جواهر الكلام - ج ١٢

الشيخ محمّد حسن النّجفي

في السند والمعارضة بالأصل وإطلاق الأمر بالصلاة في وجه ، وقول الصادق عليه‌السلام في موثق عمار (١) « الميت يصلى عليه ما لم يوار بالتراب وإن كان قد صلي عليه » وموثق يونس (٢) عنه عليه‌السلام أيضا ، سأله « عن الجنازة لم أدركها حتى بلغت القبر أصلي عليها قال : إن أدركتها قبل أن تدفن فإن شئت فصل عليها » وقول الباقر عليه‌السلام (٣) في خبر جابر : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلى على جنازة امرأة من بني النجار فوجد الحفرة لم يمكنوا فوضعوا الجنازة فلم يجي‌ء قوم إلا قال لهم : صلوا عليها » وإطلاق الأخبار (٤) بالصلاة على القبر لمن فاتته ، وغير ذلك حملت على الكراهة ، بل لو لا التسامح فيها وفتوى المشهور بها بل قيل : إنه إجماع أمكن نفيها ، وحمل تلك النصوص على التقية ، لأن الكراهة محكية عن ابن عمر وعائشة وأبي موسى والأوزاعي وأحمد والشافعي ومالك وأبي حنيفة ، وأسندوه إلى علي عليه‌السلام ، بل قد يؤيده عامية بعض رجال السند ، بل لا يبعد إرادة التعريض بهم في الموثقين المزبورين ، ولعله لذا حكى في المفاتيح عن بعضهم استحباب التكرير مطلقا ، وفي كشف اللثام عن ابن سعيد إذا صلى على جنازة ثم حضر من لم يصل عليها صلى عليها ولا بأس أن يؤم به الإمام الذي صلى أولا ، قال في الكشف : وظاهره نفي الكراهة وقد أجاد في نفيه البأس عن تكرير الامام لما تظافر من أخبار تكرير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حمزة (٥) وفاطمة بنت أسد (٦) وأمير المؤمنين عليه‌السلام على سهل (٧) وشيث على آدم عليه‌السلام (٨) قلت : وظاهره هو أيضا نفيها عن تكرير‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٢٠.

(٣) التهذيب ج ٣ ص ٣٢٥ الرقم ١٠١٢ المطبوع في النجف.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب صلاة الجنازة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٧.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٨.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٤.

١٠١

الامام ، فمن الغريب توقف بعض متأخري المتأخرين في الجواز مطلقا ، أو للمصلي الواحد غير الإمام الذي ظاهر الأصحاب الإجماع عليه هنا وفيما يأتي ، بل يمكن دعوى تواتر النصوص ، بخلاف الأول في الجملة ، بل في كشف اللثام أنه مقتضى الأصل ، بل مقتضى تخيير الكركي بين نيته الوجوب والندب في المعادة أن السقوط بالأول كان رخصة ، خصوصا بالنسبة إلى غير المصلي أولا الذي لا ريب في شمول الخطاب له ، وأقصى الدليل أن له الاجتزاء بما وقع من فعل الغير ، أما إذا لم يرده فهو من المخاطبين بذلك الخطاب ، فيكون فعله واجب ، ولا يقدح جواز الترك في خصوص ذلك بعد أن كان أصل الفعل غير جائز الترك ، فتأمل جيدا.

وكيف كان فلا إشكال في أصل الجواز ، إنما البحث في الكراهة ، والأقوى بعد التسامح بها ثبوتها مطلقا ، لما عرفت من إطلاق النصوص ومعقد الإجماع ، خلافا لابن إدريس فخصها بالجماعة ، لأن الصحابة صلوا على رسول الله (ص) فرادى كما عن‌ إعلام الورى بأعلام الهدى للطبرسي عن كتاب أبان بن عثمان أنه حدث عن أبي مريم (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « أن عليا عليه‌السلام قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إمامنا حيا وميتا ، فدخل عليه عشرة عشرة ، وصلوا عليه يوم الاثنين وليلة الثلاثاء حتى الصباح ، ويوم الثلاثاء حتى صلى عليه كبيرهم وصغيرهم وذكرهم وأنثاهم وضواحي المدينة بغير إمام » وقال الصادق عليه‌السلام في صحيح الحلبي أو حسنه (٢) : « أتى العباس عليا أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : يا علي إن الناس قد اجتمعوا أن يدفنوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بقيع المصلى ، وأن يؤمهم رجل منهم ، فخرج أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى الناس فقال : أيها الناس إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١٠.

(٢) أصول الكافي ـ ج ١ ص ٤٥١ « باب مولد النبي (ص) ووفاته » ٣٧.

١٠٢

إمامنا حيا وميتا ، وقال : إني أدفن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في البقعة التي قبض فيها ، ثم قال على الباب فصلى عليه ثم أمر الناس عشرة عشرة يصلون عليه ويخرجون » وفي المروي عن الاحتجاج عن سليم بن قيس (١) عن سلمان « أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما غسله علي عليه‌السلام وكفنه أدخلني وأدخل أبا ذر والمقداد وفاطمة وحسنا وحسينا عليهم‌السلام فتقدم وصفنا خلفه فصلى عليه ، ثم أدخل عشرة من المهاجرين وعشرة من الأنصار فيصلون ويخرجون حتى لم يبق أحد من المهاجرين والأنصار إلا صلى عليه » ولجماعة من الأصحاب منهم ـ كما قيل ـ الشيخ في الخلاف مدعيا عليه إجماع الفرقة والشهيدان والكركي فخصوصا بالمصلي الواحد مطلقا كما هو ظاهر جماعة ، أو غير الامام كما في المدارك وظاهر كشف اللثام والمحكي عن الروض ، أو إذا لم يناف التعجيل ، وإلا فتكره مطلقا كما عن بعضهم ، وعن المنتهى التردد في كراهة صلاة من لم يصل بعد صلاة غيره ، وعن التذكرة ونهاية الإحكام بعد أن استقرب فيهما الكراهة مطلقا قال : « إن الوجه التفصيل فان خيف على الميت ظهور حادثة به كره تكرار الصلاة ، وإلا فلا » وعن الحسن بن عيسى « أنه لا بأس بالصلاة على من صلي عليه مرة » ولا ريب في ضعف الجميع.

نعم يقوى ارتفاع الكراهة مطلقا في ذي الفضل والشرف الأخروي كما يظهر من نصوص تكرار الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحمزة وسهل بن حنيف وفاطمة بنت أسد ، أما غيرهم فالكراهة مطلقا ، لما عرفت من النصوص السابقة ، ومعقد الإجماع المعتضد بالشهرة العظيمة التي لا ينافيها ما تسمعه منهم من جواز الصلاة على المدفون يوما وليلة كما ظنه الشهيد حتى أنه لأجله حمل كلامهم هنا على تكرارها للمصلي الواحد ، إذ فيه أن الجواز لا ينافي الكراهة ، على أنه يمكن اختصاصها بما قبل الدفن ، كما أنه يمكن حمل كلامهم هناك على من دفن بغير صلاة وإن كان بعيدا كما ستعرف ، كما أنه لا ينافي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٩.

١٠٣

دليل الكراهة الموثقان (١) وخبر جابر (٢) المتقدمة المحمولة على بيان الرخصة ، وإن كان الأخير منها مشتملا على الأمر ، إلا أنه لما كان في مقام توهم عدم المشروعية لم يمتنع حمله على ما لا ينافي الكراهة التي لا يقدح في ثبوتها ضعف خبري إسحاق (٣) ووهب (٤) خصوصا بعد انجبارهما بما عرفت ، واحتمالهما نفي الوجوب ، والخوف على الميت لا ينافي الظهور الذي هو الحجة في غيرها من الاحكام فضلا عنها ، كاحتمال أنهم سألوه الإعادة كما في خبر ابن علوان (٥) على أنه بعد تسليمه لا يمنع إطلاق اللفظ الشامل للمورد وغيره ، ومنه يظهر دلالة خبر ابن علوان على المطلوب ، وإجماع الخلاف لم نتحققه فيه ، بل لا صراحة فيه في الخلاف وإن كان قد اقتصر على المصلي الواحد ، والتكرار على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفاطمة وسهل وحمزة لما ذكرنا من عدم الكراهة إذا كان الميت من أهل الفضل والشرف لا لعدمها في الفرادى مطلقا كما ظنه الحلي أو في غير الامام كما سمعته من غيره ، بل ربما ظهر من المجلسي والمحدث البحراني أن الصلاة المكررة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير ما نحن فيه ، وإنما كانوا يدورون حوله ويدعون له ، وإن كان فيه ما فيه ، لكن قد يؤيده‌ خبر أبي مريم الأنصاري (٦) قال الباقر عليه‌السلام : « كيف كانت الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ فقال : لما غسله أمير المؤمنين عليه‌السلام وكفنه سجاه ثم أدخل عليه عشرة فداروا حوله ، ثم وقف أمير المؤمنين عليه‌السلام في وسطهم فقال : ( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١٩ و ٢٠ من كتاب الطهارة.

(٢) التهذيب ج ٣ ص ٣٢٥ ـ الرقم ١٠١٢ المطبوع في النجف.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٢٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٢٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١٣.

(٦) أصول الكافي ج ١ ص ٤٥٠ « باب مولد النبي (ص) ووفاته » ٣٥.

١٠٤

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) ، فيقول القوم كما يقول حتى صلى عليه أهل المدينة والعوالي » وفي‌ خبر جابر (١) عن الباقر عليه‌السلام « انه قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول في صحته وسلامته إنما نزلت هذه الآية في الصلاة علي بعد قبض الله لي » وفي‌ صحيح أبي مريم (٢) المروي عن التهذيب « أنه سأل الباقر عليه‌السلام أيضا كيف صلي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ فقال : سجي بثوب وجعل وسط البيت فإذا دخل قوم داروا به وصلوا عليه ودعوا له ثم يخرجون ويدخل آخرون » وأما منافاة التعجيل وخوف الحادثة فلم أجد في النصوص لها أثرا ، فالمتجه فيها ملاحظة الترجيح ، وربما كان في بعض الأحوال محرما فضلا عن أن يكون مكروها ، كما هو واضح ، والله أعلم.

( مسائل خمس‌ )

( الأولى من أدرك الإمام في أثناء الصلاة ) كان له الدخول معه بلا خلاف فيه بيننا ، بل الإجماع بقسميه عليه ولو في الدعاء بين التكبيرتين ، لإطلاق دليل الجماعة فضلا عن إطلاق نصوص المسبوق (٣) سيما‌ خبر الدعائم (٤) عن جعفر بن محمد عليه‌السلام « من سبق ببعض التكبيرات في صلاة الجنازة فليدخل معهم ، فإذا انصرفوا أتم ما بقي عليه وانصرف وإذا دخل معهم فليكبر وليجعل ذلك أول صلاته » فما عن بعض العامة من وجوب انتظار التكبيرة في الدخول في غير محله قطعا حتى بالنسبة إلى ما ابتدعوه من القياس ، بل الظاهر أنه ينوي الوجوب في فعله كغيره من المأمومين والمنفرد ، لبقاء تناول الخطاب‌

__________________

(١) أصول الكافي ـ ج ١ ص ٤٥١ « باب مولد النبي (ص) ووفاته » ٣٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ من كتاب الطهارة.

(٤) دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٨٢.

١٠٥

له ، بل لا ينافي الاستدامة على ذلك فراغهم منه قبله بناء على حرمة قطع العمل عليه ، بل وكذا لو قلنا بجواز القطع له كغيره من المصلين كما جزم به الأستاذ في كشفه ، وهو قوي جدا اقتصارا في حرمة إبطال العمل على ذات الأركان المكتوبة أو الأعم منها والنافلة كما أوضحناه في محله ، لكن جواز القطع له من هذه الحيثية لا ينافي الاستدامة على الوجوب الذي حصل من تناول الخطاب لهذا المتلبس الشامل بإطلاقه حال فراغهم من الفعل قبله ، فان أتم اندرج في الممتثلين بالخطاب الذين يسقط بفعلهم إرادته من الغير وفراغهم قبله إنما يسقط ابتداء الفعل لا إتمامه الحاصل من الأمر بالفعل وإن كان غير واجب عليه كالمصلي الذي لم يسبق بصلاة ، بل هو أولى منه بذلك ، واحتمال الفرق بأنه يترك إلى بدل بخلاف المسبوق كما ترى ، وإن قطع اختص الامتثال بغيره وسقط عنه إعادة الفعل بما وقع منهم ، فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع.

وكيف كان فإذا دخل معه تابعه في التكبير لا في الدعاء ، بل يحافظ على ما يراد منه من التشهد في أول تكبيرة والصلاة في الثانية وهكذا كما نص عليه الفاضل في المحكي عن المنتهى لإطلاق دليل وجوب ذلك ، ول خبر الدعائم (١) ولأنه كالائتمام بالفريضة ، فإذا فرغ الإمام أتم ما بقي عليه من التكبيرات وجوبا إن قلنا بحرمة القطع ، نعم على كل حال لا يجتزي بما وقع منه في حصول الصلاة منه بلا خلاف أجده فيه ، بل في الخلاف الإجماع صريحا ، وفي غيره ظاهرا عليه ، لصحيح العيص (٢) سأل الصادق عليه‌السلام « عن الرجل يدرك من الصلاة على الميت تكبيرة فقال : يتم ما بقي » كما أن‌ زيد الشحام (٣) سأله أيضا « عن الصلاة على الجنائز إذا فات الرجل منها التكبيرة أو الثنتان أو الثلاث فقال : يكبر ما فاته » وقال الباقر عليه‌السلام لجابر (٤) :

__________________

(١) دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٨٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٤.

١٠٦

« تقضي ما فاتك » والنبوي (١) « ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا » وغير ذلك مما تسمعه ، فما في‌ خبر إسحاق بن عمار (٢) عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما‌السلام « ان عليا عليه‌السلام كان يقول : لا يقضى ما سبق من تكبير الجنائز » قاصر عن المعارضة من وجوه ، خصوصا بعد موافقته للمحكي عن ابن عمر وجماعة من العامة ، بل في كشف اللثام احتمال إرادة أنه ليس بقضاء ، أو أن المقضي ما بقي لا ما سبق ، قلت : لكن عن بعض النسخ ما بقي ، وقد يحتمل عدم وجوب القضاء لما قلناه من جواز القطع أو صلاة الجنازة أو غير ذلك مما لا بأس به بعد ما عرفت من قصوره عن المقاومة من وجوه.

وحمله الشيخ على أنه لا يقضى مع الدعوات بل ولاء وفيه أنه مبني على كون الإتمام كذلك ، كما هو خيرة المصنف والمحكي عن الصدوق والشيخ وغيرهم ، بل في كشف اللثام أنه المشهور ، بل في المعتبر نسبته إلى الأصحاب ، وظاهرهم تعيين ذلك مطلقا ، بل عن المنتهى التصريح به ، قال : لأن الأدعية فات محلها فتفوت ، أما التكبير فلسرعة الإتيان به كان مشروع القضاء ، قلت : والأولى الاستدلال بقول الصادق عليه‌السلام في صحيح الحلبي (٣) : « إذا أدرك الرجل التكبير والتكبيرتين من الصلاة على الميت فليقض ما بقي متتابعا » وخبر علي بن جعفر (٤) المروي عن كتاب مسائله سأل أخاه عليه‌السلام « عن الرجل يدرك تكبيرة أو ثنتين على ميت كيف يصنع؟ قال : يتم ما بقي من تكبيرة ويبادر رفعه ويخفف » فيقيد بهما ما دل على وجوب الأدعية المزبورة ، ويخص عموم ما بقي وما فات ونحوه ، بل في الحدائق يؤيده الاتفاق على الوجوب الكفائي ، ولا ريب أنه قد سقط الواجب حينئذ عن هذا المصلي بصلاة‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٤ ص ٤٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٧.

١٠٧

القوم على الجنازة ، لكن قد يشكل مع كون التعارض من وجه بأن التقييد بالتتابع جار على الغالب من خوف الفوات يرفع الجنازة أو إبعادها أو قلبها عن الهيئة المطلوبة في الصلاة ، فيسقط الدعاء حينئذ ، ويبقى التكبير الذي هو الركن الأعظم فيها ، ومن هنا كان خيرة الفاضل في بعض كتبه وابن فهد والعليين والصيمري وثاني الشهيدين والأصبهاني وغيرهم على ما حكي عن بعضهم وجوب الدعاء إذا لم يخف الفوات ، بل في المحكي عن البحار نسبته إلى الأكثر للأصل والعموم والإطلاق الذي لا يعارضه التقييد المزبور بعد ما عرفت ، بل في كشف اللثام « ولا يعارضه أيضا سقوط الصلاة بفعل السابقين فضلا عن أجزائها ، فإن المسبوق لما ابتدأ كانت صلاته واجبة ، ووجوبها مستمر إلى آخرها ، وإلا لم يجب إتمام ما بقي من التكبيرات » وإن كان فيه نظر يعرف مما قدمناه في أول البحث ، ومنه يعلم سقوط أصل التأييد بذلك ، بل وما في الرياض من الجواب عن أصل الإشكال بأنه حسن لو كان متعلق الوجوب هو نفس الدعاء لا الصلاة ، وليس كذلك ، بل المتعلق هو الصلاة ، وليس الكلام فيه ، بل في وجوب الدعاء ، وهو في حق من دخل في الصلاة عيني ، للأمر الذي هو حقيقة فيه ، فلا إجماع على كفايته بل لعل‌ قوله عليه‌السلام في خبر علي بن جعفر (١) : « ويخفف » إشارة إلى الإتيان بأقل المجزي من الدعاء ، بل‌ مرسل القلانسي (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام « في الرجل يدرك مع الإمام في الجنازة تكبيرة أو تكبيرتين فقال : يتم التكبير وهو يمشي معها ، فإذا لم يدرك التكبير كبر عند القبر ، فإن أدركهم وقد دفن كبر على القبر » مشعر بالاشتغال بالدعاء ، إذ لو والى لم يبلغ الحال إلى المشي ، لكن في الذكرى في وجه الإشعار أنه لو والى لم يبلغ الحال إلى الدفن ، وفيه أن ظاهر الخبر كما اعترف به في الحدائق وكشف اللثام أنه إن لم يدرك الصلاة على الميت صلى عليه عند القبر ، فان لم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٥.

١٠٨

يدركها قبل الدفن فبعده ، وليس من مسألة المسبوق في شي‌ء.

وحينئذ يبقى ما في المتن والمبسوط والنهاية والنافع والمعتبر والتحرير والقواعد والتذكرة ونهاية الأحكام والدروس والبيان وجامع المقاصد وكشف الالتباس والروض ومجمع البرهان على ما حكي عن بعضها من أنه إن رفعت الجنازة أو دفنت أتم ولو على القبر بلا دليل لانحصاره فيه فيما أجد ، وقد استدل به جماعة منهم المصنف عليه ، والأصل وإطلاق الأمر بالإتمام والنهي عن الابطال بعد تسليمه لا يفي بتمام الإطلاق قطعا ، فالمتجه حينئذ الصحة فيما وافق من أفراده اشتراط الاستقبال وعدم البعد ونحوهما دون غيره ، ويسهل الخطب ندرة ذلك مع التتابع سيما الدفن ، وإن قال في كشف اللثام : ويقرب الدفن قبل الإتمام أن لا يكون للميت كفن فيكون في القبر مستور العورة ، ولعله لشدة ندرته في الفرض تركه في المحكي عن الخلاف والمقنعة والوسيلة فاقتصروا على وصل الرفع خاصة ، بل في الأول الإجماع عليه ، كما أنه لما ذكرنا حكي عن جماعة تقييد الإتمام بالدعاء مشيا لو رفعت بما إذا كان إلى سمعت القبلة ولم يفت شرط من الصلاة ، وإلا وجب التكبير ولاء ، قال في جامع المقاصد ـ بعد أن حكى عن الذكرى إشعار الخبر بالاشتغال بالدعاء ـ : وهو حسن ، لكن لو كان مشيهم إلى غير سمعت القبلة ، أو بحيث يفوت به شرط الصلاة لم يبعد القول بوجوب موالاة التكبير » قلت : على أنه مبني على عدم اشتراط الاستقرار في صلاة الجنازة ، والذي يقوى في النظر القاصر أن مراد الأصحاب خصوصا المصنف وغيره ممن اعتبر الولاء الإتمام ولو رفعت على أيدي الرجال أو دفنت في ذلك الموقف ، لإطلاق الأمر به الشامل لحالتي الرفع والدفن ردا على من قال من العامة بالبطلان بالرفع كما أومأ إليه في الخلاف والتذكرة وغيرهما ، لا أن المراد الاشتغال بالإتمام ماشيا معها إلى أن ينتهي إلى الدفن ، فان ذلك من المستبعد فرضه مع الولاء ، كما أنه من المستبعد بل المقطوع بعدمه إرادة الإتمام ولو على القبر مفصولا بزمان‌

١٠٩

ولو طال أي إن رفعت أو دفنت ولم يمكن الإتمام مراعيا للشرائط أتم بعد التمكن منها ولو على القبر ، بل هو من الأغلاط والخرافات ، فحينئذ لم يحتج الأصحاب فيما ذكروه من الحكم المزبور إلى الخبر المذكور ، بل يكفي فيه إطلاق الأمر بالإتمام ، فتأمل جيدا.

ثم إن ظاهر إطلاق النص والفتوى إتمام ما بقي عليه مع بقاء الجنازة بحالها من غير حاجة إلى تقدم لو كان بعيدا ، ولا إلى تأخر من كان فاصلا بينه وبين الجنازة من المأمومين ولا غير ذلك مما يحتاج إليه غير المأموم ، بل ظاهر إطلاقهما معاملته على الحال السابق له من المأمومية ، مع احتمال اعتبار شرائط المنفرد له كالمنفرد باختياره ، والله أعلم.

المسألة الثانية إذا سبق المأموم الإمام بتكبيرة أو ما زاد غير الأولى استحب له إعادتها مع الامام كما في القواعد والتحرير والتذكرة والإرشاد ونهاية الأحكام على ما حكي عن بعضها ، وظاهر الجميع ولو عمدا كما أن ظاهرها مع بقاء المأمومية وعدم نية الانفراد ، كظهور عدم البطلان بذلك كالفريضة ، لأن الفائت المتابعة ، وهي أمر خارجي لا شرطي ، أما عدم الوجوب مع العمد فظاهر ، بل مقتضى مساواة الائتمام فيها للفريضة البطلان إن أعاد ، لاستلزامها زيادة التكبير الذي هو كالركوع في الركنية القادح زيادتها ونقصها ، ولذا توقف في الذكرى وجامع المقاصد والمحكي عن الروض فيها من ذلك ، ومن أنها ذكر ، فلا يقدح زيادتها ، بل عن المسالك وحاشية الميسي أنه يستمر متأنيا حتى يلحقه الامام ، وظاهر هما الوجوب كما في الفريضة ، لكن قد يمنع ركنية التكبير بهذا المعنى ، كما عن الأردبيلي أنه غير واضح.

نعم لا ريب في الإثم بالتشريع مع قصد الجزئية ، إلا أن إبطاله ـ مع عدم إدخاله في ابتداء النية ، وليس في نصوص المقام نحو ما في الفريضة من‌ قوله (١) : « من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٢ وليس فيه كلمة « أو نقص ».

١١٠

زاد في صلاته أو نقص » إلى آخره ـ محل نظر بل منع ، أقصاه الإثم ، لكن لعل إطلاق من عرفت ندب الإعادة فضلا عن الجواز ، لما في‌ قرب الاسناد للحميري عن علي بن جعفر (١) سأل أخاه عليه‌السلام « عن الرجل يصلي له أن يكبر قبل الامام قال : لا يكبر إلا مع الإمام ، فإن كبر قبله أعاد التكبير » وهو وإن عم لكن الحميري أورده في باب صلاة الجنازة ، ولعدم اجتماع شرائط صلاحيته للوجوب حمل على الندب على أن في الوسيلة والبيان والمحكي عن المبسوط والقاضي ما يظهر منه الوجوب ، بل في كشف اللثام أنه ظاهر الأكثر خصوصا القاضي وإن كنا لم نتحقق غير من سمعت ، ولعله لظاهر الخبر المزبور ، لكن في كشف اللثام « وكأنه لا نزاع أي بين القول بالوجوب والقول بالندب ، لجواز انفراده عن الامام متى شاء ، فله أن لا يعيد إلا إذا استمر على الائتمام ، ولذا استدل عليه في التذكرة والنهاية والمنتهى بإدراك فضيلة الجماعة ، فالجماعة إن أرادوا الوجوب فبمعنى توقف استمرار الائتمام عليها ، وفيه ـ مع أن من المأمومين من لا يجوز له الانفراد هنا ، وهو البعيد عن الجنازة ومن لا يشاهدها ، ولا يكون منها على الهيئة المعتبرة ـ أنه خلاف الظاهر من كلماتهم إن لم يكن الصريح ، كما هو واضح بأدنى تأمل ، ولعل المراد من دليل التذكرة إدراك فضيلة الجماعة بما يعيده من التكبيرة لا أن المراد عدم الانفراد.

ومن ذلك كله ظهر لك الحال في الساهي والظان تكبير الإمام ، فإنه وإن قلنا في الفريضة تجب عليه الإعادة مع الامام للدليل يمكن القول بعدمه هنا ، للأصل ، وحصول تكبيرة الصلاة ، إذ الظاهر أنها الواقعة منه لا المعادة مع الامام ، ولذا لم تبطل صلاته في المخالفة عمدا إذا لم يعد معه وإن كان قد أثم بتفويت المتابعة ، فمع السهو لا إثم بفواتها ، ورجوع الساهي في الفريضة للدليل ، فالتعدي في غير محله ، نعم لا يبعد القول‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١ من كتاب الطهارة.

١١١

بالندب لإطلاق الخبر المزبور الذي قد عرفت قصوره عن إثبات الوجوب وإن كان هو أو التساوي مع الفريضة مستند الوجوب في ظاهر من عرفت ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.

المسألة الثالثة لا خلاف في عدم جواز تأخير الصلاة إلى الدفن على القبر اختيارا ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل كاد يكون ضروريا ، وقد تقدم الإشارة إلى ذلك ، وليس المراد من الفتاوى وبعض النصوص الآتية الرخصة في التأخير قطعا كما ستعرف ، إلا أن الظاهر عدم سقوطها بذلك لو كان عمدا فضلا عما لو كان عن عذر بلا خلاف صريح أجده إلا من المصنف في المعتبر والمحكي عن الفاضل في بعض كتبه ، ومال إليه في المدارك ، ولا ريب في ضعفه ، للأصل وإطلاق دليل الوجوب ، وفحوى نصوص الجواز كقول الصادق عليه‌السلام في صحيح هشام بن سالم (١) : « لا بأس أن يصلي الرجل على الميت بعد ما يدفن » وفي‌ خبر مالك مولى الجهم (٢) ومرسل الصدوق « إذا فاتتك الصلاة على الميت حتى يدفن فلا بأس بالصلاة عليه وقد دفن » وفي‌ خبر عمر بن جمع (٣) « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا فاتته الصلاة على الميت صلى على القبر » وفي‌ الذكرى روي (٤) « أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلى على قبر مسكينة دفنت ليلا » وخبر القلانسي (٥) المتقدم سابقا ، ضرورة أنه يمكن دعوى لزوم الجواز للوجوب في الفرض ، لعدم ما يصلح حينئذ مقيدا لإطلاق نحو‌ قوله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٣ من كتاب الطهارة لكن رواه عن عمرو بن جميع وهو الصحيح.

(٤) سنن البيهقي ج ٤ ص ٤٨.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٥ من كتاب الطهارة.

١١٢

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « لا تدعوا أحدا من أمتي بلا صلاة ».

كما أن منه يعلم تحكيم حرمة النبش تحصيلا للصلاة عليه غير مدفون على دليله وإن كان التعارض بينهما من وجه ، وفي الشافية عن العلامة الإجماع على حرمة النبش بذلك ، بل لا يبعد عدم تحديد ذلك بيوم الدفن أو باليوم والليلة أو بالثلاثة أو بتغير الصورة ، للأصل والإطلاق المزبور ، فيصلي حينئذ عليه إلى أن يعلم أنه صار رميما وخرج عن صدق اسم الميت ، وتحديد أصل الجواز باليوم والليلة في كلام الأكثر نقلا وتحصيلا ـ بل المشهور في كشف اللثام والمحكي عن الروض والتنقيح وتخليص التلخيص ، بل في الغنية الإجماع عليه ـ يمكن تنزيله على غير الفرض ، ولئن سلم أمكن منعه بعدم الدليل عليه كما اعترف به غير واحد سوى الإجماع المزبور معتضدا بما سمعت ، وهو قاصر عن معارضة ما يقتضي الإطلاق ، بل في الخلاف أنه قد روي ثلاثة أيام ، بل ظاهره العمل بها فيه ، حيث قال : « قد حددنا الصلاة على القبر يوما وليلة ، وأكثره ثلاثة أيام » بل عن المراسم التصريح به ، بل عن الكاتب « أنه يصلى عليه ما لم يعلم تغير صورته » وفي البيان « أن الأقرب عدم التحديد » قيل : وهو خيرة جامع المقاصد وفوائد الشرائع وحاشية الإرشاد والميسية والمسالك والروض والروضة وفوائد القواعد ومجمع البرهان وظاهر المعتبر والمنتهى والمختلف والكفاية والحسن والصدوق ، إلا أنه لا ريب في أن الأحوط عدم الصلاة عليه بعد اليوم والليلة إذا كان قد صلي عليه والصلاة مطلقا إذا لم يكن ، كما هو واضح.

ومن ذلك كله يضعف الظن بالإجماع المزبور في المصلى عليه بناء على جواز تكرارها عليه فضلا عن محل الفرض ، ودعوى أنه وجه جمع بين ما دل على الجواز مما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٣ من كتاب الطهارة.

١١٣

تقدم وبين ما دل على المنع كخبر محمد بن أسلم (١) عن رجل من أهل الجزيرة قال : « قلت للرضا عليه‌السلام : يصلى على المدفون بعد ما يدفن قال : لا ، لو جاز لأحد لجاز لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » وعن الصادق عليه‌السلام (٢) قال : « بل لا يصلى على المدفون ولا على العريان » وفي‌ موثق عمار (٣) المتقدم سابقا في وضع رأس الجنازة عن يمين المصلي « فإن كان قد دفن فقد مضت الصلاة عليه لا يصلى عليه وهو مدفون » وفي‌ موثق يونس (٤) السابق أيضا « إن أدركتها قبل أن تدفن فإن شئت فصل عليها » كما أن في‌ موثق عمار (٥) الآخر المتقدم أيضا « يصلى عليه ما لم يوار بالتراب وإن كان قد صلي عليه » وفي‌ موثقه الثالث (٦) « قلت : فلا يصلى على الميت إذا دفن قال : لا يصلى على الميت بعد ما يدفن ، ولا يصلى عليه وهو عريان » وفيه أنه لا شاهد معتد به على الجمع المزبور.

ولذا احتمل الشيخ في الجمع أمرا آخر ، وربما مال اليه المحدث البحراني ، وهو حمل نصوص الجواز على إرادة محض الدعاء من الصلاة ، ونصوص المنع على صلاة الجنازة وقد يشهد له‌ صحيح محمد بن مسلم أو زرارة (٧) « الصلاة على الميت بعد ما يدفن إنما هو الدعاء ، قال : قلت : فالنجاشي لم يصل عليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لا إنما دعا له » وخبر جعفر بن عيسى (٨) قال : « قدم أبو عبد الله عليه‌السلام مكة فسألني‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٨ من كتاب الطهارة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٨ من كتاب الطهارة وهو خبر محمد بن أسلم عن الرضا عليه‌السلام.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١ من كتاب الطهارة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٧٠.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١٩.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١ من كتاب الطهارة.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٥.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٤.

١١٤

عن عبد الله بن أعين فقلت : مات فقال : مات قلت : نعم ، قال : فانطلق بنا إلى قبره حتى نصلي عليه ، قلت : نعم ، فقال : لا ، لكنا نصلي عليه هاهنا ، فرفع يديه يدعو واجتهد في الدعاء وترحم عليه » لكن فيه مع ظهور بعض نصوص الجواز في خلافه أنه يمكن دعوى الإجماع على خلافه ، وإن كان الأحوط كما في شافية الجزائري فيمن صلي عليه قبل الدفن الاقتصار على الدعاء له بعده لا غير.

كما أن الجمع بحمل نصوص الجواز على من لم يصل عليه ، ونصوص المنع على من صلي عليه ـ واختاره في المختلف ومال إليه الكركي وغيره ممن تأخر عنه مع ظهور نصوص الجواز في غيره كما يومي اليه نفي البأس ونحوه فيها مما لا يعبر به عن الوجوب في الأعم منه ـ مخالف لما هو المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا ، بل لعله معقد ما حكي من إجماع الخلاف والغنية من جواز الصلاة على القبر لمن فاتته قبل الدفن ولم يدركها الشامل بإطلاقه من صلي عليه إن لم يكن هو الظاهر ، خصوصا بملاحظة ندرة وقوع الدفن قبل الصلاة ، بل صرح به جماعة من المتأخرين ، فمن الغريب ما وقع للفاضل المزبور خصوصا ما حكي عن نهايته من أنه لا يصلى على المدفون إذا كان قد صلي عليه قبل دفنه عند جميع علمائنا ، اللهم إلا أن يريد نفي الوجوب كالمختلف والتذكرة ، وإلا فاحتمال تنزيل عبارات من تقدمه من الأصحاب على ذلك في غاية البعد إن لم يكن المنع ، فلا وجه للجمع به بين النصوص.

كما أنه لا وجه للجمع بما قد سمعته من معتبر المصنف من حمل نصوص المنع على إرادة نفي الوجوب الذي لا ينافي نصوص الجواز ، إذ قد عرفت ما فيه بما لا مزيد عليه.

كما أنه من ذلك كله يعلم شذوذ النصوص المزبورة ، لإطباق الأصحاب ـ كما في الرياض ، قال : ويستفاد من الذكرى ـ على الجواز في الجملة وإن اختلفوا في إطلاقه وتحديده بما عرفت ، بل قيل : إنها محتملة للحمل على التقية ، للمحكي عن أبي حنيفة الذي‌

١١٥

غالب العامة على فتاويه ، فحملها على ذلك أو طرحها غير مستنكر على الفقيه ، إلا أنه للتسامح في الكراهة يتجه حمل ما يقبل ذلك منها عليها ، وربما استفيد منها أشدية كراهة التكرار بعد الدفن عليه قبله.

ومنه يعلم ضعف ما سمعته سابقا من احتمال نفي الكراهة في المقام ، كما أن الظاهر في خبر المقلوب منها إرادة صحة الصلاة من مضيها فيه إذا لم يدرك الجنازة إلا بعد الدفن ولا استبعاد في تقييد الشرطية بذلك ، فلا تجب الصلاة حينئذ عليه وإن قلنا بوجوبها لو تركت أصلا ، نعم تسرية ذلك إلى باقي الشرائط لا يخلو من منع واضح ، فتجب إعادة الفاسدة على القبر كالمتروكة أصلا ، فتأمل ، وقد يحتمل في بعض النصوص المزبورة إرادة النهي عن تأخير الصلاة إلى الدفن اختيارا ، وفي آخر نفي مساواة الفعل بعد الدفن له قبله أو نفي الجواز بلا كراهة أو غير ذلك ، ولا بأس بتوزيعها على هذه الاحتمالات ، ولو سلم عدم قبول بعضها لشي‌ء من ذلك فلا بأس بطرحه بعد الإحاطة بما عرفت.

كما أنه بعد الإحاطة بجميع ما ذكرنا يعرف الحال في قول المصنف يجوز أن يصلى على القبر يوما وليلة من لم يصل عليه ، ثم لا يصلى عليه بعد ذلك وكيف كان فالظاهر أن التحديد باليوم والليلة أو غيره على تقدير القول به إنما هو إذا لم يتفق ظهور الميت من قبره بسيل أو نحوه ، فإذا ظهر ولم يكن قد صلي عليه صلي عليه وجوبا ، لانتفاء المانع حينئذ ، واحتمال السقوط بسقوط الأمر الأول وعدم الأمر الجديد ضعيف ، بل لا يبعد مشروعية تكرار الصلاة عليه إذا قلنا بها بالنسبة إلى غير المدفون ، لإطلاق الأدلة ، وتخلل الدفن الذي فرض بقاؤه زائدا على المقدر غير مانع ، إذ الظاهر كونه تقديرا للصلاة عليه مدفونا لا ظاهرا ، فتأمل ، والظاهر أيضا مراعاة سائر الشرائط في الصلاة على القبر من الاستقبال وكون الرأس عن يمين المصلي بناء على اعتباره ونحو ذلك‌

١١٦

مما هو ممكن ، كما هو واضح ، والله أعلم.

المسألة الرابعة الأوقات كلها صالحة لصلاة الجنازة بلا خلاف فيه بيننا كما اعترف به في الحدائق ، بل في المحكي عن الخلاف والتذكرة الإجماع عليه ، والمراد صلاحية لا كراهة فيها كما صرح به جماعة ، وقال الباقر عليه‌السلام في صحيح ابن مسلم (١) : « يصلى على الجنازة في كل ساعة ، انها ليست بصلاة ركوع وسجود ، وإنما تكره الصلاة عند طلوع الشمس وغروبها التي فيها الخشوع والركوع والسجود ، لأنها تغرب بين قرني شيطان ، وتطلع بين قرني شيطان » وسئل الصادق عليه‌السلام (٢) أيضا « هل يمنعك شي‌ء من هذه الساعات عن الصلاة على الجنائز؟ فقال : لا » وقال هو عليه‌السلام أيضا في صحيح الحلبي (٣) : « لا بأس بالصلاة على الجنائز حين تغيب الشمس وحين تطلع ، إنما هو استغفار » وقال جابر (٤) للباقر عليه‌السلام : « إذا حضرت الصلاة على الجنازة في وقت مكتوبة فبأيهما أبدأ؟ فقال : عجل الميت إلى قبره إلا أن تخاف أن يفوت وقت الفريضة ، ولا ينتظر بالصلاة على الجنازة طلوع شمس ولا غروبها » إلى غير ذلك مما هو ظاهر في ذلك مطلقا ولو بواسطة التعليل المزبور ، مضافا إلى أنها من ذوات الأسباب ، والمكروه في هذه الأوقات إنما هو ابتداء النافلة ، على أنه لا يجري في الواجب منها ، ضرورة أنه ليس من ابتداء النافلة ، بل قد يستفاد من الخبر المزبور ما هو الظاهر من النص والفتوى من عدم كراهة المستحب منها فضلا عن الواجب في وقت الصلاة الواجبة ، للأصل ، وعدم اندراجها في الصلاة المنهي عنها فيه ، ولا في التطوع المراد منه الصلاة كما أوضحناه في محله.

لكن‌ سأل علي بن جعفر (٥) أخاه عليه‌السلام « عن صلاة الجنائز إذا احمرت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٣.

١١٧

الشمس أيصلح أولا؟ فقال : لا صلاة في وقت صلاة ، وقال : إذا وجبت الشمس فصل المغرب ثم صل على الجنائز » بل‌ قال الصادق عليه‌السلام في خبر البصري (١) : « يكره الصلاة على الجنائز حين تصفر الشمس وحين تطلع » ويمكن أن يكون الثاني تقية من الأوزاعي القائل بكراهتها ، ومالك وأبي حنيفة القائلين بالمنع فيهما وعند قيامها مريدا من لفظ الكراهة المنع ، أو اتقى بقربها منه ، والأول كناية عن نفي البأس عن ذلك ، لأن المنهي عنه الصلاة في وقت الصلاة لا نحو صلاة الجنازة التي هي الدعاء والاستغفار ، بل قد يشم من عدم انطباق الجواب على السؤال ـ ضرورة عدم كون الاحمرار وقت صلاة ـ أن الجواب إقناعي ، وان التقية تمنعه من التصريح بالحق ، ولا ينافي ذلك قوله : « إذا وجبت » إلى آخره ، إذ أقصاه استحباب تقديم الفريضة في وقتها الفضيلي على صلاة الجنازة الموسعة ، ولعلنا نقول به وفاقا لجماعة لذلك ، ول‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر الغنوي (٢) : « إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فابدأ بها قبل الصلاة على الميت إلا أن يكون مبطونا أو نفساء أو نحو ذلك » مؤيدا ذلك بما دل على شدة المحافظة على الوقت الفضيلي حتى ظن منه الوجوب على وجه يرجح على ما دل على ندب تعجيل الميت ، وخبر جابر المتقدم يمكن إرادة فوات وقت الفضيلي منه ، فلا يكون منافيا ، وإلا رجح عليه غيره خصوصا بعد ضعفه ، فما عساه يظهر من المحكي عن الفاضلين والكركي من التخيير وعدم الترجيح لا يخلو من نظر ، نعم يمكن ترجيح صلاة الجنازة الواجبة على النافلة الموقتة ، لأنه مع ندب التعجيل اشتغال بواجب ، وهو أفضل من المندوب ، بل يمكن ترجيحها على الواجب غير الموقت حتى القضاء بناء على المواسعة وإن كان لا يخلو من إشكال فيه بالخصوص باعتبار معارضة ندب التعجيل في الجنازة بما دل على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١.

١١٨

ندب المبادرة بالقضاء حتى اشتهر القول بوجوبه.

وكيف كان فالأوقات كلها صالحة لصلاة الجنازة إلا عند تضيق وقت فريضة حاضرة مع سعة وقت الجنازة ، فتقدم حينئذ عليها وجوبا قطعا بلا إشكال ، بل ولا خلاف ، بل الإجماع بقسميه عليه ، ووجهه واضح ، بل هو كذلك في كل واجب مضيق فضلا عن الفريضة ، وإن كان البطلان وعدمه لو خالف مبنيا على مسألة الضد ، نعم قد يقال به هنا في خصوص معارضة الفريضة بناء على فهم النهي عنه بالخصوص من خبر جابر ونحوه وإن كان فيه ما فيه ، والأولى بناء البطلان مطلقا على ذلك.

ولو انعكس الأمر بأن خيف على الميت مع سعة الوقت قدمت الصلاة عليه قطعا لما عرفت بلا خلاف ، وما عن السرائر من أن تقديمها حينئذ أولى وأفضل قد لا يريد به ما لا ينافي الوجوب ، وإلا فهو قد نفى الخلاف فيها بين المحصلين عن عدم معارضة الموسع المضيق على وجه يبطل لو خالف فضلا عن الإثم.

ولو تضيقتا معا فالمشهور تقديم الفريضة ، بل لا أجد فيه خلافا إلا من المحكي عن المبسوط من تقديم الجنازة ، قال : « لو تضيقت الحاضرة بدئ بها إلا أن يخاف ظهور حادثة في الميت فيبدأ به » مع أنه احتمل في الذكرى إرادته تضيق أول الوقتين كما هو مذهبه ، ويكون هذا من قبيل الأعذار المسوغة للتأخير للوقت الثاني ، وعليه فلا يكون خلافا فيما نحن فيه ، لكن احتمل ثانيا إن لم يكن إجماع على خلافه أولوية تقديم الميت ، وأنه كإنقاذ الغير من الغرق عند ضيق الوقت وعدم إمكان الإيماء ، ثم قال أو يقال : تقدم الحاضرة لإمكان استدراك الصلاة على القبر إلا أنه يشكل بأن زمان فعل الحاضرة يخاف فيه على الميت قبل الدفن ، فيجب تعجيل دفنه خوفا من الحادث ، ولا يتم إلا بالصلاة ، على أنه يمكن هنا تأخر الصلاة عن الدفن إذا خيف بسببها ، فيبقى في الحقيقة المعارضة بين المكتوبة ودفنه.

١١٩

ومن هنا يعلم حكم تضيقهما معا وما لو جامعت صلاة واجبة ، قلت : الأقوى تقديم الفريضة مع فرض تعارضهما ، لأهميتها ، ولإطلاق الخبرين ، ومشروعية القضاء لها معارض بمشروعية الصلاة على القبر ، بل الظاهر تقديم الدفن على الصلاة على الميت إذا فرض الخوف عليه من انتهاك حرمته إلى حصول الصلاة عليه ، فيدفن حينئذ ، ويصلى على القبر.

أما لو تعارضت المكتوبة والدفن ففي جامع المقاصد لا بأس بتقديمه على الصلاة ، لتساوي الحرمتين ، ولتدارك الصلاة بالقضاء بخلافه ، ولاستثناء المبطون والنفساء في خبر الغنوي (١) الذي هو كالصريح في ذلك ، ولا ينافيه خبر علي بن جعفر (٢) المتقدم آنفا ، وهو جيد ، بل ربما يؤيده في الجملة تشاغل أمير المؤمنين عليه‌السلام بدفن سلمان وعمران عن الصلاة ، لكن لو أمكن الجمع بين الدفن والإيماء للمكتوبة لم يكن بعيدا من الصواب.

ولو لم يسع الوقت إلا ركعة ولم يخف على الجنازة من الهتك إلا أنه يخشى من فوت الصلاة عليها لعارض من العوارض أمكن القول بجواز فعلها في أثناء الفريضة بعد فعل الركعة ، لأنها أذكار ودعاء ليس فيها ما ينافي الصلاة ، بل لا يبعد جوازه اختيارا على وجه لا يؤدي إلى فساد الصلاة بفوات الموالاة ونحوها ، إلا أني لم أجد به نصا لأحد من الأصحاب ، بل يمكن دعوى ظهور النصوص والفتاوى في عدم اجتماعهما ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.

المسألة الخامسة إذا صلى على جنازة بعض الصلاة ثم حضرت أخرى كان مخيرا إن شاء قطع الأولى واستأنف الصلاة عليهما ، وإن شاء أتم الأولى على الأول‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب صلاة الجنازة ـ الحديث ٣.

١٢٠