جواهر الكلام - ج ١٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

فيما حكي عن معتبره سوى أنه نقل القول بالأربع والتسع والعشر والاثنى عشر ، وأورد صحيحتي زرارة في الأولين وصحيحتي الحلبي في التسبيحات الثلاث ، وروايتي علي وعبيد المتقدمتين ، ثم قال : « والوجه عندي هو القول بالجواز في الكل ، إذ لا ترجيح وإن كانت رواية الأربع أولى وما ذكره في النهاية من الاثنى عشر أحوط لكنه ليس بلازم » وفي الذكرى عن البشرى الميل إلى ذلك ، وهو مع حكمه بأولوية رواية الأربع ليس في كلامه تعرض لمطلق الذكر بل ولا مطلق التسبيح ، على أن المنقول عن البشرى الميل وهو غير القول ، ولعله لذلك مع تخيل ظهور الخبرين في إجزاء مطلق الذكر والتسبيح قال في المحكي عن المهذب البارع : إن هاتين الروايتين لم يقل بمضمونهما أحد من الأصحاب ، وعن عيون المسائل نحو ذلك مع زيادة احتمال إرادة التسبيحات الأربع منهما جمعا بينهما وبين غيرهما ، فلم يتحقق حينئذ قول على البت بذلك ، نعم قال المجلسي فيما حكي من بحاره : والذي يظهر لي من مجموع الأخبار جواز الاكتفاء بمطلق الذكر ، ولم يحضرني مصرح بذلك سواه وإن احتمله جماعة من المتأخرين كما اعترف به بعض المتبحرين ، هذا ما وقفنا عليه من أقوال الأصحاب ، نعم لو ضم مع ذلك القول بالتخيير بين الأربع والعشر والاثنى عشر والتسع كما هو ظاهر الشهيدين في اللمعة والروضة ، أو بين الأول والثاني كما عن المفيد ، أو بين الثلاثة الأول كما سمعته عن ظاهر الروض ، أو بين الأول والرابع خاصة كما سمعته عن المجمع ، أو بين الأول والثاني (١) كانت خمسة عشر ، ووجه الجميع يعلم مما قدمناه.

كما أنه عرف مما تقدم من صحيح عبيد (٢) الوجه في المحكي عن البهائي وصاحب‌

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصحيح « الثالث » لأنه ذكر التخيير بين الأول والثاني عن المفيد فلا بد أن يكون هذا تخييرا بين الأول والثالث.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١.

٤١

المعالم وولده من ضم الاستغفار إلى التسبيحات الأربع ، بل لعله هو المراد من الدعاء في صحيحة زرارة (١) لا التحميد ، لعدم كونه منه ، مع احتماله لما في‌ خبر الفضل (٢) ، قلت للصادق عليه‌السلام : « جعلت فداك علمني دعاء جامعا فقال لي : احمد الله فإنه لا يبقى أحد يصلي إلا دعا لك » لكن الإنصاف أن الأولى إرادة الاستغفار الذي قد جاء فيه أنه أفضل الدعاء منه ، فيحمل حينئذ إطلاقه في الصحيحة المزبورة على التقييد بالاستغفار في الصحيح السابق ، بل لعل تعليل إجزاء الفاتحة بأنها تحميد ودعاء مشعر بأن الدعاء هو المطلوب ، وأن الفاتحة إنما تجزي لاشتمالها عليه وإن كان فيه إشعار بعدم تخصيص الاستغفار بذلك ، لكن على كل حال فالقول بالوجوب ـ بعد خلو الفتاوى والنصوص الواردة في مقام البيان عنه عدا ما عرفت ، بل ادعي الإجماع على إجزاء تكرير الأربع ثلاثا ، ولذا ذكر المصنف وغيره الاحتياط فيه ، للقطع بالبراءة معه ـ لا يخلو من إشكال بل منع ، ولعل ما في المنتهى من أن الأقرب عدم وجوبه ليس لوجود قائل بالوجوب بل للصحيح المزبور.

نعم لا بأس بالقول باستحبابه كما عن المجلسي التصريح به ، بل عن الحديقة أفضلية تكريره مع تكرير التسبيح بعد أن احتاط بضمه مرة ، وعن الماجدية « لو ضم الاستغفار كان حسنا ، وتكرير الجميع ثلاثا أحسن » والظاهر إرادة ضمه مع الأربع تسبيحات لا إذا جعل بدلا عن الساقط كما هو ظاهر الرواية (٣) وسمعت عن بعض متأخري المتأخرين الميل إلى الاجتزاء به.

وكيف كان فالظاهر إرادة الوجوب التخييري من القول به بين الأربع فما زاد كما صرح به بعضهم ، بل نسبه في الروضة إلى ظاهر النص والفتوى ، لأن الواجب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٢ لكن رواه عن المفضل.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١.

٤٢

الأربع والزائد مستحب كما ينسب إلى الفاضل في سائر كتبه الأصولية والفقهية وإن كان هو صريح البعض وظاهر الآخر ، بل عن كشف الرموز موافقته أيضا ، للأصل المقطوع بظاهر الأمر وغيره ، ولدعوى انسياقه من مجموع خطابات المقام الممنوعة على مدعيها ، خصوصا مع التعبير في بعضها عن الواحدة بلفظ الاجزاء المشعر بأنه أقل الافراد ، وأنه هناك فرد آخر أعلى منه ، بل هو صريح بعض الأخبار السابقة ، وخصوصا مع مزج الواحدة والثلاث بأمر واحد ، لا أنه أمر بها مستقلة وبالزائد عليها مستقلا كي يتجه دعوى ذلك فيه ، ولعدم معقولية التخيير بين الأقل والأكثر عقلا ولأن الواجب ما لا يجوز تركه لا إلى بدل ، فيجب حمل جميع ما أوهمه على وجوب الأقل واستحباب الأكثر كما في المنزوحات وغيرها.

إذ فيه أن الممنوع من التخيير بين الأقل والأكثر إذا فرض حصول الامتثال بالأقل ولو في ضمن الأكثر ، أما إذا لم يحصل الامتثال به إلا حال عدم كونه جزء الأكثر فلا امتناع ، ضرورة صيرورة الأقل حينئذ بوصف الأقلية مقابلا للأكثر بل لا يتحقق في ضمنه أبدا ، إذ الذي هو جزؤه ذات الأقل لا هو مع وصفه ، لعدم معقولية اجتماع الضدين والمتقابلين ، فلا داعي حينئذ إلى ارتكاب التجوز بحمل الأمر بالأكثر كالتكرار ثلاثا ونحوه على القدر المشترك بين الواجب والمستحب ، وليس هو تركا لا إلى بدل ، إذ الأقل ملاحظا فيه وصف الأقلية بدل عن الأكثر الملاحظ فيه وصف الأكثرية ، فكل منهما حينئذ فرد لحصول ماهية التسبيح على التبادل ومنع الجمع بل يقوى في النظر عدم مدخلية القصد في ذلك ، لأن تشخصهما بما ذكرناه أمر خارجي لا يحتاج معه إلى القصد ، بل ولا يؤثر معه ، فلو جاء بالأقل مثلا بقصد أنه جزء من الأكثر فعدل وأراد الاقتصار عليه أجزأ ، كما أنه لو جاء به بقصد الامتثال به ثم عدل عنه إلى الأكثر وجاء به أجزأ أيضا ، لصدق امتثال الأمر بالأربع مثلا ، أو بالاثني‌

٤٣

عشر في كل من الفرضين ، وعدم تشخص المقصود بالقصد المزبور بحيث يخرج عن قابلية الجزئية أو الاستقلال ، ضرورة صدق الاثنى عشر على العدد المزبور وإن كان قد قصد بالأربعة الأول منه الاقتصار عليها فعدل عنه ، كصدق الأربعة على التي قصد بها أنه جزء الاثنى عشر فعدل عنه ، ولا تكون بذلك جزء له وإن لم يأت به كما هو واضح ، خصوصا لو لوحظ في المركبات الحسية من السرير والباب ونحوهما ، وليس هو من الأمرين الذين قصد امتثال أحدهما ووقع فلا يعدل منه إلى غيره ، بل هو أمر واحد وهما فردان له ، فلا يقاس على الأفعال المشتركة المأمور بكل واحد منها التي لا تتشخص إلا بالنية ، لوضوح الفرق بينهما من وجوه ، كوجود المشخص الخارجي واتحاد الأمر وغير ذلك.

بل لا فرق في النظر الدقيق فيما ذكرنا بين قصد العدول وعدمه ، ولا بين الشروع في الزيادة على الواحدة مثلا ثم عدل وعدمه ، ولا بين إكمالها ستة ثم عدل وعدمه لاشتراك الجميع في الوجه الذي ذكرناه من صدق الامتثال وحصول المشخص الخارجي القهري ، فلو فرض قصده الاثنى عشر وركع على الأربع مثلا سهوا كان امتثاله بها أو قصد الأربع فسها وجاء بالاثني عشر ، وهذا القصد لا ينافي النية الإجمالية المصححة لما وقع منه ، نعم لو نوى العدم بأن قصد الذكر المطلق الخارج عن الصلاة أو نحو ذلك اتجه عدم تحقق الامتثال به ، وكذا لو عدل بعد الستة مثلا ، ولا يرد خروجه عن صدق الأربعة والاثنى عشر حينئذ ، لأن المراد بتخيره بين الأربع والاثنى عشر أنه يمتثل بالفرد الأدنى ما لم يندرج في الفرد العالي كما هو ظاهر المقابلة بينهما ، لا أن المراد أربعة معتبر فيها نيتها لا غير كي ينافيها الفرض المزبور ، والزائد حينئذ الذي جي‌ء به بقصد الإدراج تحت الفرد الآخر ثم عدل عنه وقع لغوا بالنسبة إلى الامتثال ، لعدم ثبوته في الشرع فردا للمأمور به ، بل ظاهر التخيير في الأدلة بين الفردين مثلا عدمه ، وحينئذ‌

٤٤

فالامتثال بالأربع ما لم يأت بالاثني عشر ، ولا تقدح الزيادة المزبورة بعد فرض كونها ذكرا ووقعت بقصد المقدمية للفرد الآخر ولم يحصل.

وقد بان من جميع ذلك أنه إذا جاء المكلف بالأربع مثلا لا يحكم عليه بالامتثال بها وإن قصده بها إلى أن يركع ولم يأت بالاثني عشر ، لاحتمال عدوله مثلا ، وبالجملة امتثاله بما يعلم الله وقوعه منه من الأربع أو الاثنى عشر وإن كان هو لا ينكشف لنا ولا له إلا بعد ركوعه ، ودعوى أن المتخير بين القصر والإتمام لو قصد الإتمام فسلم ساهيا على الركعتين وجاء بما ينافي الصلاة من حدث ونحوه لم يمتثل ووجب عليه استئناف الصلاة يمكن منعها ، إلا أن تستند إلى دليل خاص أو نحوه ، إذ الظاهر اتحاد المقامين فيما ذكرنا ، كما أنه لا معنى بعد ما سمعت للاعتراض بأنه لا وجه للامتثال بالزائد بعد حصوله منه بالأربعة الأولى ، لما عرفت أن حصوله بها مطلقا غير معلوم ، بل هو كذلك إن اتفق أنه اقتصر عليها ، ولقد أطنب صاحب الحدائق في المقام حتى قال : إن كلام الأصحاب في المقام غير محرر بعد أن نقل جملة منه ، وجعل التحقيق عنده دوران الأمر مدار القصد وعدمه في تشخيص الفردين ، وأنه إن أراد من تعرض للمسألة من الأصحاب ذلك فمرحبا بالوفاق ، وإلا كان خارجا عن الصواب ، وظني والله أعلم أن المراد ما سمعت ، وأنه لا مدخلية للقصد فيه كما هو مقتضى إطلاق الأدلة ، وليس الخروج عن شبهة التخيير بين الأقل والأكثر موقوفا على ذلك كما أوضحناه ، فلاحظ وتأمل.

ولو لا مخالفة الاطناب لذكرنا جميع ذلك ، ودللنا على مواضع النظر من كلامه ، خصوصا ما ذكره في السؤال الأول بل والثالث الذي هو وجوب المضي والإيقاع على الوجه المأمور به من الطمأنينة ونحوها فيما شرع فيه من الزائد على الأربع وعدمه ، وتحقيق القول فيه بناء على المختار عدم وجوب المضي فيه عليه ، إذ له الاقتصار والركوع‌

٤٥

فيكون امتثاله بالفرد الأول ، وأما مراعاة الطمأنينة ونحوها فلا مدخلية لها فيما نحن فيه إذ إن كان لم يجز فللتشريع بناء على النهي عنه في الصلاة ، ضرورة قصده بما يذكره من الزائد الجزئية للصلاة ، والفرض وجوب الطمأنينة مثلا فيه ، فايقاعه بدون ذلك تشريع محرم كسائر الأجزاء التي اعتبر فيها بعض الأحوال ، ولو قلنا باقتضاء ذلك فساد خصوص الجزء لا الصلاة اتجه الصحة والاجتزاء بالأربعة الأول الجامعة للشرائط فالقول بوجوبه مطلقا أو التفصيل بين قصده الامتثال به فيجب ، أو الأقل فلا يجب مما لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه ، مع احتمال المناقشة في الأول بأن له العدول ، ودعوى قصر جوازه فيما إذا لم يشرع بالزيادة على الفرد الأول ممنوعة على مدعيها ، لعدم الشاهد لها إلا احتمال أن الفرد الأول قد صار جزء بالقصد والنية ، فلا يصلح لإرادة الامتثال به ، وهو ـ مع أن المتجه بناء عليه عدم الفرق بين الشروع في الزيادة وعدمه أولا ، ولا يمنع أصل العدول وإن استأنف الفرد الأدنى بقصد الامتثال به ثانيا ـ في غاية الضعف ، ضرورة عدم صيرورة مثله جزءا بمجرد النية مع فرض حصول مشخص خارجي له أخرجه عن الجزئية إلى الاستقلال ، وهو الاقتصار عليه ، ومجرد صلوحه للجزئية بتمام الاثنى عشر لا يحقق فيه وصف الجزئية فعلا قبل حصول مسمى الكل الذي هو جزؤه ، بل هو أشبه شي‌ء بالجزء من المركب الحسي ، كالخل بالنسبة إلى الاسكنجبين وبعض أجزاء السرير ونحوهما مما يقطع فيها بعدم تحقق معنى الجزئية فيها بمجرد النية حتى لو عدل إلى مركب آخر ، وإطلاق لفظ الجزء عليه منفردا على ضرب من المجاز كما هو محرر في محله ، ودعوى الفرق بين ما نحن فيه وبين المركبات الحسية الخارجية بأن تلك لها صورة خارجية تميز بينها من غير حاجة إلى القصد بل لا مدخلية للقصد فيها بخلاف الأفعال التي لا تتشخص إلا بالنية يدفعها وضوح أن المقام من قبيلها ، ضرورة حصول وصف الأربعة والاثنى عشر في الخارج‌

٤٦

بحيث لا يحتاج إلى القصد فيه ، بل لا مدخلية للقصد فيهما ، بخلاف الأفعال المشتركة بين صنفين ، ولا مخصص لما يقع منهما بأحدهما إلا النية كالأربع ركعات بالنسبة إلى الظهر أو العصر ، فتأمل جيدا.

وفي الثاني انه مع فرض قصد الامتثال بالأقل وحصوله به كما هو مختار المفصل قد يمنع جواز الزيادة للتشريع ، إذ لا دليل على الاستحباب بالخصوص ، والإتيان بها بعنوان الذكر المطلق غير مفروض البحث ، ولا أظنك بعد ذلك كله تحتاج إلى ما يفيد المقام وضوحا حتى بالنسبة إلى الفرق بينه وبين المسح بالرأس في الوضوء الذي ذكرنا فيه هناك أيضا البحث بنحو المقام ، وإن تعرض بعضهم له هنا بأن التخيير في المقام المزبور ينشأ من جهة تعدد أفراد المسح ، وفي المقام من جهة الجمع بين الأدلة ، فقد يقال هناك حينئذ بعدمه ، وأن الزائد على مسمى المسح مستحب صرف ، بخلاف المقام الذي قد عرفت أن الجمع بين الأدلة يقتضي ذلك فيه ، ولعله لذا حكي عن بعضهم الاستحباب هناك والوجوب التخييري هنا ، ولا ينافيه إطلاق اسم المستحب عليه أو الأفضل أو نحوهما ، ضرورة إرادة أفضلية الأفراد منه كما في سائر الواجبات التخييرية ، على أنه قد يقال بحصول معنى الاستحباب المتعارف فيه أيضا ، لجواز تركه لا إلى بدل يقوم مقامه من حيث الفضل والاستحباب وإن كان له بدل من حيث الوجوب ، أقصاه اجتماع الوجوب والاستحباب للجهتين ، ولا ضرر فيه ، انما الممنوع مع اتحاد الجهة أو ما هو بمنزلة اتحادها.

والظاهر وجوب الترتيب في التسبيحات الأربع وفاقا للمشهور بل الجميع إلا الشاذ ، للاحتياط ، ولظهور الأمر بقوله فيه ، ضرورة جزئية الصورة من المركب ، والواو فيه لعطف أجزاء المقول بعضها على بعض لا للعطف على الأول بتقدير الأمر بالقول فيه كالأول كي يقال إن الواو فيه لمطلق الجمع ، فما عن الإسكافي والمصنف في‌

٤٧

المعتبر من القول بعدم وجوبه للأصل في غاية الضعف ، نعم قد يقال بناء على التخيير بين ما تضمنته النصوص التي منها صحيح الحلبي (١) الظاهر في فوات الترتيب في بعض الفصول يتجه عدمه في خصوص ذلك ، وربما أراد ذلك القائل بعدم وجوب الترتيب لا نفيه أصلا ، مع أنه قد يقوى عدمه أيضا ترجيحا لغيرها عليه بالنسبة إلى ذلك ، فيحمل على بيان الإشارة في الجملة إلى التسبيح المعروف التأليف لا أن المراد منه بيان كيفية أخرى للتسبيح ، فتأمل جيدا.

وكذا الظاهر بقاء التخيير بين التسبيح والقراءة وإن شرع في أحدهما ولم يتمه لا للإطلاق ، لإمكان دعوى ظهوره في الابتداء ، بل للاستصحاب الذي لا يعارضه إطلاق النهي عن الزيادة في الصلاة لخصوصه ، فيحكم عليه ، إذ الخاص وإن كان استصحابا يحكم على العام وإن كان كتابا ، مع أنه قد يقال بعدم شمول النهي المزبور لمثل المقام أو يشك فيه ، ضرورة ظهوره في القصد إلى الزيادة والعمد إليها حتى يكون تشريعا محرما ، أما إذا جي‌ء به مقدمة لتحصيل مسمى الجزء المأمور به فعدل عنه قبل تحقق الامتثال به فليس زيادة منهيا عنها ولا تشريع ، لوقوعه منه بقصد المقدمية ، وليس ما أوقعه قبل الإتمام كان مأمورا به بالخصوص كي يقال : إنه تحقق الامتثال فلا معنى للعدول عنه ، لأن من الواضح عدم أمر أصلي بكل حرف من حروف الفاتحة مثلا ، بل يفعلها المكلف تحصيلا لمسمى الفاتحة ، وبعد تمامها تكون جزءا من المأمور به لا قبله ، ولا ما إذا عدل عنه بحيث انتفى اسم ذلك المركب ، إذ أجزاء المركب من حيث التركيب لا تقوم بنفسها مع انتفاء التركيب ، وإطلاق الأجزاء في مثل الحال المزبور على ضرب من التجوز ، وحينئذ لا يختص جواز العدول وإبطال ما شرع فيه من الجزء بالمقام ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١.

٤٨

بل له ذلك أيضا في التشهد وفي قراءة الفاتحة في الأولتين وغير هما ، ولعله عليه بنى من قال ببطلان القراءة خاصة إذا فوت الموالاة عمدا بقراءة شي‌ء بينها أو بسكوت كما أشرنا إليه سابقا في المباحث المتقدمة.

نعم قد يقال باعتبار بطلان ما شرع فيه من الجزء وخروجه عن صلاحية المقدمية والقابلية للامتثال بالإتمام في جواز الاستئناف ، لسقوط الأمر المقدمي به ، ونية استقبال غيره لا تكفي في إبطاله ، ضرورة عدم خروجه بذلك عن القابلية ، ولذا لو أراد العدول اليه بعد النية المزبورة صح ، اللهم إلا أن يقال إن الصلاحية المزبورة لا تنافي استئناف مقدمة أخرى بها تصدق أيضا قراءة الفاتحة وإن كان بحيث لو أتممت الأولى لصدق ذلك أيضا ، فحينئذ له الاستئناف وإن لم يخرج ما وقع منه عن القابلية ، لكن الإنصاف أن ذلك كله لا يخلو من بحث وإن كان له شواهد كثيرة فيما سبق من المباحث ، فبناء ما نحن فيه على ما ذكرناه أولا أولى ، ولا ينافيه ما في الذكرى من حرمة إبطال العمل لإمكان منع عمومها خصوصا لنحو المقام.

ولو قصد التسبيح مثلا فغلط وسبق لسانه إلى الفاتحة فالظاهر عدم الاجتزاء به لفقد النية الإجمالية والتفصيلية ، ضرورة كون الواقع منه مقصودا عدمه ، نعم لو كان قد فعل ذلك سهوا صح بالنية الإجمالية وإن كان من عادته خلاف ما وقع منه ، بل وإن كان عازما قبل على غيره ، لعدم منافاة العزم المزبور لذلك ، بل الظاهر الصحة حتى لو كان قد لاحظ أحدهما في أصل نية الصلاة عند التكبيرة فسها ووقع منه غيره ، إذ الظاهر أن نية ذلك لا تشخص خطاب الصلاة به ، فبمجرد نيتها على ما شرعت عليه يتوجه إليه الأمر بأحدهما ، وفيه بحث أومأنا إليه في الأبحاث السابقة ، فالاحتياط لا ينبغي تركه.

وعلى كل حال فالظاهر عدم اعتبار اتفاق الركعتين فيما يختاره من الفردين‌

٤٩

للإطلاق ، بل لعل في بعض الأخبار (١) إشعارا به بالخصوص كما اعترف به في الذكرى فله حينئذ القراءة في ركعة والتسبيح في أخرى ، والله أعلم.

المسألة السادسة من قرأ سورة من سور العزائم في النوافل جاز بلا خلاف بل النصوص (٢) بالخصوص منطوقا ومفهوما دالة عليه كالإجماع بقسميه ، نعم يجب أن يسجد في موضع السجود كما صرح به بعضهم ، بل لعل هو مراد من صرح به من غير ذكر للوجوب ، إذ الظاهر أنه متى جاز وجب ، لإطلاق أدلة فوريته السالم عن المعارض بعد عدم ثبوت منافاته للنافلة أو ثبوت عدمها ، ومن هنا أمكن تعميم المقام السجدة الشكر ونحوها كما يومي اليه ما في جامع المقاصد وغيره ، ول خبر علي بن جعفر (٣) المروي عن كتاب مسائله لأخيه المتقدم سابقا في قراءة العزائم ، فإنه صريح في النافلة ، ول صحيح الحلبي (٤) وموثق سماعة (٥) المضمر المحمولين على النافلة بالقرينة ، قال في أولهما : سئل الصادق عليه‌السلام « عن الرجل يقرأ بالسجدة في آخر السورة قال : يسجد ثم يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب ثم يركع ويسجد » وقال في ثانيهما : « من قرأ باسم ربك فإذا ختمها فليسجد ، فإذا قام فليقرأ فاتحة الكتاب وليركع » خلافا للمحكي عن الخلاف فجوز له السجود وعدمه ، ولا ريب في ضعفه كضعف المحكي عنه أيضا في غيره من الاجتزاء بالركوع عنه ، لقول علي عليه‌السلام في خبر وهب بن وهب (٦) : « إذا كان آخر السورة السجدة أجزأك أن تركع بها » إذ هو مع أن الراوي في غاية الضعف ظاهر في إرادة الاجتزاء عن استئناف قراءة أخرى بعد السجدة كما ستسمع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ و ٣٩ و ٤٠ ـ من أبواب القراءة في الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٣.

٥٠

استحبابه لا فيما ذكره ، إذ المحكي عن جميع النسخ الباء لا اللام ، لا أقل من الاحتمال المبطل للاستدلال وكذا الحكم إن قرأ غيره وهو يستمع بل وإن سمع بناء على وجوبها به كالاستماع ، لما عرفت وللإجماع على الظاهر على عدم الفرق بينه وبين القراءة ، بل لعل ظاهر النصوص (١) ذلك وأن حكمه في غير النافلة كحكمه فيها.

وعلى كل حال إن لم تكن السجدة في آخر السورة يسجد ثم ينهض ويقرأ ما تخلف منها ويركع لأصالة عدم شي‌ء آخر غير ذلك وإن كان السجود في آخرها استحب له قراءة الحمد ليركع عن قراءة وللخبرين السابقين (٢) وفي المبسوط أو سورة أخرى أو آية ولعله لعموم التعليل الوارد في النافلة التي جي‌ء بقراءتها جالسا والأولى الأول ، ولو نسي السجدة فعلها إذا ذكر ، لأن‌ محمد بن مسلم (٣) سأل أحدهما في الصحيح « عن الرجل يقرأ السجدة فينساها حتى يركع ويسجد قال : يسجد إذا ذكر إذا كانت من العزائم ».

المسألة السابعة المعوذتان من القرآن ، ويجوز أن تقرأهما في الصلاة فرضها ونفلها نصا وإجماعا لا يقدح فيه خلاف ابن مسعود بعد انقراضه وتصريح الصادق عليه‌السلام (٤) بخطئه أو كذبه ، وأنه فعل ذلك من رأيه الذي لا ينبغي اتباعه فيه.

المسألة الثامنة الأكثر كما عن البحار بل في الحدائق أنه المشهور بين الأصحاب على وجوب تعيين السورة بعد الحمد قبل الشروع في البسملة المشتركة بين السور المتعددة فلا تتعين جزء من السورة الخاصة إلا بنيتها على حسب غيرها من المشتركات بين القرآن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب القراءة في الصلاة.

(٢) وهما صحيح الحلبي وموثق سماعة المتقدمان ص ٥٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٥.

٥١

وغيره ، وبين القصيدة المخصوصة وغيرها ، وإلا لزم الترجيح بلا مرجح ، أولا تكون بعضا من سورة أصلا ، وتبطل الصلاة حينئذ بناء على وجوب السورة الكاملة ، وعلى ذلك بنوا حرمة مس كتابة المشترك بين القرآن وغيره مع فرض قصد الكاتب الأول وحرمة قراءة البسملة بقصد العزيمة في الصلاة ، وعلى الجنب وغير ذلك من الفروع المبتنية على هذا الأصل.

وناقشهم الأردبيلي فيه هنا وتبعه جماعة ممن تأخر عنه بأن نية الصلاة يكفي لأجزائها اتفاقا ولو فعلت مع الغفلة والذهول ، ويكفيه قصد فعلها في الجملة ، واتباع البسملة بالسورة تعيين كونها جزءا لها ، وذلك كاف مع عدم تسليم اشتراط ذلك التعين قبل القراءة ، إلى أن قال : على أنه منقوض بالمشتركات الكثيرة مثل التخيير بين التسبيحات والفاتحة ، بل قراءة الفاتحة فإنها تحتمل وجوها غير قراءة الصلاة ، وكذا السورة والتسبيحات بل جميع الأفعال ، ويؤيده عدم وجوب تعيين القصر والإتمام في مواضع التخيير ، وعدم تعيين الواجب من الذكر مع التعدد واحتمال كل واحدة الواجبة لا الأولى فقط كما قيل.

وفيه أن من الواضح عدم مدخلية النية الإجمالية للصلاة في ذلك ، ضرورة أنها تؤثر الاستغناء عن التعرض لنية القربة والجزئية في كل جزء جزء إما للعسر والحرج أو لأن المدار في نية المركبات على ذلك ، حتى أنه يعد بسبب النية في الأول أن كل جزء منه منوي ، أو لغير ذلك مما هو مذكور في محله ، وهذا لا يؤثر في المقام ، لأن المقصود تعيين السورة التي يراد البسملة لها حتى تكون بعضها وتتم السورة ، ولا مدخلية لنية الصلاة فيه قطعا ، وما ذكره من النقض خارج عن البحث ، للفرق الواضح بينهما بتأثير النية الإجمالية فيه دونه ، والقصر والإتمام ليسا من مقومات العمل ، بل أي فرد جاء به المكلف أجزأ ، وستسمع البحث إن شاء الله في أذكار الركوع ، كما أنه تقدمت‌

٥٢

الإشارة إلى شي‌ء منه في تكبيرة الإحرام ، واتباع البسملة بالسورة المتعينة في نفسها لا يقضي بتشخيص كون البسملة منها ، إذ المتشخص يجدي في إثبات نفسه لا المشترك السابق عليه ، والحكم ظاهرا بكونه قاصدا بسملة هذه السورة تبعا لظاهر فعله غير مجد ، لأن البحث عن الواقع بعد العلم به ، اللهم إلا أن يريد بما ذكره من الاتباع المزبور أولا الإشارة إلى منع تشخيص نحو هذا الاشتراك بالنية ، بل هي انما تعين المشترك في الدلالة ، إذ بدونها يمتنع عقلا إرادة خصوص المعنى من اللفظ ، أما مثل هذا الاشتراك فتعيينه انما يحصل باتباعه بما يقضي أنه منه ، وإلا فبدون ذلك يصدق عليه أنه بعض من جميع ما اشترك فيه حتى لو قصد بعضيته من خاص ، ضرورة الصدق العرفي على البسملة التي لم يقصد بها سورة خاصة ، أو قصد أنها بعض وجزء من كل سورة كالبيت المشترك بين قصائد متعددة ، لأن المراد بصدق الجزء قبل حصول تمام المركب قابلية تأليف المركب منه مع باقي أجزائه ، وإلا فليس هو جزء فعلا كما في سائر المركبات الحسية وغيرها ، على أنه لا فرق بحسب الظاهر بين المقام وبين الكتابة بقصد سورة خاصة ثم عدل عنها إلى سورة أخرى ، فإنه لا ريب في صدق اسم كتابة السورة الخاصة عليه ، ومنع الصدق كمنع عدم الفرق مكابرة واضحة ، بل الظاهر عدم الفرق أيضا بينه وبين المركبات الحسية التي من المعلوم فيها صدق أسمائها على المؤلف وإن كان قد قصد ببعض أجزائها المشتركة بينها وبين غيرها غير المركب المفروض ، والصورة الخارجية لا تصلح فارقا بعد أن كان ما نحن فيه أيضا له صورة ذهنية كما يظهر بأدنى تأمل بعد قطع النظر عما شاع على الألسنة من أن المشترك يتعين بالنية ، مع أنه لم يعلم كون المراد بالمشترك ما يشمل نحو هذا الاشتراك ، ولعله لذلك كله تردد في كشف اللثام في المقصود بها سورة خاصة فضلا عن غيرها ، بل عن ظاهر المحكي عن البحار الجزم بعدم صيرورتها جزءا بذلك بحيث لا تصلح لصيرورتها جزء من غيرها ، محتجا بالكتابة‌

٥٣

وب خبر قرب الاسناد (١) الذي ستسمعه ، وبأنه يلزمهم اعتبار النية في باقي الألفاظ المشتركة غيرها ، كقول : الحمد لله وغيره ، مع أنهم لا يقولون به ، ويؤيده أن المراد بقصد كونها من هذه السورة مثل العزم على جعلها جزءا من سورة يشخصها بمشخصها من بين السور ، فهو من قبيل التشخيص بالغايات التي من المعلوم عدم صيرورتها به من المشخص كما هو واضح بأدنى تأمل ، وثانيا منع توقف التشخيص عليها ، بل قد يحصل بغيرها ، وهو الاتباع المزبور للصدق العرفي.

ولعله بذلك ينكشف لك الفرق بين هذا الاشتراك والاشتراك الدلالي بأن البحث في المقام يرجع إلى تنقيح موضوع سورة ، وأنه لا يعتبر فيه قصد البسملة بخلافه هناك ، فإن الأمر فيه عقلي ، ويزيده وضوحا أنه لو صرح الواضع بأن السورة عبارة عن القطعة من الكلام المفتتح بالبسملة مثلا وإن لم يقصد أنها منه ما كنا لنمنعه عليه ، وليس هكذا المشترك الدلالي ، وربما يومي إلى ذلك كله أو بعضه تصفح بعض كلمات المنكرين ، خصوصا ما حكي من شرح الوافية للسيد الصدر حيث جعل سند المنع ذلك محتجا عليه بصدق اسم السورة على الواقعة ممن لا قصد له أصلا ، ثم قال : ولو سلم مدخليته أي القصد فلا مانع من قيام غيره مقامه في التشخيص ، وهو الاتباع بالمتعين ويؤيد ذلك كله خلو كتب الأساطين من قدماء الأصحاب عنه ، وجهل أكثر المتشرعة به ، وغلبة عدم خطوره في البال للمتنبهين منهم مع عدم الإعادة للسورة وإن كان قبل الركوع ، مضافا إلى ظهور بعض نصوص المعراج كالمروي عن العلل منها في ذلك ، وظهور النصوص الواردة في العدول بسبب ترك الاستفصال فيها وغيره فيه أيضا كما ستسمعها في المسألة التاسعة ، بل ربما ادعي ظهور بعضها في المقصود خلافه فضلا عن غيره كالذاهل والغافل بحيث جرى على لسانه بسملة وسورة من غير قصد ، إذ هو كالمقطوع به منها.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٣.

٥٤

ومن هنا صرح بعض القائلين باعتبار التعيين بالاجتزاء بذلك ، قال في الذكرى : « متى انتقل أي من سورة إلى أخرى وجب إعادة البسملة تحقيقا للجزئية ، ولو بسمل بقصد الإطلاق أو لا بقصد سورة لم يجز بل يجب البسملة عند القصد ، أما لو جرى لسانه على بسملة وسورة فالأقرب الإجزاء ، لرواية أبي بصير (١) السالفة ، ولصدق الامتثال » وتبعه عليه غيره ممن تأخر عنه كالمحقق الثاني في تعليقه على الإرشاد وغيره فإنه ـ بعد أن حكى الاتفاق من القائلين بوجوب السورة على وجوب إعادة البسملة لمن قرأها بعد الحمد من غير قصد سورة بعد القصد ـ قال : ولو جرى على لسانه بسملة وسورة بحيث وجد نفسه في خلال السورة أجزأ على الأقرب للرواية ، وظاهر التعليل الثاني في الذكرى يقضي بثبوت البعضية من غير احتياج إلى نية لا أنه اجتزأ به للرواية وإن لم تحصل البعضية بحيث يحتاج حينئذ إلى تخصيص ما دل على وجوب السورة الكاملة في الصلاة ، ومن ذلك يعلم حينئذ أن المقام ليس من الاشتراك الذي يحتاج إلى النية ، وإلا لم يحصل في الفرض ، كما أن الظاهر عدم المنافاة بين ما ذكراه من الاجتزاء في الفرض المزبور وبين الأول الذي صرحا فيه بعدم الاجتزاء ، وهو قراءة البسملة لا بقصد سورة ، للفرق بينهما بنية الخلاف وعدمها كما أومأ إليه في كشف اللثام ، ضرورة أن الخلاف قصد غير السورة المقروة بقصد سورة أخرى مخصوصة غيرها ، أو بقصد الإطلاق المنافي للتعيين ، أو بتعمد عدم القصد إلى سورة مخصوصة من غير التفات إلى قصد الإطلاق ، وحينئذ يمكن تنزيل نحو ما وقع من الفاضل في القواعد والإرشاد وغيره من الحكم بإعادة البسملة على من لم يقصد سورة على نية الخلاف لا عدم النية ، فتكون الصحة حينئذ في صورة جريان اللسان اتفاقية بين الجميع أو غير معروفة الخلاف وإن كان الاستدلال بتوقف تعيين الاشتراك على النية قاضيا بشمول الجميع ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٤.

٥٥

إلا أنك قد عرفت ما فيه ، بل ذلك كله مماشاة ، وإلا فقد عرفت قوة الاجتزاء حال قصد الإطلاق أو عدم قصد سورة مخصوصة ، بل قد سمعت احتمال الاجتزاء مع قصد السورة المخصوصة ثم عدل فضلا عن غيره.

كما أنه يمكن القول بناء على اعتبار القصد في التعيين بأنه يكفي التعيين الإجمالي المقتضي تعينا في الواقع وإن لم يعلمه المكلف بخصوصه ، كما لو قصد بالبسملة أنها جزء من السورة التي يوقعها الله في خلده للصلاة ، وينكشف ذلك حينئذ بما يقع منه بعد البسملة ، إذ لا ريب في ارتفاع الاشتراك بذلك ، وصيرورته من المتشخص في نفسه ، ولذا صرح غير واحد بعدم وجوب قصد البسملة للحمد وللسورة المتعينة بنذر وشبهه ، أو بعدم معرفته غيرها ، أو بضيق الوقت إلا عنها ، أو بغير ذلك من المعينات ، إذ الظاهر أن وجه السقوط في ذلك عدم الاشتراك في التكليف ، فتكفي حينئذ نية الصلاة الإجمالية الأولية في تعيين البسملة جزءا من الفاتحة أو السورة ، ضرورة تشاغله بالمكلف به منها المفروض انحصاره في ذلك ، فلا يقدح ذهوله وغفلته ، فينحل في الحقيقة إلى نية التعيين ، وإلا فنفس تشخص المكلف به في نفسه لا يرفع أصل الاشتراك ، وهذا بعينه يمكن تقريره في الفرض المزبور أيضا ، بل يمكن دعوى عدم انفكاك المكلف عن هذا القصد الإجمالي المتضمن لقصد كون البسملة جزءا مما يقع منه من السورة وإن كان لا يعلم هو خصوص ما يقع منه ، إلا أنه متعين في نفسه ومعلوم عند الله ، فهو حينئذ كما لو قصد جزئية البسملة من السورة الموصوفة بكذا وفرض عدم انطباق الوصف إلا على سورة مخصوصة ، وعدم استحضاره ما ينطبق عليه الوصف من السور كعدم استحضاره أصل القصد في حال الغفلة والذهول غير قادحين ، إذ الاستحضار أمر زائد على القصد المشخص ، فتأمل جيدا.

٥٦

وقد يعلم من التأمل في ذلك الحكم فيما فرعوه هنا بناء على اعتبار التعيين من الاكتفاء بالعادة ، وبالعزم السابق على الشروع في الصلاة أو بعده قبل القراءة أو بعدها قبل الفراغ من الفاتحة ، أو يعتبر خصوص القصد المقارن ، حتى أن المحقق الثاني رحمه‌الله توقف في ذلك ، وقال : إني لا أعلم شيئا يقتضي الاكتفاء أو عدمه بأن يقال : إن كانت العادة أو العزم أورثا داعيا في النفس ينبعث عنه الفعل اتجهت الصحة وإلا فلا ، ضرورة حصول القصد في الأول وإن لم يعلم بحضوره ، بخلافه في الثاني لمساواته من لم تكن له عادة أو عزم أصلا ، نعم يندرجان في صورة جريان اللسان مع فرض عدم تجدد قصد آخر لهما ، وقد عرفت الحال فيها ، والله أعلم.

المسألة التاسعة لا خلاف أجده بين الأصحاب في جواز العدول من سورة إلى أخرى في الجملة ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه ، كما أنه يمكن دعوى تواتر النصوص معنى فيه أيضا ، فقد‌ قال عمرو بن أبي نصر (١) للصادق عليه‌السلام في الصحيح : « الرجل يقوم في الصلاة يريد أن يقرأ سورة فيقرأ قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون فقال : يرجع من كل سورة إلا قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون » وقال له عليه‌السلام الحلبي أيضا في الصحيح (٢) أيضا : « رجل قرأ في الغداة سورة قل هو الله أحد قال : لا بأس ، ومن افتتح سورة ثم بدا له أن يرجع في سورة غيرها فلا بأس إلا قل هو الله أحد لا يرجع منها إلى غيرها ، وكذلك قل يا أيها الكافرون » وسأله (ع) أيضا عبيد بن زرارة (٣) في الموثق « عن رجل أراد أن يقرأ في سورة فأخذ في أخرى فقال : فليرجع إلى السورة الأولى إلا أن يقرأ بقل هو الله أحد ـ وقال له (ع) أيضا ـ : رجل صلى الجمعة فأراد أن يقرأ سورة الجمعة فقرأ قل هو الله أحد فقال :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٢.

(٣) التهذيب ج ٣ ـ ص ٢٤٢ من طبعة النجف.

٥٧

يعود إلى سورة الجمعة » وقال له (ع) أيضا في الموثق (١) « في الرجل يريد أن يقرأ السورة فيقرأ غيرها فقال : له أن يرجع ما بينه وبين أن يقرأ ثلثيها » وقال هو (ع) أيضا للحلبي في الصحيح (٢) من غير سبق سؤال : « إذا افتتحت صلاتك بقل هو الله أحد وأنت تريد أن تقرأ غيرها فامض فيها ولا ترجع إلا أن تكون في يوم الجمعة فإنك ترجع إلى الجمعة والمنافقين » وقال محمد بن مسلم لأحدهما عليهما‌السلام في الصحيح (٣) أيضا : « في الرجل يريد أن يقرأ سورة الجمعة في الجمعة فيقرأ قل هو الله أحد قال : يرجع إلى سورة الجمعة » وسأل علي بن جعفر أخاه عليه‌السلام في قرب الاسناد (٤) وعن كتاب المسائل له أيضا « عن الرجل إذا أراد أن يقرأ سورة فقرأ غيرها هل يصلح له أن يقرأ نصفها ـ وعن كتاب المسائل بعد أن يقرأ نصفها أن رجع إلى آخره ـ ثم يرجع إلى السورة التي أراد قال : نعم ما لم يكن قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون » ثم قال (٥) : « وسألته عن القراءة في الجمعة بما يقرأ؟ قال : سورة الجمعة وإذا جاءك المنافقون ، وإن أخذت في غيرها وإن كان قل هو الله أحد فاقطعها من أولها وارجع إليها » وقال عبيد الله بن علي الحلبي وأبو الصباح الكناني وأبو بصير كلهم (٦) للصادق عليه‌السلام أيضا في الصحيح : « في الرجل يقرأ في المكتوبة بنصف سورة ثم ينسى فيأخذ في أخرى حتى يفرغ منها ثم يذكر قبل أن يركع قال : يركع ولا يضره » وفيما حضرني من نسخة الذكرى عن‌ نوادر البزنطي عن أبي العباس (٧) « في الرجل يريد أن يقرأ السورة فيقرأ في أخرى قال : يرجع إلى التي يريد وإن بلغ النصف » لكن عن‌ البحار روايتها عن الذكرى مسندة إلى أبي عبد الله عليه‌السلام وعن فقه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٩ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦٩ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦٩ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٤.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٤.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٣.

٥٨

الرضا عليه‌السلام (١) قال العالم عليه‌السلام : « لا يجمع بين السورتين في الفريضة » وسئل (٢) « عن الرجل يقرأ في المكتوبة نصف السورة ثم ينسى فيأخذ في الأخرى حتى يفرغ منها ثم يذكر قبل أن يركع قال : لا بأس به » (٣) « وتقرأ في صلاتك كلها يوم الجمعة وليلة الجمعة سورة الجمعة والمنافقين وسبح اسم ربك الأعلى ، وإن نسيتها أو واحدة فلا إعادة عليك ، فان ذكرتها من قبل أن تقرأ نصف سورة فارجع إلى سورة الجمعة ، وإن لم تذكرها إلا بعد ما قرأت نصف سورة فامض في صلاتك » وعن كتاب‌ دعائم الإسلام (٤) روينا عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام أنه قال : « من بدأ بالقراءة في الصلاة بسورة ثم رأى أن يتركها ويأخذ في غيرها فله ذلك ما لم يأخذ في نصف السورة الأخرى إلا أن يكون بدأ بقل هو الله أحد فإنه لا يقطعها ، وكذلك سورة الجمعة أو سورة المنافقين في الجمعة لا يقطعهما إلى غيرهما ، وإن بدأ بقل هو الله قطعها ورجع إلى سورة الجمعة أو سورة المنافقين في صلاة الجمعة تجزيه خاصة ».

كل ذلك مضافا إلى صدق اسم الصلاة مع العدول ، فجميع الإطلاقات حينئذ تقضي بالصحة ، وإلى استصحاب بقاء التخيير بين السور التي قد عرفت سابقا عدم صلاحية معارضة النهي عن الزيادة له لخصوصه ، أو لقصوره عن تناول مثل ذلك مما يفعل بعنوان امتثال الأمر ، كما أوضحناه سابقا ، وعليه حينئذ لا يختص جواز العدول في المقام ، بل هو في كل كلي مخير في أفراده قبل حصول تمام الامتثال ، نعم ظاهر النصوص هنا عدم اعتبار خروج ما وقع عن قابلية الامتثال مع الإتمام بفوات الموالاة‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٥.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١ مع نقصان.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١ مع نقصان.

٥٩

ونحوها في الشروع بالسورة المعدول إليها ، وكأنه لعدم حصول الامتثال بعد ، وعدم التنافي بين قابليته وبين وقوع الامتثال بفرد آخر للكلي ، وقد يحتمل الاشتراك بدعوى عدم الخطاب فعلا بالسورة ، بل يحضر الخطاب بالإتمام أو الإبطال ، فيتحقق حينئذ خطاب السورة ، وبأنه وإن قلنا : إن خطاب الجزء مقدمي لكن له امتثال أيضا بحسب حاله ، فمع فرض صحته لا خطاب بآخر مثله ، فهو كالوضوء إذا أراد إبطاله واستئناف فرد آخر أكمل من الأول أو أحوط ، والفرق بينهما بأن الفرض في المقام فرد آخر وفي الوضوء تكرير الفرد يدفعه ـ مع إمكان تغاير الفردين في الوضوء بالكمال أو الاحتياط أو غيرهما ـ أنه لا فرق بينهما عند التأمل ، وبأنه لم يعرض له ما يبطله ويذهب صحته المترتبة عليه بحسب حاله ، ونية الإعراض عنه وإبطاله لا تؤثر ، ولذا لو عدل وفرض عدم فوات الموالاة أجزأه الإكمال ، وبغير ذلك مما لا يخفى بعد ما ذكرنا.

وعلى كل حال فلا إشكال في جواز العدول في الجملة ، إنما البحث في تحديده ومحله ، والإجماع بقسميه على جوازه قبل بلوغ النصف ، مضافا إلى الأدلة السابقة ، كما أن الظاهر تحقق الإجماع أيضا على عدم جوازه بعد تجاوز النصف كما اعترف به في مجمع البرهان ، بل في الحدائق أنه حكاه جماعة منهم الشهيد الثاني في الروض أيضا ، وبذلك يخرج عن إطلاق النصوص ، ومن العجيب ما في كشف الأستاذ من جوازه بعد ذلك إلى الثلثين لموثق عبيد بن زرارة (١) السابق ، إذ هو وإن كان متجها بالنظر إلى النصوص لعدم معارض معتد به منها له ، مع تأيده بالأصل وغيره مما عرفت ، لكن الإجماع الذي سمعت شاهد بخلافه ، وكفى به شاهدا.

أما النصف ففي الذكرى عن الأكثر اعتبار عدم بلوغه في جواز العدول ، وقد يشهد التتبع بخلافه ، وأن الأكثر على اعتبار عدم مجاوزة النصف في جواز العدول ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٢.

٦٠