جواهر الكلام - ج ١٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الصلاة ، وإنما قدم الرد لأنه واجب مضيق ، إذ هو حق الآدمي ، والأصحاب يقولون : إن التسليمة تؤدي وظيفتي الرد والتعبد به في الصلاة كما سبق مثله في اجتزاء العاطس في حال رفع رأسه من الركوع والسجود بالتحميد عن العطسة عن وظيفة الصلاة ، قال : وهذا يتم حسنا على القول باستحباب التسليم ، وأما على القول بوجوبه فظاهر الأصحاب أن الأولى للرد على الامام ، والثانية للإخراج من الصلاة ، ولذا احتاج إلى تسليمتين ، وهو ظاهر فيما قلنا ، لكن قال في الذكرى : ويمكن أن يقال : ليس استحباب التسليمتين في حقه لكون الأولى ردا والثانية مخرجة ، لأنه إذا لم يكن على يساره أحد اكتفى بالواحدة عن يمينه ، وكانت محصلة للرد والخروج من الصلاة ، وإنما شرعية الثانية ليعم السلام من على الجانبين ، لأنه بصيغة الخطاب ، فإذا وجهه إلى أحد الجانبين اختص به وبقي الجانب الآخر بغير تسليم ، ولما كان الامام غالبا ليس على جانبيه أحد اختص بالواحدة ، وكذلك المنفرد ، ولهذا حكم ابن الجنيد بما تقدم من تسليم الإمام إذا كان في صف عن جانبيه ، وكشف المسألة أنه قد ذكر غير واحد من الأصحاب أنه يستحب للمنفرد قصد الحفظة والأنبياء والمرسلين والأئمة الراشدين (ع) وللإمام المأمومين مع ذلك لذكر أولئك في التسليم المندوب وحضور هؤلاء ، وللمأموم الإمام بإحدى التسليمتين كما في القواعد ، والأولى كما في غيرها زيادة على ما عرفت ومن على جانبيه من المأمومين بالثانية ، بل قيل : ينبغي للجميع أيضا من حضر من مسلمي الإنس والجن مع ذلك ، قال في اللمعة : « وليقصد المصلي بصيغة الخطاب بتسليمه الأنبياء والملائكة والأئمة ( عليهم الصلاة والسلام ) والمسلمين من الجن والانس » وفي القواعد « ويومي بالسلام على من على ذلك الجانب من الملائكة ومسلمي الإنس والجن ، والمأموم ينوي بإحداهما الامام » وفي الذكرى « أن المصلي مطلقا لو أضاف إلى ما سمعت قصد الملائكة أجمعين ومن على الجانبين من مسلمي الإنس والجن كان حسنا » وقد سمعت عبارة المبسوط‌

٣٤١

والموجز فيما مضى ، وفي المنتهى « لو نوى بالتسليم الخروج من الصلاة كان أولى ، ولو نوى مع ذلك الرد على الملكين وعلى من خلفه إن كان إماما ، أو على من معه إن كان مأموما فلا بأس به خلافا لقوم من الجمهور » وفي المسالك « ومقصد المأموم بالأولى الرد على الامام ، وبالثانية مقصد الإمام أي الأنبياء والأئمة والملائكة والحفظة (ع) والمأمومين ـ ثم قال ـ : ولو أضاف إلى ذلك مسلمي الجن والانس جاز ، ولو ذهل عن هذا القصد فلا بأس » إلى غير ذلك من العبارات.

وعلى كل حال لا ريب في عدم وجوب استحضار نوع هذا القصد فضلا عن خصوصيات المقصود كما صرح به جماعة ، بل لعله لا خلاف فيه وإن حكي عن الكافي أنه قال : « الفرض الحادي عشر السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يعني محمدا وآله صلى الله عليهم والحفظة » وقيل : إنه يلوح منه الوجوب لكن يحتمل إرادته الإشارة إلى مصرفها في الواقع الذي هو من أسرار الشرع لا إيجاب قصد ذلك على المكلف ، فلم يتحقق فيه حينئذ خلاف ، للأصل وإطلاق الأدلة وعموم بعضها والسيرة المستمرة في سائر الأعصار والأمصار من العوام والعلماء التي تشرف الفقيه على القطع بالعدم ، خصوصا في مثل هذا الحكم الذي تعم به البلوى والبلية ، ولا طريق للمكلفين إلى معرفته إلا بالألفاظ ، بل هذه النصوص التي ذكر فيها بعض ذلك ظاهرة في جهل السائلين بالمراد به قبل التوقيف ، بل التأمل فيها نفسها يقضي بكون ذلك من الأسرار الواقعية التي لا مدخلية لها في التكليف نحو ما ذكر في أسرار الركوع والسجود وغيرهما من أجزاء العبادات.

نعم قد يوهمه في خصوص الامام والمأموم ما في النصوص المتفرقة في أبواب‌

٣٤٢

الصلاة : ويسلم عليهم (١) ويؤذن القوم (٢) وسلم عليهم (٣) ونسيت أن تسلم علينا (٤) وسلم بعضهم على بعض (٥) ونحو ذلك مما يومي إلى المعنى المزبور ، لكن قد يقال : إن المراد ذكر هذه الصيغة التي هم من موردها في الواقع ، لكونها بصورة المقصود بها التحية ، على أن ذلك أعم من القصد ، ضرورة صدق الامتثال بالقول المزبور على حكم نية الصلاة ابتداء من غير استحضار للقصد بالخصوص ، ولو سلم فهو ليس من التحية عرفا بشي‌ء من الأشياء كما يومي اليه ما في خبر أبي بصير (٦) وخبر عمار بن موسى (٧) من أنها اذن وما في غيرهما (٨) من أنها ترجمة من الامام للمأمومين ونحو ذلك من النصوص المتقدمة سابقا ، وبه صرح شيخنا في كشفه ، بل لا يبعد البطلان لو قصد بها المتعارف من التحية مع الخروج من الصلاة للنهي عن ابتداء التحية في الصلاة ، ولأصالة عدم التداخل ، ولأنه من كلام الآدميين ، ولغير ذلك.

فما في الذكرى من احتمال وجوب قصد المأموم بالأولى الرد ، لعموم قوله تعالى (٩) ( وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها ) ضعيف جدا كما اعترف به في جامع المقاصد معللا له بأنه لا يعد تسليم الصلاة تحية ، فلا حاجة إلى ما ذكره بعد ذلك من أنه على القول بالوجوب يكفي في القيام به واحد ، فيستحب للباقين ، وإذا اقترن تسليم الامام والمأموم أجزأ ولا رد هنا ، وكذلك إذا اقترن تسليم المأمومين ، لتكافؤهم بالتحية ، مع أن فيما ذكره أولا من الاستحباب نظرا ، لإمكان منع عموم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الخوف والمطاردة الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التسليم ـ الحديث ٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الخوف والمطاردة الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التسليم ـ الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الخوف والمطاردة الحديث ٧.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التسليم ـ الحديث ٨.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب التسليم ـ الحديث ٧.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب التسليم ـ الحديث ٩.

(٩) سورة النساء ـ الآية ٨٨.

٣٤٣

الأدلة لمثل الصلاة ، وثانيا بأن المتجه بناء على أن القصد بها التحية وجوب الرد من كل منهم ، لشمول الدليل لهما ، كما لو تقارنا في التحية في غير الصلاة ، وبالجملة دعوى إرادة التحية بها في المقام في الامام والمأمومين بحيث تجري عليها أحكامها بالنسبة لسماعها وعدمه وسماع ردها من المأموم الذي لا ينبغي أن يسمع الامام وعدمه وتعاقب الرد للتحية وعدمه وبالنسبة للمسبوق وعدمه وغير ذلك في غاية الغرابة من مثل الشهيد ، كغرابة احتمال وجوب القصد وإن لم يكن من التحية فرارا من استبعاد التعبد بصورة اللفظ الذي ليس من القرآن ، واستظهارا من الأدلة باعتبار ملاحظة معنى الخطابية في الصيغة ولو مجازا وتنزيلا ، إذ هو في الحقيقة اجتهاد منشأه الغرور بالنفس ، وأنه قد يظهر لها ما يخفى على غيرها ، وإلا فمن لاحظ النصوص والفتاوى مع التأمل جزم بعدم اعتبار ذلك خصوصا في المنفرد ، وأن ما ذكر فيها مساقة مساق الحكم والأسرار ، إلا أنه بملاحظة خبر المعراج (١) وإن كان الأنبياء والملائكة فيه كانوا مأمومين على الظاهر وحديث المفضل (٢) وخبر الترجمة (٣) والاذن (٤) وبعض النصوص (٥) المتقدمة سابقا في تحليلية التسليم ، وما ورد (٦) من أمر الإمام بالتسليم على الجماعة وأمرهم بتسليم بعضهم على بعض ، وقوله (٧) : « نسيت أن تسلم علينا » والتعليل في صحيح أبي بصير (٨) ورجحان القصد إلى معنى كل عبادة لفظية مع وضع صيغة الخطاب حقيقة في القصد إلى الحاضرين ، وتعارف الجماعة في ذلك الزمان ، ووجه القصد فيها واضح ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة ـ الحديث ١٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب التسليم ـ الحديث ١١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب التسليم ـ الحديث ٩.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب التسليم ـ الحديث ٧.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب التسليم.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الخوف والمطاردة ـ الحديث ٤.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التسليم ـ الحديث ٥.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التسليم ـ الحديث ١.

٣٤٤

كما أنه ورد (١) ما يدل على ائتمام الملائكة بالمؤمن إذا صلى بأذان وإقامة أو بإقامة فيستحقون السلام حينئذ من هذه الجهة وغير ذلك يمكن الحكم باستحباب قصد بعض ما ذكروه خصوصا مع التسامح.

لكن لا يخفى على من لاحظ النصوص السابقة وما فيها ـ من دوران التسليمة الثانية للمأموم على وجود أحد في اليسار وعدمه ـ أن الأولى التي ينبغي أن يقصد فيها الرد والأنبياء والملائكة (ع) وغيرهم ممن عرفت ، والثانية من على جانبه الأيسر من المأمومين كما أنه لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرنا محال التأمل فيما في الذكرى وغيرها ، بل ولا يخفى أيضا بشهادة التبادر من النصوص والفتاوى ، بل هو كصريح بعضها أن هذه الأحكام للصيغة الثانية من التسليم خاصة دون الأولى حتى لو اقتصر عليها في التحليل ، بل وإن جاء بها متأخرة بناء على استحبابها ، فما سمعته سابقا من المفيد من جريان بعض الأحكام المزبورة من الإيماء ونحوه في الصيغة الأولى لا يخلو من تأمل ، بل ولا يخفى أن المنساق أيضا من النصوص والفتاوى كون المرة الثانية من التسليم للمأموم من الصلاة فضلا عن المرة الأولى ، وهو من المؤيد لما ذكرناه سابقا من صدق اسم التسليم على الجميع ، ومن بعد القول بخروج التسليم عن الصلاة ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.

( وأما المسنون في الصلاة )

زيادة على ما سمعته في المواضع المخصوصة السابقة ( فـ ) كثير ذكر المصنف منه خمسة : الأول التوجه بست تكبيرات مضافة إلى تكبيرة الافتتاح بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه ، والنصوص (٢) دالة عليه ، والأولى في كيفيته ما رواه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأذان والإقامة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام.

٣٤٥

الحلبي (١) في الحسن عن الصادق عليه‌السلام بأن يكبر ثلاثا ثم يدعو ، ثم يكبر اثنتين ويدعو ، ثم يكبر اثنتين ويتوجه‌ قال : « إذا افتتحت الصلاة فارفع يديك ثم ابسطهما بسطا ، ثم كبر ثلاث تكبيرات ، ثم قل : اللهم أنت الملك الحق المبين ، لا إله إلا أنت سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي ذنبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، ثم كبر تكبيرتين ، ثم قل : لبيك وسعديك والخير في يديك والشر ليس إليك ، والمهدي من هديت ، ولا ملجأ منك إلا إليك ، سبحانك وحنانيك ، تباركت وتعاليت ، سبحانك رب البيت ، ثم كبر تكبيرتين ثم تقول : وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ حَنِيفاً مسلما وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا من الْمُسْلِمِينَ ، ثم تعوذ من الشيطان الرجيم ، ثم اقرأ فاتحة الكتاب » وفي‌ صحيح زرارة (٢) « يجزيك في الصلاة من الكلام في التوجه إلى الله أن تقول : ( وَجَّهْتُ ) ـ إلى قوله ( الْأَرْضَ ) ـ على ( مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً ) » إلى آخره ، والأمر سهل ، لكن عن‌ الطبرسي (٣) في الاحتجاج « أن محمد ابن عبد الله بن جعفر الحميري كتب إلى صاحب الزمان عليه‌السلام يسأله عن التوجه للصلاة يقول : على ملة إبراهيم ودين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فان بعض أصحابنا ذكر أنه إذا قال : على دين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد أبدع لأنا لم نجده في شي‌ء من كتب الصلاة خلا حديثا واحدا في كتاب القاسم بن محمد عن جده الحسن بن راشد أن الصادق عليه‌السلام قال للحسن : كيف تتوجه؟ فقال : أقول : لبيك وسعديك فقال الصادق عليه‌السلام : ليس عن هذا أسألك كيف تقول : وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً مسلما؟ قال الحسن : أقوله ، فقال الصادق عليه‌السلام : إذا قلت ذلك فقل : على ملة إبراهيم ودين محمد (ص) ومنهاج علي بن أبي طالب (ع)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ٣.

٣٤٦

والائتمام بآل محمد (ع) حنيفا مسلما ( وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) ، فأجاب عليه‌السلام التوجه كله ليس بفريضة ، والسنة المؤكدة فيه التي هي كالإجماع الذي لا خلاف فيه ( وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً ) مسلما على ملة إبراهيم ودين محمد (ص) وهدى علي أمير المؤمنين (ع) ( وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا ) من ( الْمُسْلِمِينَ ) ، اللهم اجعلني من المسلمين ، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم ثم تقرأ الحمد ».

وفي الحدائق قال الفقيه الذي لا يشك في علمه : « الدين لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والهداية لعلي عليه‌السلام لأنها له عليه‌السلام وفي عقبه باقية إلى يوم القيامة فمن قال كذلك فهو من المهتدين ، ومن شك فلا دين له ، ونعوذ بالله من الضلالة بعد الهدى » وفي الذكرى أنه قد ورد الدعاء (١) عقيب السادسة بقوله : « يا محسن قد أتاك المسي‌ء وقد أمرت المحسن أن يتجاوز عن المسي‌ء وأنت المحسن وأنا المسي‌ء فصل على محمد وآله وتجاوز عن قبيح ما تعلم مني » قال : ورد (٢) أيضا أنه يقول ( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) الآية (٣) وهو حسن ، قلت : ولعله المراد لمن عبر من الأصحاب بأن بينها ثلاثة أدعية مع احتمال إرادته من البينية التغليب لمعروفية التوجه بعد الأخيرة ، فيتفق الجميع حينئذ ، خصوصا والمرسل المزبور لم نعرفه لمن تقدم على الذكرى ، نعم رواه في كشف اللثام مرسلا أيضا ، وفي جامع المقاصد عن أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام ولم نقف عليه ، بل يمكن أن يكون ذلك من كلامه لا من تمام الرواية ، ومن هنا قد استظهر العلامة الطباطبائي أن الدعاء المزبور بعد الإقامة قبل‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ٦.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ٧.

(٣) سورة إبراهيم عليه‌السلام ـ الآية ٤٢.

٣٤٧

الافتتاح كما عن‌ فلاح السائل (١) بسنده عن ابن أبي عمير عن الأزدي عن الصادق عليه‌السلام في حديث « كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول لأصحابه : من أقام الصلاة وقال قبل أن يحرم ويكبر : يا محسن قد أتاك المسي‌ء ، وقد أمرت المحسن أن يتجاوز عن المسي‌ء ، وأنت المحسن وأنا المسي‌ء ، فبحق محمد وآل محمد صل على محمد وآل محمد ، وتجاوز عن قبيح ما تعلم مني ، فيقول الله : ملائكتي اشهدوا أني قد عفوت عنه وأرضيت عنه أهل تبعاته » لكن لا بأس بالعمل بهما معا ، كما أنه لا بأس بالعمل‌ بالمروي (٢) عن الفلاح أيضا عن الرضا عليه‌السلام « تقول بعد الإقامة قبل الاستفتاح في كل صلاة : اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة بلغ محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الدرجة والوسيلة والفضل والفضيلة ، بالله أستفتح ، وبالله أستنجح ، وبمحمد رسول الله وآل محمد صلى الله عليه وعليهم أتوجه ، اللهم صل على محمد وآل محمد ، واجعلني بهم عندك وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ».

وعلى كل حال فليس ذلك شرطا قطعا وإن أوهمته بعض العبارات ، لما ورد من فعلها ولاء بلا تخلل أدعية ، بل لا يبعد جواز الدعاء أيضا بلا تخلل تكبير على نية الخصوصية ، كما أنه لا يبعد الاقتصار بالفصل بالدعاء على البعض ، لأن الهيئة المزبورة من المستحب في المستحب كما وكيفا في التكبير والدعاء ، ومنه يعلم أنه لا يتقيد الاقتصار على الوتر من التكبيرات كما هو ظاهر التخيير بين الواحدة والثلاث والخمس والسبع في بعض النصوص (٣) لأنه أيضا مستحب في مستحب ، نعم كان على المصنف التعبير باستحباب السبع موافقة للنصوص (٤) ولا ينافيه وجوب الواحدة نحو حكمهم باستحباب الثلاث مثلا في الركوع والسجود لأن السبعية هيئة مستقلة ، والواجب ذات الواحدة ، فلا منافاة‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ٢.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام.

٣٤٨

بينهما كما هو واضح.

والظاهر تعميم هذه السنة لكل صلاة فريضة ونافلة كما هو ظاهر المصنف وغيره بناء على إرادته المطلق من لفظ الصلاة لا خصوص الفريضة ، بل هو صريح جماعة ، بل لعله المشهور بين المتأخرين ، خلافا للمحكي عن محمديات السيد ، فخصه بالفرائض ، وللمحكي عن رسالة ابن بابويه ، فزاد أول صلاة الليل والوتر وأول نافلة الزوال وأول نافلة المغرب وأول صلاة الإحرام ، قيل : وكذا المفيد مع زيادة الوتيرة ، لكن ملاحظة آخر المحكي من عبارته يقضي باختصاصها بزيادة الفضل لا أصل المشروعية ، نعم عن سلار ذكر السبع مع إبدال الوتر بالشفع ، كما أن العلامة في جملة من كتبه وافق على الاقتصار على ذلك ، بل ربما قيل : إنه المشهور ، ومن الغريب أن الفاضل فيما حكي عن مختلفه بالغ في الإنكار على الاقتصار حتى أنه قال : ما أدري ما الذي دعا اليه ، وهو قد ذهب اليه ، كما أن الشيخ قد اعترف بعدم الوقوف على خبر يشهد لذلك ، وظاهره في الخلاف الاقتصار ، والتحقيق العموم ، لإطلاق النصوص وظهورها في أن ذلك كيفية للافتتاح في نفسه ، ومن المعلوم أن لكل صلاة افتتاح وأنه التكبير ، كما أن الختام التسليم ، فيثبت حينئذ مشروعيته لكل صلاة ، وما يحكي عن‌ فلاح السائل (١) مسندا إلى أبي جعفر عليه‌السلام « افتتح في ثلاثة مواطن بالتوجه والتكبير : في أول الزوال وصلاة الليل والمفردة من الوتر ، وقد يجزيك فيما سوى ذلك من التطوع أن تكبر تكبيرة لكل ركعتين » لا ظهور فيه في نفي المشروعية في غيرها ، بل ظاهر لفظ الاجزاء فيه ثبوته مطلقا ، وأن المتأكد من التطوع هذه المواضع ، وإلا لم يكن قد عمل به أحد ، وأما ما في‌ المحكي (٢) عن فقه الرضا عليه‌السلام ـ الذي قيل : إنه مستند الصدوق‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ١.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام ص ١٣.

٣٤٩

على الظاهر « ثم افتتح بالصلاة وتوجه بعد التكبير ، فإنه من السنة الموجبة في ست صلوات : وهي أول ركعة من صلاة الليل والمفردة من الوتر وأول ركعة من نوافل المغرب وأول ركعة من ركعتي الزوال وأول ركعة من ركعتي الإحرام وأول ركعة من ركعات الفرائض » وقال في الهداية : « من السنة التوجه في ست صلوات : وهي أول ركعة من صلاة الليل والمفردة من الوتر وأول ركعة من ركعتي الزوال وأول ركعة من ركعتي الإحرام وأول ركعة من ركعتي المغرب وأول ركعة من الفريضة » ـ ففيه أنه ليس حجة عندنا وليس فيه تصريح بالتكبيرات السبع ، وظاهر في إرادة السنة المؤكدة التي لا ينافيها مطلق الاستحباب في الجميع ، كما عن المفيد التصريح به في مقنعته وإن حكي عنه أنه من المقتصرين ، وما في الهداية مع أنه ليس من إرسال الرواية لا ظهور فيه في الحصر أيضا.

ومن الغريب ما في الحدائق حيث حكى عن المجلسي تأويل عبارة الرسالة التي هي كالفقه الرضوي بما ذكرنا من إرادة التأكيد ، وقال فيه : إن ذلك فرع الدليل الظاهر في العموم ، وقد عرفت ما فيه ، وأشار بذلك إلى ما ذكره آنفا من انصراف الإطلاق للصلاة الواجبة بل اليومية التي هي الفرض المتكرر الشائع المتبادر إلى الذهن عند الإطلاق كما صرحوا به في غير موضع ، سيما وجملة منها ظاهرة كالصريحة في الفريضة كأخبار إحارة الحسين (١) وغيرها ، قلت : قد عرفت أن المراد إطلاق الافتتاح الثابت لكل صلاة لا إطلاق لفظ الصلاة ، مع أنه يمكن منع دعوى انصرافها إلى خصوص ذلك ، والتعرض لخصوص الفريضة في بعض الأخبار (٢) لا يقضي بالتخصيص أو التقييد كما هو واضح ، وأوضح منه بطلانا الاستدلال بإجماع الخلاف ، إذ ملاحظته‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ٦.

٣٥٠

تشهد لإرادة الرد به على العامة الذين لم يشرعوا أصل الافتتاح لا لبيان مشروعيته في هذه المواضع خاصة ، هذا.

وفي الذكرى عن ابن الجنيد أنه يستحب أن يقول بعد إتمام السبع والتوجه : الله أكبر سبعا وسبحان الله سبعا والحمد لله سبعا ولا إله إلا الله سبعا من غير رفع يديه قال : وقد روى ذلك جابر (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام والحلبي (٢) وأبو بصير (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، ولا بأس به للتسامح ، مع أن‌ الصدوق في المحكي عن علله قد روى في الصحيح عن زرارة (٤) عن أبي جعفر عليه‌السلام وذكر حديث تكبيرات الافتتاح ثم قال : قال زرارة : « فقلت لأبي جعفر عليه‌السلام : فكيف نصنع؟ قال : كبر سبعا وتحمد سبعا وتسبح سبعا وتحمد الله وتثني عليه ثم تقرأ » وقد يدخل التهليل في الثناء عليه ، نعم لا صراحة فيه بأن التكبير غير تكبير الافتتاح كالمحكي عن ابن الجنيد ، والأمر سهل.

بل الظاهر أنه يستحب أيضا ما رواه‌ الشيخ عن زرارة (٥) في الصحيح قال أبو جعفر عليه‌السلام : « إذا أنت كبرت في أول صلاتك بعد الاستفتاح بإحدى وعشرين تكبيرة ثم نسيت التكبير كله ولم تكبر أجزأك التكبير الأول عن تكبير الصلاة كلها » وفي الوسائل أنه رواه الصدوق عن زرارة (٦) أيضا إلا أنه قال : « أو لم تكبره » ومقتضاه الرخصة في الترك اعتمادا على ما قدمه من التكبير ، والظاهر أن المراد في الرباعية لأنها هي التي فيها إحدى وعشرون تكبيرة ، واحتمال استحباب تقديم هذا العدد حتى في الثنائية التي فيها إحدى عشر تكبيرة والثلاثية التي فيها ستة عشر تكبيرة بعيد جدا ،

__________________

(١) لم نعثر عليها في مظانها من كتب الأخبار.

(٢) لم نعثر عليها في مظانها من كتب الأخبار.

(٣) لم نعثر عليها في مظانها من كتب الأخبار.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ١.

٣٥١

بل المراد تقديم مقدار ما فيها من التكبير ، ومن هنا قال في كشف اللثام بعد أن روى الصحيح المزبور : « يعني في الرباعيات ـ ثم قال ـ : والباء في « بإحدى » متعلقة بالاستفتاح كما هو الظاهر ، لنطق غيره من الأخبار (١) بأن في الرباعيات إحدى وعشرين منها تكبير القنوت » ولا يخلو من تأمل.

والظاهر المنساق من النصوص أن التكبيرات السبع من الصلاة لأنها افتتاحها ، والافتتاح المقابل بالاختتام الابتداء والأول ، خصوصا وتكبيرة الإحرام التي هي أحد أفراد الافتتاح لو اقتصر عليها من الصلاة قطعا ، ومن المستبعد جعل الجزئية لبعض الأفراد دون بعض مع ظهور النصوص في اتحاد الجميع بالنسبة إلى ذلك ، كما أنه من المستبعد اشتراط الجزئية بتقديم تكبيرة الإحرام ، ونية الصلاة لو سلمنا عدم جواز وقوعها عند أول التكبيرات مع فرض تأخر تكبيرة الإحرام للإجماع المدعي أو لغيره لا تنافي الجزئية ، على أن المقام مما يشهد تأمله للتسامح في أمر النية ، وأنها عبارة عن الداعي المستمر ، والله أعلم.

المستحب الثاني من الخمسة القنوت وهو لغة : الطاعة والسكون والدعاء والقيام في الصلاة والإمساك عن الكلام والخشوع والصلاة والعبادة وطول القيام والعبادة وعرفا شرعيا أو متشرعيا : الذكر في حال مخصوص ، وربما يفوح من بعض النصوص (٢) اعتبار رفع اليدين فيه وإن كان ما ستعرف من كلام الأصحاب ظاهرا في أنه من المستحبات فيه ، وكيف كان فلا خلاف بين المسلمين في مشروعيته في الصلاة في الجملة ، كما أنه لا خلاف أجده بين الفرقة المحقة منهم في مشروعيته في كل صلاة مستقلة لا يراعى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب القنوت.

٣٥٢

فيها الجزئية من صلاة أخرى ولو كانت ركعة واحدة كالوتر والوتيرة ، لكن المشهور بينهم شهرة عظيمة كادت تبلغ الإجماع الندب ، بل في الذكرى دعواه صريحا ، بل حكاه في التذكرة أيضا ، قال في موضع منها : « وهو مستحب في كل صلاة مرة واحدة فرضا كانت أو نفلا أداء أو قضاء عند علمائنا أجمع » وفي آخر « القنوت سنة ليس بفرض عند علمائنا أجمع ، وقد يجري في بعض عبارات علمائنا الوجوب ، والقصد شدة الاستحباب » وقال في بحث الجمعة من المنتهى : « القنوت كله مستحب وإن كان بعض الأصحاب قد يأتي في عبارته الوجوب » وقال في المعتبر : « اتفق الأصحاب على استحباب القنوت في كل صلاة فرضا كانت أو نفلا مرة ، وهو مذهب علمائنا كافة » ثم حكى خلاف العامة لكن قال بعد ذلك : « المسألة الثانية قال ابن بابويه : القنوت سنة واجبة من تركه عمدا أعاد لقول تعالى (١) ( وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ ) وروى ذلك‌ ابن أذينة عن وهب (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « القنوت في الجمعة والوتر والعشاء والعتمة والغداة ، فمن ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له » وبه قال ابن أبي عقيل » إلى آخره ثم أخذ في الاحتجاج بالأصل ونحوه ، لكنه كما ترى ظاهر في إرادته مطلق المشروعية من الاستحباب أولا في مقابلة العامة ، ومثله وقع للمنتهى في بحث القنوت ، بل الظاهر أنه المراد مما وقع في كشف الحق أيضا « ذهبت الإمامية إلى أن القنوت مستحب ، ومحله بعد القراءة قبل الركوع » ثم ذكر خلاف الشافعي وأبي حنيفة.

خلافا للصدوق والمحكي عن ابن أبي عقيل والتقي مع أنه لم يعرف النقل عن الثالث منهم إلا من التنقيح ، كما أن الثاني قد اختلف النقل عنه بين الوجوب مطلقا ولعله المعروف عنه وبين تخصيصه بالجهرية ، وأما الأول ففي الفقيه « والقنوت سنة واجبة‌

__________________

(١) سورة البقرة ـ الآية ٢٣٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٢.

٣٥٣

من تركها متعمدا في كل صلاة فلا صلاة له ، قال الله عز وجل ( قُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ ) يعني مطيعين داعين » وقال في الهداية : باب فريضة الصلاة ، قال الصادق عليه‌السلام (١) حين سئل عما فرض الله تعالى من الصلاة فقال : « الوقت والطهور والتوجه والقبلة والركوع والسجود والدعاء ، ومن ترك القراءة في صلاته متعمدا فلا صلاة له ، ومن ترك القنوت متعمدا فلا صلاة له » وهو أصرح من كلامه في الفقيه ، بل يأبى بذل الجهد في تأويله بإرادة التأكد ونفي الكمال أو الترك رغبة عنه من التعمد ونحو ذلك مما تسمعه في النصوص لغلبة تعبيره بما في النصوص معلقا قصده بالقصد بها ، ولأجله قال بعض أصحابنا : إن المخالف غير معلوم ، وقال في التذكرة ما سمعت ، بل ربما أول باحتمال إرادته أيضا نفي الصلاة للتارك له في كل صلاة دون البعض ، فيكون منه تعريضا بالعامة أو مبنيا على وجوب فعل المستحب ولو مرة ، والجميع كما ترى تكلفات لا داعي إليها ، إذ خلافه لا يقدح في الإجماع كما اعترف به بعض الأساطين ، وغروره بظاهر النصوص غير عزيز ، بل هو المعلوم من طريقته في غير موضع.

نعم لا ريب في ضعفه للأصل وإطلاق الأدلة أو عموم بعضها ، والإجماع المحكي الذي يشهد له التتبع ، واستبعاد الخفاء في مثله على المسلمين ، وخلو النصوص البيانية عنه كأحاديث المعراج (٢) التي تضمنت كل ما فرض في الركعتين الأولتين وغيرها ، وصحيح البزنطي (٣) المروي في التهذيب عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام في القنوت : « إن شئت فاقنت وإن شئت فلا تقنت » قال أبو الحسن عليه‌السلام : « وإذا كانت التقية فلا تقنت ، وأنا أتقلد هذا » وفي الوسائل‌

__________________

(١) الهداية باب ٣٧ ص ٢٩ من طبعة طهران عام ١٣٧٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة ـ الحديث ١٠ و ١١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ١.

٣٥٤

و‌بإسناده عن الحسين بن سعيد عن أحمد بن محمد (١) عنه قال : قال لي أبو جعفر عليه‌السلام وذكر مثله ، إلا أنه قال : « القنوت في الفجر » وظاهره أنهما صحيحان مستقلان ، ولعله لذا ذكرهما في الرياض خبرين وإن كان لا يخلو من نظر ، وموثق سماعة (٢) « سألته عن القنوت في الجمعة قال : أما الامام فعليه القنوت في الركعة الأولى بعد ما يفرغ من القراءة قبل أن يركع ، وفي الثانية بعد ما يرفع رأسه من الركوع قبل السجود ، وإنما صلاة الجمعة مع الامام ركعتان ، فمن صلى من غير إمام وحده فهي أربع ركعات بمنزلة الظهر ، فمن شاء قنت في الركعة الثانية قبل أن يركع ، وإن شاء لم يقنت ، وذلك إذا صلى وحده ».

ولأنه هو الذي تنطبق عليه جميع النصوص بالحمل على شدة الندب ونفي الوجوب ونحوهما ، بخلاف القول بالوجوب فإنه مستلزم لطرحها أو حملها على التقية التي لا يلتجئ إليها إلا عند الضرورة ، إذ هي كالطرح ، فلا ريب حينئذ في أولوية إرادة نفي الوجوب منها في‌ خبر عبد الملك بن عمرو (٣) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : قنوت الجمعة في الركعة الأولى قبل الركوع وفي الثانية بعد الركوع فقال لي : لا قبل ولا بعد » وخبر داود بن الحصين (٤) « سمعت معمر بن أبي رئاب يسأل أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا حاضر عن القنوت في الجمعة فقال : ليس فيها قنوت » كما أنه لا ريب في أولوية إرادة شدة التأكد في الفريضة دون النافلة من غيره في‌ خبر الفضل بن شاذان (٥) عن الرضا عليه‌السلام المروي عن العيون « القنوت سنة واجبة في الغداة والظهر والعصر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٢.

(٢) ذكر صدره وذيله في الوسائل في الباب ٥ من أبواب القنوت ـ الحديث ٨ وقطعة من وسطه في الباب ٦ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٩.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ١٠.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٤.

٣٥٥

والمغرب والعشاء الآخرة » خصوصا بعد فتوى أساطين الأصحاب به كالسيد والشيخ والحلي والفاضل والشهيدين والمحقق الثاني على ما حكي عن بعضهم ، بل لا جهة لإرادة الوجوب حقيقة ، إذ لا ثمرة معتد بها حينئذ في التخصيص ، ومن ذلك يعلم إرادة الخمس من‌ خبر الأعمش (١) المروي عن الخصال عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام في حديث شرائع الدين « والقنوت في جميع الصلوات سنة واجبة في الركعة الثانية قبل الركوع وبعد القراءة » أو إرادة شدة التأكيد في خصوص الخمس ، بل ظاهرهم أيضا أولوية إرادة شدة التأكد في المتأكد من التقية في‌ مضمر سماعة (٢) « سألته عن القنوت في أي صلاة هو؟ فقال : كل شي‌ء يجهر فيه بالقراءة فيه قنوت » وصحيح محمد بن مسلم (٣) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن القنوت في الصلوات الخمس فقال : اقنت فيهن جميعا ـ قال ـ : وسألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذلك فقال لي : أما ما جهرت به فلا شك » وفي‌ الموثق عن زرارة (٤) عن أبي جعفر عليه‌السلام « القنوت في كل الصلوات » قال محمد بن مسلم : « فذكرت ذلك لأبي عبد الله عليه‌السلام فقال : أما ما لا يشك فيه فما يجهر فيه بالقراءة ».

ومن هنا وما تسمعه من خبر ابن وهب (٥) قال في الذكرى : إن أخبار الاستحباب كادت تبلغ التواتر وأفتى أولئك وغيرهم بأنه في الجهرية آكد وإن كان قد يشكل بظاهر‌ موثق أبي بصير (٦) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن القنوت فقال : فيما يجهر فيه بالقراءة ـ قال ـ : فقلت له : إني سألت أباك عن ذلك فقال : في الخمس كلها ، فقال : رحم الله أبي إن أصحاب أبي أتوه فسألوه فأخبرهم بالحق ثم أتوني‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٤.

(٥) الظاهر أنه خبر وهب الذي يأتي في ص ٣٥٨ لأنه لا يتعرض لخبر عن ابن وهب.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ١٠.

٣٥٦

شكاكا فأفتيتهم بالتقية » ضرورة ظهوره في تساوي الجميع وأن ما صدر منه في خصوص الجهر للتقية ، لكن قد يدفع برجحان الأول ، لعدم معلومية المراد من الخبر المزبور ، إذ التقية كما هي في غير الجهرية فيها أيضا عدا الفجر ، فإنه لم يحك عن أحد منهم جوازه في مطلق الجهرية ، اللهم إلا أن يراد بالتقية فيه مطلق خلاف الواقع أو نحو ذلك ، ولأن محمد بن مسلم الذي هو أحد الرواة للإخبار الأول أجل من أن يدخله الشك ، ولأنه لم ينهه عن القنوت في غير الجهرية حتى يكون مفتيا به في التقية بل نفى الشك عنه في الجهرية ، على أنه قد ذكر له ما سمعه هو وزرارة عن أبيه (ع) ومع ذلك قد أجاب بما عرفت ، إلى غير ذلك مما في الخبر المزبور من الإجمال الداعي إلى ترجيح الحمل الأول عليه.

فما في كشف اللثام ـ من الميل إلى ما يعطيه الخبر المزبور من التساوي من حيث الوظيفة وإن اختلفا بالرجحان العارضي كعدم التقية أو ضعفها فيتأكد حينئذ فيما لا تقية فيه كالفجر ـ ضعيف مخالف لظاهر كلمات الأصحاب كما عرفت ، بل ظاهر الشيخ والحلي والفاضل والمحقق الثاني والشهيد الثاني أولوية إرادة التأكد في خصوص الغداة والجمعة من التقية في‌ صحيح سعد بن سعد الأشعري (١) « سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن القنوت هل يقنت في الصلوات كلها أم فيما يجهر فيه بالقراءة؟ قال : ليس القنوت إلا في الغداة والجمعة والوتر والمغرب » ولذا قالوا : إنه فيهما آكد من باقي الجهرية ، لكن قد يشكل بأنه ينبغي إضافة المغرب والوتر ، بل مقتضاه رجحان الوتر على مطلق الفريضة ، كما أنه كان ينبغي لهم أن يذكروا شدة التأكد في الفجر منهما كما عن الشيخ لخبر يونس بن يعقوب (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن القنوت في أي الصلوات أقنت؟ فقال : لا تقنت إلا في الفجر » اللهم إلا أن يكون منعهم عن ذلك شدة ظهوره في التقية من جهة أنه عين المحكي عن الشافعي بخلاف النصوص‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٦.

٣٥٧

الأول ، كما أنه قد يعتذر عن عدم استثناء الوتر بنحو ذلك أيضا ، لإطباقهم على ما قيل على القنوت فيه وإن كان إنما هو في ثانية الشفع ، لكن الإجمال في الاسم يكفينا في تأدية التقية.

وكيف كان فقد ظهر لك أنه بدون القول بالندب لا بد من الطرح ونحوه مما يقتضي إبطال الدليل مع امتناع الحمل على التقية فيها جميعها بناء على اعتبار مذهب لهم في صحة الحمل عليها ، بل لا يخفى على الخبير باللسان والأحوال ظهور الندب من كثرة سؤال هؤلاء الفحول من الرواة عن محله من الصلوات وعن خصوص مكانه من كل صلاة ونحو ذلك مما لم يقع في شي‌ء من واجبات الصلاة ، إذ من المستبعد مع وجوبه خفاء مثله هذا الخفاء ، بل يمكن دعوى ظهور الندب أيضا من‌ خبر وهب بن عبد ربه (١) عن الصادق عليه‌السلام « من ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له » وخبره الآخر (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « القنوت في الجمعة والعشاء والعتمة والوتر والغداة ، فمن ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له » ضرورة أنه على الوجوب لا ينبغي تعليق نفي الصلاة على الترك رغبة عنه ، بل هو على الترك عمدا رغبة أو غير رغبة ، بل قد يستفاد من التفريع بالفاء في الثاني أن جميع النصوص المتضمنة لمثل هذه الجملة الاسمية مراد منها الندب بقرينة هذا التفريع عليها ، ونفي الصلاة حينئذ تعريض بالعامة التاركين له رغبة عنه ، فهي بالاخبار حينئذ أولى من الإنشاء ، ويمكن إرادة نفي الكمال منها ، ويمكن نفي الصحة بناء على اندراج مثله في التشريع إذا فرض أنه اعتبر في نيته الصلاة التي لم يشرع فيها القنوت ، وهي لا وجود لها في الخارج ، فهو حينئذ كالتشريع في الزيادة المتعقبة للعمل المركب كتخميس الظهر وتسديسه ، لكنه لا يخلو من تكلف ، فتأمل.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ١١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٢.

٣٥٨

وعلى كل حال فقد ظهر لك أن الاستدلال بهذه النصوص على الوجوب في غير محله ، فلم يبق إلا الأوامر به (١) أو بقضائه ونحوه مما هو مستلزم للوجوب التي يجب الخروج عنها بأقل من ذلك ، وإلا‌ موثق عمار (٢) عن الصادق عليه‌السلام « إن نسي الرجل القنوت في شي‌ء من الصلاة حتى يركع فقد جازت صلاته وليس عليه شي‌ء وليس له أن يدعه متعمدا » ولا ريب في عدم مقاومته لما عرفت من وجوه ، فيجب حمله على شدة الكراهة أو على الترك رغبة عنه أو غير ذلك.

وأما الآية (٣) ـ فمع إرادة غير المعنى الشرعي من القنوت فيها ، لعدم ثبوته له ، أو للأخبار الواردة في تفسيرها كالمروي (٤) عن تفسير العياشي أي مطيعين راغبين ، فيكون لفظ الجلالة متعلقا به ، وفي آخر (٥) مقبلين على الصلاة محافظين لأوقاتها ، قيل : ونحوه روى علي بن إبراهيم (٦) نعم عن مجمع البيان (٧) عن الصادق عليه‌السلام في تفسيرها أي داعين في الصلاة حال القيام ، وهو وإن ناسب المعنى الشرعي إلا أنه غير صريح فيه ولا ظاهر ، فان الدعاء فيها حال القيام لا يستلزمه ، لأعميته منه مع تضمن الحمد الدعاء ، على أنه لا بد من إرادة الأعم من الدعاء من لفظ الدعاء في الخبر المزبور ، ضرورة عدم انحصار القنوت فيه ، لأن أفضل ما يقال فيه كلمات الفرج ، وليس فيها شي‌ء من الدعاء ، وحينئذ شموله للقراءة ونحوها غير ممنوع ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٧ و ٩ والباب ١٦ منها.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٣.

(٣) سورة البقرة ـ الآية ٢٣٩.

(٤) تفسير الصافي سورة البقرة ـ الآية ٢٣٩.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ـ الحديث ٥.

(٦) تفسير على بن إبراهيم ص ٦٩.

(٧) مجمع البيان ج ١ ص ٣٤٣ طبع صيدا.

٣٥٩

وبذلك ونحوه أجاب في كشف اللثام عن بعض النصوص المتضمنة لوجوب الدعاء ، كخبر زرارة (١) سأل أبا جعفر عليه‌السلام « عن الفرض في الصلاة فقال : الوقت والطهور والقبلة والتوجه والركوع والسجود والدعاء » بعد إرادة تكبيرة الإحرام من التوجه فيه ـ قلت : قد يناقش بعد في الآية أيضا بمنع استفادة الوجوب المطلق من مثل هذا التركيب فيها ، إذ الحال ما أفهم معنى في هذه الحال ، فيكون الحاصل قوموا لله في حال القنوت ، وهو بمعزل عن الدلالة على إطلاق وجوب الحال ، ونحوه قولك : آتني زيدا راكبا ، وغيره ، وبه جزم بعض المحققين ، إلا أن الانصاف إمكان الفرق بين الحال التي هي من أوصاف المكلف وبين غيره من الأحوال ، فيجب الأول مطلقا بخلاف الثاني ، والفارق الفهم العرفي ، فتأمل جيدا.

كما أن من الانصاف القطع بعدم إرادة المعنى الشرعي من القنوت فيها ، خصوصا بعد ملاحظة استفاضة النصوص (٢) في أنه سنة ، وفي بعضها (٣) سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونحو ذلك مما يقطع معه بعدم استفادة وجوبه من الكتاب ، وإلا لكان من الفرض ، وبعد عدم معروفية الاستدلال بالآية على العامة من الأئمة عليهم‌السلام وأصحابهم كما هي طريقتهم في كل مسألة خلافية بينهم وكان لها في الكتاب أثر بل التقية فيها تضعف ، لإمكان قطع الخصم بأيسر شي‌ء ، على أن المعروف في النصوص أن كل ما هو فرض في الصلاة تعاد الصلاة من تركه عمدا وسهوا ، بخلاف الواجب من السنة لأنها لا تنقص الفريضة ، وغير ذلك مما يقطع معه بإرادة مطلق الذكر من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٨ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ٤ و ٦ والباب ١٦ منها ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ١.

٣٦٠