جواهر الكلام - ج ١٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

أما استحباب سجدتين مستوفى بينهما الاعتدال أو لا بغير الكيفية المزبورة كما يقتضيه قول المصنف ومن تبعه خصوصا بعد قوله ويستحب التعفير بينهما الظاهر في كونه مستحبا آخر غير معتبر في الكيفية ، للمكلف تركه والاقتصار على سجدتين ملاحظا للتركيب فيهما لا الآحاد ، فلا يخلو من توقف ، اللهم إلا أن يكون منشأه التسامح مع عدم حمل المطلق على المقيد ، ولذا تسرى شيخنا في كشفه إلى ما عرفت ، مع أن في بعض النصوص إشعارا ببعضه كالاقتصار على التعفير من غير عود للسجود وغيره مما عساه يستفاد من النصوص السابقة وغيرها ، قال سليمان (١) : « خرجت مع أبي الحسن موسى عليه‌السلام إلى بعض الأماكن فقام إلى صلاة الظهر فلما فرغ خر لله ساجدا فسمعته يقول بصوت حزين وتغرغر دموعه : رب عصيتك بلساني ولو شئت وعزتك لأخرستني ، وعصيتك ببصري ولو شئت وعزتك لأكمهتني ، وعصيتك بسمعي ولو شئت وعزتك لأصممتني ، وعصيتك بيدي ولو شئت وعزتك لكففتني ، وعصيتك برجلي ولو شئت وعزتك لجذمتني ، وعصيتك بفرجي ولو شئت وعزتك لعقمتني ، وعصيتك بجميع جوارحي التي أنعمت بها علي وليس هذا جزاك مني ، قال : ثم أحصيت له ألف مرة وهو يقول : العفو العفو ، قال : ثم ألصق خده الأيمن بالأرض فسمعته وهو يقول بصوت حزين : بوأت إليك بذنبي عملت سوء وظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب غيرك يا مولاي ثلاث مرات ، ثم ألصق خده الأيسر بالأرض فسمعته وهو يقول : ارحم من أساء واقترف واستكان واعترف ثلاث مرات ، ثم رفع رأسه » والأمر في ذلك كله سهل ، خصوصا بعد مشروعية العود بعد التعفير ، إذ هو تعدد سجود.

والمراد بالتعفير الوضع على العفر ، وهو التراب ، ومقتضاه اعتباره في حصول وظيفة التعفير ، لكن في الذكرى الظاهر تأدي السنة بالوضع على ما اتفق وإن كان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب سجدتي الشكر ـ الحديث ٥.

٢٤١

التراب أفضل ، وهو لا يخلو من تأمل ، وظاهر أكثر النصوص (١) كون محل التعفير الخدين كما كان يصنعه موسى بن عمران وبه نال ما نال ، وهو معقد صريح إجماع المنتهى وعن ظاهر المعتبر ، كما أن أصل استحباب التعفير بين السجدتين معقد إجماع غير واحد من الأصحاب ، لكن في الذكرى وغيرها ممن تأخر عنها الجبينين مخيرا بينهما وبين الخدين في بعض ومقتصرا عليهما في آخر ، ولعله‌ للمرسل (٢) المشهور إن « من علامات المؤمن تعفير الجبينين » وفيه كما في الحدائق أن من المحتمل بل الظاهر إرادة الجبهة من الجبين بقرينة أفراده في الذكر ، وجعله من علامات المؤمنين كالتختم باليمين من حيث أن المخالفين لا يرون سجود الشكر ، على أنه لا دلالة فيه على البينية في السجدتين ، ولعله لذلك قال في المنظومة بعد البيت السابق :

يعفر الخد أو الجبينا

مقدما من ذلك اليمينا

والخد أولى وبه النص جلا

وفي الجبين قد أتى محتملا

وقد يناقش ما في الحدائق بأن المحكي عن الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وابن المنذر استحباب سجود الشكر في المواضع الثلاثة ، وانما أطبقوا على نفي التعفير ، وفي كشف اللثام « يستحب أن يعفر بينهما خديه أو جبينيه أو الجميع أو إحداهما فهو كالسجود مما شهد بفضله الأخبار والاعتبار وانعقد عليه إجماعنا ، ولما أنكره الجمهور كان من علامات الايمان » وهو جيد جدا.

وأما الذكر فيه فقد سمعت ما في النصوص السابقة ، وقد ورد في غيرها أدعية أخر من أرادها فليطلبها من مظانها ، وقد تقدم أن أدنى ما يجزي فيه شكرا ثلاثا ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب سجدتي الشكر.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب المزار ـ الحديث ١ من كتاب الحج.

٢٤٢

كما‌ أنه ورد (١) فيه قول ما شاء الله مائة مرة حتى يناديه الله ويقول له : عبدي إلى كم تقول ما شاء الله ، أنا ربك وإلى المشية وقد شئت قضاء حاجتك فسلني ما شئت ، وورد (٢) الحمد لله مائة مرة ، وورد (٣) أيضا شكرا شكرا مائة مرة ، وورد (٤) عفوا عفوا كذلك ، وورد (٥) يا رب حتى ينقطع النفس حتى يقول الرب : لبيك ما حاجتك ، ولعل المراد التنبيه بذلك على سائر أفراد التضرع والابتهال ، ولذا قال الأستاذ في كشفه : والظاهر أنه لا بأس بالإتيان بالذكر وإن قل ، والنداء وإن قل ، وله الأجر فيما قل وإن قل ، والظاهر أنه سنة في سنة ، ولو جمع بينها كانت زيادة الأجر في ذلك ، ولو نقص منها نقص أجرها ، وفي التذكرة « يستحب ما روي أو بما يتخيره من الأدعية » وفي المنتهى ان اختلاف ما ورد يدل على عدم التعيين.

ثم إنه قد تقدم في المواقيت الكلام في أن سجود الشكر للمغرب بعد الثالثة أو بعد السابعة ، وذكر بعضهم هنا أن محله في سائر الفرائض بعد التعقيب مستدلا عليه بما روي (٦) « من أن أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام كان يسجد بعد ما يصلي لا يرفع رأسه حتى يتعالى النهار » وفيه أنه لعله جمع بين التعقيب والسجدة بناء على عدم اعتبار الجلوس في التعقيب ، لكن على كل حال لا بأس به بعد فرض عدم فورية المتعقب للصلاة منه ، إذ هو ليس كسجود الشكر للأولين ، لأن الظاهر كما في كشف الأستاذ فوريته لهما مع هذا القصد لكن لا على وجه الشرطية بحيث لم يشرع إلا أن يدخل تحت سبب آخر ، والبحث في اعتبار وضع المساجد السبعة فيه وكون‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب سجدتي الشكر ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب سجدتي الشكر الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب سجدتي الشكر الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب سجدتي الشكر الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب سجدتي الشكر الحديث ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب سجدتي الشكر ـ الحديث ١.

٢٤٣

المسجد مما يصح السجود عليه كالبحث في سجود التلاوة وقد عرفته ، إلا أن الشهيد رحمه‌الله في الذكرى تردد في اعتبار ذلك في سجود التلاوة من حصول مسمى السجود ومن أنه السجود المعهود ، وقال هنا : وهل يشترط فيه وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه في الصلاة؟ في الأخبار السابقة إيماء اليه ، والظاهر أنه غير شرط لقضية الأصل ، أما وضع الأعضاء السبعة فمعتبر قطعا ليتحقق مسمى السجود ، وهو كما ترى ، بل لعل عدم الاعتبار في المقام أولى بقرينة ما ذكره هو وغيره من استحباب بسط الذراعين والصدر والبطن فيه مما لا يمكن وضعها جميعا معه ، وفي‌ خبر عبد الرحمن بن خاقان (١) « رأيت أبا الحسن الثالث عليه‌السلام سجد سجدة الشكر فافترش ذراعيه وألصق جؤجؤه وصدره وبطنه بالأرض فسألته عن ذلك فقال : كذا يجب » وفي‌ خبر جعفر ابن علي (٢) « رأيت أبا الحسن عليه‌السلام وقد سجد بعد الصلاة فبسط ذراعيه وألصق جؤجؤه بالأرض ».

وذكر أيضا غير واحد من الأصحاب أنه يستحب إذا رفع رأسه منه أن يمسح يده على موضع سجوده ثم يمرها على وجهه من جانب خده الأيسر وعلى جبهته إلى جانب خده الأيمن ، ويقول : بسم الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم اللهم أذهب عني الغم والحزن ثلاثا » قال في الذكرى رواه الصدوق عن إبراهيم بن عبد الحميد (٣) قلت : ليس فيه تخصيص ذلك بسجدة الشكر انما فيه أنه‌ قال الصادق عليه‌السلام لرجل : « إذا أصابك هم فامسح يدك على موضع سجودك » إلى آخره كغيره من النصوص ، نعم‌ قال الصادق عليه‌السلام في خبر جميل بن دراج (٤) :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب سجدتي الشكر ـ الحديث ٢ لكن روى عن يحيى بن عبد الرحمن بن خاقان.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب سجدتي الشكر ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب سجدتي الشكر ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب سجدتي الشكر ـ الحديث ٣.

٢٤٤

« أوحى الله إلى موسى بن عمران عليه‌السلام أتدري يا موسى لم انتجبتك من خلقي واصطفيتك لكلامي؟ فقال : لا يا رب ، فأوحى الله اليه أني اطلعت على الأرض فلم أجد أحدا عليها أشد تواضعا لي منك ، فخر موسى ساجدا وعفر خديه في التراب تذللا لربه عز وجل ، فأوحى الله اليه ارفع رأسك يا موسى ، وأمر يدك على موضع سجودك وامسح بها وجهك وما نالته من بدنك ، فإنه أمان من كل سقم وداء وآفة وعاهة » ولا بأس بالجميع.

ثم لا يخفى عليك بمقتضى إطلاق النصوص والفتاوى عدم التكبير فيه والتشهد والتسليم ونحو ذلك كما صرح به بعضهم ، لكن عن المبسوط ثبوت التكبير للرفع ، قيل لما سمعته في سجود التلاوة ، بل في كشف الأستاذ أن الأقوى استحباب التكبير قبله وبعده لأنه مفتى به ، قلت : ولإطلاق بعض النصوص (١) في التكبير للسجود بعد منع اختصاصه بسجود الصلاة ، والأمر سهل كسهولة الحكم باستحباب الطهارة من الحدث فيه ، لقول الصادق عليه‌السلام في خبر عبد الرحمن بن الحجاج (٢) : « من سجد سجدة الشكر وهو متوض كتب الله له بها عشر صلوات ومحا عنه عشر خطايا عظام » ولا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه في سجود التلاوة ما ينبغي جريانه في المقام ، كما أنه لا يخفى عليك بعد التصفح لما ورد عنهم عليهم‌السلام ما ينبغي فيه من الوظائف والأذكار والأدعية ، والله أعلم بحقيقة الحال.

الواجب ( السابع التشهد )

وهو لغة تفعل من الشهادة ، وهي الخبر القاطع ، وشرعا كما في جامع المقاصد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب السجود.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب سجدتي الشكر ـ الحديث ١.

٢٤٥

الشهادة بالتوحيد والرسالة والصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي المحكي عن الروض أنه شهادة لله بالتوحيد ولمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالرسالة ، ويطلق على ما يشمل الصلاة على النبي (ص) تغليبا أو بالنقل ، قلت : وهو المراد في عبارات الأصحاب ، بل لعله كذلك عند الشرع بناء على ثبوت الحقيقة الشرعية التي معيارها الحقيقة المتشرعة وكيف كان فـ ( هو واجب في كل ثنائية مرة ، وفي الثلاثية والرباعية مرتين ) بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منهما متواترا وفي أعلى درجات الاستفاضة كالنصوص (١) بل لعله من ضروريات مذهبنا ، نعم يعرف الخلاف في ذلك للشافعي وأبي حنيفة وغيرهما من العامة ، فنفى الأول وجوب الأول والثاني وجوبهما ، وعن قوم منهم أن الثاني غير واجب ، وقد ورد في أخبارنا ما يوافق التقية منهم كما تسمعها فيما يأتي إن شاء الله ، ولعله تقية منهم ومن أبي حنيفة ورد‌ موثق زرارة (٢) قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجود الأخير فقال : تمت صلاته ، فإنما التشهد سنة في الصلاة فليتوضأ ويجلس مكانه أو مكانا نظيفا فيتشهد » وصحيح ابن مسلم (٣) عن أحدهما عليهما‌السلام « في الرجل يفرغ من صلاته وقد نسي التشهد حتى ينصرف فقال : إن كان قريبا رجع إلى مكانه فتشهد ، وإلا طلب مكانا نظيفا فتشهد فيه ، وقال : انما التشهد سنة في الصلاة » وخبر ابن مسكان المروي (٤) عن المحاسن قال : « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل صلى الفريضة فلما رفع رأسه من السجدة الثانية من الرابعة أحدث فقال : أما صلاته فقد مضت ، وأما التشهد فسنة في الصلاة فليتوضأ وليعد إلى مجلسه أو مكان نظيف فيتشهد » أو تحمل على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٢ والباب ٤ منها الحديث ١ و ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٢ لكن روى عن عبيد بن زرارة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٣.

٢٤٦

أن المراد ثبت وجوبه من السنة في مقابلة الكتاب كما هو كثير في النصوص ، ويومي اليه الأمر بفعله الظاهر في وجوبه المنافي لإرادة الاستحباب من السنة فيه ، نعم بناء على ذلك تخرج هذه النصوص شاهدا للمحكي عن الصدوق رحمه‌الله من « أن التشهد واجب لكنه ليس من قبيل الأركان المفروضة التي تبطل الصلاة بتركها على كل حال ، وانما هو واجب بالسنة ، والإخلال به وتخلل الحدث قبله غير مبطل للصلاة فيتوضأ ويأتي به قال : إن رفعت رأسك من السجدة الثانية في الركعة الرابعة وأحدثت فإن كنت قد قلت الشهادتين فقد مضت صلاتك ، وإن لم تكن قلت فقد مضت صلاتك فتوضأ ثم عد إلى مجلسك وتشهد » ويشهد له مضافا إلى النصوص السابقة‌ صحيح زرارة (١) عن أبي جعفر (ع) « في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه في السجدة الأخيرة وقبل أن يتشهد قال : ينصرف فيتوضأ ، فإن شاء رجع إلى المسجد ، وإن شاء ففي بيته ، وإن شاء حيث شاء قعد فتشهد ثم يسلم ، وإن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته » واليه يميل المحكي من كلام المجلسي في بحاره فإنه ـ بعد أن نقل خبر المحاسن وذكر احتمال الحمل على التقية وغيره من احتمال إرادة مستحبات التشهد ـ قال : والأظهر حمله على أن وجوبه يظهر من السنة لا من القرآن فيكون من الأركان ، والحدث الواقع بعد الفراغ من أركان الصلاة لا يوجب بطلانها كما يدل عليه صحيح زرارة (٢) أيضا واختاره الصدوق ، ولا ينافي وجوب التشهد ، وما ورد من الأمر بالإعادة في خبر قاصر السند يمكن حمله على الاستحباب ، والأحوط العمل بهذا الخبر ثم الإعادة ، قلت : يمكن إرادة الصدوق الاقتصار على خصوص هذه النصوص من غير تعدية إلى سائر المبطلات.

وكيف كان فالخلاف حينئذ ليس في وجوب التشهد ، بل هو في بطلان الصلاة بتخلل الحدث في أثنائها ، وستعرف هناك من الأدلة ما يوجب تأويل هذه النصوص‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ١.

٢٤٧

أو طرحها أو تعين حملها على التقية ، فإنه حكي عن أبي حنيفة أيضا عدم بطلان الصلاة بتخلل الحدث في أثنائها ، فلعل الأمر بذلك لذلك لا من حيث عدم وجوب التشهد حتى يقال : إنه ينافيه الأمر بفعله بعد الوضوء ، مع أنه يمكن أن يقال : إنه لا بأس بذلك بعد التصريح بأنه سنة ، إذ هو كالقرينة على عدم إرادة الوجوب منه ، فيوافق حينئذ ذلك المحكي عن أبي حنيفة من القول باستحبابه وعدم بطلان الصلاة بتخلل الحدث فإنه يلزمه القول باستحباب فعله بعد الوضوء ، فتأمل جيدا.

وكيف كان فـ ( لو أخل بهما ) أي التشهدين أو بأحدهما عامدا بطلت صلاته عندنا لما عرفت ، بل الظاهر ذلك حتى من الصدوق العامل بما سمعته من النصوص ، ضرورة عدم اقتضاء شي‌ء منها عدم وجوبه أصلا بحيث يصح الصلاة وإن لم يفعله بعد الوضوء من الحدث ، اللهم إلا أن يقال : إن مقتضاها الوجوب السني الذي لا ينقص الفريضة ، فيبقى وجوب فعله حينئذ في ذمته لا مدخلية له في بطلان الصلاة السابقة ، لأنها قد تمت ، لكن بناء على ذلك يمكن دعوى الإجماع أو الضرورة حينئذ من المذهب على خلافه فضلا عن دعوى تواتر النصوص كما لا يخفى على من له أدنى تدبر ، خصوصا بعد ما عرفت الوجه في تلك النصوص وأنها انما صدرت تقية ، فمن الغريب ميل بعض متأخري المتأخرين إلى ما سمعته من الصدوق ومنشأه الخلل في الطريقة ، والله أعلم.

( والواجب في كل واحد منهما ) أي التشهدين ( خمسة أشياء ) :

الأول الجلوس بقدر التشهد أي ما دام متشاغلا في الواجب من التشهد الذي ستعرفه بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه والنصوص (١) دالة عليه ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ و ٩ ـ من أبواب التشهد.

٢٤٨

و‌خبر عبد الله بن حبيب بن جندب (١) قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « إني أصلي المغرب مع هؤلاء فأعيدها فأخاف أن يتفقدوني قال : إذا صليت الثالثة تمكن في الأرض أليتيك ثم انهض وتشهد وأنت قائم ثم اركع واسجد فإنهم يحسبون أنها نافلة » محمول على الضرورة أو غيرها مما لا ينافي ما ذكرنا من وجوب الجلوس فيه اختيارا بحيث لو تشهد في حال لا يصدق عليه مسمى الجلوس لم يجز ، نعم لا فرق على الظاهر بين جميع كيفيات الجلوس من التورك والإقعاء وغيرهما ، لإطلاق النصوص والفتاوى ، فما في الحدائق ـ من عدم الاجتزاء بالإقعاء لعدم صدق اسم الجلوس عليه شرعا ولا عرفا ، وللخبر (٢) « المقعي ليس بجالس » ـ في غاية الغرابة ، ضرورة عدم حقيقة للشارع في الجلوس ، ومنع عدم الصدق عرفا ، وحمل الخبر المزبور على نوع من المبالغة في كراهته أو غير ذلك مما عرفته في بحث كراهة الإقعاء.

ثم ظاهر المتن وغيره ممن جعله من واجبات التشهد عدم وجوبه لنفسه قدر التشهد بحيث لو سقط التشهد يبقى وجوب الجلوس بقدره ، للأصل وغيره ، لكن قد يستفاد من صحيح جميل (٣) وغيره الوارد فيمن صلى خمسا سهوا وجوبه كذلك ، للاكتفاء في صحة الصلاة وعدم الإعادة بأنه إن كان قد جلس بعد الرابعة قدر التشهد صحت ، وإلا فلا ، اللهم إلا أن يكون ذلك فيها كناية عن فعل التشهد الشامل للتسليم وأنه بتذكرة ذلك يتفطن لوقوع الخامسة منه بعد الإتمام ، ولعل التعبير بالجلوس قدر التشهد عن فعل التشهد جالسا معروف في النصوص والفتاوى كما لا يخفى على الخبير الممارس ، فالاجتزاء بذلك في صحة الصلاة لهذا ، لا لأن الجلوس واجب لنفسه والتشهد واجب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٦.

٢٤٩

آخر ، نعم يمكن دعوى وجوب الجلوس في الجملة بحيث يتحقق معه مسمى الجلوس لنفسه استظهارا من بعض النصوص على إشكال فيه أيضا فضلا عن الجلوس بقدر التشهد ، لكن الاحتياط لا ينبغي تركه بحال ، والله أعلم.

الثاني والثالث الشهادتان في الموضعين على المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا ، بل في المبسوط وجامع المقاصد لا خلاف فيه بين أصحابنا ، بل في الأخير كما عن المنتقى أن عليه عمل الأصحاب ، بل عن شرح الشيخ نجيب الدين لعل الإجماع منعقد على ذلك ، بل في الغنية والتذكرة والذكرى ومجمع البرهان الإجماع عليه ، وبذلك كله ينجبر‌ خبر سورة بن كليب (١) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن أدنى ما يجزي من التشهد فقال : الشهادتان » وفي‌ الموثق عن عبد الملك بن عمرو الأحول (٢) عن الصادق عليه‌السلام « التشهد في الركعتين الأولتين الحمد لله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، اللهم صل على محمد وآل محمد ، وتقبل شفاعته وارفع درجته » وهو تام الدلالة على اعتبار الشهادتين في التشهد الأول ، وقد‌ قال البزنطي (٣) لأبي الحسن عليه‌السلام : « جعلت فداك التشهد الذي في الثانية يجزي أن أقول في الرابعة فقال : نعم » ومنهما يتم اعتبارهما أيضا في الثاني ، فيكون التشهد في الصلاة حينئذ مرتين ، كما قاله‌ الصادق عليه‌السلام لمحمد بن مسلم في الصحيح (٤) جواب سؤاله عن ذلك ، فقال له : « وكيف مرتين؟ فأجابه عليه‌السلام إذا استويت جالسا فقل : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم تنصرف ، قال : قلت : قول العبد التحيات لله والصلوات الطيبات لله فقال : هذا اللطف من الدعاء يلطف العبد ربه » وهو دليل آخر على المطلوب ، بل قد يشعر به أيضا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٤.

٢٥٠

المروي عن العيون والعلل بسنده إلى الفضل بن شاذان (١) عن الرضا عليه‌السلام قال : « وانما جعل التشهد بعد الركعتين لأنه كما قدم قبل الركوع والسجود من الأذان والدعاء والقراءة فكذلك أيضا أمر بعدها بالتشهد والتحية والدعاء » ضرورة إرادة المساوي للأذان من التشهد قضاء للبدلية ، فيعتبر فيه الشهادتان حينئذ ، إلى غير ذلك من النصوص التي لا يقدح في دلالتها اشتمالها على ما لا نقول بوجوبه من التحميد ونحوه.

نعم في‌ صحيح زرارة (٢) ـ قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : « ما يجزي من القول في التشهد في الركعتين الأولتين؟ قال : أن تقول : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، قلت : فما يجزي في الركعتين الأخيرتين؟ فقال : الشهادتان » ـ ما هو ظاهر في عدم وجوب الثانية منهما في الأول منهما ، ولعله له ذهب الجعفي في الفاخر إلى اجزاء شهادة واحدة في الأول ، لكن فيه أنه انما يدل على إجزاء الشهادة الأولى لا أيهما ، فيكون الخبر حينئذ شاذا لم يعمل به أحد من الأصحاب ، فيطرح كما أمرونا عليهم‌السلام به ، أو يحمل على إرادة السؤال عن وجوب ما زاد على الشهادتين من التحيات ونحوها فأجاب عليه‌السلام بأول ما يجب فيه : أي تقول : أشهد أن لا إله إلى آخر ما تعرف ، أو من استعلام كيفية التشهد وأنه هل يختلف فيه حكم الأول والأخير فاكتفى في جواب السؤال الأول بذكر كيفية الشهادة بالوحدانية اعتمادا على أن كيفية الشهادة الأخرى التي تضم إليها منفردة معروفة ، وجعل الجواب عن السؤال الثاني بشهادتين كناية عن الاتفاق في الحكم بالنسبة إلى القدر المجزي كما صرح به في خبر البزنطي المزبور ، أو على ما في المعتبر والمنتهى وإن بعد من إرادة ما لا ينافي اعتبار الزيادة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ١.

٢٥١

أو على التقية كما في الذكرى نحو‌ خبر الخثعمي (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « إذا جلس الرجل للتشهد فحمد الله أجزأه » وبكر بن حبيب (٢) سأله أيضا تارة عن التشهد فأجابه بأنه « لو كان كما يقولون واجبا على الناس هلكوا ، انما كانوا يقولون أيسر ما يعلمون ، إذا حمدت الله أجزأ عنك » وأخرى (٣) « أي شي‌ء أقول في التشهد والقنوت؟ فقال : بأحسن ما علمت ، فإنه لو كان موقتا لهلك الناس » مع أن الظاهر من الأول إرادة بيان الاجزاء فيما يستحب في التشهد ، ولعل سؤال بكر عن وجوب التحيات ونحوها كما يقوله الشافعي وأحمد ، وهو أقرب من الحمل على التقية كما هو واضح عند التأمل فيها نفسها فضلا عن غيرها ، خصوصا إجماع الأصحاب على عدم العمل بها ، إذ المحكي عن مقنع الصدوق الاجتزاء عنه ببسم الله وبالله لا الحمد ، قال : « إن أدنى ما يجزي في التشهد أن تقول الشهادتين أو تقول : بسم الله وبالله ثم تسلم » مع أنه ضعيف جدا أيضا ، بل في الذكرى أنه شاذ لا يعد ، ويعارضه إجماع الإمامية على الوجوب ، قلت : وهو كذلك وإن استدل له بقول الصادق عليه‌السلام في خبر عمار (٤) « إن نسي الرجل التشهد في الصلاة فذكر أنه قال : بسم الله فقط فقد جازت صلاته ، وإن لم يذكر شيئا أعاد الصلاة » وب‌ قول الكاظم عليه‌السلام لما سأله أخوه (٥) في قرب الاسناد « عن رجل ترك التشهد حتى سلم كيف يصنع؟ فقال : إن ذكر قبل أن يسلم فليتشهد وعليه سجدتا السهو ، وإن ذكر أنه قال : أشهد أن لا إله إلا الله أو بسم الله أجزأه في صلاته ، وإن لم يتكلم بقليل ولا كثير حتى يسلم أعاد الصلاة » إذ هما ـ مع قصورهما عن معارضة غيرهما من النصوص المعتبرة المعمول بها عند جميع الأصحاب حتى هو في غير الكتاب المزبور من وجوه متعددة ـ غير منطبقين على تمام ما سمعته منه مع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٧.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٨.

٢٥٢

اشتمالهما على ما هو مجمع على عدمه من إعادة الصلاة ، ويمكن حمل الأول منهما على إرادة الاستدلال بذكر البسملة على فعل التشهد ، لأن من المستبعد نسيانه بعد التشاغل فيه ، فلا يلتفت حينئذ إلى شكه ، وقوله عليه‌السلام : « فقط » يراد منه أنه ذكر قول ذلك خاصة ولم يذكر غيره ، وإعادة الصلاة مع فرض عدم الذكر إذا لم يلتفت إلى الشك وكان محل التدارك باقيا ، ويمكن إرادة قبل إكمال السلام من الثاني حتى يتم حينئذ الأمر بسجدتي السهو لزيادة السلام ، ومن‌ قوله عليه‌السلام : « وإن ذكر » إلى آخر ما سمعته ، فتأمل جيدا.

ولعل الأولى الاستدلال له بما في‌ الصحيح أو الحسن عن ابن أذينة والأحول وسدير الصيرفي المروي (١) عن العلل المحكي فيه فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حال عروجه على قياس فعل الصلاة ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه : « وذهبت أن أقوم فقال : يا محمد أذكر ما أنعمت عليك وسم باسمي فألهمني الله أن قلت : بسم الله وبالله ولا إله إلا الله والأسماء الحسنى كلها لله ، فقال لي : يا محمد صل عليك وعلى أهل بيتك فقلت : صلى الله علي وعلى أهل بيتي » إلى آخره لكنه كما ترى أيضا غير منطبق على ما سمعته منه ، وقاصر عن معارضة غيره من وجوه ، بل لعله غير معارض عند التأمل ، وقد يراد معنى الواو من « أو » في عبارة الصدوق ، فلا يكون حينئذ مخالفا بقرينة كلامه في باقي كتبه ، أو يراد بها التخيير بين الاقتصار على الشهادتين بدون البسملة أو معها ، والله أعلم.

الرابع والخامس الصلاة على النبي وآله (ع) في التشهدين بلا خلاف محقق أجده فيه ، بل في الغنية والتذكرة والمنتهى والذكرى وكنز العرفان وعن المعتبر والحبل المتين وغيرها الإجماع عليهما صريحا ، ونفي الخلاف عنه في المبسوط وغيره ، بل عن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة ـ الحديث ١٠.

٢٥٣

الناصريات وموضع من الخلاف الإجماع أيضا على وجوب الصلاة على النبي في التشهد الأول وعن موضع آخر من الثاني « أن أدنى التشهد الشهادتان والصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » وفي مفتاح الكرامة عنه أيضا الإجماع على وجوب الصلاة على الآل في التشهد ، وفي كشف الحق « إجماع الإمامية على وجوب الصلاة على النبي وآله (ع) في التشهدين » وكيف كان فيمكن تحصيل اتفاق الأصحاب على ذلك ، إذ لم يحك فيه خلاف إلا من الصدوق ووالده حيث أنه لم يذكر الأول كما في كشف اللثام في شي‌ء من كتبه شيئا من الصلاتين في شي‌ء من التشهدين كأبيه في الأول وابن الجنيد فاجتزى بها في أحدهما ، مع أن المحكي عن أمالي الأول أن من دين الإمامية الإقرار بأنه يجزي في التشهد الشهادتان والصلاة على النبي وآله (ع) فيقوى في الظن أن تركها في مثل الفقيه لمعروفية فعل الصلاة عقيب اسم الرسول ، ولا ينافيه قوله بعد ذلك فيه : ويجزيك في التشهد الشهادتان ، على أن المحكي عنه وجوبها عند الذكر ولو في غير التشهد ، فلعل الترك حينئذ لذلك ، مع أن فيما حضرني من نسخة الفقيه ملحق فيها الصلاة في التشهد الأول ، ويؤيده القطع بإشارته فيما ذكره من التشهد الأول والثاني إلى ما في النصوص المشتملة على ذلك ، وهي مشتملة على الصلاة ، وبنحو ذلك يقال بالنسبة إلى والده سيما بعد أن حكى هو في الأمالي ما سمعته عن الإمامية ، ووالده رئيس الإمامية باعتقاده ، وكلامه نصب عينيه ، فليس إلا لأنه لم يفهم الخلاف منه في ذلك ، وابن الجنيد لم يصل إلينا كلامه وليس النقل كالعيان.

ومع الإغضاء عن ذلك كله فخلافهم غير قادح في تحصيل الإجماع ، على أنهم محجوجون مضافا إلى ما عرفت بما رواه في الوسائل عن‌ ابن بابويه في الفقيه بسنده عن حماد عن زرارة وأبي بصير جميعا (١) قالا في حديث : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ١.

٢٥٤

إن الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تمام الصلاة ، إذا تركها متعمدا فلا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » وفي الحدائق ظني إني وقفت عليه في الكتاب حين قرأه علي بعض الاخوان ، ولكن لا يحضرني الآن ، قلت : فحينئذ هو غير الصحيح الذي رواه‌ الشيخ في التهذيب عن حماد عن زرارة وأبي بصير (١) أيضا أنه قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « من تمام الصوم إعطاء الزكاة ، كما أن الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تمام الصلاة ، ومن صام ولم يؤدها فلا صوم له إذا تركها متعمدا ، ومن صلى ولم يصل على النبي وترك ذلك متعمدا فلا صلاة له ، إن الله تعالى بدأ بها فقال (٢) ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى ) » والمراد من الاستدلال بالآية البدأة بالزكاة التي صدر بها الخبر المزبور ، ويحتمل أن يراد الصلاة على النبي من التزكي ، لقول الصادق عليه‌السلام في خبر محمد بن مروان (٣) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « صلاتكم علي إجابة لدعائكم وزكاة لأعمالكم » كما أنه يمكن أن يراد بقوله ( وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى ) الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الصلاة المعبر عنها بذكر اسم ربه ، كما عبر عنها بذكر الله في غير موضع من الكتاب العزيز ، ولعل ذلك هو مراد‌ الرضا عليه‌السلام (٤) حيث قال لرجل دخل عليه : « ما معنى قوله تعالى ( وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى )؟ قال : كلما ذكر اسم ربه قام فصلى ، فقال : لقد كلف الله هذا شططا ، قال : فكيف هو؟ فقال : كلما ذكر اسم ربه فصلى على محمد وآله » لا أن المراد الصلاة على النبي عند ذكر الاسم حقيقة ، كما هو ظاهر الوسائل ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٢.

(٢) سورة الأعلى ـ الآية ١٤ و ١٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الدعاء ـ الحديث ١٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب الذكر ـ الحديث ١.

٢٥٥

لأنه لم يذكر أحد استحباب ذلك ولا يعرفه أحد من فقهاء آل محمد عليهم‌السلام.

وبموثق الأحول (١) في الركعتين الأولتين المتقدم سابقا منضما إلى صحيح البزنطي (٢) المتقدم سابقا أيضا بناء على إرادة أقل المجزي من الاجزاء ، فيتم حينئذ وجوبها في الشهادتين ، والمناقشة فيه باشتماله على التحميد والدعاء بقبول الشفاعة وهما مندوبان يدفعها عدم قدح مثله بعد أن اختصا بالدليل على ندبيتهما ، بل يمكن أن يقال : إن المراد الوجوب من الموثق المزبور للجميع لكن على التخيير بينه وبين غيره من أفراد التشهد ، فحينئذ كل ما لم يثبت فرديته بدلا يبقى وجوبه تعيينا ، ومنه المجرد عن الصلاتين ، ولعله بذلك يتم الاستدلال أيضا بخبر أبي بصير (٣) الطويل ، إذ الجميع من أفراد التشهد المأمور به في الصلاة ، فيكون الجميع واجبا لكن على التخيير ، ولعل قوله في‌ خبر سورة (٤) : « أدنى ما يجزى الشهادتان » مشعر بذلك ، ضرورة إرادة أعلى المجزي من غيره ، وليس من التخيير بين الأقل والأكثر كما أوضحناه في التسبيح فتأمل جيدا فإنه ربما دق ، وبالحسن أو الصحيح في حديث المعراج (٥) المروي عن العلل المتقدم سابقا ، وب‌ خبر إسحاق بن عمار (٦) عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام المتضمن أيضا لكيفية صلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أن قال : « ثم قال له : ـ أي الله تعالى ـ ارفع رأسك ثبتك الله ، واشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ، اللهم صل على محمد وآل محمد ، وارحم محمدا وآل محمد كما صليت وباركت وترحمت على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة ـ الحديث ١٠.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة ـ الحديث ١١.

٢٥٦

إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم تقبل شفاعته وارفع درجته ، ففعل ، فقال له : يا محمد (ص) » إلى آخره.

وبالمروي من‌ كتاب ثواب الأعمال بسنده (١) عن الصادق عليه‌السلام والكافي والمحاسن قال : « إذا صلى أحدكم ولم يصل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سلك بصلاته غير سبيل الجنة » وبما‌ في بعض مضمرات سماعة (٢) كما في الذكرى « في المصلي خلف غير العدل يجلس قدر ما يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » بناء على كون الجميع من مقول القول ، ضرورة ظهوره حينئذ في كون الصلاة جزء من التشهد لا التي تقال عند الذكر فيكون الخبر حينئذ دالا على الشهادتين خاصة وإن كان قد يؤيده ظهور كون الامام مخالفا لا يجب عنده ذكر الصلاة على محمد وآله ، فتأمل جدا ، إلى غير ذلك بل قيل : إنه تدل عليه الآية (٣) أيضا بضميمة الإجماع على عدم وجوبها في غير موضع النزاع في المنتهى والتذكرة وعن الناصريات والخلاف والمعتبر ، بل هي دالة حينئذ على الموضعين ، ضرورة ظهور الآية في الأمر بالصلاة في سائر الأحوال لا الطبيعة التي تتحقق بالمرة ، وإن كان قد يخدشه بأنه مبني على القول بعدم وجوبها في غيرها ، أما بناء عليه في العمر مرة كما عن بعض العامة أو في كل مجلس مرة إن صلى آخره ، وإلا فلو صلى ثم ذكر تجب أيضا كما تتعدد الكفارة بتعدد الموجب كما مال إليه الأردبيلي ، أو كلما ذكرته أو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢ والفروع ج ١ ص ١٠٦ من طبع القديم والتهذيب ج ٣ ص ٥١ ـ الرقم ١٧٧ ـ المطبوع في النجف ولكن لم تذكر جملة صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذه الثلاثة. نعم هي موجودة في الوافي باب « من صلى وحده ثم وجد الجماعة ».

(٣) سورة الأحزاب ـ الآية ٥٦.

٢٥٧

ذكره ذاكر غيرك كما ذهب اليه المقداد في كنزه ، والمحدث البحراني في حدائقه حاكيا له عن الشيخ البهائي وعن الشيخ عبد الله بن صالح البحراني والكاشاني والمازندراني في شرحه على أصول الكافي ، فلا يتوجه الاستدلال حينئذ كما اعترف به المقداد ، اللهم إلا أن يدعى دلالتها على الوجوب في جميع الأحوال ، ولا قائل بوجوبها في غير الأحوال المزبورة بالإجماع ، لكنه كما ترى ، ومبني على ترجيح مجاز التقييد خصوصا مثل هذا التقييد على التجوز بالهيئة الذي يرجحه في خصوص المقام عطف التسليم المعلوم استحبابه إلا على قول نادر وعدم حصول الظن بإرادة التشهدين من إطلاق الآية ، خصوصا مع الاتكال في بيانه على ما عرفت ، والحمد لله الذي أغنانا بما عرفت عن هذه التكلفات حتى بالنسبة إلى دعوى الجنيدي كما لا يخفى على من أحاط بما ذكرنا.

فلا حاجة حينئذ إلى البحث عن وجوبها في غير التشهدين وعدمه وإن كان الأقوى فيه العدم مطلقا ، للأصل والإجماعات السابقة التي يشهد لها التتبع والسيرة القطعية وخلو الأدعية الموظفة والخطب المعروفة والقصص المنقولة عن المعصومين عليهم‌السلام غالبا عنها ، مع أن إثباتها فيها أوجب من إثبات كلماتها ، وعدم تعليمها للمؤذنين في الأخبار النبوية ، ولأنه لو كان كذلك لاشتهر حتى صار أشد ضرورة من وجوب الصلوات الخمس ، لشدة تكرره وكثرة التلفظ به ، خصوصا بناء على إلحاق ذكر الصفات الخاصة أو مطلقا بالاسم وكل مفيد للمعنى من إشارة أو ضمير أو نسب أو فعل ونحوها كما هو مقتضى إطلاق الأمر بها عند ذكره ، بل ظاهر المحكي عن البهائي الميل إلى التزامه وإن فصل في الحدائق بين ما اشتهر إطلاقه عليه كالنبي والرسول وأبي القاسم فيجب ، وغيره كخير الخلق وخير البرية والمختار فلا يجب ، قال : ولعل الضمير من الثاني ، ولا يخفى عليك أن أصل الوجوب فضلا عن الفروع مما لا ينبغي الميل اليه ، بل بعض النصوص المدعى دلالتها على الوجوب هي نفسها مشعرة بالندب فضلا عن القرينة الخارجية‌

٢٥٨

كما لا يخفى على من رزقه الله معرفة لسان الشرع ورموزه التي أشار إليها بقوله عليه‌السلام : « إنا لا نعد الرجل من شيعتنا فقيها حتى يلحن له فيعرف اللحن » ولعل منه‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ها هنا في الخبر المروي عن معاني الأخبار (١) : « البخيل حقا من ذكرتُ عنده فلم يصل علي » وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المروي عن الإرشاد (٢) : « البخيل كل البخيل من الذي إذا ذكرت عنده لم يصل علي » وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المروي (٣) عن عدة الداعي : « أجفا الناس رجل ذكرت بين يديه فلم يصل علي » بل وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خبرين (٤) : « من نسي الصلاة علي أخطأ طريق الجنة ».

ومن الغريب أن المحدث البحراني استدل بهذا على الوجوب بعد حمل النسيان فيه على الترك كقوله تعالى (٥) ( فَنَسِيَ ) وأغرب منه كثرة تسجيعه في المقام وتبجحه وظنه أنه جاء بشي‌ء حيث استدل على مطلوبه بظاهر الأمر في‌ صحيح زرارة (٦) « صل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلما ذكرته أو ذكره ذاكر في الأذان أو غيره » حتى أنه أزرى على الخراساني بما لا ينبغي منه مدعيا صراحة ذلك في الوجوب ، وإنها لمصيبة يستأهل أن يسترجع عندها ، ضرورة أنه لا يليق بمن دس نفسه في فقهاء آل محمد عليهم‌السلام الركون إلى مثل هذا الأمر المعلوم إرادة الندب منه ضرورة ، كقول الصادق (٧) والرضا عليهما‌السلام (٨) : « الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب الذكر الحديث ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب الذكر الحديث ١٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب الذكر الحديث ١٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب الذكر ـ الحديث ٤ و ١٦.

(٥) سورة طه ـ الآية ١١٤.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب الذكر الحديث ١٢.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب الذكر الحديث ٨.

٢٥٩

واجبة في كل موطن وعند العطاس والذبائح » وأغرب من ذلك كله ما ذكره في كنز العرفان من الأدلة على ذلك ، فلاحظ واستعذ بالله أن يخرجك عن طريقة الأساطين المتكفلين بما لآل محمد عليهم‌السلام من اليتامى والمساكين ، وكان الإطالة في هذه المسألة من تضييع العمر بما لا ينبغي خصوصا والخطأ وقع فيها ممن عرفت من الخلل في الطريقة.

ثم الظاهر أنه على كل من تقديري الوجوب والندب فالأصل عدم التداخل في الأسباب بناء على أن كل ذكر لاسمه مثلا موجب للصلاة لا أن المراد بذكره تذكره ولو بنقل قصة طويلة عنه ، وعليه فالمتجه حينئذ في التشهد ذكر صلاتين للذكر وللصلاة ، بل لو نوى التداخل وقلنا بعدم جوازه في الواجب والمندوب اتجه البطلان حينئذ ، نعم لو قيل بأصالة التداخل ولو للدليل الشرعي اتجه الجواز حينئذ مع المحافظة على الفورية ، أو يقال : إن من المعلوم إرادة فعل الصلاة عند الذكر وإن كانت واجبة لنذر أو لصلاة أو نحوهما لا صلاة منوي فيها أنها للذكر.

وعلى كل حال فقد بان لك بحمد الله ضعف ما سمعته من القول بعدم وجوب الصلاتين في التشهدين لو كان ، وكيف وقد جعله العلامة في كشف الحق من بدع العامة ومخالفاتهم لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأضعف من ذلك الاستناد بالأصل المقطوع بما عرفت ، وبظهور بعض المعتبرة التي مر بعضها في الاجتزاء بالشهادتين الذي هو مع احتمال إرادة الاجتزاء بهما من حيث الشهادتين لا من حيث أمر آخر كالصلاة ، واحتمال إرادة التعريض بذلك لما يفعله العامة من التحيات كما يومي اليه‌ صحيح ابن مسلم (١) السابق حيث أنه لما قال له الصادق عليه‌السلام : ينصرف بعد الشهادتين سأله عن قول العبد : التحيات إلى آخره فأجابه عليه‌السلام بأن هذا اللطف من الدعاء يلطف العبد ربه‌ ، واحتمال عدم ذكر الصلاة لمعلومية ذلك ولو من حيث الذكر بناء على الاجتزاء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب التشهد ـ الحديث ٤.

٢٦٠