جواهر الكلام - ج ١٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

كما لا يخفى على من لاحظهما ، وطريقه إلى زرارة معروف الصحة ، على أنه في الخصال ذكر السند تاما ، فظهر لك من ذلك كله أن القول المزبور كسابقه في غاية السقوط.

نعم ظاهر المصنف وغيره ـ حتى معقد إجماع الخلاف ، والنسبة إلى الأصحاب في كشف الرموز ، والشهرة في غيره ، بل لعله المحصل من إطلاق الأكثر ـ أنه لا فرق في ذلك بين الامام والمأموم ، لكن في كشف اللثام عن الهداية والمراسم والمعتبر والتذكرة والنهاية والمبسوط والكافي والمهذب والوسيلة والإصباح والجامع للإمام خاصة ، قال : وإن لم ينفهما ما خلا الأربعة الأولى عن غيره ، والنفي نص المعتبر والتذكرة وظاهر الأولين ، قلت : يمكن تعبيرهم بذلك حتى المعتبر والتذكرة الذين قد ادعي صراحتهما تبعا لبعض النصوص ، واعتمادا على معروفية متابعة المأموم للإمام في قنوت غير الجمعة فضلا عنها ، بل وغير القنوت من الأفعال والأقوال ، فلعل المراد بالإمام الكناية عن صلاة الجمعة ، وبغيره الصلاة ظهرا جامعا أو منفردا كما هو ظاهر المقابلة في صحيح معاوية ابن عمار (١) وغيره.

ومنه حينئذ يظهر ضعف الاستدلال بنحو هذا التعبير في النصوص بحيث يقيد به إطلاق غيرها ، كصحيح أبي بصير (٢) وموثق سماعة (٣) بل بعضها كالصريح في إرادة الامام والمأموم ، على أن التعبير بالإمام في نحو صحيح زرارة (٤) لا يقتضي النفي عن غيره ، فاحتمال التفصيل أو القول به في غاية الضعف ، بل يمكن دعوى تسالم الأصحاب على خلافه ، لأنه لم يعهد من أحد منهم تحرير نزاع فيه ، خصوصا ممن عادته تتبع الأقل من ذلك كما لا يخفى على الخبير الممارس.

ومن الغريب ما وقع في الحدائق هنا من نسبة التفصيل بين إمام الأصل وغيره إلى المحقق في المعتبر ، فخص القنوتين به دون غيره وإن كان إماما في الجمعة إلا أنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ١٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٤.

٣٨١

يقنت حينئذ في الركعة الأولى ، وأطال في رده ، وكأنه لم يعثر على من عبر بالإمام غيره ، وما أدري ما الذي أوهمه من عبارة المحقق حتى ادعى عليه ذلك الذي لا أثر له في شي‌ء من النصوص والفتاوى ، بل هي صريحة في خلافه حتى الذي ذكره منها في المعتبر أيضا ، وليس فيه إلا قوله : والذي يظهر أن الامام يقنت قنوتين إذا صلى جمعة ركعتين ، ومن عداه يقنت مرة جامعا كان أو منفردا ، ويدل على ذلك رواية أبي بصير (١) ثم ذكر رواية سماعة (٢) وصحيحة معاوية (٣) ورواية عمر بن حنظلة (٤) وهو كما ترى لا دلالة فيه على ذلك ، خصوصا والمعروف من لفظ الإمام في هذه المقامات إمام الجماعة دون غيره.

وكذا ما أنكره على العلامة في المنتهى حيث قال فيه بعد ذكر جملة من النصوص السابقة : وهذه الأخبار وإن اختلفت في الوجه الأول أي القنوتين فلا يضر اختلافها إذ هو فعل مستحب ، وذلك يحتمل الاختلاف لاختلاف الأوقات والأحوال ، فتارة تبالغ الأئمة عليهم‌السلام في الأمر بالكمال ، وتارة تقتصر على ما يحصل معه بعض المندوب ، ولا استبعاد في ذلك ، ومما يؤيده ما رواه‌ الشيخ في الصحيح عن داود بن الحصين (٥) قال : « سمعت معمر بن أبي رئاب يسأل أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا حاضر عن القنوت في الجمعة قال : ليس فيها قنوت » وعن‌ عبد الملك بن عمرو (٦) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : قنوت الجمعة في الركعة الأولى قبل الركوع وفي الثانية بعد الركوع فقال : لا قبل الركوع ولا بعد » فها هنا اقتصر على فعل الصلاة من غير قنوت إشعارا باستحبابه وأنه ليس قنوتا واجبا ، وهو كلام جيد جدا مبني على إرادة المستحب في المستحب من الإطلاق والتقييد ولو في خصوص المقام بشهادة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب القنوت الحديث ١٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب القنوت الحديث ٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب القنوت الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب القنوت الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب القنوت الحديث ١٠.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب القنوت الحديث ٩.

٣٨٢

النصوص ، وما في الحدائق من أن الظاهر خلاف ذلك غرورا بظهور بعض النصوص المبني سؤالها عن إرادة الأفضل ونحوه وغفلة عن أمثال هذه القواعد في أمثال هذه المقامات في غاية الضعف.

وقد ظهر لك من ذلك كله أنه لا محيص عن القول بالقنوتين ، وأنه في الأولى قبل الركوع ، وفي الثانية بعد الركوع فما عساه يظهر ـ من التوقف في المحكي عن المرتضى حيث اقتصر على ذكر اختلاف الرواية ، فقال : روي أن الامام يقنت في الأولى قبل الركوع وكذا من خلفه ، وروي أنه يقنت في الأولى قبل الركوع وفي الثانية بعده ـ في غير محله ، كالمحكي عن الحسن والتقي من القول بالقنوتين إلا أنهما معا قبل الركوع تمسكا بالإطلاقات السابقة التي يجب الخروج عنها هنا بما عرفت من النصوص وغيرها ، ولبعد إعراضهما عن مثل النصوص المزبورة تأول بعض متأخري المتأخرين كما قيل المنقول من كلاميهما في المختلف وأرجعه إلى القول المشهور ، ويؤيده أنه في المنتهى نسب إلى الحسن موافقة المشهور وأنه لا صراحة في المحكي من كلاميهما بخصوص المقام ، نعم أطلقوا قبلية القنوت على الركوع وأن في الجمعة قنوتين ، فاستفادوا منهما معا ذلك ، ولعلهما لا يريدان بالإطلاق هذا الفرد ، فتأمل جيدا.

ثم ليعلم أن ظاهر المصنف وغيره اختصاص الجمعة من بين الفرائض بالتعدد المزبور ، وهو كذلك للأصل ، نعم قد يتفق ذلك كمسبوقية المأموم فإنه يقنت متابعة للإمام ويأتي بالقنوت في محله ، وربما يزيد على اثنين في بعض صور تغير الامام ، ولا ينافي ذلك‌ موثق عبد الرحمن أو صحيحه (١) عن الصادق عليه‌السلام « في الرجل يدخل في الركعة الأخيرة من الغداة مع الامام فقنت الإمام أيقنت معه؟ قال : نعم ، ويجزيه من القنوت لنفسه » ضرورة إرادة الرخصة منه كما يشعر به لفظ الاجزاء فيه ، إذ احتمال‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ١.

٣٨٣

تقييد جميع تلك الأدلة بمثل هذا الخبر المعلوم بناء القنوت الأول فيه على المتابعة التي لا تجزي عن الأصل كما في التشهد وغيره بعيد جدا.

وكيف كان فـ ( لو نسيه ) أي القنوت قضاه بعد الركوع بلا خلاف أجده في الفتاوى بعد إرادة مطلق الفعل من القضاء ، بل والنصوص (١) عدا‌ صحيح معاوية بن عمار (٢) « سألته عن الرجل ينسى القنوت حتى يركع أيقنت؟ قال : لا » المحمول على نفي الوجوب بشهادة المروي‌ عن كتاب علي بن جعفر (٣) عن أخيه ، قال : « سألته عن رجل نسي القنوت حتى ركع ما حاله؟ قال : تمت صلاته ولا شي‌ء عليه » مع أنه رواه في‌ الفقيه (٤) عنه في خصوص الوتر ، قال : « سأل معاوية بن عمار أبا عبد الله عليه‌السلام عن القنوت في الوتر قال : قبل الركوع ، قال : فان نسيت أقنت إذا رفعت رأسي فقال : لا » ثم قال الصدوق : إنما منع الصادق عليه‌السلام من ذلك في الوتر والغداة خلافا للعامة ، لأنهم يقتنون فيهما بعد الركوع ، وإنما أطلق ذلك في سائر الصلوات لأن جمهور العامة لا يرون القنوت فيها ، وربما يشم منه الخلاف في ذلك ، ولعله لا يريده ، ولم نعثر على ما أرسله في خصوص الغداة والأمر سهل بعد ظهور الإطلاق من الأدلة بحيث لا يحكم على أصل المشروعية المستفاد منها بذلك.

نعم ظاهرها بعد ركوع الركعة الثانية ، فإثبات مشروعية فعله لو ذكره في غيره من أحوال الصلاة تمسكا بإطلاق قوله بعد الركوع كما ترى ، ولعله من هنا قال جماعة من الأصحاب : لو لم يذكر إلا بعد فوات المحل المزبور قضاه بعد الفراغ منها ، بل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب القنوت.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٥.

٣٨٤

عن الروض أنه قاله الشيخ والأصحاب ، ولعله لخبر أبي بصير (١) قال : « سمعته يذكر عند أبي عبد الله عليه‌السلام قال : في الرجل إذا سها في القنوت قنت بعد ما ينصرف وهو جالس » وفي‌ صحيح زرارة (٢) « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : رجل ينسى القنوت فذكره وهو في بعض الطريق فقال : ليستقبل القبلة ثم ليقله ، ثم قال : إني لأكره للرجل أن يرغب عن سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو يدعها » إذ احتمال تخصيص ذلك بما إذا ذكره بعد الفراغ لا ما إذا ذكره في الصلاة بعد فوات محل تداركه فيها بعيد جدا ، بل هو مخالف لذيل خبر زرارة المزبور ، وأضعف منه ما عساه يظهر من المبسوط من أنه لا قضاء له إلا فيما بعد الركوع ، فان فاته فلا قضاء عليه ، إذ هو مخالف لصريح الخبرين ، نعم ليس في شي‌ء من نصوص المقام التعبير بلفظ القضاء ، وفي المنتهى هل هو أداء أو قضاء؟ فيه تردد ، ثم رجح القضاء ، قلت : قد يريد من عبر من الأصحاب بالقضاء مطلق الفعل لا الاصطلاحي ، ضرورة اختصاصه بالموقتات التي يراعى الوقت فيها أصالة لا لازما ، فحينئذ دخول أمثال ذلك تحت القضاء المصطلح لا يخلو من نظر ، على أن ثمرة البحث عندنا ساقطة بسقوط وجوب التعرض لنية الأداء والقضاء ، ودعوى إيجاب نية هذا التدارك وإن لم تسمه بالقضاء ممنوعة في الذي يتدارك في أثناء الصلاة ، ضرورة كونه كغيره من الأجزاء التي تتدارك قبل الدخول في الركن والظاهر الاكتفاء عن ذلك بنية الصلاة ، أما الذي يفعل خارج الصلاة فلا بد من ملاحظة ما يشخصه عن غيره بنية التدارك أو غيرها كما هو واضح ، فتأمل.

المستحب الثالث شغل النظر في حال قيامه إلى موضع سجوده بلا خلاف أجده فيه ، لقول الباقر عليه‌السلام في صحيح زرارة (٣) : « إذا قمت للصلاة فلا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة ـ الحديث ٣.

٣٨٥

تلصق قدمك بالأخرى ، دع بينهما فصلا ، إصبعا أقل ذلك إلى شبر أكثره ، وأسدل منكبيك ، وأرسل يديك ، ولا تشبك أصابعك ، وليكونا على فخذيك قبالة ركبتيك ، وليكن نظرك إلى موضع سجودك » بل في‌ خبر غياث (١) عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام « لا تجاوز بطرفك في الصلاة موضع سجودك » ولأنه أوفق بالخشوع والخضوع والاستكانة المطلوبة في الصلاة ، والظاهر إرادة مجموع النظر لا البعض ، خصوصا بعد‌ قوله عليه‌السلام أيضا في صحيح زرارة (٢) : « اجمع بصرك ولا ترفعه إلى السماء » مما هو ظاهر في مطلوبية جمع البصر في غير حال القيام أيضا ، والعمى مسقط لهذا المستحب مع احتمال ندب الصورة مع الإمكان ، كما أنه يقوى البقاء في الظلمة ونحوها فيوجهه حينئذ إلى الجهة وإن لم يحصل به أبصار ، وكذا لا يسقطه ذهاب إحدى العينين قطعا ، والمراد بموضع السجود الجهة المنخفضة لا ما يسجد عليه فعلا ، فلا يجزي لو كان منقولا فرفعه اليه ، والمؤمي للركوع والسجود لا يسقط عنه النظر إلى موضع سجود الاختياري وإن فرض تكليفه الرفع اليه ، أما المضطجع ففي اعتبار الاختياري أو الاضطراري له إشكال ، كالإشكال في كثير من الأمور المتصورة في المقام التي لا تخفى بأدنى تأمل ، إلا أن الظاهر إرادة ما قبل الركوع من القيام لا المتعقب له ، فلا وظيفة له حينئذ كالهوي ، اللهم إلا أن يستند إلى إطلاق خبر غياث ، فتأمل.

وفي حال القنوت إلى باطن الكفين كما ذكره غير واحد من الأصحاب ، بل في جامع المقاصد نسبته إليهم ، إلا أني لم أجد به نصا بالخصوص ، ويمكن استفادته من مجموع ما ثبت (٣) من رفع اليدين تلقاء الوجه ومن كراهة التغميض في الصلاة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب القنوت.

٣٨٦

المروي في خبر مسمع (١) والأمر بجمع البصر وعدم رفعه إلى السماء المتقدم في خبر زرارة (٢).

وفي حال الركوع إلى ما بين رجليه لصحيح زرارة (٣) أيضا الذي لا يعارضه ما في صحيح حماد (٤) حتى قيل من جهته بالتخيير كما أوضحناه في بحث الركوع.

وفي حال السجود إلى طرف أنفه ، وفي حال التشهد إلى حجره كما ذكره غير واحد أيضا ، إلا أني لم أجد به نصا ، نعم في المحكي عن‌ فقه الرضا عليه‌السلام (٥) « ويكون بصرك في وقت السجود إلى أنفك ، وبين السجدتين في حجرك وكذلك في وقت التشهد » مؤيدا بأنه بعد كراهة التغميض أبلغ في الخشوع والإقبال على العبادة ومنه يستفاد استحبابه بين السجدتين إلى الحجر أيضا كما حكاه في الذكرى عن المفيد وسلار ، قال : وأطلق ابن البراج أن الجالس ينظر إلى حجره.

المستحب الرابع شغل اليدين بأن يكونا حال قيامه على فخذيه بحذاء ركبتيه لصحيح زرارة (٦) السابق ، وتعليم الصادق عليه‌السلام لحماد (٧) بناء على مساواة ما قبل تكبيرة الإحرام لما بعده فيه ، لأنه عليه‌السلام قد فعل ذلك قبل التكبير ، قال فيه : « فقام أبو عبد الله عليه‌السلام مستقبل القبلة منتصبا فأرسل يديه جميعا على فخذيه قد ضم أصابعه وقرب بين قدميه ـ إلى أن قال ـ : فقال : إنه كبر ثم قرأ الحمد بترتيل » وفي المنتهى « ويستحب له وضع يديه على فخذيه محاذيا لقبتي ركبتيه قد ضم أصابعهما ذكره علماؤنا ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة الحديث ١.

(٥) فقه الرضا عليه‌السلام ص ٨.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة الحديث ٣.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة الحديث ١.

٣٨٧

وفي حال القنوت تلقاء وجهه ، وفي حال الركوع على ركبتيه كما تقدم الكلام فيهما مفصلا في القنوت والركوع ، فلاحظ.

وفي حال السجود بحذاء أذنيه لما في‌ صحيح زرارة (١) « وابدأ بيديك فضعهما على الأرض قبل ركبتيك ، وتضعهما معا ، ولا تفترش ذراعيك افتراش السبع ذراعيه ، ولا تضعن ذراعيك على ركبتيك وفخذيك ، ولكن تجنح بمرفقيك ، ولا تلزق كفيك بركبتيك ، ولا تدنهما من وجهك بين ذلك بحيال منكبيك ، ولا تجعلهما بين يدي ركبتيك ، ولكن تحرفهما عن ذلك شيئا ، وابسطهما على الأرض بسطا ، واقبضهما إليك قبضا ، وإن كان تحتهما ثوب فلا يضرك ، وإن أفضيت بهما إلى الأرض فهو أفضل ولا تفرجن بين أصابعك في سجودك ، ولكن ضمهن جميعا » وفي‌ صحيح حماد (٢) المروي في الكافي « ثم سجد وبسط كفيه مضمومتي الأصابع بين يدي ركبتيه حيال وجهه ، وقال : سبحان » إلى آخره. والجمع بينهما ممكن ، كما أنه يمكن إرادة المصنف ذلك أيضا ، لقرب المعنى وعدم المداقة فيها ، ولعله مراد سيد المدارك حيث قال بعد ذكر الروايتين : والعمل بكل من الروايتين حسن إن شاء الله ، وفي التذكرة ويستحب وضعهما حال السجود حيال منكبيه مضمومتي الأصابع مبسوطتين موجهتين إلى القبلة ، وهو مذهب العلماء ، فتأمل.

وأما وضعهما في حال التشهد الشامل للتسليم على فخذيه فقد ذكره غير واحد من الأصحاب ، بل في المنتهى بعد أن عده في جملة غيره قال : ومستند ذلك كله عن أهل البيت عليهم‌السلام وفي التذكرة ويستحب وضعهما حالة الجلوس للتشهد وغيره على فخذيه مبسوطتين مضمومتي الأصابع بحذاء عيني ركبتيه عند علمائنا ، لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا قعد يدعو يضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويده‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة ـ الحديث ٢.

٣٨٨

اليسرى على فخذه اليسرى ، ويشير بإصبعه ، ونحوه من طريق الخاصة ولعل ذلك كاف في ثبوته.

ثم لا يخفى عليك كثير مما يمكن تفريعه هنا بملاحظة أحوال المصلي الاضطرارية وغيرها ، كما أنه لا يخفى عليك التفاوت بين الرجل والمرأة في المندوبات بعد أن تجمع صحيح حماد وصحيحي زرارة الواردة في الرجل التي قد ذكرنا أكثرها مفرقة على أجزاء الصلاة ، وموقوف زرارة (١) الوارد في المرأة الذي لا يقدح موقوفيته لو سلم قدح مثلها في حجيته هنا بعد عمل الأصحاب به كما اعترف به في الذكرى وغيرها ، مع أن الحكم ندبي ، قال فيه : « إذا كانت المرأة في الصلاة جمعت بين قدميها ولا تفرج بينهما وتضم يديها إلى صدرها لمكان ثدييها ، فإذا ركعت وضعت يديها فوق ركبتيها على فخذيها لئلا تطأطئ كثيرا فترتفع عجيزتها ، فإذا جلست فعلى إليتيها ليس كما يقعد الرجل وإذا سقطت للسجود بدأت بالقعود بالركبتين قبل اليدين ، ثم تسجد لاطئة بالأرض ، فإذا كانت في جلوسها ضمت فخذيها ورفعت ركبتيها ، وإذا نهضت انسلت انسلالا لا ترفع عجيزتها أولا » ويؤيده أيضا‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر ابن أبي يعفور (٢) : « إذا سجدت المرأة بسطت ذراعيها » وفي‌ خبر عبد الرحمن ابن أبي عبد الله (٣) قال : « سألته عن جلوس المرأة في الصلاة قال : تضم فخذيها » وخبر أبي بكر (٤) عن بعض أصحابنا قال : « المرأة إذا سجدت تضممت ، والرجل إذا سجد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٢ وفي النسخة الأصلية عبد الرحمن عن أبى عبد الله عليه‌السلام والصحيح ما أثبتناه.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٣.

٣٨٩

تفتح » قال في الذكرى : ولم يزد في التهذيب على هذه ، وهي غير واضحة الاتصال لكن الشهرة تؤيدها ، والأمر في ذلك كله سهل.

المستحب الخامس التعقيب إجماعا بين المسلمين إن لم يكن من ضروريات الدين ، بل هو المراد من قوله تعالى (١) ( فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ، وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ ) لقول الباقر والصادق عليهما‌السلام (٢) على ما عن المجمع : « إذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب إلى ربك في الدعاء ، وارغب إليه في مسألته يعطيك » بل‌ عن الصادق منهما عليهما‌السلام (٣) « هو الدعاء في دبر الصلوات وأنت جالس » وهو موافق لما في الجمل ، وعن المصباح والصحاح والقاموس والشيخ نجيب الدين من تفسيره بالجلوس بعد أداء الصلاة للدعاء والمسألة ، بل هو ظاهر كل من ذكر عن الصحاح ذلك من غير رد له كالمدارك وغيرها ، بل عن ابن الأثير تفسيره بأنه الإقامة في المصلى بعد ما يفرغ من الصلاة ، وظاهره الاكتفاء به عن الدعاء والذكر ونحوهما كما عن البحار عن بعض الأصحاب احتماله ، إلا أنه كما ترى بعيد ، والمنساق من النصوص خلافه ، بل ظاهر الشهيد الثاني وصريح المحقق الأردبيلي والفاضل الأصبهاني وغيرهم من متأخري المتأخرين الاكتفاء فيه بالدعاء والذكر بعد الصلاة على أي حال كان جالسا أو ماشيا أو راكبا أو غير ذلك ، فيكون حينئذ الطهارة والجلوس ونحوهما من وظائف كماله لا شروطه ، وقد أنهاها في المحكي عن النفلية إلى عشرة ، ولعله لإطلاق التعقيب وإطلاق ما ورد من الأمر بخصوص بعض الأذكار والأدعية بعد الصلوات مما هو معلوم إرادة التعقيب منه وخبر الوليد بن صبيح (٤) عن الصادق عليه‌السلام « التعقيب أبلغ في طلب الرزق من‌

__________________

(١) سورة الانشراح ـ الآية ٨.

(٢) تفسير الصافي سورة الانشراح ـ الآية ٨.

(٣) تفسير الصافي سورة الانشراح ـ الآية ٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ١.

٣٩٠

الضرب في البلاد يعني بالتعقيب الدعاء بعقب الصلوات » فإنه حجة وإن كان من الراوي ، وخبر حماد بن عثمان (١) قال للصادق عليه‌السلام : « تكون للرجل الحاجة يخاف فوتها فقال : يدلج وليذكر الله عز وجل فإنه في تعقيب ما دام على وضوء » وصحيح هشام بن سالم (٢) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني أخرج في الحاجة وأحب أن أكون معقبا فقال : إن كنت على وضوء فأنت معقب » ومرسل الفقيه (٣) قال الصادق عليه‌السلام : « المؤمن معقب ما دام على وضوئه ».

فما ورد حينئذ في خصوص بعض الأذكار كتسبيح الزهراء (ع) (٤) والتكبيرات الثلاث (٥) وغيرهما من الأمر بفعلها قبل ثني الرجلين مستحب في مستحب أو أنه شرط في خصوصها دون مطلق التعقيب ، ولا ينافي ذلك كله ما أرسله غير واحد من الأصحاب من أنه يضر به ما يضر بالصلاة بعد إرادة ما يضر ولو بالكمال ، هذا.

ولكن الانصاف عدم التوسعة في التعقيب بحيث يشمل كل من اشتغل بصنعته أو حرفته أو جماع ونحوه إلا أنه كان ذاكرا بلسانه ، ولا التضييق فيه بحيث يخرج عنه من انتقل من مصلاه بيسير ، أو ذكر وهو ساجد أو وهو قائم أو نحو ذلك ، بل الظاهر كون المدار فيه على هيئته العرفية المحفوظة يدا عن يد وخلفا عن سلف ، والظاهر اختلافها باختلاف أحوال المصلين اختيارا واضطرارا وسفرا وحضرا ، وباختلاف ما يتركه معه من أفعال الجوارح كصنعة وحرفة ونحوهما كما لا يخفى على من وهبه الله ميزانا لأمثال هذه وذهنا لفهم رموز الأدلة ، كقوله عليه‌السلام (٦) : « ما عالج الناس شيئا أشد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ٢.

٣٩١

من التعقيب » المراد به بحسب الظاهر أنهم لا يزاولون عملا أشق عليهم منه لما فيه من الحبس في الجملة ، وقوله : « التعقيب أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد » الذي من المعلوم كون الوجه فيه أن المعقب يكل أمره إلى الله ويشتغل بطاعته ، وقد‌ ورد (١) « من كان لله كان الله له » بخلاف التاجر الذي يطلب بكده ويتكل على أسبابه ، خصوصا بعد‌ قوله عليه‌السلام (٢) : « الجلوس بعد صلاة الغداة في التعقيب والدعاء حتى تطلع الشمس أبلغ في طلب الرزق من الضرب في الأرض ».

بل لا يخفى على من سبر سائر النصوص الواردة في المقام ـ وذكر التحريض في كثير منها على بعض الأذكار والأدعية قبل ثني الرجلين وما يحكى من أفعالهم عليهم‌السلام وإلزامهم أنفسهم بالمكث والجلوس وعدم الاشتغال بشغل آخر ومرسل الصادق عليه‌السلام المتقدم في تفسير الآية وغيره ـ أن المنساق إلى الذهن كون المراد بالتعقيب الاشتغال بالدعاء والذكر ونحوهما متصلا بالفريضة بحيث يكون هذا شغله لا أنه يشتغل معه بحوائجه وصنعته وحرفته وبنائه وجميع إراداته من أكل وشرب وجماع ومضي إلى الخلاء ونحو ذلك ، بل ربما يصل إلى القطع بفساده ، ولعل هذا المعنى هو المراد مما في الروضة من تفسيره شرعا بالاشتغال عقيب الصلاة بدعاء وذكر ، ضرورة منافاة الاشتغال أن يشرك غيره معه من الحوائج واللوازم ، إذ ليس المراد شغل اللسان خاصة ، ولعل في‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح الحلبي (٣) لما سأله عن تعقيب الامام بأصحابه بعد التسليم : « يسبح ويذهب من شاء لحاجته ولا يعقب رجل‌

__________________

(١) البحار ـ ج ١٨ ص ٤١٢ كتاب الصلاة من طبعة الكمباني.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ١.

٣٩٢

لتعقيب الإمام » إشعارا بمنافاة المضي للحاجة للتعقيب كغيره من النصوص (١).

ومن الغريب التمسك بإطلاق لفظ التعقيب الذي لم يرد منه المعنى اللغوي قطعا بل هو إما من الحقيقة الشرعية أو المجاز الشرعي الذي يجب الاقتصار فيه بعد عدم (٢) معرفة تمام ما يشخصه على المتيقن ، وأما إطلاق البعدية الواردة في خصوص بعض الأذكار والأدعية فقد نقول به ، لكن لا يلزم منه أن تكون تعقيبا ، ضرورة أعمية ذلك منه ، فهي حينئذ على قسمين : تعقيب إذا جي‌ء به في حال لا تذهب به هيئته عرفا وغير تعقيب إذا جي‌ء بها في هذا الحال فيحصل له وظيفة البعدية لا التعقيبية ، ولو فرض إرادة التعقيب من البعدية الواردة فيها لم يحصل له وظيفته أصلا ، وعلى كل حال فإطلاق البعدية لا مدخلية له في بيان المراد من التعقيب ، فتأمل فإنه ربما دق ، وخبر الوليد (٣) بعد تسليم حجية مثله يراد منه الاشتغال بالدعاء على الحال المعروف في التعقيب ، والنصوص التي بعده دلالتها على ما قلنا أقرب من ذلك ، ضرورة ظهور السؤال في بعضها في معلومية منافاة التعقيب الاشتغال بالحوائج ، كظهور الجواب في إرادة التنزيل باعتبار أن نية المؤمن خير من عمله ، وأنه إنما صده الحاجة التي يخاف فوتها وقلبه مشغول ( مشغوف خ ل ) بإرادته ومحبته لا الرغبة عن سنة التعقيب والاعراض عنه كما لا يخفى على من عرف لسانهم (ع) ورزقه الله فهم شي‌ء من رموزهم (ع).

ومما يذهب هيئته عرفا متشرعيا يكشف عما عند الشارع الفصل بينه وبين الفريضة بما يعتد به عرفا حتى الصلاة نافلة ، بل هو المفهوم من لفظ التعقيب ودبر المكتوبة ونحو ذلك ، وربما يومي اليه مع ذلك في الجملة‌ قول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيح‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التعقيب.

(٢) ليس في النسخة الأصلية لفظة « عدم » ولكن الصحيح ما أثبتناه.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ١.

٣٩٣

زرارة (١) : « الدعاء بعد الفريضة أفضل من الصلاة تنفلا ، وبذلك جرت السنة » نعم قد يستثنى من ذلك خصوص نافلة المغرب ، لأنها من توابع الفريضة ، وللمروي عن‌ أبي جعفر الثاني (ع) في المحكي عن إرشاد المفيد في حديث النبقة (٢) قال : « لما تزوج بنت المأمون ـ إلى أن قال ـ: وصلى الثالثة وتشهد وسلم ثم جلس هنيئة يذكر الله وقام من غير أن يعقب فصلى النوافل أربع ركعات وعقب بعدها وسجد سجدتي الشكر » مع أنه يمكن دعوى الفضل فيه فضلا عن غيره بالاتصال أيضا ، لمنع اقتضاء كونه من توابع الفريضة الرخصة في تأخير التعقيب بحيث يساوي التقديم ، واحتمال الاكتفاء بما ذكره عليه‌السلام عند جلوسه الهنيئة من التعقيب ، وقوله : « من غير أن يعقب » أي لم يأت بالطويل منه ، وقال الصادق عليه‌السلام في خبر الخفاف (٣) : « من صلى المغرب ثم عقب ولم يتكلم حتى يصلي ركعتين كتبتا له في عليين ».

مضافا إلى ما في غيره من النصوص (٤) الآمرة ببعض الأذكار والأدعية بعد المغرب مما يظهر منها الاتصال ، ولعله لذا وغيره قال العلامة الطباطبائي :

والاتصال بالصلاة معتبر

في صدقه دون الجلوس في المقر

إلى أن قال :

وهو عقيب الفرض حتى المغرب

أفضل للنص الصحيح المعرب

ولعل التعقيب الذي فعله عليه‌السلام بعد النافلة كان تعقيبها لا تعقيب الفريضة لأن الظاهر مشروعيته أيضا بعدها وعدم اختصاصه بالفريضة كما عن البهائي وتبعه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب التعقيب.

٣٩٤

الأستاذ الأكبر ، لإطلاق بعض النصوص (١) الذي لا ينافيه ذكر المكتوبة في آخر (٢) بعد أن لم يؤخذ شرطا ، وعموم بعض معاقد الإجماعات ، وقول أحدهما عليهما‌السلام في‌ صحيح ابن مسلم (٣) : « الدعاء دبر المكتوبة أفضل من الدعاء دبر التطوع كفضل المكتوبة على التطوع » وسمع الحسن ( الحرث خ ل ) بن المغيرة (٤) أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « إن فضل الدعاء بعد الفريضة على الدعاء بعد النافلة كفضل الفريضة على النافلة » وما ستعرفه من مشروعية تسبيح الزهراء والتكبيرات الثلاث بعد النوافل أيضا مما هو من التعقيب مع الاستيناس بخصوص ما ورد في بعض النوافل كالوتر وغيره من النوافل ، مضافا إلى التسامح سيما في مثل الدعاء ونحوه ، إلا أن الانصاف مع ذلك عدم خلوه من التأمل.

والظاهر حصول وظيفة التعقيب بالذكر والدعاء ولا يختص بالثاني وإن أوهمته بعض العبارات في تحديده ، بل عن البهائي بعد أن حكى عن بعض الفقهاء تفسيره بالاشتغال عقيب الصلاة بالدعاء والذكر وما أشبه ذلك قال : لعل المراد بما شبه الدعاء والذكر البكاء من خشية الله تعالى والتفكر في عجائب مصنوعاته والتذكر بجزيل آلائه وما هو من هذا القبيل ، لكن قد يمنعه أنه خلاف المنساق والمتيقن من الأدلة ، اللهم إلا أن يندرج في ذكر الله ، أو يدعى أنه أعظم وأنفع من الأذكار اللسانية ، ثم قال : وهل يعد الاشتغال بمجرد تلاوة القرآن بعد الصلاة تعقيبا؟ لم أظفر في كلام الأصحاب بتصريح في ذلك ، والظاهر أنه تعقيب ، أما لو ضم اليه الدعاء فلا كلام في صدق التعقيب على المجموع المركب منهما ، وربما يلوح ذلك من بعض الأخبار قلت : لا كلام في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب التعقيب.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب التعقيب.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ٢.

٣٩٥

خصوص ما ورد من القرآن في التعقيب كبعض الآيات والسور المخصوصة ، إنما الكلام في غيرها ، والظاهر أنه لا فرق في ظاهر الأدلة بين الاقتصار عليها وبين ضم الدعاء إليها.

ولعل الأقوى الاجتزاء في التعقيب بكل قول حسن راجح شرعا بالذات من قرآن أو دعاء أو ثناء أو تنزيه أو غيرها ، فـ ( أفضله تسبيح الزهراء عليها‌السلام ) الذي‌ « ما عبد الله بشي‌ء من التحميد أفضل منه ، ولو كان شي‌ء أفضل منه لنحله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة عليها‌السلام » (١) و‌ « هو في كل يوم في دبر كل صلاة أحب إلى الصادق عليه‌السلام من صلاة ألف ركعة في كل يوم » (٢) و « لم يلزمه عبد فشقي ولذا‌ « يؤمر الصبيان به كما يؤمرون بالصلاة » (٣) إذ هو وإن كان مائة باللسان إلا أنه ألف في الميزان ، وطارد للشيطان ، ومرضي الرحمن (٤) و‌ « يدفع الثقل الذي في الآذان » (٥) و‌ « ما قاله عبد قبل أن يثني رجله من المكتوبة إلا غفر له ، وأوجب الله له الجنة » (٦) خصوصا الغداة وخصوصا إذا اتبعه بلا إله إلا الله واستغفر بعده ، وبه يندرج العبد في الذاكرين الله كثيرا (٧) ويستحق ذكر الله له تعالى كما وعد بقوله تعالى (٨) ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ) وفي المنظومة :

سنة كل مؤمن ومتقي

ولم أجده في شي‌ء مما وصلني من النصوص ، ولعله عثر عليه في البحار أو غيره مما لم يحضرني ، أو أخذه من‌ قول أبي الحسن موسى عليه‌السلام في خبر الحلبي (٩)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ٣.

(٥) المستدرك ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب التعقيب.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ٥.

(٨) سورة البقرة ـ الآية ١٤٧.

(٩) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ٥.

٣٩٦

المروي عن المصباح : « لا يخلو المؤمن من خمسة : سواك ومشط وسجادة وسبحة فيها أربع وثلاثون حبة وخاتم عقيق » ضرورة الإشارة بالسبحة بقرينة العدد المزبور إلى تسبيح الزهراء عليها‌السلام ، وحكي لي‌ عن مكارم الأخلاق (١) أنه روي فيه كون تسبيح الزهراء عليها‌السلام إحدى العلامات الخمس للمؤمن‌ ، أو غير ذلك ، كما أنه لم أجد ما قاله فيها أيضا :

أفضله بمستفيض النقل

تسبيحة الزهراء ذات الفضل

نعم‌ قال الباقر عليه‌السلام في خبر صالح بن عقبة (٢) : « ما عبد الله بشي‌ء من التحميد أفضل من تسبيح فاطمة عليها‌السلام ولو كان شي‌ء أفضل منه لنحله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة عليها‌السلام » والصادق عليه‌السلام في خبر المفضل بن عمر (٣) في حديث نافلة شهر رمضان « سبح تسبيح فاطمة عليها‌السلام وهو الله أكبر : أربعا وثلاثين مرة ، وسبحان الله ثلاثا وثلاثين مرة ، والحمد لله ثلاثا وثلاثين مرة ، فو الله لو كان شي‌ء أفضل منه لعلمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إياها » وهما مع أنهما لا يكفيان في دعوى الاستفاضة لا دلالة فيهما على أفضليته من غيره في التعقيب كالنصوص التي قد ذكرنا مضامينها وحذفنا أسانيدها ، ضرورة أعمية ترتب الأمور المزبورة من الأفضلية ، فما في الرياض تبعا لكشف اللثام والروضة من الاستدلال ببعضها على ذلك لا يخلو من نظر ، على‌ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما أنحله إياها وعليا عليه‌السلام في حال النوم (٤) وقال لهما : « إذا أخذتما منامكما‌

__________________

(١) مكارم الأخلاق ص ٣٢٨ المطبوعة بطهران عام ١٣٧٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ٢.

٣٩٧

فكبرا أربعا وثلاثين تكبيرة ، وسبحا ثلاثا وثلاثين تسبيحة ، واحمدا ثلاثا وثلاثين تحميدة ».

ومن ذلك كله يظهر وجه الإشكال في قول المصنف وغيره بالأفضلية ، بل ربما كان مقطوعا بها عندهم حتى أن الشهيد في اللمعة لما قال : وأفضله التكبير ثلاثا رافعا بها يديه ثم التهليل بالمرسوم ثم التسبيح وكان ظاهره الترتيب في الفضيلة تأوله الشارح بأن المراد من « ثم » التعقيب من حيث الرتبة لا الفضيلة ، قال : وإلا فهو أفضله مطلقا ، بل روي (١) أنه أفضل من ألف ركعة لا يسبح عقيبها ، ولا يخفى عليك ما في إضرابه الذي أراد منه الترقي ، وكذا تأول غيره ما في النافع وعن التبصرة من أن أقله تسبيح الزهراء عليها‌السلام بإرادة الأخف ، قال : وإلا فهو أفضله قطعا كما صرح بذلك جمهور الأصحاب ، وعن البهائي أن ذلك يوجب تخصيص‌ حديث « أفضل الأعمال أحمزها » اللهم إلا أن يفسر بأن أفضل كل نوع من أنواع الأعمال أحمز ذلك النوع إلى غير ذلك مما يشير إلى معلومية أفضليته ، ولعلهم عثروا على ما لم نعثر عليه ، إذ لم يصل إلينا إلا ما عرفت ، وأما‌ صحيح ابن مسلم (٢) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن التسبيح فقال : ما علمت شيئا موظفا غير تسبيح الزهراء عليها‌السلام ، وعشر مرات بعد الغداة تقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وله الملك وله الحمد ، يحيي ويميت ويميت ويحيي بيده الخير وهو على كل شي‌ء قدير ، ولكن الإنسان يسبح ما شاء تطوعا » فلا دلالة فيه على التعقيب به ، ومخصوص بكثير مما ورد توظيفه من التسبيحات والأذكار ، وربما يكون أخذوه من تتبع النصوص الواردة فيه وفيما ترتب عليه وفي شدة الحث عليه فرجحوه على غيره الذي لو قيس ما ورد فيه إلى ذلك لكان أقصر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ٤.

٣٩٨

منه بمراتب ، وفيه منع ، كما أنه قد يمنع دعوى الإجماع على ذلك ، إذ قد سمعت ما في النافع واللمعة ، وفي الدروس « وتسبيح الزهراء عليها‌السلام من أفضله » وهو ظاهر في عدم ذلك ، بل لم يذكر في الذكرى كاشارة السبق سوى تعداده في جملة الأمور التي يعقب بها.

وكيف كان فالظاهر استحبابه في نفسه من دون اعتبار وصف التعقيب به وإن زاد الأجر بذلك ، لإطلاق جملة (١) من الأدلة أنه من الذكر الكثير وأنه ما عبد الله بشي‌ء من التحميد أفضل منه ونحو ذلك ، وظهور أخرى (٢) في الحث عليه والترغيب فيه نفسه من دون ذكر التعقيب ، كما أن الظاهر عدم اختصاص التعقيب به في الفرائض بل يستحب التعقيب به بعد كل صلاة ، ولا ينافيه ورود المكتوبة في جملة من النصوص (٣) بعد عدم ظهورها في الشرطية ، فيبقى عموم‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر القماط (٤) : « تسبيح فاطمة عليها‌السلام في كل يوم في دبر كل صلاة أحب إلى من صلاة ألف ركعة في كل يوم » المعتضد بفحوى غيره من النصوص الكثيرة حتى خبر المفضل السابق (٥) المشعر بأن المقتضي للتعقيب عدم أفضلية غيره بحاله من غير تخصيص ، ودعوى أن المتبادر منه اليومية في حيز المنع.

وأما كيفيته فالمشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة بل في الوسائل عليه عمل الطائفة أربع وثلاثون تكبيرة ، ثم ثلاث وثلاثون تحميدة ، ثم ثلاث وثلاثون تسبيحة ، بل لا خلاف أجده في الفتاوى والنصوص عدا خبر العلل (٦) الذي ستسمعه ، وقيل :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب التعقيب.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب التعقيب.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب التعقيب.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ٣.

٣٩٩

إن رجاله أكثرهم من العامة في أنه مائة وفي تقديم التكبير بالعدد المزبور.

خلافا للفقيه والهداية وعن الاقتصاد والإسكافي وعلي بن بابويه من تقديم التسبيح على التحميد ، مع أنه حكي عن نسخة من الفقيه موافقة المشهور ، بل لعلهم جميعا لا يريدون الترتيب بل مطلق الجمع الذي لا ينافيه ، كمرسل النحلة (١) المتقدم آنفا الذي هو مع خبر المفضل المتقدمين آنفا دليلهم على الظاهر ، مضافا إلى المحكي من فقه الرضا عليه‌السلام (٢) والتوقيع الآتي (٣) وخبر داود بن فرقد (٤) عن أخيه « إن شهاب بن عبد ربه سأله أن يسأل أبا عبد الله عليه‌السلام قال : قل له : إن امرأة تفزعني بالمنام في الليل فقال : قل له : اجعل مسباحا فكبر الله أربعا وثلاثين تكبيرة ، وسبح الله ثلاثا وثلاثين ، واحمد الله ثلاثا وثلاثين ، وقل : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيي ويميت ويميت ويحيي ، بيده الخير وله اختلاف الليل والنهار ، وهو على كل شي‌ء قدير عشر مرات ».

لكن الجميع معارض بغيرها من‌ خبر أبي بصير (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « في تسبيح فاطمة عليها‌السلام يبدأ بالتكبير أربعا وثلاثين ، ثم التحميد ثلاثا وثلاثين ، ثم التسبيح ثلاثا وثلاثين » وصحيح محمد بن عذافر (٦) « دخلت مع أبي على أبي عبد الله عليه‌السلام فسأله أبي عن تسبيح فاطمة عليها‌السلام فقال : الله أكبر حتى بلغ أربعا وثلاثين ، ثم قال : الحمد لله حتى بلغ سبعا وستين ، ثم قال :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ٢.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ٩.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ١.

٤٠٠