جواهر الكلام - ج ١٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

به وغير ذلك مما هو محتمل في كلام الصدوقين أيضا قاصر عن معارضة ما عرفت من وجوه لا تخفى ، فلا ريب في ضعف القول المزبور لو كان ، كضعف ما عساه يظهر مما حضرني من نسخة إشارة السبق من الاجتزاء بالصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دون الآل كبعض النصوص (١) السابقة ، إذ هو معلوم البطلان في مذهب الشيعة ، وانما هو ينسب إلى بعض العامة ساقهم عليه النصب والعداوة ، خصوصا بعد‌ ما رووه عن كعب الأحبار (٢) انه قال للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند نزول الآية (٣) قد عرفنا السلام عليك يا رسول الله فكيف الصلاة؟ قال : اللهم صل على محمد وآل محمد » وفي مفتاح الكرامة أنه قال الأستاذ الشريف أي العلامة الطباطبائي في حلقة درسه المبارك الميمون أنه وجد هذا الخبر بعدة طرق من طرقهم ، وفي‌ المروي عن العيون (٤) عن الرضا عليه‌السلام في مجلس له مع المأمون في إثبات الصلاة على الآل قال : « وقد علم المعاندون منهم أنه لما نزلت الآية قيل : يا رسول الله قد عرفنا التسليم عليك فكيف الصلاة عليك؟ قال : تقولون : اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ، فهل بينكم معاشر الناس في هذا خلاف؟ قالوا : لا ، قال المأمون : هذا لا خلاف فيه أصلا وعليه إجماع الأمة » الحديث ، ورووا عن جابر الجعفي عن أبي جعفر عليه‌السلام عن ابن مسعود قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من صلى صلاة ولم يصل علي وعلى أهل بيتي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب التشهد.

(٢) سنن أبى داود ج ١ ص ١٤٧ من طبعة الهند.

(٣) سورة الأحزاب ـ الآية ٥٦.

(٤) عيون اخبار الرضا عليه‌السلام ج ١ ص ٢٣٦ المطبوعة بقم عام ١٣٧٧.

٢٦١

لم تقبل صلاته » بل عن المتعصب منهم صاحب الصواعق المحرقة له انه روي (١) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم النهي عن الصلاة البتراء أي المتروك فيها ذكر الآل.

وأما نصوصنا فهي مستفيضة في ذلك ، بل‌ في بعضها (٢) « ان من لم يتبع الصلاة عليهم بالصلاة عليه لم يجد ريح الجنة ، وكان بين صلاته وبين السماوات سبعون حجابا ويقول الله تبارك وتعالى : لا لبيك ولا سعديك يا ملائكتي لا تصعدوا دعاؤه إلا أن يلحق بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عترته ، فلا يزال محجوبا حتى يلحق به أهل بيته عليهم‌السلام » وفي‌ المروي عن رسالة المحكم والمتشابه (٣) نقلا من تفسير النعماني بإسناده إلى علي عليه‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « لا تصلوا علي صلاة مبتورة بل صلوا إلى أهل بيتي ولا تقطعوهم ، فان كل نسب وسبب يوم القيامة منقطع إلا نسبي » وبالجملة هو كالضروري من مذهب الشيعة ، ولذا حكي عن بعض العامة أنه نهى عن الصلاة على الآل لما فيه من الاشعار بالرفض ، ونعوذ بالله من هذه العصبية للباطل ، وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ.

إنما الكلام في أن الواجب في التشهد هذه الكيفية من الصلاة ، وهي « اللهم صلى على محمد وآل محمد » كما صرح به بعضهم ، بل هو الأشهر على ما في الذكرى ، بل عن المفاتيح أنه المشهور ، بل ربما ظن من قول الفاضل في المنتهى : « المجزي من الصلاة اللهم صل على محمد وآل محمد وما زاد مستحب بلا خلاف » الإجماع على ذلك ، فلا يجزي حينئذ إبدال الظاهر بالضمير ولا الفصل بعلى وإن كان هو المروي في خبر أبي بصير (٤) على ما حكاه في الفوائد الملية ، قال : إني رأيت خبر أبي بصير بخط الشيخ رحمه‌الله

__________________

(١) الصواعق المحرقة ص ٨٧ وكشف الغمة للشعرانى ج ١ ص ١٩٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب الذكر ـ الحديث ١٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب الذكر ـ الحديث ١٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٢.

٢٦٢

في كل واحدة من الصلاة والسلام والترحم إعادة العطف بـ « على » ، وأنه زادها رابعا في قوله كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم ، وخامسا في قوله اللهم صل على محمد وآل محمد ، ولا غير ذلك من التغييرات التي يصدق معها اسم الصلاة عليه وعليهم حتى إبدال الآل بأهل البيت الذي‌ قال الصادق عليه‌السلام فيه على ما في مرسل ابن أبي عمير (١) « وجدت في بعض الكتب من صلى على محمد وآل محمد كتب الله له مائة حسنة ، ومن قال : صلى الله على محمد وأهل بيته كتب الله له ألف حسنة » وإن كان قد ورد أيضا ما يخالف ذلك من ترجيح ذكر الآل على الأهل لدخول الشيعة فيه دونه ، لكن قد يقوى في النظر العدم ، لإطلاق الأمر بالصلاة عليه في النصوص السابقة ، ول خبر المعراج (٢) ومضمر سماعة (٣) السابق وخبر أبي بصير (٤) الذي فصل بين النبي وآله ( صلوات الله عليهم ) بـ « على » كما عرفت نقله عن خط الشيخ ، وفي‌ خبر ابن الجهم (٥) قال : سألته يعني أبا الحسن عليه‌السلام على الظاهر « عن رجل صلى الظهر أو العصر فأحدث حين جلس في الرابعة قال : إن كان قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا يعيد ».

كل ذلك مع إطلاق الفتاوى أيضا وبعض معاقد الإجماعات ونفي الخلاف.

ومن ذلك كله يعلم حينئذ أن ما ورد في النصوص من اللفظ المخصوص على جهة المثال حتى خبر الكعب المزبور المسؤول فيه على الظاهر عن كيفية أصل الصلاة لا خصوص العبارة ، مع أنه سئل الصادق عليه‌السلام عن كيفية الصلاة عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الذكر ـ الحديث ١٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة ـ الحديث ١٠.

(٣) راجع التعليقة (٢) على الصحيفة ٢٥٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ٦.

٢٦٣

في المروي (١) عن معاني الأخبار فقال : « تقولون صلوات الله وصلوات ملائكته وأنبيائه ورسله وجميع خلقه على محمد وآل محمد والسلام عليه وعليهم ورحمة الله وبركاته » وإن كان الظاهر عدم مدخلية الزيادات في كيفية أصل الصلاة ، بل هي مستحب في مستحب ، كما أن المروي عن كعب كذلك ، لأنه زاد فيه « كما صليت على إبراهيم » إلى آخره. فما سمعته من الذكرى من أن الأشهر القول المخصوص جيد إن أراد في الرواية ، وإلا فلم نعرف أحدا قبله حكم بتعيين ذلك صريحا ، ولعل مراد الفاضل بما في المنتهى بل والتحرير عدم وجوب الزيادة على ذلك لا خصوص اللفظ ، بل في المحكي عن نهايته لو قال : صلى الله على محمد وآله أو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو صلى الله على رسوله وآله فالأقرب الإجزاء لحصول المعنى ، بل هو في الذكرى احتمل إجزاء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والاختصاص بالضرورة حملا لخبر سماعة عليها وهو كما ترى في غاية البعد ، فلا ريب في أن الأقوى إجزاء مطلق مسمى الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن كان الأحوط الاقتصار على اللفظ المخصوص.

وأما الشهادتان فقد قال المصنف هنا كالمعتبر والقواعد والمنتهى وغيرها أن صورتهما أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله والظاهر إرادة الاجتزاء بذلك لا تعيينه بحيث يقدح فيه الزيادة ، للقطع بعدمه ، ضرورة زيادة أكثر‌ النصوص (٢) « وحده لا شريك له » في الأولى « وعبده » قبل الرسول مع إبدال الظاهر بالمضمر في الثانية ، وإجزائهما بهذه الصورة مجمع عليه تحصيلا ونقلا في المدارك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الذكر ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ١ و ٢ والباب ٤ منها الحديث ٤.

٢٦٤

وغيرها ، فلا ريب في عدم إرادة تعيين الصورة المزبورة ، ولذا قال في المدارك : إن المشهور انحصار الواجب فيما ذكره المصنف ، وأنه لا يجب ما زاد عنه ، ولعله أخذه من إطلاق أكثر الأصحاب الاجتزاء بالشهادتين ، بل هو معقد إجماع الغنية والمحكي عن الخلاف ، والنسبة إلى دين الإمامية عن الأمالي ، ولا ريب في صدقهما بالصورة المزبورة قال في الذكرى : ظاهر الأصحاب وخلاصة الأخبار الاجتزاء بالشهادتين مطلقا ، فعلى هذا لا يضر ترك « وحده لا شريك له » ولا لفظ « عبده » وأشار بخلاصة الأخبار إلى أنه وإن كان الوارد في أكثر النصوص الزيادة المزبورة إلا أنه بملاحظة ما سمعته من إطلاق ما دل (١) على الاجتزاء بالشهادتين ، مع ظهور المشتمل منها على ذلك في عدم سوقه لبيان الواجب فقط ، بل المراد منه الفرد الأكمل ولو من الشهادتين خاصة ، كصحيح ابن مسلم (٢) المتقدم ، خصوصا وقد سمعت خبر ابن الجهم وحديث المعراج بل قد يشعر به أيضا خبر الفضل بن شاذان (٣) الآتي ، مضافا إلى معروفية صدق الشهادتين بذلك ، بل يمكن دعوى صيرورتها كالحقيقة فيما يشملهما ، فيتجه حينئذ من ذلك كله بقاء المطلق على إطلاقه ، وحمل ما ورد في النصوص من الصورة المزبورة على أفضلية الفرد وأكمليته بالنسبة إلى باقي أفراد الواجب التخييري بناء على فردية كل من الصورتين للشهادتين كما هو ظاهر المحقق الثاني وغيره ، بل في المحكي عن الذخيرة الظاهر أنه مخير اتفاقا ، ولعله لصدق الشهادتين على كل من الصورتين وإن كان لا يخلو من إشكال التخيير بين الأقل والأكثر في الصيغة الأولى دون الثانية ، لاختلاف الصورة فيها ، إلا أن الأمر فيه سهل ودفعه ممكن أيضا بل واضح.

ومن الغريب ما في كشف اللثام أن المشهور في الثانية « عبده ورسوله » وفي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب التشهد.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٦.

٢٦٥

الأولى زيادة « وحده لا شريك له » وبه الأخبار وإن قال أيضا : لكنها اشتملت على مندوبات ، ولعل العبودية منها وكذا التأكيد « بنحو وحده لا شريك له » لحصول الشهادتين بما ذكر ، وظاهره أو صريحه اختيار المختار ، لكن فيما حكاه من الشهرة نظر يشهد له تتبع كلمات الأصحاب ، بل هو قد اعترف فيما بعد بإطلاق الأكثر الشهادتين.

نعم لا يبعد اعتبار تكرير لفظ الشهادة وعدم الاجتزاء بالواو خلافا للفاضل في القواعد وإن كان ظاهر ما سمعته من خبر أبي بصير ذلك في التشهد الأول ، بل ويقتضيه إطلاق خبر المعراج لصدق الشهادتين ، إلا أن الذي يقوى في الذهن الإشارة باللام في الشهادتين إلى المتعارف منهما في التشهد لا الجنسية الصادقة على الصورة المزبورة ، ضرورة ظهور خبر سورة (١) في أن المجزي من التشهد المتعارف الذي يطول فيه بالدعاء والتحيات ونحوها الشهادتان منه كما لا يخفي على ذي الذوق السليم ، بل يمكن دعوى توقف صدق الشهادتين على المتكرر فيهما لفظ الشهادة ، ضرورة مراعاة اللفظ في التسمية كالتسبيح والتكبير والتهليل ، وليس العطف بمنزلة ذكر اللفظ مطلقا ، خصوصا مع إمكان دعوى تعارف الشهادتين في المتكرر فيهما اللفظ في الأذان وغيره ، ولعل عدم الذكر في خبر أبي بصير للسهو من الرواة أو النساخ ، على أنه كما في جامع المقاصد لا ينهض لمعارضة غيره من الأخبار المشهورة في المذهب ، ولعله لذا ولما عرفت منع من إسقاط اللفظ المزبور هو فيه مع اجتزائه بمطلق الشهادتين ، أما تكرار الواو فيقوى في النظر عدم اعتباره كما في القواعد وعن صريح التذكرة وكشف الالتباس وفخر الدين ، للقطع بعدم مدخليته في صدق الشهادتين ، لكن في الذكرى أما لو أضاف الرسول من غير لفظ عبده إلى المضمر أو أسقط واو العطف فظاهر الأخبار المنع ، قال : ويمكن استناد الجواز إلى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٦.

٢٦٦

رواية حبيب (١) فإنها تدل بفحواها على ذلك ، وهو كما ترى ، والأولى الاستناد إلى الأصل وإطلاق بعض الفتاوى وبعض النصوص (٢) واشتمال أكثر الأخبار المفصلة على المندوبات ، ومن ذلك يعرف الحال في إبدال لفظ الجلالة بضميره حال حذف عبده الموافق لمقتضى تقدم المرجع ، بل من المستبعد اشتراط جواز الضمير بذكر « عبده » وإن كان مستحبا ، ولعله لذا استقرب الفاضل في القواعد الاجزاء كما عن صريح التذكرة وكشف الالتباس وفخر الدين ، لكن الاحتياط لا ينبغي تركه فيه ولا في الاقتصار على لفظ « محمد » أما إبدال لفظ الشهادة بنحو « أعلم » و « إلا الله » بواحد أو « غير الله » فالظاهر العدم ، اقتصارا على المنقول المنصرف اليه لفظ الشهادتين في التشهد.

كما أن الظاهر وجوب الترتيب أيضا بتقديم الشهادة بالتوحيد ثم الرسالة « ثم يأتي بالصلاة على النبي وآله ) (ص) » لأنها هي الكيفية المأمور بها في النصوص (٣) ولأنه هو المناسب للاعتبار ، لكن عن المقنعة « أن أدنى ما يجزي في التشهد أن يقول المصلي : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبده ورسوله » وظاهره المخالفة في تأخر الصلاة بناء على اجتزائه بذلك عنها ، ولا ريب في ضعفه كضعف ما يظهر منه أيضا من عدم اعتبار تكرر لفظ الشهادة لما عرفت ، وإن كان الاحتياط لا ينبغي تركه فيه وفي غيره حتى بالنسبة إلى زيادة « وحده لا شريك له » التي تردد فيها في المحكي عن التذكرة ونهاية الأحكام ، بل ظاهر النافع والدروس وغيرهما تعيينه وتعيين « عبده » أيضا ، بل قد عرفت نسبته إلى المشهور في الكشف ، خصوصا مع ملاحظة صحيح ابن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب التشهد.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة ـ الحديث ١٠ و ١١ والباب ٣ من أبواب التشهد ـ الحديث ١ و ٢.

٢٦٧

مسلم (١) الذي لم يشتمل على ما علم ندبيته ، بل قال في المحكي عن الروض أن‌ خبر سورة ابن كليب (٢) الذي قال فيه الباقر عليه‌السلام : « أدنى ما يجزي فيه الشهادتان » فيه قصور عن مقاومة الآخر لضعفه برجال متعددين ، وبأنه مطلق غير دال على عبارة مخصوصة ، والخبر الآخر مقيد بألفاظ معينة بيانا للشهادتين ، والمطلق يجب حمله على المقيد ، وبأن العمل بالأول يستلزم جواز حذف لفظ « أشهد » الثانية مع الإتيان بواو العطف ، وحذف الواو مع الإتيان بها ، بل حذفهما معا وإضافة الرسول والآل إلى المضمر مع حذف « عبده » لصدق الشهادتين في جميع هذه التغييرات ، وأصحاب القول بالتخيير لا يقولون به وإن كان فيه نظر من وجوه لا تخفى على من أحاط خبرا بما قدمناه ، والله أعلم.

ومن لم يحسن عربية التشهد وجب عليه الإتيان بما يحسن منه مع ضيق الوقت ثم يجب عليه تعلم ما لم يحسن منه نحو ما مر في تكبيرة الإحرام والقراءة بلا خلاف أجده فيه ، لقاعدة الميسور وغيرها ، نعم ظاهر المصنف الاجتزاء بما يحسنه وان استطاع الترجمة عن غيره أو إبداله بالتحميد أو مطلق الذكر ، بل هو ظاهر المبسوط والقواعد والتحرير والمنتهى والمحكي عن المعتبر ، بل كاد يكون صريح بعضها ، ومقتضاه سقوط القول أصلا إذا فرض أنه لم يحسن شيئا ، اللهم إلا أن يفرق حينئذ بظهور الاجزاء من قوله : « فأتوا » في الأول بخلاف الثاني ، فينتقل فيه إلى الترجمة ، ثم إلى الذكر كما هو ظاهر المحكي عن البيان ، قال : « الجاهل يجب عليه التعلم ، فان ضاق الوقت أتى بما علم ، وإلا فالترجمة ، وإلا احتمل الذكر إن علمه ، والسقوط ».

والتحقيق أنه مع التعذر تقوم الترجمة كما صرح به في التذكرة والدروس والمحكي عن المعتبر ونهاية الأحكام وجامع الشرائع والميسية إما لعموم الشهادتين والصلاتين في الأخبار‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٦.

٢٦٨

والفتاوى كما في كشف اللثام ، وإما لما سمعته في ترجمة التكبير وإيماء حكم الأخرس بناء على ما ذكرناه فيه من أنه هو المتعارف في إبراز الأخرس مقاصده ، وقاعدة الميسور ، وصدق الذكر والدعاء على الفارسي ، وبعد التعبد بالألفاظ العربية بحيث يسقط أصل التكليف مع التعذر مع إطلاق‌ قوله عليه‌السلام في بعض الأخبار (١) السابقة في القراءة : « لا يراد من العجمي ما يراد من العربي الفصيح » ولأنه شي‌ء غلب الله عليه فهو أولى بالعذر (٢) ولغير ذلك مما يفهم مما مر لنا في المباحث السابقة كترجمة التكبير وقراءة الأخرس وغيرهما ، فلاحظ وتأمل.

ولا يخفي أن ذلك كله يقتضي عدم الفرق بين الكل والبعض ، فان علم بعضه حينئذ عربيا أتى به وترجم لغيره كما صرح به في كشف اللثام والمحكي عن الميسية ، ووجهه واضح ، فان تعذرت الترجمة ففي الذكرى « الأقرب وجوب التحميد للروايتين (٣) السابقتين » وفي الدروس « ومع التعذر تجزي الترجمة ويجب التعلم ، ومع ضيق الوقت يجزي الحمد لله بقدره ، لفحوى رواية بكر بن حبيب (٤) عن الباقر عليه‌السلام » وفيه أنك قد عرفت الوجه في هذه النصوص ، وأنه من المستبعد أو الممتنع إرادة ذلك منها ، اللهم إلا أن يكون المقصود منها بيان أدنى ما يجزي من التشهد في الأحوال : أي قد ينتهي الأمر في التشهد إلى ذلك ، ولعل الأستاذ في الكشف فهم منها ذلك مع حمل التحميد فيها على المثال لمطلق الذكر فقدمه على الترجمة ، وفيه أن الترجمة ذكر ودعاء بالمرادف ، بل قد سمعت ما في كشف اللثام من شمول الشهادتين والصلاتين لها ، وهو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٢ مع اختلاف يسير.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٢ و ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٣.

٢٦٩

غير بعيد ، ضرورة صدق الإقرار بالشهادتين والصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على كلام الفارسي مثلا ، وكأنه لذا في فوائد الشرائع ـ بعد أن ذكر الحكم في أنه إن لم يحسن شيئا أمكن القول بالجلوس بقدره ـ قال : « وهذا الفرض بعيد ، لأن الإسلام انما يتحقق بالإقرار بالشهادتين » إلى آخره. ضرورة عدم توقفه على العربي منهما ، فلا استبعاد حينئذ لو أراد خصوص العربي حينئذ ، وما أبعد ما بين ما سمعته من الأستاذ وبين ما يظهر من غيره ككشف اللثام من عدم بدل بعد الترجمة ، ولا ريب أن الأولى الإتيان به مع الفرض المزبور خصوصا الذكر القريب إلى معنى الأصل ، لفحوى التعويض عن القراءة ، ولأنه خير القول ، ولأن التشهد بركة وبناء على الذكر ولأن تعسر اللفظ لا يسقط الإتيان بالمعنى الممكن ، ولغير ذلك مما لا يخفي على العارف بلسان الشرع ورموزه ، بل لو عجز عنه انتقل إلى ترجمته كالمبدل على ما صرح به الأستاذ في كشفه ، والوجه فيه واضح كوضوح الوجه بعد الإحاطة بما ذكرناه هنا وهناك فيما يتصور من الفروع في المقام حتى لزوم كون الذكر أو تكرير ما يحسنه منه مقدار التشهد وعدمه وإن كان الظاهر الفرق بين المقام والقراءة بأنه لا شي‌ء مقدر في الزائد على الواجب هنا حتى يلتزم مساواة البدل له حروفا أو كلمات بخلاف القراءة ، فالمتجه حينئذ الابدال هنا بمقدار الواجب فما زاد.

ولو لم يعلم شيئا أصلا قيل وجب الجلوس بقدره كما صرح به بعضهم ، ولعله لأنه أحد الواجبين كما هو مقتضى الأمر به في بعض النصوص وإن وجب الذكر فيه كالقراءة حال القيام ، بل لا مانع من اجتماع جهتي الوجوب الأصلي والغيري فيه ، وهو لا يخلو من بحث كما أومأ إليه الكركي فيما حكيناه عنه من فوائده ، بل صرح به في الحدائق بعد أن حكى الوجوب المزبور عن الذخيرة.

ثم إن ظاهر الأصحاب في المقام وغيره أن المراد بمن لا يحسن القابل للتعلم بعد‌

٢٧٠

ذلك إلا أنه ضاق الوقت عليه وعدمه ، بل يظهر من بعضهم أن المراد بمن لا يحسنه لقصر الوقت عن أصل تعرفه لأجزائه شرعا ، فهو جاهل بالحكم إلا أنه معذور ، وكذا الكلام في باقي أجزاء الصلاة حتى أنه لو بلغ مثلا في وقت لا يسع إلا إخباره بأفعال ركعة واحدة أو أقل ولو تكبيرة الإحرام منها وجب عليه فعل ذلك ، وكان صلاة بالنسبة إليه ، لإطلاق‌ قوله عليه‌السلام (١) : « لا يسقط الميسور بالمعسور » « وما لا يدرك كله لا يترك كله » (٢) و‌ « إذا أمرتكم بشي‌ء فأتوا منه ما استطعتم » (٣) ونحوها ، لكنه لا يخلو من نظر ، ضرورة انصراف الذهن إلى إرادة العجز عن الأداء لا من حيث الجهل لقصر الوقت ، فان المتجه حينئذ عدم الوجوب أصلا ، لأن الفرض من انتفاء مقدمات الوجوب لا الوجود كما هو واضح ، نعم قد يفرق بين الأركان وغيرها خصوصا الأقوال من القراءة والذكر ونحوهما ، ودعوى أنه لا فرق بينه وبين العاجز عن التعلم وغيره من أفراد العاجز الذي نقلناه بقاعدة الميسور وانتفاء التكليف بما لا يطاق إلى الميسور يدفعها أنه لو كان كذلك لكان التارك لتعرف ذلك عمدا حتى ضاق الوقت ففعل ما كان قد علمه من التكبير مثلا مسقطا للقضاء عنه كباقي أفراد قاعدة الميسور السابقة ، وهو مناف لإطلاقهم عدم معذورية الجاهل ، وعدم سقوط القضاء بفعله ، وعدم ترتب الاجزاء على ذلك ، وما هو إلا لعدم الأمر به ، فتأمل جيدا.

ثم لا يخفي عليك جريان بعض المباحث السابقة من القراءة على حفظ القلب والموالاة ونحوهما وما مر فيها من النظر ، بل يمكن القول بعدم وجوب الأول هنا بالنسبة إلى المندوب منه ، بل وسائر الأقوال المندوبة في القنوت وغيره وإن قلنا به بالنسبة إلى الواجب ، على أنك قد عرفت البحث فيه في الواجب كالقراءة فضلا عنه ، وأما‌

__________________

(١) غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام.

(٢) غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام.

(٣) تفسير الصافي ـ سورة المائدة ـ الآية ١٠١.

٢٧١

الترتيب بين أجزائه الواجبة من البدأة بالتوحيد ثم الرسالة ثم الصلاة فقد صرح به بعضهم هنا كالفاضل في التذكرة وغيره ، بل لعله ظاهر الجميع ، ضرورة عدم إرادة مطلق الجمع من الواو المذكورة في خلال ذكر الكيفية في كلامهم ، وهو مع أنه الموافق للاحتياط مقتضى الأمر بالكيفية المترتبة في النصوص (١) مع عدم ثبوت خلافها ، خصوصا مع موافقة هذا النظم للاعتبار أيضا ، ولما هو المعلوم من طريقة الشرع ، فتأمل جيدا.

وأما مسنون هذا القسم فـ ( ان يجلس متوركا ) بلا خلاف أجده فيه ، بل في الغنية وظاهر المنتهى وعن صريح الخلاف الإجماع عليه ، ويشهد له التتبع ، كما أنه يدل عليه مضافا إلى ذلك الصحيح (٢) المتقدم سابقا في التورك بين السجدتين بل ذكرنا هناك استحباب التورك في سائر جلوس الصلاة فضلا عن التشهد ، وظاهر أن مقتضى ذلك جواز سائر أفراد الجلوس بالمعنى الأعم الشامل للمكروه حتى الإقعاء على ما سمعت الكلام فيه مفصلا ، والقول بعدم جوازه فيه للنهي عنه أو لأنه ليس جلوسا كما في صحيح المستطرفات (٣) في غاية الضعف ، لما عرفت من حمل النهي على الكراهة خصوصا مع التعبير بلا ينبغي في صحيح المستطرفات ، والقطع بصدق اسم الجلوس على كل من تفسير به كما يشهد له جلوس المرأة للتشهد والعرف ، فلا بد من حمل الصحيح المزبور على ضرب من التأويل ، فلاحظ ما سبق وتأمل.

وقد تقدم أيضا هناك تمام البحث في أن صفته أن يجلس على وركه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة ـ الحديث ١١ والباب ٣ من أبواب التشهد ـ الحديث ١ و ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ١.

٢٧٢

الأيسر ويخرج رجليه جميعا ، فيجعل ظاهر قدمه الأيسر إلى الأرض وظاهر قدمه الأيمن إلى باطن الأيسر فلا ينبغي الإعادة ، وفي‌ مرسل الفقيه (١) كما عن مسند العلل أنه قال رجل لأمير المؤمنين عليه‌السلام : « يا ابن عم خير خلق الله ما معنى رفع رجلك اليمنى وطرح رجلك اليسرى في التشهد؟ قال : تأويله اللهم أمت الباطل وأقم الحق ».

ومن المسنون بلا خلاف أيضا أن يقول ما زاد على الواجب من تحميد ودعاء وتحيات وبسملة وثناء وغير ذلك مما ورد في النصوص (٢) وأفضله كما في المنتهى والذكرى وغيرهما ما في‌ خبر أبي بصير (٣) المشهور في كتب الفروع فضلا عن الأصول إلا أنه اشتمل على ابتداء التشهدين معا بقول : « بسم الله وبالله والحمد لله وخير الأسماء لله » لكن في الذكرى وعن الفوائد الملية والبحار أن أكثر الأصحاب افتتحوه بقول : بسم الله وبالله والأسماء الحسنى كلها لله ، وهو كذلك في المحكي عن فقه الرضا عليه‌السلام (٤) لكن مع إضافة التحميد قبل الأسماء ، وفي‌ حديث المعراج (٥) المروي عن العلل « بسم الله وبالله ولا إله إلا الله والأسماء الحسنى كلها لله » ولا بأس بالعمل بالجميع خصوصا بعد ما‌ قال بكر بن حبيب (٦) لأبي جعفر عليه‌السلام : « أي شي‌ء أقول في التشهد والقنوت؟ قال : قل بأحسن ما علمت ، فإنه لو كان موقتا لهلك الناس » بل قد سمعت الاجتزاء بالحمد عن سائر ما يقال في التشهد من المندوب فيما مضى من خبره الآخر (٧) وخبر الخثعمي (٨) وبه أفتى غير واحد حتى العلامة الطباطبائي في المنظومة ، قال :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التشهد.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٢.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة ـ الحديث ١٠.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ١.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٣.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٢.

٢٧٣

والابتداء بالحمد فيهما كفى

عما بندب فيهما قد وظفا

وظاهر خبر أبي بصير كالرضوي اختصاص التحيات بالتشهد الأخير ، بل في الذكرى والمحكي من الفوائد الملية لا تحيات في التشهد الأول بإجماع الأصحاب ، بل قال في الأول : « لو أتى بالتحيات في الأول معتقدا لشرعيتها مستحبا أثم واحتمل البطلان » بل عن إرشاد الجعفرية الجزم به ، ولو لم يعتقد استحبابه خلا عن إثم الاعتقاد ، وفي البطلان وجهان عندي ، ولم أقف للأصحاب على هذا الفرع ، وفي المنظومة :

كذا تحيات أبي بصير

تندب في التشهد الأخير

قلت : لكن أطلق الفاضل في القواعد استحباب زيادة التحيات ، بل عن البيان « لو أتى بها فيه فالظاهر الجواز » وفي كشف الأستاذ استحباب إضافة التحيات لله في أحد التشهدين ، قال : « ولو أتى بها في كليهما لقضية التفويض مع قصد الخصوصية فلا بأس » وكان مراده بقضية التفويض نفي التوقيت في التشهد ، وأنه يقال فيه أحسن ما يعلمه الإنسان وأيسره ، ضرورة اقتضاء ذلك جواز نية الخصوصية ، إذ لا فرق بين الأمر بخاص وبعام يندرج فيه الخاص ، إذ كل فرد حينئذ مأمور به بخصوصه ، نعم قد يحصل لبعض أفراد العام خصوصية أخرى زائدة على جهة الاشتراك مع باقي الافراد وليس الكلام فيه ، وقد يؤيده مع ذلك‌ قول الرضا عليه‌السلام في خبر الفضل بن شاذان (١) : « انما جعل التشهد بعد الركعتين لأنه كما قدم قبل الركوع والسجود من الأذان والدعاء والقراءة فكذلك أمر بعدها بالتشهد والتحية والدعاء ».

ومن الغريب قوله أخيرا في الذكرى : وفي البطلان وجهان عندي ، إذ لا نهي عنه بالخصوص ولا تشريع ، واحتمال أنه كلام آدميين جاز في الأخير للنص بخلاف الأول كما ترى ، إذ لا ريب في أنه من التنزيه ، وقد سمعت‌ قول الصادق عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٦.

٢٧٤

لابن مسلم (١) : « هذا اللطف من العبد يلطف العبد ربه » وقال عليه‌السلام أيضا في خبر عبد الرحمن (٢) : « إن معنى قول الرجل التحيات لله الملك لله » وبالجملة لا ريب في أنها نوع من التنزيه ، وليس التحيات كذكر السلام في التشهد الأوسط الذي ورد الابطال به كقول : تبارك اسمك وتعالى جدك ، قال الباقر عليه‌السلام في خبر ميسر (٣) : « شيئان يفسد الناس بهما صلاتهم : قول الرجل تبارك اسم ربك وتعالى جدك ، وهذا شي‌ء قالته الجن بجهالة ، فحكى الله عنهم ، وقول الرجل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين » وقال الصادق عليه‌السلام أيضا في مرسل الفقيه (٤) : « أفسد ابن مسعود على الناس صلاتهم بشيئين بقوله : « تبارك اسم ربك وتعالى جدك » وهذا شي‌ء قالته الجن بجهالة ، فحكى الله عنها ، وبقول : « السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين يعني في التشهد الأول » » لكن الأستاذ في كشفه حكم بكراهة القول الأول المنسوب إلى الجن ، ولعله لقصور الرواية عن إفادة البطلان ، وكيف كان فالوجه جواز التحيات مع نية الخصوصية فضلا عن غيره لما عرفت.

ومنه يعلم حينئذ أنه لا ينبغي التوقف من بعض المعاصرين في نية الخصوصية بقول : « وتقبل شفاعته في أمته وارفع درجته » في التشهد الأخير لاختصاص الأول بوروده فيه حتى حكم ببطلان الصلاة مع ذلك للتشريع ، إذ قد عرفت أنه يكفي في جوازها ـ مضافا إلى ما عرفت من التفويض المزبور ، وأنه لا توقيت فيه ، بل يقال فيه بأحسن ما يعلم وأيسره ـ ثبوت مشروعية الدعاء فيه للدين والدنيا إجماعا كما عن الخلاف والتذكرة ، ولعل ذكرهم ذلك بخصوصه فيه وفي السجود مع أن الدعاء جائز في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٢.

٢٧٥

سائر أحوال الصلاة لبيان كون المراد بمشروعيته فيهما صيرورته كذكرهما المأثور بالخصوص لا أنه خارج عن الصلاة شرع في أثنائها ، بل يمكن دعوى ذلك في مطلق الدعاء الثابت مشروعيته في الصلاة أيضا ، لقول الصادق عليه‌السلام في صحيح الحلبي (١) : « كلما ذكرت الله عز وجل به والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو من الصلاة » فيكون نصهم حينئذ على التشهد والسجود للنص عليه بالخصوص ، وليس المراد قصر المشروعية على نية ذلك بحيث لو نوى الذكر أو الدعاء لا بعنوان ذلك لم يجز ، على أنه قد يستفاد جوازه بالخصوص أيضا مما ورد في صحيح البزنطي (٢) السابق من إجزاء ما يقال في التشهد الأول في التشهد الثاني بناء على إرادة الاجزاء في الواجب والندب ، ومن‌ خبر المعراج (٣) « اللهم تقبل شفاعته وارفع درجته » وهو انما صلى ركعتين فيكون هو التشهد الأخير ، واحتمال الفرق بسبق التشهد وعدمه فيجوز في الثاني دون الأول كما ترى ، وفي المحكي عن نهاية الشيخ التي هي متون أخبار « وإن قال هذا يعني قوله : اللهم صل على محمد وآل محمد وتقبل شفاعته في أمته وارفع درجته في التشهد الثاني وجميع الصلوات لم يكن به بأس غير أنه يستحب أن يقول في التشهد الأخير : بسم الله وبالله إلى آخر التحيات » وكان مراده أفضلية اختيار ذي التحيات على المقتصر فيه على ذلك وقال شيخنا في كشفه : رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الرؤيا فأمرني أن أضيف إليها قول : وقرب وسيلته ، ولعل المراد بالدعاء في المتن والقواعد الإشارة إلى ما يشمل ذلك ، فالقول بالجواز حينئذ مع نية الخصوصية كغيره من أفراد الدعاء والحسن من القول هو الوجه ، نعم لا ينبغي أن ينوي خصوصيته من بين الأفراد المشتركة معه في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة ـ الحديث ١١.

٢٧٦

الدليل المزبور بخلاف الوارد بخصوصه من الألفاظ والأدعية ، ولعل هذا هو الفرق بين الخصوصيتين ، بل ربما كان هذا هو مراد من أبطل مع نية الخصوصية لا الخصوصية السابقة.

ومن المسنون أيضا في التشهد الأول تكرير الحمد بعد ختامه مرتين أو ثلاثا كما في خبر أبي بصير المزبور (١) بل‌ قال الصادق عليه‌السلام في خبر عمرو بن حريث (٢) : « قل في الركعتين الأولتين بعد التشهد قبل أن تنهض : سبحان الله سبع مرات » ولا بأس به ، بل ولا بالمحكي في الذكرى عن أبي الصلاح من زيادة بعد « والأسماء الحسنى كلها لله » قول : « لله ما طاب وزكى ونمى وخلص ، وما خبث فلغير الله » على النحو الذي ذكرناه في التحيات ، فلا يلاحظ فيه الخصوصية الخاصة ، لأنا لم نعثر له على نص فيه ، نعم في‌ خبر عبد الله بن الفضل الهاشمي (٣) أنه سأله عليه‌السلام « ما معنى قول المصلي في تشهده لله ما طاب وطهر ، وما خبث فلغيره؟ قال : ما طاب وطهر كسب الحلال من الرزق ، وما خبث فالربا » وهو لا يخص التشهد الأول ، ولا إطلاق فيه قطعا ، نعم قد يثبت بترك الاستفصال في‌ خبر يعقوب بن شعيب (٤) قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام « أقرأ في التشهد ما طاب لله ، وما خبث فلغيره ، فقال : هكذا كان يقول علي عليه‌السلام » والأمر سهل بعد ما عرفت مما يندرج فيه هذا وغيره ، بل لو قرئ المروي (٥) عن فقه الرضا عليه‌السلام على طوله وزياداته على خبر أبي بصير بالنحو الذي ذكرناه لم يكن به بأس ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٥.

(٥) المستدرك ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٣.

٢٧٧

( الثامن )

من أفعال الصلاة‌

( التسليم )

وهو واجب على الأصح وفاقا للصدوق والحسن والجعفي والمرتضى وابني حمزة وزهرة وسلار والتقي ويحيى بن سعيد وأبي صالح وأبي سعيد من علمائنا الحلبيين والقطب الراوندي وابن المتوج وابن طاوس والفاضل في المنتهى بل عن ولده أنه الذي استقر عليه رأيه والآبي والشهيد والمقداد وابن فهد والصيمري والبهائي والحر العاملي والكاشاني والمحدث البحراني والفاضل الأصبهاني والمحقق البهبهاني والعلامة الطباطبائي وشيخنا المعتبر الأوحد الشيخ جعفر على ما حكي عن البعض ، بل لعله هو الذي استقر عليه المذهب في عصرنا وما راهقه ، كما أنه في المحكي عن الروض نسبته إلى أكثر المتأخرين ، بل عن الأمالي نسبته إلى دين الإمامية ، بل ربما نسب إلى الشيخ أيضا مطلق الوجوب أو خصوص الصيغة الأولى من التسليم ، ولعله لقوله في التهذيب عند شرح قول المفيد في صلاة الوتر أن التسليم في ركعته لا يجوز تركه عندنا أن من يقول : السلام علينا في التشهد فقد انقطعت صلاته ، فان قال بعد ذلك : السلام عليكم وإن لم يقل جاز ، وبه جمع بين ما دل على وجوب التسليم وما دل على التخيير على وجه يقطع بعدم إرادة اختصاص ذلك في الوتر كما لا يخفى على من لاحظه ، ومنه ينقدح احتمال إرادة النادب التسليم الأخير حال الجمع لا مطلق التسليم ، خصوصا مع قوله في المبسوط من قال من أصحابنا إن التسليم سنة يقول : إذا قال : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد خرج من الصلاة ، ومن قال : إنه فرض فبتسليمة واحدة يخرج من الصلاة وينبغي‌

٢٧٨

أن ينوي بها ذلك ، والثانية ينوي بها السلام على الملائكة أو على من في يساره ، ضرورة ظهوره في الصيغة الثانية دون الأولى ، ولذا حكى عنه في المعتبر القول بوجوبها وإن ناقشه في الذكرى ، لكنه ليس في محله ، بل كلامه في الخلاف أيضا كالصريح في أن المراد بالمحكوم عليها بالندب الصيغة الثانية دون الأولى لأنه قال فيه : الأظهر من مذاهب أصحابنا أن التسليم في الصلاة مسنون وليس بركن ولا واجب ، واستدل على ذلك بخبر أبي بصير (١) الآتي « إنما التسليم أن تسلم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتقول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، وإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة » الحديث. وقال في المبسوط في موضع آخر : إنه إن كبر المأموم قبل الامام لم يصح ووجب قطعها بتسليمة ، قال في الذكرى وهو مشكل على مذهبه من ندبية التسليم ، ويمكن أن يراد به الوجوب التخييري بينه وبين فعل باقي المنافيات وإن كان التسليم أفضل ، قلت : ستعرف أنه ليس مذهبا لأصحابنا ، وليس أولى من أن يريد الصيغة الأولى ، ويؤيده زيادة على ذلك أنه روى في التهذيب النصوص (٢) الدالة على انحصار الانصراف بالصيغة الأولى من التسليم ولم يذكر تأويلا لشي‌ء منها ، بل قال في شرح قول المفيد : والسلام في الصلاة سنة وليس بفرض تفسد بتركه الصلاة : يدل على ذلك ما رواه‌ الحسين بن سعيد عن فضالة عن حسين بن عثمان عن سماعة عن أبي بصير (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إذا نسي الرجل أن يسلم فإذا ولى وجهه عن القبلة وقال : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد فرغ من صلاته » إذ الظاهر بقرينة استدلاله أنه فهم الحالية من الواو ، بل قد يؤيده أيضا معروفية احتياج الصلاة إلى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التسليم ـ الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب التسليم.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التسليم ـ الحديث ١.

٢٧٩

مخرج بين المسلمين فضلا عن الإمامية وأنه عندنا التسليم لا غير للنصوص التي ستسمعها فمن المستبعد جدا رفع اليد عن ذلك كله والاجتزاء بالصلاة على النبي (ص) خاصة.

نعم يمكن أن يريدوا خصوص الصيغة الثانية المعروفة بالتسليم وإن كان سبب هذا التعارف العامة ، لجعلهم الصيغة الأولى من التشهد ، ولذا ورد في الطعن عليهم ما ورد لا مطلق التسليم ، حتى المفيد المصرح تارة بأن التسليم سنة وليس بفرض ، وأخرى بأن آخر فروض الصلاة الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكن قد يريد بقرينة ما سمعته منه في الوتر وغيره المعلوم عدم إرادته الاختصاص فيه وإلا لحكي عنه ـ وبقرينة ما حكاه عنه في الذكرى أيضا من أنه إذا قال ذلك مشيرا إلى الصيغة الأولى فقد فرغ من صلاته وخرج بهذا السلام ، وغير ذلك ـ الصيغة الثانية من التسليم التي هي المعروفة في النصوص والفتاوى بهذا الاسم ، كمعروفية عد الأولى من التشهد ، وقال الراوندي في حل المعقود من الجمل والعقود : « من قال : إن التسليم سنة يقول : إذا قال : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد خرج من الصلاة ، ولذلك لا يجوز التلفظ به في التشهد الأول ، ومن قال : إنه فرض قال : إذا لم يكن تلفظ في التشهد الثاني بقول : السلام علينا إلى آخره ولا نحو ذلك فتسليمة واحدة تخرج من الصلاة ، وينبغي أن ينوي بها ذلك » إلى آخره إلى غير ذلك من الشواهد الكثيرة الدالة على إرادة بعض من نسب اليه من قدماء الأصحاب الندب في الجملة لا مطلق التسليم ، ولو لا مخافة أن يطول الكلام بذكرها تفصيلا لدللنا على ذلك إلا أن الحر تكفيه الإشارة ، ولقد أجاد العلامة الطباطبائي بعد أن ذكر صيغتي السلام بقوله :

والجمع أولى وعليه العمل

فالأول الواجب والمحلل

وقد يريد النادبون الثاني

لجامع فاتحد القولان

٢٨٠