جواهر الكلام - ج ١٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

فإنه يستلزم الزيادة

وانها تخل بالعبادة

وقيل جاز الرفع إذ لم يسجد

وليس إلا صورة التعدد

وهو قوي وعلى الفضل حمل

أو طلب الأفضل منع قد نقل

إن أراد بما يمتنع مطلق ما لا يصح السجود عليه بالعلو وغيره ، وإن أراد الأول بقرينة ذكره له في المقام فلم نعرف أحدا قال بوجوب الجر فيه وعدم جواز الرفع منه إلا سيد المدارك والخراساني كما اعترف به بعضهم ، وإلا فقد عرفت ما حكيناه عن الفاضلين وغيرهما ، فلا يناسب التعبير عنه بلفظ القيل مع أنه هو المعروف ، وما ذكره في المدارك النادر ، بل لا مستند له إلا تقديم صحيح معاوية بن عمار (١) المشتمل على النبكة على خبر ابن حماد (٢) لضعف سنده بناء على طريقته من دوران الأمر مدار الأسانيد ، ولقد أجاد في الحدائق هنا حيث قال : إنه أي السيد المزبور متى صح السند غمض عينيه ونام عليه وأضرب عن متن الخبر سواء خالف الأصول أو وافقها ، قلت : مع أنه قد يناقش في صحة الخبر في المقام بتضمن سنده محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان ، والأول مجهول على المشهور وإن عدوا السند الذي فيه صحيحا أو قريبا منه.

لكن ومع ذلك كله قد مال إليه في الرياض بعض الميل ، قال : لا لصحة الخبر بل لتوقف ما مر من دليل الجواز في صورته على عدم صدق السجود على الانحناء المفروض فيها ، وكونه حقيقة في الانحناء إلى الوضع على ما يساوي الموقف فصاعدا إلى قدر اللبنة وهو مشكل ، وإثباته بما دل على المنع من الوضع على الزائد عنها غير ممكن ، لأن غايته المنع ، ويمكن أن يكون وجهه فوات بعض واجبات السجود لا نفسه ، نعم ذلك حسن حيث لا يصدق السجود معه عرفا ، وأما معه فمشكل ، ولا ريب أن الأحوط عدم الرفع حينئذ ، وكذا الموضع الذي يشك في الصدق وعدمه مع احتمال جواز الرفع هنا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٤.

١٦١

كصورة عدم الصدق قطعا ، ولكن الأحوط عدم الرفع مطلقا خروجا عن شبهة الخلاف نصا وفتوى.

وفيه أنك قد عرفت ظهور التحديد المزبور نصا وفتوى في كشف مصداق السجود عرفا ، كما يومي اليه مع ذلك ملاحظة كلمات الأصحاب كالفاضلين والمحقق الثاني وغيرهم ، فحينئذ لا ينبغي التأمل في جواز الرفع مع فرض السجود على الزائد كما أفتى به الأصحاب من غير خلاف يعرف فيه بينهم ، كما أنه ينبغي التأمل في عدم جوازه بحيث يستلزم زيادة سجدة مع فرض وقوع الجبهة على ما لا يصح السجود عليه من البساط ونحوه إمكان تحصيل الشرط بدونها كالجر ونحوه ، أما لو تعذر الجر ونحوه مما لا يستلزم زيادة سجدة فهل يسقط حينئذ اشتراطه ، إذ هو كما لو رفع رأسه وذكر أنه سجد على ما لا يصح السجود عليه ، وكنسيان الذكر والطمأنينة وأحد المساجد عدا الجبهة ، لتوقف اسم السجود على وضعها في وجه ولو على ما لا يصح السجود عليه ، لتعذر التدارك حينئذ عليه بسبب زيادة السجدة التي ثبت بالأدلة إبطالها الصلاة مع العمد كما أومأت اليه نصوص قراءة العزيمة (١) أو يتداركه وإن استلزم زيادة سجدة لكن سهوا فلا تقدح كما سمعته من ابن فهد ، بل وافقه عليه هنا غيره ، بل لا أجد فيه خلافا بل يشهد له أيضا‌ المروي عن كتاب الغيبة واحتجاج الطبرسي عن محمد بن أحمد بن داود القمي (٢) قال : « كتب محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري إلى الناحية المقدسة يسأل عن المصلي يكون في صلاة الليل في ظلمة فإذا سجد يغلط بالسجادة ويضع جبهته على مسح أو نطع فإذا رفع رأسه وجد السجادة هل يعتد بهذه السجدة أم لا يعتد بها؟ فوقع عليه‌السلام ما لم يستو جالسا فلا شي‌ء عليه في رفع رأسه لطلب الخمرة » وإن كان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب القراءة في الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٦.

١٦٢

هو في النافلة ولم يجبه عن الاعتداد وعدمه ، ولم يظهر وجه التقييد فيه بالاستواء جالسا وغير ذلك؟ وجهان ، أقواهما الأول ، ضرورة عدم اندراج مثله في السجدة السهوية لحصول القصد في كل منهما ، إلا أنه سها عما يجب حالها أو يشترط في صحتها وإن لم يدخل في اسمها ، وإلا لوجب التدارك مع السهو عن الطمأنينة ووضع أحد المساجد ونحوهما مما يعتبر في صحة السجود ، والتدارك في غير المقام كترتيب القراءة والجلوس للتشهد وغير ذلك وإن كان هو مستلزما للزيادة أيضا إلا أنه قد يفرق بين السجدة وغيرها بالإجماع المدعى في التنقيح على إبطال الأولى كما سمعته في بحث قراءة العزائم بخلاف ما عداها مما يزاد لتدارك الواجب أو المندوب في الصلاة ، بل لعله لا يندرج في الزيادة المنهي عنها في الصلاة التي يدور البطلان مدار التشريع فيها كما أوضحناه سابقا ولقد أجاد العلامة الطباطبائي بقوله :

وليس بالزائد ما به يتم

فرض ونفل في الصلاة فاستقم

والخبر المذكور قد عرفت ما فيه بعد الإغضاء عما في الطريق إلى أحمد ، فظهر لك حينئذ ضعف الاحتمال المزبور ، ولعل احتمال بطلان الصلاة أولى ولو بالنسيان في سجدة واحدة ، ضرورة الدوران حينئذ في الفرض بين زيادة السجدة وبين فوات الشرط ، وهو كالركن في البطلان ما لم يدل دليل على اغتفار السهو فيه ، لأصالة فوات المشروط بفوات شرطه ، واغتفار السهو في أجزاء الصلاة عدا الأركان لا يستلزم اغتفاره في غيرها بعد حرمة القياس ، ولعله بذلك يفرق بين نسيان الذكر والوضع لأحد المساجد ونحوهما وبين نسيان الوضع على ما لا يصح السجود عليه بجعل هذه الأمور واجبات في الصلاة حال السجود لا شرائط ، بخلاف وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه ، فإنه من مكان المصلي ، ودعوى أنه شرط في صحة السجود لا الصلاة فليس هو بأعظم من ترك سجدة أجمع سهوا ولا بطلان معها قد يدفعها أن مرجعها القياس ، ضرورة اندراج‌

١٦٣

ترك السجدة أصلا فيما دل على عدم قدح نسيان السجدة بخلاف نحو الفرض ، بل نسيان السجدة ليس من ثبوت المشروط بدون شرطه ، بل هو من فوات المشروط والشرط وقد اغتفره الشارع في حال السهو ، لكن لا يخفى عليك ما فيه.

هذا كله في خصوص رفع الجبهة من المساجد ، أما غيرها فلا أرى به بأسا عمدا فضلا عن السهو ، لأنه من الأفعال القليلة ، ولا زيادة فيه بعد أن يكون وضعها الثاني مقدمة للمأمور به ، ضرورة كون المراد بالزيادة ما يفعل بعنوان الجزء من الصلاة ، وهو خارج عنها حتى يكون تشريعا محرما ، بخلاف المقام الذي هو مأمور بوضع يده فيه ، فلا تشمله أدلة الزيادة قطعا ، مع أن استقصاء ما ورد في القيام والجلوس وغيرهما من أفعال الصلاة يشرف الفقيه على القطع بعدم قدح أمثال هذه الأمور ، ومنها رفع الرجل في حال القيام ثم إعادتها والجلوس ثم القيام وبالعكس وغير ذلك ، مضافا إلى خصوص‌ المروي عن قرب الاسناد في المقام عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر (١) عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : « سألته عن الرجل يكون راكعا أو ساجدا فيحكه بعض جسده هل يصلح له أن يرفع يده من ركوعه أو سجوده فيحكه مما حكه قال : لا بأس إذا شق عليه أن يحكه ، والصبر إلى أن يفرغ أفضل » فما نسمعه في هذه الأعصار عن بعض المشايخ من التوقف في ذلك والجزم بالبطلان في غير محله ، ولقد أجاد العلامة الطباطبائي في المقام مشيرا إلى جميع ما ذكرنا ، فقال :

ورفعه حال السجود لليد

أو غيرها كالرجل غير مفسد

فإنه فعل قليل مغتفر

والوضع بعد الرفع عن أمر صدر

وليس بالزائد ما به يتم

فرض ونفل في الصلاة فاستقم

فهو كرفع الرجل في القيام

ووضعها من بعد للإتمام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ١.

١٦٤

أو كقيام جالس لمطلب

عاد اليه بعده للطلب

والعود للمطلوب من شغل اليد

من بعد رفع جاء عن تعمد

وغيره وهو كثير لا خلل

فيه ولا زيادة توهي العمل

والحميري قد روى حك الجسد

لراكع وساجد برفع يد

وترك هذا كله من الأدب

وليس مفروضا ولكن يستحب

وهو كما ترى في غاية الجودة ، وقد تقدم منا في المباحث السابقة تمام الكلام في بعضه ، فلاحظ ، كما أنه مضى في بحث القيام ما يعرف منه قول المصنف هنا فان عرض ما يمنع من ذلك الانحناء اقتصر على ما يتمكن منه بلا خلاف أجده فيه ، لنحو ما مر في الركوع وإن افتقر إلى رفع ما يسجد عليه وجب لذلك وغيره أيضا فـ ( ان عجز عن ذلك كله أومأ إيماء ) مجتزيا به إجماعا في المحكي عن التذكرة ، بل في المدارك أن ظاهر المصنف في المعتبر والعلامة في المنتهى أن ذلك كله إجماعي ، لكن قد عرفت البحث في الاكتفاء برفع ما يسجد عليه عن الإيماء في صورة عدم حصول شي‌ء من الانحناء وعدم إمكان الاعتماد على المسجد وإن قال في المنتهى هنا : « لو تعذر عليه الانحناء لعارض رفع ما يسجد عليه ذهب إليه علماؤنا أجمع » إذ لعله يريد مع التمكن من الاعتماد في الجملة ، أما بدونه فقد عرفت أن من المحتمل وجوبهما معا ، أو التخيير بينهما ، أو تعين الإيماء مع استحباب الجمع بينه وبين الرفع ، بل لم نذكر هناك احتمال تعين الرفع وأنه يجزي عن الإيماء لأحد من الأصحاب ، وإن كان هو ظاهر المصنف هنا وفي القيام بناء على إرادة ما يشمل الاعتماد وغيره من قوله : « يسجد » خصوصا إذا قرئ بالبناء للمجهول ، ويقتضيه بعض النصوص السابقة كخبر الكرخي (١) ويؤيده أنه أقوى من الإيماء دلالة على السجود ، وفيه المحافظة على مماسة الجبهة للأرض التي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ١.

١٦٥

لم يعلم سقوطها بتعذر الانحناء ، خصوصا على تقدير وجوبها مستقلة للصلاة من غير مدخلية للسجود في ذلك ، إلا أنه قد عرفت عدم اقتضاء ذلك سقوط الإيماء المدلول عليه بالنصوص (١) مع أنه بدل عن الانحناء لا عن وضع الجبهة على الأرض كي يسقط به ، فالمتجه حينئذ الجمع بينهما في الفرض السابق الذي لم يحصل منه فيه صورة الساجد بالاعتماد ونحوه ، مع تنزيل عبارة المصنف ومعقد إجماع المنتهى وغيره وما في خبر الكرخي على إرادة إمكان الاعتماد في الجملة ، لأنه هو المنساق إلى الذهن من لفظ « يسجد عليه » فيها ، وطريق الاحتياط غير خفي ، فلا ينبغي تركه ، كما أنه لا ينبغي تركه بترك وضع باقي المساجد مع فرض التمكن منها ، إذ تعذر الجبهة منها لا يقتضي سقوطها ، بل لا ينبغي ترك ذلك حتى في نحو المضطجع والمستلقي والقائم ونحوها فضلا عمن يتمكن من الانحناء في الجملة والجالس وإن لم يتمكن من انحناء أصلا وإن كان تعيينه في غير الأخيرين بل السابق منهما خاصة لا يخلو من نظر ، والله أعلم.

الواجب الرابع الذكر فيه ، وقيل يختص بالتسبيح كما قلناه في الركوع خلافا واستدلالا ومختارا وإن كان ظاهر المصنف هنا اختيار الذكر بخلافه في الركوع ، لكنه في غير محله ، ضرورة اتحاد البحث فيهما كما لا يخفى على من أحاط خبرا بمدارك المسألة.

الواجب الخامس الطمأنينة بلا خلاف أجده ، بل هو مجمع عليه نقلا في الغنية وغيرها إن لم يكن تحصيلا ، بل في المعتبر وجوبها بقدر الذكر ناسبا له إلى علمائنا مشعرا بالإجماع عليه ، بل في المدارك وعن المفاتيح التصريح به ، كما في مجمع البرهان نفي الخلاف فيه ، بل إليه في الجملة يرجع ما في التذكرة من أنه لو شرع فيه قبل وصول الجبهة إلى الأرض أو رفع قبل انتهائه بطل سجوده عند علمائنا أجمع ، مضافا إلى أنه المعهود من فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام وأتباعهم ، وفي‌ صحيح‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب السجود.

١٦٦

ابن يقطين (١) المتقدم في ذكر الركوع « ويجزيك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض » وما في‌ صحيح علي بن جعفر (٢) المتقدم آنفا أيضا سأل أخاه عليه‌السلام « عن الرجل يسجد على الحصى فلا يمكن جبهته من الأرض ».

وفي‌ خبر الهذلي (٣) المروي عن أربعين الشهيد بسند صحيح إلى الهذلي عن علي بن الحسين « فإذا سجدت فمكن جبهتك من الأرض ، ولا تنقر كنقرة الديك » وإلى ما تقدم في الركوع مما يقتضيه أيضا من خبر الميسي (٤) وغيره ، بل تقدم هناك ما يعرف منه ما في القول بركنيتها المحكي عن خلاف الشيخ الإجماع عليها ، بل هي أضعف من دعوى الركنية في الركوع كما لا يخفى على من لاحظ ما تقدم مع التأمل ، بل في الذكرى بعد أن ذكر ذلك عنه في السجدتين والاعتدال من الأولى منهما قال : ولعله في هذه المواضع يريد بالركن مطلق الواجب ، لأنه حصر الأركان بالمعنى المصطلح عليه في الخمسة المشهورة ، وهل المراد بوجوبها قدره المقدمة له فتسقط حينئذ بسقوطه؟ ظاهر المحكي عن الروض الثاني ، ولذا قال : ولو لم يعلم الذكر وجبت بقدره ، ولا ريب في أنه أحوط إن لم يكن أقوى ، وأولى منه بقاء وجوب الذكر مع سقوطها للعجز ونحوه مما علم عدم التكليف بها معه الذي أشار إليه المصنف وغيره بقوله إلا مع الضرورة المانعة إذ احتمال سقوطه تبعا لها أيضا في غاية الضعف وإن حكاه في المدارك عن بعضهم ، فقال : وربما قيل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة ـ الحديث ١٨.

(٤) في النسخة الأصلية « الميسي » ولم يسبق في الجواهر ذكره في بحث طمأنينة الركوع ولم أعثر عليه في مظانه من كتب الأخبار ولعل الصواب « المسي‌ء » أي من أساء الأدب في صلاته وهو الذي نقله في الجواهر في بحث الركوع من الذكرى وهو موجود في سنن أبي داود ص ١٣١.

١٦٧

بسقوط الذكر هنا ، وكأنه أشار بذلك إلى ما في جامع المقاصد حيث قال : ولو تعذرت فهل يسقط وجوب الذكر أم يأتي به على حسب مقدوره؟ فيه تردد ، وهو غريب خصوصا إذا التزم جريانه في القراءة وغيرها مما يعتبر فيها الطمأنينة من أقوال الصلاة.

الواجب السادس رفع الرأس من السجدة الأولى إجماعا محكيا في الوسيلة والغنية والمنتهى والتذكرة وجامع المقاصد والمدارك والمفاتيح وظاهر المعتبر وكشف اللثام لتوقف صدق السجدة الثانية غالبا عليه ، ولأنه المعلوم من الشرع قولا وفعلا ، خلافا لبعض العامة فاكتفى بالانتقال إلى مكان أخفض ، بل الواجب الرفع حتى يعتدل مطمئنا كما هو بعض معقد إجماع المدارك وغيره ، وقد استوى الصادق عليه‌السلام جالسا لما علم حمادا (١) والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما أمره بذلك في حديث المعراج (٢) وقد سمعت خبر الميسي (٣) الذي علمه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي‌ خبر أبي بصير (٤) عن الصادق عليه‌السلام « وإذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك حتى ترجع مفاصلك ، وإذا سجدت فاقعد مثل ذلك ، وإذا كان في الركعة الأولى والثانية فرفعت رأسك من السجود فاستتم جالسا حتى ترجع مفاصلك » بل منه يستفاد اعتبار الطمأنينة ، إذ قد عرفت تفسيرها برجوع كل عضو إلى مستقره ، وأن الفاضل ادعى الإجماع عليه ، وفي‌ المروي (٥) عن الخصال بإسناده إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام « اجلسوا في الركعتين حتى تسكن جوار حكم ثم قوموا ، فان ذلك من فعلنا ». وهو ظاهر في الطمأنينة فيه ، بل على الطمأنينة التي عليها الإجماع في الغنية والمنتهى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة الحديث ١٠.

(٣) راجع التعليقة ٤ ص ١٦٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة الحديث ٩.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة الحديث ١٦.

١٦٨

والتذكرة وجامع المقاصد والحدائق والمحكي عن الغرية وإرشاد الجعفرية والمقاصد العلية والمفاتيح ، كما أن في ظاهر المحكي عن الخلاف الإجماع على ركنية الاعتدال فضلا عن رفع الرأس وإن كان هو ضعيفا عندنا ، ومن ذلك يعلم أن وجوب الرفع هنا أصلي ليس مقدمة لتحقق السجدة الثانية ، وإلا لم يعتبر فيه الاعتدال والطمأنينة ، نعم هو محتمل في الرفع من السجدة الثانية ، بل هو الظاهر ، ولذا ترك المصنف عده من الواجبات ، وذكر من المندوب الجلوس عقيب السجدة الثانية مطمئنا.

وتسمع الكلام فيه إن شاء الله ، كما أنك عرفت تحقيق البحث في وجوب التكبير للأخذ فيه والرفع منه ووجوب رفع اليدين معه ، ضرورة اتحاد البحث فيه مع البحث فيه للركوع دعوى ودليلا وإن قال المصنف هنا أيضا كالسابق : فيه تردد ولكن قد سمعت هناك أن الأظهر إن لم يكن المقطوع به الاستحباب فلاحظ وتأمل ، بل في المنتهى هنا والمحكي عن التذكرة أن استحباب التكبير للسجود فتوى علمائنا ، كما عن ظاهر الغنية الإجماع عليه ، نعم ربما حكي هنا عن صاحب الفاخر زيادة على ما سبق القول بوجوب إحدى تكبيرتي الرفع من الأولى والأخذ في الثانية ، ولا ريب في ضعفه كضعف القول بوجوب الرفع فيه الذي قد مر سابقا تمام الكلام فيه.

وحينئذ فلا ينبغي أن يتأمل في أنه يستحب فيه أن يكبر للسجود رافعا يديه لما مر ، مع أن النصوص (١) قولا وفعلا دالة عليه ، بل هي دالة أيضا على فعله قائما ثم يهوي للسجود كما فعله الصادق عليه‌السلام في تعليم حماد ، وقال الباقر عليه‌السلام في صحيح زرارة (٢) أو حسنه : « إذا أردت أن تركع وتسجد فارفع يديك وكبر ثم اركع واسجد » اللهم إلا أن يقال : إن ذلك لا ينافي وقوع بعض التكبير حال الهوي لعدم كونه من السجود ، نعم قد ينافي لفظ « ثم » ما عن العماني من‌

__________________

(١) الوسائل ـ ٢ ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الركوع.

(٢) الوسائل ـ ٢ ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الركوع ـ ١.

١٦٩

أنه يبدأ بالتكبير قائما ، ويكون انتهاؤه بالتكبير مع مستقره ساجدا ، لخبر المعلى بن خنيس (١) عن الصادق عليه‌السلام « كان علي بن الحسين عليهما‌السلام إذا أهوى ساجدا انكب وهو يكبر » الذي لا شهادة فيه على الامتداد المزبور ، ولذا نفى في الذكرى كما عن التذكرة استحبابه ليطابق الهوي معللا له في الأول بما ورد (٢) من أن التكبير جزم ، بل لا دلالة فيه أيضا على فعل ذلك في سجود الصلاة فضلا عن الفريضة منها ، فالجمع حينئذ بينه وبين صحيح حماد بالتخيير كما في الحدائق ضعيف مخالف للمعروف بين أصحابنا من التكبير قائما ثم الهوي ، بل في المنتهى والتذكرة نسبته إلى فتوى علمائنا ، وأضعف منه تخيير الشيخ بين المشهور وما سمعته من العماني ، نعم في الذكرى « لو كبر في هويه جاز وترك الأفضل » مع أنك قد عرفت ما فيه أيضا في تكبير الركوع ، والظاهر أن التكبير للسجدة الثانية قبل الأخذ في هويها أيضا ، كما أن التكبير للرفع منها ومن الأولى بعد أن يستوي جالسا ، كما دل عليه صحيح حماد وصحيح زرارة (٣) المتقدم ، ولعله اليه يرجع ما عن الجمل « يرفع رأسه من السجود رافعا يديه بالتكبير » والمهذب والاقتصاد « يرفع رأسه بالتكبير » والمقنعة « يرفع يديه بالتكبير مع رفع رأسه » لما حكي عن السرائر من أنه أتى بعبارة المقنعة ونص بعد ذلك على استحباب أن يكون التكبير بعد التمكن من الجلوس ، فيراد بالمعية حينئذ ما لا ينافي ذلك.

وأما ما عن الإسكافي ـ من أنه إذا أراد أن يدخل في فعل من فرائض الصلاة ابتدأ بالتكبير مع حال ابتدائه وهو منتصب القامة لافظ به رافعا يديه إلى نحو صدره وإذا أراد أن يخرج عن ذلك الفعل كان تكبيره بعد الخروج منه ، وحصوله فيما يليه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ١.

١٧٠

من انتصاب ظهره في القيام وتمكنه من الجلوس ـ فهو نص فيما قلناه كما اعترف به في الذكرى بل فيها أنه يقرب منه كلام المرتضى ، قلت : المحكي عن مصباحه أنه قال : قد روي أنه إذا كبر للدخول في فعل من أفعال الصلاة ابتدأ بالتكبير في حال ابتدائه وللخروج بعد الانفصال عنه ، وهو قد يعطي الخلاف في الأول ، ولذا قال في المحكي عن المعتبر والتذكرة : « الوجه إكمال التكبير قبل الدخول » بل زاد في الأول أن الوجه أيضا الابتداء به بعد الخروج ، وأن على ذلك روايات الأصحاب ، والأمر سهل.

وكيف كان ففي صحيح زرارة (١) الآخر الطويل المشتمل على تعليم الصلاة أيضا عن الباقر عليه‌السلام الأمر بأن يكون سابقا بيديه إلى الأرض عند هويه من القيام إلى السجود ، قال فيه : « إذا أردت أن تسجد فارفع يديك بالتكبير وخر ساجدا وابدأ بيديك تضعهما على الأرض قبل ركبتيك ، ولا تضعهما معا » ورأى محمد ابن مسلم (٢) الصادق عليه‌السلام يضع يديه قبل ركبتيه إذا سجد وإذا أراد أن يقوم رفع ركبتيه قبل يديه ، وسأله الحسين بن أبي العلاء (٣) أيضا « عن الرجل يضع يديه قبل ركبتيه في الصلاة قال : نعم » كمحمد بن مسلم (٤) سأله أيضا بمثل ذلك بل هو المراد بالتخوية في‌ رواية حفص (٥) عن الصادق عليه‌السلام « كان علي إذا سجد يتخوى كما يتخوى البعير الضامر يعني بروكه » على ما فسرها به في الذكرى.

وعلى كل حال فلا ريب في الندب ، مضافا إلى أنه نقل الإجماع عليه عن الخلاف والمنتهى والتذكرة والبحار وظاهر المعتبر ونهاية الأحكام وجامع المقاصد والغنية أو صريحها ، ولا ينافيه‌ قول الصادق عليه‌السلام أيضا في موثق أبي بصير (٦) :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة ـ الحديث ٣ مع الاختلاف.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٥.

١٧١

« لا بأس إذا صلى الرجل أن يضع ركبتيه على الأرض قبل يديه » ولا‌ صحيح عبد الرحمن (١) سأله أيضا « عن الرجل إذا ركع ثم رفع رأسه يبدأ فيضع يديه على الأرض أم ركبتيه؟ قال : لا يضره » ضرورة إرادة الجواز منهما ، بل لهما مع الأصل والإجماعات السابقة حمل ما عساه يوهم الوجوب من النصوص السابقة على الندب ، فما عن أمالي الصدوق ـ من أن من دين الإمامية عدم الجواز ، بل قيل : إنه ظاهر التهذيب أيضا حيث حمل الخبرين المزبورين على الضرورة ـ ضعيف جدا ، بل يقوى في الظن إرادة الكراهة من عدم الجواز كالنهي عن التلقي بالركبتين في المبسوط.

وظاهر هذه النصوص استحباب التلقي باليدين معا ، بل هو صريح صحيح زرارة وبه أفتى الفاضل والشهيدان ، لكن في‌ خبر عمار (٢) « يضع اليمنى قبل اليسرى » وحكاه في الذكرى عن الجعفي ، ولا بأس بكل منهما ، بل لعله غير مناف للمعية ، كما أنه لا بأس في المحكي عن العماني من أنه ينبغي أن يكون أول ما يقع منه على الأرض يداه ثم ركبتاه ثم جبهته ثم أنفه وإن لم نجد له نصا على ذلك.

ثم إن الظاهر اختصاص ذلك بالرجل ، أما المرأة ففي‌ صحيح زرارة (٣) الذي نسبه في الذكرى وجامع المقاصد إلى عمل الأصحاب « تبدأ بالقعود والركبتين قبل اليدين » وهو المناسب لمخافة ارتفاع عجيزتها لو فعلت كما يفعل الرجل ، كما هو واضح ، ولذا حكى في الغنية الإجماع على أنها تجلس من غير أن تنحني ، لكن قد يقال : إن التخلص عن ارتفاع العجيزة يحصل بانحطاطها من غير تقوس مع سبق ركبتيها وإن لم تجلس ، ومن هنا ربما حكي عن كثير من كتب المتأخرين أنها تبدأ بالركبتين قبل اليدين‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٣.

(٢) في البحار ج ١٨ الصلاة ص ١٨٤ إشارة اليه.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة ـ الحديث ٤ مع اختلاف في الألفاظ.

١٧٢

من غير ذكر للجلوس ، والأولى اتباع الصحيح المزبور.

وكذا يستحب أن يكون موضع سجوده مساويا لموقفه أو أخفض كما في القواعد والتحرير وموضع من الذكرى والمحكي عن نهاية الأحكام والبيان ، واقتصر بعضهم على الأول ، لأنه هو المستفاد من الأمر بالاستواء في صحيح ابن سنان (١) أو حسنه المتقدم سابقا ، بل ومن أحد خبري حسين بن حماد (٢) أيضا وخبر المرادي (٣) المتقدمين سابقا ، بخلاف صورة الخفض ، نعم علل بأنه أدخل في الخضوع ، وهو كما ترى ، كالاستدلال عليه بخبر محمد بن عبد الله (٤) أنه سأل الرضا عليه‌السلام « عمن يصلي وحده فيكون موضع سجوده أسفل من مقامه فقال : إذا كان وحده فلا بأس » إذ هو بعد الإغضاء عن نكتة الشرط فيه ليس فيه إلا نفي البأس الذي هو أعم من الندب قطعا ، وأولى منه حينئذ الاستدلال بخبر عمار (٥) المتقدم سابقا في الواجب الثالث من حيث التعبير فيه بالاستقامة ومساواته بين أفراد ما هو أقل من الآجرة إلى أن يصل إلى حد التساوي ، مع أن الاستدلال به أيضا فيه ما فيه كالاستدلال بإطلاق النهي عن المرتفع والجر إلى غيره الشامل لصورتي التساوي والانخفاض ، لكن التسامح في أدلة السنن يمنع من هذا التدقيق.

انما الكلام في إرادة استحباب ذلك حال السجود بقرينة ذكرهم له في مستحباته أو أنه مستحب في الصلاة ولو حال القيام ، وذكرهم له هنا من حيث دخول السجود أو من حيث اعتبار المساواة بين المسجد والموقف؟ المنساق إلى الذهن الأول ، لكن ظاهر العبارة يشهد للثاني ، بل لعله ظاهر خبر ابن سنان السابق أيضا ، والأولى بناء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٢.

١٧٣

المسألة على ما أشرنا إليه سابقا في اعتبار التقدير باللبنة أنه في حال السجود أو ولو في حال القيام وإن قلنا هناك إن المقطوع به الأول بقرينة ذكرهم له في واجبات السجود وفي تقدير الانحناء وغير ذلك ، إلا أنه لا يمتنع جعل ذلك مستحبا آخر غيره كما حكيناه عن كشف الأستاذ في باب المكان ، وظاهر الذكرى والدروس فيه أيضا وإن أمكن رد عبارة الأخيرتين إلى ما نحن فيه ، ويظهر من بعض مشايخنا في المقام إطلاق الاستحباب لا تخصيصه حال السجود ، حيث أنه بعد أن حكى عن العلامة وسائر من تأخر عنه استحباب المساواة قال : وقال بعضهم : يستحب مساواة موضع الجبهة لموضع الإبهامين حال السجود لا حال القراءة ، ونزل عليه عباراتهم ، وهو كالصريح في التعميم حيث جعل ذلك تنزيلا ، وتمام البحث في المسألة يحتاج إلى إطناب ، وفيما سمعته الكفاية ، قيل : ويستحب أيضا في باقي المساجد ، ولعله لأنه أقوم للسجود ، ولاحتمال عود الضمير في قوله : « وليكن » في صحيح ابن سنان إلى مكان السجود جميعه لا خصوص المسجد ولغير ذلك مما يمكن استفادته مما ذكرناه في الواجب الثالث.

وكذا يستحب أن يرغم أنفه في حال سجوده عند علمائنا في المعتبر والمنتهى ، بل في المدارك والمحكي عن الخلاف الإجماع صريحا أيضا عليه ، كما أنه في ظاهر جامع المقاصد والمحكي عن التذكرة الإجماع على عدم وجوبه ، وبذلك كله يتعين إرادة الاستحباب من لفظ السنة في صحيحي زرارة (١) وحماد (٢) وإن قوبلت بالفرض مضافا إلى الأصل ، ومفهوم ما دل (٣) على أن السجود على سبعة أعظم أو أعضاء ، بل في‌ خبر محمد بن مصارف (٤) أنه سمع الصادق عليه‌السلام يقول : « انما السجود على الجبهة وليس على الأنف سجود » فما في الهداية والمحكي عن الفقيه والمقنع من أن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب السجود.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ١.

١٧٤

الإرغام سنة فمن تركه متعمدا فلا صلاة له ضعيف ، إلا أن يريد تأكد الاستحباب ، كموثق عمار (١) عن الصادق عن آبائه عن علي عليهم‌السلام « لا تجزي صلاة لا يصيب الأنف ما يصيب الجبين » وحسن عبد الله بن المغيرة أو صحيحه (٢) « قال : أخبرني من سمع أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لا صلاة لمن لم يصب أنفه ما يصيب جبينه ».

وظاهر إطلاق الأنف في هذه النصوص وغيرها كالمتن وغيره من عبارات الأصحاب الاجتزاء بأي جزء منه كما صرح به جماعة منهم الفاضلان في المعتبر والمنتهى وهو المراد من المحكي عن‌ فقه الرضا عليه‌السلام (٣) « وترغم بأنفك ومنخريك في موضع الجبهة » إذ المنخران كما قيل ثقبا الأنف ، وهما ممتدان من رأس الأنف الأسفل إلى أعلاه ، لكن عن سلار التعبير بطرف الأنف ، بل عن المرتضى والحلي تعيين طرف الأنف مما يلي الحاجبين ، وفي كشف اللثام لعلهما يريدان الاجتزاء به لا تعيينه ، وبالطرف ما يعم المتصل بهما وما بعده ، قلت : أو أن ذلك أفضل مواضع الأنف ، لخبر عبد الله بن الفضل (٤) عن أبيه المروي عن العيون في حديث طويل « أنه دخل على أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال : فإذا أنا بغلام أسود وبيده مقص يأخذ من جبينه وعرنين أنفه من كثرة السجود » والعرنين طرف الأنف الأعلى كما قيل ، لكن عن البشرى أن ما ذهب اليه السيد ضعيف ، لافتقاره إلى تهيئة موضع للسجود ذي هبوط وارتفاع ، لانخفاض هذا الطرف غالبا ، وهو ممنوع إجماعا ، فالقول به تحكم شديد ، وقد يدفعه ما في كشف اللثام من أن السجود على الألواح من التربة الشريفة أو غيرها يسهل الخطب ، وإن كان فيه أن تعارف ذلك حادث.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٧.

(٣) الفقه الرضوي ص ٩.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٤.

١٧٥

وكيف كان فالارغام بالأنف وضعه على الرغام بالفتح ، وهو التراب ، لكن الظاهر تؤدى السنة بوضعه على ما يصح السجود عليه مطلقا لإطلاق بعض النصوص أو عمومها ، واحتمال تنزيلها على أفضل ما يسجد عليه لا داعي له ، كاحتمال تعدد المستحب : الإرغام والسجود على الأنف ، فالثاني يتأدى بجميع ما يصح السجود عليه والأول يختص بالتراب ، لكن يتأدى سابقه به ، أو أن الإرغام مطلق المماسة والوضع بخلاف الثاني فلا بد فيه من اعتماد في الجملة ، إذ التأمل في النصوص وإن وقع في بعضها لفظ السجود على الأنف يرشد إلى اتحادهما ، وأنه هو المراد من الإرغام ، كما أنه هو المراد منه ، مضافا إلى أصالة عدم التعدد وعدم معروفيته بين الأصحاب ، نعم حكي عن الشهيد في النفلية أنه عددهما ، وتبعه بعض من تأخر عنه كالبهائي والأستاذ الأكبر مع أن ظاهر الشهيد في غيرها الاتحاد ، وهو الأقوى ، وإلا فلو أخذ بما في النصوص من التعبير ولم يجعل المراد واحدا لكان الظاهر التثليث : الإرغام والسجود والإصابة لا التثنية ، وفيه ما لا يخفى ، كاحتمال اعتبار مساواة الأنف للجبهة في تحقق فضيلة الإرغام ، فلا يجزي لو وضع الجبهة على نبات مثلا والأنف على أرض فضلا عن العكس تمسكا بظاهر الخبرين السابقين المبنيين على الغالب ، فلا يصلحان حجة لذلك كإطلاق لفظ السجود في آخر ، فلا يصلح حجة أيضا ، لاحتمال مشروعية السجود عليه وإن لم يكن على ما يصح السجود عليه ، خصوصا بعد نفي الاجزاء في الخبرين السابقين فتأمل جيدا.

وكذا يستحب أن يدعو أيضا في السجود قبل التسبيح بإجماع العلماء كما في المعتبر والمنتهى والتذكرة ، وينبغي أن يكون بما رواه في الكافي (١) وإن كان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب السجود.

١٧٦

ظاهر المصنف وغيره ممن أطلق كإطلاقه عدم اختصاص الفضل بذلك ، وهو جيد ، لإطلاق الأمر بالدعاء للدنيا والآخرة بناء على عدم تنزيل المطلق على المقيد في المندوبات وأنه مستحب في مستحب ، وإلا فاستحباب الدعاء في نفسه لا يقتضي الاستحباب في الموضع الخاص من الصلاة إلا على وجه ذكرناه سابقا من أن مقتضى التعميم لسائر الأحوال يندرج فيه حال الصلاة ، فلعل المصنف وغيره ممن أطلقوا هنا لذلك ، أو أنهم يريدون المنقول ، فحينئذ ينبغي المحافظة عليه بالخصوص عند إرادة الوظيفة الخاصة ، والذي في‌ حسن الحلبي (١) عن الصادق عليه‌السلام « إذا سجدت فقل : اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت وعليك توكلت وأنت ربي سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره ، والحمد لله رب العالمين » وفي الذكرى وإن قال : « خلقه وصوره » كان حسنا ، بل‌ عن فلاح السائل روايته عن الكليني (٢) بدل « وجهي » « سجد لك سمعي وبصري وشعري وعصبي ومخي وعظامي ، سجد وجهي البالي الفاني للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين » قيل : وهو موافق لما في المصباح والنفلية إلا أن فيهما تقديم الفاني على البالي.

ويستحب أيضا أن يزيد على التسبيحة التامة الواحدة بما تيسر من التثليث أو التسبيع نحو ما مر في الركوع ، وكان عليه أن يذكر كما ذكر فيه ، لعدم الفرق بينهما في ذلك كما لا يخفى.

وكذا يستحب أيضا أن يدعو بين السجدتين ونسبه في المعتبر والمنتهى إلى فتوى الأصحاب وجماعة أهل العلم ، وفي التذكرة الإجماع عليه ، وفي النفلية‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ١.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٢.

١٧٧

أن أقله أستغفر الله ربي وأتوب إليه ، وفي شرحها أنه رواه حماد (١) وليس في التهذيب بخط الشيخ لفظ ربي بعد أستغفر الله ، وتبعه المصنف في الذكرى والمحقق في المعتبر ، وفيها وشرحها أيضا أن فوق ذلك في الفضل (٢) « اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني وادفع عني وعافني إني لما أنزلت إلى من خير فقير ، تبارك الله رب العالمين » وفي الذكرى عن الكاتب إسقاط « تبارك » إلى آخره وزيادة‌ « سمعت وأطعت غفرانك ربنا وإليك المصير » قلت : وهو الذي‌ رواه الحلبي ، وفي المصباح « اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني إني لما أنزلت إلى من خير فقير » وفي‌ خبر الفضيل بن يسار (٣) « اللهم اعف عني واغفر لي وارحمني واجبرني واهدني إني لما أنزلت إلى من خير فقير » ولعل الجمع بين الاستغفار السابق وغيره لا يخلو من رجحان ، لكن هذه النصوص جميعها كما ترى لا إطلاق فيها بالدعاء ليناسب إطلاق المصنف في ذلك ، ولعله بناه على الوجه السابق ، أو يريد المأثور ، أو أن اختلافها يومي إلى إرادة مطلق الدعاء ، أو أن الأمر بالدعاء ولو مقيدا يقتضي مشروعية المطلق بالخصوص كما سمعناه من بعض مشايخنا وفيه بحث واضح.

وكذا يستحب أن يقعد متوركا بينهما إجماعا في المحكي عن التذكرة وفعله الصادق عليه‌السلام في تعليم حماد (٤) فإنه قعد بينهما على فخذه الأيسر قد وضع قدمه الأيمن على بطن قدمه الأيسر ، فما في‌ خبر أبي بصير (٥) المروي في زيادات التهذيب عن الصادق « ولا تنقض أصابعك ولا تورك فان قوما قد عذبوا بنقض الأصابع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ١.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة ـ الحديث ٩ والتهذيب ج ص ٣٢٥ الطبعة الثانية عام ١٣٧٨.

١٧٨

والتورك في الصلاة » يجب طرحه أو حمله على إرادة غير ذلك من التورك ، ضرورة معلومية استحباب التورك في الجملة في الصلاة ، فالخبر حينئذ من الشواذ ، وعلى كل حال فالصفة المزبورة قد ترجع إلى ما في‌ صحيح زرارة (١) « فإذا قعدت في تشهدك فألصق ركبتيك بالأرض وفرج بينهما شيئا ، وليكن ظاهر قدمك اليسرى على الأرض وظاهر قدمك اليمنى على باطن قدمك اليسرى ، وأليتاك على الأرض وطرف إبهامك اليمنى على الأرض » قيل : وهو الذي فسره به الشيخ وسائر من تأخر عنه إلا من ستعرف ، قالوا : يجلس على وركه الأيسر ويخرج رجليه جميعا ويفضي بمقعدته إلى الأرض ويجعل رجله اليسرى على الأرض وظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى بل قد يرجع اليه ما عن المقنعة وجمل السيد والمراسم من الجلوس متمكنا على الأرض قد خفض فخذه اليسرى عليها ورفع فخذه اليمنى عنها ، وكان هذا هو حقيقة التورك ، وتلك أمور زائدة عليه يستحب فعلها حاله أو حال الجلوس ، بل وما عن الوسيلة من الجلوس على فخذه الأيسر ووضع ظاهر القدم اليمنى على باطن اليسرى ، بل وما عن مصباح المرتضى وإن عد مخالفا ، قال : إنه يجلس مماسا بوركه الأيسر مع ظاهر فخذه اليسرى الأرض رافعا فخذه اليمنى على عرقوبه الأيسر ، وينصب طرف إبهام رجله اليمنى على الأرض ، ويستقبل بركبتيه معا القبلة ، ضرورة لزوم كيفية المشهور وضع الفخذ على عرقوبه الأيسر كما اعترف به في كشف اللثام ، وكذا ما في المحكي عن السرائر من أنه يجلس مماسا بوركه الأيسر مع ظاهر فخذه اليسرى الأرض ، رافعا فخذه اليمنى عنها ، جاعلا بطن ساقه الأيمن على بطن رجله اليسرى ، وظاهرها مبسوطا على الأرض ، وباطن فخذه اليمنى على عرقوبه الأيسر إلى آخر كلام المرتضى ، بل وما في الغنية « يجلس حال التشهد متوركا على وركه الأيسر مع ضم فخذيه ووضع ظاهر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة ـ الحديث ٣.

١٧٩

قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى » وزيادة بعض الأشياء في بعض هذه التفاسير لم يعلم إرادة الدخول في نفس كيفيته منها ، بل من المحتمل إرادة الاستحباب المستقل في أصل الجلسة ، إذ الظاهر أن حقيقته الجلوس على الورك ، ولعله لذا أطلقه المصنف ولم يخصه بالأيسر ، فيكون حينئذ ما ورد من الكيفية الخاصة مستحبا في مستحب ، وهو جيد لو كان هناك أمر مطلق به ، بل في‌ خبر أبي بصير (١) عن الصادق عليه‌السلام « إذا جلست في الصلاة فلا تجلس على يمينك واجلس على يسارك » ولم أعثر على نص مطلق في التورك ، بل لم أعثر على هذه اللفظة في نصوصنا ، وكان الأصحاب عبروا بما في النص من صفة معناها.

لكن لا يخفى عليك قصور دلالتها على جميع ما في النص من وضع قدم اليمنى في بطن اليسرى ونصب الإبهام ونحوهما ، ولعلهم عبروا به لكونه الأصل في الإرادة وعدم مدخلية هذه الأمور في وظيفته وإن كان الفرد الكامل من الجلوس التورك مع إضافة هذه الأمور ، فحينئذ لا يعد ذلك خلافا منهم في كيفية التورك ، نعم حكي عن الإسكافي أنه وضع الأليتين على بطن القدمين ، وعن الحسن بن عيسى أنه نصب طرف الإبهام اليمنى على الأرض ، وهما مع عدم مساعدة مادة اللفظ لهما لا دليل على ما ذكراه ، مع أنه يمكن ذكر الثاني منهما بعض ما سمعته فيه لإتمامه ، كتفسير أهل اللغة اللفظ بالأعم كما أنه قيل : يمكن إرادة الأول نفس الجواز وأنه غير الكيفية المكروهة ، إذ المحكي عنه في الذكرى أنه ذكر ذلك في الجلوس بين السجدتين لا أنه تفسير للتورك ، وإلا فقد فسره في التشهد على ما حكاه عنها فيها أيضا بأن يلزق إليتيه جميعا ووركه الأيسر وظاهر فخذه الأيسر بالأرض ، فلا يجزيه غير ذلك ولو كان في طين ، ويجعل بطن ساقه الأيمن على رجله اليسرى ، وباطن فخذه الأيمن على عرقوبه الأيسر ، ويلزق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٤.

١٨٠