جواهر الكلام - ج ١٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

القنوت فيها ، خصوصا بعد ظهورها في لزوم وصف القنوت لجميع القيام لله لا لفرد من القيام ، بل ذلك لا يعبر عنه بالأمر بالقيام له ، ضرورة كون قيام القنوت ليس إلا استمرار القيام ، لأن وظيفته كما ستعرف بعد القراءة قبل الركوع ، بل لا يبعد إرادة مطلق الاشتغال بالصلاة من القيام ، فيكون حاصل المعنى صلوا ( قانِتِينَ ) ذاكرين لا ساكتين ومتكلمين بحوائجكم ، كما عساه يشهد له ما نص (١) عليه في سبب نزول هذه الآية من أنهم كانوا يتكلمون في الصلاة فنهوا عن ذلك ، ولعل مجموع الذكر في الصلاة فرض باعتبار تكبيرة الإحرام ، ومنه يظهر جواب آخر للنصوص السابقة ، وبعد الإغماض عن ذلك كله فحمله على الاستحباب للأدلة السابقة متجه ، فغرور بعض علماء البحرين (٢) بها حتى وافق الصدوق في الوجوب في غير محله ، كما عرفته مفصلا.

وكيف كان فـ ( هو ) أي القنوت محله في غير المواضع المستثناة في كل ركعة ثانية إن لم تكن الصلاة وحدانية قبل الركوع وبعد القراءة على المشهور بين الأصحاب ، بل هو من معاقد جملة من إجماعاتهم ، بل لا أجد فيه مخالفا إلا من المصنف في المعتبر ، حيث قال تارة : « ومحله الأفضل قبل الركوع ، وهو مذهب علمائنا » وأخرى « ويمكن أن يقال بالتخيير وإن كان تقديمه على الركوع أفضل » واستحسنه في الروضة ، ولعله لخبر إسماعيل الجعفي ومعمر بن يحيى (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام « القنوت قبل الركوع ، وإن شئت فبعده » الذي هو بعد الإغضاء عن سنده غير مقاوم من وجوه للنصوص (٤) الكثيرة المعتبرة المصرحة بما قبل الركوع لا بعده على وجه يمتنع معه دعوى أنه مستحب في مستحب وإن قلنا به في غير المقام‌

__________________

(١) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٢٩٤.

(٢) هو الشيخ سليمان البحراني ( منه رحمه‌الله ).

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ١ و ٣ و ٥ و ٦.

٣٦١

من المطلق والمقيد في المندوب ، خصوصا مع احتمال الخبر المزبور « نسيت » والاشتباه من النساخ.

ثم لا يخفى أن ظاهر النصوص والفتاوى عدم اعتبار لفظ مخصوص فيه ، ففي‌ خبر إسماعيل بن الفضل (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن القنوت وما يقال فيه فقال : ما قضى الله على لسانك ، ولا أعلم فيه شيئا موقتا » وسألته أيضا تارة أخرى عما يقول في وتره (٢) فقال : « ما قضى الله على لسانك وقدره » وفي‌ مرفوع محمد ابن إسماعيل (٣) المروي عن الخصال قال أبو جعفر عليه‌السلام : « سبعة ليس فيها دعاء موقت » وعد منها القنوت ، وفي‌ حسن الحلبي أو صحيحه (٤) عن الصادق عليه‌السلام « عن القنوت في الوتر هل فيه شي‌ء موقت ويقال فقال : لا ، أثن على الله عز وجل وصل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستغفر لذنبك العظيم ، ثم قال : كل ذنب عظيم » ورواه‌ الصدوق بسنده إلى الحلبي (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه سأله « عن القنوت فيه قول معلوم فقال : أثن على ربك وصل على نبيك (ص) واستغفر لذنبك » ولا بأس بالمحافظة على ذلك لما فيه من التوصل إلى استجابة الدعاء على ما يكشف عنه النصوص الأخر (٦) كما أنه لا بأس في استحباب خصوص ما في‌ صحيح زرارة (٧) عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث قال : « تقول في قنوت الفريضة في الأيام كلها إلا يوم الجمعة : اللهم إني أسألك لي ولوالدي ولولدي وأهل بيتي وإخواني المؤمنين فيك اليقين والعفو والمعافاة والرحمة والعافية والمغفرة في الدنيا والآخرة » وفي‌ خبر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب القنوت الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب القنوت الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب القنوت الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب القنوت الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب القنوت الحديث ٤.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب الدعاء من كتاب الصلاة.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٢.

٣٦٢

أبي بكر بن أبي سماك (١) « صليت خلف أبي عبد الله عليه‌السلام الفجر فلما فرغ من قراءته في الثانية جهر بصوته نحوا مما كان يقرأ وقال : اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا في الدنيا والآخرة ، إنك على كل شي‌ء قدير » إلى غير ذلك من قنوتاتهم عليهم‌السلام وهي كثيرة طويلة ، وعن المجلسي في البحار أنه عقد لها بابا.

لكن ينبغي أن يعلم أنه لا يستفاد خصوصية مما حكي من قنوتاتهم عليهم‌السلام ضرورة احتمال أنها أحد الأفراد المساوية لغيرها ولا دلالة في اختيار فرد على خصوصية فيه ، ولعله من هنا اختلفت ادعيتهم عليهم‌السلام ولم يتفقوا على دعاء واحد غالبا بخلاف ما أمروا فيه بالقنوت ، لظهور الخصوصية حينئذ كما في كل خاص أمر به بعد عام ، نعم يفضل الأول على غيره مما لا يقنت به بالتأسي ، كما أنه يفضل سائر ادعيتهم عليهم‌السلام المأثورة عنهم ولو في غير القنوت على غيرها من الأدعية المخترعة بذلك أيضا ، على أن وزير الملك أعرف بكيفية خطابه ، بل قد يخاطبه غيره بما يقتضي الحرمان ، إلا أن ذلك كله لا يفيد خصوصية في القنوت ، كبعض ما ستعرفه أيضا.

ولبعض ما ذكرنا أشار المصنف بقوله ويستحب أن يدعو فيه بالأذكار المروية وقال العلامة الطباطبائي :

والفضل في القنوت بالمأثور

فهو بلاغ وشفا الصدور

لكن قال بعده أيضا :

وفوقه أدعية القرآن

وليس في ذلك من قران

ولم أجد ما يدل عليه صريحا فيما حضرني من النصوص ، نعم قد تضمنت بعض القنوتات المروية عنهم عليهم‌السلام ذلك ، ولا دلالة فيه على أفضليته مما أمروا به ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٣.

٣٦٣

فتأمل ، ويمكن تأييده أيضا باجتماع جهتي القرآنية والدعائية فيه ونحو ذلك مما لا يفيد خصوصية في القنوت ، فتأمل ، ولعل المراد بأدعية القرآن الأعم من الأدعية التي يتضمنها القرآن ومن الدعاء بنفس القرآن كالقنوت بقل هو الله أي تتوسل بها ، وأما ما أشار إليه من شبهة القران فيدفعها ما قدمناه سابقا من أن المراد بمحل القران ما لا يشمل ذلك بل المراد به اتباع الحمد سورتين لا في جميع أحوال الصلاة ، خصوصا وقد ورد الأمر بالبسملة هنا ، ففي‌ خبر علي بن محمد بن سليمان (١) « كتبت إلى الفقيه أسأله عن القنوت فكتب إذا كانت ضرورة شديدة فلا ترفع اليدين وقل : ثلاث مرات بسم الله الرحمن الرحيم » هذا.

ولكن كان على المصنف ذكر أفضلية القنوت في كلمات الفرج كغيره من الأصحاب ، بل في الذكرى وعن البحار نسبة ذلك إليهم مشعرا بالإجماع عليه ، كمنظومة العلامة الطباطبائي :

وأطلقوا في كلمات الفرج

تفضيلها فيه بقول أبلج

والظاهر استنادهم للنقل

فيه وقد أرسل ذاك الحلي

بل في الغنية دعواه عليه وإن كنا لم نعثر على خبر أطلق فيه ذلك ، إلا أنه يكفي ما سمعت ، مضافا إلى ما عن علم الهدى والحلي من أنه روي أنها أفضله ، وقال الحسن ابن أبي عقيل (٢) على ما حكي عنه : بلغني أن الصادق عليه‌السلام كان يأمر أصحابه أن يقنتوا بهذا الدعاء بعد كلمات الفرج ، وهو مشعر بمعروفية القنوت بها ، ويريد بالدعاء‌ المروي (٣) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام « اللهم إليك شخصت الأبصار ونقلت الأقدام ورفعت الأيدي ومدت الأعناق وأنت دعيت بالألسن وإليك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٤.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٧.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٧.

٣٦٤

سرهم ونجواهم في الأعمال ربنا افتح بيننا وبين قومنا وأنت خير الفاتحين ، اللهم إنا نشكو إليك فقد نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغيبة ولينا عليه‌السلام وقلة عددنا وكثرة عدونا وتظاهر الأعداء علينا ووقوع الفتن بنا ففرج ذلك اللهم بعدل تظهره ، وإمام حق تعرفه إله الحق آمين يا رب العالمين » وفيه شهادة على جواز قول آمين في القنوت كما أوضحناه سابقا ، فما في الذكرى هنا بعد أن حكى عن ابن الجنيد استحباب الجهرية للإمام معللا له بتأمين من خلفه عليه ـ من أنه إن أراد لفظ آمين ففيه أنه مبطل ، وإن أراد الدعاء بالاستجابة فلا بأس ـ ضعيف ، وعن‌ فقه الرضا عليه‌السلام (١) قال : « قل في قنوتك بعد فراغك من القراءة قبل الركوع : اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الحليم الكريم ، لا إله إلا أنت العلي العظيم ، سبحانك رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم ، يا الله ليس كمثله شي‌ء صل على محمد وآل محمد واغفر لي ولوالدي ولجميع المؤمنين والمؤمنات إنك على كل شي‌ء قدير ثم اركع » إلى آخره. وقد ورد الأمر به (٢) في قنوت الوتر والجمعة الذين يتأكد فيهما القنوت ، فلعل الأصحاب طردوا الحكم في الجميع لذلك كما أشار إليه العلامة الطباطبائي :

والأمر في الجمعة والوتر ورد

في مسند الأخبار والحكم اطرد

لكنك خبير بعدم دلالة الأمر به على أفضليته من غيره مما أمروا به أيضا ، إلا أن الأمر بعد ما عرفت سهل ، وقد اختلفت النصوص في كلمات الفرج كما وكيفا ، ولا بأس بالعمل بالجميع على معنى تعدد الأفراد ، لكن في المدارك بعد أن ذكر حسن‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٤ والفقيه ج ١ ص ٣١٠ الرقم ١٤١٢ من طبع النجف.

٣٦٥

زرارة (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام المتضمن لصورتها قال : وذكر المفيد وجمع من الأصحاب أنه يقول قبل التحميد : وسلام على المرسلين ، وسئل عنه المصنف في الفتاوى فجوزه لأنه بلفظ القرآن ، ولا ريب في الجواز لكن جعله في أثناء كلمات الفرج ليس بجيد ، وفيه أنه قد روى الصدوق (٢) كلمات الفرج وفيها ذلك كما ذكرنا ذلك وغيره في تلقين الأموات ، بل هي من معقد إجماع الغنية ، بل يكفي في ذلك رواية كثير من الأصحاب لها في كتب الفروع ، نعم قد يتوقف في قوله وإن لم يكن بعنوان كلمات الفرج للنهي عنه في قنوت الجمعة لا من الحيثية المزبورة ، فعن المصباح أنه‌ روى سليمان ابن حفص المروزي (٣) عن أبي الحسن علي بن محمد بن الرضا عليهم‌السلام يعني الثالث عليه‌السلام قال : « لا تقل في صلاة الجمعة في القنوت : وسلام على المرسلين » ولاحتمال كونه من التسليم المحلل ، إلا أنه لا يصل إلى حد المنع ، لإطلاق النصوص والفتاوى ، وتصريح الأكثر ، وعدم اجتماع شرائط الحجية في الخبر المزبور ، وضعف احتمال التحليل فيه بل بطلانه ، وإلى أكثر ذلك أشار العلامة الطباطبائي :

وفي سلام المرسلين فيها

شي‌ء وليس حظره وجيها

لكن روى النهي ابن حفص المروزي

عنه بفرض جمعة فأزز

والله أعلم.

فان لم يتيسر له الدعاء بالمأثور أو لم يختره دعا بما قضى الله به على لسانه ، واليه أشار المصنف بقوله وإلا فبما شاء ، وأقله ثلاث تسبيحات لقول الصادق عليه‌السلام في خبر ابن أبي سماك (٤) في حديث : « يجزي من القنوت ثلاث تسبيحات » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب الاحتضار ـ الحديث ١ من كتاب الطهارة.

(٢) الفقيه ج ١ ص ٧٧ ـ الرقم ٣٤٦ من طبعة النجف.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٣.

٣٦٦

وقد سمعت خبر علي بن محمد (١) المجتزي بالبسملات الثلاث ، ولا ينافي ذلك‌ خبر أبي بصير (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن أدنى القنوت فقال : خمس تسبيحات » ضرورة ظهور الترتيب في الفضل بذلك ، بل الظاهر تمسكا بإطلاق النصوص السابقة وعمومها والفتاوى ومعاقد الإجماعات الاجتزاء بمطلق الذكر فيه والدعاء ، وأنه لا يتقدر بذلك ، ولعله مراد المصنف أيضا وإن كان قد يتوهم منه خلافه ، كما أنه قد يتوهم مما في منظومة العلامة الطباطبائي توظيف الثلاث للمستعجل خاصة ، قال :

سبح ثلاثا أو ثلاثا بسمل

فمثله وظيفة المستعجل

ولعله أخذه من خبر البسملة (٣) الظاهر في الضرورة والتقية الشديدة ، إلا أنه محتمل لإرادة بيان الاجتزاء بالأقل حالها ، والتحقيق الاجتزاء بمطلق الذكر والدعاء فضلا عن الثلاث للمختار فضلا عن المستعجل أخذا بإطلاق ما في الأدلة من أنه يقال فيه ما يقدر الله على اللسان ، وأنه لا توقيت فيه لا كما ولا كيفا.

نعم تطويله أحد ما يستحب فيه ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤) : « أطولكم قنوتا في دار الدنيا أطولكم راحة يوم القيامة في الموقف » وفي الذكرى ورد عنهم (ع) « أفضل الصلاة ما طال قنوتها » ، بل يكفي فيه التأسي بما ورد عنهم عليهم‌السلام من القنوتات الطويلة ، على أن العقل يرجحه فضلا عن الاعتبار ، نعم قد يتعارض مع مستحب آخر في بعض الأحوال كالتخفيف في الجماعة ، لأن فيها الشيخ والضعيف ونحوهما ممن يصعب عليه طول الوقوف ، والحكم فيه الترجيح بين المندوبات بالاهتمام ونحوه من غير تخصيص للأدلة ، ولعل من ذلك إذا خشي الملل من التطويل ، للمستفاد من النصوص (٥)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب مقدمة العبادات والباب ١٦ من أبواب أعداد الفرائض والنوافل ـ الحديث ٨ و ١١.

٣٦٧

في غير المقام من تجنب ما يقتضي نحو ذلك ، ولذا قال العلامة الطباطبائي :

أطل به فالفضل للإطالة

أو اقتصر إن تختش الملالة

ومنه استحباب رفع اليدين به بلا خلاف أجده فيه فتوى ونصا ، بل كأنه إجماع ، بل ظاهر صحيح ابن أبي نصر (١) السابق دخوله في مفهومه ، ضرورة إرادته من النهي عن القنوت فيه ولو بقرينة ما في خبر علي بن محمد بن سليمان (٢) السابق أيضا وفي‌ خبر الساباطي (٣) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أخاف أن أقنت وخلفي مخالفون فقال : رفعك يديك يجزي يعني رفعهما كأنك تركع ».

وفي المعتبر « ويجعل كفيه حال قنوته تلقاء وجهه ، وهو قول الأصحاب » وفي الذكرى « يستحب رفع اليدين به تلقاء وجهه مبسوطتين يستقبل ببطونهما السماء وظهورهما الأرض ، قاله الأصحاب » وروى عبد الله بن سنان (٤) عن الصادق عليه‌السلام « وترفع يديك في الوتر حيال وجهك ، وإن شئت تحت ثوبك ، وتتلقى ببطونهما السماء » وفي الدروس وعن غيرها استحباب تفريق الإبهامين فيه ، ومقتضاه كما عن صريح غيره استحباب ضم الأصابع عداهما ، قلت : أما الرفع تلقاء الوجه فلا أجد فيه خلافا إلا ما يحكى عن المفيد من الرفع حيال الصدر ، وعن الشيخ نجيب الدين أنه استحسنه ، وصحيح ابن سنان المعتضد بفتاوى الأصحاب حجة عليهما ، اللهم إلا أن يفهما من‌ قوله عليه‌السلام فيه : « وإن شئت تحت ثوبك » الكناية عن الرفع حيال الصدر ، ولأنه أقرب إلى التستر عن العامة ، وفيه أنه بعد تسليمه لا دلالة فيه على الوظيفة ، بل أقصاه الرخصة التي لا تنافي الحكم باستحباب الأول ، وأما كونهما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ١.

٣٦٨

مبسوطتين مستقبلا ببطونهما السماء وظهورهما الأرض فهو المنساق إلى الذهن من إطلاق الرفع تلقاء الوجه والمتعارف في العمل ، لكن لم أجد به نصا في خصوص القنوت من بين باقي أفراد الدعاء ، إذ ليس في الذي عثرنا عليه من خبر ابن سنان « وتتلقى » إلى آخره مع أنه في الوتر خاصة ، كخبر أبي حمزة الثمالي (١) قال : « كان علي بن الحسين عليهما‌السلام يقول في آخر وتره وهو قائم : رب أسأت وظلمت نفسي وبئس ما صنعت وهذه يدي جزاء بما صنعت ، ثم يبسط يديه جميعا قدام وجهه ويقول : هذه ـ إلى آخره ـ ثم يطأطئ رأسه ويخضع برقبته ثم يقول » إلى آخره وهو مع أنه في الوتر أيضا ظاهر في أن البسط قدام الوجه إنما هو عند هذا القول في القنوت لا من أوله ، وقال في المعتبر متصلا بما رواه من‌ خبر ابن سنان « وتتلقى ببطونهما السماء » وقيل : بظاهرهما ، وكلا الأمرين جائز ، ولعله لعدم ما يختص به القنوت ، وكذا لم أقف في شي‌ء مما وصلني من النصوص على الأمر بتفريق الإبهامين وضم الأصابع في خصوص القنوت.

نعم قد ورد في النصوص كيفيات متعددة لمطلق الدعاء ، قال الصادق عليه‌السلام في خبر ابن مسلم (٢) : « الرغبة تبسط يديك وتظهر باطنهما ، والرهبة تظهر ظهرهما ، والتضرع تحرك السبابة اليمنى يمينا وشمالا ، والتبتل تحرك السبابة اليسرى ترفعها في السماء رسلا وتضعها ، والابتهال تبسط يدك وذراعك إلى السماء ، والابتهال حين ترى أسباب البكاء » وقوله عليه‌السلام أيضا في خبر أبي إسحاق (٣) : « الرغبة أن نستقبل ببطن كفيك إلى السماء ، والرهبة أن تجعل ظهر كفيك إلى السماء ، وقوله تعالى (٤) :

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الدعاء ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الدعاء ـ الحديث ٢.

(٤) سورة المزمل ـ الآية ٨.

٣٦٩

( وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً ) الدعاء بإصبع واحدة تشير بها ، والتضرع تشير بإصبعك وتحركها ، والابتهال رفع اليدين وتمدهما وذلك عند الدمعة ثم ادع » وفي‌ مرسل مروك بياع اللؤلؤ (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « ذكر الرغبة وأبرز باطن راحتيه إلى السماء ، وهكذا الرهبة وجعل ظهر كفيه إلى السماء ، وهكذا التضرع وحرك أصابعه يمينا وشمالا ، وهكذا التبتل ورفع أصابعه مرة ووضعها مرة ، وهكذا الابتهال ومد يده تلقاء وجهه إلى القبلة ، ولا تبتهل حتى تجري الدمعة » وفي‌ خبر أبي البختري (٢) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام « كان يقول : إذا سألت الله فاسأله ببطن كفيك ، وإذا تعوذت فبظهر كفيك ، وإذا دعوت فبإصبعيك » وفي‌ خبر ابني وهب وسنان (٣) المروي عن بصائر الدرجات عن أبي عبد الله عليه‌السلام « أنه لما دعا على داود بن علي رفع يديه فوضعهما على منكبيه ثم بسطهما ثم دعا بسبابته ، فقلت له : رفع اليدين ما هو؟ قال : الابتهال ، قلت : فوضع يديك وجمعهما؟ قال : التضرع ، قلت : ورفع الإصبع؟ قال : البصبصة » وفي‌ خبر علي بن جعفر (٤) عن أخيه موسى عليهما‌السلام المروي عن معاني الأخبار « التبتل أن تقلب كفيك في الدعاء إذا دعوت ، والابتهال أن تبسطهما وتقدمهما ، والرغبة أن تستقبل براحتيك السماء وتستقبل بهما وجهك ، والرهبة أن تلقي بكفيك فترفعهما إلى الوجه ، والتضرع أن تحرك إصبعيك وتشير بهما » وعنه أنه قال وفي حديث آخر (٥) : « أن البصبصة أن ترفع سبابتيك إلى السماء وتحركهما وتدعو » وفي‌ خبر أبي بصير (٦) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الدعاء ورفع اليدين فقال : على أربعة أوجه ، أما التعوذ فتستقبل القبلة بباطن كفيك ، وأما الدعاء بالرزق فتبسط كفيك وتفضي بباطنهما إلى السماء ، وأما التبتل فإيماء بإصبعك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الدعاء الحديث ٤ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الدعاء الحديث ٩ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الدعاء الحديث ٨ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الدعاء الحديث ٦ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الدعاء الحديث ٧ من كتاب الصلاة.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الدعاء الحديث ٥ من كتاب الصلاة.

٣٧٠

السبابة ، وأما الابتهال فرفع يديك تجاوز بهما رأسك ، ودعاء التضرع أن تحرك إصبعك السبابة مما يلي وجهك ، وهو دعاء الخيفة » وقال زرارة ومحمد بن مسلم (١) لأبي عبد الله عليه‌السلام : « كيف المسألة إلى الله تبارك وتعالى؟ قال : تبسط كفيك قلنا : كيف الاستعاذة؟ قال : تفضي بكفيك ، والتبتل الإيماء بالإصبع ، والتضرع تحريك الإصبع ، والابتهال أن تمد يديك جميعا » وعن‌ قرب الاسناد (٢) « ان حماد ابن عيسى قال : رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام توقف على بغلة رافعا يده إلى السماء عن يسار وإلى الموسم حتى انصرف ، وكان في موقف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وظاهر كفه إلى السماء ، وهو يلوذ ساعة بعد ساعة بسبابته » و‌ « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرفع يديه إذا ابتهل ودعا كما يستطعم المسكين » (٣).

ولا بأس بالعمل بالجميع ، إلا أنه ليس شي‌ء منها في خصوص القنوت ، فلا يبعد مساواته لغيره من أحوال الدعاء إلا فيما حكاه في الذكرى عن الجعفي من أنه يمسح وجهه بيديه عند ردهما ويمره على لحيته وصدره فقد اعترف بعضهم بعدم العثور له على أثر ، لكن لعله بناه على ما ورد في مطلق الدعاء ، قال الصادق عليه‌السلام في خبر ابن القداح (٤) : « ما أبرز عبد يده إلى الله العزيز الجبار إلا استحى الله عز وجل أن يردها صفرا حتى يجعل فيها من فضل رحمته ما يشاء ، فإذا دعا أحدكم فلا يرد يده حتى يمسح على وجهه ورأسه » وأرسل في الفقيه مثله عن أبي جعفر عليه‌السلام وقال : وفي خبر آخر (٥) « على وجهه وصدره » لكن في الوسائل عن‌ الطبرسي في احتجاجه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الدعاء ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

(٢) قرب الاسناد ص ٣١ وفيه محمد بن عيسى قال : حدثنا حماد بن عثمان قال : رأيت إلى آخره.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الدعاء ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الدعاء ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الدعاء ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

٣٧١

عن الحميري (١) « أنه كتب إلى صاحب الزمان عليه‌السلام يسأله عن القنوت في الفريضة إذا فرغ من دعائه أن يرد يديه على وجهه وصدره للحديث الذي روي أن الله أجل من أن يرد يدي عبد صفرا بل يملأهما من رحمته أم لا يجوز ، فان بعض أصحابنا ذكر أنه عمل في الصلاة ، فأجاب عليه‌السلام رد اليدين من القنوت على الرأس والوجه غير جائز في الفرائض ، والذي عليه العمل فيه إذا رجع يديه في قنوت الفريضة وفرغ من الدعاء أن يرد بطن راحتيه مع صدره تلقاء ركبتيه على تمهل ويكبر ويركع والخبر صحيح ، وهو في نوافل النهار والليل دون الفرائض ، والعمل به فيها أفضل » ومقتضاه النهي عن ذلك في الفرائض ، ويؤيده أنه فعل العامة الذين جعل الله الرشد في خلافهم كما حكاه في الذكرى ، وأشار عليه‌السلام بالخبر إلى ما ذكرناه آنفا.

ومنه استحباب التكبير له أيضا بلا خلاف أجده فيه فتوى ونصا إلا ما يحكى عن علي بن بابويه والمفيد في آخر عمره ، نعم قيل : إنه إليه يميل كلام السيد في الجمل ، ولم نقف لهم على دليل إلا ما أرسله في‌ التوقيع من الناحية المقدسة حين كتب إليه الحميري (٢) يسأله عن ذلك ، فوقع عليه‌السلام ما حاصله « أن في ذلك روايتين ، وبأيهما أخذت من باب التسليم وسعك » على أن من المعلوم عدم رجوع مثل المفيد ، وفتوى مثل علي بن بابويه لا يكون إلا عن نص وإن كان لم يصل إلينا ، إلا أنا مكلفون بما وصل إلينا من أخبارهم عليهم‌السلام.

ومنه الجهر به للإمام والمنفرد مطلقا على المشهور ، لقول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيح زرارة (٣) : « القنوت كله جهر » خلافا للفاضل والمحكي عن الجعفي والسيد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ١.

٣٧٢

والعجلي فجعلوه تابعا للفريضة ، لما ورد (١) من أن « صلاة النهار عجماء » وفيه مع انسياق الذهن إلى إرادة القراءة من ذلك أن الأول أرجح دلالة وعملا ، فلا يقدح حينئذ كون التعارض بينهما من وجه.

أما المأموم فقد أطلق جماعة إخفاته للنهي (٢) عن إسماعه الإمام ، بل قيل : إنه المشهور ، وفيه أولا أن النهي المزبور أعم من الإخفات ، ضرورة عدم استلزام أقل الجهر للاسماع ، نعم قد يتفق ذلك ، وحينئذ فترجيح ذلك على دليل الجهر يمكن منعه ، بل قد يقال بكون المقام كتعارض المندوبات والمكروهات والمندوب مع المكروه في العمل ، فلو جهر في القنوت حصل ثواب الجهر وإن فعل مكروها من حيث الاسماع كالعكس ، فلا يكون من تعارض العموم من وجه ، لكنه لا يخلو من تأمل ، والأمر سهل.

وكيف كان فقد صرح الصدوق في الفقيه بجواز القنوت بالفارسية حاكيا له عن الصفار ، قيل : وقد وافقه عليه أكثر الأصحاب ، بل لم يعرف الخلاف في ذلك إلا من سعد بن عبد الله حتى أن المحقق الثاني لما استوجه المنقول عن سعد ـ لأن كيفية العبادة متلقاة من الشارع ولم يعهد مثل ذلك ـ قال : إلا أن الشهرة بين الأصحاب ـ حتى أنه لا يعلم قائل بالمنع سوى سعد المذكور ـ مانعة من المصير اليه ، كما أن غيره ممن عادته تتبع الخلاف في المسائل ولو نادرا قد اقتصر على نسبة ذلك إلى سعد ، فلا يبعد استقرار الكلمة حينئذ على الجواز ، واحتجوا عليه ـ بعد الأصل وما سمعته من إطلاق أدلة القنوت وأنه لا شي‌ء موقت فيه بل يكفي فيه ما يجري على اللسان ويقدره ـ بصدق‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب الصلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

٣٧٣

اسم الدعاء عليه ، فيشمله حينئذ كل ما دل عليه ، ومرسل الفقيه (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « لا بأس أن يتكلم الرجل في صلاة الفريضة بكل شي‌ء يناجي به ربه عز وجل » والصادق عليه‌السلام (٢) « كل ما ناجيت به ربك في الصلاة فليس بكلام » وصحيح علي بن مهزيار (٣) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل يتكلم في صلاة الفريضة بكل شي‌ء يناجي به ربه عز وجل قال : نعم » والظاهر أنه هو الذي أرسله في الفقيه كما سمعت ، وقال بعده : إنه لو لم يرد هذا الخبر لكنت أجيزه بالخبر الذي‌ روي (٤) عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : « كل شي‌ء مطلق حتى يرد فيه نهي » والنهي عن الدعاء بالفارسية في الصلاة غير موجود ، والحمد لله ، وفي كشف اللثام إنا لا نعرف لسعد بن عبد الله مستندا إلا ما في المختلف من أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يتخلل صلاته دعاء بالفارسية مع‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٥) : « صلوا كما رأيتموني أصلي » وفيه أنه لو عم هذا لم يجز الدعاء بغير ما كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدعو به ، ولا في شي‌ء من أجزاء الصلاة إلا ما سمع دعاؤه فيه ، فان أجيب بخروج ذلك بالنصوص قلنا فكذا غير العربي ، للاتفاق على جواز الدعاء فيها بأي لفظ أريد من العربي من غير قصر على المأثور للعمومات ، وهي كما تعم العربي تعم غيره ، قلت : لكن الإنصاف أنه ليس بتلك المكانة من الفساد كما يومي اليه عدم ترجيح بعضهم في المسألة كالشهيد في الذكرى وغيره ، وتعبير بعض من رجح بلفظ الأشبه ونحوه ، والأمر بالاحتياط من آخر ، بل قال العلامة الطباطبائي :

واللحن كالدعاء بغير العربي

يخالف الحزم بها فاجتنب

بل جزم في الحدائق بالمنع ، كما أنه مال إليه الأستاذ الأكبر في شرحه على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٣.

(٥) صحيح البخاري ج ١ ص ١٢٤ و ١٢٥.

٣٧٤

المفاتيح ، بل قد يقوى في النظر عدم الاجتزاء به عن وظيفة القنوت وإن قلنا بعدم بطلان الصلاة مع الدعاء به ، للأصل فيهما ، وإمكان دعوى حصول القطع من ممارسة أحوال الشرع في العبادات واجبها ومندوبها والمعاملات والإيقاعات وغيرها بعدم اعتبار غير اللغة العربية فارسية وغيرها ، وكل ما أمر فيه بلفظ وقول وكلام ونحوها لا ينساق إلى الذهن منه إلا العربي الموافق للعربية ، بل يؤيد ذلك أن غير العرب من المكلفين أضعاف العرب ، وكثير منهم الرواة والممارسون لأهل البيت عليهم‌السلام ولم يحك عن أحد منهم نظم دعاء باللغة الفارسية ولا ذكر من الأذكار ، بل ألزموهم متى أرادوا شيئا من الأدعية المخصوصة والأذكار الموظفة بقراءة المأثور الذي قل ما يتفق فعلهم له صحيحا ، بل ربما كان في تأدية بعض الألفاظ منهم الكفر فضلا عن نقيض المعنى المراد كما لا يخفى على كل من سمع أدعية العارفين منهم وزياراتهم فضلا عن السواد ، ولو أن للألفاظ الفارسية مثلا أدنى توظيف شرعي ما كلفوا بذلك الذي لا يعقلون منه معنى ولا يحسنون فيه لفظا ، والنصوص المزبورة مع إرسال بعضها غير مساقة لبيان الجواز بأي لغة ، بل المراد منها أن كل ما يناجي به الله في غرض دنيوي أو أخروي ليس من الكلام المبطل ، خلافا للمحكي عن أحمد بن حنبل فلا يجوز إلا بما تقرب إلى الله تعالى دون ملاذ الدنيا ، على أنها إنما تدل على أنه ليس بكلام مبطل لا أنه يجتزي به عن القنوت الموظف ، كما أن قوله عليه‌السلام : « كل شي‌ء » بناء على جريان مثله في نحو المقام كذلك أيضا ، ومن هنا والأصل وظهور ما دل على مانعية كلام الآدميين في غير ما يناجي به الرب وصدق اسم الدعاء قلنا بعدم فساد الصلاة بالدعاء بالفارسية.

بل الظاهر عدم البطلان أيضا لو جاء به بنية وظيفة القنوت ، إذ مثل هذا التشريع لا يقتضي بطلانا كما هو واضح ، ولا يقدح ذلك كله في القول بعدم الاجتزاء‌

٣٧٥

به عن توظيف القنوت بعد ظهور النصوص باعتبار اللفظ في القنوت المنصرف إلى العربي وإن لم يكن لفظ مخصوص ، فارادة معنى الدعائية الذي هو معنى العبودية والخضوع والخشوع والاعتراف بالقصور ونحوها مما لا مدخلية لخصوص لغة فيها لا تقتضي الاجتزاء بذلك عن القنوت ، وكأنه من هنا نشأ الوهم في الاجتزاء باعتبار أنه لا مجال لإنكار مطلوبية معنى الدعائية من كل مكلف الذي أشار إليه‌ الإمام عليه‌السلام بقوله (١) : « إليك عجت الأصوات بفنون اللغات » وقد‌ ورد (٢) في القنوت « انه لا شي‌ء فيه موقت » فظن منهما الاكتفاء فيه بالفارسية وغفل عن إرادة الشارع اللفظ فيه ، إلا أنه لم يقيده بلفظ مخصوص ، وهو منصرف إلى العربي ، ويومي اليه‌ قول الصادق عليه‌السلام للحلبي (٣) لما سأله « عن القنوت في الوتر هل فيه شي‌ء موقت يتبع ويقال؟ : لا ، أثن على الله عز وجل وصل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستغفر لذنبك » ضرورة ظهوره في أن المراد من نفي التوقيت عدم لفظ مخصوص من اللغة العربية.

ويشهد لذلك كله أيضا أن المتجه حينئذ بناء على شمول مثل هذه الإطلاقات لسائر اللغات الاكتفاء بالفارسية ونحوها في الذكر في الركوع والسجود وغيرهما مما وجب فيه مطلق الذكر الشامل لسائر اللغات ، ولم يلتزمه أحد ، بل أطبقوا بحسب الظاهر على عدم الاجتزاء بها في كل واجب وإن لم يكن المكلف به لفظا مخصوصا ، قال العلامة الطباطبائي بعد البيت السابق :

وكالدعاء كل ذكر قد ندب

واقطع بحظر في الذي منه يجب

وقال الفاضل في القواعد : ويجوز الدعاء بغير العربية مع القدرة ، أما الأذكار‌

__________________

(١) هذه الجملة مذكورة في دعاء الحسين عليه‌السلام في عشية عرفة وفيه « بصنوف » بدل « بفنون ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٢.

٣٧٦

الواجبة فلا ، ولم يحك فيه خلافا شراحه كالمحقق الثاني والفاضل الأصبهاني وغيرهم ، واحتجوا عليه بالتأسي وعدم الخروج عن يقين البراءة ، وهو كما ترى ، إذ في الأول ما سمعته في رد دليل سعد ، وفي الثاني بعد تسليم وجوب مراعاته أنه يكفي فيها إطلاق الأدلة ، لأنه هو المفروض ، إذ محل البحث ما كلف فيه بالذكر ونحوه مما لا يخص لغة ، لا الألفاظ المخصوصة التي لا تجزي اللغة الفارسية في مندوبها قطعا فضلا عن واجبها ، فما في كشف اللثام أن الأذكار المندوبة في تشهد الصلاة وغيره لعلها كالدعاء داخلة فيما يناجي به الرب ، وكأنه يلوح من المنظومة كما سمعت فاسد جزما إن أراد المأثورة بالخصوص ، وإلا لجاز ترجمة سائر الأدعية المأثورة عنهم (ع) وهو معلوم الفساد في سائر الأعصار والأمصار ، بل لا يبعد في النظر أن كل نبي أرسل بلسان قومه جرى التعبد فيما يراد من الألفاظ في شريعته بذلك اللسان فضلا عن شريعتنا ، فتأمل جيدا ، هذا.

ويمكن إرجاع كثير من عبارات الأصحاب إلى ما قلنا ، لأن جميعهم لم يذكره في تأدية وظيفة القنوت بل إنما ذكروا جواز الدعاء بالفارسية بمعنى عدم بطلان الصلاة معه ، ونحن نقول به كما عرفت.

ثم إن ظاهر العلامة الطباطبائي مساواة الملحون لغير العربي ، وهو كذلك سواء كان لحنا ماديا أو إعرابيا ، وسواء كان من المحرفات أو الاتفاقيات ، إذ الظاهر عدم كون محرفات الأعوام من اللغات والحقائق العرفية ، لعدم إرادة الوضع فيها منهم ، بل المقصود لهم الجريان على مقتضى الوضع السابق إلا أنهم لم يحسنوا التأدية لآفة في ألسنتهم من ممارسة غير الفصحاء ، فهي حينئذ من الأغلاط والمهملات التي لم توضع لمعنى إلا أنه لم يخرج بذلك عن صدق الدعاء عرفا كغير الموافق للعربية في الكيفية ، إذ الظاهر تناوله للجميع وإن كان المنصرف منه عند الأمر به في قنوت أو تشهد أو نحوهما العربي الصحيح مادة وهيئة كباقي الألفاظ في المعاملات والإيقاعات وغيرهما ، ولصدق الاسم وغيره مما‌

٣٧٧

سمعته سابقا لم تبطل الصلاة ، كما أنه لفقد الوصف المعتبر بشهادة التبادر لم يجز عن الموظف ولم يفد نقلا في المعاملة ، فأصالة عدم الاجتزاء حينئذ محكمة فيهما ، وعدم بطلان الصلاة للأصل بعد الشك في شمول أدلة المنع لمثله ، بل الظاهر عدم البطلان أيضا لو جاء بالمأثور ملحونا بمادته أو كيفيته ، لعدم الخروج عن اسم الدعاء معه وإن لم يحصل له الوظيفة المخصوصة ، ولا تشريع فيه بعد فرض فعله بنية تحصيل المأثور إلا أنه لم يتيسر له ، نعم لو كان تغييرا فاحشا يحكم كل من سمعه بأنه ليس من الدعاء في شي‌ء يتجه البطلان حينئذ ، ولعل منه بعض التحريفات الخاصة ببعض الأشخاص ، كل ذلك وطريق الاحتياط غير خفي ، ولا ينبغي أن يترك.

وكيف كان ففي الجمعة قنوتان على المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا ، بل في كشف الرموز أنه مذهب الأصحاب لا أعرف فيه مخالفا إلا المتأخر بل في الخلاف الإجماع عليه ، لما في‌ صحيح زرارة (١) عن الباقر عليه‌السلام المروي في الفقيه وعن الخصال « وعلى الامام فيها قنوتان في الركعة الأولى قبل الركوع ، وفي الركعة الثانية بعد الركوع » وزاد في الفقيه « وإن صلاها وحده فعليه قنوت واحد في الركعة الأولى قبل الركوع » وصحيح أبي بصير (٢) عن الصادق عليه‌السلام « سأله بعض أصحابنا وأنا عنده عن القنوت في الجمعة فقال له : في الركعة الثانية ، فقال له : قد حدثنا بعض أصحابنا أنك قلت له : في الركعة الأولى فقال : في الأخيرة وكان عنده ناس كثير فلما رأى غفلة منهم قال : يا أبا محمد في الأولى والأخيرة ، فقال أبو بصير بعد ذلك قبل الركوع أو بعده ، فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : كل قنوت قبل الركوع إلا الجمعة ، فإن الركعة الأولى القنوت فيها قبل الركوع ، والأخيرة بعد الركوع » وموثق سماعة (٣) « سألته عن القنوت في الجمعة فقال عليه‌السلام : أما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ١٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٨.

٣٧٨

الامام فعليه القنوت في الركعة الأولى بعد ما يفرغ من القراءة قبل أن يركع ، وفي الثانية بعد ما يرفع رأسه من الركوع قبل السجود ـ إلى أن قال ـ : وإن شاء قنت في الركعة الثانية قبل أن يركع ، وإن شاء لم يقنت ، وذلك إذا صلى وحده » وخبر عبد الملك (١) بعد حمله على نفي الوجوب وغيره ، وبها يخص ما دل (٢) على وحدة القنوت وأنه في الثانية قبل الركوع من الأدلة السابقة.

خلافا للمحكي عن المفيد فواحد في الركعة الأولى قبل الركوع ، واختاره في المختلف والمدارك لصحيح معاوية بن عمار (٣) « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول في قنوت الجمعة : إذا كان إماما قنت في الركعة الأولى ، وإن كان يصلي أربعا ففي الركعة الثانية قبل الركوع » ومرسل أبي بصير (٤) عن الصادق عليه‌السلام « القنوت قنوت يوم الجمعة في الركعة الأولى بعد القراءة » وخبر عمر بن حنظلة (٥) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : القنوت يوم الجمعة فقال : أنت رسولي إليهم في هذا إذا صليتم في جماعة ففي الركعة الأولى ، وإذا صليتم وحدانا ففي الركعة الثانية » وصحيح سليمان بن خالد (٦) « إن القنوت يوم الجمعة في الركعة الأولى ».

وفيه بعد القدح في سند البعض أن بعضها غير مناف لثبوته في الثانية ، بل في كشف اللثام أن عبارة المقنعة التي ظن منها الخلاف كذلك ، والآخر دلالته بالظاهر أو الإشعار الذي يجب الخروج عنه بالتصريح في الأدلة السابقة ، ولعل الاقتصار فيها على بيان القنوت الأول مشعر بأنه هو الذي اختصت به الجمعة من بين الصلوات ، وبأنه هو الذي ينبغي الاهتمام بذكره ، لعدم معروفية مشروعيته في غيرها ، بخلاف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب القنوت الحديث ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب القنوت.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب القنوت الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب القنوت الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب القنوت الحديث ٥.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب القنوت الحديث ٦.

٣٧٩

القنوت في الثانية بعد الركوع ، فإنه قد يشرع في النسيان ، بل سمعت من المحقق جوازه اختيارا ، وذكر في القنوت وفي صلاة جعفر ، فليس هو كالأول.

وخلافا للصدوق والحلي فكغيرها من الصلوات ، قال في الفقيه بعد أن ذكر‌ صحيح زرارة (١) : « وتفرد بهذه الرواية حريز عن زرارة ، والذي استعمله وأفتي به ومضى عليه مشايخي ( رحمة الله عليهم ) هو أن القنوت في جميع الصلوات في الجمعة وغيرها في الركعة الثانية بعد القراءة قبل الركوع » ومن الغريب ما حكاه في الذكرى عنه أنه يقول بوحدة القنوت وأنه بعد الركوع ، وكلامه صريح في خلافه ، كما أن كلامه في هدايته ظاهر أو صريح في تعدد القنوت ، وقال في السرائر على ما قيل : « إن الذي يقتضيه أصول مذهبنا وإجماعنا أن لا يكون في الصلاة إلا قنوت واحد أية صلاة كانت فلا يرجع عن ذلك بأخبار الآحاد » وهو كما ترى من غرائب الكلام ، ومقتض لطرح جميع النصوص السابقة التي لا بأس بدعوى تواترها ، بل لو كان كما ذكر من تفرد حريز عن زرارة بذلك فضلا عما عرفت لكان المتجه العمل بها بعد صحة طريقه إليه ، إذ لا معارض لها إلا إطلاقات أو عمومات يجب الخروج عنها بها ، اللهم إلا أن يريد بالتفرد ما ذكره من الذيل من أن عليه قنوت واحد في الركعة الأولى لو صلاها وحده ، فإنه مع أنه لا عامل به من أحد لم يشاركه في هذا التصريح شي‌ء من النصوص الواصلة إلينا ، نعم ربما كان فيها بعض إطلاقات يجب حملها على الصريح المعمول به بين الأصحاب المعتضد بعموم الأدلة السابقة ، فتأمل ، وقال في المدارك متصلا بما حكاه عن الفقيه مما سمعته : وما ذكره من الرواية يصلح سندا للقول الأول لو كانت متصلة ، والظاهر أنه زيادة منه ، إذ لا أثر له في الفقيه ، وفيه أن كلامه في الفقيه بقرينة المحكي عنه من روايته له في الخصال كالصريح في أن ذلك من قول الباقر عليه‌السلام لزرارة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٤.

٣٨٠