جواهر الكلام - ج ١٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

أنزلناه في ليلة القدر ، ثم ليحمد الله الذي ستر عورته وذريته في الناس ، وليكثر من قوله : لا حول ولا قوة إلا بالله فإنه لا يعصى الله فيه ، وله بكل سلك فيه ملك يقدس له ويستغفر له ويترحم عليه » على أنه لم يعلم منه إرادة قراءة ذلك في كل منهما من قوله فيه : « فيهما » أولا.

وكيف كان فظاهر النص والفتوى أن محلها عند تجدد النعم ، فما عن ابن البراج من أن وقت صلاة الشكر عند ارتفاع النهار لم نعرف مستنده ، ولعله يريد الصلاة في هذا الوقت إذا فرض تجدد النعمة عند طلوع الشمس مثلا ، فليجتنب عن إيقاع النافلة في ذلك الوقت إلى ارتفاع النهار ، لما فيه من الجمع بين صدق العندية ضرورة إرادة العرفية منها وبين التجنب عما يقال من كراهة التنفل في هذا الوقت ، ثم لا فرق على الظاهر في استحباب الصلاة المزبورة بين تجدد النعم وبين دفع النقم وقضاء الحوائج كما صرح به بعضهم ، بل قيل : إنه يشير اليه كلام الصدوقين أيضا ، بل الظاهر استحبابها في تجدد كلما يستحب الشكر له.

ومنها صلاة الزيارة للنبي والأئمة ( عليهم الصلاة والسلام ) وتحية المساجد والإحرام عند حصول أسبابها بالنصوص والإجماع كما عن كشف اللثام ، والمعروف المعمول عليه تعقيب صلاة الزيارة لفعلها ، لكن في الغنية صلاة الزيارة للنبي أو أحد الأئمة ( عليهم الصلاة والسلام ) ركعتان عند الرأس بعد الفراغ من الزيارة ، فإذا أراد الإنسان الزيارة لأحدهم عليهم‌السلام وهو مقيم في بلده قدم الصلاة ثم زاره عقيبها ، ويصلي الزائر لأمير المؤمنين عليه‌السلام ست ركعات ركعتان له عليه‌السلام وأربعة لآدم ونوح عليهما‌السلام ، وعن إشارة السبق أنه يبتدئ بهما قبل الزيارة إن كانت عن بعد ، وإلا بعدها عند رأس المزار لمن حضره ، ولم أعثر لهما على نص في ذلك ، كما أن الظاهر عدم اعتبار الوقوع عند الرأس فيهما ، وإن كان لعله بحيث يجعل القبر‌

١٨١

على يساره ولا يستقبل منه شيئا أفضل من غيره ، بل مكانهما مطلق مشهد المزور ، بل وما قاربه مما خرج عنه خصوصا إذا كان متصلا به ، ولتفصيل البحث في كيفية زيارات النبي وفاطمة والأئمة ( عليهم الصلاة والسلام ) وغيرهم من الشهداء والعلماء والصلحاء مقام آخر.

ومنها ما يختص وقتا معينا ، وهو صلوات : الأولى نافلة شهر رمضان ، والأشهر في الفتاوى والروايات استحباب هذه النافلة ، بل هو المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا شهرة كادت تكون إجماعا كما في فوائد الشرائع وغيره الاعتراف به ، بل عن المنتهى بعد نسبته إلى أكثر أهل العلم قال : « الإجماع عليه إلا من شذ » بل في السرائر « لا خلاف في استحباب الألف إلا ممن عرف باسمه ونسبه ، وهو أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه ، وخلافه لا يعتد به ، لأن الإجماع تقدمه وتأخر عنه » بل عن المهذب البارع « أن باقي الأصحاب على خلافه » بل في الذكرى وعن البيان « الفتاوى والأخبار متظافرة بشرعيتها ، فلا يضر معارضة النادر » بل عن المعتبر « عمل الناس في الآفاق على الاستحباب » وفي المختلف « الروايات به متظافرة ، والإجماع عليه ، وخلاف ابن بابويه لا يعتد به » بل عن التذكرة نسبته إلى علمائنا ، بل عن المراسم نفي الخلاف في ذلك أو الإجماع على اختلاف النقلين ، بل عن ظاهر خلاف الشيخ أو صريحه كصريح انتصار المرتضى الإجماع عليه.

وبالجملة لم نعثر على خلاف في ذلك مما عدا الصدوق ، إذ اقتصار الإسكافي على زيادة الأربع ليلا وترك التعرض من ابن أبي عقيل وعلي بن بابويه ليس خلافا ، بل المحكي عن أولهم التصريح بما عليه الأصحاب ، بل قيل : إنه صرح بزيادة على الألف الذي ستسمعه عندهم ، قال في الذكرى : قال ابن الجنيد : قد روي عن أهل البيت عليهم‌السلام زيادة في صلاة الليل على ما كان يصليها الإنسان في غيره أربع ركعات‌

١٨٢

تتمة اثنتي عشرة ركعة ، مع أنه قائل بالألف أيضا ، وهذه زيادة لم نقف على مأخذها إلا أنه ثقة وإرساله في قوة المسند ، لأنه من أعاظم العلماء ، بل ربما قيل لا يكاد يوجد منكر ، لأن الصدوق موافق على الجواز ، فكان اتفاقا من الكل ، وإن كان الإنصاف أن التدبر في كلامه في الأمالي والفقيه يقضي بأن مراده نفي المشروعية بالخصوص وإن استحب فعلها بعنوان استحباب مطلق الصلاة في كل ليلة ، نعم هو في غاية الضعف بعد ما عرفت ، وبعد النصوص المستفيضة المتعاضدة مع أن فيها المعتبر في نفسه أيضا ، بل يمكن حصول القطع بمضمونها بملاحظة كثرتها واشتمالها على تفاصيل الأدعية بين الركعات واشتهار العمل بها بين الطائفة قديما وحديثا حتى وصل إلى ما سمعت ، مضافا إلى المسامحة في أدلة السنن ، وإلى ما يقتضيه شرف الزمان ، وإلى غير ذلك ، ومن المعلوم أنه بدون ذلك يجب طرح المعارض وإن صح سنده ورده إليهم عليهم‌السلام أو تأويله وإن بعد ، فالمناقشة حينئذ فيما ذكره الشيخ أو غيره ـ من التأويل في الروايات المعارضة المتضمنة لنفي الزيادة على النوافل المعتادة بإرادة النفي جماعة ، أو بالحمل على التقية أو بإرادة نفي كونها مؤكدة كالرواتب ، أو نفي الزيادة في الرواتب ونحو ذلك بالبعد عن المضمون ، وبأن نصوص الإثبات أوفق بالتقية ، لشهرة التراويح عندهم حتى قيل من جهة ذلك أن المسألة محل إشكال ـ واهية جدا ، ضرورة أنه لا ينبغي الإشكال مع تعذر التأويل فضلا عن بعده بعد ما سمعت ، إذ ليس من المستغرب طرح أخبار صحيحة بمجرد الهجر بين الطائفة علما وعملا فضلا أن يكون قد عارضها مع ذلك أخبار أخر متواترة أو قريبة منه كما هو معلوم من طريقة الأصحاب ، خصوصا إذا كانت تلك الأخبار صحيحة غير محتملة الخفاء عليهم ، إذ ذلك يزيدها وهنا عند التأمل.

وكيف كان فهي ألف ركعة تختص في شهر رمضان زيادة على النوافل المرتبة بمعنى تأكد استحبابها في الشهر المزبور ، وإلا فلا ريب في استحباب ذلك في‌

١٨٣

كل ليلة كما ينقل عنهم عليهم‌السلام فعلها كذلك ، قال الصادق عليه‌السلام في خبر جميل بن صالح (١) : « إن استطعت أن تصلي في شهر رمضان وغيره في اليوم والليلة ألف ركعة فافعل ، فان عليا عليه‌السلام كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة » وقال أيضا في‌ خبر ابن أبي حمزة (٢) بعد أن سأله أبو بصير ما تقول في الصلاة في رمضان؟ : « إن لرمضان لحرمة وحقا لا يشبهه شي‌ء من الشهور صل ما استطعت في رمضان تطوعا بالليل والنهار ، وان استطعت في كل يوم وليلة ألف ركعة فصل ، إن عليا عليه‌السلام كان في آخر عمره يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة ».

إلا أنهم عليهم‌السلام لما علموا عدم وقوع ذلك من أكثر الناس بل عامتهم ندبوا إليها في خصوص شهر رمضان في مجموعه لتأكدها فيه باعتبار زيادة شرفه وعظمته وحرمته حتى‌ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خطبته (٣) : « إن الله جعل قيام ليلة فيه بتطوع صلاة كمن تطوع بصلاة سبعين ليلة فيما سواه من الشهور ، وجعل لمن تطوع فيه بخصلة من خصال الخير والبر كأجر من أدى فريضة من فرائض الله عز وجل ، ومن أدى فيه فريضة من فرائض الله عز وجل كم أدى سبعين فريضة من فرائض الله فيما سواه من الشهور ».

ويكفيه من الفضل أن جعل فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر ، ومن ذلك كله وغيره حثوا عليهم‌السلام على طلب الزيادة فيه ، فقال الصادق عليه‌السلام في خبر المفضل بن عمر (٤) : « تصلي في شهر رمضان زيادة ألف ركعة » وهي مستفادة أيضا من مجموع النصوص الواردة في ترتيبها كما ستسمعها ، مضافا إلى الإجماع عليها ممن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب نافلة شهر رمضان ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب نافلة شهر رمضان ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ١١ من كتاب الصوم.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب نافلة شهر رمضان ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

١٨٤

قال بها فيه كما عن المعتبر ، فهو حينئذ مذهب علمائنا عدا ابن بابويه كما عن المنتهى ، لما عرفت من اختصاص الخلاف به ، بل لم يستثنه في المحكي عن التذكرة كنفي الخلاف عن المراسم ، بل في السرائر وعن ظاهر الانتصار أو صريحه الإجماع عليه ، فما في الذكرى عن الشيخ الجليل ذي المناقب والمآثر أبي عبد الله محمد بن أحمد الصفواني في كتاب التعريف من أنها سبعمائة ركعة لا يخفى ما فيه ، مع احتماله إرادة الألف وترك زوائد ليالي الأفراد لشهرتها ، على أن المنقول عنه في الكتاب المزبور في المحكي من إقبال ابن طاوس أن صلاة شهر رمضان تسعمائة ركعة ، وفي رواية ألف ، وعن كشف اللثام أنه قال الصفواني : قد روي أن في ليلة تسع عشرة أيضا مائة ركعة ، وهو قول من قال بالألف ، وقضيته أنه إن كان له شك فهو في مائة من الألف ، والظاهر أنها وظيفة تسع عشرة بقرينة ما سمعته عنه في كشف اللثام.

وعلى كل حال فضعفه واضح ، ضرورة أن احتمال الزيادة على المقدار المزبور أقرب من احتمال النقيصة ، أما أولا فلما سمعته سابقا من المنقول في الذكرى عن الإسكافي ، وأما ثانيا فلما يستفاد من تلك الأخبار السابقة من استحباب كل ما يستطاع فعله من الصلاة في شهر رمضان ؛ وأما ثالثا فل‌ خبر سليمان بن عمرو (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « من صلى ليلة النصف من شهر رمضان مائة ركعة يقرأ في كل ركعة بقل هو الله أحد عشر مرات أهبط الله عز وجل اليه من الملائكة عشرة يدرأون عنه أعداءه من الجن والانس ، وأهبط الله اليه عند موته ثلاثين ملكا يؤمنونه من النار » وخبر أبي يحيى (٢) عن عدة ممن يوثق بهم قالوا : قال : « من صلى ليلة النصف من شهر رمضان مائة ركعة يقرأ في كل ركعة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب نافلة شهر رمضان ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب نافلة شهر رمضان ـ الحديث ـ ٢ من كتاب الصلاة.

١٨٥

عشر مرات بقل هو الله أحد فذلك ألف مرة في مائة لم يمت حتى يرى في منامه من الملائكة ثلاثين يبشرونه بالجنة ، وثلاثين يؤمنونه من النار ، وثلاثين تعصمه من أن يخطئ ، وعشرة يكيدون من كاده » إذ الظاهر أن ذلك زيادة على الألف لما ستسمعه من ترتيبه مما يقتضي اختصاص ليلة النصف بعشرين ركعة ، فيكون الزائد حينئذ ثمانين بل ربما يقال : إن المائة غير تلك الوظيفة ، لأصالة عدم التداخل ، خصوصا في المقام كما أفتى به في الدروس والذكرى ، قال في أولهما بعد أن ذكر الألف : ويستحب زيادة مائة ليلة النصف ، وربما يقف المتتبع للنصوص الواردة عنهم عليهم‌السلام على زيادات على ذلك ، خصوصا بالنسبة إلى بعض ، إلا أن بذل الجهد في جميع ما ورد مفض إلى منافاة الغرض ، ولعل في ما في كتب أصحابنا المصنفة في العبادات الكفاية.

وأما ترتيب فعل الألف في تمام الشهر فهو أن يصلي في كل ليلة من العشرتين الأولتين عشرين ركعة إجماعا محكيا عن الانتصار والخلاف وكشف اللثام إن لم يكن محصلا ، ونصوصا (١) بل عن المنتهى نفي الخلاف فيه أيضا بين علمائنا القائلين بالوظيفة ثمان ركعات بعد المغرب واثنتي عشرة ركعة بعد العشاء على الأظهر الأشهر ، بل المشهور ، بل عن ظاهر الانتصار والخلاف الإجماع عليه ، لخبر مسعدة بن صدقة (٢) عن الصادق عليه‌السلام قال : « مما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصنع في شهر رمضان كان يتنفل في كل ليلة ، ويزيد على صلاته التي كان يصليها قبل ذلك منذ أول ليلة إلى تمام عشرين ليلة في كل ليلة عشرين ركعة ، ثماني ركعات منها بعد المغرب ، واثنتي عشرة بعد العشاء الآخرة ، ويصلي في عشر الأواخر في كل ليلة ثلاثين ركعة ، اثنتي عشرة منها بعد المغرب ، وثماني عشرة منها بعد العشاء الآخرة ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب نافلة شهر رمضان من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب نافلة شهر رمضان ـ الحديث ـ ٢ من كتاب الصلاة.

١٨٦

ويدعو ويجتهد اجتهادا شديدا ، وكان يصلي في ليلة إحدى وعشرين مائة ركعة ، ويصلي في ليلة ثلاث وعشرين مائة ركعة ، ويجتهد فيهما » ونحوه في الأمر بالعشرين وترتيبها خبر علي بن أبي حمزة (١) وخبر أبي بصير (٢) وخبر الحسن بن علي (٣) وخبر محمد بن أحمد بن المطهر (٤) بل وخبر محمد بن سليمان (٥) الذي هو محكي عن عدة من أصحابنا أنهم اجتمعوا عليه منهم يونس بن عبد الرحمن عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وصباح الحذاء عن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه‌السلام وسماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال محمد بن سليمان : وسألت الرضا عليه‌السلام عن هذا الحديث فأخبرني به ، وقال هؤلاء جميعا : « سألنا عن الصلاة في شهر رمضان كيف هي؟ وكيف فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ فقالوا جميعا : إنه لما دخلت أول ليلة من شهر رمضان صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المغرب ثم صلى أربع ركعات التي كان يصليهن بعد المغرب في كل ليلة ، ثم صلى ثمان ركعات ، فلما صلى العشاء الآخرة وصلى الركعتين اللتين كان يصليهما بعد العشاء الآخرة وهو جالس في كل ليلة قام فصلى اثنتي عشرة ركعة ، ثم دخل بيته إلى أن قال : فلما كان ليلة تسع عشرة اغتسل حين غابت الشمس وصلى المغرب بغسل ، فلما صلى المغرب وصلى أربع ركعات التي كان يصليها فيما مضى في كل ليلة بعد المغرب دخل إلى بيته ، فلما أقام بلال الصلاة للعشاء الآخرة خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصلى بالناس فلما انفتل صلى الركعتين وهو جالس كما كان يصليها كل ليلة ، ثم قام فصلى مائة ركعة يقرأ في كل ركعة الحمد وقل هو الله أحد عشر مرات ، فلما فرغ من ذلك صلى صلاته التي كان يصلي كل ليلة آخر الليل وأوتر ، فلما كان ليلة عشرين من شهر رمضان فعل كما كان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب نافلة شهر رمضان الحديث ٤ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب نافلة شهر رمضان الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب نافلة شهر رمضان الحديث ٧ من كتاب الصلاة لكن روى عن الحسن بن على عن أبيه.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب نافلة شهر رمضان الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب نافلة شهر رمضان الحديث ٦ من كتاب الصلاة.

١٨٧

يفعل قبل ذلك من الليالي ، فلما كان ليلة إحدى وعشرين فعل فيها مثل ما فعل ليلة تسع عشرة فلما كانت اثنتين وعشرين زاد في صلاته فصلى ثمان ركعات بعد المغرب واثنتين وعشرين ركعة بعد العشاء الآخرة ، فلما كانت ليلة ثلاث وعشرين فعل فيها مثل ما فعل بتسع عشرة وإحدى وعشرين ». وعلى ذلك جرى الشيخ في التهذيب في تفصيل الدعوات ، خلافا للمحكي عن القاضي فالعكس ، ولعله لمضمر سماعة (١) المشتمل على التصريح بذلك ، لكن لا يبعد خصوصا مع رواية سماعة للأمرين معا الحكم بالتخيير كما صرح به ثاني الشهيدين وغيره ممن تأخر عنه تبعا للمحكي عن الفاضلين وبعض من تقدمهما ، بل قد يقال بأن ذلك كله مستحب في مستحب ، فله حينئذ بسط الألف كيف ما شاء.

وعلى كل حال فالظاهر أفضلية الفرد الأول على الثاني وإن لم أجد من صرح بها ، كما أنه هو أي الثاني أفضل من غيره بناء على مشروعيته.

ثم إن صريح الخبر المزبور كون الثمان ركعات بعد نافلة المغرب كما عن المصباح والمراسم النص عليه ، بل لا أجد فيه خلافا ، ويؤيده ضيق وقتها ، وهو ذهاب الحمرة عن تقديم تلك عليها ، كما أن صريحه فعل الاثنتي عشرة بعد الوتيرة أيضا كما في النقلية وعن مجمع البرهان وبعض نسخ المراسم ، بل في الذكرى أنه المشهور ، بل في المفتاح عن الفوائد الملية ذلك أيضا ، واستغفر به بعد أن حكى عن المختلف والذكرى والمهذب البارع وكشف اللثام والحدائق الشهرة على إيقاعها قبل الوتيرة قال : وبه صرح في المراسم والسرائر والغنية وإشارة السبق والشيخ في المصباح في آخر كلامه ، وكان الأولى نقلها عن الذكرى ، وإلا فالتدبر في عبارة الفوائد يعطي عدم إرادته الشهرة على ذلك ، وكيف كان فالدليل حينئذ مع الأول والشهرة مع الثاني ، ولعله لذا جوز الأمرين في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب نافلة شهر رمضان ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

١٨٨

المسالك والفوائد الملية ، بل استظهر في الذكرى الجواز أيضا ، ولا بأس به لسعة وقت الوتيرة ، إلا أنه لا ريب في أفضلية الأول كما اعترف به في المسالك للخبر المزبور ، وبالجملة فهذه أربعمائة من الألف.

ويصلي في كل ليلة من العشر الأواخر ثلاثين ركعة بلا خلاف أجده فيه ، بل في الخلاف وظاهر الانتصار الإجماع عليه ، للنصوص المستفيضة (١) نعم في خبر علي بن أبي حمزة (٢) منها وخبر محمد بن سليمان (٣) الطويل المتقدم سابقا ـ وإن لم ينص فيهما إلا على ليلة اثنتين وعشرين وخبر علي بن فضال ـ إيقاعها على الترتيب المذكور أي ثمان بعد المغرب واثنتين وعشرين بعد العشاء كما هو المشهور نقلا وتحصيلا وفي خبر محمد بن أحمد بن المطهر (٤) وموثق مسعدة بن صدقة (٥) اثنتا عشرة بعد المغرب وثمان عشرة بعد العشاء كما في الغنية وعن إشارة السبق والمهذب والكافي ، وفي موثق سماعة (٦) اثنتين وعشرين بعد المغرب وثمان بعد العشاء ، وللجمع بين الأولين خير في الذكرى والروض والروضة وعن غيرها ، وللجمع بين الأول والأخير خير بينهما في المسالك وعن المعتبر ، وقد يقال : إن المتجه مراعاة الجمع بين الجميع ، فيخبر حينئذ بين الأفراد الثلاثة وإن لم أجد من أفتى به ، كما أني لم أجد من عين ما في موثق سماعة ، بل قد يقال باستفادة تخيير المكلف في الفعل كيف ما شاء من اختلاف هذه النصوص وإطلاق غيرها ، وإن ذلك مستحب في مستحب ، لكن على كل حال لا ريب في أولوية اختيار ما عليه المشهور لكثرة أخباره وشدة اشتهاره فتوى حتى سمعت عن الخلاف الإجماع عليه ، فهذه سبعمائة ركعة.

ويصلي زيادة على ذلك في ليالي الأفراد الثلاثة تسع عشرة وإحدى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب نافلة شهر رمضان.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب نافلة شهر رمضان الحديث ٤ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب نافلة شهر رمضان الحديث ٦ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب نافلة شهر رمضان الحديث ١٠ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب نافلة شهر رمضان الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب نافلة شهر رمضان الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

١٨٩

وعشرين وثلاث وعشرين كل ليلة مائة ركعة زيادة على الوظيفة السابقة وفاقا لجماعة ، بل عن المنتهى نسبته إلى الأكثر ، بل عن ظاهر الخلاف الإجماع عليه عملا بكل من الأمرين بكل من الوظيفتين فيها ، ولصريح خبر محمد بن أحمد بن المطهر وظاهر خبره الآخر (١) وظاهر أو صريح موثق مسعدة بن صدقة وسماعة بن مهران ، إلا أنها جميعا حتى الخبر الأول لم تصف (٢) المائة ليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين إلا أنه قد يتم بأنه لا قائل بالفصل بين الليالي الثلاث ، مضافا إلى ما عن غرية المفيد أنه قال : « تصلي في العشرين ليلة عشرين ركعة ثمان بين العشائين واثنتي عشرة بعد العشاء الآخرة ، ويصلي في العشر الأواخر كل ليلة ثلاثين ركعة ، ويضيف إلى هذا الترتيب في ليلة تسع عشرة وليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين كل ليلة مائة ركعة ، وذلك تمام الألف ركعة ، قال : وهي رواية محمد بن أبي قرة (٣) في كتاب عمل شهر رمضان فيما أسنده عن علي بن مهزيار عن مولانا الجواد عليه‌السلام » وإلى ما سمعته سابقا عن الصفواني ، وفي السرائر أن ذلك مذهب شيخنا في مسائل الخلاف أفتى به وعمل عليه ، ودل على صحته وجعل ما خالفه رواية لا يلتفت إليها ، ومذهب شيخنا المفيد في كتاب الأشراف ، وهو الذي أفتى به. ويقوى عندي ، لأن الأخبار به أكثر وأعدل رواة ، قلت : بل يظهر من المحكي عن كتاب مسار الشيعة للمفيد أن ذلك هو المعروف ، قال فيه : أول ليلة من شهر رمضان فيها الابتداء بنوافل شهر رمضان وهي ألف ركعة من أول الشهر إلى آخره بترتيب معروف في الأصول عن الصادق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب نافلة شهر رمضان ـ الحديث ٨ من كتاب الصلاة.

(٢) هكذا في النسخة الأصلية والصحيح « لم تضف المائة على ليلة. » إلخ أي لم يتعرض لليلة تسع عشرة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب نافلة شهر رمضان ـ الحديث ١٣ من كتاب الصلاة.

١٩٠

عليه‌السلام ، ضرورة أن المحكي عن المفيد كما عرفت اختيار الترتيب المزبور.

ولكن روى المفضل بن عمر (١) عن الصادق عليه‌السلام أنه يقتصر في الليالي الأفراد الثلاثة على المائة حسب ، فيبقى عليه ثمانون عشرون من ليلة التسع عشرة وستون من الليلتين الأخيرتين يصلي في كل يوم جمعة من الجمع الأربع في الشهر مبتدئا بذلك من أول الشهر ، لأن الفرض استعداده للعمل بهذه الرواية منه عشر ركعات بصلاة علي وفاطمة وجعفر صلوات الله وسلامه عليهم وفي ليلة الجمعة في العشر الأواخر ، لكن في المتن والقواعد وغيرهما في آخر جمعة عشرين بصلاة علي عليه‌السلام وهما ، بمعنى إن أريد من الجمعة ليلتها لظهور الخبر المزبور في إرادة الأخيرة أيضا كالعبارة وفي عشية تلك الجمعة أي ليلة السبت عشرين ركعة بصلاة فاطمة عليها‌السلام ونحوه في الاقتصار على المائة في ليلة تسع عشرة خبر محمد بن سليمان (٢) المتقدم سابقا ، وعليها في الليلتين الأخيرتين خبر ابن فضال (٣) وبه أفتى جماعة ، بل في فوائد الشرائع أن كثيرا من الأصحاب عليه ، وعليه رتب الشيخ الدعوات في المصباح ، بل في الذكرى وغيرها نسبته إلى الأكثر ، بل عن ظاهر الانتصار الإجماع عليه ، ولعله للجمع بينهما خير في الغنية والإرشاد والدروس والذكرى واللمعة وفوائد الشرائع والنقلية والروض والروضة والقواعد وغيرها ، ولا بأس به.

ومن العجيب ما في السرائر « من أن ذلك تكليف ما لا يطاق ، وهو قبيح في الفرض ، والنافلة والموقت لا بد من أن يفضل وقته عنه أو يساويه كالصوم ، ومن المعلوم أنه لو اتفق ليلة السبت مثلا في أقصر ليالي الصيف وهي تسع ساعات لا يتمكن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب نافلة شهر رمضان ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب نافلة شهر رمضان ـ الحديث ٦ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب نافلة شهر رمضان ـ الحديث ٧ من كتاب الصلاة.

١٩١

من الإتيان بصلاة فاطمة عليها‌السلام مع الفرض والراتبة والأكل والشرب وقضاء ما لا بد منه من الحاجة ، ومن ادعى ذلك فقد كابر ، ولو سلم له فهي صلاة على غير تؤدة ، ولا تلاوة للقرآن كما أنزل ، بل ولا ركوع ولا سجود » إلى آخره إذ هو كما ترى مكابرة للوجدان ، وإنكار للمشاهدة بالعيان ، بل جعل في الوسيلة الصلاة المزبورة سحر ليلة السبت ، كما أنه جعل العشرين ركعة بصلاة أمير المؤمنين عليه‌السلام في سحر الجمعة الأخيرة ، على أن قصور الأوقات عن جميع ما ورد فيها من المستحبات غير قادح ، لورودها على متعارف غالب الناس من عدم الاستغراق ، بل كل منهم يفعل بعضا منها ، وإلا فلا ريب في قصور اليوم والليلة خصوصا بعض الأيام والليالي عن فعل جميع ما ورد فيها من الصلوات والأذكار والأدعية ونحوها ، كما هو واضح لمن له أدنى خبرة ، ومع ذلك فهو متجه لو قلنا باعتبار ذلك شرطا في هذه النافلة ، أما بناء على أنه مستحب في مستحب كما عن المراسم التصريح به ، بل عن إشارة السبق أنه لم يتعرض لاستحباب كون عشرين ليلة السبت بصلاة فاطمة عليها‌السلام ، بل ولا للعشرين في آخر ليلة جمعة بصلاة علي عليه‌السلام فحينئذ بناء على ذلك يصلي بصلاة فاطمة عليها‌السلام ما شاء ثم يصلي ركعتين إذا ضايقه الوقت ، فتأمل جيدا.

ثم إن ظاهر النص والفتاوى توزيع ذلك على ما هو الغالب المتعارف من كون الحاصل في الشهر أربع جمع ، أما لو اتفق خمس جمع فيه ففي الروض والمسالك إشكال ، لخلو النص والفتاوى منه ، فيحتمل حينئذ صلاة عشر فيها أيضا ، وبسط الثلاثين الباقية ليلتها وعشيتها بجعل ست عشرة أولا وأربع عشر ثانيا ، أو بالعكس ، ويحتمل سقوط العشر في الجمعة الأخيرة وبقاء التوزيع بحاله ، وزاد في الأخير احتمال إسقاط أي جمعة شاء ، ثم قال : والظاهر تؤدي الوظيفة بجميع الاحتمالات ، كما أنه استظهر في الأول‌

١٩٢

ذلك فيما ذكره من الاحتمالين ، وقال في فوائد الشرائع : إن الباقي عليه حينئذ ثلاثون ركعة ، فيوزعها على ما سيأتي إلى حيث ينتهي ، قلت : قد يقوى في النظر الاقتصار في توزيع الثمانين على الجمع الأربع السابقة كما عساه مال إليه في الفوائد الملية ، إذ ليس في النص اعتبار إيقاع الباقي في آخر جمعة ، ولو سلم ظهوره فهو مبني على الغالب ، بل لا محيص عما ذكرناه إذا كانت الجمعة الخامسة محتملة من جهة سبق الهلال وتأخره لا متيقنة ، أو كانت عشيتها ليلة العيد مثلا ولو احتمالا محافظة على أدائها بناء على أنه لو أخر البعض إليها فصادف كون تلك العشية ليلة العيد سقطت ، لأنها نافلة شهر رمضان وقد خرج ، ولذا قال في الروضة : « لو نقص الشهر سقطت وظيفة ليلة الثلاثين » وإطلاقه يقتضي عدم الفرق في ذلك بين الجمعة وغيرها ، فلو اتفقت عشية الجمعة ليلة العيد حينئذ سقطت وظيفتها ، لكن في الروض والمسالك أنه لا يؤخر وظيفة العشية إلى ليلة العيد ، بل يصليها في آخر سبت من الشهر ، وكأنه لعدم ظهور النص في اشتراط التأدية بعشية جمعة رابعة ، إنما المراد فعلها في آخر عشية جمعة من رمضان ، بل قد يقال بأن هذا الترتيب كيف ما كان هو مستحب في مستحب ، وإلا فالمراد إيقاع هذه الألف ركعة في شهر رمضان ، لإطلاق الدليل الذي لا ينافيه ذكر الترتيب المزبور ، ومنه حينئذ يعلم ما في دعوى السقوط المذكور في الروضة ، اللهم إلا أن يريد أن المكلف أخر وظيفة الثلاثين اعتمادا على الاستصحاب وغلبة التمام فاتفق النقصان فان المتجه حينئذ السقوط واحتمال القضاء خارج الشهر ، لإطلاق أدلة القضاء أو عمومها ، خصوصا ما ورد في تفسير قوله تعالى (١) ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً ) من‌ قول الصادق عليه‌السلام (٢) : « كلما فاتك بالليل فاقضه بالنهار » إلى آخره.

__________________

(١) سورة الفرقان ـ الآية ٦٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٤ من كتاب الصلاة.

١٩٣

يدفعه بعد التسليم عدم تحقق الخطاب بالأداء حتى يتحقق الفوات ، لكون الفرض ظهور الليلة من شوال ، ولعله لذا نص في الفوائد الملية كما قيل على عدم مشروعية القضاء ، ولا بأس به ، إلا أن يقال بما سمعته منا من تحقق الخطاب بدخول الشهر ، وأن التوزيع المذكور مستحب في مستحب ، وبناء عليه يظهر حينئذ ما في الذكرى من أنه لو فات شي‌ء من هذه النوافل فالظاهر أنه يستحب قضاؤه نهارا ، ثم قال : وبذلك أفتى ابن الجنيد ، وكذا لو فاته الصلاة ليلة الشك ثم ثبت رؤيته ، وتبعه في الروضة فقال : يستحب قضاء الفائت ولو نهارا في غيره ، والأفضل قبل خروجه ، إذ قد عرفت أن ذلك أداء لا قضاء مع فرض وقوعه في الشهر ، كما هو واضح ، ولعل في ترك لفظ اليوم والليلة في المتن وغيره مع وجودهما في الخبر الذي هو الأصل في المسألة إشعارا ببعض ما ذكرنا من عدم اعتبار وقوع ذلك في اليوم أو الليلة وإن وقعا في النص ، لصدق لفظ الجمعة في المتن وغيره عليهما ، وإن كان من المستبعد إرادة الإطلاق من اللفظ المزبور ، بل الظاهر إرادة أحدهما ، والخبر حينئذ قرينة ، فيتوافقان ، والأمر سهل ، هذا ، وفي‌ هذا الخبر (١) « أنه اقرأ في هذه الصلوات كلها أعني صلاة شهر رمضان الزيادة منها بالحمد وقل هو الله أحد إن شئت مرة وإن شئت ثلاثا وإن شئت خمسا وإن شئت سبعا وإن شئت عشرا » ولم أقف على من أفتى به ، نعم في الدروس أنه يستحب قراءة التوحيد في الليالي الثلاثة في كل ركعة عشرا ، ولعله لخبر محمد بن سليمان (٢) المتقدم المروي عن الرضا عليه‌السلام ، ولا بأس به ، كما أنه لا بأس بما فيها والذكرى من استحباب الدعاء عقيب كل ركعتين بالمرسوم في تهذيب الشيخ رحمه‌الله ، لكن قيده في الأخير بسعة الوقت ، أما لو ضاق الوقت اقتصر على الصلاة ، وكأنه لوضوحه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب نافلة شهر رمضان ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب نافلة شهر رمضان ـ الحديث ٦ من كتاب الصلاة.

١٩٤

تركه في الأول ، كما أنه ترك فيها ما ذكره في الذكرى هنا من حرمة الجماعة في هذه النافلة وبدعيتها لوضوحه ومعلوميته بين الطائفة كما ذكرنا ذلك في مبحث الجماعة ، بل ذكرنا هناك حرمتها في كل نافلة عدا ما استثني ، فلاحظ ، نعم كان عليه التعرض لما فيها أيضا من اختصاص استحباب هذه الصلاة المزبورة بالصائم أو تشمله والمفطر ، ربما يستشعر من المحكي عن أبي الصلاح الأول ، وفي المختلف الثاني ، بل ظاهره حكايته مما عداه من علمائنا ، ولعله لإطلاق بعض النصوص ، ولأنها عبادة شرعت لشرف الزمان ، فلا تسقط بسقوط الصوم ، وهو حسن.

وأما كيفية صلاة أمير المؤمنين عليه‌السلام فهي أربع ركعات بتشهدين وتسليمين يقرأ في كل ركعة الحمد مرة وخمسين مرة قل هو الله أحد كما نص عليها في خبر المفضل المزبور (١) إلا أنه لم يذكر فيه التشهدين والتسليمين ، ولعله للعلم بهما كالقنوت ، ضرورة وضوح تثنية النوافل إلا ما استثني ، ومنه يعلم حينئذ ما في نسبة الخلاف في نحو ذلك لبعض قدماء الأصحاب الذي منشأه عدم النص فيه على ذلك ، لكن قد عرفت أنه من المحتمل كونه لوضوحه ، ولعلها هي التي رواها (٢) أبو بصير وعبد الله بن سنان (٣) عن الصادق عليه‌السلام وإن لم ينص في شي‌ء منهما على تسميتها بصلاة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، بل وصف الصلاة المزبورة ، وقال : « من صلاها انفتل وليس بينه وبين الله ذنب ».

وكيفية صلاة فاطمة عليها‌السلام على ما في خبر المفضل (٤) أيضا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب نافلة شهر رمضان ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب بقية الصلوات المندوبة ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب بقية الصلوات المندوبة ـ الحديث ١.

(٤) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ٧ ـ من أبواب نافلة شهر رمضان ـ الحديث ١ وذيله في الباب ١٠ من أبواب التعقيب ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

١٩٥

ركعتان يقرأ في الأولى الحمد مرة والقدر مائة مرة ، وفي الثانية الحمد مرة وسورة التوحيد مائة مرة‌ قال فيه أيضا : « فإذا سلمت فسبح تسبيحها عليها‌السلام وهو الله أكبر أربعا وثلاثين مرة ، وسبحان الله ثلاثا وثلاثين ، والحمد لله ثلاثا وثلاثين ، فو الله لو كان شي‌ء أفضل منه لعلمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إياها » ولا أعرف خلافا بين الأصحاب قدمائهم والمتأخرين في كيفية الصلاتين المزبورتين ، نعم عكس النسبة في الدروس والنقلية وعن التحرير والبيان ، كما أنه اقتصر في المحكي عن المنتهى على نسبة الأربع لفاطمة عليها‌السلام وعلى نقل النسبة المشهورة عن الشيخ ساكتا عليه لكنك خبير بأن ذلك منهم مع أنه خلاف ما في خبر المفضل المزبور لا فائدة يعتد بها تترتب عليه ، لثبوت الاستحباب على كل من التقديرين ، إذ لا إشكال في رجحان التأسي بالزهراء عليها‌السلام بعد عصمتها ، مع أصالة الاشتراك معها في التكليف ، على أنه لا قائل في ذلك بالنسبة إلى خصوص صلاتها المروية في خبر المفضل ، لصراحته بعدم اختصاصها بهذا الاستحباب ، فظهر حينئذ أنه لا ثمرة لهذا الخلاف إلا ما في المسالك حيث قال : عكس جماعة من الأصحاب النسبة ونسبوا الأربعة لفاطمة عليها‌السلام والركعتين لعلي عليه‌السلام ، وكلاهما مروي فيشتركان في النية ، وتظهر الفائدة في النسبة حال النية ، وفيه أنه لا مدخلية للنسبة في النية بعد تشخيص المكلف قصده الأربع أو الاثنين ، ولو جعل الفائدة في النذر حيث ينيطه الناذر بصلاة فاطمة عليها‌السلام أو صلاة علي عليه‌السلام لكان أولى ، وقد أنكر بعض من تأخر عنه الرواية ، وهو في محله بالنسبة إلى رواية الركعتين لعلي عليه‌السلام ، وإلا فالأربع قد‌ نسبت لفاطمة عليها‌السلام في صحيح هشام بن سالم (١) كما عن المنتهى وخبره عن الصادق عليه‌السلام الذي رواه الصدوق « من صلى أربع ركعات يقرأ في كل ركعة بخمسين‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب نافلة شهر رمضان ـ الحديث ٢.

١٩٦

مرة قل هو الله أحد كانت صلاة فاطمة عليها‌السلام ، وهي صلاة الأوابين » لكن قد يظهر من الصدوق مع روايته الخبر المزبور الشك في ذلك ، حيث قال عند عقد الباب : « باب ثواب الصلاة التي تسميها الناس صلاة فاطمة عليها‌السلام ويسمونها صلاة الأوابين » وقال أيضا : « وكان شيخنا محمد بن الحسن بن الوليد يروي هذه الصلاة وثوابها إلا أنه يقول لا أعرفها بصلاة فاطمة عليها‌السلام وأما أهل الكوفة فإنهم يعرفونها بصلاة فاطمة عليها‌السلام » إلى آخره ، إلا أنه يعطي معروفيتها بذلك في الزمن السابق.

وكيف كان فلا إشكال في الأربع المزبورة ، إذ أقصى ذلك نسبتها إليهما ، ولعله لأنهما صلياها ، والظاهر انصراف نذر صلاة أمير المؤمنين عليه‌السلام مع عدم التعيين من الناذر إليها ، لعدم ثبوت نسبة الركعتين اليه عليه‌السلام ، وعدم منافاة شركة فاطمة عليها‌السلام إياه ، أما لو نذر صلاة فاطمة عليها‌السلام ، وقلنا إن كلا من الأربع والاثنين صلاتها فلا يبعد انصرافه إلى الركعتين ، لاختصاصهما بالنسبة في خبر المفضل إليها ، وربما قيل بالتخيير بينهما وبين الأربع ، وفيه إشكال ، بل لعل الانصراف إلى الجمع حينئذ أقرب منه.

ثم إنه بناء على ما ذكرنا من ثبوت الأربع لكل منهما عليهما‌السلام أو هي مع الاثنين أيضا كما سمعته ممن عرفت ، بل في المسالك نسبته إلى الرواية فهل يستحب خصوص التكرير تأسيا بكل منهما ، إذ الفعلان منهما بمنزلة الأمرين المقتضيين تعدد المسبب كما هو معنى أصالة تعدد المسببات بتعدد الأسباب أو لا يستحب ، لعدم ظهور الفعل بالتعدد بخلاف الأمر ، وهو الأقوى ، ولعله لحظ الأول في المسالك في قوله فيما تقدم ، وتظهر الفائدة في النية ، ضرورة أن التشخيص حينئذ يكون بقصد النسبة المزبورة ، لتعدد الفعل والاتفاق بالكيفية.

١٩٧

وكيف كان فلا يتوهم اختصاص استحباب هذين الصلاتين وصلاة جعفر الآتية في شهر رمضان ، بل هي مستحبة في كل وقت ، قال الصادق عليه‌السلام في خبر المفضل المزبور : « اسمع وعه وعلم ثقات إخوانك هذه الأربع والركعتين ، فإنهما أفضل الصلوات بعد الفرائض ، فمن صلاها في شهر رمضان أو غيره انفتل وليس بينه وبين الله عز وجل من ذنب » نعم يتأكد استحبابها في خصوص شهر رمضان لزيادة شرفه ، وللخبر المذكور وغيره.

كما أنه يتأكد استحباب صلاة فاطمة عليها‌السلام في أول يوم من ذي الحجة على ما نص عليه في القواعد والذكرى ، ولعله لأنه اليوم الذي تزوجت صلوات الله عليها بعلي عليه‌السلام فيه ، فناسب صلاتها فيه كما عساه يفهم من المحكي عن الكفعمي ، وقال الشيخ في المصباح : هذا اليوم يوم مولد إبراهيم الخليل عليه‌السلام وفيه زوج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة من أمير المؤمنين عليهما‌السلام وروي (١) أنها كان يوم السادس ، ويستحب أن يصلى فيه صلاة فاطمة عليها‌السلام وروي (٢) أنها أربع ركعات مثل صلاة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ويستفاد منه أن كون صلاة الأمير عليه‌السلام أربعا مفروغ منه ، وأن الظاهر عنده كون صلاة فاطمة عليها‌السلام ركعتين ، لنسبته الأربع إلى الرواية ، والأمر سهل ، ولا ينافي ما ذكرناه من استحباب الصلاة المزبورة في هذا اليوم ما عن البحار من أنه قد ورد في بعض الأخبار صلاة ركعتين في هذا اليوم قبل الزوال بنصف ساعة بكيفية صلاة الغدير كما هو واضح.

وأما كيفية صلاة جعفر الطيار عليه‌السلام التي قد تظافرت الأخبار‌

__________________

(١) البحار ـ ج ١٠ ص ٢٧ و ٢٩ من طبعة الكمباني.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب بقية الصلوات المندوبة ـ الحديث ٧.

١٩٨

باستحبابها المجمع عليه كما عن المنتهى وظاهر المعتبر ، بل عن غيرهما أنه من المتفق عليه بين علماء الإسلام إلا نادرا ، وعن آخر أنها مشهورة بين الخاصة والعامة ، وبلغت الأخبار بها التواتر ، والأئمة صلوات الله عليهم كانوا يصلونها ، ولعل المراد بالنادر أحمد ، فإنه قد حكي عنه عدم استحبابها ، ولا ريب في شذوذه وبطلانه ، كما أنه لا ريب في شذوذ ما يحكى عن بعض مبغضي العامة من أن الخطاب بهذه الصلاة وتعلمها وقع للعباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل في الذكرى أنه رواه الترمذي أيضا ، إذ من الواضح أن رواية أهل البيت عليهم‌السلام أوثق ، لأن صاحب الدار أدرى بالذي فيها ، على أنه من الممكن خطاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهما معا بها في وقتين.

وكيف كان فتسمى هذه الصلاة بصلاة الحبوة وبصلاة التسبيح ، ووجه الثاني واضح ، وأما الأول فلما في‌ خبر أبي بصير (١) عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لجعفر عليه‌السلام : ألا أمنحك ألا أعطيك ألا أحبوك؟ فقال له جعفر : بلى يا رسول الله ، قال : فظن الناس أنه يعطيه ذهبا أو فضة فتشرف الناس لذلك ، فقال له : إني أعطيك شيئا إن أنت صنعته كل يوم كان خيرا لك من الدنيا وما فيها ، فان صنعته بين يومين غفر لك ما بينهما ، أو كل جمعة أو كل شهر أو كل سنة غفر لك ما بينهما » وخبر الثمالي (٢) عن الباقر عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لجعفر بن أبي طالب عليه‌السلام : يا جعفر إلا أمنحك ألا أعطيك ألا أحبوك ألا أعلمك صلاة إذا أنت صليتها لو كنت فررت من الزحف وكان عليك مثل رمل عالج وزبد البحر ذنوبا غفرت لك؟ قال : بلى يا رسول الله » وفي خبر أبي البلاد (٣) « قلت لأبي الحسن موسى عليه‌السلام : أي شي‌ء لمن صلى صلاة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة جعفر (ع) ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة جعفر (ع) ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة جعفر (ع) ـ الحديث ٢ وفي الوسائل إبراهيم بن أبي البلاد.

١٩٩

جعفر عليه‌السلام؟ قال : لو كان عليه مثل رمل عالج وزبد البحر ذنوبا لغفرها الله له ، قال : قلت : هذه لنا قال : فلمن هي إلا لكم خاصة » وقال إسحاق بن عمار (١) أيضا للصادق عليه‌السلام : « من صلى صلاة جعفر عليه‌السلام هل يكتب له من الأجر مثل ما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لجعفر؟ قال : إي والله » والظاهر أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حباه إياها يوم قدومه عليه من سفره كما يفهم من‌ خبر بسطام (٢) وقد بشر في ذلك اليوم بفتح خيبر فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « والله ما أدري بأيهما أنا أشد سرورا بقدوم جعفر عليه‌السلام أو بفتح خيبر ، فلم يلبث أن جاء جعفر قال : فوثب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فالتزمه وقبل ما بين عينيه ، ثم قال : له : ألا أمنحك » إلى آخره.

وكيف كان فهي أربع ركعات بلا خلاف نصا وفتوى ، فمن اقتصر على الثنتين منها لم يأت بالوظيفة ، بل هو مشرع في الدين إن قصد ذلك من أول الأمر من غير فرق في ذلك بين القول بأن الأربع بتسليمة واحدة كما يحكى عن ظاهر المقنع حيث قال : وروي أنها بتسليمتين وبين القول بأنها بتسليمتين كما هو المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا ، بل عن مصابيح الأستاذ الأكبر أنه كاد يكون إجماعا ، بل لا أجد فيه خلافا إلا ما يحكى عمن سمعت ، مع أنا لم نتحققه ، بل أنكر غير واحد العبارة المزبورة فيه ، نعم لم يذكر التسليم ككثير من النصوص المتضمنة للكيفية ، ولعله لمعلومية تثنية النوافل كترك القنوت والتشهد ، أو لأن المقصد الأهم في كيفيتها بيان مواضع التسبيح أو غير ذلك ، على أنه محجوج بخبر الثمالي (٣) أو صحيحه المعتضد بالفتاوى ، إذ من المعلوم أنه لا ملازمة بين اشتمالها على التسليمتين وبين جواز الاقتصار‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة جعفر (ع) ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة جعفر (ع) ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة جعفر (ع) ـ الحديث ٥.

٢٠٠