جواهر الكلام - ج ١٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

بعض كتب الفاضل والشهيدين والعليين وغيرها على ما حكي عن بعضها أن يزيد لركوعه يسير انحناء ليكون فارقا من القيام اللازم للركوع ، بل في جامع المقاصد أنه لو كان انحناؤه على أقصى مراتب الركوع ففي ترجيح الفرق أو هيئة الركوع تردد ، وإن كان هو في غاية الضعف ، ضرورة لزوم المحافظة على هيئة الركوع ، ولذا قيده بعضهم بما إذا لم يخرج به عن مسمى الراكع ، ولعله مراد من أطلق ، بل قد يمنع أصل وجوب الفرق بالأصل ، وبأنه قد تحقق فيه حقيقة الركوع ، وانما المنتفي هيئة القيام ، وما في جامع المقاصد ـ من أنه لا يلزم من كونه على حد الركوع أن يكون ركوعا ، لأن الركوع من فعل الانحناء الخاص ولم يتحقق ، ولأن المعهود من صاحب الشرع الفرق بينهما ، ولا دليل على السقوط ، ولظاهر‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « فأتوا منه ما استطعتم » وما دل (٢) على وجوب كون الإيماء للسجود أخفض ينبه على ذلك ـ يدفعه أن المراد بالركوع هنا هيئة الركوع لا فعله ، إذ هو على كل حال لم يتحقق وإن زاد الانحناء اليسير ، ضرورة عدم كونه ركوعا ، فيتوجه التكليف حينئذ إلى خطابه بكونه على هذا الحال بعد القراءة مثلا بمعنى لا يجلس أو ينام أو يسجد أو نحو ذلك مما ينافيها ، فلا تحصيل للحاصل حينئذ ، والفرق بينهما واقعي لا شرعي ، والنبوي لا دلالة فيه على ما نحن فيه ، والقياس على إيماء السجود مع أنه مع الفارق لا يجوز الأخذ به ، ومن هنا كان خيرة المبسوط والمعتبر والفاضل في بعض آخر من كتبه وكشف اللثام والمدارك ومنظومة الطباطبائي عدم وجوب الزيادة عليه ، نعم قال في الكشف تبعا‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ١ ص ٢١٥ ولكن نصه « ما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم » ورواه في غوالي اللئالي عن النبي (ص) بعين ما ذكر في الجواهر وفي تفسير الصافي سورة المائدة ـ الآية ١٠١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ١٥ و ١٦.

٨١

للشهيدين والمحقق الثاني : إنه إن أمكنه أن ينقص من انحنائه أو الانتصاب ولو بالاعتماد ونحوه وجب ، قالوا : ولا تجب الزيادة حينئذ لحصول الفرق ، وهو متجه لو كان النقص المستطاع مخرجا له عن أول حد الركوع ، فيحصل الفرق حينئذ ، وإلا كان من المسألة السابقة ، ولا ملازمة بين القول بوجوبه مع فرض عدم الخروج به عن حد الركوع لقربه إلى القيام وبين القول بوجوب الزيادة عليه يسيرا للفرق بين القيام والركوع ، ومع ذلك كله فالاحتياط لا ينبغي تركه ، كما أنه لا ينبغي تركه مع فرض عدم التمكن من الفرق بيسير الانحناء بأن يقتصر على نية الركوع والقيام ، بل يضيف إليها الإشارة بالرأس ثم العينين كما نص عليه الأستاذ في كشفه ، وهل يسير الانحناء بناء على اعتباره فارقا هو القائم مقام الركوع كالايماء فيجري حكم الزيادة والنقصان سهوا وعمدا؟ الظاهر ذلك ، نعم يمكن عدمه في نحو الإشارة المزبورة ، لكون المراد على الظاهر منها الإشارة إلى إرادة الركوع مثلا بالتقويس المزبور لا أنها بدل عن الركوع كالايماء حتى يجري فيه ذلك ، بل قد يحتمل نحو ذلك أيضا في الانحناء اليسير كما يومي اليه جعلهم الغرض منه الفرق ، لكنه بعيد ، لظهور إرادة الفرق به نفسه لا أنه إمارة على غيره.

الواجب الثاني في الركوع الطمأنينة بلا خلاف أجده فيه بل في الغنية والمنتهى وجامع المقاصد وعن الناصريات والمعتبر والتذكرة الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد الاقتصار على المتيقن وقوعه من أرباب الشرع وأتباعهم ، كما يومي اليه النصوص (١) البيانية المشتملة على كيفية الركوع بتمكن الكفين والراحتين ، وأنه كان إذا ركع أمكن استقرار الماء على ظهره ، بل في كشف اللثام أنه هو معنى‌ قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خبر بكير بن محمد الأزدي عن الصادق عليه‌السلام المروي في قرب الاسناد للحميري : « إذا ركع فليتمكن » بل‌ روى في الذكرى وغيرها « أن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ و ١٨ و ٢٨ ـ من أبواب الركوع.

٨٢

رجلا دخل المسجد ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جالس في ناحية المسجد فصلى ثم جاء فسلم عليه قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وعليك السلام ارجع فصل فإنك لم تصل ، فرجع فصلى ثم جاء فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له : مثل ذلك فقال الرجل في الثالثة : علمني يا رسول الله فقال : إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ، ثم ارفع رأسك حتى تعتدل قائما ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ، ثم ارفع حتى تستوي قائما ، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها » ولعل هذا الرجل هو الذي حكى عنه‌ الباقر عليه‌السلام في صحيح زرارة (١) قال : « بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جالس في المسجد إذ دخل رجل فقام يصلي فلم يتم ركوعه ولا سجوده فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نقر كنقر الغراب ، لئن مات هذا وهكذا صلاته ليموتن على غير ديني » فيكون المراد بعدم إتمامهما عدم الطمأنينة فيهما ، ويؤيده أنه المتعارف من المتسامحين في الصلاة ، بل لعل‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « نقر كنقر الغراب » ظاهر في ذلك ، والنبوي (٢) المروي في الذكرى « لا تجزي صلاة الرجل حتى تقيم ظهره في الركوع والسجود » وخبر زرارة (٣) عن الباقر عليه‌السلام « وأقم صلبك ومد عنقك » وعن محاسن البرقي أن في رواية عبد الله بن ميمون القداح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : أبصر علي ابن أبي طالب عليه‌السلام رجلا ينقر صلاته فقال : منذ كم صليت بهذه الصلاة قال له الرجل : منذ كذا وكذا ، فقال : مثلك عند الله كمثل الغراب إذا ما نقر ، لو مت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ١.

(٢) روى في الوسائل عن الصادق ٧ في باب ١٨ من أبواب الركوع الحديث ٦‌ « لا صلاة لمن لم يقم صلبه في ركوعه وسجوده ».

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ١.

٨٣

مت على غير ملة أبي القاسم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم قال عليه‌السلام : أسرق الناس من سرق صلاته ».

بل يمكن دعوى عدم تحقق مسمى الركوع بدونها ، إذ بها يحصل الفرق بينه وبين الهوي للسقوط إلى الأرض مثلا ، ولعله لذا ادعى الكاتب كما قيل والشيخ في المحكي من خلافه ركنيتها فيه حاكيا الإجماع عليه ، إذ الظاهر إرادته مسماها لا الممتدة بقدر ما يؤدي واجب الذكر مع القدرة وربما مال اليه الشهيد في الذكرى قال : وكان الشيخ يقصر الركن منها على استقرار الأعضاء وسكونها ، والحديث دال عليه ، ولأن مسمى الركوع لا يتحقق يقينا إلا به ، أما الزيادة التي توازي الذكر الواجب فلا إشكال في عدم ركنيتها ، وقال الأستاذ في كشفه : « ولا يبعد القول بركنية الاستقرار من جهة نقصه ، لفوات الركوع الشرعي بفواته وإن كان الأقوى خلافه » وكأنه إشارة إلى أمر آخر غير الذي ذكرناه أولا ، وهو أن الاستقرار الذي نوجبه في الركوع يكون شرطا في الركوع الشرعي أو جزءا منه ، والقول بركنيته بناء على الأخير واضح ، لانتفاء الركن حينئذ بانتفائه ، ومن العجيب ما في المنتهى من تسليمه الجزئية وإنكاره الركنية ، قال فيه : إن عنى الشيخ بالركن ما بيناه فهو في موضع المنع على ما يأتي من عدم إفساد الصلاة بتركه سهوا ، وإن أطلق عليه اسم الركن بمعنى أنه واجب إطلاقا لاسم الكل على الجزء فهو مسلم ، وأغرب منه استحسانه في الرياض بعد حكاية ذلك عنه ، اللهم إلا أن يريد بالجزء العقلي المركب منه الركن ، ضرورة أنه واجب وزيادة ، وهو كما ترى ، فلاحظ وتأمل ، بل وكذا الكلام بناء على الأول أي الشرطية ، ضرورة كون الركن منه الركوع الصحيح شرعا ، فوجوده بدونه كعدمه ، اللهم إلا أن يدعى عدم تناول ما دل على بطلان الصلاة بنسيان الركوع لمثل ذلك ، ضرورة ظهوره في نسيانه أصلا لا جزءا أو شرطا نحو ما ذكره في عدم الالتفات إلى الشك في حصول تمام‌

٨٤

مسماه مع القطع بحصول انحناء منه في الجملة ، لأصالة الصحة ، ولظهور الأدلة في التلافي لما شك في أصل الركوع ، لكن لا يخفى عليك أنه يمكن المناقشة في كون المقام من ذلك.

وعلى كل حال فالركنية يمكن القول بها بناء على ذلك ، نعم يتجه عدم القول بركنيته لو كان واجبا مستقلا في الصلاة لا مدخلية له في الركن ، وقد يلتزم ذلك ويدعى أن وجوبه حال الركوع كالذكر من غير مدخلية له فيه بالجزئية والشرطية وإن كان قد ينافيه ظاهر بعض النصوص السابقة بل والمتن وغيره مما ذكر فيه كونه من واجبات الركوع ، لكن لعل الإضافة بأدنى ملابسة كالذكر ، نعم لا محيص عن القول بالركنية بناء على وجوب الاحتياط في العبادة وأن الشغل اليقيني محتاج إلى الفراغ اليقيني خصوصا لو قلنا بالوضع الشرعي في الركوع ، إذ يكفي الشك في حصول مسماه حينئذ أو الصحيح منه ، لأنه يكون حينئذ كباقي ألفاظ العبادة موضوعا للصحيح أيضا ، فلا يحصل يقين البراءة حينئذ إلا بالركوع المشتمل على الطمأنينة ، بل بهذا التقرير يتجه ركنيتها إلى الفراغ من الذكر الواجب كما استظهره في الذكرى من المحكي عن الإسكافي ، بل ظاهره أن الشيخ كذلك ، وهو مناف لكلامه السابق بناء على حصول الشك في مسماه أو الصحيح منه بدون ذلك ، إلا أن المشهور بين الأصحاب بل الظاهر الاتفاق عليه كما يومي اليه ما سمعته من الذكرى عدم الركنية بالنسبة إلى ذلك ، بل لو لا ظهور الاتفاق على الوجوب مقدار الذكر ـ بل هو من معقد إجماع المنتهى والمعتبر وعن غيرهما ، بل ادعاه صريحا في المحكي من المفاتيح عليه ، فما عن بعض الأفاضل من نسبته إلى السرائر وكتب الماتن مشعرا باختصاص التحديد بها في غير محله قطعا ـ لأمكن المناقشة فيه بعدم الدليل ، إذ الاستدلال عليه بتوقف الواجب وهو الذكر راكعا عليها انما يتم إذا لم يزد في الانحناء على القدر الواجب ، وإلا فيمكن الجمع بين مسمى الطمأنينة والذكر حين الركوع مع عدم الطمأنينة بقدره ، بل لا يتم أيضا وإن لم يزد ، ضرورة عدم التلازم بين‌

٨٥

بقائه راكعا والاطمئنان ، فقد يصدق عليه راكعا بأول مسمى الركوع وهو مضطرب يمينا وشمالا ، إذ الطمأنينة كما عن الأكثر ـ بل في ظاهر المنتهى أو صريحه الإجماع عليه ـ السكون حتى يرجع كل عضو إلى مستقره ، وهو الذي أراده الباقر عليه‌السلام بقوله في‌ صحيح زرارة : « ثم اعتدل حتى يرجع كل عضو منك إلى موضعه » ولعله يرجع اليه ما عن التذكرة من أن معناها السكون بحيث تستقر أعضاؤه في هيئة الركوع وينفصل هو عن ارتفاعه منه عند علمائنا أجمع ، هذا.

وقد أشار المصنف بقوله : « مع القدرة » إلى سقوطها عند العجز كما صرح به بقوله ولو كان مريضا لا يتمكن سقطت عنه كما لو كان العذر في أصل الركوع إذ لا تكليف بالممتنع ، ولا دليل على البدل أو الجلوس ، بل هو كذلك حتى مع المشقة التي لا تتحمل ، لكن هل يجب عليه زيادة الهوي كي يبتدئ بالذكر في أول حد الراكع وينتهي بانتهاء الهوي؟ قال في الذكرى لا للأصل ، فحينئذ يتم الذكر رافعا رأسه ، وفيه نظر ، ضرورة استقلال وجوب كل منهما ، فلا يسقط أحدهما بتعذر الآخر ، ولعله يريد عدم وجوب الكيفية المزبورة وإن كان يجب عليه الإتمام قبل الخروج عن مسمى الركوع برفع الرأس ، ولذا عدل عن التعبير المزبور في المدارك فاعتبر الإكمال قبل الخروج عن الركوع من غير فرق بين الإتمام حال الرفع أو الهوي.

وكيف كان فلو أتى القادر بالذكر قبل الوصول إلى حد الراكع أو أتمه حال الرفع لم يجتزئ بالذكر قطعا ، بل في جامع المقاصد وتبعه غيره بطلان صلاته مع العمد ، ولعله للتشريع الذي قد سمعت البحث فيه غير مرة ، وهو المراد بالنهي الذي علل به الفساد في الجامع وغيره ، لكن أجاد في كشف اللثام حيث رده بأن المنهي عنه إما تقديم الذكر أو النهوض ، ولا يؤثر شي‌ء منهما في فساد الصلاة ، فالمتجه الصحة إذا كان التدارك ممكنا بأن يجدد الذكر مطمئنا كالناسي الذي يجب عليه التدارك لبقاء المحل ، ويحتمل هنا‌

٨٦

كما في جامع المقاصد الاجتزاء لمعذوريته ، وقد يفهم ذلك من الفاضل في القواعد بل وغيره ممن قيد بالعمد ، نعم يبطل في صورة العمد لو فرض خروجه عن مسمى الركوع لعدم إمكان التدارك حينئذ ، والفرض الترك عمدا ، والله أعلم.

الواجب الثالث فيه رفع الرأس منه إجماعا صريحا محكيا في الغنية والذكرى وجامع المقاصد والمدارك وكشف اللثام وعن الوسيلة والتذكرة والمفاتيح ، وظاهرا في المعتبر ، ونصوصا مستفيضة (١) بل في‌ خبر أبي بصير (٢) منها « إذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك فإنه لا صلاة لمن لا يقيم صلبه » فلا يجوز حينئذ أن يهوي للسجود قبل انتصابه منه إلا لعذر وهو المراد من الرفع في المتن وغيره ، بل عن خلاف الشيخ الإجماع على ركنيته ، ولعله لنفي الصلاة بدونه كما عرفت ، ولقاعدة الركنية بناء على وجوب الاحتياط في العبادة ، بل ينبغي الجزم به بناء على اعتباره في مفهومه كما يقضي به ملاحظة كلام بعضهم في أحكام الخلل ، ونفي الإعادة إلا من خمسة في صحيح زرارة (٣) مع معلومية تخصيصه بالقيام ونحوه معارض بما عرفت إلا أنه من وجه ، وقد يرجح المشهور بالشهرة العظيمة الموهنة لإجماعه ، وبإطلاق أدلة السهو وبغير ذلك.

والمراد بالعذر ما يشمل المرض وغيره ، ولا كلام في السقوط معه ، انما البحث فيما لو ارتفع قبل التلبس بالسجود ، فعن المبسوط والخلاف والبيان لا يتدارك ، وهو لا يخلو من إشكال كما في المنتهى وعن المعتبر ، بل لعل ذلك ظاهر الاقتصار على نسبته إلى الشيخ في التحرير والدروس ، بل عن التذكرة ونهاية الأحكام والموجز الحاوي وكشف الالتباس أنه يعود ، ولعله لأنه الأصل ، والفرض عدم الدخول في مسمى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الركوع.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ٤.

٨٧

الركن حينئذ ، ومنه يعلم الحال في النسيان وإن جعله في المحكي عن البيان مثله في عدم التدارك أيضا ، بل ويعلم الحال أيضا فيما لو سقط بعد تمام الركوع إلى الأرض لعارض بل الظاهر أولويته بالتدارك مما سبق ، ولو سقط قبل كمال الركوع رجع له لما عرفت ، ومن العجيب ما عن المعتبر من المنع لئلا يزيد ركنا إلا أن يريد بالكمال عدم الطمأنينة مثلا كما هو الموجود فيما حضرني من المعتبر لا ما يشمل عدم الوصول إلى حد الركوع بل صرح فيما حضرني من نسخته بوجوب التدارك إذا سقط قبل الركوع ، فيتجه حينئذ ما ذكره إلا أن يفرض إمكان التلاقي بما لا يزيد ركنا كما لو قام منحنيا وقلنا بعدم عد مثله زيادة ركوع ، بل هو العود إلى حاله الأول ، ولا فرق على الظاهر في هذا البحث بين القول بركنية الطمأنينة وعدمها ، فما في الذكرى ـ من أن ما في المعتبر متجه على مذهبه ، إذ الطمأنينة ليست ركنا عنده ، ويجي‌ء على قول الشيخ وجوب العود ـ لا يخلو من تأمل ، كما أن ما في المحكي عن البيان ـ من أن الأقرب جوازه منحنيا إلى حد الراكع لا وجوبه ـ كذلك أيضا ، والله أعلم.

وكيف كان فـ ( ـلو افتقر في انتصابه إلى ما يعتمده وجب ) تحصيله ولو بالأجرة التي لا تضر بالحال للمقدمة كما في سائر أحوال الصلاة ، ثم لا فرق في جميع ذلك بين الفرض والنفل لإطلاق النص والفتوى ، فما عن نهاية الأحكام ـ من أنه لو ترك الاعتدال في الرفع من الركوع أو السجود في صلاة النفل لم تبطل صلاته ـ في غاية الضعف كدليله من أنه ليس ركنا في الفرض فكذا في النفل.

الواجب الرابع الطمأنينة في الانتصاب بلا خلاف بين الأصحاب كما اعترف به غير واحد ، بل في الغنية وجامع المقاصد وكشف اللثام وعن التذكرة وغيرها الإجماع عليه وهو أن يعتدل قائما ويسكن ولو يسيرا ومقتضاه جواز التطويل وهو كذلك‌

٨٨

إذا لم يخرج به عن كونه مصليا ، أو يحصل مانع آخر للصلاة كالسكوت الطويل ونحوه ، فما في الذكرى عن بعض متأخري الأصحاب ـ من أنه لو طولها عمدا بذكر أو قراءة بطلت صلاته ، لأنها واجب قصير ، بل لعله يلوح من المبسوط كما اعترف به في جامع المقاصد ـ في غير محله قطعا ، ولقد أجاد في رده له في الذكرى بالأخبار (١) الحاثة على الذكر والدعاء في الصلاة من دون تقييد بمحل مخصوص ، نعم كان عليه تقييده بما ذكرناه من عدم الخروج بسبب ذلك عن كونه مصليا ، والقول بركنية هذه الطمأنينة أيضا للشيخ في المحكي عن خلافه مدعيا الإجماع عليه ، وربما يشهد له بعض ما قدمناه ، إلا أن الأقوى خلافه لموهونية (٢) إجماعه بمصير غيره إلى خلافه ، فهو أقرب مظنة للإجماع منه ، وعدم دليل صالح غيره عندنا ، فأدلة السهو وإطلاقات الصلاة وغيرها بحالها ، والله أعلم.

الواجب الخامس الذكر في الجملة إجماعا محصلا ومحكيا في المنتهى والذكرى وجامع المقاصد والمدارك وعن الخلاف والمعتبر ، والمعظم في الذكرى ، والأكثر في جامع المقاصد ، والمشهور في كشف اللثام على تعين التسبيح فيه بل في الغنية وعن الانتصار والخلاف والوسيلة الإجماع عليه وإن اختلفوا ، فبين مجتز بمطلقه مطلقا كما هو ظاهر الغنية وعن الانتصار ، وموجب تسبيحة كبرى كما عن نهاية الشيخ ، ومخير بينها وبين ثلاث صغريات كما عن ظاهر ابني بابويه والتهذيب بل وأبي الصلاح وإن زاد بالتصريح في اجتزاء المضطر بواحدة ، وموجب ثلاث كبريات كما عن الفاضل في التذكرة نسبته إلى بعض علمائنا وقيل والقائل الشيخ في المبسوط وأكثر المتأخرين إن لم يكن جميعهم ومتأخريهم ، بل عن سرائر الحلي منهم نفي الخلاف عنه يكفي الذكر ولو كان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب التعقيب والباب ٣ و ٧ من أبواب الدعاء.

(٢) وفي النسخة الأصلية « لموهنية ».

٨٩

تكبيرا أو تهليلا ونحوهما وفيه تردد ينشأ من تعارض الأدلة ، لاقتضاء الإجماعات السابقة وجملة من النصوص الأول فقد‌ سأل زرارة (١) في الصحيح أبا جعفر عليه‌السلام « عما يجزي من القول في الركوع والسجود فقال : ثلاث تسبيحات في ترسل ، وواحدة تامة تجزي » وعلي بن يقطين (٢) في الصحيح أيضا أو الخبر أبا الحسن الأول عليه‌السلام « عن الركوع والسجود كم يجزي فيه من التسبيح؟ فقال : ثلاث ، ويجزيك واحدة إذا أمكنت جبهتك في الأرض » والحسين بن علي بن يقطين (٣) في الصحيح أيضا كما في الحدائق ـ وفيما حضرني من نسخة الوسائل روايته عنه أيضا ، فيكون الصحيحان لعلي ـ أبا الحسن الأول عليه‌السلام « عن الرجل يسجد كم يجزيه من التسبيح في ركوعه وسجوده؟ فقال : ثلاث ، وتجزيه واحدة » وقال معاوية بن عمار (٤) في الصحيح لأبي عبد الله عليه‌السلام : « أخف ما يكون من التسبيح في الصلاة قال : ثلاث تسبيحات مترسلا يقول : سبحان الله سبحان الله سبحان الله » وفي‌ خبره الآخر (٥) عنه عليه‌السلام أيضا « قلت له : أدنى ما يجزي المريض من التسبيح في الركوع والسجود قال : تسبيحة واحدة » وسأله (ع) أيضا هشام بن سالم (٦) في الخبر أو الحسن « عن التسبيح في الركوع والسجود فقال : تقول في الركوع : سبحان ربي العظيم ، وفي السجود سبحان ربي الأعلى ، الفريضة من ذلك تسبيحة ، والسنة ثلاث ، والفضل في سبع » وقال الصادق عليه‌السلام في خبر داود الأبزاري (٧) : « أدنى التسبيح ثلاث وأنت ساجد لا تعجل فيهن » وفي‌ موثق سماعة (٨) « سألته كيف حد الركوع والسجود؟ فقال : أما ما يجزيك من الركوع فثلاث تسبيحات ، تقول : سبحان الله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الركوع الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الركوع الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الركوع الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الركوع الحديث ٨.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الركوع الحديث ١.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٥.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٣.

٩٠

سبحان الله سبحان الله » وقال عقبة بن عمار الجهني (١) : « نزلت ( فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ) (٢) فقال لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اجعلوها في ركوعكم ، فلما نزلت ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ) (٣) قال لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اجعلوها في سجودكم » وعن الهداية ، إرساله عن الصادق عليه‌السلام مع زيادة (٤) « فإن قلت : سبحان الله سبحان الله سبحان الله أجزأك ، وتسبيحة واحدة تجزي للمعتل والمريض والمستعجل » وقال الباقر عليه‌السلام للحضرمي في الخبر (٥) : « أتدري أي شي‌ء حد الركوع والسجود؟ قلت : لا ، قال : تسبح في الركوع ثلاث مرات سبحان ربي العظيم وبحمده ، وفي السجود سبحان ربي الأعلى وبحمده ، فمن نقص واحدة نقص ثلث صلاته ، ومن نقص ثنتين نقص ثلثي صلاته ، ومن لم يسبح فلا صلاة له » وفي‌ خبر أبي بصير (٦) « سألته عن أدنى ما يجزي من التسبيح في الركوع والسجود فقال : ثلاث تسبيحات » وفي‌ خبر هشام بن الحكم (٧) المروي عن العلل عن أبي الحسن عليه‌السلام « لأي علة يقال في الركوع : سبحان ربي العظيم وبحمده ، ويقال في السجود : سبحان ربي الأعلى وبحمده؟ فقال : يا هشام ، إن الله لما أسرى بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان من ربه كقاب قوسين أو أدنى رفع له حجابا من حجبه فكبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبعا حتى رفع له سبع حجب ، فلما ذكر ما رأى من عظمة الله ارتعدت فرائصه فابترك على ركبتيه وأخذ يقول : سبحان ربي العظيم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ١.

(٢) سورة الواقعة ـ الآية ٧٣ و ٩٦.

(٣) سورة الأعلى ـ الآية ١.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٧.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٦.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٢.

٩١

وبحمده ، فلما اعتدل من ركوعه قائما نظر إليه في موضع أعلى من ذلك الموضع خر على وجهه وجعل يقول : سبحان ربي الأعلى وبحمده ، فلما قال سبع مرات سكن ذلك الرعب فلذلك جرت به السنة ».

وجملة أخرى من النصوص المعتضدة بما عرفت تقتضي الثاني ، كصحيح هشام ابن سالم (١) سأل أبا عبد الله عليه‌السلام « يجزي عني أن أقول مكان التسبيح في الركوع والسجود : لا إله إلا الله والحمد لله والله أكبر قال : نعم ، كل هذا ذكر الله » وعن الكافي روايته بإسقاط التحميد ، وهشام بن الحكم (٢) قال له عليه‌السلام أيضا : « يجزي في الركوع أن أقول مكان التسبيح : لا إله إلا الله والحمد لله والله أكبر قال : نعم ، كل ذا ذكر الله » وعن ابن إدريس روايته في المستطرفات من كتاب النوادر لمحمد بن علي بن محبوب عن أحمد بن محمد عن ابن أبي عمر عن هشام بن الحكم ، وخبر مسمع أو حسنه (٣) قال الصادق عليه‌السلام : « يجزي من القول في الركوع والسجود ثلاث تسبيحات أو قدرهن مترسلا ، ولا كرامة أن يقول سبح سبح سبح » كحسنه الآخر (٤) عنه عليه‌السلام أيضا قال : « لا يجزي الرجل في صلاته أقل من ثلاث تسبيحات أو قدرهن ».

لكن لا يخفى عليك قوة القول الثاني لصحة مستنده وصراحته وضعف المعارض أو عدمه ، ضرورة إمكان تقدير الجواب في الصحيح الأول بما لا يفيد الحصر ، بل لعله متعين بقرينة هذه النصوص ، كما أن من المحتمل قويا بقرينة النصوص التي بعده إرادة العدد من السؤال فيه ، ونحن نقول به ، إذ الظاهر أنا وإن قلنا بعدم تعين التسبيح والاجتزاء بغيره من الذكر لكن المتجه في الجمع بين النصوص التزام كونه ثلاثا بقدر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٤.

٩٢

التسبيح وفاقا لصريح الرياض وظاهر المحكي عن أمالي الصدوق ، قال : « من دين الإمامية الإقرار بأن القول في الركوع والسجود ثلاث تسبيحات ـ إلى أن قال ـ: ومن لم يسبح فلا صلاة له إلا أن يهلل أو يكبر أو يصلي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعدد التسبيح ، فان ذلك » إلى آخره. إذ هو الذي يقتضيه الجمع بين النصوص بحمل مطلقها على مقيدها ، مع أن حذف التحميد من بعضها لعله من النساخ ، أو للإشارة بالبعض إلى الكل ، أو لأن المقصود من السؤال إجزاء غير التسبيح ، وإلا فالعدد مفروغ منه ، إذ مع اعتباره في التسبيح الذي هو الأصل يعلم اعتباره في غيره بطريق أولى ، ومن هنا كان المراد بالجواب بيان أصل الاجزاء من غير التفات إلى العدد لا أن المراد به بيان إجزاء مطلق الذكر وإن لم يكن بالعدد المزبور ، خصوصا مع ملاحظة حسني مسمع وذكر السائل التثليث على ما رواه الشيخ ، بل الظاهر أن الأصل في إجزاء التسبيحة الكبرى عن التسبيحات الثلاث انحلالها إلى الثلاث.

ومن هنا كان المتعين فيها ضم « وبحمده » وفاقا للذكرى وجامع المقاصد وغيرهما بل عن غاية المراد حكايته عمن تقدمه ، وخلافا لجماعة فجعلوها مستحبة ، بل في التنقيح نسبته إلى الأكثر ، بل في كنز العرفان وعن المعتبر أنها مستحبة عندنا وإن كنت لم أتحققه ، بل في المنتهى « ويستحب أن يقول في ركوعه : سبحان ربي العظيم وبحمده ، وفي سجوده سبحان ربي الأعلى وبحمده ، ذهب إليه علماؤنا أجمع » وإن كان يحتمل إرادة العدد كما في المحكي عن التذكرة « يستحب أن يقول ثلاث مرات سبحان » إلى آخره. إلا أنه بعيد بقرينة ما بعده ، نعم قد يناقش في إجماعه كما يناقش فيما ذكره الشهيدان والمحقق الثاني وغيرهم من خلو أكثر الأخبار عنه بأن المحكي عن ظاهر أعاظم الأصحاب أو صريحهم تعينه كالمفيد والسيد والشيخ في جملة من كتبه والديلمي والقاضي الفاضل وغيرهم ، بل في كشف اللثام أنه المشهور فتوى ورواية ، ومنه يظهر المناقشة‌

٩٣

في الثاني ، ويؤيده ما عن الأستاذ الأكبر في حاشيته على المدارك من أنه قد ذكر « وبحمده » في تسعة أخبار ، وهي صحيحة زرارة (١) وصحيحة حماد (٢) وصحيحة عمر بن أذينة (٣) المروية في الكافي في علل الأذان ، وهي طويلة ، ورواها الصدوق في العلل بطرق متعددة ، ورواية إسحاق بن عمار (٤) المروي في العلل عن الكاظم عليه‌السلام في باب علة كون الصلاة ركعتين ، ورواية هشام بن الحكم (٥) عن الصادق عليه‌السلام في ذلك الباب ، ورواية هشام (٦) عن الكاظم عليه‌السلام في باب علة كون التكبيرات الافتتاحية سبعة ، ورواية أبي بكر الحضرمي (٧) المروية في التهذيب وغيره ، وصحيحة زرارة أو حسنته عن الباقر عليه‌السلام ورواية حمزة ابن حمران والحسن بن زياد (٨) قلت : بل ورواية إبراهيم بن محمد الثقفي (٩) المروية عن كتاب الغارات التي حكى فيها أمير المؤمنين عليه‌السلام صلاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ورواية محمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم (١٠) المروية عن العلل أيضا ، قال : « سئل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن معنى قوله : سبحان ربي العظيم وبحمده » وما في المحكي عن فقه الرضا عليه‌السلام (١١) عند من قال بحجيته ، فتكون الأخبار حينئذ اثنى عشر خبرا ، بل لعل القليل التي ترك فيها مبني على المسامحة والتخفيف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة الحديث ١٠.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة الحديث ١١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة الحديث ١٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٢.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٥ و ٧.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٢.

(٩) المستدرك ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ١.

(١٠) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٦.

(١١) المستدرك ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٢.

٩٤

والاتكال على الظهور كما وقع ويقع مثله كثيرا ، بل يومي اليه إطلاق التامة عليها من غير بيان اعتمادا على معروفيتها الحاصلة بسبب القطع باستعمال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لها في ركوعه وسجوده وتابعه المسلمون ( تابعية المسلمين خ ل ) حتى شاع وذاع إلى أن ادعى الإجماع عليه ، وكذلك الأئمة عليهم‌السلام يأمرون به ويداومون عليه ، ولذا جرت به سيرة أتباعهم وسواد شيعتهم فضلا عن العلماء منهم ، بل شدة الأمر بقول : « سمع الله لمن حمده » عند رفع الرأس تشهد على ذكر « وبحمده » في الركوع على سبيل التعاقب ، بل روته العامة في أخبارهم فضلا عن الخاصة ، فعن ابن مسعود (١) « أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إذا ركع أحدكم فليقل ثلاث مرات : سبحان ربي العظيم وبحمده » ومثله عن حذيفة (٢) فلا ينبغي التأمل بعد ذلك في ضمها حينئذ إليها ، وأنها هي المراد من التامة في صحيح زرارة (٣) ولا ينافيه ما قلناه من الاجتزاء بمطلق الذكر بعد أن كان المراد به عدم تعين التسبيح ، لا أنه يجزي مطلقا وإن لم يبلغ العدد ، وإن كان هو ظاهر كثير ممن أفتى به ، حتى أن صاحب الحدائق منهم أشكل عليه الحال في ذلك من حيث أن مقتضاه الاجتزاء بقول : « سبحان الله » مرة واحدة وبعض النصوص السابقة صريحة في نفيه ، بل قد يظهر من المحكي عن القاضي في شرح الجمل الإجماع على ذلك ، قال : « وأما الاقتصار على « سبحان الله » فلا يجوز عندنا مع الاختيار » وحكي عن ثاني الشهيدين أنه تنبه للإشكال ورفعه بالتزام الاجزاء مع حمل ما ظاهره النفي على الفضل والاستحباب ، واستبعده وأجاب هو بما حاصله أنه لا مانع من إجزاء مطلق الذكر ، والتزام الثلاث في خصوص التسبيح منه ولو في ضمن الكبرى‌

__________________

(١) سنن أبى داود ج ١ ص ١٣٦ وليس فيه لفظ « وبحمده ».

(٢) سنن أبى داود ج ١ ص ١٣٤ وليس فيه لفظ « وبحمده ».

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٢.

٩٥

وهو مع منافاته لإطلاق الأمر بالعدد في حسني مسمع قول غريب لم يسبق اليه ولا أظن أحدا يلحقه عليه ، ولم أعلم ما الذي صده عما ذكرناه ، مع أنه هو المتجه في الجمع بين الأدلة كما لا يخفى على من أحاط خبرا بما مر.

ولا أظنك تحتاج بعد إلى الجواب عن باقي النصوص المدعى دلالتها على التسبيح مع أن الذي في كثير منها انما هو السؤال عما يجزي من التسبيح ، وهو إن لم يكن فيه إشعار بعدم التعيين فلا دلالة فيه عليه قطعا ، كما أن ما فيها أيضا من أنه يجزئك ثلاث تسبيحات مثلا كذلك ، نعم ربما كان في بعضها نوع دلالة إما من جهة الأمر أو غيره لكن يجب الخروج عنه بملاحظة النصوص الأخر ، بل يمكن دعوى إمكان الخروج عنه بالتأمل فيها ، كخبر الحضرمي (١) المشتمل على بيان حد الركوع ، ضرورة القطع بإرادة بيان الحد في الفضل والاستحباب ، وكذا غيره من الأخبار ، بل ربما قيل : إن المراد بالتسبيح فيها المعنى المصدري الشامل لكل ما يفيد التنزيه لا خصوص « سبحان الله » مثلا وإن كان هو خلاف المنساق من أمثال هذه المصادر كالتهليل والتكبير والاستغفار وغيرها ، لكنك خبير أنا في غنية عن ذلك كله ، إذ لو فرض اشتمال النصوص على الأمر بالتسبيح صريحا لوجب حمله على التخييري ، للجمع بينه وبين غيره ، خصوصا مع ظهور الأدلة في أنه الأصل في ذكر الركوع والسجود ، وأنه الأفضل من غيره ، فلا بأس بتعلق الأمر به ، بل يمكن حمل فتاوى قدماء الأصحاب المقتصرة عليه على ذلك ، فتخرج المسألة عن الخلاف حينئذ حتى من قال منهم : إن من لم يسبح فلا صلاة له ، لاحتمال إرادته المعنى المصدري أو المبالغة أو غير ذلك كما يومي اليه في الجملة ما سمعته من عبارة الأمالي.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٥ و ٧.

٩٦

لكن الانصاف عدم ترك الاحتياط في ملازمة التسبيح خروجا عن شبهة الخلاف في النص والفتوى ، ولا يخفى عليك طريقه بعد أن ذكرنا لك الأقوال والأدلة ، بل لا يخفى عليك بعد ملاحظتها صحة كل منها وفساده وأن المتجه من بينها بناء على تعين التسبيح ما اختاره جماعة من كون أقل ما يجزي المختار تسبيحة تامة ، وهي سبحان ربي العظيم وبحمده ، أو يقول : سبحان الله ثلاثا وأن في الضرورة تجزي واحدة صغرى بل في المنتهى اتفق الموجبون للتسبيح من علمائنا على أن الواجب من ذلك تسبيحة واحدة كبرى ، صورتها سبحان ربي العظيم أو ثلاث صغريات مع الاختيار ، ومع الضرورة تجزي الواحدة ، ولعله لأنه هو الذي تجتمع عليه النصوص السابقة بعد حمل المطلق منها على المقيد ، بخلاف القول بكفاية مطلقه المستلزم لطرح جملة منها أو تأويله ، كالقول بتعيين الكبرى مرة أو ثلاثا أو غير ذلك من الأقوال ، نعم قد تشعر العبارة كبعض النصوص بحصول الإجزاء أيضا بما زاد على ذلك وأن هذا أقله ، فيكون حينئذ كالتخيير بين الواحدة والثلاث في تسبيح الأخيرتين ، وقد عرفت التحقيق في ذلك المقام ، وأنه ليس من التخيير بين الأقل والأكثر ، فلا بأس حينئذ بالتزامه هنا تمسكا بالاشعار المزبور ، لكن لم أجد أحدا صرح به في المقام عدا ما يحكى عن أبي الصلاح من ظهور التزامه في خصوص تكرار الكبرى ثلاثا ، وكأنه لعده جميعها تسبيحة واحدة ، والفرض وجوب الثلاث عنده ، على أن المتجه بناء على ذلك عدم الفرق بين الكبرى وغيرها ، ولا بين التكرار ثلاثا وغيره من التسبيح والتخميس وغيرهما ، وهو جيد لو لا ظهور اتفاق الأصحاب في خصوص المقام على عدمه كما يومي اليه ذكرهم ذلك في قسم المسنونات في الركوع ، واحتمال إرادة أفضل أفراد الواجب التخييري بعيد جدا ، خصوصا والنصوص ليس بتلك المكانة من الظهور في ذلك ، بل ربما كان التأمل فيها يرشد إلى خلافه ، لكن ستسمع عند قول المصنف : « ويستحب‌

٩٧

الثلاث » أن الشهيد الثاني جعل البحث في وجوبها أو الواحدة كالتسبيح في الأخيرتين وإن كان التأمل في النصوص والفتاوى هنا يشهد بخلافه ، كما أن التأمل فيها وفي الفتاوى أيضا ينفي احتمال كون المراد للشارع طبيعة الذكر أو التسبيح ، وأنه لا فرق عرفا في تأديها بالتسبيحة الواحدة والأزيد ، لعدم تعدد الطبيعة في الخارج وإن تعددت أفرادها فالجميع وإن كان تدريجيا يعد امتثالا واحدا ، وقد التزمه في كل ما كان من قبيل المقام إلا أنه قد بينا بطلانه غير مرة في نفسه فضلا عن خصوص المقام المصرح فيه بوجوب الواحدة واستحباب الزائد ، وارتكاب التجوز فيه لا داعي له.

لكن على كل حال بناء عليه أو سابقه يتجه حينئذ عدم وجوب التعيين على المكلف لواجب التسبيح عن غيره ، كما أن المتجه ذلك أيضا إن لم نقل بهما بل قلنا بأن الواجب التسبيح الأول وأن المستحب الثاني والثالث ، ضرورة الاكتفاء حينئذ بالنية الأولى للصلاة المستلزمة لنية أجزائها على ما شرعت عليه ، لكن الانصاف بعده في المقام كبعد القول بظهور حال المكلف في إرادة فراغ ذمته بما يفعله أولا وأن المستحب بعد ذلك كما عساه يظهر من الذكرى ، قال : « والأقوى أن الواجبة هي الأولى لأنه مخاطب بذلك حال الركوع ولا يفتقر إلى قصد ، نعم لو نوى وجوب غيرها فالأقرب الجواز لعدم تيقن التضييق » وفيه ما لا يخفى ، لعدم ما يصلح دليلا على شي‌ء من ذلك بل ظاهر الأدلة وجوب الواحدة من الثلاث مثلا لا الأولى ، فقد يتخيل حينئذ وجوب نية التعيين على المكلف كما في كل فعل مشترك بين الواجب والندب ، لتوقف صدق الامتثال عليها ، ضرورة عدم تشخص الأفعال إلا بالنية ، لكن دقيق النظر في المقام يقتضي خلافه ، كما يرشد اليه خلو النصوص والفتاوى عن وجوب التعيين ، بل ظاهرهما عدمه ، وكأنه إما لتعيين الأولى للواجب باعتبار تحقق وصف الواحدية التي هي عنوان الواجبة بها ، فتتعين حينئذ لذلك قهرا ، وربما يحمل تعليل الشهيد المزبور عليه لا على‌

٩٨

ما سمعت ، وإما لأن المفهوم من أوامر الشرع في المقام عدم إرادة الخصوصية التي يتوقف حصولها على النية ، واحتياج المشترك في الامتثال انما هو بعد العلم بأن الشارع أراد الخصوصية بحيث جعلهما صنفين ، كصلاة الصبح ونافلته ، أما إذا لم يترتب للشارع غرض بذلك بل كان المقصود إيجاد هذا العدد في الخارج فلا يحتاج إلى التعيين كما في مثل المقام الذي كان الطلب الحتمي فيه متوجها إلى مصداق واحد منه من غير تشخيص لواحد بالخصوص ولا تعلق غرض له بخصوصية حتى يعلق الأمر بها ، وحتمية الطلب لا تستلزم إرادة تشخيصه قطعا ، واقتضائها التنويع في الطلب لا يستلزم اقتضائها ذلك في المطلوب ، كما أن التنويع في المطلوب لا يستلزم التنويع في الطلب كما في جملة من الواجبات وجملة من المندوبات ، ضرورة اتحاد نوع الطلب في كل منهما وإن تعدد نوع المطلوب الذي هو عبارة عن تعلق غرض مخصوص للشارع في خصوصية كل من الأفراد حتى جعلها صنفين قبل تعلق الأمر بها ، لا أنه جعلها صنفين به ، وما صفة الوجوب في المقام إلا كصفة شدة الاستحباب إذا فرض تعلقها بواحد مما تعلق به الأمر الندبي خاصة والتزام التعيين فيه أيضا كالوجوب والندب تعسف واضح ، وهو أي التنويع في المطلوب المتوقف صدق امتثاله عرفا على النية ، بخلاف نوعية الطلب كما لا يخفى على من اختبر العرف في المقامين ، فحينئذ لا بعد في الامتثال بالواحد المردد إذا لم نأخذ صفة الترديد فيه ، وإن منع ذلك في المعاملة باعتبار اشتراط عدم الغرر فيها ، بخلاف الامتثالات فإن أهل العرف لا يتوقفون في صدق امتثال العبد المأمور بإحضار ثلاثة دراهم مثلا أحدها على سبيل الوجوب والباقي على جهة الندب وإن لم يشخص درهم الوجوب عن غيره ، بل أحضر الثلاثة دفعة ، وكان كلا منها صالحا لتحقق كلي الواجب فيه.

وعلى كل حال فلو جاء المكلف مثلا بالثلاث من غير تعيين ثم تبين له فساد واحدة أو ثنتين كان له الاجتزاء عن الواجب بالصحيحة الباقية ، لأنها مصداق الأمر‌

٩٩

الوجوبي ولم يحصل ما يصرفها عنه وإن كان قد نوى أولا الإتيان بالواجب والمندوب ، نعم قد يقال بعدم الاكتفاء مع فرض صحة خصوص ما نوى الندب بها مثلا ، لأنا وإن قلنا : إنه لا يجب عليه نية التعيين لكن لا ريب في أن له ذلك ، فمع فرض تعيينه يشكل الاكتفاء به عن الواجب ، لمعلومية عدم سقوطه بالمندوب ، اللهم إلا أن يقال بعدم اعتبار هذا التعيين من المكلف ، وأنه يكون لغوا لعدم طلب الشارع له وعدم تعلق غرض مخصوص به ، فهو لا يشخص أصلا ، ولا يرفع صدق الأحدية التي علق بها الوجوب ، وأنه بعد أن لم يعتبر الشارع خصوصية في المطلوب تمحضت إرادته مجرد العدد ، وإن كان الأمر متعددا فهو في الحقيقة كالأمر الواحد المتعلق بمتعدد ، فإنه لو أراد المكلف تشخيص بعض الأفراد باعتبار انحلال ذلك الأمر إلى أوامر متعددة لتعدد متعلقة لم يكن تشخيصه معتبرا ، بل هو لغو صرف ، وكذلك المقام بعد الفرض المزبور ، فتأمل جيدا فان المقام لا يخلو من دقة ، ولم أر من تعرض لتنقيحه على ما ينبغي.

ثم المراد من التسبيحة الكبرى على الظاهر والله أعلم أني أنزه الله ربي العظيم بحمده تنزيها بمعنى أن تنزيهي له بالحمد الذي هو الثناء باللسان على الجميل الاختياري لا تنزيها مدحيا الذي يقع على غير الاختيار كمدح الجوهرة بالصفاء والبياض ونحوهما ، فالواو حينئذ إما زائدة أو حالية ، والباء على حالها ، والظاهر أن هذا المعنى هو المراد من قوله تعالى حكاية عن الملائكة (١) ( وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ) لا ما حكاه البهائي كما قيل عن جماعة من المفسرين في حبله ، قال : ومعنى سبحان ربي العظيم وبحمده أنزه ربي عن كل ما لا يليق بعز جلاله تنزيها وأنا متلبس بحمده على ما وفقني له من تنزيهه وعبادته ، كأنه لما أسند التسبيح إلى نفسه خاف أن يكون هذا الاسناد نوع تبجح بأنه مصدر لهذا الفعل تدارك ذلك بقوله : وأنا متلبس بحمدك ، فسبحان مصدر بمعنى التنزيه‌

__________________

(١) سورة البقرة ـ الآية ٢٨.

١٠٠