جواهر الكلام - ج ١٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

سأل الصادق عليه‌السلام « عن رجل سمع السجدة تقرأ قال : لا يسجد إلا أن يكون منصتا لقراءته مستمعا ، أو يصلي بصلاته فأما أن يكون يصلي في ناحية وأنت في ناحية أخرى فلا تسجد لما سمعت » مؤيدا بما أرسله في الدعائم (١) عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام « من قرأ السجدة أو سمعها من قارئ يقرأها وكان يستمع قراءته فليسجد » والمناقشة في سند الأول ـ بأن فيه محمد بن عيسى العبيدي عن يونس ، وقد ضعفه الشيخ والنجاشي ، بل قال ثانيهما : إنه استثناه أبو جعفر من رجال نوادر الحكمة ، وقال : لا أروي ما يختص بروايته ، وقيل : إنه يذهب مذهب الغلاة ، وفي متنه بأنه قد تضمن وجوب السجود إذا صلى بصلاة التالي وهو غير مستقيم عندنا ، إذ لا يقرأ عزيمة في الفريضة على الأصح ، ولا تجوز القدوة في النافلة غالبا ، على أن مقتضى « أو » فيه وجوب السجود مع الصلاة بصلاته وإن لم يكن استماع ، فلا ينهض حينئذ على تقييد إطلاق الأمر بالسجود ، ولا على إطلاق الاجتزاء في ثبوت الوجوب بالسماع ، كخبر أبي بصير (٢) قال : « قال : إذا قرئ شي‌ء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد وإن كنت على غير وضوء وإن كنت جنبا وإن كانت المرأة لا تصلي » وخبر علي بن جعفر (٣) المروي عن كتاب المسائل لأخيه موسى عليه‌السلام قال : « سألته عن الرجل يكون في صلاته فيقرأ آخر السجدة قال : يسجد إذا سمع شيئا من العزائم الأربع ثم يقوم فيتم صلاته إلا أن يكون في فريضة فيومي » وغيرهما ، بل وإطلاق عزائم السجود ونحوها بناء على استفادة تعميم السبب من نحو ذلك ، ومن هنا كان خيرة الحلي فيما حكي عنه والمحقق الثاني والشهيد الثاني الوجوب ، وكأنه مال إليه في الذكرى ، بل في الحدائق‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب قراءة القرآن ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب قراءة القرآن ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب قراءة القرآن ـ الحديث ٤.

٢٢١

أنه مذهب الأكثر ، بل في المحكي عن السرائر الاستدلال عليه بالإجماع على إطلاق القول بالوجوب على القاري والسامع ـ يدفعها ـ بعد انجبار السند بما عرفت من الإجماع والشهرة وإن كانت لاحقة لا سابقه كما اعترف به العلامة الطباطبائي في منظومته ـ أن الأقوى قبول رواية العبيدي خصوصا بناء على الظنون الاجتهادية ، على أن أبا جعفر بن بابويه وإن ذكر عن شيخه ابن الوليد أنه قال : ذلك فيما تفرد به عن يونس لكن قال هو : إني رأيت أصحابنا ينكرون هذا القول عليه ويقولون من مثل أبي جعفر محمد بن عيسى ، كما أن عن الفضل بن شاذان أنه كان يحب العبيدي ويثني عليه ويمدحه ويقول ليس في أقرانه مثله ، إلى غير ذلك مما يطول بذكره المقام ، وبالنسبة إلى المتن عدم خروج الخبر عن الحجية بطرح بعضه ، على أنه قد يراد الائتمام بالمخالف أو بالمرضي الناسي أو بنحو الاستسقاء والغدير والعيدين مما يجوز فيه الجماعة من النوافل ، أو يراد به التنبيه على إنصات مثله ، ضرورة غلبة استماع المأموم الإمام للأمر به في القراءة الجهرية أو غير ذلك ، فيتقيد حينئذ به مع اعتضاده بما سمعت إطلاق النص ، كما لعله المراد أيضا من إطلاق الفتاوى التي حكاها في السرائر في معقد إجماعه.

وأما ما في المبسوط من التفصيل بين السماع في الصلاة فلا يجب وفي غيرها فيجب فلا دليل عليه إلا ذيل الخبر السابق ، وهو غير صريح في ذلك بل ولا ظاهر ، فلا يصلح حينئذ أن يكون وجه جمع بين النصوص ، كما أنه لا وجه لحمل الخبر المزبور على التقية كما في الحدائق تبعا لمحتمل المجلسي كما قيل التي لا ينبغي ارتكابها إلا عند الضرورة لا في نحو الأخبار المعمول بها بين الأصحاب ، مع أنه حكى في التذكرة الوجوب على السامع عن أبي حنيفة وابن عمر وسعيد بن جبير ونافع وإسحاق.

ومن ذلك يظهر أنه لا ينبغي التوقف حينئذ من المدارك تبعا للمحكي عن الفاضل في المختلف بل في المنتهى عن الشيخ أن فيه ترددا أحوطه الوجوب ، ومن الغريب ما في‌

٢٢٢

كشف اللثام أن الأولى الاستدلال للوجوب بعموم الأوامر في الآيات بالسجود ، وإلا فالأصل البراءة ، وعام الخبرين يخص بالخاص ، وإن قال : وفيه أن الأمر لا يفيد التكرار ، ولو أفاده لم يختص بحال قراءة أو سماع ، وما في الم تنزيل من التذكير بالآيات ظاهره غير سماع الآية من القرآن ، لكنه دعوى الأولوية كما ترى ، فلا إشكال حينئذ في الحكم بالعدم بحمد الله ، نعم قد يشكل حينئذ بناء على ذلك الحكم باستحبابه للسامع الذي قال في الذكرى : إنه لا شك فيه بعد نفي الوجوب ، وظاهر التذكرة الإجماع عليه ضرورة عدم الدليل على ذلك بعد تنزيل نصوص السماع وإطلاق الأوامر على الاستماع بل قد سمعت النهي في الخبر السابق عن السجود حينئذ ، اللهم إلا أن يقال بثبوت الرجحان بالاتفاق ، فمنه مع نفي المنع من الترك بالأصل يثبت الاستحباب ، وفيه بحث ذكرناه في الأصول ، أو يقال : إن العمل بخبر الاستماع لا ينحصر في التقييد ، بل يمكن مع حمل الأمر في نصوص السماع وغيرها على المعنى الأعم من الوجوب والندب إذ هو وإن كان مرجوحا بالنسبة إلى مجاز التقييد ومحتاج إلى قرينة لكن قد يعينه ظهور القطع به من الشهيد وأمثاله ، والنهي في مقام توهم الوجوب أو أن « لا » نفي للوجوب لا نهي.

وكذا صريح الإجماع في جامع المقاصد وظاهره في التذكرة وكشف اللثام على أن السجود في البواقي مستحب على كل حال للقارئ والسامع والمستمع يكشف عن إرادة ذلك في بعض نصوص الاستحباب ، وإلا لولاه لأمكن المناقشة فيه أيضا ، لكن الأمر سهل بعد التسامح في السنن ، وفي الذكرى أنه يتأكد في حق التالي والمستمع ولا بأس به ، والظاهر خروج الملفق عن السببية ما لم يرجع إلى سبب ، فلو قرأ حينئذ بعض آية واستمع آخر لم يسجد ، نعم لو استمع بعضا وسمع آخر سجد لحصول السماع حينئذ حيث يكون سببا كما هو واضح ، والأمر في النية بناء على أنها الداعي سهل ، أما على‌

٢٢٣

الاخطار فعند الوضع كما في جامع المقاصد وغيره لا بعده لأنه المنساق إلى الذهن من الأمر بالسجود فهو حينئذ أول الفعل المكلف به ، ولا ينافيه توقف حصول مسمى السجود على نفس الوصول الذي يكون الوضع من مقدماته ، إذ هو الجزء الأخير من المأمور به ، فحينئذ لو وضع ثم نوى لم يجز خلافا للمحكي عن بعضهم ولم نتحققه ، لأن استدامة السجود لا يعد سجودا ، وإلا لصدق تعداده بتطويل الوضع ، وهو باطل كما اعترف به في جامع المقاصد ، ولا دليل على إرادة كونه موضوع الجبهة حال السجود كالقيام مثلا في الصلاة حتى يكتفى بالاستدامة فيه ، نعم يمكن القول بجوازها حال الهوي لصدق المقارنة العرفية ، ولأنه أول العمل عرفا ، ولذا حكي عن المجلسي التخيير بينه وبين الوضع.

وليس في شي‌ء من السجدات واجبها ومندوبها تكبير افتتاح ولا تشهد ولا تسليم بلا خلاف أجده فيها بيننا ، للأصل وإطلاق الأدلة ، والنهي في النصوص (١) عن الأول أو كالنهي معرضا بها للعامة العمياء التي أوجبته فيها عكس ما عندنا من عدم المشروعية ، بل في المدارك الإجماع عليه ، نعم يمكن القول باستحبابه للرفع منه ، للأمر به في صحيح ابن سنان (٢) والمروي (٣) في معتبر المصنف عن جامع البزنطي وغيرهما ، بل في الحدائق أن ظاهر المبسوط والذكرى الوجوب ، بل قيل : إنه محتمل الأمالي والخلاف وجامع الشرائع والبيان ، بل في الأول منها أنه من دين الإمامية ، وظني أن مراد الجميع الندب الذي صرح به الفاضل وغيره ممن تأخر عنه وإن عبروا عنه بصيغة الأمر كالنصوص المحمول فيها على ذلك جمعا بينها وبين الأصل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب قراءة القرآن ـ الحديث ١ و ٣ و ١٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب قراءة القرآن ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب قراءة القرآن ـ الحديث ١٠.

٢٢٤

وإطلاق الأدلة وخبر الساباطي (١) المروي عن مستطرفات السرائر بسنده عنه قال : « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الرجل إذا قرأ العزائم كيف يصنع؟ قال : ليس فيها تكبير إذا سجدت ولا إذا قمت ولكن إذا سجدت قلت : ما تقول في السجود » مؤيدا بما في الحدائق من‌ مرسل الدعائم (٢) « وإذا سجد فلا يكبر ولا يسلم إذا رفع وليس في ذلك غير السجود ويدعو في سجوده بما تيسر من الدعاء » فما في التذكرة حينئذ من أنه مستحب أو شرط وجهان كما ترى ، وما أبعد ما بينه وبين ظاهر المتن من نفي التكبير فيه الشامل للحالين كما استظهره في الفوائد الملية من النفلية ، ولعل المراد حال الأخذ به لا الرفع ، والله أعلم.

ولا يشترط فيها الطهارة من الخبث والحدث الأصغر والأكبر عدا الحيض قطعا ، للأصل وإطلاق النصوص وصريح بعضها (٣) في الثاني والجنابة من الثالث ، أما الحيض ففي خبر أبي بصير (٤) السابق أمر الامرأة به وإن كانت لا تصلي ، وفي‌ موثقه الآخر (٥) عن الصادق عليه‌السلام « الحائض تسجد إذا سمعت السجدة » وسأل أبو عبيدة الحذاء (٦) أبا جعفر عليه‌السلام « عن الطامث تسمع السجدة فقال : إن كانت من العزائم تسجد إذا سمعتها » وف‌ ي مرسل الدعائم (٧) « ويسجد ـ أي من قرأ السجدة ـ وإن كان على غير طهارة » ومقتضاها الوجوب ، وبه أفتى جماعة ، بل قيل : إنه المشهور ، فما في كشف الرموز من أن الوجوب ساقط بلا خلاف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب قراءة القرآن ـ الحديث ٣.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب قراءة القرآن ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب قراءة القرآن ـ الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب قراءة القرآن ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الحيض ـ الحديث ١.

(٧) المستدرك ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب قراءة القرآن ـ الحديث ٢.

٢٢٥

كما ترى ، وأضعف منه ما في التهذيب وبعض نسخ المقنعة من أنه لا يجوز السجود إلا لطاهر من النجاسات بلا خلاف ، إذ لا نعرف له مستندا في غير الحيض يعارض إطلاق النصوص ومعاقد الإجماعات ، بل ولا فيه إلا‌ صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله (١) عن الصادق عليه‌السلام « سألته عن الحائض هل تقرأ القرآن وتسجد السجدة إذا سمعت السجدة؟ فقال : تقرأ ولا تسجد » وخبر غياث (٢) المروي عن مستطرفات السرائر من كتاب محمد بن علي بن محبوب عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام « لا تقضي الحائض الصلاة ولا تسجد إذا سمعت السجدة » وهما ـ مع موافقتهما للتقية من أكثر الجمهور كما في المنتهى ، وقصور سند الثاني ، واحتمال الأول الإنكار ، والنهي عن سبب السجود ، والتخصيص بغير العزائم ، وبالسماع دون الاستماع على أن يراد بالنهي حينئذ رفع الوجوب ـ قاصران عن مقاومة ما ذكرنا من وجوه ، ومن العجيب نفيه الخلاف في التهذيب كما عرفت ، وحمله خبر الوجوب بعد ذلك على الاستحباب ، اللهم إلا أن يريد سجودا آخر غير سجود التلاوة ، أو يريد نفي الوجوب من نفي الجواز كما حملوا كلامه في الاستبصار عليه ، فيوافق حينئذ من عبر من الأصحاب بالجواز بناء على إرادته المعنى الأخص منه كما صرح به في المبسوط في الحائض والجنب جمعا بين النصوص ، وفيه أنه لا مقاومة حتى يجمع بذلك ، مع أنه لا تعارض فيما دل على وجوبه للجنب ، ولعل مراد من عبر بالجواز من الأصحاب ولم يتبعه بما يعين المعنى الأخص ما لا ينافي الوجوب ردا على القائل بالحرمة من العامة ، كقولهم : يجوز في الأوقات المكروهة ، ويومي اليه أيضا استدلالهم عليه بما يقتضي الوجوب ، فيكون القول بها حينئذ نادرا ، ولذا قال في المنتهى : لا يفتقر إلى طهارة بل يجوز السجود للجنب والمحدث والحائض ، وعليه فتوى علمائنا ، بل الظاهر إرادته ما يشمل الوجوب منه ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الحيض ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الحيض ـ الحديث ٥.

٢٢٦

وفي التذكرة أنه متى جاز وجب أي الواجب ، بل لعل التأمل الجيد في كلامهم وفي أدلتهم وفي تعبيرهم بالجواز فيما يعلم إرادة الأعم من الواجب منه مقابلا للعامة يقتضي ندرة القول بالجواز بالمعنى الأخص أيضا أي الذي لا يشمل الواجب فضلا عن الحرمة وأن ذلك انما هو للشيخ وبعض من تأخر عنه ، كما أن ما في كتاب أحكام النساء للمفيد ـ من أن من سمع موضع السجود ولم يكن طاهرا أومأ بالسجود إلى القبلة إيماء ـ في غاية الندرة والضعف إلا أن يحمل على بعض ما ثبت فيه الإيماء ، وقد خبط بعض الناس فأطنب في المسألة في كتاب الحيض من الطهارة وجعل البحث فيها أولا في الجواز وعدمه ، أو التفصيل بين السماع والاستماع ، ثم على تقدير الجواز فهل هو على سبيل الوجوب أو الاستحباب ، أو يفصل بين التلاوة والاستماع فيجب ، وبين السماع فيندب وشوش نقل عبارات الأصحاب ومعاقد إجماعاتهم ، مع أن الظاهر عدم اختصاص المفروض باعتبار الاستماع أو الاجتزاء به والسماع في الوجوب لما عرفته سابقا من البحث في ذلك بالنسبة للحائض وغيرها ، والتحقيق عدم الفرق بين الحائض وغيرها في وجوب الواجب وندب المندوب وإن كان لم يتأكد لها الثاني ، ولعله عليه يحمل الخبران أيضا ، وقد ذكرنا في باب الحيض ما له نفع في المقام ، فلاحظ وتأمل ، والله أعلم.

وكذا لا يشترط فيها استقبال القبلة بلا خلاف أجده فيه إلا ما سمعته من كتاب أحكام النساء للأصل وإطلاق النصوص والفتاوى ومعاقد الإجماعات لكن في‌ مرسل الدعائم (١) « إذا قرأت السجدة وأنت جالس فاسجد متوجها إلى القبلة ، وإذا قرأتها وأنت راكب فاسجد أينما توجهت ، فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصلي على راحلته وهو متوجه إلى المدينة بعد انصرافه من مكة يعني النافلة‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب قراءة القرآن ـ الحديث ١.

٢٢٧

وفي ذلك قول الله تعالى (١) ( فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) » ولم أجد أحدا عمل به ، بل ظاهر المنتهى وغيره أن ذلك مذهب الجمهور ، لكن لا يبعد الحكم بالاستحباب الذي يتسامح فيه ، كما أنه لا يبعد أيضا استحباب الطهارة من الخبث والحدث بمعنى عدم فعل سبب السجود إلا بعد إحرازها لا أنه يترك الفورية في الندب أو الواجب لإحرازها وإن كان لولا التسامح بل على بعض الوجوه صعب إثباته في الطهارة من الخبث بل وأكثر أفراد الحدث ، اللهم إلا أن يستفاد الثاني من مفهوم « إن » الوصلية ، ولا ينافيه عدم اشتراط الطهارة لها ، إذ هو أعم من استحبابها فيها ، ولعله لذا حكي عن النفلية والبيان والفوائد الملية أن الأفضل الطهارة لها ، بل عن التذكرة في بحث التجديد أنه يستحب التجديد له ولسجود الشكر ، لكن عن الذكرى أنه لا يستحب التجديد لهما ، ولعله لعدم الدليل.

لكن على كل حال لا ريب في ضعف ما عن الجعفرية وشرحها من أن في اشتراط الستر والاستقبال والخلو عن النجاسة وجهين ، كما أن ليس بتلك المكانة قول المصنف على الأظهر إن أراد به ما يشمل الاستقبال والطهارة ، إذ قد ظهر لك ضعفه في الطهارة من الحيض فضلا عن هذه الأمور التي لم نجد لها أثرا معتدا به في نصوصنا ، وانما هي من زخرفات العامة الناشئة من القياس على سجود الصلاة ، اللهم إلا أن يستفاد من صحيح العلل الآتي (٢) حيث استدل فيه على حكم السجود بصلاة النافلة مساواته لذلك ، ولا ريب في ضعفه ، وإلا لاعتبر فيه سائر ما يعتبر في الصلاة من اللباس والمكان ، ولنافاه ما ينافيها من الضحك والكلام والأكل والشرب ونحو ذلك مع أنه لا يعتبر فيه شي‌ء من ذلك قطعا ، نعم قد يعتبر فيه إباحة المكان واللباس ،

__________________

(١) سورة البقرة ـ الآية ١٠٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب قراءة القرآن ـ الحديث ١.

٢٢٨

زاد في كشف الأستاذ أن لا يكون من جلد الميتة ، وفيه منع ، كما أن ما فيه أيضا من أن اشتراط عدم الحريرية والذهبية وطهارة موضع الجبهة غير خال عن القوة كذلك أيضا ، لعدم الدليل ، بل في اعتبار الطمأنينة والاستقرار فيه نظر فضلا عن هذه الأمور وأغرب من ذلك كله جزم الشهيد في المحكي عن حواشيه بوجوب الستر ، ولعله أخذه من تعليل النهي (١) عن السجود العاري في الصلاة مخافة ظهور سوأته ، لكنه كما ترى.

نعم يمكن القول بوجوب مساواته لسجود الصلاة في اعتبار عدم العلو في المسجد وفي وضع باقي المساجد المرادة من قوله تعالى (٢) ( أَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ ) وفي السجود على ما يصح السجود عليه ، لإطلاق ما دل على اعتبارها في السجود بحيث يظهر منها عدم اختصاص ذلك في سجود الصلاة ، خصوصا الأول بناء على ما سمعته سابقا من أن المقصود بالتحديد الكشف عن تحقق مسمى السجود ، بل والثالث المشتمل على تعليل عدم السجود على المأكول والملبوس الذين يعبدهما أهل الدنيا ، ومن هنا اقتصر شيخنا في كشفه على اعتبار عدم كونه منهما فيه لا اعتبار كونه مما يصح السجود عليه ، لكن فيه أنه وإن وافق التعليل لكنه خالف المعلل المطلق ، وهو لا يجوز السجود إلا على الأرض أو ما أنبتت ، ولعله لذلك كله قال في التحرير : « الأقرب اشتراط السجود على الأعضاء السبعة » وفي المحكي عن البيان « الأشبه اشتراط السجود على السبعة وعلى ما يصح السجود عليه ، فان تعذر فكسجود الصلاة » وفي الذكرى « في سجود الشكر القطع باعتبار السبعة » وفي المحكي عن الكفاية « لا يبعد الاشتراط » وفي التذكرة والمحكي عن نهاية الأحكام « في وجوب ما عدا الجبهة إشكال » وفي المدارك « فيه وفي السجود على ما يصح السجود عليه نظر » وفي جامع المقاصد « ان فيهما وفي اعتبار العلو وجهين » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ٦.

(٢) سورة الجن ـ الآية ١٨.

٢٢٩

واحتاط به جماعة ، وبالجملة لم يعض على العدم أحد بضرس قاطع إلا المصنف في المعتبر ، وتبعه بعض من تأخر لعدم اعتبار وضع غيرها في مسمى السجود ، وهو حق إن لم نقل بالحقيقة الشرعية ، أو لم يكن ظاهر تلك الأدلة اعتبارها في مطلق السجود ولو واجبات حاله أو شرائط حاله ، واحتمال تنزيل تلك الإطلاقات كلها على سجود الصلاة لأنه المعهود تحدس بلا شاهد ، اللهم إلا أن يستفاد من‌ صحيح الحلبي المروي (١) عن العلل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن الرجل يقرأ السجدة وهو على ظهر دابته قال : يسجد حيث توجهت به ، فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصلي على ناقته وهو مستقبل المدينة ، يقول الله عز وجل ( فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) » قيل : ورواه العياشي عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثله‌ بتقريب اقتضاء وجوب وضع باقي المساجد النزول للمقدمة ، وحمله على عدم التمكن خلاف ظاهره من ترك الاستفصال وغيره ، وبه أفتى الفاضل ، قال فيما حكي من نهايته : « لو قرأ السجدة ماشيا سجد ، فان لم يتمكن أومأ ، وإن كان راكبا سجد على دابته إن تمكن ، وإلا وجب النزول والسجود ، فان تعذر أومأ » قيل : ونحوه ما في المنتهى والموجز ، وفي التذكرة « لو قرأ السجدة ماشيا سجد ، فان لم يتمكن أومأ ـ إلى أن قال ـ : وإن كان راكبا سجد على راحلته ، وإلا نزل وفعله علي عليه‌السلام ـ إلى أن قال ـ : ولا نعلم فيه خلافا لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) قرأ عام الفتح سجدة فسجد الناس كلهم منهم الراكب والساجد في الأرض حتى أن الراكب يسجد على يده » وفي موضع آخر « يجوز أن يؤدى سجود الشكر والتلاوة على الراحلة عندنا خلافا للشافعي لحصول المسمى » والجميع كما ترى صريح في الاجتزاء بالسجود على الراحلة الذي لا يتيسر معه وضع الأعضاء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب قراءة القرآن ـ الحديث ١.

(٢) سنن أبى داود ج ١ ص ٢٠٧.

٢٣٠

السبعة غالبا وإن تمكن من النزول ، ولعله لذا تردد فيه في جامع المقاصد إلا أنه في غير محله بعد ما عرفت ، نعم قد يقال بمشروعية ذلك بالخصوص كالنافلة وإن كان يجب الوضع حيث يسجد على الأرض ، فالحزم حينئذ عدم ترك شي‌ء من ذلك خصوصا بناء على قاعدة الشغل ، بل يقوى في النظر مساواته لسجود الصلاة في الإيماء وما يتمكن من الانحناء وبدلية الجبين والذقن.

بل قد سمعت ما في خبر الساباطي (١) المروي عن المستطرفات المتقدم سابقا من أن الذكر في سجود العزائم كالذكر في سجود الصلاة أيضا ، لكن في‌ صحيح أبي عبيدة الحذاء (٢) « سجدت لك يا رب تعبدا ورقا لا مستكبرا عن عبادتك ولا مستنكفا ولا متعظما بل أنا عبد ذليل خائف مستجير » وفي‌ مرسل الفقيه (٣) « لا إله إلا الله حقا حقا ، لا إله إلا الله إيمانا وتصديقا ، لا إله إلا الله عبودية ورقا ، سجدت لك يا رب تعبدا ورقا لا مستنكفا ولا مستكبرا بل أنا عبد ذليل خائف مستجير » وعنه في الأمالي نسبته إلى دين الإمامية ، وفي المنتهى‌ عن الصدوق أيضا « إلهي آمنا بما كفروا ، وعرفنا ما أنكروا ، وأجبناك إلى ما دعوا ، إلهي فالعفو فالعفو » قيل : وفي البيان أنه ذكره الراوندي في المعتبر ، وفي‌ المرسل المروي (٤) عن غوالي اللئالي « ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما نزل قوله تعالى ( وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ) سجد وقال : أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك ، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك » ولعل العمل بالجميع أو بأحدها أو بالذكر من غيرها حسن كما لا يخفى على من عرف لغة الشرع ولسانه ، ولذا لم نخص الحكم بسجود العزائم ، ولا قلنا بوجوبه أيضا فيه وإن كان قد أمر به في كثير من هذه النصوص ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب قراءة القرآن ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب قراءة القرآن ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب قراءة القرآن ـ الحديث ٢.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب قراءة القرآن ـ الحديث ٢.

٢٣١

نعم في‌ مرسل الدعائم (١) « أنه يدعو في سجوده بما تيسر من الدعاء » وفيه شهادة على ما قلنا ، فتأمل جيدا.

وكيف كان فـ ( لو نسيها ) أي السجدة أتى بها فيما بعد لعدم سقوطه بذلك كالتأخير عمدا وإن عصى بترك الفور ، للأصل وظهور أن القراءة مثلا من باب الأسباب لوجوب السجود ، ول‌ صحيح ابن مسلم (٢) « سألته عن الرجل يقرأ السجدة فينساها حتى يركع ويسجد قال : يسجد إذا ذكر إذا كانت من العزائم » فلا يبنى المقام حينئذ على مسألة الفور ، على أن التحقيق فيها عدم السقوط بالنسيان والعصيان ، لظهور الوجوب الفوري في عدم كون ذلك قيدا للواجب أو الوجوب لينتفي به الأمر أو المأمور به ، بل هو من قبيل الوجوب المستقل في أصل الوجوب كالحج في العام الأول ولا ينافي ذلك اتحاد لفظ الأمر ، إذ لا مانع من أن يؤدي ذلك كله وإن اتحد ، ولا عبرة بالتقرير الذي يبرز به هذا المعنى فيظن أن ذلك كالقيود التي ينتفي بها المأمور به بل الظاهر أيضا عدم سقوط الفورية أيضا ، لأن وضع هذا الطلب مع عدم القرينة على بقاء إرادة الفور حتى يحصل الامتثال كما نجده بالوجدان منا ، ومنه يعلم عدم كون الفعل قضاء ، ضرورة عدم كون المبادرة والمسارعة والتعجيل من التوقيت في شي‌ء ، وكأن الوهم ينشأ من تصور المعنى بعبارة كالموقت ، فالتعبير بالقضاء من بعض الأصحاب يراد منه الفعل ، وإلا كان للنظر فيه مجال ، ودفعه بأنه لما وجبت الفورية كان وقتها وقت وجود السبب فإذا فات فات وقتها مصادرة واضحة ، وكان الأولى الاستدلال عليه بلفظ « إذا » الموجود في النصوص من‌ قوله عليه‌السلام : « إذا قرئ شي‌ء » إلى آخره‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب قراءة القرآن ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب قراءة القرآن ـ الحديث ١.

٢٣٢

وغيره ، وقد يدفعه ظهور إرادة التسبيب والفورية منها هنا لا التوقيت ولو بقرينة ما جاء من الأمر بالفعل بعد ذلك الوقت ، إذ حمله على الأمر الجديد بعيد أو باطل ، بل التحقيق أنه لا يدخلها أداء ولا قضاء ، لأنهما من توابع الوقت المضروب شرعا ، وهو منتف لما قلناه من الفورية ، فحينئذ لا يفرق في وجوب الإتيان فورا أيضا بين الترك عصيانا ونسيانا وان اختص النص بالأول ، إذ قد عرفت أن المدرك غيره أيضا ، بل قد يقرر بوجه آخر هو أن إطلاق الأوامر بالسجود لا تتقيد بما دل على الفورية ، لعدم التنافي بينها وبين مطلق طبيعة الوجوب بعد فرض عدم ظهور التقييد فيها ، بل أقصاه اعتبار شي‌ء آخر مع أصل الوجوب ، بل لعله ليس من الإطلاق والتقييد المصطلح في شي‌ء عند التأمل لعدم رجوعه للواجب ، بل هو للوجوب ، فتأمل جيدا ، والظاهر جريان جميع ذلك في السجود المستحب أيضا ، واحتمال الفرق بينهما بسقوطه في حالي النسيان والعصيان بخلافه لا يخلو من وجه ، لكن الأول أقوى ، لاتحاد ما ذكرناه من المدرك ، والله أعلم.

المسألة الثالثة اعلم أن السجود غاية الخضوع لله ، وخير عمل مشروع ، ومنتهى عبادة بني آدم ، وأعظم شي‌ء تواضعا لله ، بل ما عبد الله بمثل السجود ، ولذا اختص به وحرمه لغيره ، وأقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد ، وذلك قوله تعالى ( وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ) وبه تحط الخطيئة وترفع الدرجة ، وما من عمل أشد على إبليس من أن يرى ابن آدم ساجدا ، لأنه أمر بالسجود فعصى وهذا أمر بالسجود فأطاع ونجا ، ولذا يقول إذا أطالوا السجود : يا ويلاه أطاعوا وعصيت وسجدوا وأبيت وطوله شريطة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حصول الجنة ، وشعار الأنبياء والأئمة النجباء عليهم أفضل التحية والثناء ، وسنة الأوابين ، فقد‌ سجد آدم ثلاثة أيام بلياليها (١)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ١٦.

٢٣٣

و‌سجد علي بن الحسين عليهما‌السلام على حجارة خشنة حتى أحصي عليه ألف مرة لا إله إلا الله حقا حقا ، لا إله إلا الله إيمانا وصدقا (١) و‌ « كان جعفر بن محمد عليهما‌السلام (٢) يسجد السجدة حتى يقال له : إنه راقد » ، و‌ « كانت لأبي الحسن موسى عليه‌السلام (٣) في كل يوم سجدة بعد ابيضاض الشمس » أي طلوعها « إلى وقت الزوال » ، وقد تقدم في المواقيت نقل ما رآه منه الفضل بن الربيع (٤) من طول سجوده عليه‌السلام ، كما أن بإكثاره صار إبراهيم خليل الله (٥) قال العلامة الطباطبائي في حكاية مضمون ما وصل اليه من النصوص في ذلك وأطال ، إلى أن قال :

إكثاره يحط بالأوزار

حط الرياح ورق الأشجار

به يباهي ربنا الجليل

ومنه نال الخلة الخليل

إلى أن قال :

أعظم به من عمل بسيط

بفضل كل طاعة محيط

إلى آخره. فلا بأس حينئذ بالقول بمشروعيته لا لسبب ، وأنه كالنفل من الصلاة أخذا بإطلاق الأدلة كما صرح به في المحكي من نهاية الأحكام والموجز وشرحه ، لكن عن البيان أن فيه نظرا ، ولا ريب في ضعفه ، نعم ما عن النهاية أيضا من القول به أيضا في الركوع على إشكال لا يخلو من نظر ، إذ حمل السجود على إرادة مطلق الخضوع الشامل لنحو ذلك كما ترى ، ولعله لذا قيل : إنه نفاه الشهيد وغيره.

وكيف كان فمنه ما يستحب بالخصوص كسجود الشكر على تجدد النعم ودفع النقم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ١٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ١٤ وفي الوسائل « كان أبى يسجد ».

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب سجدتي الشكر ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب سجدتي الشكر ـ الحديث ٧.

٢٣٤

وعقيب الفرائض بلا خلاف أجده بين أصحابنا كما اعترف به في كشف اللثام ، بل في المنتهى والتذكرة وظاهر المدارك وعن الخلاف وظاهر المعتبر الإجماع عليه ، لكن في جامع المقاصد لا خلاف بين أكثر علمائنا إلا من شذ في استحبابه للأولين ، ولم نقف على من استثناه ، والموجود فيما حضرني من نسخته « العلماء » فيكون المراد أبا حنيفة على الظاهر ، ولعل‌ ما رواه سعد بن سعد (١) عن الرضا عليه‌السلام محمول على التقية ، قال : « قلت له : إن أصحابنا يسجدون بعد الفريضة سجدة واحدة ويقولون هي سجدة الشكر ، فقال : إنما الشكر إذا أنعم الله على عبده النعمة أن يقول سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين » ضرورة منافاته على تقدير دلالته للإجماع أو الضرورة من المذهب فضلا عن المتواتر من النصوص ، قال الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن مسكان (٢) وخبر أبي بصير (٣) المروي عن مجالس الصدوق « ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان في سفر يسير على ناقة له إذ نزل فسجد خمس سجدات ، فلما ركب قالوا : يا رسول الله إنا رأيناك صنعت شيئا لم تصنعه ، فقال : نعم استقبلني جبرئيل فبشرني ببشارات من الله فسجدت شكرا لله لكل بشرى سجدة » وفي‌ خبر الربيع بن يونس (٤) المروي عن المجالس « سألت جعفر بن محمد عليهما‌السلام عن سجدة الشكر التي سجدها أمير المؤمنين عليه‌السلام ما كان سببها فذكر حديثا طويلا ، في آخره أن جبرئيل عليه‌السلام نزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا محمد هذا ابن عمك علي عليه‌السلام إلى أن قال : إن الله جعلك سيد الأنبياء وجعل عليا عليه‌السلام سيد الأوصياء وخيرهم ، وجعل الأئمة عليهم‌السلام من ذريتكما ، قال : فأخبر عليا عليه‌السلام بذلك فسجد علي عليه‌السلام لله عز وجل ، وجعل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب سجدتي الشكر ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب سجدتي الشكر ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب سجدتي الشكر ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب سجدتي الشكر ـ الحديث ٦.

٢٣٥

يقلب وجهه على الأرض شكرا » وقال أيضا في خبر ذريح (١) المروي عن ثواب الأعمال : « أيما مؤمن سجد لله سجدة لشكر نعمة في غير صلاة كتب الله له بها عشر حسنات ، ومحي عنه عشر سيئات ، ورفع له عشر درجات في الجنان » وفي‌ خبر جابر (٢) المروي عن العلل أيضا ، قال الباقر عليه‌السلام : « إن أبي علي بن الحسين عليهما‌السلام ما ذكر لله عز وجل نعمة عليه إلا سجد ، ولا قرأ آية من كتاب الله فيها سجود إلا سجد ، ولا دفع الله عنه سوء يخشاه أو كيد كائد إلا سجد ، ولا فرغ من صلاة مفروضة إلا سجد ، ولا وفق لإصلاح بين اثنين إلا سجد ، وكان أثر السجود في جميع مواضع سجوده فسمي السجاد لذلك » وفي الذكرى روى « ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى رواسيا وهو القصر المزري وقد سجد شكرا » وقال الصادق عليه‌السلام (٣) : « انما يسجد المصلي سجدة بعد الفريضة ليشكر الله تعالى ذكره فيها على ما من به عليه من أداء فرضه » وفي‌ خبر علي بن فضال (٤) المروي عن العلل قال أبو الحسن الرضا عليه‌السلام : « السجدة بعد الفريضة شكرا لله عز وجل على ما وفق له العبد من أداء فرضه ، وأدنى ما يجزي فيها من القول أن يقال : شكرا لله شكرا لله شكرا لله ثلاث مرات ، قلت : فما معنى قوله شكرا لله؟ قال : يقول : هذه السجدة مني شكرا لله على ما وفقني له من خدمته وأداء فرضه ، والشكر موجب للزيادة ، فإذا كان في الصلاة تقصير لم يتم بالنوافل تم بهذه السجدة » وقال الصادق عليه‌السلام في خبر مرازم (٥) : « سجدة الشكر واجبة على كل مسلم تتم بها صلاتك ، وترضي بها ربك ، وتعجب الملائكة منك ، وان العبد إذا صلى ثم سجد سجدة الشكر فتح الرب تبارك وتعالى الحجاب بين العبد وبين الملائكة ، فيقول : يا ملائكتي انظروا إلى عبدي أدى قربتي » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب سجدتي الشكر ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب سجدتي الشكر ـ الحديث ٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب سجدتي الشكر ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب سجدتي الشكر ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب سجدتي الشكر ـ الحديث ٥.

٢٣٦

كما في التهذيب ، وفي الفقيه « فرضي وأتم عهدي ثم سجد لي شكرا على ما أنعمت به عليه ملائكتي ماذا له؟ قال : فتقول الملائكة : يا ربنا رحمتك ، ثم يقول الرب ، ثم ماذا؟ فتقول الملائكة : يا ربنا جنتك ، فيقول الرب تعالى : ثم ماذا؟ فتقول الملائكة : يا ربنا كفاية مهمه ، فيقول الرب تعالى : ثم ما ذا؟ فلا يبقى شي‌ء من الخير إلا قالته الملائكة ، فيقول الله تعالى : يا ملائكتي ثم ماذا؟ فتقول الملائكة : يا ربنا لا علم لنا ، فيقول تعالى : لأشكرنه كما شكرني ، وأقبل إليه بفضلي وأريه رحمتي ».

بل قد يستفاد منه استحبابها بعد كل صلاة نافلة أو فريضة كما هو مقتضى إطلاق بعض الأصحاب ، بل عن السرائر والمصباح وغيرهما التصريح بذلك ، بل يمكن التسرية إلى كل عبادة أو فعل خير يوفق لهما ولو لا اندراجهما تحت النعمة ، وقد ورد في جملة من النصوص (١) فعلها بعد بعض النوافل ، كما أن في بعض آخر (٢) بعد الصلاة ، قال العلامة الطباطبائي :

وكلما وفقت للفرائض

وغيرها للمستفيض الناهض

وقد روي أن علي بن الحسين عليهما‌السلام سجد للتوفيق به للإصلاح بين الاثنين على ما في‌ خبر جابر السابق الذي منه يستفاد أيضا سجود الشكر لتذكر النعمة التي منها دفع النقمة ، قال هشام بن أحمر (٣) : « كنت أسير مع أبي الحسن عليه‌السلام في بعض طرق المدينة إذ ثنى رجله عن دابته فخر ساجدا فأطال ثم رفع رأسه وركب دابته ، فقلت : جعلت فداك قد أطلت السجود فقال : إنني ذكرت نعمة أنعم الله بها علي فأحببت أن أشكر ربي ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب سجدتي الشكر ـ الحديث ٤ والباب ٢ منها الحديث ٣ و ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب سجدتي الشكر.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب سجدتي الشكر ـ الحديث ٤.

٢٣٧

بل قد يستفاد من غيرهما وضع الخدين على الأرض لذلك أيضا‌ قال الصادق عليه‌السلام لعمار (١) : « إذا ذكر أحدكم نعمة لله عز وجل فليضع خده على التراب شكرا لله ، فان كان راكبا فلينزل فليضع خده على التراب ، وإن لم يكن يقدر على النزول للشهرة فليضع خده على قربوسه ، فان لم يقدر فليضع خده على كفه ثم ليحمد الله على ما أنعم عليه » وقال إسحاق بن عمار (٢) : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إذا ذكرت نعمة الله عليك وكنت في موضع لا يراك أحد فألصق خدك بالأرض ، وإذا كنت في ملأ من الناس فضع يدك على أسفل بطنك وأخر ( وأحن خ ل ) ظهرك وليكن تواضعا لله عز وجل ، فان ذلك أحب ، وترى أن ذلك غمز وجدته في أسفل بطنك ».

ومنه يستفاد طرق أخر للشكر غير السجود ، فمن الغريب عدم جزم الفاضل في التذكرة والمحكي عن نهاية الأحكام باستحباب السجود لتذكر النعمة ، حيث قال : الأقرب استحباب هذا السجود عند تذكر النعمة وإن لم يكن متجددة خلافا للجمهور ، وأغرب منه ما في المحكي عن البيان من التنظير في ذلك ، وفي الذكرى « هل يستحب ذلك عند تذكر النعمة وإن لم تكن متجددة؟ الظاهر نعم إن لم يكن قد سجد لها » وهو مشعر بتأدي المطلوب بسجود واحد بحيث لا يشرع التعدد بعد ، وفيه نظر لإطلاق ما سمعته من الأدلة ، بل قد عرفت فعل علي بن الحسين عليهما‌السلام ذلك مع استبعاد عدم سجوده لابتداء النعمة التي تذكرها ، ولأنه يمكن دعوى مشروعية ما يشاؤه من التعدد لسجود الشكر ولو لنعمة واحدة ، فهو كالشكر اللساني كما هو ظاهر الأستاذ في كشفه ، ضرورة استمرار مشروعيته باستمرار رجحان الشكر الذي لو عاش الإنسان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب سجدتي الشكر ـ الحديث ٣ روى عن يونس بن عمار.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب سجدتي الشكر ـ الحديث ٥.

٢٣٨

عمر الدنيا ما أدى تمام شكر نعمة واحدة ، بل التوفيق للشكر محتاج إلى الشكر ، كما أومأ إليه سيد الساجدين عليه‌السلام (١) فتكرير السجود حينئذ لأنه أفضل ما يتأدى به الشكر ، ولا ينافي ذلك التعبير بالسجدة في أكثر النصوص والفتاوى ، لعدم إرادة الوحدة من التاء فيها أولا ، ولظهور كون المراد عدم اشتراط العدد في سجود الشكر على جهة التركيب بحيث يفوت بفواته ، بل المشروع للشكر سجدة سجدة وإن تعددت.

لكن قد يشكل هذا بما في المتن والقواعد والمحكي عن الجعفرية وشرحها سجدتا الشكر مستحبان عند تجدد النعم ودفع النقم وعقيب الصلوات وفي الحدائق أن كثيرا من الأخبار (٢) انما اشتمل على سجدة واحدة ، وجملة (٣) منها دلت على التعدد ، وكذا كلام الأصحاب ، والكل منصوص كما عرفت ، والتعدد سيما مع توسط التعفير أفضل ، وفي كشف الأستاذ « والأفضل سجدتان ، ودونهما الواحدة ، فلو قصد الآحاد عدد بما أراد وتعفير الخدين بينهما ، وأقل منه أحدهما أو بعضهما ، ويقوى استحبابه بعدهما وبعد الواحدة » وفي كشف اللثام أن التثنية ذكرها ابنا إدريس والبراج وابنا سعيد والحلبي والشيخان في المقنعة والنهاية والاقتصاد في الصلاة ، وفي المصباح في بعض الصلوات ، ورواها مطلقا عبد الله بن جندب (٤) عن الكاظم عليه‌السلام قلت : الذي يمكن تحصيله بملاحظة النصوص الاتحاد أو التعدد بواسطة التعفير ، وهو لعدم استيفاء الرفع منه يطلق عليه سجدة واحدة ، قال في الوسائل : قد وقع التعبير في‌

__________________

(١) الصحيفة السجادية الدعاء ٣٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ و ٢ ـ وغيرهما من أبواب سجدتي الشكر.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب سجدتي الشكر ـ الحديث ٦ والباب ٧ منها الحديث ١ والمستدرك ـ الباب ـ ٥ ـ منها ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب سجدتي الشكر ـ الحديث ١.

٢٣٩

بعض الأحاديث بسجدتي الشكر باعتبار التعفير ، وفي بعضها بسجدة الشكر إما باعتبار أن التعفير واقع في أثناء السجدة لعدم استيفاء الرفع ، أو لجواز الاقتصار على واحدة وترك التعفير ، وقال العلامة الطباطبائي :

يجزي له واحدة ، والأفضل

ثنتان بالتعفير فصل يحصل

ولعله هو مراد كشف اللثام فيما حكاه بقرينة ذكره الخبر المزبور ، والموجود فيه التعفير المذكور ، وقال الكاظم عليه‌السلام في خبر عبد الله بن جندب (١) « تقول في سجدة الشكر : « اللهم إني أشهدك وأشهد ملائكتك وأنبيائك ورسلك وجميع خلقك أنت الله ربي ، والإسلام ديني ، ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبيي ، وعلي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والحجة بن الحسن بن علي عليهم‌السلام أئمتي ، بهم أتولى ، ومن أعدائهم أتبرأ ، اللهم إني أنشدك دم المظلوم ثلاثا ، اللهم إني أنشدك بإيوائك على نفسك لأعدائك لتهلكهم بأيدينا وأيدي المؤمنين ، اللهم إني أنشدك بإيوائك على نفسك لأوليائك لتظفرهم بعدوك وعدوهم أن تصلي على محمد وعلى المستحفظين من آل محمد ثلاثا ، اللهم إني أسألك اليسر بعد العسر ثلاثا ، ثم ضع خدك الأيمن على الأرض وتقول : يا كهفي حين تعييني المذاهب وتضيق علي الأرض بما رحبت ، يا بارئ خلقي رحمة ربي وكنت عن خلقي غنيا صل على محمد وآل محمد وعلى المستحفظين من آل محمد ثلاثا ، ثم تضع خدك الأيسر على الأرض وتقول : يا مذل كل جبار ويا معز كل ذليل قد وعزتك بلغ مجهودي فرج عني ثلاثا ، ثم تعود للسجود وتقول : مائة مرة شكرا شكرا ، ثم تسأل حاجتك إن شاء الله ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب سجدتي الشكر ـ الحديث ١.

٢٤٠