جواهر الكلام - ج ١٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

والضحى والانشراح واحدة

بالاتفاق والمعاني شاهدة

كذلك الفيل مع الإيلاف

وفصل بسم الله لا ينافي

وعن الانتصار « أن وجوب الجمع بين ألم تر ولإيلاف في ركعة واحدة إجماعي وأنه من منفردات الإمامية » بل عن الأمالي « أن من دينها الإقرار بأنه لا يجوز التفرقة بينهما في ركعة » وعن التهذيب « وعندنا لا يجوز قراءة هاتين السورتين إلا في ركعة واحدة يقرأهما موضعا واحدا » وعن التذكرة نسبة ذلك إلى علمائنا ، وفي الذكرى نسبة الجمع إلى الأصحاب ، إلى غير ذلك مما هو صريح أو ظاهر في اتفاق الأصحاب على الاتحاد ، أو على وجوب الجمع ، أو على الأمرين مؤيدا بشهادة التتبع لكلام من تقدم على المصنف.

وهو الحجة الكاشفة للمراد من‌ صحيح الشحام (١) « صلى بنا أبو عبد الله عليه‌السلام فقرأ الضحى وأ لم نشرح في ركعة » وخبر المفضل (٢) « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لا تجمع بين السورتين في ركعة واحدة إلا الضحى وأ لم نشرح ، والفيل ولإيلاف » خصوصا مع حرمة القران أو كراهته ، ومع اعتضاده بنحو المرسل في المتن ، وما‌ عن كتاب القراءة لأحمد بن محمد بن سيار روى البرقي عن القاسم بن عروة عن أبي العباس (٣) عن الصادق عليه‌السلام « الضحى وأ لم نشرح سورة واحدة » والمرسل أيضا في المحكي (٤) عن فقه الرضا عليه‌السلام قال : « ولا تقرأ في الفريضة الضحى وأ لم نشرح ولا تفصل بينهما ، لأنه روي أنهما سورة واحدة وكذلك ألم تر ولإيلاف سورة واحدة ـ إلى أن قال ـ وإذا أردت قراءة بعض هذه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٥.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١.

(٤) فقه الرضا عليه‌السلام ص ٩ وفيه اختلاف كثير فراجعه.

٢١

السور فاقرأ والضحى وأ لم نشرح ولا تفصل بينهما ، وكذلك ألم تر ولإيلاف » والمرسل (١) عن الصادق عليه‌السلام في المحكي من هداية الصدوق « وموسع عليك أي سورة في فرائضك إلا أربع ، وهي والضحى وأ لم نشرح في ركعة ، لأنهما جميعا سورة واحدة ، ولإيلاف وأ لم تر في ركعة ، لأنهما جميعا سورة واحدة ، ولا ينفرد بواحدة من هذه الأربع سور في ركعة فريضة » مؤيدا بفتواه به أيضا في المحكي من فقيهه الذي يفتي فيه غالبا بمضامين الأخبار المعتبرة ، وبما عن مجمع البيان أيضا من أنه‌ روى العياشي عن أبي العباس (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام « ألم تر كيف ولإيلاف سورة واحدة » قال : وروي عن أبي بن كعب « لم يفصل بينهما في مصحفه » وما‌ عن كتاب القراءة لأحمد بن محمد بن سيار عن البرقي عن القاسم بن عروة عن شجرة بن أخي بشير النبال (٣) عن الصادق عليه‌السلام « إن ألم تر ولإيلاف سورة واحدة » وعن محمد بن علي بن محبوب عن أبي جميلة مثله.

فلا جهة حينئذ للمناقشة باحتمال إرادة الاتحاد في حكم الصلاة من كل ما وقع فيه الحكم باتحادهما ، وفي صحيح الشحام (٤) بأن التأسي بما لا يعلم وجهه غير واجب ، وبعدم الدلالة فيه على الاتحاد وباحتماله ، وخبر المفضل استثناء ذلك من حرمة القران أو كراهته ، بل لعل في إطلاق السورتين عليهما في خبر المفضل وأصالة الاتصال في الاستثناء إيماء إلى ذلك ، كما أن إثباتهما كذلك في المصاحف المتواترة يشهد لذلك ، مع أنه لا دلالة في شي‌ء من الخبرين على وجوب الجمع بينهما فضلا عن كونهما سورة واحدة ،

__________________

(١) الهداية ص ٣١ باب ٤٥ مع اختلاف كثير فراجعه.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٦.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١.

٢٢

بل في صحيح الشحام الآخر (١) « أنه صلى بنا أبو عبد الله عليه‌السلام فقرأ في الأولى الضحى وفي الثانية ألم نشرح » شهادة بخلافه ، كخبر داود الرقي (٢) المنقول عن الخرائج والجرائح قال : « فلما طلع الفجر قام ـ يعني الصادق عليه‌السلام ـ فأذن وأقام وأقامني عن يمينه وقرأ في أول ركعة الحمد والضحى ، وفي الثانية بالحمد وقل هو الله أحد ثم قنت » بل لعله يشهد على أن المراد بصحيحه الآخر (٣) أيضا « أنه صلى بنا أبو عبد الله عليه‌السلام فقرأ بنا الضحى وأ لم نشرح » قراءة كل واحدة منهما في ركعة ، بل يمكن إرادة ذلك في الصحيح (٤) السابق المذكور في شواهد الاتحاد.

ومع الإغضاء عن ذلك كله فأقصاهما لزوم الجمع بينهما الذي هو أعم من الاتحاد كما هو واضح لما عرفت مما يمنع من صحة الاحتمال المزبور ، ومن عدم انحصار الدليل فيهما ، ومن وجوب حملهما بقرينة ما سمعت على لزوم الإتيان بهما معا لأنهما سورة واحدة ، وصحيحا الشحام وخبر الرقي ـ مع قصورها عن معارضة ذلك من وجوه ـ هي كباقي أخبار التبعيض المحمولة على التقية أو غيرها ، مع أن ترك الرقي « ألم نشرح » لا يدل على تركه عليه‌السلام أيضا ، والفصل بالبسملة في المصاحف لو سلم اعتبار هذا الجمع الواقع من غير الامام وقلنا بتواتره لا ينافي الاتحاد كما أومأ إليه في المنظومة ، وإطلاق اسم السورتين في الخبر المزبور وغيره جريا على الرسم الممنوع تواتره والشهرة اللسانية وغيرهما غير قادح مع احتمال انقطاع الاستثناء ، فما وقع من المصنف في المحكي عن معتبره ـ من الميل إلى عدم الاتحاد خاصة ، أو مع عدم وجوب الجمع حتى صار سببا للجزم بالعدم من بعض من تأخر عنه ـ ضعيف جدا ، خصوصا بالنسبة إلى الأخير ولذا قال بوجوب الجمع بينهما بعض من تردد في اتحادهما ، أو مال إلى عدمه كالمحقق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب القراءة في الصلاة الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب القراءة في الصلاة الحديث ١٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب القراءة في الصلاة الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب القراءة في الصلاة الحديث ١.

٢٣

الثاني والشهيد الثاني وإن كان في بعض ما ذكره أولهما دليلا على ذلك نظر وتأمل ، إلا أنه عليه تسقط الثمرة المهمة في البحث هنا ، وهي الاجتزاء بإحداهما على تقدير التعدد ، والجمع بينهما على تقدير الاتحاد ، نعم تبقى بعض الثمرات في المقام وغيره.

وكيف كان فـ ( لا يفتقر إلى البسملة بينهما ) على تقدير الاتحاد على الأظهر عند المصنف في الكتاب والنافع ، والشيخ في المحكي عن تهذيبه واستبصاره ، ويحيى بن سعيد في المحكي عن جامعه ، بل عن البحار « نسبته إلى الأكثر » بل عن التهذيب « عندنا لا يفصل بينهما بالبسملة » بل عن التبيان ومجمع البيان « أن الأصحاب لا يفصلون بينهما بها » بل عن أولهما زيادة أنهم أوجبوا ذلك لما في المرسل (١) السابق من النهي عن الفصل بينهما ، كعدم الفصل بينهما في المحكي عن مصحف أبي ، وللاتفاق كما عن معتبر المصنف على أنها ليست آيتين من سورة إلا في النمل ، ولذا جعل هو وغيره مدار البحث فيها على الاتحاد والتعدد ، ولايماء ارتباط المعاني فيها الذي قيل : إنه يشهد للاتحاد إلى أولوية عدم الفصل بينهما ، ولغير ذلك ، وهو لا يخلو من قوة ، خلافا لجماعة بل عن المقتصر « نسبته إلى الأكثر » بل عن بعضهم « الظاهر إجماعهم على أن البسملة جزء من كل منهما » ولعله لعدم منافاة الوحدة ما هو الثابت متواترا مما هو مكتوب في المصاحف المجردة عن غير القرآن حتى النقط والاعراب ، ولما عن السرائر من أنه لا خلاف في عدد آياتهما ، فإذا لم يبسمل بينهما نقصتا من عددهما ولم يكن قد قرأهما جميعا ثم قال أيضا : وطريق الاحتياط يقتضي ذلك ، لأنه بقراءة البسملة تصح الصلاة بغير خلاف ، وفي ترك قراءتها خلاف ، لكن لا يخفى عليك أن للبحث في جميع ذلك مجالا.

المسألة الرابعة إن خافت في موضع الجهر أو عكس جاهلا أو ناسيا أو ساهيا‌

__________________

(١) الهداية ص ٣١ المطبوعة بطهران باب ٤٥.

٢٤

لم يعد إجماعا محكيا في الرياض وعن التذكرة إن لم يكن محصلا ، لأنه لا خلاف فيه كما عن المنتهى للصحيحين (١) الذين قد مرا سابقا ، وظاهرهما كالفتاوى عدم الفرق بين القراءة وبدلها من الذكر في الأولتين والأخيرتين ، والمنساق إلى الذهن من الناسي هنا كغيره من المقامات التي ذكر فيها الذاهل عن كون الصلاة جهرية فخافت ، أو بالعكس أو الصادر منه عن غفلة من غير استحضار وقصد ، لكن في جامع المقاصد « أنه يحتمل إلحاق ناسي الحكم به : أي من نسي وجوب الجهر في بعض الصلوات والإخفات في آخر » وفيه أنه خلاف المعروف منه في سائر المواضع التي ذكر فيها معذورية الناسي مثلا ، نعم يمكن إدراج الفرض في الجاهل ، ضرورة عدم منافاة العلم السابق للجهل الفعلي ، وأغرب من ذلك احتماله إلحاق معنيي الجهر والإخفات به مع فرض إمكانه ، وفيه ما لا يخفى ، وإدراجه في الجاهل بنحو الاعتبار السابق ليس بتلك المكانة ، كما هو واضح.

أما الجاهل فلا ريب في تناوله للساذج الصرف الذي لم يسبق بعلم أصلا ولا تنبه للسؤال ، بل يقوى في الذهن اندراج المتنبه فيه مع فرض تصور نية القربة منه وإن قلنا بكونه إثما بسبب تقصيره في السؤال ، مع احتمال عدم الإثم لرفع القلم عنه في خصوص ذلك ، لكن من البعيد خطاب الحكيم بشي‌ء وإرادته من المكلفين وعدم إيجاب السؤال عليهم والعلم به لهم ، وأنه انما يجب عليهم إذا اتفق علمهم به ، بل ظاهر المنظومة وجوب الإعادة في الفرض ، قال :

وليعد العاكس عمدا إن علم

بالحكم لا الناسي ومن علما عدم

وعالم بالحكم جاهل المحل

كذي تردد يعيد ما فعل

ضرورة اندراج الفرض في ذي التردد ، اللهم إلا أن يريد به خصوص التردد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب القراءة في الصلاة.

٢٥

في المحل بعد العلم بوجوب الجهر والإخفات في الجملة ، وفيه أنه حينئذ يكون عين الأول لكن في جامع المقاصد تفسير الجاهل هنا بجاهل وجوب كل منهما في موضعه بحيث لا يعلم التي يجب فيها الجهر من التي يجب فيها الإخفات ، سواء علم أن هناك جهرية أو إخفاتية في الجملة أو لم يعلم شيئا ، وفيه أن شمول الدليل لمثل ذلك محل نظر أو منع ، فيبقى تحت القاعدة ، وأغرب منه قوله بعد هذا بلا فصل : ويمكن أن يراد به مع ذلك الجهل بمعنيي الجهر والإخفات وإن علم أن في الصلاة ما يجهر فيه وما يخافت إن أمكن هذا الفرض ، ضرورة وجوب تعرفه لذلك ، كضرورة عدم سوق الدليل لبيان حكم ذلك بل قد يتوقف في شموله لما وجب الإخفات فيه لعارض المأمومية مثلا وإن كان ظاهر الخبر العموم ، كما أن ظاهره والفتاوى عدم الفرق في هذا الحكم بين الرجل والامرأة إلا أنه من حيث الجهر والإخفات ، أما لو جهرت فسمعها الأجنبي وقلنا ببطلان صلاتها بذلك فيقوى البطلان ، وإن قال في جامع المقاصد : فيه وجهان.

ولو تذكر أو علم في الأثناء مضى ولا يتدارك كما صرح به غير واحد ، لترك الاستفصال ، وللإطلاق ، اللهم إلا أن يدعى سوقهما لغير ذلك ، فيبقى ما دل (١) على وجوب التدارك قبل تجاوز المحل بحاله لو قلنا بشموله لمثل هذا الوصف المستلزم تداركه تدارك غيره معه كما أشرنا إليه سابقا ، ولا يشترط في معذورية الجاهل هنا سبق التقليد بذلك على إشكال ، هذا ، وقد ذكرنا بعض الكلام في المقام في أحكام الخلل ، فلاحظ ، والله أعلم.

المسألة الخامسة يجزيه عوضا عن قراءة الحمد في الثالثة والرابعة من الفرائض اثنتا عشرة تسبيحة ، صورتها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ثلاثا بلا خلاف ، بل الإجماع بقسميه عليه ، كما أنه كاد يكون مقطوعا به من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

٢٦

النصوص (١) انما البحث في تعيين ذلك ، فلعل ظاهر المتن والذكرى وجوب القدر المزبور ، كما عن صريح النهاية والاقتصاد ومختصر المصباح والتلخيص والبيان ذلك أيضا بل هو الذي استظهره في المدارك من ابن أبي عقيل ، بل عن المهذب البارع نسبته اليه قاطعا به ، لكن المحكي من عبارته وإن كان فيها أن الأدنى الثلاث في كل ركعة إلا أنه يحتمل إرادة الأدنى في الفضل بقرينة قوله سابقا : « السنة في الأواخر التسبيح سبعا أو خمسا » نعم هو صريح المحكي عن نسخة لرسالة علي بن بابويه قديمة مصححة عليها خطوط العلماء بقراءتها عليهم ، ونسختين لكتاب المقنع في باب الجماعة ، وبعض نسخ الفقيه مؤيدا ذلك كله بما ستسمعه عن الفقه الرضوي (٢) الذي من الغالب موافقة الصدوقين له حتى أنه بذلك ظن أنه من كتب أولهما ، وصريح المحكي أيضا عن بعض نسخ المهذب مؤيدا بموافقته للنهاية غالبا.

وكيف كان فقد اعترف في المدارك بأنه لم يقف له على مستند ، قلت : لعله ـ بعد توقف يقين البراءة من يقين الشغل عليه ، وأصالة تقارب البدل والمبدل عنه الحاصل في الفرض دون المرة مثلا ، وفتوى من عرفت به ممن علم من حالهم عدم ذكر ذلك منهم إلا بنص ، ووجوده في مثل الرسالة التي كانت إذا أعوزتهم النصوص رجعوا إليها ، والنهاية التي هي متون أخبار ، والفقيه والمقنع ونحوهما ـ ما رواه ابن إدريس (٣) فيما حكي من سرائره نقلا من أصل حريز ، قال : قال زرارة : « لا تقرأ في الركعتين الأخيرتين من الأربع ركعات المفروضات شيئا إماما كنت أو غير إمام ، قلت : فما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٥ و ٨ والباب ٥١ منها ـ الحديث ١ و ٢ و ٣.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٢ وفيه‌ « إذا كنت إماما أو وحدك ».

٢٧

أقول فيهما؟ قال : إن كنت إماما فقل : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ثلاث مرات ، ثم تكبر وتركع ».

وهو صحيح ، قيل : والتكبير فيه ثابت في جميع نسخ السرائر في هذا الموضع ، لكنه أورد هذا الحديث بعينه في المستطرفات بإسقاط التكبير ، قلت : في مفتاح الكرامة « أن في نسخة قديمة عتيقة من خط علي بن محمد بن أبي الفضل الآبي أي صاحب كشف الرموز في سنة سبع وستين وستمائة إسقاط التكبير في الموضعين ، كما أن في نسخة أخرى كثيرة الغلط ذكره في الموضعين » إلى آخره. لكن في المحكي عن البحار أن النسخ المتعددة التي رأيناها متفقة على ذلك : أي على الإثبات في كتاب الصلاة ، والإسقاط في المستطرفات ، واحتمل أن يكون زرارة رواها على الوجهين ، ورواهما حريز عنه في كتابه واستظهر زيادة التكبير من قلمه رحمه‌الله أو من النساخ ، لأن سائر المحدثين رووا هذه الرواية بدون التكبير وزاد في الفقيه وغيره بعد التسبيحات تكمله تسع تسبيحات ، قال : ويؤيده أنه نسب في المعتبر والتذكرة القول بتسع تسبيحات إلى حريز وذكر هذه الرواية.

قلت : فتخرج الرواية حينئذ عن الحجية ، بل هي كذلك أيضا مع فرض اتحادهما واختلاف النسخ فيها ، ضرورة عدم ثبوت كون ما يفيد المطلوب من النسختين رواية ، فلا يشمله حجية خبر الواحد ، بل يمكن دعوى كونها كذلك وإن لم يفرض اختلاف النسخ إلا أنه قامت قرائن خارجية بحيث حصل الظن بأن الراوي لم يرو ذلك ، أو تساوى الاحتمالان ، لما عرفت من عدم ثبوت كونه خبرا ورواية ولو بطريق الظن الصالح لذلك ، ودعوى ثبوت جميع ما في السرائر بطريق التواتر والآحاد المعتبر بحيث يخرج ما فيها عن قسم الوجادة ، فلا مجال لهذا الاحتمال فيه أو لا يقدح يمكن منعها ، بل يمكن منع وصول هذه الأصول التي روى عنها في السرائر واستطرف منها ما استطرف بأحد الطريقين المزبورين ، بل المظنون أنها وجادة بالنسبة اليه ، ولا ينافيه وصفه لها‌

٢٨

بأنها أصول معتبرة ، ضرورة كون المراد أنها كذلك في الجملة أو كلي أصل حريز مثلا لا خصوص ما روى عنه من الكتاب ، والنسبة بعد تعارف وقوعها من العلماء بدون الطريقين المزبورين لا يعتد بها كما هو واضح لمن أنصف وتأمل ولم يقصد الترويج.

وقد ظهر لك من ذلك كله أنه لا فائدة في ترجيح نسخة الإثبات على نسخة السقوط بموافقتها لصحيحة هذا الراوي بعينه ولغيرها من النصوص التي أثبتت التكبير مما ستعرفه ، أو نسخة السقوط على نسخة الثبوت بما سمعته من المجلسي ، ضرورة عدم صلاحية شي‌ء من ذلك لصيرورتها حجة شرعية ، نعم لا بأس بذكره حينئذ مؤيدا لخبر الاثنى عشر مثلا أو غيره بناء على الترجيحين ، ومن العجيب اعتماده في الرياض على هذا الترجيح حتى جعلها نفسها دليلا للاثنى عشر ومال اليه ، فلاحظ وتأمل.

وما رواه‌ الصدوق في المحكي عن عيونه (١) عن رجاء بن أبي الضحاك « أنه صحب الرضا عليه‌السلام من المدينة إلى مرو فكان يسبح في الأخراوين ، يقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ثلاث مرات » قال بعض المتبحرين : هكذا وجدناه في أكثر النسخ ، ونقله المحدث التقي المجلسي في روضة المتقين ، لكن عن نسخة صحيحة التسبيحات الثلاث من دون تكبير ، وعن البحار أنه أوردها كذلك ثم ذكر في البيان زيادة التكبير عن بعض النسخ ، قال : والموجود في النسخ القديمة المصححة كما نقلنا من دون تكبير ، واستظهر كون الزيادة من النساخ تبعا للمشهور ، وعلى هذا فيسقط التمسك بهذه الرواية كالتي قبلها ، وتزيد هذه بضعف السند بجميع رجاله ، كجهالة أحمد بن علي الأنصاري ، وتضعيف العلامة كما قيل تميم بن عبد الله الذي يروي عنه الصدوق ، وأما رجاء بن أبي الضحاك فعن روضة المتقين أنه شر خلق الله والساعي في قتل الامام وإن كان قيل يظهر من الصدوق الاعتماد عليه بل وعلى الذين‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٨.

٢٩

قبله ، لكن قد يمنع ، إذ عمله ببعض خبره كالسور ونحوها لعله لتبين صحته من مقام آخر ونحوه لا لاعتماده عليه.

وما عن‌ الفقه الرضوي (١) في أول أبواب الصلاة قال : « تقرأ فاتحة الكتاب وسورة في الركعتين الأوليين ، وفي الركعتين الأخراوين الحمد ، وإلا فسبح فيهما ثلاثا ثلاثا ، تقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، تقولها في كل ركعة منهما ثلاث مرات » لكن بعد الإغضاء عن حجيته ذكر فيه أيضا ما يدل (٢) على الاجتزاء بالمرة ، فيكون هذا محمولا على الندب وإن كان يحتمل أن يكون هذا قرينة على إرادة التكرار هناك ، أو سقوط الثلاث من النساخ ، وعن موضع آخر (٣) من هذا الكتاب « واقرأ في الركعتين الأخيرتين إن شئت الحمد وحده ، وإن شئت سبحت ثلاث مرات » وهو محتمل أيضا إرادة سبحان الله ، وتكرير التسبيحة الكبرى ثلاث مرات بقرينة العبارة السابقة وإن كان الثاني أقرب.

فبان لك حينئذ ضعف التمسك بهذه الأخبار ، اللهم إلا أن يقال : إن جميع ذلك إن لم يصلح للاستدلال يصلح للشهادة على الجمع بين ما يستفاد منه الأربع ولو مرة واحدة ، كصحيح زرارة (٤) الآتي وبين ما دل (٥) على التثليث في الثلاثة ، لما عرفته وتعرفه من شواهد القول بالتسع ، فيحصل حينئذ منهما مع ضم الفصل الرابع من الأول والتكرار ثلاث مرات من الثاني الدلالة على المطلوب ، لكن شهادة هذه الأمور موقوفة على تأخر قيد التكرار ثلاثا عن الكلمة الرابعة المستفادة من الخبر الأول ، وهو كما ترى‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام ص ١٤.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١.

٣٠

أو يقال بانجبار ذلك كله بالشهرة ، لأن رواية الاثنى عشر بين قائل بمضمونها بعنوان الوجوب ، وقائل به بالوجوب التخييري ، وقائل به بالاستحباب ، وقائل بأنه أحوط وقائل بأنه أحد أفراد الوجوب المطلق ، فليس لها راد حينئذ ، وهو أضعف من سابقه نعم لا يبعد أن يكون ذلك كله مضافا إلى ما أرسله في الروضة من النص (١) الصحيح به مستندا للاستحباب ، لما ستعرفه من قوة القول بالاجتزاء بالأربع ، وعدم دليل صالح لإثبات غيرها معها ولو على جهة الوجوب التخييري ، ولعله لذا اختار بعضهم منهم الأستاذ في كشفه استحباب الزيادة عليها لا أنها من الواجب التخييري ، نعم الظاهر أن ذلك نهاية الفضل ، لعدم الدليل على الزيادة إلا على بعض الوجوه في الجمع بين الأخبار ربما تسمع بعضها فيما يأتي ، لكن قد سمعت ما عن ابن أبي عقيل أن الأدنى التكرير ثلاثا ، وإلا فالأفضل سبعا أو خمسا ، وفي الذكرى لا بأس باتباع هذا الشيخ العظيم الشأن في استحباب ذكر الله ، وهو مبني على تناول دليل التسامح لمثل ذلك.

وأما الأصل فهو مع أنه غير أصيل عندنا ستعرف ما يوجب الخروج عنه ، ولا يلزم من بدلية التسبيح عن القراءة تطابقهما كما ولا تقاربهما لفظا ، على أن البدلية ممنوعة بل الحق العكس ، أو المبادلة والتخيير ، ولا يعتبر فيهما التوافق قطعا كما في خصال الكفارة ، نعم الظاهر أن العمل به أحوط بل وأفضل كما صرح به بعضهم لما عرفت ، خلافا للمحكي عن آخر من ترجيح القراءة عليه ، للخروج بها عن الاختلاف الواقع في التسبيح رواية وفتوى ، فيكون العمل بها أسلم وأحوط ، وفيه ـ مضافا إلى ما سمعته سابقا مما دل (٢) من النصوص على أفضلية التسبيح حتى ادعي تواترها ـ عدم سلامتها عن الخلاف الذي يصعب الاحتياط معه من وجوب الجهر بالبسملة وحرمته ، بخلاف ما نحن فيه ، فإنه لا خلاف في إجزاء الاثنى عشر ، والله أعلم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب القراءة في الصلاة.

٣١

وقيل : يجزيه عشر بإثبات التكبير في التسبيحة الأخيرة وإسقاطها في الأولين ، والقائل الشيخ في مبسوطة وعن جمله ومصباحه وعمل يوم وليلة ، وأبو المكارم في غنيته ، والصدوق في المحكي من هدايته ، والمرتضى في المحكي من جمله ومصباحه ، وعن سلار والكيدري ( والكندري خ ل ) أيضا وإن كان ربما حكي عنه التخيير بين ذلك والاثنى عشر ، إلا أن مقتضاه عدم الاجتزاء بالأقل ، فرجع إلى هذا القول ، بل نسبه الفاضلان إلى ابني البراج وأبي عقيل ، لكن ما وقفنا عليه مما حكي من عبارتيهما لا يساعد على ذلك ، بل ظاهرهما القول السابق كما عرفت ، بل ينبغي عدم احتمال ذلك فيهما ، لأن التكبير إن ثبت فيهما فالاثنى عشر ، وإلا فالتسع ، فلا وجه لنسبة ذلك إليهما ، كما أنه لا ينبغي نسبته إلى الحلي كما وقع من بعضهم على ما ستعرف.

وكيف كان فلم أقف له على مستند معتد به وإن كان ظاهر الروضة والمحكي عن غيرها وجود النص به ، بل ظاهر الأول أنه صحيح ، لكن قال بعض الفضلاء المتبحرين الورعين : إن الكتب الأربعة وغيرها من أصول الأصحاب خالية عن النص على ذلك فضلا عن كونه صحيحا ، نعم قد يعلل أصل الحكم ودعوى ورود النص به بوجهين : أحدهما أخذه من‌ قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة (١) الآتية : « فقل : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ثلاث مرات ، ثم تكبر وتركع » على أن يكون المراد ضم التكبير إلى سابقه ليكمل به العشر ، ولا يخفى وهنه ، فان المراد به تكبير الركوع كما هو ظاهر من أسلوب الكلام ، ولا أقل من الاحتمال المانع من الاستدلال ، وثانيهما التخريج من روايتي الأربع والتسع جمعا بينهما بالعشرة الجامعة لهما بجعل قيد الثلاث مرات لما عدا التكبير مع ضم التكبير من رواية الأربع ، وإن أمكن الجمع بينهما بالجمع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١.

٣٢

بين العددين حتى يبلغ ثلاثة عشر ، لحصول الامتثال بالأول ، وللإجماع على عدم وجوب ذلك ، بل ولظهور النصوص عند التأمل فيه ، بل لعله مقطوع به منها ، ولغير ذلك ، قيل : وهو جيد لو لا تصريحهم بتأخير التكبير ، وفيه أنه لعلهم أخذوه من ظهور رجوع التكرار ثلاثا ولاء لما عدا التكبير من التسبيح ، فيتعين حينئذ ذكر التكبير أخيرا ، فتأمل. ولو لا أن الظاهر من حال القدماء الاستناد إلى النص الصريح لا التخريج كما هو المعلوم من عادتهم ، خصوصا الصدوق ومن ماثله ، وفيه أن المهم أصل الدليل على الدعوى لا كونه مستندا لهم ، والله أعلم.

وقيل والقائل حريز والصدوقان وابن أبي عقيل وأبو الصلاح فيما حكي عنهم تسع بإسقاط التكبير ، لكن المصنف قال وفي رواية تسع وهو بعد نسبته سابقه إلى القيل قد يظهر منه أنه ليس قولا لأحد كالمحكي عن ابن إدريس من اقتصاره على نقل القول بالأربع والعشر والاثنى عشر ، ولعل الأمر فيه كذلك ، إذ الظاهر أن الأصل في نسبته إلى حريز روايته ذلك ، وهي ـ مع أنها لا دلالة فيها على مذهب الراوي ضرورة صدور الأمور المتعددة من الراوي الواحد ـ قد عرفت الاختلاف في متنها في إثبات التكبير وإسقاطه ، فهو متردد حينئذ بين الاثنى عشر والتسع كالصدوقين ، بل المحكي عن أكثر نسخ الفقيه والمقنع ثبوته ، وروايته في الفقيه للتسع مع أنه روى فيه غيرها لا تصلح مستندا لنسبته إليه ، وقد عرفت أن المحكي عن النسخة الصحيحة القديمة من الرسالة ثبوته ، ولذا لم ينقل عنه التسع قبل المختلف ، بل قيل : إن أكثر كتب لخلاف خالية عنه ، وأما ابن أبي عقيل فقد تقدم أن الموجود في عبارته إثبات التكبير ، ستسمع ما وصل إلينا عن أبي الصلاح ، فلم يثبت حينئذ لأحد ممن نسب اليه.

وكيف كان فمستنده مضافا إلى بعض ما تقدم‌ قول أبي جعفر عليه‌السلام

٣٣

في صحيحة زرارة (١) : « لا تقرأ في الركعتين الأخيرتين من الأربع الركعات المفروضات شيئا إماما كنت أو غير إمام ، قال : قلت : فما أقول؟ قال : إن كنت إماما أو وحدك فقل : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ثلاث مرات تكمله تسع تسبيحات ثم تكبر وتركع » وهي مع أن المحكي عن بعض نسخ الفقيه تسع مرات من دون تكمله ، وما قيل ـ : من أن ابن إدريس رواها في المستطرفات باختلاف في المتن أيضا وفي باب الصلاة بإثبات التكبير كما سمعته سابقا ، ومع مخالفتها لباقي الروايات المتضمنة للتكبير ، بل ولما رواه هذا الراوي بعينه عن الباقر عليه‌السلام أيضا ـ لا تصلح سندا لذلك ، خصوصا وقد عرفت عدم القائل بذلك ، فضلا عن شهرة تجبر هذا الاضطراب ، مع أن الاختلاف في متن الرواية يقتضي الأخذ بالأكثر الذي يحصل به يقين البراءة ، وهو هنا الاثنا عشر ، بل ولا وجه لحملها على الندب مع فرض إسقاط التكبير كما يحكى عن أكثر القائلين بالأربع ، بل ولا للتخيير بينها وبين العشر والاثنى عشر ، وعن الروض بعد نقل القول بالأربع والاثنى عشر والعشر والتسع قال : « والأول أجود ، والثاني أحوط ، والثالث جائز ، أما الرابع فلا ، لعدم التكبير » وهو جيد لكن عن بعضهم الاقتصار على التخيير بين الأربع والتسع خاصة ، لعدم ثبوت النقل في غيرهما ، ولا ريب في ضعفه ، والله أعلم.

وقيل والقائل جماعة من القدماء كالكليني والصدوق والشيخين فيما حكي عنهم وكثير من المتأخرين ومتأخريهم يجزي أربع ، بل في المحكي عن المقاصد العلية أنه أشهر الأقوال ، بل عن الأنوار القمرية هو قول المفيد وأكثر المتأخرين ، بل عن الجوادية وشرح الجعفرية أنه المشهور فيما بينهم ، بل في المصابيح الطباطبائية أن شهرة القول به من عصر الفاضلين إلى زماننا ظاهرة لا تدفع ، بل الظاهر الإجماع عليه في بعض‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١.

٣٤

الطبقات ، وهو كذلك على الظاهر بل قد صرح به فيما يقرب من خمسين كتابا على ما حكي عن جملة منها ، فمن العجيب بعد ذلك قول المصنف هنا وفي أخرى أربع مشعرا بعدم القائل به ، مع أنه هو منهم في النافع ، نعم خير بعض هؤلاء بينه وبين الاثنى عشر ، أو مع العشر والتسع ، أو غير ذلك مما ستعرفه فيما يأتي إن شاء الله ، لكن الكل اشتركوا في إجزاء الأربع ، سواء قلنا باستحباب الزائد صرفا كما في كثير من مقامات التخيير بين الأقل والأكثر ، أو قلنا بأنه أحد أفراد الواجب المخير كالقصر والإتمام ونحوهما مما لم يكن فيه القليل الذي في ضمن الكثير مجزيا كي يتحقق الاشكال ، بل كان القليل فيه مقابلا للكثير كما أوضحناه سابقا ، وأومأ إليه هنا المحقق الثاني في جامعه ، بل قد يضم إليهم من يوافقهم على عدم وجوب الأكثر وإن قال بالأنقص كالمحكي عن الإسكافي وأبي الصلاح من القول بوجوب الثلاث بإسقاط التهليل أو التكبير ، بل ومن اكتفى بمطلق التسبيح والوارد منه بالخصوص كما عن ابن سعيد وغيره ، أو مطلق الذكر كما عن آخر ، فتزداد الكثرة حينئذ ، ومن هنا حكي عن المعتبر القطع بجواز الأربع واحتمال الاكتفاء بما دونه.

وأغرب من ذلك تنكيره روايته مع أنه رواها الكليني مقتصرا عليها في كيفية التسبيح ، والشيخ صدر بها الأخبار التي أوردها في كتابيه ، بل وصفها جماعة من الأساطين منهم العلامة والشهيد والمحقق الثاني بالصحة ، بل عن مختلف أولهم أنها هي وصحيحة الحلبي الآتية أصح ما بلغنا في هذا الباب ، والظاهر أنه كذلك ، لأنه ليس في طريقها من يتوقف فيه إلا محمد بن إسماعيل ، والأصح الأشهر كما قيل عد حديثه صحيحا ، إما لأنه ثقة كما بين في محله مفصلا على وجه يرفع الاشتراك بينه وبين غيره أو لكونه من مشايخ الإجازة للحديث المنقول من كتب الفضل ، فلا يكون واسطة في النقل ، وقد يشير اليه ما عن كشف الرموز « أن الاكتفاء بالأربع في رواية الفضل‌

٣٥

ابن شاذان عن حماد » إلى آخره. ولا يبعد أن يكون وجدها في كتاب الفضل ، وأما متنها (١) وهو‌ قال أي زرارة : « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : ما يجزي من القول في الركعتين الأخيرتين؟ قال : أن تقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، وتكبر وتركع » فقد قيل : إنه تطابقت عليه النسخ كلها في الكتب الثلاثة وكتب الحديث المأخوذة منها كالوافي والوسائل والبحار والمنتقى والحبل المتين ، وكتب الاستدلال كالمعتبر والمنتهى والذكرى وغيرها ، وهذه مزية ظاهرة لهذه الرواية بالنسبة إلى روايات الباب. لما عرفت ، مضافا إلى ظهور دلالتها في المطلوب ، بل في المنتهى أنها نص فيه وإن كان قد يناقش فيه بأنه لا صراحة فيه بعدم إجزاء غيره مما هو أنقص منه ، ضرورة كون إجزائه لا يقتضي نفي غيره ، وبأنه يحتمل إرادة أجزاء ذلك بالنظر إلى الفصول لا العدد ، فلا ينفي القول بالاثني عشر مثلا.

اللهم إلا أن يقال في دفع الأول بظهور لفظ الاجزاء خصوصا في المقام في عدم إجزاء الأنقص منه ، أو يدعى كون التقدير فيه بقرينة السؤال المجزي أن تقول ونحوه مما يفيد الحصر ، بل ربما قيل : إنه الظاهر ، ولعله لأصالة مطابقة الجواب للسؤال في الاسمية والفعلية ، لكن قد يقال ـ بعد تسليم الأصل المزبور على وجه يحمل عليه الخطاب ، ويكون مدركا لحكم شرعي خصوصا في نحو الخطابات التي لم تذكر في مقام الفصاحة والبلاغة ـ : إنه لا ملازمة بين تقديرها اسمية وبين استفادة الحصر ، ضرورة أنه لو كان التقدير مثلا قولك سبحان إلى آخره يجزي لم يكن فيه حصر مع كون الجواب جملة اسمية ، فتأمل جيدا.

وفي دفع الثاني بأن الامتثال يحصل بالمرة ، وأن الرواية مسلطة على فهمها ، وقوله عليه‌السلام : « أن تقول » إلى آخره في مقام البيان من غير إشعار بالتكرار بل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٥.

٣٦

قال بعده : « ثم تكبر وتركع » ظاهر في عدمه ، خصوصا والسائل إنما سأل عن الفصول المجزية ، فالجواب بالقول المشتمل على تلك الفصول يقتضي إجزاءه من كل وجه لا باعتبار الفصول الخاصة ، لكن ومع ذلك فالإنصاف أن جميع ما قلناه لا يجعله في مرتبة النص كما هو واضح ، نعم هي ظاهرة تمام الظهور في ذلك ، ويؤيدها زيادة على ما سمعت وقوع التصريح بهذه الفصول في جملة من الأخبار من دون إشعار بالتكرار ، كصحيح أبي خديجة (١) وسالم بن مكرم الذي أفتى الصدوق بمضمونه في المحكي عن مقنعه ، وخبري محمد بن حمران أو عمران (٢) ومحمد بن حمزة أو ابن أبي حمزة (٣) المرويين عن الفقيه والعلل المذكورين سابقا عند البحث في أفضلية التسبيح على القراءة على ما عن أكثر النسخ من إثبات التكبير ، والمحكي عن‌ فقه الرضا عليه‌السلام (٤) « فان لم تلحق السورة أجزأك الحمد ، وسبح في الأخيرتين ، تقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر » وأوضح من ذلك تأييدا بل قيل : إنه يمكن الاستدلال به على المطلوب الصحيح الواضح عن‌ الحلبي (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إذا قمت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما ، فقل : الحمد لله وسبحان الله والله أكبر » وعن‌ زرارة (٦) عن أبي جعفر عليه‌السلام فيمن أدرك الإمام في الأخيرتين قال : « فإذا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١٣ لكن رواه عن سالم بن أبي خديجة وهو سهو والصحيح سالم أبى خديجة كما نقله عنه في الباب ٣٢ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٦ وفي التهذيب ج ٣ ص ٢٧٥ ـ الرقم ٨٠٠ من طبعة النجف وحرف الواو بين أبى خديجة وسالم بن مكرم زائد في الجواهر لأن سالم هو أبي خديجة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٣.

(٤) فقه الرضا عليه‌السلام ص ١٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٧.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٤.

٣٧

سلم الامام قام فصلى ركعتين لا يقرأ فيهما ، لأن الصلاة انما يقرأ فيها في الأوليين بأم الكتاب وسورة ، وفي الأخيرتين لا يقرأ فيهما ، انما هو تسبيح وتكبير وتهليل ودعاء ليس فيهما قراءة » وعن‌ عبيد بن زرارة (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الركعتين الأخيرتين من الظهر قال : تسبح وتحمد الله وتستغفر لذنبك ، وإن شئت فاتحة الكتاب فإنها تحميد ودعاء » وخبر علي بن حنظلة (٢) المتقدم سابقا في البحث في مسألة التخيير ، وستسمعه أيضا فيما يأتي ، لظهور الجميع باعتبار الأمر فيها بالطبيعة وغيره في الاجتزاء بذلك ولو مرة ، ولا ينافيه عدم اشتمالها على الفصول الأربعة ، لوجوب الجمع بينها بحمل المطلق فيها على المقيد ويثبت المطلوب ، أو لأنه من الإشارة بالبعض إلى الكل كما هو متعارف في نحو ذلك مما لا يحسن تكراره في كل خطاب وكانت له صورة معروفة ، أو لأن كل من أوجب التسبيح والتحميد مكتفيا فيهما بالمرة فقد أوجب التهليل أو التكبير ، وكل من أوجب الثلاثة مرة بضم أحدهما فقد أوجب الأربع عدا ابن الجنيد وأبي الصلاح ونحوهما ممن خلافه شاذ منقرض ، كما أنه لا ينافيه أيضا اشتمالها على الدعاء والاستغفار ، لأنه إن وجب كما ذهب اليه بعض المتأخرين فلا إشكال ، وإلا تعين حمله على الندب ولا ضير ، نعم قد يناقش في صحيح أبي خديجة وما ماثله بأنها لم تسق لبيان إجزاء ذلك كي يتمسك بالطبيعة فيه ، بل وقعت هذه الفصول فيه في مقام بيان أمر آخر غير ذلك ، فلاحظ وتأمل.

وقد بان لك مما سمعته من المتن وما ذكرناه في شرحه أن الأقوال في المسألة أربعة وأن العمل بالأول منها أحوط بل وأفضل.

الخامس التفصيل بين المستعجل والمضطر ونحوهما فأربع ، وغيرهم فعشر ، ونسب إلى ابن إدريس ، وعبارته المحكية عنه ظاهرة في ذلك ومحتملة للعشر ، كما عن العلامة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٣.

٣٨

نسبته اليه وإن كان قد ذكر أن حكم المضطر ما يتيسر من ذلك ولو دون الأربعة ، وربما كان في المحكي من عبارته في كيفية صلاة المضطرين إيماء إلى ذلك ، كما أنه ربما احتمل أن يكون فتواه بالأربع ، وأن العشرة طريق احتياط للمختار ، بل ربما كان في بعض كلامه إيماء إليه أيضا ، وكيف كان فلم نقف له على نص في تفصيله المتقدم بل ولا من تقدم فيه سوى ما عساه يحتمل من مجموع ما حكي عن المقنعة في باب كيفية الصلاة وفي باب تفصيل أحكام الصلاة ، مع أن المعروف عنه وكاد يكون صريح كلامه في الباب الأول الاجتزاء بالأربع واستحباب العشر ، ولعله يريد بما ذكره في الباب الثاني عدم تأكد الزيادة على الأربع للمستعجل والعليل ، فلاحظ وتأمل.

السادس الاكتفاء بالتسبيحات الثلاثة مرة واحدة بإسقاط التكبير والتكرير كما هو ظاهر المحكي عن أبي الصلاح أو صريحه وإن اشتهر عنه القول بالتسع ، ولعل مستنده روايتا محمد بن عمران (١) ومحمد بن حمزة (٢) المتقدمتان على ما عن بعض النسخ من سقوط التكبير ، وقد تقدم لك ما يظهر منه ضعفه.

السابع الاجتزاء بالثلاث أيضا لكن بإسقاط التهليل كما عن ابن الجنيد ، لصحيح الحلبي (٣) المتقدم سابقا الذي قد عرفت أن مقتضى الجمع بينه وبين غيره ضم التهليل اليه.

الثامن الاجتزاء بالتسع والأربع والثلاث بإسقاط التهليل ، وبالتسبيح والتحميد مع الاستغفار ، لصحيح عبيد بن زرارة (٤) كما في المدارك وعن الأنوار القمرية والذخيرة جمعا بين الأخبار المعتبرة بالتخيير ، وفيه بعد تسليم اعتبار الجميع عدم تعين الجمع بذلك.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١.

٣٩

التاسع إجزاء التسع والأربع والثلاث بإسقاط التهليل ، والتسبيحات أي تقول سبحان الله ثلاثا كما عن يحيى بن سعيد في الجامع ، لقول الصادق عليه‌السلام في خبر أبي بصير (١) : « أدنى ما يجزي من القول في الركعتين الأخيرتين ثلاث تسبيحات ، تقول : سبحان الله سبحان الله سبحان الله » وفيه أن الخبر المزبور ـ مع ضعفه وعدم الجابر له ، بل ربما كان من أضعف أخبار هذا الباب بناء على أن محمد بن علي الهمداني الذي في طريقه هو ابن سمينة الضعيف جدا ـ لا يعادل به الأخبار الصحيحة المشهورة نقلا وعملا.

العاشر الاجتزاء بمطلق الذكر كما عن السيد جمال الدين بن طاوس والمصنف في المعتبر ، وربما ظهر من كتابي الأخبار للشيخ ، لأنه روى فيهما ما عساه يصلح مستندا لذلك من‌ خبر عبيد بن زرارة (٢) عن الصادق عليه‌السلام المتضمن للأمر بالتسبيح والحمد لله والاستغفار للذنب ، قال : « وإن شئت فاتحة الكتاب فإنها تحميد ودعاء » وخبر علي بن حنظلة (٣) عن الصادق عليه‌السلام « سألته عن الركعتين الأخيرتين ما أصنع فيهما؟ فقال : إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب ، وإن شئت فاذكر الله فيهما ، فهما سواء ، قال : قلت : فأي ذلك أفضل؟ فقال : هما والله سواء إن شئت سبحت وإن شئت قرأت » وفيه أنه لا دلالة في الخبر الأول على ذلك ، وأما الخبر الثاني فلعل المراد بالذكر فيه التسبيح بقرينة آخر كلامه ، بل لعل المراد به وبالتسبيح الإشارة إلى التسبيحات الأربع المعهود ، أو إلى ما ورد في النصوص من التسبيح ، فلا يكون حينئذ فيه دلالة على الاجتزاء بمطلق الذكر حتى ينسب إلى الشيخ من جهة ذكره لهما ، بل لعل نسبته إلى المصنف وابن طاوس أيضا على غير وجهها ، إذ لم يذكر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٣.

٤٠