جواهر الكلام - ج ١٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

١

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌

( الفصل الرابع )

من الفصول السابقة

( في الصلاة على الأموات )

(و‌ فيه أقسام ) :

( الأول من يصلى عليه وهو كل من كان مظهراً للشهادتين ) بحيث صار بذلك من المسلمين ، ولم يكن قد صدر منه مع ذلك ما يوجب اندراجه في الكافرين ، فتجب الصلاة عليه حينئذ بلا خلاف فيه في المحكي عن المنتهى وإن كان المعقد فيه المسلم كالمحكي عن الإجماع في التذكرة وعن مجمع البرهان ، إذ هو هو ، ضرورة عدم إرادة ما يشمل الخوارج والغلاة ونحوهما ممن انتحلوا الإسلام وكفروا بإنكار ضرورياته منه ، ولذا فرع بعضهم خروجهم على اعتبار الإسلام في المصلى عليه ، وفي الخلاف والمحكي عن المبسوط لا يصلى على القتيل من البغاة لكفره ، لكن عن الأول في قتال أهل البغي أنه يصلى عليه للعموم والاحتياط ، وقد يريد بالثاني من لم يصل ببغيه إلى حد الكفر بخلاف الأول فيرتفع الخلاف ، كما أنه يرتفع بما سمعته بين المتن ومن عبر كعبارته كالقواعد والجمل والعقود والإصباح على ما حكى عن الأخيرين وبين المشهور من التعبير بالمسلم ، بل عرفت‌

٢

أنه معقد الإجماع ونفي الخلاف فضلا عما عن كشف الرموز من أنه المذهب ، إذ هو المراد من المظهر فيها لا ما يشمل الخوارج والغلاة والمنافقين ونحوهم وإن توهم ، إلا أنه ينبغي القطع بعدمه في مثل المتن الذي ستسمع تقييده في الأطفال بمن له حكم الإسلام ، وتقدم تصريحه في الغسل بعدم غسل الخوارج والغلاة ، مع أن الصلاة أولى بالمنع ، ويعتبر فيها تقدم الغسل ، فيستقر الإجماع حينئذ على عدم إلحاقهم بالمسلمين في ذلك ، فيبقى أصل البراءة بلا معارض.

نعم ما عن المقنعة والوسيلة والسرائر والكافي والإشارة من قصر الوجوب على المؤمن ظاهر أو صريح في الخلاف ، بل في الذكرى « وشرط سلار في الغسل اعتقاد الميت للحق ، ويلزمه ذلك في الصلاة » قلت : لعله لتأخرها ، كما أنه لعل ذلك منهم بناء على كفرهم في الدنيا كما صرح به بعضهم ، أو إلحاق ما بعد الموت بعالم الآخرة ، وقد بينا ضعف الأول بما لا مزيد عليه في النجاسات ، كما أنا بينا ضعفه وضعف الثاني في التغسيل ، ونزيد هنا بما عرفت من محكي الإجماع إن لم يكن محصله باعتبار متروكية الخلاف المزبور كما اعترف به الشهيد في البيان ، وبعموم‌ قوله عليه‌السلام في خبر السكوني (١) : « لا تدعوا أحدا من أمتي بلا صلاة » وقول الصادق عليه‌السلام في خبر طلحة بن يزيد (٢) : « صل على من مات من أهل القبلة ، وحسابه على الله » ومرسل الدعائم (٣) عن الباقر عليه‌السلام « الصلاة على الميت فرض على الكفاية لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : صلوا خلف من قال : لا إله إلا الله ، وعلى من قال : لا إله إلا الله » وفيها (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « أنه قال : صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٣ من كتاب الطهارة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٢ من كتاب الطهارة.

(٣) دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٨١ ذكره في ذيل الصفحة.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١.

٣

على امرأة ماتت في نفاسها من الزنا وعلى ولدها ، وأمر بالصلاة على البر والفاجر من المسلمين » وغيرها من الإطلاقات في الميت ونحوه وما يوجد من الصدر خاصة أو مع باقي الأعضاء وغير ذلك ، والضعف منجبر بما عرفت.

فمن الغريب ميل بعض متأخري المتأخرين إليه للأصل المقطوع بما سمعت ، وبأن الصلاة كرامة ودعاء وغير المؤمن منهما محروم ، وفيه منع انحصار وجهها في الإكرام ، وعليه فلعله لإظهار الشهادتين ، وعدم اعتبار الدعاء فيها للميت خاصة بل له أو عليه كما كان يصنعه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام على المنافقين الذي منه يظهر أن المراد من النهي في قوله تعالى (١) ( وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ) إلى آخره. الدعاء لهم كما اعترف به في كشف اللثام ، ولجهل عمر بذلك وبمرتبة النبي (ص) ( النبوة خ ل ) وأنه مستغن عن تعليمه وغيره وشدة نفاقه وريائه أساء الأدب مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما تقدم للصلاة على ابن أبي كما‌ عن كتاب سليم بن قيس (٢) « فأخذ عمر بثوبه من ورائه وقال : « لقد نهاك الله أن تصلي عليه ولا يحل لك أن تصلي عليه فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنما صليت كرامة لابنه ، واني لأرجو أن يسلم به سبعون رجلا من بني أبيه وأهله ، وما يدريك وما قلت إنما دعوت الله عليه » هذا ، وقد ظهر لك أولوية وجوب الصلاة على الفرق المخالفة منا كالفطحية والناووسية ونحوهم من المخالفين ، وقد تقدم بعض الكلام في ذلك في المبحثين المزبورين ، فلاحظ وتأمل.

وعلى كل حال فالمصلي عليه إما أن يكون مسلما أو طفلا له ست سنين ممن له حكم الإسلام بالتولد أو السبي أو الالتقاط من أرض المسلمين أو الوصف بناء على‌

__________________

(١) سورة التوبة ـ الآية ٨٠.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٢ من كتاب الطهارة.

٤

اعتباره منه أو نحو ذلك ، فتجب حينئذ الصلاة عليه عند الأكثر بل المشهور بل في التذكرة نفي الخلاف فيه ، بل في الانتصار وظاهر الخلاف أو صريحه وصريح المحكي عن المنتهى الإجماع عليه ، بل عن المقنعة أنه مذهب آل الرسول عليهم‌السلام ، بل اليه يرجع ما‌ عن المقنع والجعفي « لا يصلى عليه حتى يعقل الصلاة » بناء على أن المراد بعقلها إمكان معرفتها ، والغالب حصوله ممن بلغ ذلك ، سأل الحلبي وزرارة أبا عبد الله عليه‌السلام في الصحيح (١) « عن الصلاة على الصبي متى يصلى عليه؟ فقال : إذا عقل الصلاة ، قلت : متى يجب عليه الصلاة؟ فقال : إن كان ابن ست سنين والصيام إذا أطاقه » وسأل زرارة (٢) أيضا أبا جعفر عليه‌السلام في ذيل خبره المتضمن سقوط الصلاة عن ذي الثلاث « فمتى تجب عليه الصلاة؟ فقال : إذا عقل الصلاة وكان ابن ست سنين ، قال : قلت : فما تقول في الولدان؟ قال : سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنهم فقال : الله أعلم بما كانوا عاملين » وفي ذيل مرسل الفقيه (٣) المتضمن نفي الصلاة على ذي الثلاث أيضا ، « وسئل أبو جعفر عليه‌السلام متى تجب الصلاة عليه؟ قال : إذا عقل الصلاة وكان ابن ست سنين » والمراد بالوجوب في الجميع الثبوت لا الشرعي قطعا ، أي متى يعقل فتثبت له الصلاة؟ فقال : إذا كان لست سنين ، كما رواه‌ محمد بن مسلم في الصحيح (٤) عن أحدهما عليهما‌السلام « في الصبي متى يصلى عليه؟ فقال : إذا عقل الصلاة ، قلت : متى يعقل الصلاة وتجب عليه؟ فقال : لست سنين ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١ من كتاب الطهارة.

(٢) الكافي ج ٣ ص ٢٠٧ المطبوع بطهران عام ١٣٧٧ باب « غسل الأطفال والصبيان والصلاة عليهم » ـ الحديث ٤ من كتاب الجنائز.

(٣) الفقيه ج ١ ص ١٠٥ ـ الرقم ٤٨٨ المطبوع في النجف.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ـ الحديث ٢ وفيه « متى يصلى؟ قال : إذا عقل الصلاة » إلخ.

٥

بل منه وغيره يعلم أن المراد تفسير بالعقل بالست في الصحيح السابق وذيل المرسل لا اشتراط الست مع عقل الصلاة ، بل ولا أن المراد أحدهما ، على أن الواو بمعنى « أو » كما عساه يوهمه أنه مقتضى الجمع بين النصوص السابقة وبين‌ صحيح علي بن جعفر (١) عن أخيه عليه‌السلام « سألته عن الصبي أيصلى عليه إذا مات وهو ابن خمس سنين؟ قال : إذا عقل الصلاة فصل عليه » بل بقرينة الصحيح وغيره مع الاتفاق ظاهرا يجب حمله على إرادة الكناية بذلك فيه عن بلوغ الست وعدم العبرة بالخمس ، فتأمل ، نعم الظاهر إرادة التحديد بذلك على الغالب في القابلية ، فالنادر ممن يعقلها قبل ذلك كغيره ممن لا يعقلها فيه أو فيما بعده لا عبرة به ، خصوصا إذا كان بالجهد في التعليم أو التقصير في المقدمات ، فهو تحقيق في تقريب حينئذ.

وكيف كان فقد بان لك أن مقتضى الجمع بين النصوص السابقة والإجماعات المحكية هو ما عرفت ، خصوصا بعد فهم الوجوب ، فانا لم نعرف خلافا فيه إلا من ابن أبي عقيل فلم يوجب الصلاة إلا بعد البلوغ ، ومال إليه الكاشاني في الوافي للأصل المقطوع بما عرفت ، وعدم حاجة الطفل إلى الاستغفار ونحوه المراد من الصلاة الممنوع على مدعيه بالصلاة على المجنون مثلا أولا ، وبعدم انحصار وجه مشروعيتها في ذلك بحيث يدور الحكم عليه ثانيا ، ول‌ موثق عمار (٢) سأل أبا عبد الله عليه‌السلام « عن المولود ما لم يجر عليه القلم هل يصلى عليه؟ قال : لا إنما الصلاة على الرجل والمرأة إذا جرى عليهما القلم » وخبر هشام (٣) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « إن الناس يكلموننا ويردون علينا قولنا إنه لا يصلى على الطفل لأنه لم يصل ، فيقولون : لا يصلى إلا على من صلى ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٤ من كتاب الطهارة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٥ من كتاب الطهارة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٣ من كتاب الطهارة.

٦

فنقول : نعم ، فيقولون : أرأيتم لو أن رجلا يهوديا أو نصرانيا أسلم ثم مات من ساعته فما الجواب فيه؟ فقال : قولوا لهم : أرأيتم لو أن هذا الذي أسلم الساعة ثم افترى على الناس ما كان يجب عليه في فريته فإنهم سيقولون : يجب عليه الحد ، فإذا قالوا هذا قيل لهم : فلو أن هذا الصبي الذي لم يصل افترى على إنسان هل كان يجب عليه الحد؟ فإنهم سيقولون : لا ، فيقال لهم : صدقتم إنما يجب أن يصلى على من وجبت عليه الصلاة والحدود ، ولا يصلى على لا يجب عليه الحدود » القاصرين عن معارضة ما عرفت من وجوه ، خصوصا بعد اعتضاده بعموم الصلاة على الميت وعلى الأمة ، وبعد عدم ثبوت اعتبار سند الثاني منهما ، وظهوره في إرادة الرد على العامة القائلين بالوجوب إذا استهل وظهور الأول منهما في سقوط الصلاة عن المجنون الذي لم يقل به ، وكونهما معا من العام الذي يجب تخصيصه بما ذكرنا ، بل في الذكرى إمكان إرادة ما يشمل التمريني من جري القلم في الأول ، قلت : بناء على شرعية عبادته كما هو الأصح يقوى الاحتمال المزبور ، ومع تعذر جميع ذلك فالطرح والرد إليهم عليهم‌السلام متعين في مقابلة ما ذكرنا ، لا أنه تحمل الأخبار السابقة من جهتهما على الندب كما التزمه الكاشاني.

وعلى كل حال فـ ( يتساوى ) في ذلك عندنا الذكر والأنثى والحر والعبد بل في التذكرة نفي الخلاف فيه ، بل الإجماع عليه معلوم.

وأما إذا كان دون ذلك فلا وجوب بلا خلاف فيه بيننا إلا من الإسكافي الذي لا يقدح خلافه في دعوى تحصيل الإجماع هنا فضلا عن محكيه في الانتصار والغنية والخلاف وغيرها ، وهو الحجة بعد الأصل والنصوص السابقة وغيرها ، كخبر علي بن عبد الله (١) عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام « لما قبض إبراهيم بن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ إلى أن قال ـ : ومضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٢ من كتاب الطهارة.

٧

انتهى به إلى قبره ، فقال الناس : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نسي أن يصلي على إبراهيم لما دخله من الجزع عليه فانتصب قائما ثم قال : أيها الناس أتاني جبرئيل عليه‌السلام بما قلتم ، زعمتم بأني نسيت أن أصلي على ابني لما دخلني من الجزع ألا وإنه ليس كما ظننتم ، ولكن اللطيف الخبير فرض عليكم خمس صلوات ، وجعل لموتاكم من كل صلاة تكبيرة ، وأمرني أن لا أصلي إلا على من صلى » التي لا يعارضها‌ خبر السكوني (١) عن جعفر عن آبائه عليهم‌السلام قال : « يورث الصبي ويصلى عليه إذا سقط من بطن أمه فاستهل صارخا ، فإذا لم يستهل صارخا لم يورث ولم يصل عليه » وصحيح ابن سنان (٢) عن الصادق عليه‌السلام « لا يصلى على المنفوس وهو المولود الذي لم يستهل ولم يصح ولم يورث من الدية ولا من غيرها ، وإذا استهل فصل عليه وورثه » وخبر ابن يقطين (٣) عن أبي الحسن الماضي عليه‌السلام « قلت له : لكم يصلى على الصبي إذا بلغ من السنين والشهور؟ قال : يصلى عليه على كل حال إلا أن يسقط لغير تمام » لرجحانها عليها من وجوه لا تخفى ، خصوصا بعد موافقتها لما عليه العامة عدا النادر.

بل قد يشكل لذلك ول‌ خبري زرارة المشتملين على موت ولدين لأبي عبد الله وأبي جعفر عليهما‌السلام فصلى عليهما أبو جعفر عليه‌السلام واعتذر عن ذلك فقال تارة لزرارة (٤) بعد أن أخذ بيده وتنحى : « إنه لم يكن يصلى على الأطفال إنما كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يأمر بهم فيدفنون من وراه ولا يصلى عليهم ، وإنما صليت‌

__________________

(١) التهذيب ج ٣ ص ٣٣١ الرقم ١٠٣٥ من طبعة النجف.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١ من كتاب الطهارة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٢ من كتاب الطهارة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١ من كتاب الطهارة.

٨

عليه من أجل أهل المدينة كراهة أن يقولوا : لا يصلون على أطفالهم » وأخرى (١) « أما أنه لم يكن يصلى على مثل هذا وكان ابن ثلاث سنين ، كان علي عليه‌السلام يأمر به فيدفن ولا يصلى عليه ولكن الناس صنعوا شيئا فنحن نصنع مثله » بل وخبر علي بن عبد الله (٢) حمل تلك النصوص على الندب ، بل جزم بعدمه في الحدائق مشددا للتكبير على دعوى ذلك ، بل ربما حكي عدم الندب بل جزم بعدمه في الحدائق مشددا للتكبير على دعوى ذلك ، بل ربما حكى عدم الندب أيضا عن الكليني والصدوق والمفيد.

لكن قال المصنف وغيره : إنه يستحب الصلاة على من لم يبلغ ذلك أي الست إن ولد حيا بل قيل : إنه المشهور لظهور الخبرين المزبورين في أن الفعل للتقية ، ولو أنه ندب ما احتيج إلى الاعتذار بما سمعت ، بل ربما كان الحمل على التقية مع إمكانه في نفسه أرجح من الندب ، لما فيه من بقاء اللفظ على حقيقته ، بل ربما توقف في حمل الأمر على الندب وإن لم يقم احتمال التقية لمجرد رجحان دليل عدم الوجوب ، لعدم كونه قرينة على ذلك ، لكن قد يقال بعد التسامح في السنن والشهرة في المقام : إن الندب هو الموافق لمقتضى حجية الأخبار ، وان كلامهم عليهم‌السلام بمنزلة متكلم واحد ، ونقع الكلمة فيه على وجوه متعددة ، وان أفقه الناس من يعرف معاني تلك الكلمات وما يلحن له في القول ، وانها بمنزلة الكلام المسموع منهم عليهم‌السلام الذي لا ريب في ظهور الأمر فيه بعد فرض التصريح منه بعدم الوجوب في الندب الذي هو أشهر المجازات وأقربها إلى الحقيقة ، فيترجح حينئذ على إبطال الدليل وطرحه ، فتأمل.

وكيف كان فلو وقع سقطا ميتا لم يصل عليه ندبا فضلا عن الوجوب وإن كان قد ولجته الروح قبل خروجه بلا خلاف أجده فيه ، للأصل والنصوص السابقة ، بل لعله كذلك لو خرج بعضه واستهل إلا أنه سقط ميتا لخبر السكوني المتقدم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٣ من كتاب الطهارة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٢ من كتاب الطهارة.

٩

وربما كان هو ظاهر المتن والقواعد وغيرهما ، لكن عن صريح المعتبر والمنتهى ونهاية الأحكام والتذكرة وغيرها الاستحباب ولو كان البعض الخارج أقله ، خلافا لأبي حنيفة فاعتبر خروج الأكثر ، قيل لإطلاق خبر ابن سنان (١) المتقدم ، وفيه أن ظاهره المولود الذي يمكن دعوى عدم صدقه إلا على الخارج ، نعم يمكن الاستناد له بعد التسامح إلى إطلاق خبر ابن يقطين (٢) فتأمل ، هذا ، وقد تقدم البحث في باب الغسل في الصلاة على الشهيد ونحوه وصدر الميت وتحقيق الحال في المحكوم بتبعيته من الأطفال وولد الزنا وغير ذلك ، فلا نعيده ، فلاحظ وتأمل ، والله أعلم.

القسم الثاني في المصلي وقد أشبعنا الكلام في التغسيل في بيان أن أحق الناس بالصلاة وغيرها من أحكام الميت عليه أولاهم بميراثه إذ هو أولى أولي الأرحام الذين بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ، وفي بيان عدم منافاة الأولوية المزبورة لوجوب هذه الأحكام على سائر المكلفين كفاية وإن قلنا بوجوب مراعاتها وفساد الفعل لو كان عبادة إن وقع بدونها ، إنما الكلام في أولوية أولى أولي الأرحام ، إذ قد يكون متعددا ، ضرورة كون المراد منه طبقات الإرث ، فقال والأب أولى من الابن بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في المدارك ، بل في التذكرة « أنه أولى منه ومن الجد وغيره من الأقارب كولد الولد والاخوة عند علمائنا » مشعرا بالإجماع عليه ، وهو ـ مع أقربية إجابته للدعاء باعتبار كونه أشفق وأرق ، وولايته على الولد ، وما روي (٣) من تولي الصادق عليه‌السلام أمر إسماعيل دون أولاده إن لم نقل إنه من حيث الإمامة أو أنه ليس لإسماعيل ولد قابل لذلك ـ يصلح مستندا للحكم ، وأكثرية نصيب الولدية‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١ من كتاب الطهارة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٢ من كتاب الطهارة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب التكفين ـ الحديث ٢ من كتاب الطهارة.

١٠

من الوالدية ، كما في كشف اللثام وغيره لعده في باب الغرقى أضعف لو سلم كشفه عن الأولوية ولو بدعوى أن المراد « من أولادهم بميراثه » أكثرهم نصيبا كما يومي اليه في الجملة صحيح الكناسي (١) المتقدم سابقا في التغسيل ـ بل قيل : إنه يعطيه كلام الشيخ وابن حمزة ، بل عن الفاضل القطع به ، وفرع عليه أولوية العم من الخال والأخ من الأب من الأخ من الأم ـ يجب الخروج عنها هنا بما سمعت ، حتى أن الفاضل الذي هو القاطع بذلك وافق هنا على أولوية الأب وإن قل نصيبه.

وكيف كان فما عن ابن الجنيد من تقديم الجد عليه وعلى الابن في غاية الضعف بما ظهر لك سابقا من النصوص والفتاوى من إرادة الأولى بالميراث من الولي هنا ، ومن المعلوم أنهما أولى منه بذلك ، واحتمال إرادة الأولوية بالميراث ولو في بعض الأحوال ـ فيكون مساوقا لآية أولي الأرحام (٢) الظاهرة في إرادة بيان أولويتهم من الأجانب فحسب من غير تعرض للترجيح فيما بينهم ، فلا تنافي حينئذ أولوية الجد من جهة أنه أليق بمنصب الإمامة وأن له الولاية عليهما ـ كما ترى ، ضرورة ظهور الأولوية بالميراث في الترجيح بين أولي الأرحام ، بل ظاهر المحكي عن المختلف من رده كلام الإسكافي بآية أولي الأرحام أنها هي كذلك فضلا عن تلك الفقرة ، وإن كان فيه نظر واضح ، لكن قد يؤيده‌ قول الباقر عليه‌السلام في خبر زرارة (٣) : « قول الله عز وجل ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) إن بعضهم أولى بالميراث من بعض ، لأن أقربهم إليه أولى به » كل ذلك مع ظهور أقربية الولد للصلب من الجد عرفا خصوصا لو علا ، نعم قد يساويه ولد الولد ، فمن الغريب ما في المدارك من أنه لو كان المدار في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب موجبات الإرث ـ الحديث ٧ من كتاب الإرث.

(٢) سورة الأنفال ـ الآية ٧٦.

(٣) تفسير البرهان ـ سورة الأنفال ـ الآية ٧٦ عن تفسير العياشي.

١١

الأولوية على الأمس رحما وشدة العلاقة من غير اعتبار لجانب الإرث يقرب ما ذكره ابن الجنيد ، نعم يمكن الاستدلال لابن الجنيد بتولي الباقر عليه‌السلام أمر ولد الصادق عليه‌السلام (١) وفيه أنه لعله لأنه إمام العصر الذي ستعرف أولويته من كل أحد أو لغير ذلك كما هو واضح.

فلا إشكال حينئذ في أولوية الأب وكذا الولد وإن نزل أولى من الجد أب الأب وإن اتصل فضلا عن العالي والجد للأم والأخ والعم وباقي الأرحام لما عرفت من أن مدارها على الأولوية بالإرث ، وهو مختص به هنا لا يشاركونه فيه ، نعم لو كان صغيرا ففي انتقالها لخصوص الجد لأنه وليه وإن لم نقل بتقديمه في الطبقة الثانية ، أو إلى الإناث لو كانوا معه ، أو إلى المرتبة الثانية من الأرحام ، أو إلى حاكم الشارع ، أو تسقط وجوه مترتبة في القوة والضعف.

ثم إن ظاهر المصنف وغيره بل لا خلاف أجده فيه بينهم بل هو مقتضى الأصل وإطلاق الأدلة اشتراك الأولاد في ذلك لو تعددوا ، لكن في الحدائق أن المفهوم من‌ صحيحة محمد بن الحسن الصفار (٢) المروية بطريق المشايخ الثلاثة ، قال : « كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام رجل مات وعليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيام وله وليان هل يجوز لهما أن يقضيا عنه جميعا خمسة أيام أحد الوليين وخمسة أيام الآخر؟ فوقع عليه‌السلام يقضي عنه أكبر ولييه عشرة أيام ولاء إن شاء الله » كون الأكبر الولي شرعا ، وفيه أنه في القضاء ، بل هو صريح أو كالصريح في ثبوت الولاية لغيره في غيره ، فتأمل.

وأما الطبقة الثانية فـ ( ـالأخ )من الأب والأم أولى ممن يمت بأحدهما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨٥ ـ من أبواب الدفن ـ الحديث ٦ من كتاب الطهارة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ٣ من كتاب الصوم.

١٢

لعدم إرث المتقرب بالأب معه ، وتقرب الثاني بمن لا ولاية لها مع الأب ، فكذا فرعها مع فرعه ، ولأنه أكثر نصيبا منه ، ولتقربه من جهتين ، ول‌ قول أبي جعفر عليه‌السلام في الصحيح عن بريد الكناسي (١) المتقدم في التغسيل : « وأخوك لأبيك وأمك أولى بك من أخيك لأبيك ، وأخوك لأبيك أولى بك من أخيك لأمك » ضرورة دلالته على أولويته منهما صريحا في الأول ، وفحوى في الثاني ، لأن الأولى من الأولى أولى ، بل الظاهر كون أولادهم كذلك ، قال في الصحيح المزبور : « وابن أخيك من أمك وأبيك أولى بك من أخيك لأبيك ، وابن أخيك لأبيك أولى بك من عمك » إلى آخره معتضدا ذلك كله بعدم الخلاف فيه فيما أجد ، بل ولا في تقديم الأخ للأب على الأخ للأم للصحيح المزبور ، ولأنه أكثر نصيبا ، ولتقربه بمن له الولاية.

أما الجد فقد يظهر من المصنف وغيره ممن ترك التعرض له مساواته للأخ مطلقا لأنه من الأولى بالميراث ، لكن عن الشيخ وابن إدريس تقديمه على الأخ للأبوين فضلا عن غيره ، قالا : « الأب أولى الأقارب ، ثم الولد ، ثم الجد من قبل الأب ، ثم الأخ من قبل الأب والأم ، ثم الأخ من قبل الأب ، ثم الأخ من قبل الأم ، ثم العم ثم الخال ، ثم ابن العم ، ثم ابن الخال » وزاد في المحكي عن جامع المقاصد « ثم المعتق ثم الضامن ثم الحاكم ثم عدول المسلمين » وعن المنتهى أنه يلزم على قول الشيخ أن العم من الطرفين أولى من العم من أحدهما ، وكذا الخال ، قال : « ولو اجتمع ابنا عم : أحدهما أخ لأم كان الأخ من الأم على قوله أولى من الآخر ، وهو أحد قولي الشافعي » وفي تذكرته بعد أن ذكر قولي الشافعي في تقديم العم للأبوين على العم للأب قال : « وعندنا أن المتقرب بالأبوين أولى ، لأنه الوارث خاصة ـ وقال ـ : إن ابن العم إذا كان أخا لأم يقدم عندنا على ابن العم الآخر لاختصاصه بالميراث » وعن جامع المقاصد وغيره‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب موجبات الإرث ـ الحديث ٢ من كتاب الإرث.

١٣

« المشهور أن الأخ من الأم أولى من العم والخال ، والعم أولى من الخال ، والخال أولى من ابن العم وابن الخال ، ثم ابن العم أولى من ابن الخال ».

وكيف كان فليس في النصوص ما يدل على تقديم الجد على الأخ ، بل لعل الأخ منهما أولى منه باعتبار تقربه من وجهين ، نعم هو مساو للأخ من الأب فيقدم حينئذ على الأخ من الأم ، اللهم إلا أن يقال باعتبار أن له الولاية على الميت وأبيه في بعض أحوالهما يقدم على الأخ مطلقا ، لكن على كل حال ينبغي الاقتصار عليه من قبل الأب كما قيداه به ، أما إذا كان من قبل الأم فهو مساو للأخ منها خاصة ، كما هو واضح.

وكذا ينبغي تقديم العم للأبوين على العم لأحدهما ، والعم للأب خاصة عليه للأم ، والجميع على الخال ، لما عرفت من أن المدار على أولوية الميراث أو التقرب بالأب الذي له الولاية ، قال عليه‌السلام في الصحيح المزبور : « وعمك أخو أبيك من أبيه وأمه أولى بك من عمك أخي أبيك من أبيه ـ قال ـ : وعمك أخو أبيك لأبيه أولى بك من عمك أخي أبيك لأمه ـ قال ـ : وابن عمك أخي أبيك من أبيه وأمه أولى بك من ابن عمك أخي أبيك لأبيه ـ قال ـ : وابن عمك أخي أبيك لأبيه أولى بك من ابن عمك أخي أبيك لأمه » وهو كالصريح فيما قلناه ، ومن ذلك كله يظهر لك ما في مناقشة سيد المدارك فيما سمعته من الشيخ بأنه إن أراد بالأولوية أن من يرث أولى ممن لم يرث لم يلزم منه أولوية بعض الورثة على بعض كالأب على الابن ، والجد على الأخ ، والعم على الخال ، وإن أراد بها كثرة النصيب انتقض بالأب فإنه أولى من الابن مع أنه أقل نصيبا منه ، وكذا الجد فإنه أولى من الأخ مع تساويهما في الاستحقاق إلا أن يقال : إن التخلف في هاتين الصورتين لعارض وهو قوة جانب الأب والجد باختصاصهما بزيادة الحنو والشفقة وحصول النسل منهما ، لكن في ذلك خروج عن اعتبار الإرث ، إذ قد عرفت أن المدار على ما ذكرنا.

١٤

وأما انتقال الولاية عند فقد ذوي الأرحام إلى المعتق ثم الضامن فلعلهما لأنهما الأولى بالميراث حينئذ ، إذ احتمال التخصيص بأولى الأرحام يدفعه إطلاق اللفظ ، نعم قد يشكل ذلك في الحاكم وعدول المسلمين لعدم إرثهما ، ونيابتهما عن إمام الأصل الذي له الإرث في الفرض لو كانت مؤثرة لاستحقا التقديم بها على الأرحام ، لما ستعرف من تقدمه عليه‌السلام عليهم ، على أنه لا عموم فيها يشمل المقام ، فسقوط الولاية حينئذ غير بعيد وإن كان الأحوط خلافه ، هذا.

وينبغي استثناء الزوج من أولوية الأرحام ، فإنه أولى بالمرأة من عصابتها وإن قربوا لما عرفته مفصلا في التغسيل ، كما عرفت البحث في قوله وإذا كان الأولياء جماعة فالذكر أولى من الأنثى ولو كان الذكر صغيرا أو مجنونا أو غائبا ففي الذكرى « أن الأقرب كون الولاية لها ، لأنه بنقصه كالمعدوم » ومال إليه في كشف اللثام ، والمحكي عن جامع المقاصد « ولو لم يكن في طبقته مكلف ففي كون الولاية للأبعد أو للحاكم عليه نظر ، من عموم آية أولى الأرحام ، والناقص كالمعدوم ، وأنه أولى بالإرث فلتكن الولاية له يتصرف فيها الولي » قلت : مثله يأتي في الأول أيضا ، وقد ذكرنا في التغسيل قوة السقوط في ذلك ، فلاحظ وتأمل ، هذا. وعن المبسوط والسرائر « أن الذكر أولى من الأنثى إذا كان ممن يعقل الصلاة » وفي الذكرى « وهذا يشعر بأن التميز كاف في الإمامة كما أفتى به في المبسوط والخلاف في جماعة اليومية » قلت : ولو صلى فرادى فالظاهر عدم الاجتزاء بها وإن قلنا بشرعيتها ، استصحابا للشغل ، ومعلومية عدم إجزاء الندب عن الواجب ، وبه صرح الأستاذ في كشفه.

وأما أن الحر وإن بعد أولى من العبد وإن قرب فمعلوم ، بل عن المنتهى « لا أعلم فيه خلافا » قلت : لانتفاء ولايته عن نفسه فعن غيره بطريق أولى ولأنه هو الوارث دونه ، بل منه يعلم الحال في باقي موانع الإرث من القتل وغيره ،

١٥

لكن في القواعد والفقيه « العبد أولى من الحر » بل في جامع المقاصد « هذا الحكم مذكور في كلام الأصحاب وهو مشكل إن أريد الولاية ، إذ العبد لا إرث له فلا ولاية له ، وإن أريد بأولويته أفضلية تقديم الولي فهو صحيح إلا أنه خلاف المتبادر من كلامهم والظاهر أن مرادهم الأول بدليل أنهم في ترجيح الهاشمي اشترطوا تقديم الولي له » قلت : لا بد من إرادة ذلك وبيان أن الحرية لا يقدم على الفقاهة وإن كانت في العبد كما جزم به في الكشف ، نعم يمكن التوقف في ذلك بالنسبة إلى باقي المرجحات.

ولو كان الميت عبدا فسيده أولى به من أرحامه كما في حال حياته ، ولا ميراث له على الأصح ، فلا أحد أولى بميراثه ، اللهم إلا أن يحمل على إرادة المنشأية لولا المانع بل آية أولى الأرحام مطلقة ، لكن على كل حال لا يعارض السيد ، نعم لو كان هو مولى عليه احتمل الرجوع حينئذ إلى الأرحام وإلى ولي السيد.

وكيف كان فقد ظهر من ذلك كله فساد ما حكاه في المدارك عن بعض مشايخه المعاصرين أنه قيل باشتراك الورثة بالولاية ، إذ هو مع أنه مجهول القائل مخالف لما عرفت مما يقتضي تقديم بعضهم على بعض ، كفساد ما يقال أو قيل : إن الأنثى لا ولاية لها أصلا لقول الصادق عليه‌السلام في حسنة حفص (١) « في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام قال : يقضي عنه أولى الناس بميراثه ، قلت : فان كان أولى الناس به امرأة قال : لا إلا الرجال » إذ هو مع أنه في خصوص القضاء معارض بإطلاق الأدلة السابقة‌ وبصحيح زرارة (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام « قلت : المرأة تؤم النساء قال : لا إلا على الميت إذا لم يكن أحد أولى منها ، تقوم وسطهن في الصف معهن تكبر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ٥ من كتاب الصوم.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١ من كتاب الطهارة.

١٦

ويكبرن » المعتضد بالإجماع على الظاهر.

ولا يتقدم الولي إلا إذا كان عالما بالواجب من أحكام الصلاة واستكملت فيه مع ذلك شرائط الإمامة ، وإلا قدم غيره الجامع لذلك ، بل يجوز له التقديم وإن كان صالحا لها أيضا ، للأصل وإطلاق النصوص (١) بالتخيير ، إلا أن الظاهر استحباب مباشرته مع المساواة فضلا عما لو كان أكمل ، لأنه ادعى للإجابة ، بل له احتمل في كشف اللثام وغيره عدم استحباب تقديم الغير وإن كان أكمل ، نعم قوى الندب في الذكرى ، بل حكي عن المفيد في الغرية أنه جعل من السنة تقديم العالم الفقيه إلا أنه بعد الهاشمي ، والأمر سهل.

والظاهر جواز الرجوع بالاذن قبل التلبس ، لأنها كالوكالة ، أما بعده ففي الذكرى « أن الأقرب المنع لما فيه من اختلال نظم الصلاة ، ووجه الجواز أنها صلاة عن إذنه الذي هو جائز في الأصل فيستصحب ، وحينئذ يصلون فرادى ، إذ لا طريق إلى الابطال والعدول إلى إمام آخر بعيد » قلت : قد يمنع حرمة الإبطال هنا بدعوى إرادة خصوص الصلاة الفريضة من العمل في قوله تعالى (٢) ( وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ) بعد تسليم دلالته على حرمة القطع وأنه غير مراد منه خصوص الارتداد ونحوه ، وحينئذ فيقوى جواز الرجوع.

وكيف كان فان لم يقدم أحدا فعن غير واحد سقوط اعتباره ، قال في المحكي عن الذكرى : « لإطباق الناس على صلاة الجنازة جماعة من عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الآن ، وهو يدل على شدة الاهتمام ، فلا يزول هذا المهم بترك إذنه ، نعم يعتبر إذن حاكم الشرع » قلت : يتجه سقوط اعتباره لو ترك مع ذلك الصلاة فرادى ، أما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب صلاة الجنازة من كتاب الطهارة.

(٢) سورة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ الآية ٣٥.

١٧

لو اختارها فالوجه عدم مزاحمته والاجتزاء بها ، لأن ذلك مقتضى أولويته ، واحتمال أن ولايته نظرا للميت فمع عدم إذنه في الجماعة خيانة للميت ومناف لصلاحه فلا يعتبر ضعيف بل مخالف لظاهر الأدلة ، وعلى كل حال فليس للغير المبادرة للتقديم من دون استئذانه لعدم سقوط ولايته في الاختيار كما هو واضح ، وسيصرح به المصنف ، ولذلك لا تنتقل الولاية عنه بذلك إلى غير من في طبقته من الأرحام ، بل ولا تنحصر في المشاركين له في الطبقة بناء على اشتراك الجميع في الولاية.

وإذا تساوى الأولياء في الصلاحية للإمامة قدم الأفقه فالأقرأ فالأسن فالأصبح كما في القواعد والتحرير والبيان ، والمشهور نقلا في كشف اللثام وغيره تقديم الأقرأ على الأفقه ، قلت : ويؤيده أنه لم نقف على مأخذ لذلك في خصوص هذه الصلاة كما اعترف به غير واحد ، بل مقتضى تعليلاتهم أخذ ذلك مما ورد في الجماعة اليومية ، بل في الذكرى أن ظاهر الأصحاب إلحاق هذه الجماعة بتلك ، وقد قدم المصنف وغيره هناك الأقرأ على الأفقه ، بل نسبه في الذكرى إلى الأصحاب ، فينبغي أن يكون هنا كذلك ، خصوصا مع إطلاق الدليل ، اللهم إلا أن يكون وجه الفرق ما في كشف اللثام تبعا للذكرى من أن نص تقديم الأقرأ صريح في قراءة القرآن ، ولا قرآن في صلاة الأموات ، مع عموم تقديم الأعلم والأفقه ، وهو لا يخلو من قوة ، لكن قد يقال باعتبار كثير من مرجحات القراءة في الدعاء ، وإلا فلا ينبغي اعتبارها رأسا لا تقديم الأفقه عليها ، مع أن ظاهرهم الاتفاق على اعتبارها في الجملة ، نعم في الإرشاد خاصة اقتصر على الأفقه.

وعلى كل حال ففي كشف اللثام أنه ليس في المبسوط والخلاف والسرائر والإصباح والمنتهى ونهاية الأحكام والتذكرة للأصبح ذكر ، بل انتقلوا فيما عدا الأول والأخير بعد الأسن إلى القرعة ، نعم في الأخير بعد الأسن ، وبالجملة يقدم الأولى في المكتوبة‌

١٨

وهو يعطي الصباحة وغيرها كقدم الهجرة ، وهو الذي ينبغي إذا عمم المأخذ المكتوبة وصلاة الجنازة ، قلت : قد عرفت انحصار المأخذ في ذلك ، فالمتجه حينئذ مراعاة ذلك كله فيما لم يظهر فيه فرق بين المقامين ، وقد استقصينا الكلام هناك في ذلك وفي المراد من هذه الألفاظ في بحث الجماعة قبل كتابة المقام ، فلاحظ وتأمل.

لكن بقي شي‌ء وهو أنه في جماعة اليومية يتجه تأخير القرعة لو تشاحوا عن وجود المرجحات ، لأن الحاصل استحباب تقديم الواجد للمأمومين على الفاقد ، أما المقام فباعتبار اشتراك الولاية وأنه لا يجب على الفاقد تقديم الواجد كما في اليومية على ما عن بعضهم التصريح به هنا للأصل وإطلاق الأدلة يمكن حينئذ تصور التشاح مع الأوصاف المزبورة ، فيحتاج حينئذ إلى القرعة ، ولعله لذلك ترك ترتيبها على الأوصاف المزبورة في المتن وغيره ، لأنها تأتي مع التشاح وان امتاز أحدهما بالصفات كما عن القاضي في المهذب إطلاق القرعة إذا تشاح الاثنان وإن حكي عنه في الكامل أنه اعتبرها مع التساوي في العقل والكمال ، فتأمل جيدا.

والظاهر الترجيح بهذه الأوصاف في الإمام من غير الأولياء أيضا كما صرح به في كشف اللثام لاتحاد طريق المسألتين ، بل في الترجيح بها أو بعضها في الفرادى وجه ، لكن ظاهر المتن بل وغيره خلافه ، ولعله لإمكان وقوع الصلاة منهم جميعا فرادى ، فلا تشاح حينئذ ، بخلافه في الجماعة وإن قال في كشف اللثام : إنه لا بأس عندي لو عقدوا جماعة أو جماعتين أو جماعات دفعة ، لكن الأفضل الاتحاد ، إذ يمكن تشاحهم حينئذ على الأفضل ، أو يفرض عدم تيسر الزائد على الجماعة الواحدة ، مع أنه يمكن منع ذلك من أصله بعدم المعهودية على وجه يشكل اندراجه في إطلاق الأدلة ، بل قد يتوقف فيما ذكرناه أيضا وإن كان الأقوى الجواز ، بل تسمع إن شاء الله في جواز تعاقب المصلين ما يقضي بالجواز حتى في الجماعة ، وعلى كل حال فالمخاطب بالتقديم الفاقد حينئذ‌

١٩

كما أنه هو والجماعة مخاطبون بتقديمه في الجماعة ، بل يستحب للواجد أيضا ذلك ، فتأمل جيدا.

وكيف كان فقد ظهر لك مما دل على ثبوت الأولوية المزبورة أنه لا يجوز أن يتقدم أحد للصلاة جماعة أو فرادى كما عرفته مفصلا في بحث التغسيل إلا بإذن الولي سواء كان بشرائط الإمامة أو لم يكن بعد أن يكون مكلفا ضرورة عدم اعتبار صلاحية لما هو ولي عليه في ثبوت الولاية ، لإطلاق الأدلة الممنوع انصرافه إلى ذلك على وجه الشرطية ، بل ثبوت الولاية في التغسيل لمن لا يجوز له المباشرة مع وجود المماثل أوضح شي‌ء في الدلالة على العدم ، نعم يعتبر فيه الصلاحية للاذن أو الفعل ، أما إذا لم يكن كذلك ففي سقوط الولاية أو انتقالها إلى وليه أو إلى غيره من الأرحام أو إلى الحاكم وجوه ، كما لو امتنع أو كان غائبا وإن كان الأقوى الأول فيهما ، خصوصا في الأول منهما ، وظاهر العبارة وغيرها تقديم الولي على الموصى إليه بالصلاة ، بل عن المسالك أنه المشهور ، بل في المحكي عن المختلف لم يعتبر علماؤنا ما ذكره ابن الجنيد أي من تقديم الوصي ، وهو كذلك لأني لم أجد من وافقه عليه ، نعم عن المحقق الثاني احتماله ، بل نفى عنه البأس في المدارك لعموم ما دل (١) على النهي عن تبديل الوصي ولاشتهار ذلك بين السلف ، ولأن الميت ربما آثر شخصا لعلمه بصلاحه وطمعه في إجابة دعائه ، فمنعه من ذلك وحرمانه ما أمله غير موافق للحكمة ، ولأن الولاية نظر للميت في أحد الاحتمالين ، لكن ذلك كله كما ترى لا يصلح معارضا لإطلاق الأدلة بعد منع عموم النهي عن تبديل الوصية لذلك ، كما أن ما يحكى عن ابن حنبل ـ من ترجيح الوصي بأن أبا بكر أوصى أن يصلي عليه عمر وعمر أوصى أن يصلي عليه صهيب ، وأوصت عائشة أن يصلي عليها أبو هريرة ، وابن مسعود أوصى أن يصلي عليه الزبير ، ويونس‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من كتاب الوصايا.

٢٠