بحوث في علم الأصول - ج ١

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

بحوث في علم الأصول - ج ١

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المجمع العلمي للشهيد الصدر
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩١

أن هذا النوع من النسب تحليلية قام البرهان على استحالة كونها واقعية في الذهن. وإن أريد الوحدة بلحاظ عالم التحليل فالوجدان قاض بعدم وحدة المفهوم في موارد الإضافة أيضا كموارد الحروف تماماً بدليل لحاظ الذهن لمفهوم المضاف إليه وهذا لا ينسجم إلا مع افتراض دلالة الإضافة على النسبة بينه وبين المضاف لا الحالة الخاصة المتقومة بالمضاف فقط كما في هيئة المصدر.

وثانياً : انَّ هذه الفرضية كسابقتها لا تعالج المفارقات المبرزة في النقاط المتقدمة فانَّ في كلّ مورد توجد نسبة حرفية خارجية بين شيئين تتحقق حالة الانتساب أيضا فلما ذا لا تطرد فيها الإضافة.

٣ ـ انَّ الإضافة مفادها مفاد الحروف ولكن بنحو النسبة الناقصة المفروغ عنها بينما الحروف تدلّ على معانيها بنحو النسبة التامة فقولنا : « غلام زيد أو خاتم فضّة » تحويل للنسبة التامة المفادة بقولنا « الغلام لزيد والخاتم من فضة » إلى نسبة ناقصة تقييديّة مفروغ عنها نظير ما قلناه في النسبة التوصيفية من انَّ قولنا « الرّجل الشجاع » نسبة ناقصة منتزعة بلحاظ النسبة التامة الخبرية في قولنا « الرّجل شجاع » ولهذا أيضا نجد أن الإضافة كالتوصيف تستبطن الاخبار ، فإذا قلت « رأيت غلام زيد » كنت قد أخبرت ضمناً انَّ ذلك الغلام لزيد.

وهذه الفرضية أيضا ممَّا لا يمكن المساعدة عليها.

وذلك أولا : فساد المبنى فان النسب المفادة بالحروف نسب خارجية تحليلية وهي لا تكون إلا ناقصة ولذلك قلنا بضرورة افتراض تقدير في جملة « الغلام لزيد » أي « الغلام كائن لزيد » ليكون هو طرف النسبة التامة كما يتّفق عليه النحاة. وسوف يأتي التعرّض لذلك في بحث الهيئات الإفرادية.

وثانياً : عدم إمكان افتراض النسبة الحرفية تامة في تمام الموارد بل من الواضح نقصانها في مثل قولنا « مررت بزيد » حيث لا تكون الجملة مفيدة لأكثر من نسبة تامة واحدة. ولو فرض استفادة نسبة تامة أخرى وهي كون الرّجل المرور به زيداً فهي نسبة مستبطنة لا صريحة وهي محفوظة في الإضافة أيضا بحسب الفرض.

وثالثاً : انَّ هذا الوجه كسابقيه لا يعالج المفارقات المتقدمة طالما لا يبرز فرقاً بين

٢٨١

مفاد الحروف ومفاد الإضافة إلا من حيث المفروغية وعدمها وقد عرفت لزوم اكتشاف الفارق الجوهري المانع عن صحة استعمال الإضافة في أكثر موارد استعمالات حروف الجر.

٤ ـ انَّ حروف الجر وهيئة الإضافة موضوعتان معاً للتخصيص والنسبة التقييديّة الناقصة ـ أي النسبة الخارجية ـ غير أن بينهما فرقاً من حيث مركز التقييد ومصبّه. فالحروف موضوعة لتقييد المفاهيم التركيبيّة التامة أي مفاد النسب التامة. والإضافة موضوعة لتقييد المفاهيم الإفرادية وتحصيصها. لأنَّ النسبة التامة يتصوّر في حقّها الإطلاق والتقييد بصورة مستقلة عن الإطلاق والتقييد في أطرافها ، فالذهن في موارد النسب التامة كما يمكنه أن ينتزع مفهوماً إفراديّاً محصصاً يجعله ظرفاً للنسبة التامة الحكمية كذلك يمكنه ان يبقى المفاهيم في أطراف النسبة التامة على إطلاقها ولكن يقيّد النسبة التامة نفسها. وفائدة ذلك تظهر في الموارد التي لا يمكن فيها تحصيص المفهوم الواقع طرفاً للنسبة التامة كما إذا كان مشخصاً مثلاً غير قابل للتخصيص والتضييق كقولك « زيد في الدار » فان التقييد بالدار راجع إلى النسبة التامة للجملة. وبهذا البيان يندفع النقض بموارد استعمالات الحروف التي لا يمكن تحويلها إلى الإضافة فانَّ مركز التحصيص والتضييق في تلك الموارد ليس هو الذات الواقعة موضوعاً لكي تضاف إلى المجرور بالحرف وانَّما مركزه هو النسبة التامة كما عرفت.

وما ذكر في هذا الوجه من وضع الإضافة للنسبة الناقصة التقييدية الطارئة على المفاهيم الإفرادية وإن كان صحيحاً إلا أنَّ تعيين معنى الحروف في تقييد مفاد النسب التامة ممَّا لا يمكن المساعدة عليه.

وذلك. أولا : لرجوع التقييد بالحرف في كثير من الأحيان إلى غير النسب التامة كما في موارد تعلّقها بالمصادر والأوصاف والاشتقاقيّة وهي لا تتضمن نسبة تامة. ودعوى : إمكان اقتناص مفاد تام في تلك الموارد باعتبار أنَّ الأوصاف تستبطن الاخبار مدفوعة : مضافاً إلى أنَّه قد لا يكون متعلق الجار والمجرور إلا المصدر وهو حتى لو قيل باشتماله على النسبة لا إشكال في عدم انحلاله إلى اخبار ونسبة تامة مستبطنة. أن الاستلزام المذكور للنسبة التامة لا يختص بالمشتقات بل ثابت في مطلق القيود

٢٨٢

المأخوذة في أطراف نسبة تامة ولو لم تكن مشتقات كما في الإضافة مثلاً فلما ذا لا ترجع إليها الحروف ولا تقيد نسبها التامة المستلزمة؟

وثانياً : وجدانية عدم إمكان تقييد النسب التامة غير المشتملة ـ على مفهوم حدثي بحروف الجرّ ، كما يظهر ذلك من خلال المقارنة وتتبع الأمثلة فاننا عند ما نحكم على ( زيد ) في نسبة تامة بمفهوم جامد كما في قولنا « زيد إنسان أو ابن عمرو » لا نجد مجالاً لإيراد شيء من معاني الحروف لتقيد مفادها لأنَّا لا نجدها صالحة لذلك. ولكن بمجرّد أن نحكم عليه بمفهوم حدثي فنبدل كلمة « إنسان » إلى « قائم » أو أيّ مشتق آخر نجد أنَّه ينفتح المجال واسعاً للتقييد بكثير من معاني حروف الجر الأمر الّذي كان منغلقاً نهائيّاً علينا قبل تبديل المفهوم الجامد بالمشتق. وهذا يوجب القطع بأن الفرق بين حروف الجرّ والإضافة ليس من ناحية الاختلاف بينهما في مركز التقييد من حيث كونه مفهوماً إفراديّاً أو معنىً نسبيّاً تاماً أو ناقصاً بل هناك خصوصية في المعنى الحدثي تقتضي اختصاص حروف الجر بها.

وثالثاً : استحالة تصوير أصل طرو النسبة التقييدية الناقصة على النسبة التامة بناء على تصوراتنا في حقيقة النسبة الناقصة من كونها تحليلية لا واقعية. على ما سوف يأتي البرهان عليه لدى التعرّض إلى النسبة الاستفهامية.

وذلك البرهان أيضا لا يختصّ بفرض كون طرف النسبة الناقصة نسبة تامة بل يتمّ أيضا فيما إذا أريد جعل طرفها النسبة الناقصة نفسها لا الحصة المنتسبة.

وهكذا يتبيّن انَّ هذا الوجه لا يمكن تتميمه حتى إذ افترض أن طرف النسبة في حروف الجر هو النسب الناقصة المستلزمة للمشتقات أو الأفعال.

٥ ـ أن يقال باختصاص حروف الجر للدلالة على تقييد المعاني الحديثة بخلاف الإضافة فانَّها قد تقيد المعاني الجامدة كما في « غلام زيد » وقد تقيد المعاني الحديثة كما في « ضارب زيد ».

وهذا الوجه وإن كان صحيحاً فان الوجدان من خلال تتبع موارد الاستعمالات والمقارنة فيما بينهما بالنحو الّذي تقدّم في مناقشة الوجوه السابقة يحكم باختصاص المعاني الحرفية بتحصيص المعاني الحديثة فقط ولذلك التزم النحاة بضرورة تعلّق

٢٨٣

حروف الجرّ بل مطلق الظرف بفعل أو مشتق مذكور أو مقدّر. إلا أن التمييز بين الحروف والإضافة بهذا المقدار يجعل التفرقة بينهما بهذا النحو كأنه تعبّد لغوي بحت لا يستبطن نكتة فنيّة.

وإلا فلما ذا خصّص حرف الجر بوظيفة التحصيص في المعاني الحديثة فحسب؟

وبالإمكان تفسير هذه النقطة بوجه فني حاصله : انَّ هناك فرقاً أساسيّاً بحسب الإحساس الفطري للإنسان بين المعاني الحديثة والمعاني الذاتيّة من حيث انَّ المعنى الحدثي ليس له تشخّص بذاته كما في المعاني الذاتيّة فانَّ الذوات باعتبار استقلالها في الوجود تكون مستقلة في التشخص أيضا لأنَّ الوجود يساوق التشخص.

وأمَّا الحدث فتشخصه من قبل أطرافه وعلاقته بها فتشخص ضرب زيد عن ضرب عمر إنَّما هو بلحاظ صدور هذا من زيد وذاك عن عمرو أو وقوعه على زيد أو على عمرو أو كونه بالعصا أو باليد وهكذا. والحروف ـ وكذلك الهيئات الاشتقاقية ـ موضوعة لإفادة هذه التشخصات في المعاني الحرفية عن طريق تحديد نوع العلاقة والربط بين الحدث وبين ذلك الطرف فليست حروف الجر كالإضافة أو التوصيف لمجرّد تحصيص المعاني الحدثية ـ وإن كانت تستلزم ذلك ـ بل هي لتشخيص المعنى الحدثي وإبرازه حيث لا يتشخص إلا بمثل ذاك ومن هنا كانت تدلّ على خصوصيات تفصيلية زائدة على أصل الربط والنسبة ومن الواضح انَّ هذا الدور لا موضوع ولا معنى له في المعاني الذاتيّة لكي تدخل الحروف عليها فان الذوات متشخصة بقطع النّظر عن علاقتها بأطرافها ومن هنا كان لا بدَّ في موارد لا يوجد في الكلام ما يدلّ على الحدث كما في قولك « هذا غلام لزيد » إمَّا من تقديره فيكون المعنى هذا غلام كائن لزيد فتكون النسبة التحصيصية مفادة بالتوصيف أو تحويل اسم الذات إلى معنى حدثي بأن يفرض انَّ المقصود من غلام لزيد أنَّه مملوك له.

وبهذا التقرير يتّضح الفرق الفني الدّقيق بين قولك « هذا ضارب زيد » و « هذا ضارب لزيد » رغم التشابه الشديد بينهما الموهم وحدة معنى الإضافة وحرف الجر فيه ، فانَّ « ضارب زيد » لا يدلّ على خصوصية مشخصة للضارب فانَّه مشخص في نفسه ولا لضربه لأنَّ المضاف هو الضارب لا ضربه وانَّما يدلّ على تحصيصه وتضييقه في

٢٨٤

حصّة خاصة منه بينما يدلّ « ضارب لزيد » على خصوصية في الضرب الصادر من الضارب تشخصه من ناحية المفعول ومن يكون عليه الضرب.

وعلى ضوء كلّ ما تقدّم نعرف : انَّ ما ذكره الباحث المذكور من أنَّ حروف الجرّ تقوم بدور الإضافة قد يبرز جانباً من التشابه بين دور حروف الجر والإضافة ولكن هذا لا يفي بتحليل الموقف وانَّما الّذي يفي به تقديم نظرية شاملة للمقارنة بين حروف الجر والإضافة على نحو يبرز جوانب الاتفاق بينهما ويفسر أوجه الاختلاف جميعاً.

تفسير المحقق العراقي للنسبة التامّة والناقصة

وقد اتّضح بما ذكرناه سرّ الفرق بين الجملة التامة والجملة الناقصة والميزان الكلي في تمامية النسبة ونقصانها الراجع إلى واقعيتها في صقع الذهن وتحليلتها ، ولا يلاحظ للمشهور شيء محدد يمكن الحديث عنه بشأن التمييز بين الجملة التامة والناقصة وتفسير الفرق بينهما إلا المحاولة التي أشير إليها في مقالات المحقق العراقي ( قده ) وتوسّع فيها في تقريرات بحثه.

وحاصل المحاولة دعوى : أنَّ هيئة الجملة الناقصة تختلف عن هيئة الجملة التامة في مفادها من وجوه :

الأول : انَّ الهيئة الأولى تحكي عن النسبة الثابتة بينما الثانية تحكي عن إيقاع النسبة.

الثاني : أن المحكي عنه في الجملة التامة هو النسبة بلحاظ وجودها فإذا قال المتكلّم « زيد قائم » حكي عن النسبة الموجودة بين زيد والقيام ، وامَّا الجملة الناقصة فانَّ محكيها هي النسبة بلحاظ نفسها مع قطع النّظر عن وجودها وعدمها في الخارج ، ولهذا يصحّ أن يحكم على الموضوع المتقدّم بها بالنفي.

الثالث : وهو متفرّع على الثاني ، أنَّه كلَّما أخذ القيد في موضوع الحكم الشرعي على نهج النسبة التامة فمقتضاه كونه لوحظ قيداً ووصفاً للموضوع بما هو متحقّق في الخارج ، وكلَّما أخذ القيد فيه على نهج النسبة الناقصة فهو قيد للموضوع بحد ذاته بقطع النّظر عن الوجود والعدم. ومثال الأول : « إذا كان الماء كرّاً اعتصم » ومثال الثاني : « الماء

٢٨٥

الكرّ معتصم » وقد فرع على ذلك ثمرة بلحاظ استصحاب العدم الأزلي.

مناقشة التفسير المذكور

أمَّا الوجه الأول ، فلا محصل له إلا بإرجاعه إلى ما حققناه ، إذ ما المراد بالنسبة الثابتة وبإيقاع النسبة ، فان أريد بإيقاع النسبة إيجادها التصوري في الذهن ومن ثبوتها وجودها التصوّري كذلك فيكون الفرق من باب الفرق بين الإيجاد والوجود وتكون الجملة الناقصة موضوعة لإفادة الوجود والجملة التامة موضوعة لإفادة الإيجاد. فيرد عليه : أن الوجود التصوري والإيجاد التصوري كليهما ليسا دخيلين في مدلول الجملة ، بل مدلولها ذات المعنى في نفسه بلا أخذ الوجود فيه ، فلا بدَّ من تصوير فرق بين ذاتي النسبتين في أنفسهما.

وإن أريد بإيقاع النسبة كونها موجودة في صقع الذهن حقيقة وبالنسبة الثابتة كونها موجودة ضمناً وتحليلاً ، رجع إلى ما حققناه ولم يكن الفرق بالإيقاع والوقوع والإثبات والثبوت بل بالتحليلية والواقعية ، وإلا فمجرّد كون نسبة واقعة أو موقعة أي دخل له في تماميتها في مرحلة المدلول التصوري للكلام بعد فرض كونها نسبة واقعية في صقع الذهن.

أمَّا الوجه الثاني : فيرد عليه : انَّ النسبة التامة كالنسبة الناقصة يمكن ان يرد النفي على مفادها ، فيقال مثلاً : « ما قام زيد » وقوله ان جملة « زيد قائم » تحكي عن النسبة الموجودة بين زيد والقيام إن أريد به أخذ مفهوم الوجود في النسبة فهو واضح البطلان. مضافاً إلى أنَّه كمفهوم يمكن أن يؤخذ قيداً للجملة الناقصة أيضا فيقال : « قيام زيد الموجود » وإن أريد به أخذ واقع الوجود في المدلول بالذات لهيئة الجملة التامة فهو غير صحيح ، لأنَّ الوجود الخارجي لا يعقل أخذه في مدلول اللفظ. على أن للجملة التامة مدلولاً محفوظاً في حالتي الصدق والكذب معاً ، وإن أريد أنَّ المدلول بالذات للجملة التامة يلحظ فانياً في الخارج فنفس الشيء يصحّ في الجملة الناقصة أيضا. فحين تقول « قيام زيد محرم » تلحظ قيام زيد الّذي هو جملة ناقصة بما هو حاك عن الخارج.

نعم ، يمكن أن يعبر عن الوجه بتقريب آخر فيكون منسجماً مع ما هو التحقيق في

٢٨٦

المسألة ، وذلك بأن يقال : انَّ الجملة التامة حيث انَّ مفادها النسبة التصادقية فهي تفترض حتماً كون النّظر التصوري الّذي تحققت النسبة التصادقية في صقعه متجهاً إلى ما وراء هذا الصقع ، إذ لو لا ذلك لا يتعقّل التصادق ولو تصوّراً فتصور النسبة التصادقية بنفسه يعني النّظر ولو تصوّراً إلى ما وراء هذا الصقع. وهذا بخلاف النسبة الناقصة فانَّها لا تقتضي بطبيعتها ذلك. وهذا معنى صحيح مستنتج ممَّا ذكرناه في تحقيق ملاك التمامية والنقصان ، ولا يترتَّب عليه اختلاف الجملتين في كون الناقصة لا تأبى عن ورود النفي عليها وكون التامة تأبى عن ذلك ، لوضوح أن التامة لا تأبى عن ذلك أيضا ـ كما عرفت ـ إذ ليس معنى كون النّظر فيها إلى ما وراء الصقع التصديق بوجود مطابق في الخارج بل مجرّد كون النّظر التصوّري كذلك إذ لا يعقل تصوّر التصادق بما هو نسبة إلا بذلك.

وامَّا الوجه الثالث : فواضح البطلان. لأنَّ النسبة التامة بما هي نسبة تامة لا تختص بما إذا كان موضوعها موجوداً في الخارج ومحمولها ثابتاً لموضوعها بما هو محقق ، فقولنا « الإنسان ممكن » جملة تامة ومحمولها ليس ثابتاً للإنسان بما هو محقق في الخارج بل بما هو ماهية في نفسها ؛ والظهور المدّعى في كلامه إذا تمَّ في مثال الجملة الشرطية للكر فهو من تبعات خصوصية في العبارة لا من تبعات مجرّد التمامية.

الجمل التامة لم توضع لقصد الحكاية

وهكذا تبرهن صحة مدّعى المشهور من أنَّ الجمل التامة موضوعة بإزاء النسب التامة. كما اتّضح انَّ قصد الحكاية خارج عن مدلولها وانَّما تدلّ عليه ظهورات حالية أو سياقية. بل دعوى : وضع الجمل التامة لقصد الحكاية ممَّا لا يمكن المساعدة عليها. وذلك :

أولا : لابتنائه على القول بمسلك التعهد في حقيقة الوضع وافتراض انَّ الدلالة الوضعيّة دلالة تصديقية وليست تصورية ، وقد تقدّم في بحث الوضع عدم صحّته.

وثانياً : النقض بمثل موارد دخول أداة الاستفهام على الجملة التامة كما في قولك « هل زيد قائم » إذ لا إشكال في أنَّ المستفهم عنه نسبة القيام إلى زيد أي كون زيد

٢٨٧

قائماً لا قصد الحكاية عنها. وقد حاول الأستاذ التخلّص من هذا النقض بافتراض أن أداة الاستفهام أو هيئة الجملة الاستفهامية موضوعة بوضع واحد لإبراز قصد الإنشاء والاستفهام ، فليست استفادة الاستفهام من الجملة الاستفهامية من باب تعدد الدال والمدلول بأن يكون الاستفهام مفاداً بدلالة الأداة والنسبة التامة بالجملة التامة المدخول عليها الأداة حتى يكون نقضاً عليه.

إلا أن هذه المحاولة للتخلّص عن النقض غير تامة أيضا.

فإنَّه أولا : بالإمكان تبديل النقض بما لا يحتمل فيه وحدة الدال والمدلول كما إذا دخل الفعل على الجملة التامة في مثل قولك « أخبرني أن زيداً ميّت » فانَّ المخبر به نفس النسبة لا قصد المخبر الحكاية عنها. والأفعال لا إشكال في كون دلالتها من باب تعدد الدال والمدلول حيث وضعت هيئتها بوضع نوعي مستقل عن وضع المواد التي تدخل عليها.

وثانياً : لو لم تكن استفادة الاستفهام من الجملة الاستفهامية من باب تعدد الدال والمدلول لما صحّ أن يصدق الاستفهام في مقام الجواب بنعم أو ينفي بلا. لأنَّ المدلول الإنشائي غير قابل للتصديق أو للنفي وإنَّما القابل لذلك النسبة التامة المفاد عليها بالجملة التامة في مدخول أداة الاستفهام. اللهم إلا أن يدعى بأن « نعم » أو « لا » في قوة تكرار تلك الجملة التامة واستعمالها في معنى لم تكن مستعملة فيه في سياق الاستفهام وهو النسبة الاخبارية على سبيل الاستخدام ، نظير أن يقول « هل جاءك المولى » بمعنى العبد فيقول « نعم » وهو يريد معنى آخر من المولى غير ما أراده المتكلّم.

إلا انَّ مثل هذه التحميلات واضحة التكلّف والفساد.

٣ ـ الجمل التامة الإنشائية

وامَّا الجمل التامة الإنشائية ، فقد وقع فيها بحث واسع بين الأعلام من خلال مقارنتهم لها بالجمل التامة الخبرية ومحاولة التمييز بين القسمين ، ويمكن تصنيف البحث إلى جهتين : إحداهما : تتصل بنحو علاقة الجملة الإنشائية بالمعنى ودلالتها عليه وأنَّها إيجادية بمعنى كونها موجدة لمعناها باللفظ ، خلافاً لعلاقة الجملة الخبرية بالمعنى ودلالتها

٢٨٨

عليه التي هي إخطار به؟ والجهة الأخرى : تتصل بذات المعنى وتشخيص انَّ ذات المعنى في الجملة الإنشائية هل هو نفس المعنى في الجملة الخبرية أو لا؟

هل المعاني الإنشائية إيجادية؟

امَّا الجهة الأولى ، فهناك اتجاه معروف موروث يفترض كون الجمل الإنشائية موجدة لمعانيها باللفظ ويميّز بين الخبر والإنشاء بأن الأول حاكٍ والثاني موجد لمعناه.

الوجوه المختلفة لتفسير إيجادية الجمل الإنشائية

والإيجادية المدعاة في الجملة الإنشائية تارة : يراد به نفس الإيجادية المدعاة في مداليل سائر الحروف والهيئات ـ على ما تقدّم ـ وهي بهذا المعنى لو صحّت لا تصلح مائزاً بين الجملة الإنشائية والخبرية ، لوضوح أن هيئة الجملة الخبرية تدخل ضمن الحروف والهيئات أيضا ، فإذا تمَّ برهان على أن كلّ ما لا يكون مدلوله معنى مستقلاً في المفهومية والتقرر فلا بدَّ أن يكون إيجاديّاً فهذا يشمل هيئة الجملة الخبرية أيضا وأخرى : يراد بها الإيجادية بنكتة أخرى وبقطع النّظر عن دعوى الإيجادية العامة في الحروف والهيئات ، وعلى الثاني فلها وجوه :

الإيجادية بمعنى التوليد

الأول : انَّ تدعى الإيجادية للجملة الإنشائية بدلاً عن الإخطار بمعنى أن سنخ علاقة اللفظ بالمعنى وتأثيره فيه قد يكون بنحو الإخطار المباشر وإيجاد المعنى تصوراً في ذهن السامع بسبب اللفظ ، وهذا هو الوضع الثابت للكلمات الإفرادية وما يلحق بها ولهيئة الجمل التامة الخبرية ، فانَّها كلّها تؤثر في معانيها بإخطار تلك المعاني. وقد تكون علاقة اللفظ بالمعنى وتأثيره فيه بنحو الإيجاد والتوليد أي انَّ اللفظ يوجد المعنى في الخارج ويكون وجوده هذا سبباً في خطوره في ذهن السامع ، فالخطور في ذهن السامع ليس بسبب اللفظ مباشرة بل بسبب مواجهة المعنى بوجوده الخارجي ، وهذا الوجود الخارجي بسبب اللفظ ، فيدعى أن الجملة الإنشائية من هذا القبيل فهي توجد المعنى

٢٨٩

وفي طول ذلك يتمّ الإخطار ، فحين يقال « صلّ » يوجد بهذه الجملة طلب في الخارج وفي طول ذلك ينتقل ذهن السامع إلى مفهوم الطلب ، إذ ينتزعه من مصداقه الخارجي.

وقد يكون الداعي للذهاب إلى مثل ذلك هو البناء على أن الجملة الإنشائية موضوعة للمفاهيم الاسمية المتعارفة من الطلب والتمنّي والاستفهام والنداء ونحو ذلك. وحيث أنَّه يوجد فرق واضح بين هذه الجمل والأسماء الإفرادية الدالة على هذه المعاني لنقصان هذه الأسماء وتمامية تلك الجمل ، أريد معالجة هذا الفرق بدعوى أن اختلاف جملة « افعل » مثلاً عن اسم الطلب في كونه جملة تامة مع أنَّها موضوعة لنفس المعنى ينشأ من سنخ تأثيرها في مدلولها ، حيث انَّها توجد الطلب باللفظ ، وبذلك كانت جملة تامة يصحّ السكوت عليها لإفادتها لمعنى تصديقي بخلاف كلمة الطلب إذا أطلقت.

ويرد على ذلك : أولا : انَّ هذه الموجديّة إن ادّعي ثبوتها للجملة الإنشائية بقطع النّظر عن وضعها لمعناها فهو واضح البطلان ، لعدم العلاقة الذاتيّة بين اللفظ والمعنى ، وان ادعي ثبوتها بسبب الوضع فهو باطل أيضا بعد أن عرفنا حقيقة الوضع ، وانَّ مرجعه إلى الإشراط والقرن المؤكد وهذا لا يوجب بطبعه إلا التلازم في التصوّر بين اللفظ والمعنى ، فلا يعقل ان يترتّب عليه التلازم أو السببية في الوجود الخارجي.

وثانياً : إن الوجود الخارجي لمعاني الجمل الإنشائية كثيراً ما يكون محفوظاً في المرتبة السابقة على الكلام فكيف يعقل دعوى حصوله بالإنشاء وذلك كما في موارد التمنّي والترجّي والاستفهام ، لقيام مصاديق هذه المعاني بالنفس في المرتبة السابقة. فإن أريد الموجدية الموجدية لهذه المصاديق فهو واضح البطلان ، وإن أريد بالموجدية نحو آخر من الوجود رجع إلى الوجود الذهني وكان من باب الإخطار ، إذ ليس للماهية حقيقة إلا الوجود الخارجي أو الوجود الذهني فان قيل : هناك نحو ثالث من الوجود وهو الوجود الإنشائيّ فالجملة الإنشائية موجدة للتمنّي مثلاً بوجوده الإنشائيّ لا الخارجي ولا الذهني. قلنا : الوجود الإنشائي إن أريد به الوجود الاعتباري للشيء فهو متقوم بالاعتبار ولا يمكن أن يتحقق بمجرّد اللفظ ، مع أن استعمال جملة التمنّي والترجّي

٢٩٠

والاستفهام لا يحتاج إلى ضمّ أيّ اعتبار. وإن أريد به الوجود الحاصل بالجملة الإنشائية ؛ فهذا عود إلى ما يراد تحليله فإنَّنا بصدد معرفة حقيقة هذا الوجود.

ولعلَّ الّذي ساعد على توهّم الإيجادية بالمعنى المذكور ما يرى من ترتّب مصداق المعنى على الجملة الإنشائية أحياناً ، كما في « افعل » حيث يحصل بسببها طلب لم يكن ثابتاً قبل ذلك. إلا أن هذه الموجدية في طول إخطار الجملة لمعناها ، بل في طول مدلولها التصديقي أيضا وليست بدلاً عن الإخطار كما يراد ادعاؤه في هذا الوجه. وستعرف ذلك مفصلاً عند التكلّم في الوجه الثالث.

الإيجادية بمعنى عدم قصد الحكاية

الثاني : أن يراد إيجادية الجملة الإنشائية في عرض الإخطار ، فالجملة الإنشائية تخطر معناها في ذهن السامع على حدّ ما يقع في سائر الجمل والكلمات غير أن الجملة الإنشائية تختلف عن الجملة الخبرية من زاوية المتكلّم في أنَّ المتكلّم يتمحّض قصده من الجملة الإنشائية في تحقيق وجود تنزيلي للمعنى باللفظ فحينما يقول « بعت » إنشاءً أو « يعيد » إنشاءً يقصد إيجاد النسبة تنزيلاً باللفظ على أساس أن اللفظ وجود تنزيلي للمعنى ، وهذا لا ينافي أن يقصد إخطار المعنى تصوّراً في ذهن السامع وأن يكون اللفظ موجباً لهذا الإخطار ، وإنَّما المهم انَّه ليس قاصداً للحكاية عن وقوع النسبة خارجاً ، وامَّا في الجملة الخبرية فهو إضافة إلى ما ذكر يقصد الحكاية ، فالنسبة بين محتوى الجملة الإنشائية ومحتوى الجملة الخبرية نسبة الأقل إلى الأكثر على ما أفاده المحقق الأصفهاني ( قده ).

والتحقيق : أن الإنشاء أو الجملة الإنشائية ، تارة : تقارن بالجملة الخبرية في مرحلة المدلول الجدّي والتصديقي ، وأخرى : تقارن بها في مرحلة المراد الاستعمالي والمدلول الوضعي. امَّا في المرحلة الأولى ، فلا شك في أنَّه كما تزيد الجملة الخبرية على قصد الإيجاد التنزيلي للنسبة باللفظ ـ لو سلّمناه ـ بقصد الحكاية الّذي هو المدلول الجدّي لها ، كذلك تزيد الجملة الإنشائية على القصد المذكور بما هو مدلول جدّي لها من التمنّي النفسانيّ أو الإرادة أو طلب الفهم وغير ذلك من المداليل التصديقية للجملة الإنشائية

٢٩١

ولكن الحديث عن مرحلة المدلول الجدّي أجنبي عن محل الكلام ، لأنَّ المقصود في المقام الكشف عن الفارق بين الجملتين في مرحلة المدلول الوضعي والمراد الاستعمالي ، وذلك لوضوح أن الجملة الإنشائية والخبرية حتى في موارد استعمالها هزلاً وتجرّد هما عن المدلول الجدّي معاً يبقى فارق بينهما لا بدَّ من تفسيره ، فهناك فرق بين أن تقول « بعت داري » في مقام الإنشاء هزلاً أو تقول « بعت داري » في مقام الاخبار هزلاً ، وهذا يعني انَّ الفارق في مرحلة المراد الاستعمالي نفسه.

وامَّا في المرحلة الثانية ، فقصد الحكاية أجنبيّ عن المدلول الاستعمالي للجملة الخبريّة ، فإنَّ مدلولها الاستعمالي ليس إلا إخطار النسبة تصوّراً ، لما تقدّم من انَّ الدلالة الوضعيّة تصورية ، وهذا الإخطار بنفسه محفوظ في الجملة الإنشائية أيضا ، لوضوح انَّ المنشئ يقصد بقوله « بعت » أن يخطر في ذهن المشتري معنى. فلم يتحدد أي فرق بين الجملتين على هذا الأساس.

الإيجادية والمدلول التصديقي

الثالث : أن يراد إيجادية الجملة الإنشائية في طول الإخطار بل في طول مدلولها التصديقي ، بأن يقال : إنَّ صيغة « افعل » مثلاً تدلّ تصوراً على النسبة البعثيّة والإرسالية ، وتدلّ تصديقاً على الحالة النفسيّة المناسبة لهذا المدلول التصوّري ، وهي إرادة تحرّك المأمور نحو المادة ، وباعتبارها كاشفة عن هذه الإرادة وكون هذا الكشف بداعي التوصّل إلى المراد ينطبق عليها عنوان الطلب وتكون مصداقاً حقيقيّاً للطلب بمعنى السعي نحو المقصود وهكذا تكون الجملة موجدة لمعناها في طول دلالتها التصورية والتصديقية.

وهذا النحو من الإيجادية صحيح في الجملة ، ولكنَّه ليس من شئون الجملة الإنشائية ولوازمها بما هي جملة إنشائية ، بل أمر يتّفق أحياناً ، وهي لما كانت في طول دلالة الجملة الإنشائية على معناها جدّاً فلا يمكن أن تكون هي نكتة الفرق بين الجملة الإنشائية والخبرية ، لانحفاظ الفرق بينهما في الرتبة السابقة وفي مرحلة المدلول الاستعمالي حتى مع هزليّة الجملتين معاً كما عرفت.

٢٩٢

واتّفاق الإيجادية بهذا المعنى يكون إمَّا في مورد تكون فيه الجملة الإنشائية بلحاظ كشفها التصديقي عن المدلول الجدّي مصداقاً لمدلولها التصوّري تكويناً ، كما هو الحال في الجملة الطلبية كصيغة « افعل » على ما عرفت ، أو في مورد تقع فيه الجملة الإنشائية الواجدة لمدلول جدّي موضوعاً لحكم شرعي أو عقلائي يكون هذا الحكم مصداقاً لمدلولها التصوّري ، كما هو الحال في الجمل الإنشائية في باب المعاملات.

وقد يستشكل في تعقّل هذه الإيجادية كما في تقريرات المحقق العراقي قدس‌سره تارة بأن الوجود الخارجي الّذي يحصل باللفظ لا يعقل أن يكون هو المستعمل فيه أو المدلول للجملة الإنشائية ، لأنَّ المدلول يجب أن يكون من الممكن حضوره في الذهن عند سماع اللفظ والوجود الخارجي لا يمكن حضوره ذهناً وأخرى : بأن هذا الوجود في طول الاستعمال والمستعمل فيه متقدّم بالطبع على الاستعمال ؛ فلو كان هو المستعمل فيه لزم التقدّم والتأخر رتبة وهو خلف.

ويرد على الإشكال الأوّل : أن الإيجادية إذا ادعيت بدلاً عن الإخطارية فلا مورد لهذا الإشكال ، إذ لا مدلول إخطاري للجملة الإنشائية حينئذ لا أن مدلولها الإخطاري هو ذلك الوجود الخارجي وانَّما الخطور يتحقق في رتبة انتزاع مفهوم من هذا الوجود ، وإذا ادعيت الإيجادية إضافة إلى الإخطاريّة فلا تعني أن هذا الوجود هو نفس المستعمل فيه بل هو وجود للمعنى المستعمل فيه ، فكأن اللفظ يخطر ذات المعنى في الذهن ويوجد له مصداقاً في الخارج من دون أن يكون الوجود الخارجي هذا دخيلاً في المستعمل فيه. ومنه يعرف الجواب على الإشكال الثاني ، فإن ما هو متقدّم على الاستعمال ذات المعنى المستعمل فيه لا وجوده لعدم دخل الوجود في المعنى ، وما هو في طول الاستعمال وجود ذلك المعنى فلا خلف.

الإيجادية بالنظر التصوّري

الرابع : أن يراد إيجادية الجملة الإنشائية بحسب النّظر التصوّري ، أي إيجادية تصوريّة ، وذلك في الجمل المشتركة بين الاخبار والإنشاء ك‍ « بعت » و « يعيد » فانَّ هذه الجملة تدلّ على النسبة المفادة لها على نحو واحد فهي في مورد الاخبار تلحظ فانية

٢٩٣

في واقع يرى بالنظر التصوّري مفروغاً عنه ، وفي مورد الإنشاء تلحظ فانية في واقع يرى بالنظر التصوّري ثبوته بنفس هذا الكلام ، ومن أجل ذلك توصف الجملة الإنشائية بالموجديّة وهذه موجدية محفوظة حتى في موارد الهزل ، لأنَّها موجدية بحسب النّظر التصوّري وهي محفوظة سواءً ترتّب مصداق للمعنى حقيقة على الجملة الإنشائية ، كما في موارد صحة البيع ، أو لم يترتّب ، كما في موارد هزليّته وعدم ترتّب أثر عليه. وبعبارة أخرى : إنَّ هذه الموجدية وما يقابلها من شئون مرحلة المدلول التصوري ولا تتوقّف على افتراض المدلول الجدّي ولا من شئونه ، غير أنَّه لا بدَّ أن يكون المعنى سنخ معنى قابل لأن يحدث له مصداق بنفس هذا الكلام لكي يلحظ بحسب النّظر التصوري على هذا الوجه ، ويكون ذلك في أحد الموردين اللذين أشرنا إليهما في الوجه السابق.

وهذه الموجدية معنى صحيح معقول يمكن التمييز به بين الأخبار والإنشاء في الموارد التي يترتّب فيها للإنشاء موجدية لمصداق معناه ، ولكنَّها غير متصوّرة في الموارد التي لا يترتّب فيها للإنشاء موجدية لمصداق معناه ، كما في جمل التمنّي والترجّي ، فإن النسبة التي تعبّر عن التمنّي أو الترجّي بنحو المعنى الحرفي إنَّما يترقب أن يكون لها مصداق ثابت في نفس المتمنّي والمترجّي ، ولا معنى لافتراض مصداق لها بنفس الكلام. ودعوى : أن التمنّي الإنشائي يكون مصداقاً كذلك مجرّد كلام ، لأنَّ التمنّي الإنشائي عبارة أخرى عن استعمال الجملة الإنشائية في مقام التمنّي وهذا ليس مصداقاً للتمنّي لينظر إلى المدلول التصوّري بما هو فانٍ في مصداق يحصل بنفس هذا الكلام.

وكلَّما تعقّلنا الموجدية في الإنشاء والحكائيّة في الاخبار ، فإن تعقّلنا هما على نحو يرجعان إلى خصوصيّتين في المدلول الجدّي للكلام فلا إشكال في خروجهما عن المعنى الموضوع له والمستعمل فيه ، لأنَّ المدلول الوضعي مدلول تصوّري بحت ، وان تعقلنا هما على نحو يرجعان إلى خصوصيتين في المدلول التصوّري الاستعمالي كما هو الحال في الوجه الرابع فيقع الكلام في أخذ هاتين الخصوصيّتين في المعنى الموضوع له الجملة الإنشائية والخبرية وعدم أخذ هما وكونهما من شئون الاستعمال محضاً ونلاحظ بهذا الصدد : أن المحقق الخراسانيّ قدس‌سره ذهب إلى انَّ الاخبارية والإنشائية ليستا دخيلتين في المعنى الموضوع له والمستعمل فيه ، وأكد ذلك جملة من أعلام مدرسته

٢٩٤

ـ كالمحقق الأصفهاني والمحقق العراقي ـ على أساس أنَّهما من خصوصيات الاستعمال فلا يمكن أخذ هما في المعنى المستعمل فيه. وقد وقع نظير ذلك بالنسبة إلى اللحاظ الاستقلالي والآلي في الأسماء والحروف. والتحقيق هنا هو التحقيق هناك. وحاصله : أن حقيقة الوضع ـ كما أوضحناه ـ إيجاد تلازم تصوّري بين اللفظ والمعنى على أساس القرن المؤكد بينهما ، فما هو طرف الملازمة بينهما ، فما هو طرف الملازمة أولا وبالذات نفس الصورة الذهنية للمعنى وذات المعنى نفسه طرف للملازمة بالعرض بلحاظ كون الصورة وجوداً ذهنيّاً له ، فالموضوع له بمعنى ما جعل لازماً لتصوّر اللفظ ينطبق أولا وبالذات على نفس الصورة وثانياً وبالعرض على ذات المعنى ، فهناك موضوع له بالذات وموضوع له بالعرض. فان أريد من عدم أخذ خصوصيات الصورة من الاستقلالية والآلية ونحو فنائها في معنونها في الموضوع له عدم أخذها في الموضوع له بالعرض فهذا واضح ، لأن أخذها فيه يلزم منه التهافت وكون الصورة دخيلة في ذيها أو تعدد الصور الذهنية ، وإن أريد من ذلك عدم أخذ تلك الخصوصيات في الموضوع له بالذات فليس بصحيح ، إذ لا مانع من أن يحدد طرف الملازمة بالذات بصورة ذهنية ذات خصوصيات معينة فيقرن اللفظ بها لكي يكون تعدده سبباً لوجود تلك الصورة بتلك الخصوصيات في الذهن ، ولا يلزم من ذلك أيّ تهافت أو محذور. ونفس الشيء يقال عن أخذها في المستعمل فيه.

تشخيص المدلول التصوري للجمل الإنشائية

الجهة الثانية : في تشخيص ذات المعنى في الجملة الإنشائية والكلام في ذلك يقع في مقامين ، أحدهما : في الجمل المختصة بالإنشاء كالجملة الاستفهامية وصيغة « افعل » وجمل التمنّي والترجّي ونحوها ، والآخر : في الجمل المشتركة كالجملة الفعلية التي تستعمل في مقام الطلب أو في مقام الإنشاء المعاملي من قبيل « يعيد » و « بعت ».

٢٩٥

تشخيص مدلول الجمل المتمحضة في الإنشاء

أمَّا المقام الأول ، فهناك عدة وجوه وأقوال لتشخيص مدلول الجملة الإنشائية وذلك كما يلي :

الوجه الأول : وحاصله : أنَّ الجملة الإنشائية موضوعة للطلب وللتمنّي والترجّي والاستفهام على اختلاف أنواعها ، وبذلك تتميّز مدلولاً عن الجملة الخبرية التي لا تدخل هذه المعاني في مدلولها حتى في مثل الجملة الخبرية المتكفلة للاخبار عن الطلب أو التمنّي أو غير هما ، كما في قولك « أطلب منك » فإن الطلب هنا مستفاد من الكلمة الإفرادية لا من هيئة الجملة التي لها نحو مدلول واحد في سائر الموارد.

وهذه الفرضية عليها أن تبرز فرقاً بين الجملة الإنشائية والألفاظ الدالة على نفس مفاهيم الطلب والتمنّي والاستفهام ، لوضوح اختلافهما على ما أشرنا إليه في الحديث عن الاتجاه الأول.

وهذا الفرق تارة يبين بدعوى : ان الجملة الإنشائية موضوعة لإبراز واقع هذه الصفات والكشف عنها بينما تلك الألفاظ موضوعة بإزاء مفاهيمها بقصد إحضار تلك المفاهيم تصوراً ، وبذلك كانت الجملة الإنشائية كلاماً تاماً بخلافها. وهذا يرجع إلى البناء على مسلك التعهد وأن الدلالة الوضعيّة تصديقية ، فانَّه حينئذ يمكن القول بأن الجملة الإنشائية موضوعة للكشف على النحو المذكور فيكون واقع الطلب مدلولاً وضعياً وتكون دلالة الجملة عليه تصديقيّة ، وهذا ما اختاره السيد الأستاذ ـ دام ظلّه ـ غير أن المبنى باطل كما تقدّم في محله.

وأخرى يبين بدعوى : أن الجملة الإنشائية توجد معناها باللفظ وبذلك كانت كلاماً تاماً بخلاف تلك الألفاظ ، وهذا ما يعبر عنه بالإيجادية ببعض وجوهها التي تقدّم الكلام عنها وعن ردّها ، وعليه فهذه الفرضية غير صحيحة.

الوجه الثاني : ما أفاده المحقق العراقي قدس‌سره من دلالة أداة الاستفهام أو هيئة الجملة الاستفهامية مثلاً على نسبة الاستفهام إلى مدخولها فأحد طرفي هذه النسبة هو مفهوم الاستفهام والطرف الآخر النسبة التامة المدخول عليها الأداة ، وباعتبار

٢٩٦

استلزام النسبة لوجود طرفين لها على الأقل عقلاً تدلّ الأداة تبعاً على طرف النسبة الاستفهامية وهو مفهوم الاستفهام والشيء نفسه يقال عن سائر الجمل الإنشائية فالجملة الطلبية تدلّ على نسبة الطلب أو البعث إلى المادة وهكذا.

الوجه الثالث : ما يستفاد من كلمات المحقق الأصفهاني قدس‌سره من أنَّ المتكلّم بعد أن يصبح في حالة الاستفهام عن قضية تتحقق علاقة وربط بينه وبين القضية المستفهم عنها لم تكن موجودة قبل ذلك ، وكما ينتزع عن حالة الاستفهام مفهوم اسمي وهو الاستفهام كذلك ينتزع من هذا الربط مفهوم حرفي هو معنى أداة الاستفهام أو هيئة الجملة الاستفهامية فيكون مفادها النسبة القائمة بين المستفهم والمستفهم عنه ، وهذا الوجه يختلف عن سابقه في أنَّ طرف الاستفهامية هناك نفس مفهوم الاستفهام بينما هنا المستفهم ولذلك يكون مفهوم الاستفهام خارجاً عن مدلول الأداة هنا بينما كان مدلولاً عليه في الوجه السابق تبعاً والغريب انَّ مقرّر بحث المحقق العراقي ( قدس سرّه ) ذكر الوجه الثاني في تقريب كلامه ، حيث قال : انَّ أداة الاستفهام موضوعة للنسبة الاستفهامية بينما الموجود في مقالات المحقق العراقي نفسه انَّها موضوعة لنسبة الاستفهام.

وما أفاده المحقق الأصفهاني يمكن تصويره في سائر الجمل الإنشائية بأن تكون موضوعة للنسب الموازية للمفهوم الاسمي للاستفهام والطلب والتمنّي والترجّي والنداء وغير ذلك.

ولا شك في وهن الوجه السابق في مقابل هذا الوجه ، لأنَّ مقتضى الوجه السابق الّذي هو ظاهر المقالات أن تكون الجملة الاستفهامية على مستوى مدلولها اللفظي ناقصة ، لعدم وجود دال على أحد طرفي النسبة وهو الاستفهام ، لأنَّ الأداة أو الهيئة باعتبارها حرفاً متمحضة في الدلالة على النسبة ، ومجرد القرينة العقلية الحاكمة بتقوم النسبة بطرفين لا يوجب تتميم المدلول بما هو مدلول الجملة ، وإلا لأمكن أن يصبح قولنا « زيد في » جملة تامة بضمّ القرينة المذكورة ومثل هذا البيان لا يرد على ما أفاده المحقق الأصفهاني كما هو واضح.

وعلى أيّ حال ؛ فإنَّه يرد على كلّ من فرضية المحقق العراقي وفرضية المحقق

٢٩٧

الأصفهاني : أن النسبة التي تفرض بين مفاد الجملة التامة المدخولة لأداة الاستفهام وبين الاستفهام أو المستفهم إمَّا أن تكون نسبة تامة واقعية في الذهن أو ناقصة تحليلية. والأول غير معقول ، لأنَّ ضابط النسبة التامة ـ كما برهنا عليه سابقاً ـ أن يكون موطنها الأصلي الذهن ، ولهذا أثبتنا انَّ النسب الخارجية الأولية لا يمكن أن ترد إلى الذهن إلا ناقصة ، ومرادها بالنسب الخارجية كلّ ما كان خارج الذهن بوصفه وعاء للتصوّر واللحاظ سواءً كان موجوداً في عالم المادة أو في عالم النّفس. وعليه فلا يمكن أن تكون النسبة الاستفهامية تامة لأنَّها ثابتة خارج الذهن ولو كان هو عالم النّفس الّذي هو موطن الاستفهام.

والثاني غير معقول ، لأنَّ طرفي النسبة التحليلية مع نفس النسبة يوجدان بوجود ذهني واحد تنحلّ ماهيته إلى أجزاء ثلاثة كما تقدّم البرهان عليه ـ وهو المقيّد أو الحصة وأجزاؤه التحليلية الثلاثة عبارة عن ذات المقيّد والقيد والتقييد. وحينئذ إمَّا أن يفرض أن النسبة الموجودة بين زيد وعالم في مثل « زيد عالم » هو المقيد والطرف الآخر الّذي هو معنى اسمي كالاستفهام أو المستفهم هو القيد أو يفرض العكس. والأول غير صحيح ، لأن هذا الوجود الوحدانيّ المعبر عنه بالمقيد أو الحصة إِن كان وجوداً رابطيّاً واندكاكيّاً فلا يمكن أن يكون المفهوم الاسمي جزءاً من ماهيته ، هذا ، مضافاً إلى أنَّ مجرّد تقييد النسبة الخبرية التامة بالاستفهام بنحو المعنى الحرفي أو الاسمي لما ذا يخرجها عن صلاحيتها للحكاية مع وضوح عدم صلاحية الجملة الاستفهامية للحكاية بها عن النسبة التي يدلّ عليها مدخول الأداة. والثاني يستلزم كون « هل زيد عالم » كلاماً ناقصاً لا يصحّ السكوت عليه ، لأنَّ النسبة التامة الموجودة فيه صارت قيداً تحصيصياً لعنوان الاستفهام أو المستفهم والمقيد هو الاستفهام أو المستفهم فيكون بحاجة إلى أن يقع طرفاً لنسبة تامة حتى يكون هو مع الطرف الآخر والنسبة بينهما كلاماً تاماً.

وحلّ هذا الإشكال بنحو يتّضح به مفاد الجملة الاستفهامية وأضرابها : أن مفاد الأداة أو الهيئة المتحصلة من دخولها على الجملة المستفهم عنها ليس نسبة مغايرة للنسبة التصادقية المدلول عليها بجملة « زيد عالم » التي دخلت عليها الأداة ـ كما افترض ذلك في كلا الوجهين ـ بل مفاد الأداة أو الهيئة الحاصلة بها متمم لنفس هذه النسبة.

٢٩٨

وتوضيح ذلك : انَّ النسبة بين « زيد » و « عالم » ليس لها ركنان فحسب بل لا بدَّ من ركن ثالث لهما لا محالة ، فانَّ النسبة التصادقية لا معنى لها إلا بلحاظ وعاء يكون فيه التصادق أي انَّ الذهن يتصوّر « زيد » و « عالم » متصادقين على شيء في عالم من العوالم خارج الذهن ، وهذا العالم في الجملة الخبرية هو عالم التحقق والثبوت ويدلّ عليه تجرد الجملة عن الأداة في لغة العرب ولعله يوجد بإزائه دال مستقلّ في بعض اللغات الأخرى ، وفي جملة الاستفهام هو عالم الاستفهام أو السؤال ويدلّ عليه أداة الاستفهام وفي جملة التمنّي عالم التمنّي ويدلّ عليه أداة التمنّي وهكذا ويكون المعنى في الجملة الأولى تصادق المفهومين في وعاء التحقق وفي الثانية تصادقهما في وعاء الاستفهام وفي الثالثة في وعاء التمنّي وهكذا وليس المقصود من هذا الطرف الثالث وجود مفهوم اسمي ثالث للنسبة التصادقيّة على حدّ مفهوم « زيد » و « عالم » بل وجود ركن ثالث لقوام النسبة التصادقية فإنَّهما بحاجة إلى وعاء يصدق بلحاظه المفهومان. وإن شئت قلت : انَّ النسبة التصادقية بين مفهومين لها حصص عديدة ، إحداهما : النسبة التصادقية بلحاظ وعاء التحقق. والأخرى : التصادق في عالم السؤال والاستفهام. والثالثة : في عالم التمنّي وهكذا. وتعيين إحدى هذه الحصص يكون بالأداة الداخلة على الجملة أو بمجرّدها عن كلّ أداة كما في الجملة الخبرية.

وقد تحصّل ممَّا ذكرناه : أنَّ الفرق بين الجملة المختصة بالإنشاء والجمل الخبرية ينشأ من المدلول التصوّري لأنَّها تختلف عن الجمل الخبرية في الوعاء الملحوظ فيه تصادق المفهومين المقوّم لكيفيّة النسبة التصادقية وما مضى منَّا من أنَّ معنى « زيد عالم » محفوظ سواءً دخل عليه الاستفهام أم لا لكون الدلالة بنحو تعدد الدال والمدلول كان مع غضّ النّظر عن الوعاء. وعلى هذا يكون الجواب عليه بنعم بمنزلة تكرار المعنى من جميع الجهات إلا من جهة الوعاء فهو موضوع لتبديل وعاء نفس هذه النسبة من الاستفهام إلى التحقق وربّما يرجع كلام المحقق العراقي قدس‌سره لبّا إلى ما حقّقناه حيث انَّه جعل مدلول الأداة نسبة الاستفهام لا النسبة الاستفهامية فليس هناك نسبة جديدة تقتضيها الأداة مع مفهوم الاستفهام الاسمي بل هي نفس النسبة التصادقية تلحظ ببركة الأداة في عالم الاستفهام.

٢٩٩

ونفس الشيء يقال أيضا عن الجملة الطلبية المختصة بالطلب من قبيل الجملة الفعلية المتقوّمة بفعل الأمر.

الجمل الخبرية المستعملة في الإنشاء

المقام الثاني في الجمل المشتركة أي في الجملة الخبرية التي تستعمل في مقام الإنشاء المعاملي من قبيل « بعت » أو في مقام الطلب من قبيل « يعيد » فيقع الكلام في أنَّها هل تكون مستعملة في معنى آخر مغاير لمدلولها الّذي يراد منها في موارد استعمالها كجملة خبرية بحيث يحتاج استعمالها في ذلك المعنى إلى وضع آخر أو التزام بالتجوّز أو أنَّها مستعملة في نفس المعنى؟ وعلى الثاني فما هو الفرق بين « يعيد » و « بعت » الاخبارية و « يعيد » و « بعت » الإنشائية بعد وحدة المعنى المستعمل فيه؟ فهنا نقطتان من الكلام.

أمَّا النقطة الأولى : فتوضيح الحال فيها أنَّه إن بني على مسلك التعهّد وأنَّ الدلالة الوضعيّة تصديقية وأنَّ المدلول الوضعي للجملة الخبرية في موارد الاخبار قصد الحكاية ـ كما بني عليه السيد الأستاذ فلا بدَّ من الالتزام بأن الجملة حينما تستعمل في مقام الإنشاء تنسلخ عن ذلك المعنى وتتخذ مدلولاً آخر وهو إبراز الطلب أو إبراز اعتبار من الاعتبارات المعاملية ، وذلك لعدم تعقّل انحفاظ قصد الحكاية عن وقوع الشيء في موارد الإنشاء كما هو واضح ، وأمَّا إذا بني على ان المدلول الوضعي للجملة الخبرية تصوري بحت ـ وهو في رأينا النسبة التصادقية بلحاظ وعاء التحقق أو أيّ معنى تصوري آخر في رأي الآخرين ـ فينفتح مجال لإمكان القول بأنَّ الجملة الخبرية حينما تستعمل في مقام الإنشاء تحتفظ بمدلولها التصديقي وتبدّل من قصد الحكاية إلى الطلب أو اعتبار التمليك بعوض مثلاً ، فلا يحتاج الاستعمال كذلك إلى وضع آخر أو التزام بالتجوّز. وفي مقابل ذلك يمكن القول باختلاف المدلول التصوّري وأنَّ مفاد « يعيد » أو « بعت » إنشاءً هو النسبة التصادقية في وعاء آخر غير وعاء التحقق وهو وعاء الطلب في « يعيد » ووعاء الاعتبار في « بعت » فكما اختلفت النسبة في الجملة الاستفهامية عن النسبة في الجملة الخبرية من ناحية الركن الثالث للنسبة وهو وعاء التصادق كذلك

٣٠٠