مرة ، والإخلاص مائة مرة ثم يعقب ويعفر ، وكأنه أخذ التسليمتين من الأصل والقاعدة في النوافل ، وإلا فلم يذكر في النص بل وجملة من الفتاوى كما قيل ، بل ولم يذكر فيه ولا فيها التعفير بل ولا التعقيب ، نعم قال في المصباح متصلا بالخبر المزبور : فإذا فرغت فقل : « اللهم إني إليك فقير » إلى آخره ، لكن الواقف على فضل هذه الليلة وما ورد فيها يعلم أنه ينبغي أن يفعل كلما يتمكن منه من فعل الخير ، ولا وقت خاص بها من هذه الليلة لا في النص بل ولا في الفتوى إلا ما يحكى عن المراسم من أن وقتها بعد العشاء الآخرة ، ولعله أخذه مما ورد في غيرها من صلوات هذه الليلة ، ومن أن ذلك هو مبدأ التوجه إلى الأعمال المرادة في مثلها ، لأنه أول وقت الفراغ من الفريضة وتوابعها ومما يحتاجه لاستقامة بدنه من القوت‌

__________________

(١) مصباح المتهجد ـ ص ٥٢٤.

٢١٧

ونحوه ، والأمر في ذلك كله سهل ، وقد ذكر في هذه الليلة صلوات فلتطلب من مظانها‌

ومنها صلاة ليلة نصف رجب وليلة المبعث ويومه وهي على ما في القواعد اثنتا عشر ركعة يقرأ في كل ركعة الحمد ويس ، بل هو المحكي أيضا عن النهاية في يوم المبعث ، وعن السرائر وبعض نسخ المصباح فيه وفي ليلته ، وعن أكثر النسخ الحمد وسورة في ليلة النصف ويوم المبعث ، كما عن المعتبر والمنتهى في اليوم ، والتذكرة في ليلة النصف ، وعنها والتحرير والمعتبر والمنتهى في ليلة المبعث كل ركعة الحمد مرة والمعوذتين والتوحيد أربع مرات ، بل كذلك عن الأول بالنسبة إلى يوم المبعث ، ولا يبعد الاكتفاء بأي سورة ، ولذا حكي عن النهاية والسرائر أنه إن لم يتمكن من قراءة يس قرأ ما تيسر ، بل الموجود في المحكي في المصباح عن أبي القاسم الحسين ابن روح مما يعلم أنه أخذه من الامام عليه‌السلام ذلك أيضا من غير اشتراط عدم التمكن ، كما أن الموجود في‌ خبر أبي الصلت (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام مطلق السورة أيضا ، نعم قال : « فإذا فرغت قرأت الحمد أربعا وقل هو الله أحد أربع مرات والمعوذتين أربعا ، وقلت : لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أربعا ، الله ربي لا أشرك به شيئا أربعا ، لا أشرك بربي أحدا أربعا » إلا أن مورد الخبر المزبور يوم النصف ويوم المبعث ، وتمام البحث في تفصيل هذه الصلوات وغيرها وما يقال فيها وبعدها مذكور في كتب العبادات لأصحابنا شكر الله سعيهم وأجزل ثوابهم.

خاتمة كل النوافل يجوز أن يصليها الإنسان قاعدا اختيارا على المشهور ، بل عن المعتبر والمنتهى والتذكرة والنهاية والبيان الإجماع عليه ، بل لا أجد فيه خلافا إلا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب بقية الصلوات المندوبة ـ الحديث ٤ وهو خبر ريان بن الصلت.

٢١٨

من الحلي ، فمنعه إلا في الوتيرة وعلى الراحلة مدعيا خروجهما بالإجماع للأصل مع شذوذ الرواية المجوزة ، ولا ريب في ضعفه بعد ما عرفت ، ومنه يعلم ما في النسبة إلى الشذوذ ، وإن أراد رواية لا عملا فهو أغرب من الأول ، إذ هي مع أنها معتبرة في أعلى درجات الاستفاضة إن لم تكن متواترة ، مضافا إلى ما يشعر به جواز الجلوس في ركعات الاحتياط المعرضة للنافلة ، فالنافلة أولى ، ومضافا إلى التسامح ، إذ هو كما يجري في الأصل يجري في الكيفية ، لاندراجها عند التأمل في‌ قوله عليه‌السلام (١) : « من بلغه ثواب على عمل » وفي غيره من أدلته ، فلا ينبغي التوقف حينئذ في ذلك.

ولكن فعلها عدا الوتيرة قائما أفضل بلا خلاف أيضا ، لظاهر النصوص ولأن أفضل الأعمال أحمزها ، أما الوتيرة فظاهر الأكثر وصريح الروض أن الجلوس فيها أفضل ، لتضمن المعتبرة أنها ركعتان من جلوس يعدان بركعة من قيام ، ولأنها شرعت لتكميل النوافل وصيرورتها ضعف الفرائض ، وهو إنما يتأتى مع الجلوس فيها ، إذ الظاهر تثنيتها على تقدير القيام فيها كما صرح به في الروض ، وتسمعه في الصحيح الآتي ، على أنه مضافا إلى ذلك مناف لنصوص الإحدى وخمسين ، ودعوى احتسابهما واحدة كما صرح به المحقق وحكي عن غيره بعيدة ، كما عن كشف اللثام لا دليل عليها إلا البدلية عن الجلوس المقتضية أنهما واحدة ، وهو كما ترى أيضا ، وظاهر ذكري أول الشهيدين وصريح روضة ثانيهما أفضلية القيام فيها أيضا ، بل حكي ذلك عن الفاضل وجماعة من المتأخرين ، ولعله لإطلاق ما دل (٢) على رجحان القيام في النافلة ، ورجحان الأحمز من الأعمال ، ولصريح الموثق (٣) أن القيام أفضل ، وظاهر‌ الصحيح (٤)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب مقدمة العبادات من كتاب الطهارة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب القيام من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ـ الحديث ٩.

٢١٩

« وركعتان بعد العشاء الآخرة كان أبي يصليهما وهو قاعد ، وأنا أصليهما وأنا قائم » فإن مواظبته عليه‌السلام على القيام فيهما يدل على رجحانه ، ولا ينافيه مواظبة أبيه عليه‌السلام على الجلوس بعد أن كان محتملا أنه لمشقة القيام عليه عليه‌السلام لكثرة اللحم كما يظهر من بعض الروايات ، كخبر سدير (١) قال : « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام أتصلي النوافل وأنت قاعد؟ فقال : ما أصليها إلا وأنا قاعد منذ حملت هذا اللحم وبلغت هذا السن » بل قيل : إنه يشهد للمطلوب أيضا‌ الصحيح الآخر (٢) « كان أبو عبد الله عليه‌السلام يصلي ركعتين بعد العشاء يقرأ فيهما بمائة آية ولا يحتسب بهما ، وركعتين وهو جالس يقرأ فيهما بالتوحيد والجحد ، فان استيقظ في الليل صلى وأوتر ، وإن لم يستيقظ حتى يطلع الفجر صلى ركعة واحتسب الركعتين اللتين صلاهما بعد العشاء وترا » فان فيه إشعارا بأن الأولتين هما الوتيرة وأنه صلاهما قائما على أظهر معنييه ، وهو كما ترى ، لكن ومع ذلك كله فلا ريب في أن الأحوط اختيار الجلوس فيهما ، للاتفاق على صحته فيهما ، بخلاف ما لو صلى قائما فإنه قد يلوح من بعض عباراتهم تعيين الجلوس فيهما وعدم مشروعية غيره ، حيث اقتصروا عليه في مقام البيان ، وكذا في بعض الأخبار (٣) وأما غيرها من النوافل فلا ريب نصا وفتوى في أن صلاتها قائما أفضل وأحوط.

وكذا لا ريب في أنه إن جعل كل ركعتين من جلوس مفصولتين مكان ركعة من قيام كان أفضل من الصلاة جالسا ركعة ركعة قطعا ، بل لا أجد فيه خلافا أيضا للنصوص ، منها‌ خبر ابن مسلم (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٥ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ٣.

٢٢٠