بحوث في علم الأصول - ج ١

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

بحوث في علم الأصول - ج ١

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المجمع العلمي للشهيد الصدر
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩١

الحال في الجمل المشتركة.

ولكن الأقرب هو الأول ، وأنَّ الجملة المشتركة ذات مدلول تصوّري واحد في موردي الاخبار والإنشاء وهو النسبة التصادقية في وعاء التحقق ولا تقاس بمثل الجملة الاستفهامية ممَّا يختصّ بالإنشاء لوجود فارق ثبوتي وإثباتي أمَّا الثبوتي ، فلأن وعاء الاعتبار مثلاً في « أنت طالق » أو وعاء الطلب في يعيد صلاته ليس في عرض وعاء التحقق على حدّ عرضية وعاء الاستفهام له ، فانَّ الاعتبار يتعلّق بالنسبة التصادقية التحقيقية فما هو المعتبر مفهوماً النسبة المحققة في الخارج لا النسبة المحققة في الاعتبار وانَّما تأتي الاعتبارية من تعلّق الاعتبار بتلك النسبة ، وكذلك وعاء الطلب في جملة « يعيد صلاته » فان إبرازه بمثل ذلك بعناية افتراض تحقق الشيء وكونه مفروغاً عنه ، أو بعناية الإخبار عن تحقق الشيء من العبد المفروض كونه منقاداً ومتمثلاً الملازم لكونه مطلوباً. فالنسبة التصادقية في وعاء الاعتبار ملحوظ في هذا القسم من الجمل الإنشائية في المرتبة السابقة.

وأمَّا الفارق الإثباتي ، فعدم وجود أداة مستقلة تساعد على افتراض وعاء آخر غير وعاء التحقق الّذي يقتضيه تجرّد الجملة المستعملة في مقام الإنشاء عن الأداة.

وأمَّا النقطة الثانية ، فلا إشكال في اختلافهما في المدلول التصديقي. ولكن يمكن القول إضافة إلى ذلك باختلافهما في المدلول التصوري أيضا على الرغم من وحدته ذاتاً فيها على أساس الإيجادية والحكائية بالوجه الرابع المتقدّم ، وهي إيجادية وحكائية من شئون نفس المدلول التصوري. وقد عرفت أن بالإمكان أخذ هذه الخصوصيات في الموضوع له والمستعمل فيه ، والوجدان العرفي يساعد على ذلك أيضا لكي يتناسب المدلول التصديقي مع المدلول التصوري ، فان تعين المدلول التصديقي لكلّ جملة ليس جزافاً وانَّما هو حسب تناسباته العرفية النوعية مع المدلول التصوّري. ومن الواضح أنَّ النسبة التي تلحظ بالنظر التصوّري فانية في مصداق مفروغ عنه لا تناسب مدلولاً تصديقياً من قبيل الطلب أو التمليك المعاملي وانَّما تناسب مدلولاً تصديقيّاً من قبيل قصد الحكاية عن الخارج ، بخلاف النسبة التي تلحظ تصوراً فانية في مصداق يرى كأنَّه حاصل بنفس هذه العملية كما هو واضح وعليه فخصوصية الإيجادية والحكائية

٣٠١

بالمعنى المذكور مأخوذة في المدلول التصوّري ، وذلك إمَّا على نحو تعدد الدال والمدلول بأن تكون الجملة موضوعة لذات النسبة المناسبة لكلا النحوين من النّظر التصوّري الإفنائي ، وإمَّا على نحو وحدة الدال بالالتزام بتعدد الوضع أو بالحقيقة والمجاز.

ونفس هذا الفرق يمكن ادعاؤه أيضا في المقام الأول ، فيقال : أن الجمل المختصة بالإنشاء تتميّز عن الجمل الخبرية بنسبة مغايرة ذاتاً وبطريقة في مقام إفنائها بالنظر التصوري مغايرة لطريقة الإفناء بالنظر التصوري في موارد الجملة الخبرية ، وذلك في كلّ مورد تتعقّل فيه الإيجادية والحكائية بالنحو المتقدم في الوجه الرابع.

تلخيص وتعميق

وعلى العموم يتحصّل ممَّا ذكرناه : أن الجملة الإنشائية بكلا قسميها لا تتضمّن نسبة جديدة غير النسبة التصادقية التامة وانَّما يختلف ما يتمحّض في الإنشاء عن الجمل الخبرية في الوعاء الملحوظ فيه تصادق المفهومين. إلا انَّا انَّما نقول ذلك في الجمل المتمحّضة في الإنشاء التي يكون مدخول أداة الإنشاء فيها جملة تامة كالجملة الاستفهامية ، وأمَّا الأدوات الإنشائية التي لا تدخل على جملة تامة كما في قولنا « يا زيد » فلا يتم فيها ما ذكر ، لأنَّ المدخول ليس متكفّلاً لنسبة تصادقية تامة. فإما أن ترجع بحسب المدلول إلى جملة فعلية إنشائية فيكون في قوة قولنا « أدعو زيداً » ـ إنشاءً لا إخباراً ـ فينطبق عليه ما ذكرناه فيما سبق. وإمَّا أن يدّعى أن حرف النداء باعتباره بنفسه منبهاً تكوينيّاً على حدّ المنبهية التكوينيّة لكلّ صوت فإطلاقه إِيجاد لما هو المنبّه تكويناً لا لما هو حاك ودال عليه بالدلالة اللفظية فيكون من الإطلاق الإيجادي لا الحكائي. ولكن حيث أنَّ المنبهيّة التكوينيّة لحرف النداء نسبتها إلى « زيد » وغيره على حدّ واحد فحيثما يراد تنبيه زيد بالخصوص لا بدَّ من دال آخر على أنَّ التنبيه لزيد ، والدال الآخر هو هيئة « يا زيد » فانَّها موضوعة لذلك وبهذا يظهر : أنَّه لا يمكن استبدال حرف النداء بأيّ صوت آخر له منبهية تكوينية ، لأنَّ الهيئة المتحصلة من ضمّ صوت آخر إلى « زيد » لم تكن موضوعة لإفادة توجّه النداء نحو « زيد » خاصة.

وعلى هذا الأساس نفرض أيضا الفرق بين نداء « زيد » و « يا زيد » فإنَّ نداء

٣٠٢

« زيد » دال حكائي على حصّة خاصة من مفهوم النداء ، وامَّا « يا زيد » فهو نداء حقيقي وقد أفيد توجيهه بدال حكائي. وإن شئت قلت : أن نداء « زيد » تارة : يكون. وجوداً بوجود حكائي مقيّداً وقيداً كما في قولنا : « تنبيه زيد » وأخرى يكون موجوداً بنفسه حقيقة مقيّداً وقيداً ، كما إذا أمسكنا زيداً وجذبناه بقصد تنبيهه. وثالثة : يكون المنبّه موجوداً حقيقة وتكون نسبته وتوجهه إلى « زيد » موجوداً بوجود حكائي كما في « يا زيد » وليعلم أن هذه النسبة ناقصة ، لأن موطنها الأصلي هو الخارج فان التنبيه وكونه تنبيهاً لزيد أمر خارجي والهيئة دلّت على النسبة التحليلية بين التنبيه وزيد ، وفرقه عن النسبة الناقصة في قولنا « تنبيه زيد » أو « نداء زيد » كونها نسبة ناقصة بين واقع التنبيه لا مفهومه.

إن قلت ـ إذا كانت النسبة الندائية ناقصة كانت تحليلية في الذهن ، ومعه ما معنى كون جزء تحليلي من الوجود الذهني موجوداً بوجود حقيقي وجزء آخر منه موجوداً بوجود حكائي؟

قلت ـ مقصودنا من ذلك أن مجموع الوجود الخارجي للمنبّه مع تلك الهيئة تعاونا في إعطاء ذاك الشيء الواحد للذهن لا أنَّ كلَّ واحد منهما أوجد حقيقة جزءاً مستقلاً من ذاك الشيء حتى يقال أنَّه لا يعقل ذلك ، ولا ضير في افتراض كون الحكاية عن توجه واقع المنبه إلى زيد ـ بمعنى إعطاء صورة ذلك إلى الذهن عن طريق إيجاد واقع المنبه ونسبته بالوجود الحكائي إلى زيد ـ موجدة لواقع ذي الصورة أي انَّه يتحقق بذلك واقعاً تنبيه زيد نظير إيجاد الحالات النفسيّة عند شخص عن طريق الإيحاء بوجودها فيه.

فان قلت ـ إذا كانت هذه النسبة ناقصة فكيف صحّ السكوت على جملة النداء وكانت تامة.

قلنا ـ انَّها ليست تامة بمعنى انَّها توجد نسبة حقيقية بين شيئين مستقلين نعم هي تامة بمعنى انَّه كان المقصود إيجاد تنبيه زيد خارجاً وقد حصل ذلك فلا تبقى حالة انتظارية من ناحية التنبيه المقصود.

٣٠٣

٤ ـ مفاد الجملة الشرطية

إلى هنا كنَّا نتكلّم عن الجمل الحمليّة اسمية أو فعلية خبرية أو إنشائية ومن مجموع ما ذكرناه يمكن التعرّف على مفاد الجملة الشرطية التي يربط فيها مفاد جملة بمفاد جملة أخرى وبتعبير آخر : انَّها تربط بين نسبتين تامتين ولا يصحّ تأليف الجملة الشرطية للربط بين جملتين ناقصتين أو بين تامة وناقصة ، وهذا بنفسه من الشواهد على ما هو المختار من ان الجملة التامة والناقصة تختلفان في مرحلة المدلول التصوّري بلحاظ سنخ النسبة لا انَّ الفرق بينها بلحاظ دلالة الأولى على قصد الحكاية مثلاً دون الثانية ، كما عليه السيد الأستاذ ـ دام ظلّه ـ ليرجع إلى كون الاختلاف بينهما في مرحلة المدلول التصديقي إذ لو كان الأمر كذلك لكنا نترقّب ان لا تختلف جملة الشرط في حالتي التمامية لمفادها والنقصان لأنَّها على أي حال ليس لها مدلول تصديقي وانَّما المدلول التصديقي للجملة الشرطية ككل. ومن يقول « إذا جاء زيد فأكرمه » لا يريد ان يحكي عن مجيء زيد ، ومع هذا نرى انَّ جملة الشرط لا يصحّ أن تكون إلا تامة وهذا شاهد على انَّ التمامية والنقصان من شئون المدلول التصوّري. ومفاد الجملة الشرطية امَّا بلحاظ هيئتها ككل أو بلحاظ أداتها هو النسبة التعليقية وهي نسبة ثانوية كالنسبة التصادقية موطنها الأصلي هو الذهن ، إذ في لوح الواقع الخارج عن الذهن لا توجد نسبة تعليقية متقوّمة بطرفين ، بل الإناطة والتوقّف أمر واقعي له واقعية حتى في حال عدم ثبوت الطرفين يوجه فلا يعقل أن تكون واقعية التوقّف وثبوته في الخارج على نحو نسبي وإلا لما استغنى عن طرفيه ، وهذا بخلاف النسبة التوقّفية والإناطة في الذهن فانَّ مرجعها إلى إناطة المفهوم المفاد بجملة لجزاء بالمفهوم المفاد بجملة الشرط بلحاظ مرحلة صدقها وبما هما حاكيان عن معنونهما ، فكما انَّ التصادق ليس إلا شأن العناوين القائمة في الذهن كذلك الإناطة والتوقّف والنسبة التوقفية مع مفهوم التوقّف كالنسبة التصادقية أو الابتدائية مع مفهوم التصادق والابتداء ، ولما كانت نسبة ثانوية موطنها الأصلي الذهن فهي تامة لا محالة وبهذا كانت الجملة الشرطية تامة وأمَّا جملتا الجزاء والشرط فهما أيضا جملتان تامتان لأنَّ مفادهما النسبة التصادقية ، وعدم صحة السكوت

٣٠٤

على أحدهما ليس لنقصانها في نفسها بل لعدم استيفاء حق النسبة التعليقية التي لا تقوم إلا بطرفين ، فلو أتي المتكلّم بأداة الشرط مع جملة الشرط وسكت كان عدم صحة السكوت بسبب بتر مفاد الجملة الشرطية وعدم استيفاء أطراف النسبة التعليقية التي بدأ بتفهيمها لا بسبب نقصان جملة الشرط في ذاتها. وقد يأتي الكلام بنحو أوسع عن مفاد الجملة الشرطية في فصل المفاهيم إن شاء الله تعالى.

٢ ـ الهيئات الإفرادية

تتكوّن الجملة التامة من محكوم به ومحكوم عليه. والمفردات اللغوية إذا قطع النّظر عن جانب الهيئة فيها فهي تنقسم إلى اسم وحرف ، ولا شك في انَّ الاسم يصحّ أن يكون محكوماً به ومحكوماً عليه في الجملة التامة كما لا شك في انَّ الحرف لا يصلح لكلّ من الأمرين وان كان قد يتوهّم وقوعه محكوماً به فيما إذا كان الخبر مكوّناً من جار ومجرور مثلاً كما في قولنا « الرّجل في الدار » ولكن الصحيح انَّ هذا غير معقول ، لأنَّ المحكوم به طرف للنسبة التامة وطرف النسبة التامة يجب أن ينظر إليه بما هو مستقل عن طرفها الآخر ، إذ في صقع النسبة يحتاج إلى طرفين متغايرين ـ كما تقدّم ـ مع انَّ الحرف وهو كلمة « في » في المثال تدلّ على نسبة ناقصة والنسبة الناقصة تحليلية كما برهنا عليه والنسبة التحليلية تندمج مع كلا طرفيها في وجود ذهني واحد ، ومن هنا يلزم التهافت من جعل الجار والمجرور بنفسه محكوماً به ، لأنَّ مقتضى النسبة التامة أن يكون منحازاً عن المحكوم عليه ومقتضى النسبة الناقصة الاندماج فيه. وهذا هو السرّ الفني لما اتَّفق عليه النحاة من تقدير مفهوم اسمي في أمثال المقام على نحو تعود الجملة المذكورة إلى قولنا « الرّجل كائن في الدار » ليعطي لكلّ من النسبتين حقّها بدون محذور.

وأمَّا إذا دخلت الهيئة على الاسم وأصبح الاسم مركّباً من هيئة ومادة فهذا يؤدّي في بعض الحالات إلى ظهور قسم ثالث في اللغة ليس صالحاً لأن يحكم عليه وبه كما في الاسم ـ وليس فاقداً لصلاحية كلا الأمرين معاً ـ كما في الحرف ـ بل هو وسط بينهما يصلح لأن يحكم به ولا يصلح لأن يحكم عليه وهو الفعل. غير انَّ ظاهرة نشوء هذا

٣٠٥

القسم الثالث لا تطرد في جميع موارد طرو الهيئة وتركّب الاسم من مادة وهيئة ، لوضوح انَّ المادة تصبح بطرو الهيئة مصدراً تارة ، ومشتقاً من قبيل اسم الفاعل والمفعول أخرى ، وفعلاً ثالثة ، على اختلاف نوع الهيئة الطارئة. والملحوظ انَّ المصدر لا يخرج باكتسابه الهيئة المصدرية عن صلاحيته الأصلية لأن يحكم به وعليه ولكنَّه لا يصحّ أن يحمل على الذات فيقال « الفقه علم » و « العلم مفيد » ولا يقال « زيد علم » والمشتق يصلح أيضا أن يحكم به وعليه ، ويمتاز على المصدر بصلاحيته لأن يحمل على الذات فيقال « زيد عالم » والفعل يصلح لأن يحكم به ولا يصلح لأن يحكم عليه ولا أن يحمل على الذات وتحقيق الحال في هذه الفوارق يقع في جهات.

١ ـ هيئة الفعل

الجهة الأولى : في مفاد الفعل على نحو يفسّر الظاهرة المذكورة التي تميّزه عن غيره.

وفي هذا المجال لا بدَّ من استعراض مجموعة من القناعات الثابتة بوجدان ، أو المبرهنة بشيء ممَّا تقدّم ، لكي يشخص مدلول الفعل في ضوء تلك القناعات.

وهي كما يلي :

١ ـ أنَّنا في قولنا « ضرب زيد » نفهم النسبة الصدورية القائمة بين الحدث والفاعل.

٢ ـ انَّ هذه النسبة يستحيل أن تكون نسبة تامة وفقاً للميزان المتقدم لأنَّ موطنها الأصلي هو الخارج فلا تكون في الذهن إلا تحليلية وكلّ نسبة تحليلية فهي ناقصة.

٣ ـ انَّ الجملة المذكورة تحتوي على النسبة التامة بلا إشكال.

٤ ـ انَّ الفعل بمفرده وبدون أن تستكمل الجملة الفعلية هيئتها بضمّ الفاعل يكون ناقصاً ولا يصحّ السكوت عليه.

٥ ـ انَّ الجملة المذكورة لها مدلول وضعي تصوري محفوظ مع قطع النّظر عن المدلول التصديقي المعبر عنه بقصد الحكاية وفي مرتبة سابقة عليه.

٦ ـ أنَّ الفعل لا يصحّ الحكم عليه وإن صحَّ الحكم به ، ولا يصحّ حمله على مصداق مدلول المادة خلافاً للمصدر الّذي يصحّ أن يحكم عليه وأنَّ يحمل على مصداق

٣٠٦

مدلول المادة فيه.

وبلحاظ هذه المسلَّمات يبطل ما نقل عن المحقق النائيني قدس‌سره من أنَّ هيئة الفعل تدلّ على نسبة تامة هي نسبة الحدث إلى فاعله على نحو التحقق ، وكذلك ما أفيد من قبل السيد الأستاذ ـ دام ظلّه ـ من أنَّ مفاده قصد الحكاية ، امَّا الأول فلان النسبة الصدورية بين الحدث وفاعله يستحيل أن تكون تامة لكونها تحليلية.

وكأن المحقق النائيني بإضافته التحقق إلى النسبة أراد أن يجعلها تامة ويميّزها عن النسبة المأخوذة في هيئة المصدر ، بتصوّر أن الفرق بين التامة والناقصة بذلك. مع انَّ هذه الإضافة لا محصل لها في مقام تتميم النسبة سواءً أريد بها مفهوم التحقق ، أو واقع التحقق الخارجي ، أو ملاحظة النسبة بما هي فانية في الواقع الخارجي ، أمَّا الأول فلأنَّه مفهوم اسمي ولا معنى لأن تتحول نسبة من النقصان إلى التمامية بمجرّد أن يكون لها طرف اسمي آخر ، وامَّا الثاني فلوضوح انَّ الوجود الخارجي غير دخيل في المدلول ، وأمَّا الثالث فلأنَّه أمر يقع حتى في المفهوم الأفرادي ولا يصيره بذلك جملة فملاك تمامية النسبة ليس إلا ما ذكرناه من كونها واقعية في مقابل التحليلية ، نعم النسبة التامة هي النسبة القابلة لأن يحكم عليها بالتحقق لا أنَّها نسبة متضمنة للتحقق.

وامَّا الثاني : فلأنه رجوع إلى المدلول التصديقي مع انَّ الكلام في المدلول الوضعي وهو تصوري.

وكيف كان ، فعلى ضوء المسلمات المذكورة يجب أن نشخص مدلول الفعل ، وذلك بوضع فرضيتين وملاحظة ما ينجح منهما في تفسير كلّ تلك المسلمات والانسجام معها.

الفرضية الأولى : انَّ في جملة « ضرب زيد » هيئتين : إحداهما : هيئة الفعل والثانية هيئة الجملة الفعلية. والأولى تدلّ على النسبة الصدورية الناقصة ، والثانية تدلّ على النسبة التصادقية التامة. وهذا يفسّر لنا النقصان في الفعل بدون استكمال الجملة لهيئتها. ولكن امام هذه الفرضية مشكلة وهي أن النسبة بحاجة إلى طرفين ، وإذا كانت الهيئة في الفعل دالة على نسبة ناقصة فالمادة تدلّ على أحد طرفيها ، ولا يوجد ما يدلّ على طرفها الآخر ، وأمَّا الفاعل فهو طرف للنسبة التامة لا الناقصة. وهذا

٣٠٧

إشكال لا يرد فيما لو فرض انَّ هيئة الفعل كان مفادها النسبة التامة ، لتوفر الدالين على الطرفين فيها. والالتزام بدلالة الهيئة على النسبة الناقصة وأحد الطرفين معاً غريب أيضا ، ولازمه انفهام ذات مبهمة من الفعل وهو خلاف الوجدان. والإشكال نفسه يرد لو قيل بوضع هيئة المصدر للنسبة الناقصة أيضا.

وحلّ هذه المشكلة : بأن النسبة التي يفرض دلالة الهيئة عليها ليست بمعنى النسبة المتقومة بطرفين بل بمعنى خصوصية في الضرب الملحوظ مدلولاً للمادة ، فانَّ الضرب تارة : يلحظ بما هو حال ، وهذا هو الضرب الّذي يضاف إلى المفعول. وأخرى : يلحظ بما هو صادر ، وهذا هو الضرب الّذي يضاف إلى الفاعل ، فالهيئة تدلّ مثلاً على كونه بالنحو الثاني. ولا يرجع ذلك إلى أخذ نفس مفهوم الصدور أو الحلول فإنَّهما مفهومان اسميان بل أخذ منشأ انتزاعهما الّذي هو حالة مخصوصة في كيفية لحاظ الضرب وهذه الحالة قائمة بالضرب بنحو قيام المعنى الحرفي بالمعنى الاسمي وليست نسبة قائمة بين معنيين اسميين لتحتاج إلى طرفين ، والشيء نفسه نقوله لحل المشكلة بالنسبة إلى هيئة المصدر أيضا.

ويمكن أن نجد حالات مماثلة لهذه الظاهرة في المعاني الحرفية أي لمعنى حرفي تتمثل حرفيته في اندكاكه في المعنى الاسمي على نحو يكون الحرف دالاً على خصوصية في المعنى الاسمي لا على نسبة بين طرفين ، ومن تلك الحالات اللام التي تدخل على الكلمة وتدلّ على التعيين بأقسامه ، فان التعيين ليس نسبة بين مفهومين اسميين بل حالة خاصة بالمدخول.

وعلى هذا الأساس يبقى على هذه الفرضية ان تفسر لنا الخصوصية السادسة من الخصوصيات المتقدمة ، وهي عدم صحة الحكم على فعل الماضي وعدم صحة حمله على مصداق مدلول المادة. إذ قد يقال : ان مجرّد اكتساب مدلول مادة الفعل نسبة ناقصة تقييدية من ناحية الهيئة لا يخرجه عن الاسمية الكاملة والصلاحية لأن يحكم به ولأن يحمل على مصداقه ، وإلا لوقع مثل ذلك في المصدر بناء على انَّ الهيئة المصدرية موضوعة للنسبة الناقصة.

ويمكن تفسير ذلك والتمييز بين فعل الماضي والمصدر بعد افتراض ان الهيئة في كل

٣٠٨

منهما تدلّ على نسبة ناقصة ببيان حاصله : ان الكلمة التي تتركّب من دالين أحدهما الهيئة والآخر المادة على النحو الّذي ذكرناه في المصدر والفعل ، تارة : يكون الركن فيها بحسب إفادة مجموع الدالين لمجموع المدلولين المادة. وأخرى : يكون الركن هو الهيئة. وذلك انَّا سنوضح في محله انَّ الجملة المشتملة على حرف واسم تكون بمجموعها دالة على مجموع المعنيين. ومجموع المعنيين في المقام تارة : يكون المتحصل منهما الضرب بوجه مخصوص. وأخرى : الوجه المخصوص للضرب. والأول معناه ركنية مدلول المادة ، والثاني معناه ركنية مدلول الهيئة ، والمصدر منزل في اللغة على الوجه الأول على القول بتضمن هيئته للمعنى ، والفعل منزل في اللغة على الوجه الثاني ، ولهذا لا يصحّ ان يحكم عليه لأن الركن فيه هو مدلول الهيئة الحرفي ، ولا ان يحمل على مصداق مدلول المادة لأنَّه ليس مصداقاً لمدلول الهيئة الّذي هو الركن في المعنى الجمعي للكلمة بمادتها وهيئتها ، وهذا الافتراض يفسر لنا إحساسنا الوجداني بالفرق بين الفعل والمصدر حتى مع تكفل المصدر للنسبة أيضا.

قد يقال أن فرض كون الركن في مدلول فعل الماضي هيئة ومادة هو وجه الضرب وكون الركن في مدلول المصدر الضرب بوجه مخصوص خلف حرفية الهيئة إذ بعد حرفية هيئة فعل الماضي كيف يعقل أن يكون مفادها ركناً وملحوظاً بنحو الاستقلال بحيث يكون مفاد المادة تابعاً له وتحت الشعاع له فان هذا إرجاع للهيئة إلى معنى اسمي بحسب الحقيقة بحيث لا يبقى فرق بين مدلول فعل الماضي ومدلول قولنا صدور الضرب مع انَّ هذا اسم وذاك حرف والتحقيق انَّ الحروف على قسمين : الأول ، ما كان مفاده صورة ذهنية زائدة على الصورة الذهنية التي بإزاء الاسم غاية الأمر انَّ تلك الصورة موجودة على نحو وجود النسبة والربط وبقدر حظّ هذه الماهيات الناقصة من الوجود ، الثاني ، ما لا يكون مفاده إعطاء صورة ذهنية زائدة بل تعيين الصورة الذهنية المعطاة به لمفهوم الأسماء الّذي يكون ذلك الحرف مرتبطاً به وذلك فيما إذا كان الاسم موضوعاً لسنخ معنى قابل لأن يوجد ضمن إحدى صورتين ذهنيتين ليست النسبة بينهما الأقل والأكثر ، لكي يقال ان الاسم يدلّ على الأقل ، والحرف يدلّ على الزائد فيرجع إلى القسم الأول بل النسبة بين الصورتين الذهنيتين التباين وإن كان

٣٠٩

أصل المفهوم الاسمي محفوظاً فيها معاً على نحو واحد ، ومثاله ان المادة المحفوظة في المصدر والفعل موضوعة للضرب مثلاً ولكن الضرب كمفهوم يمكن حفظه في الذهن بإحدى صورتين ، الأولى الصورة التي تبدأ بالضرب وتنتهي إلى الضارب بأن يلاحظ الضرب بما هو صادر ، والأخرى الصورة التي تبدأ للضارب وتنتهي إلى الضرب بان يلاحظ صدور الضرب وتحرك الفاعل نحوه ، وكلّ من الصورتين منتزعة عن الضرب وان اختلفا في كيفية التصور ، وهذا الاختلاف لا يرجع إلى اختلاف في جانب المتصور ، بل في التنسيق الذهني للمتصور ومن هنا لا يصحّ أن يُدّعى مثلاً ان الهيئة تدل على جزء تحليلي من التصور ، والمادة تدلّ على الجزء الآخر ، إذ لا يوجد فرق في جانب المتصوّر ، وانَّما الفرق في كيفية أخذ الصورة ذهناً من قبيل أخذ الرسام لصورتين مختلفتين لشخص واحد من اليمين تارة ومن اليسار أخرى ، وعليه فالجانب المفهومي هنا وهو ذات المتصور مدلول للاسم فقط ولا يساهم الحرف أي هيئة الفعل أو المصدر فيه ، وانَّما الهيئة تساهم في تحديد الصورة ، لأن الاسم لا يشرط تجاه إحدى الصورتين ، فيكون الحرف مشروطاً بتعين إحدى الصورتين ، ويكون المدلول النهائيّ للكلمة مادة وهيئة ، تلك الصورة المعيّنة للمادة ببركة الهيئة وهذه الصورة يختلف فيها المصدر عن الفعل بالنحو الّذي ذكرناه ، وبهذا لا يلزم جعل الهيئة الهيئة ذات مدلول اسمي ، لأن وظيفتها كما عرفت تحديد الصورة التي بإزاء مدلول المادة ولا تساهم في الجانب المفهومي للمدلول أصلاً ، ولا يُتوهم انَّ بالإمكان إرجاع حروف القسم الأول إلى ذلك أيضا بان يقال ان « في » تدلّ على الصورة الذهنية للنار بما هي مظروفة ومحتواة ، وذلك لأن هذه الصورة تحتوي على زيادة مفهومية عن المدلول الاسمي لكلمة النار ، وليس فرقها عن صورة ذات النار فرقاً تصويريّاً وفي طريقة أخذ الصورة ، وتلك الزيادة المفهومية لا محالة تكون مدلولاً للحرف ولا بدَّ من إرجاعها حينئذ إلى النسبة الظرفية.

الفرضية الثانية : أن يقال انَّ هيئة الفعل الماضي موضوعة لنسبة تامة تصادقية وهيئة الجملة الفعلية لا تدلّ على النسبة التامة بل على تعيين طرفها في الفاعل ، وامَّا النسبة الصدورية فهي مأخوذة في نفس مدلول المادة امَّا افتراضاً وامَّا برهاناً بناء على انَّ الهيئة موضوعة بالوضع النوعيّ بلحاظ مختلف المواد ، فانَّه بناء على ذلك مع

٣١٠

ملاحظة أن النسبة الملائمة لبعض المواد هي النسبة الصدورية ولبعضها النسبة الحلولية ولبعضها غير ذلك لا يمكن فرض أخذ أنحاء هذه النسب في طرف الهيئة إلا بأن يكون وضعها شخصيّا وفي ضمن كلّ مادة بشخصها. وهكذا يتعيّن بناء على الوضع النوعيّ للهيئة أن تكون هذه النسب مأخوذة في مدلول المادة ، وقد يكون الفرق بين الماضي والمضارع أيضا بلحاظ النسبة المأخوذة في مدلول المادة.

وهذه الفرضية تفسّر لنا عدم صحة الحكم على فعل الماضي وعدم صحة حمله على مصداق مدلول المادة. إذ حال فعل الماضي حال جملة اسمية فكما انَّ الجملة الاسمية تكون مواد مفرداتها مندكّة في ضمن مدلولها الجملي ومفادها النسبي الهيئتي كذلك الحال في فعل الماضي.

هذا كلّه في الفعل الماضي ومثله فعل المضارع. وأمَّا فعل الأمر فان بني في تفسير الماضي على الفرضية الأولى وأريد تعميمها على فعل الأمر لكون الأقسام الثلاثة من الفعل على وتيرة واحدة وجداناً فلا بدَّ من افتراض دلالة هيئة فعل الأمر على نسبة ناقصة ودلالة هيئة الجملة المكونة من الفعل وفاعله على نسبة تصادقية تامة غير انَّها ليست بلحاظ وعاء التحقق بل بلحاظ وعاء الطلب فهي نسبة تصادقية تشريعية لا خارجية حيث انَّ الجملة المذكورة إنشائية. ولكن بناء على ذلك لا يمكن الالتزام بان مدلول هيئة فعل الأمر نفس النسبة الناقصة الصدورية التي يدلّ عليها فعل الماضي مثلاً لأنَّ لازم ذلك الترادف بين فعل الماضي والأمر وعدم ظهور الفرق بينها إلا بعد ضمّ الفاعل وملاحظة الجملة بمجموعها مع وضوح الفرق بين الفعلين في مدلوليهما التصوريين في أنفسهما. ومن هنا يتعيّن القول بأنَّ مفاد هيئة فعل الأمر نسبة ناقصة أخرى من قبيل ما يقال من أن مدلول هيئة الأمر النسبة الإرسالية أو البعثية ، بمعنى ملاحظة الإرسال أو البعث على نحو المعنى الحرفي وبما هو نسبة بين المرسِل والمرسَل والمرسل نحوه أو الباعث والمبعوث والمبعوث نحوه ، والنسبة الإرسالية مع الإرسال كالنسبة الابتدائية مع الابتدائية مع الابتداء ، وقد يلائم هذا حينئذ مع إِبقاء النسبة التصادقية التامة التي تدلّ عليها هيئة جملة ( افعل ) على وعاء التحقق بأن يكون الملحوظ في مفاد الجملة تحقق الإرسال لا صدور المادة.

٣١١

وان بني في تفسير الماضي على الفرضية الثانية أمكن القول هنا تعميماً لتلك الفرضية بأن هيئة فعل الأمر موضوعة ابتداء لنسبة تامة تصادقية وهذه النسبة التصادقية امَّا أن تكون نسبة تصادقية بين نفس المدلول الأصلي للمادة والفاعل فلا بدَّ أن تكون حينئذ بلحاظ وعاء الطلب لا بلحاظ وعاء التحقق. وإِمَّا أن تكون نسبة تصادقية بين الإرسال نحو المادة والفاعل بأن يلحظ مدلول المادة في ( اضرب ) لا بما هو حدث الضرب بل بما هو إرسال نحو الضرب فيكون الإرسال مطعماً في مدلول المادة بدلاً عن أخذه في مدلول الهيئة ، كما هي الحال على أساس الفرضية الأولى وقد يأتي مزيد بحث وتوضيح في مفاد صيغة افعل في فصل الأوامر وسنخ هذا التطعيم لا بدَّ من الالتزام به في المضارع إِذا قيل بأنَّ هيئة الماضي والمضارع موضوعة للنسبة التصادقية التامة على نحو واحد ليحفظ الفرق بين الفعلين.

ثمَّ انَّ هناك مقالة لبعض النحاة في عدم النّظر إلى فعل الأمر قسيماً للماضي والمضارع. ووافقه على ذلك بعض الباحثين المحدّثين مدعياً : انَّ بناء « افعل » ليس بفعل كما يفهم من هذه الكلمة ، لأن الفعل لا بدَّ وأن يتميّز بشيئين أحدهما متفرّع على الآخر :

١ ـ أن يبنى على المسند إليه ويحمل عليه.

٢ ـ أنَّه مقترن بالدلالة على الزمان.

وبناء « افعل » خلو من هاتين الميّزتين لأنَّه لا يشير إلى تلبّس الفاعل بالفعل في حال بل كلّ ما يشير إليه أو يدلّ عليه هو طلب الفعل من المواجه بالطلب. ومن هنا لا تكون له دلالة على الزمان أيضا إِذ ليس هناك من فعلي لكي يكون تلبّس الفاعل به واقعاً في أحد الأزمنة (١).

وقد اتّضح بطلان هذه المقالة على ضوء ما تقدّم في تحليل مدلول الأفعال ، فانَّ دلالة الفعل على تلبّس فاعله به لا يقصد منها الدلالة على وقوع ذلك خارجاً بل المقصود أن الفعل والحدث تارة : يلحظ في نفسه فيكون اسماً ، وأخرى : تلحظ نسبته إلى

__________________

(١) راجع « في النحو العربي » ص ١٢٠ ـ ١٢١

٣١٢

شخص بنحو النسبة الناقصة أو التامة ـ على الفرضيتين المتقدّمتين ـ ومن الواضح انَّ هذا محفوظ في فعل الأمر أيضا لأنَّه يدلّ على انَّ المطلوب صدور الفعل من المأمور فقد لوحظت نسبة الفعل ـ الحدث ـ إلى الفاعل أيضا ، لكنَّه لم يلحظ ذلك في وعاء التحقق والاخبار بل في وعاء الطلب والإرسال ، وهذا الاختلاف لا يمثل فارقاً فيما هو مدلول الفعل بل في مدلول الجملة وكون النسبة التامة فيها إخبارية أو إنشائية.

وبكلمة أخرى : انَّ الملحوظ في صيغة ( افعل ) لو كان هو نسبة طلب الفعل إلى الشخص المخاطب ابتداءً بدون ملاحظة نسبة بين نفس الفعل والفاعل كان لما ذكر من عدم كون هذه الصيغة فعلاً وجه ، لأنَّ الفعل متقوّم بنسبة الحدث إلى الفاعل بنحو الصدور أو الحلول ولكن الالتزام بتجريد فعل الأمر عن النسبة المباشرة بين الحدث والفاعل بلا موجب بل الموجب على خلافه ، وهو أنَّ هذا التجريد يقتضي أن يكون المطلوب من المخاطب ذات الحدث ولو بأن يصدر من غير المخاطب ، فلو قال الشخص لابنه « جئني بماء » فالولد هنا مطلوب منه مجيء الماء ولم يلحظ مجيء الماء صادراً منه ، مع أن الفهم العرفي واللغوي لهذا الكلام لا يبرر أن يكتفي الابن بتوفير المجيء بالماء عن طريق أمره لغيره بأن يسقي أباه الماء وليس ذلك إِلاَّ لأنَّ النسبة بين الحدث والمخاطب بنحو الصدور مأخوذة وهذا يكفي في كون الصيغة فعلاً لدلالتها على النسبة الصدورية تصوراً وإن لم تدل على وقوع الحدث من الذات فعلاً لأنَّ الوعاء الملحوظ للنسبة ليس هو وعاء التحقق بل وعاء الطلب ولو كانت فعلية الفعل متقومة بدلالته على وقوع الحدث من الذات فعلاً وكون النسبة بلحاظ وعاء التحقق لوجب الالتزام بعدم فعلية فعل الماضي والمضارع أيضا حينما يلحظان في غير وعاء التحقق كما إِذا قيل « ليضرب زيد » أو « هل ضرب زيد ».

ثمَّ انَّه يظهر من المحقق النائيني ( قده ) الاستغناء بهيئة الفعل ووضعها لمعناها عن وضع هيئة الجملة الفعلية للنسبة بدعوى : انَّ الهيئة الإفرادية للفعل كافية لإفادة الربط والنسبة بين الفعل والفاعل فلا حاجة لوضع هيئة الجملة الفعلية لذلك خلافاً للجملة الاسمية فانَّه لا يوجد فيها هيئة فيها هيئة إفرادية تغني عن وضع هيئتها الجملية لإفادة النسبة.

٣١٣

وقد اعترض عليه المحقق العراقي ( قده ) باعتراضين :

أحدهما : النقض ببعض الجمل الاسمية « كزيد ضرب » باعتبار اشتمالها على هيئة الفعل فلما ذا لم يغن عن وضع الهيئة التركيبيّة.

والآخر : الحل بأن مفاد الهيئة الإفرادية للفعل نسبة الفعل إلى فاعل ما فلا بدَّ من وضع الهيئة التركيبيّة لإفادة تعيين طرف النسبة في فاعل مخصوص وهو زيد مثلاً في « ضرب زيد ».

ويمكن دفع الاعتراض الأول : بأن جملة ( زيد ضرب ) امَّا ان نبني على رجوعها بالتحليل إلى جملتين كبيرة وصغيرة كما هو المعروف ، وامَّا نقول بأنَّها جملة واحدة مكونة من الفعل والفاعل غاية الأمر انَّ الفاعل تقدم على الفعل فعلى الأول تكون الجملة مشتملة على نسبتين أحدا هما : نسبة الفعل إلى الضمير المستتر المقدر في الجملة الفعلية. وأخرى : نسبة المبتدأ إلى الجملة الفعلية بما هي خبر. والمدعى ـ وفاء هيئة الفعل بإفادته انَّما هو النسبة الأولى دون الثانية فلا بدَّ إِذن من وضع هيئة الجملة الاسمية لإفادة النسبة الثانية.

وعلى الثاني : تكون جملة زيد ضرب فعلية على حدّ جملة ضرب زيد فلا موضوع للنقض.

وأمَّا الاعتراض الثاني : فيندفع ـ كما يندفع أصل كلام المحقق النائيني ( قده ) ـ بأن نسبة الفعل إلى فاعله التي هي مدلول هيئة الفعل لا يعقل كفايتها سواءً لوحظ فيها الفاعل بنحو الإبهام أو التعيين ـ بناء على الفرضية الأولى من الفرضيتين السابقتين ـ إِذ تكون النسبة المفادة بهيئة الفعل نسبة أولية وقد برهنَّا سابقاً على انَّ كل نسبة أولية لا بد أن تكون مفادة على نهج النسبة التحليلية فتكون ناقصة ويستحيل أن تكون نسبة واقعية ثابتة فلا تغني عن وضع الهيئة التركيبيّة للجملة لإفادة النسبة التامة.

٢ ـ هيئة المصدر

الجهة الثانية : في المصدر وقد اشتهر في كلمات النحاة انَّ المصدر هو الأصل في الاشتقاقات. وينبغي أن يقصد من ذلك كون معناه المدلول عليه بأسماء المصادر

٣١٤

أصلاً فيها لكونه عبارة عن نفس المبدأ ، وامَّا ألفاظها فتشتمل على هيئات خاصة لا ترد في سائر الاشتقاقات إِلاَّ انَّ هذه الهيئات لم تلحظ فيها إفادة معنى زائد على المبدأ وإلا لم تكن أصلاً.

وهناك محاولتان تتردّدان في كلمات المتأخّرين من الأعلام لتصوير معنى زائد وضعت بإزائه هيئات المصادر أيضا.

المحاولة الأولى : انَّها موضوعة بإزاء نسبة ناقصة بين الحدث وذات مبهمة.

وهذه المحاولة يمكن أن تذكر في مقام إبطالها عدّة مفارقات :

١ ـ ما أفاده المحقق النائيني ( قده ) من استلزامه مشابهة أسماء المصادر للحروف في معانيها النسبيّة فلا بدَّ وأن تكون مبنيّة مع كونها معربة بلا كلام (١).

وهذا الجواب غير تام لأنَّ الّذي يستدعي بناء الاسم مشابهته للحروف بمادته لا بهيئته كما في أسماء الإشارة والضمائر. وإِلاَّ انتقضت هذه القاعدة بالأوصاف الاشتقاقية بناء على ما هو الصحيح من دلالة هيئاتها على معانٍ نسبية.

٢ ـ لا إِشكال في صحة نسبة المصدر إلى ذات في مثل قولنا « ضرب زيد » وهذا ينافي أخذ معنى نسبي في هيئته لاستلزامه قيام نسبتين ناقصتين في عرض واحد بين مادة واحدة وطرفين ، أحدهما الذات المبهمة والآخر زيد ، وهو مستحيل بناء على ما تقدّم من حقيقة المعاني الحرفية ، لأن عرضية النسبتين تستدعي تعدد هما وهو يقتضي وجود مفهومين مستقلين في الذهن ينحل كلّ منهما إلى طرفين ونسبة تحليلية ووحدة المادة المنتسبة تقتضي عدم وجود أكثر من مفهوم واحد وهو خلف.

نعم لو فرضت الطولية بين النسبتين الناقصتين كما في قولنا « ماء وجه زيد » أو قولنا « ماء ورد زيد » أمكن قيامهما بمفهوم واحد ، لرجوعه إلى مزيد تحصيص في مفهوم واحد إِلاَّ انَّ الطولية في المقام غير معقولة لأنَّ الذات المبهمة المنتسب إِليها المبدأ نفس زيد فلا يعقل تحصيصها به.

ويمكن لصاحب المحاولة الفرار عن هذا الإشكال بدعوى : خروج الذات عن

__________________

(١) أجود التقريرات ج ١ ص ٦٣

٣١٥

مدلول المصدر ، فهو لا يدلّ على أكثر من المبدأ المنتسب مع تعيين المنتسب إِليه بما يضاف إِليه المصدر ، ولا محذور في ذلك عدا تعدد الدال على النسبة بتعدد هيئة المصدر وهيئة الإضافة. وليس هذا محذوراً ثبوتيّاً.

٣ ـ انَّ فرض دلالة المصدر على طرف النسبة في موارد الإضافة لزم المحذور المتقدّم في الجواب السابق ، وإِلاَّ لزم افتقار المصدر دائماً إلى دال آخر ليتمم مدلوله الإفرادي ، مع وضوح تماميته في نفسه في كثير من الموارد كما في قولنا الضرب حرام.

وهذا الجواب أيضا بالإمكان التخلّص عنه بالالتزام بتعدد الوضع في أسماء المصادر فهي مستقلة في الخارج فلا تكون النسبة مأخوذة فيها ويصطلح عليها حينئذ باسم المصدر ، وهي مقيّدة ومنتسبة إلى ذات موضوعة للمبدإ المنتسب ويصطلح عليها حينئذ بالمصدر.

٤ ـ انَّ فرض أخذ الذات في مدلول المصدر لزم المحذور الثبوتي المتقدّم ، وإلا لزم تعدد الدال على النسبة ، وهو مع الغض عن كونه خلاف الوجدان والذوق العرفيين لا يحقق غرضاً لغويّاً ، إِذ في موارد استعماله مستقلاً لا نسبة لكي يوضع لها بحسب الفرض ، وفي موارد الإضافة والتقييد يوجد دال آخر عليها فيكون وضعه لها لغواً لا طائل تحته.

المحاولة الثانية : ما أفاده المحقق النائيني قدس‌سره من أنَّ هيئة المصدر وضعت للتمييز بين اسم المعنى المصدري والمعنى المصدري ، حيث أن اسم المصدر موضوع للدلالة على الحدث ملحوظاً غير منتسب إلى ذات وهيئة المصدر موضوعة لنفي ذلك اللحاظ وإِلغاء عدم الانتساب (١).

وهذه المحاولة رغم إِجمالها مما لا يمكن المساعدة عليها أيضا إِذ لو أريد أن هيئة اسم المصدر موضوعة لتقييد المبدأ بالحدث غير المنتسب « فالغسل » مثلاً يعني الغسل الّذي لا يكون من ذات في الخارج ، فهذا ، مضافاً : إلى كونه خلاف الواقع الخارجي إِذ لا يوجد مصداق لمحدث غير منتسب إلى ذات ،

__________________

(١) أجود التقريرات ج ١ ص ٦٣

٣١٦

واستلزام عدم صحة إِضافة اسم المصدر إلى ذات كقولنا « غسل زيد » للزوم التهافت بين مدلوله ومدلول هيئة الإضافة. ممَّا لا موجب له فانَّه يكفي في إِفادة عدم هذا التقييد ان لا يكون المصدر موضوعاً للتقييد المذكور لا أن تكون موضوعة بهيئتها لإلغائه.

وإِن أريد دلالة اسم المصدر على عدم الانتساب من ناحية وان انتسب بدوالٍ أخرى. فهذا المعنى ممَّا لا يحتاج إلى الوضع بل يحصل بعدم الوضع للخلاف ، كما في الأسماء الجامدة على أنَّ ما يقابله حينئذ أن تكون هيئة المصدر موضوعة للدلالة على الانتساب ، وهو رجوع إلى المحاولة الأولى التي استنكرها المحقق المذكور.

ويمكن تصوير دلالة الهيئة المصدرية على معنى حرفي بنحو ثالث يختلف عن الوجهين السابقين ، ولعلَّه هو المحصل الحقيقي لهما ، وهذا الوجه هو ما أشرنا إِليه في الجهة السابقة من كون الهيئة موضوعة للدلالة على خصوصية في مدلول المادة قائمة به قيام المعنى الحرفي بالمعنى الاسمي من دون أن تكون هذه الخصوصية نسبة بالمعنى الّذي يحتاج إلى طرفين ، ولا تكون الذات على هذا مأخوذة في مدلول الهيئة أصلاً. وتندفع بذلك جلّ الإشكالات السابقة ، ويعقل التمييز على أساس ذلك حينئذ بين المصادر وأسماء المصادر باعتبار وضع هيئة المصدر لما ذكرناه وعدم وضع هيئة اسم المصدر لشيء وتمحضه في مدلول المادة فتكون النسبة بين المدلول الجمعي للمصدر والمدلول الجمعي لاسم المصدر نسبة الكلّ إلى الجزء ، وعلى هذا الأساس لا معنى لافتراض وحدة الصيغة للمصدر ولاسم المصدر ، فانَّ هذا انَّما يتعقّل إِذا فرضنا التباين بين المعنيين ولو بلحاظ مفاد الهيئة ، فيمكن افتراض صيغة واحدة موضوعة لكلّ منهما على نحو الاشتراك اللفظي ، وامَّا إِذا كان الفارق بينهما مجرّد تمحّض اسم المصدر في الدلالة على مدلول المادة وزيادة المصدر على ذلك فمع وحدة الصيغة وكون هيئتها موضوعة لمعنى إضافي لا يحصل التمحّض فلا يمكن جعلها بلحاظ اسم المصدر. وليس الكلام في التفرقة بلحاظ مرحلة المدلول التصديقي حتى يقال أنَّها تكون اسم المصدر حين لا يراد من هيئتها شيء وإِنَّما الكلام في التفرقة بين المصدر واسمه في مرحلة المدلول التصوري. ولكن الصحيح أنَّه لا معين لكون هذا المعنى الإضافي مدلولاً لهيئة المصدر.

٣١٧

ثمَّ انَّه يمكن أن يستدل على وضع زائد لهيئة المصادر بعدة وجوه :

منها ـ انَّا نرى الفرق بحسب الوجدان بين المصادر وبين أسمائها. وهذا لا يكون إِلاَّ على أساس أخذ معنى نسبي في مدلول المصدر.

وهذا الوجه لو تمَّ لكفى في أداء حقّه افتراض أخذ النسبة في مدلول المصادر المزيدة مع عدم أخذها في المصادر المجردة. إِذ بذلك يحفظ الفرق بينهما ولا يتوقّف انحفاظ الفرق على أخذ النسبة في كلّ من القسمين من المصادر. بل يمكن افتراض دخوله في مدلول المادة ولهذا نجده محفوظاً في سائر مشتقات المادة. فالبيان المذكور ينفع لتصوير الفرق بين مدلول المصدر ومدلول اسم المصدر لا لبيان انَّ هيئة المصدر لها مدلول قد وضعت لإفادته إِلاَّ أن يقال انَّ مرجع هذا إلى ذاك.

ويتوقّف هذا الوجه إلى انحصار ملاك الفرق بين المصدر واسم المصدر فيما ذكر ، فانَّ الفرق بينهما ممَّا لا إِشكال فيه عرفاً إلا انَّه يمكن أن يكون لأحد اعتبارات أخرى.

الاعتبار الأول : انَّ المصدر موضوع للفعل واسم المصدر موضوع للانفعال.

وهذا الاعتبار يمكن استبعاده بعدم الفرق بين الفعل والانفعال فان كليهما من المصادر.

الاعتبار الثاني : انَّ المصدر موضوع للفعل واسم المصدر للنتيجة المتولدة منه. وهذا أيضا بظاهره ينفيه عدم توقّف الفرق بينهما على أن يكون الفعل توليديّاً بحيث تكون له نتيجة خارجية.

الاعتبار الثالث : انَّ العقل والعرف يحلل الفعل في عالم المفهوم والتصوّر إلى مرحلتين : إِحداهما : الفعل بما هو حدث يصدر من فاعل. والأخرى : الفعل بما هو موجود بالذات في الخارج وهذا واضح جداً في مثل الخلق والمخلوق والإيجاد والوجود فإنَّهما رغم وحدتهما بحسب الواقع والحقيقة بينهما فرق واضح بحسب عالم المفهوم. فان المخلوق والموجود كأنَّهما نتيجة الخلق والإيجاد ، فنفس المعنى يقال في باب المصادر وأسماء المصادر وإن كان التحليل المذكور أخفى فيها من المثالين. فالقيام تارة : يلحظ بما هو حدث وإيجاد فيكون معنى مصدريّاً. وأخرى : يلحظ بما هو موجود في الخارج فيكون اسم المصدر. وهذا الاعتبار الثالث يلتقي في الحقيقة بالنحو الثالث الّذي ذكرناه

٣١٨

لتصوير دلالة المصدر على معنى إضافي وقد عرفت انَّه يلائم مع كون هذا المعنى الإضافي مأخوذاً في نفس مدلول المادة.

ومنها ـ انَّا نرى الفرق عرفاً بين المصادر المجرّدة والمزيدة فالخروج ليس هو الإخراج رغم وحدة المادة فيهما ، ممَّا يكشف عن إفادة هيئات المصادر لمعنى زائد يختلف باختلافها.

وهذا الوجه لا مأخذ له أيضا ، إِذ لا موجب لافتراض منشأ للفرق بين المصادر بلحاظ مدلول هيئاتها ، بل يمكن أن يكون الفرق ناشئاً من وضعها بإزاء مبادئ مختلفة. فالخروج موضوع بإزاء فعل الخروج ، والإخراج بإزاء سنخ خاص منه وهو الخروج التحميلي ، والاستخراج بإزاء سنخ آخر وهو الخروج المطاوعي وهكذا.

ومنها ـ عدم صحة إضافة بعض المصادر إلى الفاعل لها بل إلى القابل لها ، فإذا أخرج زيد عمراً مثلاً لا يصحّ أن يقال خروج زيد بل خروج عمرو ، ممَّا يعني أخذ نسبة المبدأ إلى القابل أو الفاعل أو إِليهما في المصادر زائداً على معنى مباديها. وإِلاَّ فمبدأ الخروج نسبته إلى فاعله وقابله على حدّ واحد.

وفيه : انَّا بيَّنا آنفاً انقسام الفعل في عالم المفهوم إلى مرحلتين مرحلة التكوين ومرحلة التكوين ومرحلة التكون ، ونضيف عليه في المقام : بأن مرحلة التكوين أيضا يمكن أن يحلل عرفاً إلى التكوين الفاعلي والتكوين القابلي ، فيوضع بعض المصادر بإزاء الفعل الملحوظ في مرحلة تكوينه الفاعلي وبعضها بإزاء الفعل الملحوظ في مرحلة تكوينه القابلي أو الأعم منه ومن الفاعلي.

وهكذا يتّضح : أن وضع هيئة المصدر لمعنى حرفي بالنحو الّذي يرجع إلى نسبة ناقصة أو إِلغاء لحاظ عدم الانتساب ممَّا لا دليل عليه ، بل البرهان على خلافه. وامَّا وضعها لمعنى حرفي بالنحو الثالث الّذي شرحناه فهو أمر معقول ثبوتاً ، ولا شك إثباتاً في مساعدة الوجدان على استفادة هذا المعنى الحرفي من الكلمة ، ولكن لا معين لكون الهيئة المصدرية موضوعة لإفادته لإمكان كونه مأخوذاً في نفس مدلول المادة بمعنى وضعها للحدث الملحوظ على ذلك الوجه ، ولهذا نرى انَّ هذه النكتة محفوظة ومستفادة من المادة حتى في ضمن هيئة أخرى كهيئة الفعل ، فإذا ثبت انَّ هيئة الفعل غير

٣١٩

موضوعة لإفادة هذه النكتة ـ كما أشرنا سابقاً ـ تبرهن كونها مأخوذة في مدلول المادة السارية ، وبهذا يكون الفرق بين المصدر واسم المصدر محفوظاً بين مادة الاشتقاق بكلّ صيغها بما فيها المصدر أسبقية البسيط على المركب ، وانَّ المصدر أسبق رتبة من الفعل بنفس النكتة ، وانَّ الفعل وكلّ جملة تامة أسبق رتبة من الجملة الناقصة على ما أشرنا إلى نكتته سابقاً.

وأمَّا المشتق فهو في رتبة الجملة الناقصة ، بناء على التركيب في مفاده بالنحو الّذي يأتي إِن شاء الله.

٣ ـ هيئة المشتقات

الجهة الثالثة : في تشخيص مفاد هيئة المشتقات الوصفية. والمراد بها كلّ مشتق يحمل على الذات التي يقوم بها المبدأ بنحو من أنحاء القيام ، كاسم الفاعل وغيره من الأوصاف الاشتقاقية. ولا شك في أنَّ هيئة هذه المشتقات موضوعة لمعنى إضافي زائداً على مدلول المادة ، كما لا شك أيضا في عدم كونها موضوعة لنسبة تامة ومن ناحية ثالثة ، يلاحظ أنَّ هذه المشتقات تختلف عن المصدر في أنَّها تحمل على الذات بلا عناية بينما لا يحمل المصدر عليها إِلاَّ بعناية ، وعلى أساس هذه المسلمات يقع الكلام عن تشخيص المعنى الجمعي للمشتق وبكلمة أخرى : تحديد مدلول الهيئة فيه. ومن خلال البحث في ذلك نشأ الحديث عن بساطة المفاهيم الاشتقاقية وتركبها حسب الاحتمالات التي تطرح في مقام تشخيص المدلول. ولا ينبغي أن يكون المراد بالبساطة التي وقع النزاع فيها البساطة في اللحاظ والتصور في مقابل التركب وتكثر المفهوم في هذه المرحلة ، لأنَّ البساطة بهذا المعنى لا معنى للشك فيها على جميع المحتملات في مدلول المشتق حتى لو بني على دخول النسبة والذات فيه ، لأنَّ النسبة الممكن ادعاء دخولها نسبة ناقصة لوضوح عدم تكفّل المشتق لمفاد جملة تامة على نحو يصحّ السكوت عليه ، والنسبة الناقصة مع طرفيها تشكّل مفهوماً وحدانيّاً بسيطاً في مرحلة اللحاظ والتصور كما تقدّم ، فلا بديل لهذه البساطة إِلاَّ دعوى دخول النسبة التامة في مفاد المشتق وهو

٣٢٠