بحوث في علم الأصول - ج ١

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

بحوث في علم الأصول - ج ١

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المجمع العلمي للشهيد الصدر
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩١

المبحث الثالث

١٦١
١٦٢

علامات الحقيقة وتشخيص المعنى

ذكر لتشخيص المعنى الموضوع له اللفظ علامات ثلاث :

١ ـ التبادر

٢ ـ صحة الحمل

٣ ـ الاطراد

وفيما يلي نبحث عن كل واحدة منها تباعا ، ونعقب عليها بالبحث في تعارض الأحوال.

علامية التبادر

يراد بالتبادر انسباق معنى معنى إلى الذهن عند إطلاقه.

وتقريب علاميته للمعنى الموضوع له : أن انسباق المعنى إلى الذهن من اللفظ له علتان الوضع والقرينة ، فمع عدم القرينة يكشف الانسباق كشفا إنيا عن الوضع.

وقد اعترض عليه : بالدور من أجل توقف التبادر على العلم بالوضع فلو نشأ العلم من التبادر لزم الدور.

وقد أجيب عن هذا الدور بوجوده :

١٦٣

منها ـ ما نقله المحقق الأصفهاني ( قده ) عن صاحب الحجة : من أن التبادر ليس معلولا للعلم بالوضع بل لنفس الوضع ومن مقتضياته ، ولذا يكشف عنه إنا ، والعلم بالوضع إنما هو شرط في تأثير الاقتضاء الثابت للوضع في التبادر (١).

وهذا الجواب في غاية الغرابة ، لأنه لو سلم لوقع الدور أيضا في ناحية الشرط لتوقف التبادر على العلم بالوضع باعتباره شرطا وتوقف العلم على التبادر باعتباره علامة. إلا ان المحقق الأصفهاني لم يكتف بهذا بل أراد إثبات ما ينكره ذاك ، فادعى ان التبادر معلول للعلم بالوضع لأن المعنى واللفظ بينهما ملازمة متمثلة في الجعل الوضعي ، وإدراك اللازم والعلم به معلول دائما للعلم بالملازمة لا للعلم بالملزوم وإلا لزم أن يكون كل من العلم. باللازم والعلم بالملزوم صالحا لعلية الآخر ، وعليه فإدراك المعنى معلول للعلم بالوضع.

ويرد على ما أفاده المحقق الأصفهاني : أنا إذا قسنا الملازمة الجعلية الوضعيّة بالملازمات الواقعية وطبقنا عليها القانون الّذي ادعاه قدس‌سره وهو أن العلم باللازم يستند دائما إلى العلم بالملازمة لا إلى ذات الملزوم ، وجدنا الأمر يؤدي إلى عكس مقصوده ، لأنه يقصد بالعلم باللازم هنا تبادر المعنى إلى الذهن وهذا التبادر هو نفس اللازم لا العلم به ، لوضوح ان الملازمة الوضعيّة قائمة بين تصور اللفظ وتبادر المعنى ، فما سماه علما باللازم هو نفس اللازم ، ولا شك في أن اللازم تابع لوجود الملزوم لا للعلم بالملازمة ، فإدراك شيء إنما يكون فرع إدراك الملازمة إذا كان طرف الملازمة ذات ذلك الشيء واما إذا كان طرفها نفس الإدراك فلا إشكال في تبعيته للملزوم.

ومنها ـ ما ذكره المحقق العراقي ( قده ) من أنه لا دور لأنه يكفي في ارتفاع الدور تغاير الموقوف والموقوف على بالشخص لا بالنوع ، فليفرض علمان تفصيليان متماثلان أحدهما يتوقف على التبادر والآخر يتوقف عليه التبادر (٢). وهذا البيان من الغرائب ، لا لأجل لغوية تحصيل العلم ثانيا ـ كما أفاده فقط ـ بل لوضوح استحالة حصول علمين

__________________

(١) نهاية الدراية ج ١ ص ٣٩

(٢) مقالات الأصول ج ١ ص ٣١

١٦٤

تصديقيين تفصيليين بأمر واحد وإن تعددت الصور التفصيلية ، لأنها إنا تكون هي المعروض بالذات للتصديق بما هي فانية في الخارج فإذا لم يكن إلا خارج واحد مرئي بنحو واحد بكلتا الصورتين فلا يعقل تعدد التصديق كما لا يعقل تعدد الشك.

ومنها ـ ما ذكره المحقق الخراسانيّ قدس‌سره من توقف التبادر على العلم الإجمالي الارتكازي وتوقف العلم التفصيليّ على التبادر (١) وليس المراد بالإجمالي المعنى الأصولي للعلم الإجمالي ، لأنه لا يكفي بهذا المعنى التبادر معنى بعينه بعد فرض استواء نسبة الذهن إلى تمام أطراف العلم الإجمالي ، وإنما المراد بالإجمالي العلم التفصيليّ الارتكازي البسيط وهو علم غير مقرون بالتفات النّفس إليه فعلا ، والمراد بالعلم التفصيليّ الّذي ينشأ من التبادر العلم المركب أي العلم بالعلم بالوضع. فالعلم المركب المساوق للالتفات الفعلي في طول التبادر والتبادر في طول العلم الارتكازي فلا دور.

والصحيح ، أن علامية التبادر للمستعلم غير معقولة بناء على التصور المشهور للوضع بوصفه جعلا اعتباريا قائما بالواضع وذلك ، لأن المقصود إن كان جعل التبادر برهانا إنيا وعلامة مباشرة على نفس الوضع بما هو جعل قائم بالوضع ، فيرد عليه : ان الوضع بجعله الواقعي القائم بالواضع ليس علة للتبادر ليكون التبادر كاشفا إنيا عنه ولا دخل له في علته ، بل تمام العلة للتبادر نفس العلم بالوضع سواء كان هناك وضع في الواقع أو لا. وإن كان المقصود جعل التبادر برهانا إنيا لدى المستعلم على علمه بالوضع فهو غير معقول ، لأن العالم بمجرد استعلامه عن علم نفسه يحصل له اليقين المباشر بعلمه إذا كان عالما ويستحيل أن يوسط بينه وبين علمه الّذي يستعلم عنه واسطة يبرهن بها عليه لأجل حضور العلم في أفق نفسه.

ولكن ، بناء على تصورنا للوضع بوصفه عملية قرن بين تصور اللفظ وتصور المعنى في ذهن السامع بنحو أكيد يوجب انتقال الذهن من أحدهما إلى الآخر ـ تكون علامية التبادر معقولة ، لأن انسباق ذهن السامع إلى معني من اللفظ فرع الملازمة بين تصور اللفظ وتصور المعنى في ذهنه ، وهذه الملازمة والتداعي فرع القرن الأكيد بين اللفظ

__________________

(١) كفاية الأصول ج ١ ص ٢٥ ( ط ـ مشكيني )

١٦٥

والمعنى الّذي هو روح الوضع وهو أمر واقعي وليس من مقولة العلم والتصديق ، فلا يكون التبادر موقوفا على العلم بالوضع. ودعوى : ان الانتقال من اللفظ إلى المعنى بسبب الملازمة لا يكون الا بعد العلم بها لأن الانتقال من أحد المتلازمين إلى الآخر فرع العلم بالملازمة.

مدفوعة : بأن هذا إنما هو فيما إذا كانت الملازمة بين ذات المدركين ـ كالملازمة بين النار والاحتراق ـ فان الانتقال التصديقي من أحدهما إلى الآخر فرع العلم بالملازمة بين النار والإحراق ، واما إذا كانت الملازمة بين نفس الإدراكين فيكون ترتب أحدهما عقيب الآخر ناتجا عن نفس الملازمة ولو لم يكن المدرك عالما بها ، ومقاما من هذا القبيل لأن القرن الأكيد يوجد ـ كما سبق في بحث الوضع ـ ملازمة بين الإدراك التصوري للفظ والإدراك التصوري للمعنى ، وهذه الملازمة بنفسها سبب للانسباق والتبادر ، ولهذا يحصل هذا الانسباق لدى الطفل أيضا نتيجة لذلك مع عدم وجود أي علم تصديقي لديه بالملازمة.

هذا كله في علامية تبادر المستعلم ، وأما تبادر العالم بالوضع فعلاميته للمستعلم لا محذور فيها على جميع المسالك في حقيقة الوضع. ولكن سوف يتضح مما يأتي ان تبادر العالم لا يكفي عادة بمجرده لحصول العلم بالوضع ما لم تضم إليه حيثية زائدة هي اطراده لدى العالمين به ليحصل الجزم بسبب ذلك بأن هذا التبادر نشأ عند العالم من الوضع لا من القرينة ، فتكون العلامة اطراد تبادر العالم لا نفس تبادره.

ثم ، إنه يمكن الاعتراض على علامية التبادر ببيان آخر ، وحاصله : ان المراد بالتبادر اما أن يكون التبادر لدى كل فرد بمعنى ان كل فرد يكون تبادره علامة على الحقيقة ، واما أن يكون التبادر لدى العرف العام فان أريد الأول ، فيرد عليه : أن هذا لا يكون برهانا إنيا على الوضع ، لأن الأنس الذهني بين اللفظ والمعنى بالنسبة إلى فرد خاص كما قد يحصل بسبب الوضع أو القرينة كذلك قد يحصل بسبب ظروف وملابسات تنشأ من حياته الخاصة وظروفه الثقافية والعملية ، ألا ترى أن أسماء الأعلام يتبادر منها إلى كل شخص أقرب من يسمى بذلك الاسم في حياة ذلك الفرد. وإن أريد الثاني ، فكونه برهانا إنيا تام ، ولكن لا يكفي مجرد التبادر عند الفرد

١٦٦

لافتراض التبادر لدى العرف العام ، لاحتمال وجود سبب ذاتي لذلك التبادر.

وهذا كلام صحيح مبدئيا ، وحله من الناحية العلمية : أن العلامة البرهانية على الوضع هي التبادر لدى العرف العام من اللفظ المجرد عن القرينة الخاصة.

واما التبادر لدى الفرد فان احتمل نشوؤه من قرينة خاصة فلا سبيل إلى نفي هذا الاحتمال إلا الفحص والبحث والتأكد ، وأما إن احتمل نشوؤه من ظروف وملابسات تخص حياة ذلك الفرد فهذا الاحتمال ما دام موجودا لا يتحقق الكشف الوجداني البرهاني عن الوضع ، ولكنه ملغى تعبدا بالاعتماد على قاعدة عقلائية اصطلحنا عليها في بحث حجية الظهور بأصالة التطابق بين الظهور الشخصي والظهور النوعيّ ، فان الفهم الشخصي لمدلول اللفظ من قبل إنسان عارف باللغة يكفي عند العقلاء في تشخيص مدلوله النوعيّ العام الّذي هو موضوع حجية الظهور.

علامية صحة الحمل

وقد ذكروا في علامية صحة الحمل للحقيقة والوضع : أن صحة حمل اللفظ على معنى معين بالحمل الأولي الذاتي علامة كونه نفس المعنى الموضوع له ، وصحة حمله عليه بالحمل الشائع علامة كونه من مصاديق المعنى الحقيقي.

وقد يستشكل في علامية صحة الحمل في الحمل الأولي والحمل الشائع أما الأول :

فلأن صحة الحمل تتوقف على فرض التغاير بين المحمول والموضوع كما تتوقف على نحو من الاتحاد. وعليه ، فكيف يكشف حمل اللفظ المراد استعلام معناه على معنى عن كونه نفس المعنى الموضوع له مع لزوم المغايرة (١).

وأما الثاني : فلأن صحة الحمل الشائع كما تكون في موارد حمل النوع على فرده والجنس على النوع والفصل على النوع كذلك تكون في موارد حمل أحد الكليين المتساويين في الصدق على الآخر ، كما في قولنا الضاحك الناطق ، أو أعم الكليين على أخصهما صدقا من دون أن يكون الموضوع فردا حقيقيا من المحمول ، كما في قولنا

__________________

(١) راجع مقالات الأصول ج ١ ص ٣١

١٦٧

الضاحك حيوان. وفي القسم الأول من الموارد يمكن الاستكشاف والعلامية باعتبار ان المحمول ثابت في مرتبة ذات الموضوع فتكشف صحة حمله على أن اللفظ موضوع لمعنى ثابت في مرتبة ذات المحمول عليه. وأما في القسم الثاني من الموارد فلا يصح الاستكشاف المذكور ، لأن المحمول ليس ثابتا في مرتبة ذات الموضوع وانما هو منطبق معه على وجود واحد. واستكشاف المعنى بالحمل الشائع لا يكون إلا بأن يدل الحمل على ان ما للمحمول من معنى متحد مع المعنى الموجود في مرتبة ذات الموضوع لا معه ابتداء (١).

أما الاستشكال الأول في علامية الحمل الأولي ، فيرد عليه : انه لو سلم لزوم التغاير في تصحيح الحمل فهو يتصور في الحمل الأولي تارة : بلحاظ كون كل من الطرفين مدلولا للفظ مغاير للفظ الدال على الآخر. وأخرى : بلحاظ الإجمال والتفصيل ، كما في الحد والمحدود. والأول من التغاير لا ينافي العينية ، والثاني لا ينافي العينية الذاتيّة ، وهي تكفي لإثبات كون المحمول نفس المعنى الموضوع له ذاتا بقطع النّظر عن حيثية الإجمال والتفصيل.

وأما الاستشكال الثاني في علامية الحمل الشائع ، فيرد عليه : ان الحمل الشائع في القسم الثاني من الموارد ينتج نتيجة أيضا ، لأنه يكشف عن الاتحاد الوجوديّ بين الناطق والضاحك وان مدلول اللفظ المراد استعلام معناه أحد المفاهيم المنطبقة على نفس الوجود الّذي انطبق عليه المفهوم الآخر المعلوم ، وهذا يحتاج في التعيين النهائيّ إلى إحصاء تمام المفاهيم التي تنطبق على ذلك الوجود وتعيينه من بينها. وشبه هذه الضميمة نحتاجها في القسم الأول أيضا ، إذ غاية ما يثبت بالحمل ان مدلول اللفظ المراد استعلام معناه أحد المعاني الثابتة في مرتبة ذات الموضوع ، فلا بد من إحصاء هذه المعاني وتعيينه ، نعم دائرة التردد في القسم الأول أضيق منها في القسم الثاني وهذا لا ينفي دور العلامة رأسا.

والصحيح ، عدم إمكان استعلام الحقيقة بصحة الحمل ، لأن غاية ما يستفيده

__________________

(١) راجع نهاية الدراية ج ١ ص ٤٢

١٦٨

المستعلم من صحة الحمل اتحاد المعنيين الموضوع والمحمول في القضية الحملية ذاتا أو وجودا سواء كان ذلك المعنى مجازيا للفظ المستعمل فيه أم حقيقيا ، ولذلك يصح الحمل كذلك في اللفظ المستعمل مجازا ، وهذا يعني ان علامية صحة الحمل موقوفة على العلم في المرتبة السابقة بكون المعنى المستعمل فيه اللفظ حقيقيا فلا يعقل أن يستعلم منها الوضع والحقيقة.

ولا يمكن دفع هذا المحذور بما ذكرناه في دفع محذور الدور عن علامية التبادر ، لأن التبادر لم يكن متوقفا على العلم التصديقي بالمعنى الحقيقي وأما صحة حمل اللفظ بما له من المعنى الحقيقي فتتوقف على العلم التصديقي بأن المعنى المحمول معنى حقيقي للفظ.

وبكلمة أخرى : انه في التبادر كان الالتفات إلى اللفظ وما ينسبق منه إلى الذهن سببا لحصول العلم بالمعنى الحقيقي ، واما في المقام فالالتفات إلى القضية الحملية وصحتها لا يؤدي إلا إلى العلم بوحدة المعنيين الواقعيين موضوعا ومحمولا في القضية الحملية ، لأن هذا هو تمام مدلول الجملة الحملية ، وأما ثبوت الوضع بين اللفظ وذلك المعنى المستعمل فيه فلا يمكن استنتاجه من ذلك.

وكما لا يمكن جعل صحة الحمل لدى المستعلم علامة عنده كذلك لا يمكن جعل صحة الحمل عند العالم من أبناء العرف واللغة علامة لدى المستعلم ، لأنه بدون تصريح من العالم بأنه قد استعمل اللفظ المستعلم حاله عند الحمل عليه في معناه الحقيقي لا يثبت كون المحمول محمولا على المعنى الحقيقي للفظ ، ومع تصريحه بذلك يكون مرجعه إلى تنصيص أهل اللغة والخبرة ، إذ لا يراد بالتنصيص إلا شيء من هذا القبيل.

وحال صحة السلب فيما ذكرناه حال صحة الحمل.

علامية الاطراد

وأما الاطراد واستعلام الوضع به فيمكن أن يراد به أحد معان :

الأول : اطراد التبادر ؛ بأن يطلق المستعلم اللفظ مرارا عديدة وفي أوضاع وحالات مختلفة ويتبادر منه في جميع ذلك معنى واحد.

١٦٩

والاطراد بهذا المعنى يكون بحسب الحقيقة مشخصا لصغرى علامية التبادر وليس علامة مستقلة ، لما تقدم من أن التبادر وانسباق معنى من اللفظ انما يكون علامة على الحقيقة فيما إذا كان حاقيا أي مستندا إلى الوضع لا القرينة أو الأنس الشخصي ، وباطراد التبادر ينفي عادة استناد التبادر إلى غير الوضع ، خصوصا إذا استعال المستعلم بتبادر غيره أيضا ، إذ ينفي به احتمال ارتكاز قرينة عامة في حياة فرد معين تصرف ذهنه عن المعنى الحقيقي.

الثاني : اطراد الاستعمال ، ويراد به صحة استعمال اللفظ في معنى معين في موارد مختلفة مع إلغاء جميع ما يحتمل كونه قرينة على إرادة المجاز وقد ذكر السيد الأستاذ ـ دام ظله ـ ان هذا الأسلوب هو الطريقة الوحيدة المتبعة غالبا لمعرفة الحقيقة والوضع (١).

ويرد عليه : ان اطراد الاستعمال في موارد مختلفة مع إلغاء ما يحتمل كونه قرينة لا تتوقف على أن يكون المعنى المستعمل فيه اللفظ في تلك الموارد حقيقيا بل قد يكون مجازيا ؛ لأن الاستعمال المجازي بلا قرينة صحيح أيضا. وكأنه وقع خلط بين اطراد الاستعمال في معنى واطراد انسباقه من اللفظ في موارد عديدة الّذي سميناه باطراد التبادر ، فان الأخير علامة على الحقيقة دون الأول.

الثالث : الاطراد في التطبيق بلحاظ الحيثية التي أطلق من أجلها اللفظ ، كما إذا أطلق ( الأسد ) على حيوان باعتباره مفترسا وكان مطردا في تمام موارد وجود حيثية الافتراس في الحيوان فيكون علامة كونه حقيقة في تلك الحيثية.

وقد اعتراض عليه المحقق الخراسانيّ قدس‌سره : بأن هذا المعنى من الاطراد ثابت في المعاني المجازية أيضا إذا كان يحفظ فيه مصحح المجاز وإنما لم يطرد تطبيق استعمال ( الأسد ) مثلا في جميع موارد المشابهة مع معناه الحقيقي لعدم كفاية مطلق الشبه في تصحيح المجاز بل لا بد من المشابهة في أبرز الصفات ، ومع حفظ ذلك يكون الاستعمال مطردا (٢).

__________________

(١) محاضرات في أصول الفقه ج ١ ص ١٣٢

(٢) كفاية الأصول ج ١ ص ٢٩ ( ط ـ مشكيني )

١٧٠

وهذا الاعتراض متجه.

الرابع : اطراد الاستعمال من دون قرينة ، لا بمعنى الاستدلال بصحة الاستعمال مطردا بدون قرينة على نفي المجازية ليرجع إلى التقريب الثاني ، وليرد عليه : ما تقدم من أن الاستعمال المجازي صحيح بدون قرينة لأن القرينة مقومة لانفهام المعنى المجازي لا لصحة استعمال اللفظ فيه ، بل بمعنى الاستدلال بشيوع الاستعمال في معنى بلا قرينة على أنه المعنى الحقيقي ، لأن الأمر يدور بين أن تكون جميع تلك الاستعمالات الكثيرة مجازا من دون قرينة أو حقيقة ، والمجاز بلا قرينة وإن كان استعمالا صحيحا وواقعا خارجا ولكنه لا شك في عدم كونه مطردا وشائعا بحيث يشكل اتجاها نوعيا في الاستعمالات ، فيكون الاطراد المذكور نافيا لاحتمال المجازية لا محالة.

الأثر العملي لعلامات الحقيقة

قد اتضح على ضوء مجموع ما تقدم : أن العلامة الأساسية على الوضع هي التبادر من ناحية ، وشيوع الاستعمال من غير قرينة من ناحية أخرى.

وقد خيل لبعض المحققين : أن علامات الحقيقة لا أثر عملي لها ، لأنها انما تبرهن على الوضع والوضع بما هو ليس موضوعا للحجية وانما الموضوع للحجية الظهور ؛ وفي مورد يكون الظهور ثابتا بالفعل لا حاجة بنا إلى إثبات الوضع بعلاماته لأن الظهور وجداني وهو يكفي في الحجية سواء كان هناك وضع أو لا ، وفي مورد لا يكون الظهور فعليا ـ ولو للاحتفاف بما يمنع عن فعلية الظهور ـ لا قيمة لإثبات الوضع لعدم كفايته في ترتب الحجية (١).

وهذا التخيل نشأ من عدم التمييز بين الظهور الشخصي والظهور النوعيّ ، فانا إذا التفتنا إلى التمييز بينهما ـ كما تقدم ـ وإلى أن موضوع الحجية ابتداء هو الظهور النوعيّ ، وأن الظهور الشخصي المساوق لوجدان الفرد انما يكون كاشفا عقلائيا عن الظهور النوعيّ ، وان العلاقة الوضعيّة عبارة عن القرن المؤكد المستتبع لانسباق ذهن العرف

__________________

(١) راجع مقالات الأصول ج ١ ص ٣١

١٧١

المبني على ذلك الوضع إلى المعنى من اللفظ ، تبين الأثر العملي لعلامة الحقيقة فان المستعلم يستدل بالتبادر مثلا أي بالظهور الشخصي على العلاقة الوضعيّة ـ المساوقة للظهور النوعيّ حيث لا يوجد ما يوجب الإجمال ـ وبذلك ينقح موضوع الحجية.

تعارض الأحوال

افترض للفظ أحوال متعددة طارئة من النقل والاشتراك والتجوز والإضمار والتقييد والاستخدام وغير ذلك ، وافترض الدوران بين كل واحد منها والحالة الطبيعية الأصلية تارة ، وافترض الدوران فيما بينهما تارة أخرى. وفي الدوران الأول يقال : أن الأصل نفي الحالة الطارئة ، وفي الدوران الثاني تذكر مرجحات لهذا تارة ولذاك أخرى.

والتحقيق : أن هذه الحالات ليس لها مركز واحد ، بل يمكن تصنيفها إلى ثلاثة مراكز :

الأول : الدلالة التصورية للفظ التابعة للوضع. وإلى ذلك يرجع الدوران بين النقل وعدمه وبين الاشتراك وعدمه ، فان مرجع النقل والاشتراك إلى التبدل أو التعدد في الدلالة التصورية للفظ في العرف العام وينشأ بسبب ذلك الشك في المراد في مقام الاستعمال.

وحل هذا الدوران : اما بين النقل وعدمه ، فبنفي النقل. وذلك أن الظهور الفعلي الشخصي للفظ في مرحلة الدلالة التصورية يكشف عقلائيا ـ كما ذكرنا ـ عن الظهور النوعيّ للفظ في هذه المرحلة ، لأن الأصل التطابق بين ذهن الفرد وذهن العرف الّذي يعيش ذلك الفرد ضمنه. واحتمال النقل معناه احتمال زوال الظهور النوعيّ فينفي بوجدانية بقاء الظهور الشخصي الفعلي. وأما بين الاشتراك وعدمه ، فبنفي الاشتراك وذلك لأن مرجع الاشتراك إلى تعدد الدلالة التصورية النوعية أو تعدد الظهور النوعيّ على سبيل البدل ، فإذا كان الظهور في وجدان الفرد تعيينيا وفي معنى واحد فمقتضى أصالة التطابق العقلائية بين ذهن الفرد وذهن العرف ان الدلالة النوعية كذلك وهذا مساوق لنفي الاشتراك.

١٧٢

هذا كله فيما إذا كان أصل النقل أو الاشتراك غير معلوم الوقوع ، وأما إذا كان معلوم الوقوع ولكن لا يعلم بثبوته حين الاستعمال فهل يمكن أن ينفي النقل أو الاشتراك بأصل إلى حين الاستعمال ، إما مطلقا ، أو فيما إذا كان الاستعمال معلوم التاريخ ، أو فيما إذا لم يكن النقل ، أو الاشتراك معلوم التاريخ؟ وجوه.

والتحقيق : عدم وجود أصل كذلك في جميع الحالات ، لأن الأصل اما عقلائي وإما شرعي. اما الأصل العقلائي ، فمرجعه إلى ما ذكرناه من أصالة التطابق بين ذهن الفرد وذهن العرف الّذي يعتبر ذلك الفرد جزءا منه ومع العلم بانثلام هذا التطابق لا معنى للبناء عليه بلحاظ زمان متقدم ، إذ لا توجد حينئذ نكتة كشف نوعية مصححة لهذا البناء عقلائيا. وأما الأصل الشرعي ، فمرجعه إلى استصحاب عدم النقل أو بقاء الوضع السابق أو كون اللفظ بحيث ينسبق منه المعنى الفلاني ، ومن الواضح ان هذا الاستصحاب لا يثبت الظهور الفعلي إلا بنحو مثبت ، لأن الظهور الفعلي لشخص هذا الكلام ليس له حالة سابقة وإنما الحالة السابقة للحيثية التعليلية له وهي القرن الوضعي. وإن شئت قلت لقضية تعليقية وهي أنه متى ما أطلق اللفظ انسبق منه المعنى الفلاني ، وما هو موضوع الحجية الظهور الفعلي فلا يمكن إثباته بالاستصحاب لرجوعه إلى الاستصحاب التعليقي في الموضوعات بل بنظر أدق ان موضوع الحجية ليس هو الظهور الفعلي في مرحلة الدلالة التصورية أيضا بل الظهور الفعلي التصديقي ، وترتب الظهور التصديقي على الظهور التصوري ليس شرعيا فلا يمكن إثبات موضوع الحجية ولو تمت أركان الحجية في نفس الظهور التصوري الفعلي.

الثاني : الدلالة التصديقية في مرحلة المراد الاستعمالي. وإلى ذلك يرجع الدوران بين المجاز وعدمه ، وبين الإضمار ـ الّذي هو نحو من التجوز في هيئة الإسناد ـ وعدمه ، وبين الاستخدام ـ الّذي هو أيضا نحو من التجوز في هيئة إرجاع الضمير إلى مرجعه ـ وعدمه. فان هذه الأنحاء من الدوران كلها في مرحلة المراد الاستعمالي ، ولا شك في أن أصالة الحقيقة التي مرجعها إلى حجية ظهور حالي المتكلم في التطابق بين مراده الاستعمالي والظهور التصوري لكلامه تنفي احتمال الحالات الطارئة.

واما إذا دار الأمر فيما بينهما ، فان كان في كلام واحد أوجب التعارض بين

١٧٣

مقتضى الظهورين ، فان لم يكن أحدهما مستحقا للتقديم لقرينية أو أقوائية أدى إلى إجمال الكلام. وإن كان في كلامين فالظهور فعلي في كل منهما. ويطبق قانون التعارض المستقر أو غير المستقر.

الثالث : الدلالة التصديقية في مرحلة المراد الجدي. وإلى ذلك يرجع الدوران بين الإطلاق والتقييد ، لما حققناه من أن الظهور الإطلاق الحكمي ناظر إلى مرحلة المراد الجدي ، فكلما كان التقييد مشكوكا وتمت مقدمات الحكمة تعين نفيه. واما إذا دار الأمر بين التقييد وحالة من الحالات المتقدمة في الدوران السابق فمرجعه إلى التنافي بين ظهور وضعي وظهور إطلاقي ، وتحقيقه في بحث تعارض الأدلة.

واما التخصيص ، فهو يرجع إلى هذا المركز ، أو إلى المركز السابق على الخلاف في إيجابه للتجوز أو للتصرف في مرحلة الكشف من المراد الجدي فحسب.

١٧٤

المبحث الرابع

١٧٥
١٧٦

تطبيقات مختلف بشأنها

بعد أن اتضحت نظرية الدلالة على المعنى الحقيقي والدلالة على المعنى المجازي بشكل عام يقع البحث عن تطبيقات قد وقع الخلاف فيها حول تحديد ما هو المدلول الحقيقي للفظ. والتطبيقات المختلف فيها تارة : تكون مفردات خاصة لا تشكل عنصرا مشتركا في الاستدلالات الفقهية ، نظير البحث حول تشخيص مدلول كلمة ( الصعيد ) مثلا. وأخرى : تكون مواد بطبيعتها سيالة ومشتركة في أبواب فقهية متنوعة ، كالبحث عن مدلول صيغة الأمر مثلا أو هيئة المشتق أو الحروف والهيئات التركيبية.

أما القسم الثاني : فهو خارج عن نطاق هذا المدخل ومندرجة في المسائل الأصولية القادمة.

وأما القسم الأول فهو على ضربين :

١ ـ ما يبحث فيه عن تحديد مدلول لغوي أو عرفي لمفرد من المفردات كالبحث عن مدلول كلمة ( الصعيد ) وهذا بحث لغوي بحث يكون في ذمة علوم اللغة والعربية.

٢ ـ ما يبحث فيه عن تحديد المدلول الشرعي الخاصّ لبعض المفردات بحيث يكون منشأ البحث احتمال طرو تغيير على مدلول اللفظ في عرف الشارع وهذا هو المناسب بحثه في هذا المدخل للبحوث الأصولية فانه وإن كان بحثا عن مفردات خاصة

١٧٧

لا تشكل عناصر مشتركة للاستنباط إلا ان البحث فيها لما كان عن معانيها الشرعية لم يوكل ذلك إلى البحوث اللغوية البحتة ويتمثل هذا النوع من التطبيقات في أسماء العبادات والمعاملات ويكون البحث فيها من جهتين :

١ ـ في تحديد معناها الشرعي الحقيقي. وهذا ما يصطلح عليه بالبحث عن الحقيقة الشرعية.

٢ ـ في تحديد معانيها من حيث اختصاصها بالصحيح من افرادها أو عمومها للفاسد منها أيضا. وهذا ما يصطلح عليه بالبحث عن الصحيح والأعم.

١ ـ الحقيقة الشرعية

والحديث عن الحقيقة الشرعية ، تارة في ثبوتها ، وأخرى في الثمرة العملية المترتبة عليها.

١ ـ ثبوت الحقيقة الشرعية

اما البحث عن ثبوت الحقيقة الشرعية بمعنى صيرورة بعض الأسماء حقائق في المعاني الخاصة المخترعة من قبل الشارع فهذا موقوف على أن يثبت وضع هذه الألفاظ بإزاء معانيها الشرعية بأحد الأنحاء المتقدمة في مناشئ حصول العلقة الوضعيّة من الوضع التعييني أو التعيني أو الاستعمالي ، فلا بدّ من ملاحظة مدى إمكان تطبيق تلك المناشئ لحصول العلقة الوضعيّة على هذه المعاني الشرعية وذلك من خلال نقاط.

النقطة الأولى : في ثبوت الحقيقة الشرعية بالوضع التعيني الناشئ من كثرة استعمال الشارع للألفاظ في هذه المعاني. وهذا موقوف أولا : على أن يثبت عدم وضع تلك الألفاظ بإزاء نفس المعاني لغة أو عرفا قبل استعمال الشارع لها وإلا كانت حقائق لغوية لا شرعية. وثانيا : على عدم سبق وضع شرعي تعييني وإلا كانت حقائق شرعية تعيينية لا تعينية ـ وسوف يأتي حال هذين الشرطين ـ وموقوف ثالثا : على كثرة تداول الأسامي المذكورة في استعمالات الشارع بحيث يبلغ درجة تجعل الذهن ينسبق إلى المعنى الشرعي من اللفظ بلا قرينة. وهذا الشرط ربما يناقش فيه من وجوه :

١٧٨

الأول : التشكيك في وقوع استعمالات كثيرة من الشارع خاصة بدرجة توفر شرط حصول الوضع التعيني وانما المتيقن والمؤكد هو كثرة تداول هذه الألفاظ في استعمالات مجموع الشارع والمتشرعة وهذا لا يكفي لإثبات ان هذه المعاني حقائق شرعية.

والجواب : أن المراد بالحقيقة الشرعية إن كان هو قيام العلاقة الوضعيّة بين اللفظ والمعنى الشرعي في عصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على نحو يكون اللفظ صالحا لإثارة هذا المعنى بقانون الاقتران فهذا يفي بتحقيقه كثرة الاستعمال في مجموع المحاورات الدائرة في ذلك العصر بما فيها كلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكلام غيره ، وإن كان المراد بالحقيقة الشرعية قيام العلقة الوضعيّة بين اللفظ والمعنى بسبب صادر من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاصة على نحو يصدق عليه انه الواضع فهذا لا تفي به الكثرة المذكورة لأنها غير صادرة بتمامها من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا أن هذه الحيثية لا دخل لها في الأثر المطلوب للبحث وهو الحمل على المعنى الشرعي فان ميزان الحمل ثبوت العلاقة الوضعيّة في عرف ذلك العصر لا خصوص ثبوتها بفعل صادر من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاصة.

الثاني : ان هذه الاستعمالات كلها أو جلها كانت على سبيل المجاز والقرينة الخاصة أو العامة فلا تجدي في إيجاد الوضع والحقيقة.

والجواب : ان تلك الاستعمالات وإن كانت مع القرينة إلا أن عدم وحدة القرينة واختلافها من مقام إلى مقام مع انحفاظ نفس المعنى الشرعي المستعمل فيه اللفظ في جميع تلك الاقترانات حقيق بتحصيل الدرجة المطلوبة من العلقة الوضعيّة فيما بينهما ، وهذا هو التخريج العام للوضع التعيني الحاصل من كثرة الاستعمال على ما تقدم في بحث الوضع.

الثالث : التشكيك في أصل ثبوت استعمال من قبل الشارع الأقدس لهذا الأسماء في المعاني الشرعية ولو على سبيل المجاز ، لاحتمال ان تكون مستعملة في المعاني اللغوية مع اعتماد طريقة تعدد الدال والمدلول في مجال افهام الخصوصيات المعتبرة شرعا.

والجواب : انه لو سلم وفاء طريقة تعدد الدال والمدلول عرفا بإفادة كل التفاصيل المطلوبة شرعا ، فان ذلك لا ينافي كفاية ما يحصل من الاقتران المستمر من خلال مجموع

١٧٩

الاستعمالات بين اللفظ والمعنى الشرعي لتحقيق العلقة الوضعيّة وبالتالي ثبوت الحقيقية الشرعية ، لأن العنصر غير المتغير في جميع موارد الاستعمالات تلك إنما هو اللفظ واما الدوال الأخرى فمتغيرة أو غير ملموسة فيما إذا افترضت القرينة ارتكازية معنوية.

النقطة الثانية : في ثبوت الحقيقة الشرعية بالوضع التعييني الصريح ، بأن يقوم الشارع بنفسه بعملية الوضع وتخصيص اللفظ بالمعنى الشرعي.

وثبوت الحقيقة الشرعية على أساس هذا المنشأ أمر لا ينبغي أن يحتمل في نفسه ، إذ الوضع حتى لو قيل بكونه أمرا جعليا إنشائيا فلا ريب في انه ليس مطلوبا بوجوده الواقعي النّفس الأمري وانما يطلب من أجل تيسير عملية المحاورة والتفاهم الاجتماعي ، ولذلك كانت اللغة ظاهرة اجتماعية اكتشفها الإنسان ومارسها بعد أن مارس حياته الاجتماعية مع الآخرين. وهذا يعني أن شيئا من هذا القبيل لو كان صادرا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكان ينبغي أن يصدر على مرأى من الناس ومسمع ، ولانتشر حينذاك خبره وسجله التاريخ في حين انه لا يوجد في مجموع ما ثبت من سيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأحاديثه المأثورة بطرق العامة والخاصة ما يوهم وقوع مثل هذا الأمر.

النقطة الثالثة : في ثبوت الحقيقة الشرعية بالوضع التعييني الحاصل بنفس الاستعمال. وتقريبه : أن سيرة العقلاء جارية على تعيين أسماء بإزاء ما يخترعونها من صناعات ومخترعات ، اما بتصريح وضعي أو من خلال الاستعمال على أقل تقدير ، وكأن اختراع شيء أو ابتكار معنى جديد يجعل المخترع مسئولا عن تسميته. والشارع الأقدس أيضا لا يتعدى الطريقة العقلائية هذه في ممارسة العامة.

والمقصود باختراع الشارع واستحداثه لتلك المعاني وجعلها كون هذا التأليف الاعتباري القائم بين أجزائها مستندا إلى نظره واعتباره لا إلى نظر خاص أو عام وراء نظره كالتركيب الاعتباري بين أجزاء البيت ، فان كل عبادة مع قطع النّظر عن تعلق الطلب بها لها جهة وحدة ثابتة في نفسها ، ضرورة ان كل معنى يستعمل فيه اللفظ لا بد وأن يكون فيه جهة وحدة ليكون المستعمل فيه واحدا ، ومن المعلوم ان لفظ الصلاة مثلا يستعمل في العبادة الخاصة مع قطع النّظر عن وحدتها الناشئة من وحدة

١٨٠