جواهر الكلام - ج ١٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

أبي بصير (١) : « إنما التسليم » وخبره الآخر الطويل (٢) وغيرهما من قوله عليه‌السلام : « تحليلها التسليم » ونحوه كون التسليم كالتشهد ونحوه من الألفاظ المراد بها هيئات متعددة مختلفة بالكمال وعدمه ، وإلا فالكل واجب على التخيير ، فالكامل منه مثلا المشتمل على التسليم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والملائكة وغيرهم ممن هو مذكور في النصوص إلى الصيغة الثانية ، ودونه المشتمل على الصيغتين خاصة ، أو على التسليم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع الصيغة الثانية كما في بعض النصوص (٣) أيضا ، أو على الصيغة الأولى خاصة ، أو مع التسليم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو على الصيغة الثانية خاصة ، أو غير ذلك من الهيئات المستفادة من النصوص ، وليس هو من التخيير بين الأقل والأكثر قطعا خصوصا بعد ما سمعت في التسبيح في الأخيرتين ونحوه ، إذ ما نحن فيه أولى بعدم توهم ذلك ، ضرورة كونه من قبيل تعدد مسميات الاسم الذي اكتفى الشارع فيه بالإتيان بأحدها ، فالآتي حينئذ بهيئة من الهيئات السابقة التي للاقتصار وعدمه الواقعين منه في الخارج مدخلية فيها لا النية ونحوها آت بواجب وإن طال ، كما أنه لو اقتصر على السلام علينا أو السلام عليكم أجزأ لصدق التسليم حينئذ.

ومنه ينقدح استحباب إضافة « وعلى عباد الله الصالحين » ضرورة صدق التسليم بدونها ، وربما ظهر ذلك من عبارة الذكرى السابقة بل وغيرها وإن كنا لم نعثر على نص بالخصوص مشتمل على الاقتصار ، ولعله لكون المتعارف استعمالها عند العامة في التشهد الأول كما أشاروا إليه عليهم‌السلام في النصوص السابقة بما ذكروه من فساد الصلاة باعتبار كونه من التسليم الذي محله التشهد الأخير ، فلاحظ وتأمل جيدا.

وعلى كل حال فالمحلل التسليم ، وهذه هيئات مختلفة له بمنزلة الأفراد له ، وهو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التسليم ـ الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التسليم ـ الحديث ٩.

٣٢١

جيدا جدا لكنه خلاف ظاهر الأصحاب ، اللهم إلا أن يبنى بعض ما ينافي ذلك من كلماتهم على التسامح ، وإلا فمراد الجميع أو الأكثر ذلك ، لكن على كل حال لا يتم معه قول المصنف وبأيهما بدأ كان الثاني مستحبا ضرورة عدم استفادة تعقيب الصيغة الثانية بالأولى من النصوص ، بل ولا من المصنفات عدا كتب المصنف ومن تبعه كما اعترف به الشهيد بخلاف العكس ، ولعله أخذه منه بدعوى استفادة رجحان قول سببي التحليل منه استظهارا واحتياطا كالوضوء بعد الوضوء ، لكنه كما ترى ، وأضعف منه الاستناد إلى إطلاق ما دل على الأمر به تقدمت الصيغة الثانية أولا ، إذ لا إطلاق معتد به صالح لذلك ، فالأولى الاقتصار على تعقيب الصيغة الثانية ، والظاهر إرادة كونه جزءا مستحبا لا خارجا ، لكثير من الأدلة التي سمعتها سابقا ، إلا أنه قد ينافيه صحيح الحلبي (١) السابق الظاهر في انتهاء الأجزاء حتى المندوبة بالصيغة الأولى ، ويمكن حمله على غير التسليم ، كما أنه بناء على ما ذكرنا من الوجوب التخييري بين الهيئات لا نحتاج إلى شي‌ء من ذلك ، فتأمل جيدا فان المقام من مزالق الأفهام.

ويكفيك أن الشهيد رحمه‌الله مع شدة تبحره وحسن وصوله إلى المطالب الغامضة قد اضطرب عليه المقام كما لا يخفى على كل ناظر للذكرى إلى أن قال : « هذه المسألة من مهمات مسائل الصلاة ، وقد طال الكلام فيها ، ولزم منه أمور ستة : أحدها القول بندبية التسليم بمعنييه كما هو مذهب أكثر القدماء ـ ورده بمنافاته المتواتر من القول الذي لم يقرن بما يدل على ندبيته ، وبغير ذلك مما عرفته سابقا ـ ثانيها وجوبه بمعنييه ، أما السلام عليكم فلإجماع الأمة ، وأما الصيغة الأخرى فلما مر من الأخبار (٢) التي لم ينكرها أحد من الإمامية مع كثرتها ، لكنه لم يقل به أحد فيما علمته ـ قلت :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب التسليم ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب التسليم.

٣٢٢

لم ينعقد إجماع الأمة على الوجوب ، بل هو على الخروج كظاهر النصوص (١) السابقة فالقول بوجوبهما معا في غاية الضعف ، بل النصوص والإجماع بقسميه تشهد بخلافه ـ ثالثها وجوب السلام علينا عينا وقد تقدم القائل به ، وفيه خروج عن الإجماع من حيث لا يشعر قائله ـ قلت : هذا حكاه سابقا عن يحيى بن سعيد ، وعزاه المصنف في المعتبر إلى الشيخ في التهذيب ، ولا ريب في ضعفه للإجماع بقسميه ، بل الضرورة على الخروج بالصيغة الثانية والنصوص متواترة به ، لكن في الرياض أنه لو لا الإجماع لأمكن القول به لظاهر ما مر من المستفيضة ، وفي كشف اللثام بعد أن حكى عن الشهيد ما سمعت قال : لكن الأخبار تعضده ، وربما يكون جمعا بين قولي وجوب التسليم واستحبابه بما ذكره بمعنى هل يجب مع هذه الصيغة الصيغة الأخرى ، وفيه مع أنه لا دلالة فيها على الوجوب العيني بل أقصاها الخروج الذي هو أعم من ذلك أن النصوص المتواترة الدالة على الخروج بالثانية كافية في رده ، بل القول بوجوبها عينا أقرب منه من وجوه لا تخفى ، والجمع بين القولين لا يختص بدعوى الوجوب العيني ، على أن قوله في كشف اللثام « بمعنى » إلى آخره لا يخلو من تأمل ـ رابعها وجوب السلام عليكم عينا لإجماع الأمة على فعله ، وينافيه ما دل على انقطاع الصلاة بالصيغة الأخرى مما لا سبيل إلى رده ، فكيف يجب بعد الخروج من الصلاة ـ قلت : مضافا إلى ما عرفته سابقا ـ خامسها وجوب الصيغتين تخييرا جمعا بين ما دل عليه إجماع الأمة وأخبار الإمامية ، وهو قوي متين إلا أنه لا قائل به من القدماء ، وكيف يخفى عليهم مثله لو كان حقا ـ قلت : فيه ما عرفته سابقا مفصلا ـ سادسها وجوب السلام عليكم أو المنافي تخييرا ، وهو قول شنيع ، وأشنع منه وجوب إحدى الصيغتين أو المنافي » قلت : هو من خواص أبي حنيفة من العامة كما سمعته سابقا ، وإلى هنا قد انتهى كلامه.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب التسليم.

٣٢٣

ومن العجيب أنه خرج من المسألة بلا حاصل ، على أنه ترك احتمال وجوب السلام عليكم عينا تعبدا وإن خرج بالأولى كما حكاه سابقا عن البشرى واختاره جماعة من متأخري المتأخرين وإن كان قد عرفت ما فيه سابقا مفصلا ، وترك أيضا احتمال الوجوب التخييري بالطريق الذي ذكرناه ، ثم قال بلا فصل : « وبعد هذا كله فالاحتياط للدين بالإتيان بالصيغتين جمعا بين القولين ، وليس ذلك بقادح في الصلاة بوجه من الوجوه وينوي الخروج بهما باديا بالسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين لا بالعكس ، فإنه لم يأت به خبر منقول ولا مصنف مشهور سوى ما في بعض كتب المحقق ويعتقد ندب السلام علينا ووجوب الصيغة الأخرى ، وإن أبى المصلي إلا إحدى الصيغتين فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته مخرجة بالإجماع » وفيه بعد حمل الاعتقاد في كلامه على إرادة الفعل بعنوان الوجوب والندب أنه لا مدخلية لذلك في تحصيل الاحتياط ، بل إذا احتاط ينبغي أن لا يعتقد ندب شي‌ء منهما ولا وجوبه ، ومنه يعلم ما في حاشية الإرشاد للمحقق الثاني حيث قال : ندب التسليم قوي وإن كان الوجوب أحوط لا سيما ووقوعه في آخر الصلاة ، فلا يلزم من اعتقاد الوجوب تخيل قادح بوجه ، إذ على تقدير الاستحباب يكون فعله بقصد الوجوب بعد تمام الصلاة ، وكان ذلك منه ومن الشهيد مبني على اعتبار نية الوجه ، لكن قد يمنع اعتبارها في خصوص الأجزاء وإن قلنا بها في أصل الفعل خصوصا في مقام الاحتياط ، وإلا لوجب معرفة الواجب والندب للمقدمة إلا أنه ومع ذلك فالإنصاف أنه لا يخلو جميع ذلك من بحث خصوصا مع احتمال وجوب التسليم خارجا ، وخصوصا بناء على مدخلية نية الوجه في الامتثال كما يقضي به بعض أدلتهم.

ثم إنه كما أن من الأصحاب من أوجب السلام علينا عينا ولا موافق له أوجب بعضهم السلام على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما عرفته سابقا ، فان كان الاحتياط الجمع‌

٣٢٤

بين الصيغتين للخروج من الخلاف كان الأحوط الجمع بين الصيغ الثلاث وأن لا ينوي الخروج بشي‌ء منها بعينه ، لعدم توقف حصوله على معرفة المخرج بالخصوص ، ضرورة ظهور الأدلة في كونه سببا مخرجا قهرا بل وإن لم يقصد الخروج كما يومي اليه النكير على العامة بفعله في التشهد الأول مع القطع بعدم قصدهم الخروج به ، وأيضا يرد عليه أنه كيف يكون ذلك طريق احتياط وهو مخالف لما أفتى به هو نفسه فضلا عن غيره في المحكي من ألفيته من أن ما يقدمه منهما يكون واجبا والثاني مستحبا ، ولو عكس لم يجز اللهم إلا أن يتجشم له بتأويل يرفع ذلك ، مع أنه إن كان الجمع بين الصيغتين للخروج عن شبهة الخلاف في الوجوب لم يحسن الأمر باعتقاد الندبية ، وأيضا إذا كانت الصيغة الثانية مخرجة بالإجماع فلا جهة للاحتياط بعد القطع بالامتثال ، وربما أورد عليه زيادة على ذلك أنه لا وجه للاحتياط بتقديم الصيغة الأولى وهي مندوبة بالإجماع ، وقد ثبت كونها قاطعة ، فمع تقدمها تكون فاصلة بين أجزاء الصلاة على القول بالتسليم ، مضافا إلى إطلاق الحكم بإفساد قولها في التشهد ، ويدفع بالإجماع والنصوص (١) على صحة هذه الصورة ، وما دل على إبطالها في التشهد من النصوص (٢) مختص بالتشهد الأول قطعا والقائل بوجوب الصيغة الثانية بالخصوص وأنها جزء لا يقول بكون الصيغة الأولى مخرجة ، أو يقيد الوجوب بمن لم يقل هذه الصيغة كما هو واضح ، هذا.

وقد ظهر من بعض ما ذكرنا عدم اعتبار نية الخروج بالتسليم خصوصا على المختار من الجزئية ، ضرورة الاكتفاء بنية الجملة ، على أن الخروج بالتسليم من الأمور المترتبة شرعا على قوله المقصود ، ومنه يعلم عدم اعتبارها أيضا حتى على القول بخروجه ، نعم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٢ والمستدرك ـ الباب ـ ٢ من أبواب التسليم ـ الحديث ١ و ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب التسليم.

٣٢٥

يعتبر فيه عدم قصد التحية ونحوها كما أومأ إلى ذلك في الجملة ما سمعته من النكير على قوله في التشهد الأول وأنه به يحصل فساد الصلاة لتسبيبه التحليل لمنافياتها المنافي لانعقادها وصحتها ، ضرورة حرمة المنافي في الصلاة ، وبه حينئذ يظهر ما في احتمال الوجوب قياسا على المحلل في الحج والعمرة ، بل استوجهه في الذكرى لذلك على تقدير الخروج ، كما أنه استوجه عدم اعتبار النية على الدخول ، مع أنه دفعه في جامع المقاصد بالفرق بين الصلاة والحج ، إذ الأولى تعد فعلا واحدا لارتباط بعضها ببعض ، ولهذا تفعل بنية واحدة ولا تصح إلا كذلك ، بخلاف الحج المنفصل كل فعل منه عن الآخر واحتياجه إلى نية بالاستقلال ، فنية الصلاة حينئذ تتناوله وإن لم يكن جزء ، لأن مقتضاها نية فعل الصلاة بتمامها الذي لا يكون بدون التسليم ، وإن كان هو لا يخلو من بحث ونظر ، كتعليل الذكرى عدم اعتبار نية الخروج بأن جميع العبادات لا تتوقف على نية الخروج ، بل الانفصال منها كاف في الخروج ، وبأن مناط النية الإقدام على الأفعال لا التروك لها ، بل هو واضح البطلان خصوصا الأخير منه ، ونحوه تعليله الاعتبار بأن نظم السلام يناقض الصلاة في وضعه من حيث أنه خطاب الآدميين ، ومن ثم يبطل الصلاة بفعله في أثنائها عامدا ، وإذا لم يقترن به نية تصرفه إلى التحليل كان مناقضا للصلاة مبطلا لها ، والأولى التعليل بما سمعت من أن الخروج بالتسليم من الصفات المترتبة على قوله من غير مدخلية للنية ، نعم قد يقال باعتبار عدم قصد أمر آخر به من تحية ونحوها مما لا مدخلية له في الصلاة ، مع احتمال تحقق الخروج به وإن قصد كما يومي اليه في الجملة استحباب قصد الإمام المأمومين وقصد المأمومين الرد ، بل في الذكرى احتمال وجوبه على المأمومين لعموم أدلة التحية.

وقد يفرق بين المقصود به التحية صرفا وبين الملاحظة فيه مع ذلك الصلاة في الجملة ، فيخرج بالثاني وإن كان الذي أريد تحيته غير مأموم بل غير مصل بخلاف الأول‌

٣٢٦

لكن الأقوى العدم حتى في الأخير لأصالة عدم التداخل ، فلو قصد به التحية أو الرد مع الخروج بطلت الصلاة في غير المستفاد من النصوص كما ستعرف تمام البحث فيه إن شاء الله تعالى ، ولعل هذا أو نحوه مراد الشهيد في الذكرى ولو سلم بنية عدم الخروج به بطلت صلاته على القولين لا مطلقا ، لما عرفت من صراحة النصوص في حصول التحليل بما تأتي العامة به في التشهد الأول ، ومن المقطوع به قصدهم عدم الخروج به ، ولو قصد الخروج بالتسليم من غير ما هو متلبس بها من الصلاة فعلى القول بوجوب نية الخروج يتجه البطلان مع العمد ، أما مع الغلط ففي الذكرى فيه إشكال منشأه من النظر إلى قصده في الحال فيبطل الصلاة ، وإلى أنه في حكم الساهي ، قلت : فيسلم حينئذ ثانيا ثم يسجد للسهو كما يفعل الساهي ، وقد يحتمل صحة نفس ما صدر منه من التسليم صرفا للنية إلى الممكن ، وأن الغالط كالقاصد إلى ما هو بصدده ، بل الغالط في مثل المقام عند التأمل لا يخلو من ذلك أو من السهو ، فاحتمال البطلان حينئذ ضعيف جدا ، وطريق الاحتياط واضح ، وعلى القول بعدم وجوب نية الخروج ففي الذكرى لم يضر الخطأ في التعيين نسيانا كالغلط ، أما العمد فمبطل ، قلت : قد يأتي احتمال البطلان في الغلط بناء على تعليله السابق ، كما أنه يمكن احتمال الصحة في حال العمد ، لأنه لا يزيد على ما قصد به عدم الخروج به من الصلاة ، فتلغى حينئذ نيته ، لإطلاق ما دل على حصول التحليل به فالجزم بالبطلان حينئذ لا يخلو من نظر ، كما أنه لا يخلو ما ذكره بعد ذلك ـ من أن وقت النية على القول بها عند التسليم مقارنة له ، فلو نوى الخروج قبل التسليم بطلت الصلاة لوجوب استمرار حكم النية ، ولو نوى الخروج عنده لم تبطل ، لأنه قضية الصلاة ، إلا أنه لا يكفيه هذه النية بل يجب عليه النية مقارنة له ـ من النظر أيضا ، ويعرف بالتأمل فيما سبق في النية ، ولو تذكر في أثناء نية الخروج صلاة فائتة وجب العدول إليها بناء على الجزئية ، لإطلاق الأدلة ، ولا يجب فيه تجديد نية الخروج ولا إحداث نية التعيين في‌

٣٢٧

الخروج لهذه الصلاة التي فرضه الخروج منها ، كما لا يجب في الصلاة المبتدأة التعيين ، لأن نية العدول تصرف التسليم إليها.

ثم من المعلوم أن نية الخروج بناء عليها بسيطة لا يشترط فيها تعيين ما وجب تعيينه في نية الصلاة ، إذ الخروج إنما هو عما نواه ، فيتشخص ، قال في الذكرى : « ويحتمل أن ينوي الوجوب والقربة لا تعيين الصلاة والأداء ، لأن الأفعال تقع على وجوه وغايات ، أما تعيين الصلاة والأداء فيكفي فيه ما تقدم من نيتها وإرادة الخروج عنها » وهو كما ترى لا يخلو من نظر وبحث.

ثم لا يخفى بناء على الجزئية والوجوب اعتبار جميع ما يعتبر في الصلاة فيه ، بل الظاهر جريان جميع ما سمعته في التشهد وغيره أيضا من وجوب الجلوس وندبه وكراهته والطمأنينة والاعراب والعربية مع القدرة ، وإلا وجب التعلم نحو ما سمعته في التشهد ، لانسياق مساواته له في ذلك كله إلى الذهن من النصوص والفتاوى خصوصا المشتمل على ذكره تفصيلا ، بل قد يطلق التشهد على ما يشمله ، لكن يجب الاقتصار على الصورة المتعارفة في المخرج منه كما هو ظاهر بعض وصريح آخر ، بل في الدروس نسبته إلى الموجبين ، لعدم ثبوت غيرها بعد انصراف إطلاق النصوص إليها ، ولا خلاف أجده فيه في الصيغة الأولى ، أما الصيغة الثانية لو أراد الخروج بها ففي المعتبر الأشبه أنه يجزي سلام عليكم واستقر به في التذكرة ، لوقوع اسم التسليم عليها ، ولأنها كلمة ورد القرآن بصورتها ، فتكون مجزية ، وفي التذكرة ولأن عليا عليه‌السلام كان يقول ذلك عن يمينه وشماله (١) ولأن التنوين يقوم مقام اللام ، وفيه منع واضح بعد ما عرفت من انصراف الإطلاق إلى الصورة المتعارفة المصرح بها في جملة من المعتبرة كخبر ابن‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٢ ص ١٧٨.

٣٢٨

أبي يعفور (١) المروي عن جامع البزنطي وخبر أبي بصير (٢) وخبر أبي بكر الحضرمي (٣) وخبر ابن أذينة (٤) وخبر يونس بن يعقوب (٥) وغيرها ، وإلا لأجزئ المعنى كيف كان ، وقد اعترف هو بفساده حيث حكى عن الشافعي الاجتزاء بعكس الصورة المتعارفة التي لم تجز عندنا قولا واحدا كما في التحرير معللا له بحصول المعنى ، والورود في القرآن لا يقتضي التجاوز عن المأثور بالصلاة ، والمحكي عن علي عليه‌السلام في خبر سعد التعريف ، وضعف الأخير واضح.

نعم ظاهر أكثر النصوص (٦) المزبورة كإطلاق غيرها عدم اعتبار إضافة « ورحمة الله وبركاته » كما هو خيرة المصنف والفاضل والشهيد وغيرهم ، بل هو المحكي عن بني عقيل والجنيد وبابويه ، بل ربما نسب إلى الأكثر ، بل في المنتهى نفي الخلاف عن جواز ترك « وبركاته » بل عن المفاتيح الإجماع على استحبابه ، فيحمل حينئذ ما في‌ حديث المعراج (٧) ـ « فقال لي : يا محمد (ص) سلم ، فقلت : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته » ـ على الفضل ولو لأحد فردي الواجب التخييري كما عن بعض التصريح به ولعله مراد الباقين نحو ما سمعته في التشهد والتسبيح ، وربما يومي اليه في الجملة إتيانه منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم امتثالا للأمر بالتسليم ، ودونه في الفضل الاقتصار على « ورحمة الله » المروي في‌ صحيح علي بن جعفر (٨) قال : « رأيت موسى وإسحاق ومحمد بني جعفر (ع) يسلمون في الصلاة على اليمين والشمال السلام عليكم ورحمة الله » ولا داعي إلى حمله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التسليم ـ الحديث ١١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التسليم ـ الحديث ٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التسليم ـ الحديث ٩.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة ـ الحديث ١٠.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التسليم ـ الحديث ٥.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التسليم ـ الحديث ٨ و ٩ و ١١ و ١٥.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة ـ الحديث ١٠.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التسليم ـ الحديث ٢.

٣٢٩

على التقية وإن كان المحكي عن العامة ترك « وبركاته » كما أنه لا داعي إلى تنزيل ما في النصوص (١) الكثيرة من الاقتصار على « السلام عليكم » المعتضد بإطلاق النصوص والفتاوى على إرادة « السلام عليكم » إلى آخر ما يعرفه المخاطب من الإشارة بالبعض إلى الكل ، إذ دعوى التعارف بهذه الصورة في الأزمنة السابقة ممنوعة ، فما عن الحلبي ـ من إيجاب « ورحمة الله » وعن غاية المراد حكايته عن السيد ، قيل : واليه مال في مجمع البرهان ، بل عن ابن زهرة والشهيد في الألفية وظاهر البيان والمحقق الثاني في فوائد الشرائع وتعليق النافع والشهيد الثاني في المسالك والمقداد في التنقيح إيجاب « وبركاته » ـ أيضا ضعيف ، مع أني لم أتحققه في بعض ما حضرني من هذه الكتب.

ولا فرق فيما ذكرنا من المحافظة على الصورة الخاصة بين تقديم الخروج بأحدهما وعدمه تحصيلا لوظيفة الندب والمحافظة على الواجب الخارجي على اختلاف الرأيين ، نعم لو أخل بها عمدا لم تبطل الصلاة بناء على الخروج بالأولى وضعف احتمال الوجوب الشرطي ، على أنه يعيده وتصح صلاته ، إذ لم يصدر مناف في أثناء الصلاة ، بخلاف ما إذا لم يأت بأحدهما بناء على أنه من كلام الآدميين حينئذ ، ولعله إلى هذا أومأ في المنتهى حيث قال : إن أتى بغير المجزي متعمدا بطلت صلاته ، لأنه كلام في الصلاة غير مشروع ، وإن بدأ بالعبارة الثانية ثم أتى بالعبارة الأولى جاز له أن يأتي بأي صيغة أراد ، وعلى أي كيفية أوجدها صح ، لأنه يكون قد خرج من الصلاة ، لا أن المراد الجواز بحيث تحصل له وظيفة الندب إن قلنا به لعدم الدليل ، والخروج بالأولى لا يصلح مستندا للتعميم المزبور ، لكن قال بعد ذلك : لو قال : « سلام عليكم » منكرا فان أتى به بعد قوله : « السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين » أجزأه ، لأنه يكون إتيانه خارج الصلاة ، مع أنه تردد في الخروج به لو ابتدأ به مما عرفته سابقا ، ويمكن حمله أيضا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التسليم ـ الحديث ٨ و ٩ و ١١ و ١٥.

٣٣٠

على ما ذكرنا ، وإلا فلا تأثير للتقديم في مشروعية التعميم ، والله أعلم.

وأما مسنون هذا القسم فهو أن يسلم المنفرد إلى القبلة لا يمينا ولا شمالا بلا خلاف أجده فيه ، بل في ظاهر الغنية أو محتملها والمدارك وغيرهما الإجماع عليه ، لقول الصادق عليه‌السلام في صحيح عبد الحميد (١) « إن كنت تؤم قوما أجزأك تسليمة واحدة عن يمينك ، وإن كنت مع إمام فتسليمتين ، وإن كنت وحدك فواحدة مستقبل القبلة » وما في‌ حديث المعراج (٢) « ومن أجل ذلك كان السلام مرة واحدة تجاه القبلة » وغيرهما.

ولعله لهما ولغيرهما جعل المصنف وغيره من المسنون أيضا كونه تسليمة واحدة إلا أنه قد يشكل بأنها واجبة مع فرض الخروج بالصيغة الثانية خاصة ، لأنها بها يتحقق الواجب ، اللهم إلا أن يلاحظ ندب وصف الوحدية بحيث يفوته الاتباع بالثانية ، فتأمل ، مع احتمال إرادة المصنف ومن عبر كعبارته الرد على من أوجب الزائد من العامة ، لا أنه مستحب بالمعنى المصطلح المقتضي لجواز غيره وإن فقد صفة الندب حتى يشكل بظهور النصوص والفتاوى في عدم مشروعية التعدد له ، ولعله لذا عبر في المدارك في شرح العبارة المزبورة باكتفاء المنفرد بالتسليمة الواحدة إلى القبلة ناسبا له إلى مذهب الأصحاب ، والأمر سهل بعد وضوح المراد ، إذ الظاهر من النصوص والفتاوى عدم وجوب الزائد عليها عندنا ، بل وعدم استحبابه ، للأصل وظاهر النصوص (٣) وما في‌ صحيح علي بن جعفر (٤) « رأيت إخوتي موسى وإسحاق ومحمد بني جعفر عليه‌السلام يسلمون في الصلاة عن اليمين والشمال السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله » حكاية فعل لا عموم فيه ، مع احتماله الموافقة للعامة لحضورهم أو للتعليم ، فما في الذكرى ـ بعد أن روى ذلك « ويبعد أن يختص الرؤية بهم مأمومين لا غير ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التسليم ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة ـ الحديث ١٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التسليم.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التسليم ـ الحديث ٢.

٣٣١

بل الظاهر الإطلاق ، وخصوصا وفيهم الامام ، ففيه دلالة على استحباب التسليمتين للإمام والمنفرد أيضا غير أن الأشهر الواحدة فيهما » ـ ضعيف وإن أمكن تأييده بعدم معارضة صحيح ابن عواض (١) السابق ، لكونه مساقا للاجزاء لا لبيان الندب ، بل قد يشعر لفظ الاجزاء فيه بمشروعية غيره ، إلا أنه قد يمنع العطف فيه على معمول الاجزاء كما يشهد له نصب التسليمتين ، فالأولى تقدير العامل فيه أمرا ، فتأمل ، على أن غيره كاف في ثبوت المطلوب كما ستعرف ، لكن في المنتهى والتذكرة ـ بعد أن ذكر أن المجزي عند الإمامية تسليمة واحدة للإمام والمأموم والمنفرد ، وحكى خلاف بعض العامة في ذلك ثم ذكر دليلهم عليه بما رووا (٢) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من التسليمتين ـ أجاب بحمله على الندب ، بل في المنتهى « لا ريب في ندبية التعدد » إلى آخره ، وهو كما ترى ظاهر في مشروعية التعدد ، ويمكن حمل عبارات الأصحاب على ذلك بحمل الواحدة فيها على الأفضلية ، فيكون حكمهم بالاستحباب لذلك لا لما قلناه سابقا ، فتأمل ، وقال في المبسوط : « من قال من أصحابنا : إن التسليم فرض فبتسليمة واحدة يخرج من الصلاة ، وينبغي أن ينوي بها ذلك ، والثانية ينوي بها ذاك السلام على الملائكة أو على من في يساره » ويمكن حمله على إرادة المأموم ، وفي المحكي عن الموجز الحاوي « ويقصد بالأولى الخروج ، وبالثانية الأنبياء والملائكة والحفظة والأئمة عليهم‌السلام ومن على ذلك الجانب من مسلمي الإنس والجن ، والمأموم بالأولى الرد وبالثانية المأمومين » وهو كما ترى محتاج إلى التأمل ، ضرورة ظهوره في مشروعية التعدد مطلقا ، والله أعلم.

وأما أنه يستحب له أن يومي بمؤخر عينيه إلى يمينه فقد ذكره الحلبي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التسليم ـ الحديث ٣.

(٢) كنز العمال ج ٤ ص ٢٢٠ ـ الرقم ٤٦٩٤.

٣٣٢

في إشارته والشيخ قبل المصنف في المحكي عن نهايته ومصباحه والقاضي عن مهذبه ، وتبعهم المصنف وغيره ، بل قيل : إنه المشهور ، بل في الروضة أنه لا راد له ، لكن لم أجد في النصوص ما يدل عليه بالخصوص ، نعم في‌ خبر أبي بصير (١) عن الصادق عليه‌السلام « إذا كنت وحدك فسلم تسليمة واحدة عن يمينك » ولعله المراد مما ورد في النصوص (٢) من الأمر بالانصراف من الصلاة عن اليمين ، ومقتضى الجمع بينهما لا ينحصر بالإيماء بمؤخر العين ، ولذا قالوا في الإمام يومي بصفحة الوجه ، مع أنه كما ورد (٣) هنا الأمر بالاستقبال تارة وإلى اليمين أخرى كذلك ورد (٤) فيه ، اللهم إلا أن يفرق بأن ظاهر النصوص أن المراد بالإيماء في المنفرد الملك الموكل بالحسنات ، ومقعده على الشدق الأيمن بخلاف الإمام ، فإن المراد من الإيماء فيه ذلك والمأمومين ، فينبغي له زيادة الإيماء مع المحافظة على الاستقبال ، وليس هو إلا بصفحة الوجه ، وهي كما ترى اعتبارات لا تصلح لأن تكون مدركا لحكم شرعي ، خصوصا وفي‌ خبر المفضل ابن عمر (٥) المروي عن العلل « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام لأي علة يسلم على اليمين ولا يسلم على اليسار؟ قال : لأن الملك الموكل يكتب الحسنات على اليمين ، والذي يكتب السيئات على اليسار ، والصلاة حسنات ليس فيها سيئات ، فلهذا يسلم على اليمين دون اليسار ، قلت : فلم لا يقال : السلام عليك ، والملك الموكل على اليمين واحد ، ولكن يقال : السلام عليكم؟ قال : ليكون قد سلم عليه وعلى من على اليسار ، وفضل صاحب اليمين عليه بالإيماء إليه ، قلت : فلم لا يكون الإيماء في التسليم بالوجه كله ولكن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التسليم ـ الحديث ١٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب التعقيب.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التسليم ـ الحديث ٣ و ١٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التسليم ـ الحديث ١ و ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التسليم ـ الحديث ١٥.

٣٣٣

كان بالأنف لمن صلى وحده وبالعين لمن يصلي بقوم؟ قال : لأن مقعد الملكين من ابن آدم الشدقين ، فصاحب اليمين على الشدق الأيمن ويسلم المصلي عليه ليثبت له صلاته في صحيفته ، قلت : فلم يسلم المأموم ثلاثا؟ قال : تكون واحدة ردا على الامام وتكون عليه وعلى ملكيه ، وتكون الثانية على من على يمينه والملكين الموكلين به ، وتكون الثالثة على من على يساره وملكيه الموكلين به ، ومن لم يكن على يساره أحد لم يسلم على يساره إلا أن يكون يمينه إلى الحائط ويساره إلى من صلى معه خلف الامام ، فيسلم على يساره ، قلت : فتسليم الامام على من يقع؟ قال : على ملكيه والمأمومين يقول لملكيه : اكتبا سلامة صلاتي مما يفسدها ، ويقول لمن خلفه : سلمتم وأمنتم من عذاب الله عز وجل » وهو كالصريح في أن المنفرد يومئ بالأنف والامام يومي بعينه وإن كان قد وقع ذلك في كلام السائل إلا أن تقرير الامام (ع) له عليه مع أنه قد صدر منه بصورة المفروغ منه يكفي في حجيته ، ومن هنا أفتى به في الفقيه في الامام والمنفرد ، وعن الاقتصاد بطرف الأنف إلا أن إعراض الأصحاب عنه بالنسبة إلى ذلك وبالنسبة إلى تسليم المأموم ثلاثا يوهن الاستناد اليه ، خصوصا مع عدم انطباق الجواب فيه على السؤال المشعر بالاعراض عنه وعدم الرضا به ، بل الصدوق نفسه في المحكي عن أماليه أفتى بخلافه ، حيث قال : « والتسليم يجزي مرة واحدة مستقبل القبلة ، ويميل بعينه إلى يمينه ، ومن كان في جمع من أهل الخلاف سلم تسليمتين عن يمينه تسليمة وعن يساره تسليمة كما يفعلون للتقية ، يعني منفردا أو إماما أو مأموما » وعن المفيد في نافلة الزوال ويسلم تجاه القبلة تسليمة واحدة يقول : السلام عليكم ورحمة الله ، ويميل مع التسليمة بعينه إلى يمينه ، وفي فريضته بعد التشهد السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، ويومي بوجهه إلى القبلة ، ويقول : السلام على الأئمة الراشدين ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، وينحرف بعينه إلى يمينه ، ونحوه عن المراسم إلا أن في النافلة ينحرف بوجهه يمينا ، وفي الجمل‌

٣٣٤

والعقود والمبسوط « يسلم الامام والمنفرد تجاه القبلة والمأموم يمينا ويسارا إن كان على يساره أحد ، وإلا يمينا » وفي جمل العلم والعمل وعن الانتصار والسرائر الإيماء للإمام والمنفرد بالوجه قليلا ، والمأموم نحو ما سمعته من المبسوط ، وعن الانتصار الإجماع على ما فيه ، وعن أبي علي إن كان الإمام في صف يسلم على جانبيه ، وقد سمعت كلام المصنف في المنفرد.

وأما الامام فقال : إنه يومي بصفحة وجهه إلى يمينه وكذا المأموم ، ثم إن كان على يساره غيره أومأ بتسليمة أخرى إلى يساره بصفحة وجهه أيضا وتبعه غيره ممن تأخر عنه ، بل حكيت عليه الشهرة وإن كانت هي في محل المنع بالنسبة إلى القدماء ، بل الدليل عليه بالنسبة إلى الإيماء بصفحة الوجه غير واضح أيضا ، إذ النصوص منها ما سمعت ومنها‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح أبي بصير (١) : « إذا كنت في صف فسلم تسليمة عن يمينك وتسليمة عن يسارك ، لأن عن يسارك من سلم عليك ، وإذا كنت إماما فسلم تسليمة وأنت مستقبل القبلة » ومنها‌ قوله عليه‌السلام أيضا في خبر أبي بصير (٢) : « إذا كنت إماما فإنما التسليم أن تسلم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم السلام ، وتقول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة ، ثم تؤذن القوم فتقول وأنت مستقبل القبلة : السلام عليكم ، وكذلك إذا كنت وحدك تقول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين مثل ما سلمت وأنت إمام ، فإذا كنت في جماعة فقل مثل ما قلت ، وسلم على من على يمينك وشمالك ، فان لم يكن على شمالك أحد فسلم على الذين على يمينك ، ولا تدع التسليم على يمينك إن لم يكن على شمالك أحد » وفي‌ خبر أبي بكر الحضرمي (٣) قلت له : « أصلي بقوم فقال : سلم واحدة ولا تلتفت قل : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام عليكم » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التسليم ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التسليم ـ الحديث ٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التسليم ـ الحديث ٩.

٣٣٥

وفي‌ المروي عن الخصال مسندا إلى أنس (١) « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يسلم تسليمة واحدة » وفي‌ خبر علي بن جعفر (٢) المروي عن قرب الاسناد « سألته عن تسليم الرجل خلف الإمام في الصلاة كيف؟ قال : تسليمة واحدة عن يمينك إذا كان على يمينك أحد أو لم يكن » وفي‌ حديث الكاهلي (٣) « صلى بنا أبو عبد الله (ع) ـ إلى أن قال ـ : وقنت في الفجر وسلم واحدة مما يلي القبلة » وفي‌ صحيح منصور (٤) عن الصادق عليه‌السلام « الامام يسلم واحدة ومن وراؤه يسلم اثنتين ، فان لم يكن على شماله أحد يسلم واحدة » وفي‌ صحيح الفضلاء (٥) عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : « يسلم تسليمة واحدة إماما كان أو غيره » وفي‌ خبر عنبسة (٦) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل يقوم في الصف خلف الامام وليس على يساره أحد كيف يسلم؟ قال : تسليمة عن يمينه » وفي الوسائل أن في رواية أخرى (٧) « تسليمة واحدة عن يمينه ».

وهي كما ترى لا تعرض في شي‌ء منها لما يومي به من صفحة الوجه أو العين أو غيرهما ، فالذي يظهر من ملاحظتها جميعا أن الامام والمنفرد يسلمان إلى القبلة مؤميين إلى اليمين بما لا ينافي الاستقبال من غير تخصيص بمؤخر العين أو بالعين أو بصفحة الوجه أو بالوجه قليلا أو بالأنف أو بطرفه أو بغير ذلك جمعا بين الأمر بالتسليم إلى القبلة وإلى اليمين بعد ظهور النصوص والفتاوى في اتحاد التسليمة له أيضا كالمنفرد ، بل في الخلاف وظاهر الغنية أو محتملها الإجماع عليه ، ولعله لذا أطلق في الغنية والمنظومة الإيماء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التسليم الحديث ١٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التسليم الحديث ١٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التسليم الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التسليم الحديث ٥.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التسليم الحديث ٦.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التسليم الحديث ٧.

٣٣٦

إلى اليمين ، بل لعله من معقد إجماع الأولى ، وهو أولى من الجمع بما في خبر المفضل (١) الذي قد عرفت حاله ، أو بالتخيير بين القبلة واليمين مؤيدا بما‌ عن فقه الرضا عليه‌السلام (٢) « ثم سلم عن يمينك ، وإن شئت يمينا وشمالا ، وإن شئت تجاه القبلة » لعدم ثبوته عندنا ، وعدم ظهور عامل يعتد به هنا ، أو بالابتداء في التسليم إلى القبلة ثم إتمامه إلى اليمين ، لعدم الشاهد له مع عدم الانتقال اليه من اللفظ ، بل هو في الحقيقة خروج عن مدلول الخبرين بلا شاهد ، أو بالتسليم إلى القبلة ثم الإيماء إلى اليمين بعد الإكمال كما في المسالك ، كما أنه أولى من طرح أخبار اليمين (٣) أصلا بعد فرض ندبية الحكم ومعروفية العمل بهذه النصوص بين الأصحاب في الجملة ، وبيانها السر الذي لا يعلم إلا منهم عليهم‌السلام.

وأما المأموم فليس في النصوص ما يدل على الأمر بتسليمه إلى القبلة كي يعارض ما دل على اليمين والشمال مما هو ظاهر في الالتفات بالوجه على نحو المتعارف ، اللهم إلا أن يدعى معارضته بما دل (٤) على الاستقبال في الصلاة التي منها التسليم ، وبما سمعته في حديث المعراج (٥) مما يدل على اعتبار الاستقبال في مطلق التسليم من الامام وغيره لكن الجميع كما ترى يمكن تخصيصه بالمأموم في خصوص التسليم ، فيتجه حينئذ فيه الالتفات الذي لم يثبت في الامام والمنفرد ، لكن ليس الالتفات بالكل ، بل بانحراف الوجه على المتعارف في الالتفات يمينا وشمالا به. ولعله المراد لمن عبر بتسليمه يمينا وشمالا من غير تقييد بصفحة وجه ونحوها كالمبسوط والخلاف والعقود وجمل العلم وعن المصباح‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التسليم ـ الحديث ١٥.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التسليم ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التسليم.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب القبلة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة ـ الحديث ١٠.

٣٣٧

والسرائر والانتصار وبعض كتب الفاضل والمحقق الثاني وغيرها ، وأظهر منه من عبر بالوجه كالنافع والمعتبر والمنتهى والتحرير والتذكرة ، بل يمكن إرادته لمن عبر بصفحة الوجه أيضا المنسوب إلى الأصحاب والشهرة التي لا راد لها على معنى أنه لا يلتفت بكله حتى يكون مستقبلا لمن يريد السلام عليه بكله كما يصنعه الامام عند العامة ، لكن على هذا يكون التعبير بالصفحة للإمام في غير محله لا للمأموم ، لما عرفته من الفرق بينهما بمقتضى الأدلة ، خلافا لظاهر جماعة فلم يفرقوا بينهما في كيفية الإيماء ، والتحقيق الأول ولعله المفهوم من عبارة الذكرى وغيرها ، بل قال فيها بعد أن ذكر المسألة : « فرع لا إيماء إلى القبلة بشي‌ء من صيغتي التسليم المخرج من الصلاة بالرأس ولا بغيره إجماعا ، وإنما المنفرد والامام يسلمان تجاه القبلة بغير إيماء ، وأما المأموم فالظاهر أنه يبتدئ مستقبل القبلة ثم يكمله بالإيماء إلى الجانب الأيمن والأيسر » وفيه دلالة على استحباب التسليم أو على أن التسليم وإن وجب لا يعد جزءا من الصلاة ، إذ يكره الالتفات في الصلاة إلى الجانبين ، ويحرم أن استلزم استدبارا وإن كان هو لا يخلو من نظر من وجوه.

منها أن ما حكى الإجماع على عدمه هنا قد أفتى به في اللمعة وعن الرسالة النفلية قال في الأولى : « ويستحب إيماء المنفرد إلى القبلة ثم بمؤخر عينه عن يمينه ، والامام بصفحة وجهه يمينا ، والمأموم كذلك ، وإن كان على يساره أحد سلم أخرى مؤميا إلى يساره » قيل : ومثله الوسيلة في الإيماء إلى القبلة ، لكن المحكي عنها « يومي بالتسليم تجاه القبلة إلى الجانب للإمام والمنفرد » ولا صراحة فيها بل ولا ظهور ، ضرورة تعلق تجاه القبلة بالتسليم لا بالإيماء لتعلق ما بعده به ، بل يمكن حمل عبارة اللمعة على ذلك بناء على حذف « ثم » من العبارة ، أو يريد بالإيماء إلى القبلة التسليم إليها ، ويكون قوله : « ثم » إلى آخره. موافقا لما تسمعه من الذكرى على أحد الوجهين من أن الإيماء إلى اليمين في المنفرد والامام متأخر عن التسليم إلى القبلة ، فتأمل جيدا.

٣٣٨

ومنها ما في جامع المقاصد من أن ظاهر هذه العبارة المخالفة بين الامام والمنفرد والمأموم ، فعلى ما ذكره يكون الإيماء لهما بعد الفراغ من التسليم ، لكنه خلاف المفهوم والمعهود من الإيماء بالتسليم ، قلت : قد يدفع بأنه يريد الفرق بينهما بما ذكرناه لا بذلك وإن كان كلامه في اللمعة يشهد للأول ، إلا أنه لم يفرق فيه بين الجميع.

ومنها أن ما ذكره مشترك الإلزام للقائلين بالوجوب والندب ، ضرورة كراهة الالتفات في واجبها ومستحبها ، ولا محيص عنه إلا بالتزام التخصيص كما اعترف به في جامع المقاصد ، أو بدعوى أنه ليس من الالتفات المكروه بناء على أنه بصفحة الوجه ونحوها مما لا ينافي الاستقبال كما سمعته من المصنف وغيره ، بل عن تعليق النافع التصريح بأن الإيماء غير الالتفات ، والأمر سهل بعد أن عرفت التحقيق في أصل المسألة ، نعم قد يشكل التعدد في المأموم بأنه وإن كان في تلك النصوص دلالة عليه ، بل ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه ، بل ظاهر الصدوق منهم استحباب الثلاث له عملا بما في خبر المفضل (١) كما أن المحكي عنه في الفقيه ووالده الاكتفاء في التسليم على اليسار بوجود الحائط خلاف ظاهر خبر المفضل وغيره ، ولا نعرف لهما شاهدا على ذلك ، لكن قال الشهيدان : « لا بأس باتباعهما ، لأنهما شيخان جليلان لا يقولان إلا عن ثبت ، خصوصا ومثله لا يؤخذ بالرأي » قلت : مع احتمال حمل عبارة الفقيه على ما في خبر المفضل الذي هو مستنده على الظاهر في هذا الحكم ، خصوصا بعد استبعاد قيام الحائط مقام الأحد ، وعدم دليل واضح له عليه ، ولذا أطنب الأستاذ في شرح المفاتيح في إرجاع عبارته إلى ما في الخبر المزبور ، ويكون مخالفا حينئذ بترك السلام على اليمين إذا كان إلى الحائط ويساره إلى مصل ، وهو خلاف ما اتفق عليه الجميع أيضا.

والمحصل من النصوص بعد إرجاع مطلقها إلى مقيدها من استحباب التثنية إن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التسليم ـ الحديث ١٥.

٣٣٩

كان على يساره أحد ، وإلا فلا ، وبه يفترق عن الامام والمنفرد ، لكن قد عرفت أن صحيح الفضلاء (١) المؤيد بخبر المعراج (٢) وغيره كالصريح في الواحدة مطلقا مؤيدا بمخالفة العامة الذين جعل الله الرشد في خلافهم ، ولذا أعرض الأصحاب عن ظاهر ما يقتضي التعدد في غير المأموم من النصوص السابقة خلافا لابن الجنيد خاصة منهم في الإمام إذا كان في صف ، ولا ريب في ضعفه نصا وفتوى فيتجه حينئذ الاقتصار على الواحدة في المأموم أيضا ، وكأنه مال إليه العلامة الطباطبائي حيث قال :

وسن للمأموم أن يسلما

عن جانبيه مؤميا إليهما

فإن خلا يساره عن أحد

سلم عن يمينه كالمنفرد

كذا الإمام في الأصح والعدد

للكل في ظاهر نص قد ورد

وما بذا وما روى المفضل

في المقتدي من الثلاث يعمل

وفي صحيح الفضلاء واحدة

من الجميع وهو ينفي الزائدة

أفتى بها الصدوق في الأمالي

إلا إذا خاف أذى من قال

وهو لمن أراد حزما أسلم

ووجهه من المطاوي يعلم

قلت : لكن طرح النصوص الكثيرة المعتضدة بالفتاوي مع أن الحكم استحبابي لا يليق بالفقيه ، اللهم إلا أن يدعى أن مراد الجميع الوحدة من حيث الصلاة حتى في المأموم ، ومشروعية الثانية له إنما هي للرد على الامام ، وهو أمر خارج عن الصلاة كما يشهد له تعليل أكثر من تعرض لذلك بالرد ، قال الشهيد بعد أن حكى عن الصدوق التثليث : واحدة للرد ، وتسليمتين عن الجانبين ، وكأنه يرى أن التسليمتين ليستا للرد بل هما عبادة محضة متعلقة بالصلاة ، ولما كان الرد واجبا في غير الصلاة لم يكف عنه تسليم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التسليم ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة ـ الحديث ١٠.

٣٤٠