جواهر الكلام - ج ١٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

والجامع بأنه لو وضع بعض أصابع رجليه أجزأ ، وزاد في الأول « والكمال أن يضع العضو بكماله » كاحتمال دعوى الإجماع مع خلاف هؤلاء الأساطين ، خصوصا وعادتهم استثناء ابن الجنيد من الإجماع فضلا عن غيره ، نعم هو الأقوى وفاقا للأكثر ، بل قيل سائر الأصحاب عدا من عرفت ، لتعليم حماد وصحيح زرارة ، (١) السابق ، بل لعله المراد أيضا من‌ المرسل (٢) عن مجمع البيان « ان المعتصم سأل أبا جعفر بن محمد بن علي بن موسى الرضا عليهم‌السلام عن قوله تعالى (٣) ( وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ ) فقال : هي الأعضاء السبعة التي يسجد عليها » بل ومن‌ خبر عبد الله بن ميمون القداح (٤) عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام المروي عن قرب الاسناد « يسجد ابن آدم على سبعة أعظم : يديه ورجليه وركبتيه وجبهته » ولو بمعونة وجوب تنزيل المطلق على المقيد ، فلا دليل حينئذ يعتد به للمخالف ، وإجماع الغنية متبين خلافه إن أراده على خصوص ذلك ، والظاهر الاجتزاء بصدق السجود على الإبهامين للإطلاق القولي نصا وفتوى ، بل صرح المحقق الثاني وسيد المدارك كما عن جده الشهيد الثاني بعدم وجوب وضع الرؤوس والاجتزاء بأي جانب منهما ، فما في كشف اللثام تبعا للمحكي عن التذكرة ـ من تخصيص الأنملة ، ولعله مراد من عبر بالطرف كالأستاذ في كشفه والسرائر وحمل السيد فيما حكي عنهما لفعل الصادق عليه‌السلام في تعليم حماد الذي لا يصلح لأن يكون مقيدا لإطلاق القول ، خصوصا بعد الإطلاق في قوله كما سمعته سابقا ـ لا يخلو من نظر وإن كان هو أحوط ، بل لعله متعين بناء على وجوب الاحتياط ، أو قلنا بأنه المتبادر إلى الذهن من الأمر بالسجود عليهما.

وكذا لا فرق بين الظاهر والباطن كما في المنتهى وكشف اللثام والحدائق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٩.

(٣) سورة الجن ـ الآية ١٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٨.

١٤١

ومنظومة الطباطبائي وكشف الأستاذ ، للإطلاق حتى لو قلنا باعتبار الأنملة والطرف ، إذ يجتزى حينئذ بسطح الطرفين وخصوص طرف الظاهر وخصوص طرف الباطن كما نص عليه في كشف الأستاذ وإن كان لا يخلو من تأمل ، لإمكان دعوى عدم الصدق إلا بالأول ، نعم يتجه هذا التعميم بناء على إرادة العقد الأخير من الأنملة أو الطرف العرفي المتسع في الجملة.

وعلى كل حال فالمتجه بناء على ما ذكرنا وجوب السجود على ما بقي من مسمى بالإبهام مع فرض قطعه ، لصدق الامتثال ، ولو لم يبق منه شي‌ء ففي السجود على محله أو على باقي الأصابع وجهان ، يتعين ثانيهما لو تعذر السجود أصلا كما نص عليه غير واحد منهم الشهيد والفاضل الأصبهاني ، لكن في الذكرى إلحاق القصر بذلك ، قال : لو تعذر السجود عليهما لعدمهما أو قصرهما أجزأ على بقية الأصابع ، وفيه نظر إلا أن يريد القصر الذي يمتنع معه السجود عليهما ، ولعله لذا علق الحكم في كشف اللثام على التعذر ، فقال : وإن تعذر عليهما أجزأ على غيرهما كما حمل عليه الشيخ على ما قيل‌ خبر هارون بن خارجة (١) « انه رأى الصادق عليه‌السلام ساجدا وقد رفع قدميه من الأرض وأحد قدميه على الأخرى » قلت : قضية الخبر السقوط حينئذ لا السجود على باقي الأصابع ، بل لعله هو الموافق للضوابط مع التعذر ، لعدم الدليل على البدلية بعد تنزيل مطلق تلك النصوص على مقيدها ، وقاعدة الميسور يصعب جريانها في المقام ، اللهم إلا أن يؤيد بإطلاق الرجل مع تنزيل التقييد على حالة الاختيار خصوصا مع وجوب الاحتياط في العبادة ، فتأمل جيدا.

ثم المراد من السجود على الجبهة مسماه ، وما يتحقق به عرفا ذلك كما هو المشهور نقلا وتحصيلا ، ضرورة كونه من الأفعال التي تصدق بالبعض كالتقبيل ونحوه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٥.

١٤٢

لا كالغسل ونحوه ، فاحتمال وجوب الاستيعاب في غاية الضعف ، بل في الحدائق « اتفق الجميع على عدمه » وعن الروض والمقاصد العلية « انه لا خلاف في عدم وجوبه » مضافا إلى ظهور النصوص السابقة في الجبهة في عدمه أيضا ، بل فيها التصريح بأفضليته وعدم وجوبه ، لكن في كشف اللثام عن الأحمدي والسرائر أنه يجزي الدرهم من بجبهته علة وهو قد يشعر بإيجاب الاستيعاب على الصحيح ، وربما يشهد له‌ صحيح علي بن جعفر (١) عن أخيه موسى عليه‌السلام « عن المرأة يطول قصتها فإذا سجدت وقع بعض جبهتها على الأرض وبعض يغطيه الشعر هل يجوز ذلك؟ قال : لا حتى تضع جبهتها على الأرض » مع دعوى ان ما نحن فيه من الأفعال المقتضية للاستيعاب ، وفي الثاني منع واضح ، كما أنه يجب حمل الصحيح على إرادة عدم الاجزاء في الفضل ، أو على عدم صدق المسمى بالبعض الواقع على الأرض جمعا بينه وبين النصوص السابقة المعمول عليها بين الأصحاب ، مع أنه لا صراحة في كلاميهما بالاستيعاب ، إذ قد يوجبان على الصحيح الأكثر من الدرهم وإن لم يكن التمام ، نعم يحكى عن الفقيه ناقلا له عن رسالة أبيه أيضا أنه قال : « يجزي مقدار الدرهم » وهو ظاهر في عدم إجزاء الأقل ، واختاره في الدروس والذكرى ناقلا له في الثاني عن كثير من الأصحاب محتجا بتصريح الخبر به ، ثم قال : فيحمل المطلق من الأخبار وكلام الأصحاب على المقيد ، وأشار بالخبر إلى صحيح زرارة السابق (٢) لكن لا تصريح فيه بذلك ، لاحتماله إرادة التنصيص على التعميم المذكور فيه أولا كما يومي اليه ذكر طرف الأنملة الصادق بالأقل من الدرهم ، إلا أن يراد الإضافة البيانية والعقد الأخير من الأنملة ، ويكون ذكره لإرادة بيان أجزاء ذي الطول دون السعة كالمسواك ونحوه ، فيكون الأول لتقدير المسطح ، والثاني‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب ما يسجد عليه ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٢.

١٤٣

لذي الطول ، لكن على كل حال هو قاصر عن معارضة غيره من النصوص الصحيحة الظاهرة في إجزاء المسمى المعمول بها بين الأصحاب ، وما نقله عن الكثير لم نتحققه إلا عمن عرفت ، بل قيل : إنه هو فضلا عن غيره قد اكتفي في فصل المكان بالمسمى أيضا ، وقد يقال : إن مراد الشهيد تقدير المسمى بذلك ، لعدم القطع بصدق السجود عليها على ما دونه ، والظن غير مجز في المصداق بناء على أن هذا منه ، والشغل متيقن ، واحتمال الاجتزاء بوضع مطلق الشي‌ء منها وإن لم يتحقق به صدق اسم السجود عليها تمسكا بظاهر النصوص مجمع على خلافه ، لاعتبار الجميع الاسم ، ويؤيده تعارف التقدير من الشرع في نحو هذه الأمور الغير المنضبطة بأمر حسي يرتفع معه الوسوسة والتسامح ، وخص الجبهة من بينها لشدة احتياجها اليه وشدة مدخليتها في السجود ، وحينئذ تجتمع النصوص ، بل لعله لا تعارض في شي‌ء منها ، ضرورة إرادة الاجتزاء بأي شي‌ء يقع من الجبهة مما يصدق معه وضع الجبهة والسجود عليها لا مطلقا ، ولا تناقض حينئذ بين كلامي الشهيد في الذكرى ، إذ ليس ما هنا قولا بعدم إجزاء المسمى ، بل كلامه كالصريح في ذلك ، قال : والواجب في كل من المساجد مسماه كما سلف في باب المكان ، والأقرب أن لا ينقص في الجبهة عن درهم ، بل لعل ذلك هو مراد الصدوق أيضا بقرينة أنه روى مع ذلك بعض النصوص الظاهرة في الاسم بعد ما ذكر الدرهم بلا فصل معتد به مع أنه ذكر أنه لا يروي إلا ما يعمل به ، ولذا ينسب الأصحاب إليه في مقامات كثيرة بمجرد روايته ، ومن هنا أنكر في الحدائق على الأصحاب نسبتهم الخلاف اليه مع روايته النصوص المزبورة.

فظهر لك حينئذ قوة القول المزبور وأنه أولى من حمل الصحيح المذكور على الندب أو طرحه ، خصوصا مع تأيده بالمروي عن فقه الرضا عليه‌السلام بعين عبارة‌

١٤٤

الصدوقين ، وبالمروي عن‌ دعائم الإسلام (١) عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام أنه قال : « أقل ما يجزي أن يصيب الأرض من جبهتك قدر درهم » وباتحاد راوي المسمى والدرهم مع شدة معرفته وفضيلته وبوجوده في رسالة علي بن بابويه التي كانت إذا أعوزتهم النصوص رجعوا إليها ، كل ذلك مع أنك قد عرفت عدم معارضة تلك النصوص له على التقدير المزبور ، نعم قد ينافيه نصوص الحفيرة (٢) بناء على أنها بينت فردا خفيا للسائل لا أن المراد منها التقييد بصورة العذر ، وقد يدفع بالتزام أنها من الثاني ضرورة عدم إجزاء ما يقتضيه إطلاقها مع الاختيار ، فلاحظ وتأمل.

وهل يكفي حينئذ في مقدار الدرهم أن يكون متفرقا كالسبحة والحصى؟ إشكال كما عن شرح نجيب الدين ، أما على تقدير عدم اعتبار الدرهم فيقوى الاجتزاء وإن لم يكن وضع الجبهة متصلا بل كان فيه فرج ، بل بعض نصوص الحصى (٣) وعدم وجوب التسوية لما يسجد عليه ربما تشهد للاجتزاء على تقدير اعتبار الدرهم أيضا ، فتأمل.

أما باقي المساجد فعن الفوائد الملية والمقاصد العلية أنه لا خلاف في كفاية الاسم فيه ، لكن في المنتهى هل يجب استيعاب جميع الكف بالسجود؟ عندي فيه تردد ، والحمل على الجبهة يحتاج إلى دليل ، لورود النص في خصوص الجبهة ، فالتعدي بالاجتزاء بالبعض يحتاج إلى دليل ، قلت : بل قد يشهد للاستيعاب في الكفين أنه المتعارف من أهل الشرع ، و‌قول الصادق عليه‌السلام في خبر أبي بصير (٤) : « إذا سجدت فابسط كفيك على الأرض » وغيره ، لكن في كشف اللثام الخمرة في عهدهم ( عليهم‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب السجود.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب السجود.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٢.

١٤٥

السلام ) قد تفيد الاجزاء في الكفين ، قلت : قد لا يحتاج إلى الدليل بالخصوص بعد إمكان دعوى تحقق صدق وضع الكف والسجود عليها بالبعض ، وأنه ليس من الأفعال المقتضية للاستيعاب كالغسل ونحوه ، وإمكان دعوى الأولوية من الجبهة بحيث لا يرجع إلى القياس ، بل أيد ذلك كله في الرياض بالخبر‌ المروي (١) عن تفسير العياشي عن أبي جعفر عليه‌السلام « أنه سأل المعتصم من أي موضع يقطع؟ فقال : إن القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع فيترك الكف ، قال : وما الحجة في ذلك؟ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : السجود على سبعة أعضاء : الوجه واليدين والركبتين والرجلين ، فإذا قطعت اليدين دون المرفق لم يبق له يد يسجد عليها » فإنه صريح في عدم وجوب السجود على الأصابع ، قلت : لكنه ظاهر في أن الكف اسم لما لا يشمل الأصابع لا للاجتزاء في السجود بالبعض بل مقتضاه حينئذ أنه لو سجد على الأصابع دون راحة الكف لم يجتز به ، وربما يشهد له ظاهر إجماع الفاضل المتقدم منهم في الكف بناء على عدم شمول الراحة للأصابع ، إلا أنه قد صرح جماعة منهم هو في نهاية الأحكام كما قيل بأنه يكفي وضع الأصابع دون الكف وبالعكس ، كما أنه صرح بعضهم بأن الأصابع من الكف ، وهو الذي يساعده العرف ، نعم لو سجد على رؤوس الأصابع لم يجتز به كما في المسالك ، لأنها حد الباطن ، كما أنه لا يبعد عدم الاجزاء لو ضم أصابعه إلى كفه وسجد عليها كما في المحكي عن التذكرة والموجز وشرحه ، لعدم صدق السجود على باطن الكف ، وجعل الأصابع بمنزلة البساط لا مدخل له في المصاديق العرفية فما عن نهاية الأحكام من التوقف فيه لا يخلو من نظر ، ولو جافي وسط كفه ولاقى الأرض بأطراف أصابعه وزنده لم يجز أيضا لما عرفت ، والمدار على الصدق العرفي فلا يحتاج إلى الإطالة في التفريع.

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ١.

١٤٦

وكيف كان فالمنساق إلى الذهن من السجود على هذه الأعضاء الاعتماد عليها لا مجرد الممارسة متحاملا عنها كما صرح به في الذكرى وغيرها ، بل في الحدائق قالوا مشعرا باتفاق الجميع أو الأكثر عليه ، قيل لعدم حصول تمام المراد من الخشوع ، ولأن الطمأنينة لا تحصل إلا بذلك ، ول‌ رواية علي بن يقطين (١) عن الكاظم عليه‌السلام « يجزيك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض يعني تسبيحة » وخبر علي بن جعفر (٢) عن أخيه عليه‌السلام « في الرجل يسجد على الحصى ولا يمكن جبهته من الأرض قال : يحرك جبهته حتى يتمكن فينحي الحصى عن جبهته ولا يرفع رأسه » إلى غير ذلك فلو سجد حينئذ على مثل القطن والصوف وجب أن يعتمد عليه حتى تثبت الأعضاء ويحصل مسمى الطمأنينة إن أمكن ، وإلا لم يصل عليه مع إمكان غيره ، نعم لا يجب المبالغة في الاعتماد بحيث نزيد على قدر ثقل الأعضاء ، كما أنه لا يجب تسويتها في مقدار الاعتماد لعسره أو تعذره ، نعم قد يقال بوجوب اشتراكها في وضع الثقل والاعتماد ، فلا يجزي طرحه على بعضها والاكتفاء بالمماسة في الأخر.

وهل يجب استقلالها بوضع الثقل عليها بحيث لا يجزي لو شاركها غيرها؟ وجهان ينشئان من دعوى ظهور النصوص في كونه حال السجود واضعا ثقله على هذه السبعة ، ومن صدق الاعتماد عليها ولو مع مشاركة الغير.

ولو وضع الأعضاء السبعة على الأرض منبطحا لم يجز ، لعدم صدق مسمى السجود إلا لضرورة سواء جافي بطنه أو لا ، وربما جعل سبب المنع في الفرض عدم مجافاة البطن فاعترضه في الحدائق بأن البطلان لعدم صدق مسمى السجود ، وانما يسمى انبطاحا ونوما على الوجه ، أما لو لصق بطنه بالأرض مع كونه على هيئة الساجد ووضع باقي المساجد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٣.

١٤٧

على كيفيتها الواجبة فيها فالظاهر الصحة وإن كان خلاف الأفضل ، ولا يخفي عليك أنه بناء على وجوب استقلال المساجد في الاعتماد قد يمنع الصحة في الفرض أيضا ، فتأمل جيدا.

الواجب الثاني وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه من الأرض والنبات وغيرهما مما مر البحث فيه مفصلا فلو سجد على كور العمامة بفتح الكاف وإسكان الواو أي دورها لم يجز إذا كانت مما لا يصح السجود عليها كما هو الغالب ، بل عن الناصريات والخلاف والمنتهى الإجماع عليه بالخصوص ، لكن قد يلوح من الخلاف أن المانع الحمل ، حيث قال : « ولا يجوز السجود على شي‌ء هو حامل له ككور العمامة وطرف الرداء وأكمام القميص » ومن هنا قال في الذكرى : « إن قصد لكونه من جنس ما لا يسجد عليه فمرحبا بالوفاق ، وإن جعل المانع نفس الحمل كمذهب العامة طولب بدليل المنع » قلت : لعل دليله الاقتصار في الفراغ عن الشغل بالمتيقن المعهود عند الشرع وأتباعه ، وإمكان منع صدق اسم تعدد وضع الجبهة المتوقف عليه صدق السجدتين ، لكن كان عليه تخصيص ذلك بالمتصل بخصوص الجبهة لا نحو طرف الرداء وأكمام القميص الذين يضعهما تحت الجبهة عند إرادة السجود ، فإنه لا مانع من صحة السجود عليهما حينئذ بالفرض المزبور وكونهما مما يسجد عليهما ، وغير محمولين لا أثر لهما في الشرع ، ضرورة صحة السجود على قطعة من الأرض محمولة له يضعها تحت الجبهة عند إرادة السجود ، وندرة اللبس لا تخرجهما عن صحة السجود وتدرجهما تحت الملبوس عادة قطعا ، كما أن‌ خبر عبد الرحمن (١) عن الصادق عليه‌السلام « في السجود على العمامة لا يجزيه حتى تصل جبهته إلى الأرض » لا دلالة فيه على كون المانع الحمل ، بل جاز لفقد كونه مما يسجد عليه ، أو لأنه متصل بالجبهة ، فيأتيه المانع الذي ذكرنا من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب ما يسجد عليه ـ الحديث ١.

١٤٨

عدم الصدق ، وخبر طلحة بن زيد (١) عن الصادق عن أبيه عن علي عليهم‌السلام ) « انه كان لا يسجد على الكم ولا على العمامة » يتعين حمله على الأول ، لأن الغالب كونهما كذلك ، على أنهما معارضان بما مر في غيرهما من جواز السجود على طرف الحكم أو الرداء عند شدة الحر مثلا.

فظهر حينئذ أن كلام الشيخ قد يتم في الصورة التي فرضناها دون غيرها ، لكن في المنتهى والتحرير والذكرى وجامع المقاصد وعن نهاية الأحكام والبيان التصريح بالصحة فيها أيضا ، وفي بعضها أن الأفضل الانفصال عملا بفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام بعده ، ولعله لكراهة مسح التراب ، وصدق تعدد السجود بتعدد الانحناء وإن اتحد الوضع والمماسة ، إذ هما كاتحاد الوضع في باقي المساجد في السجدتين الذي هو غير قادح ، للأصل ، وللمروي في‌ مستطرفات السرائر من كتاب جامع البزنطي (٢) صاحب الرضا عليه‌السلام قال : « سألته عن الرجل يسجد ثم لا يرفع يديه من الأرض بل يسجد الثانية هل يصلح ذلك؟ قال : ذلك نقص في الصلاة » ونحوه المروي عن قرب الاسناد عن علي بن جعفر (٣) عن أخيه موسى عليه‌السلام واحتمال إرادة النقص حقيقة مع فرض عدم اقتضاء ذلك نقصا في الاعتدال أو الطمأنينة بعيد ، بل المراد كما هو الظاهر نقص الفضل ، لكن الإنصاف أنه مع ذلك كله لا يخلو من نظر ، خصوصا بناء على وجوب الاحتياط في الصلاة تحصيلا ليقين البراءة عن يقين الشغل ، وقد يفرق بين ما نحن فيه ورفع باقي المساجد ، ولعله لذا قال في كشف الأستاذ وقد أجاد : ويلزم انفصال محل مباشرة الجبهة عما يسجد عليه ، فلو استمر متصلا إلى وقت السجود مع الاختيار لم يصح ولا يلزم فصله فورا لو اتصل حال الرفع ، بل إنما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب ما يسجد عليه ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب السجود.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب السجود.

١٤٩

يلزم لسجود آخر على الأقوى ، بخلاف الستة الباقية ، وفي دلالة الإطلاق وكراهة مسح التراب ونحوه عن الجبهة ضعف ، فلا يقوى على أصالة الشغل ، مع أن ما دل على رفع الحصى عنها أقوى دلالة على العكس ، فتأمل جيدا.

الواجب الثالث أن ينحني للسجود حتى يساوي موضع جبهته موقفه إلا أن يكون علوا يسيرا بقدر لبنة موضوعة على أكبر سطوحها لا أزيد فلا يجوز حينئذ كما صرح به الشيخ والمتأخرون ، بل في المدارك هو المعروف من مذهب الأصحاب ، بل في الذكرى نسبته إليهم مشعرا بدعوى الإجماع عليه كالفاضل في المنتهى حيث نسبه إلى علمائنا ، بل في جامع المقاصد التصريح بنسبته إليهم جميعهم ، ولعلهم حملوا العلو في كلام من عبر به من غير تقييد عليه ، خصوصا مثل ما وقع للمصنف في المعتبر حيث قال : ولا يجوز أن يكون موضع السجود أعلى من موقف المصلي بما يعتد به مع الاختيار ، وعليه علمائنا ، لأنه يخرج بذلك عن الهيئة المنقولة عن صاحب الشرع ، وقدر الشيخ حد الجواز بلبنة ومنع ما زاد ، ومثله العلامة في المحكي من تذكرته وإن كان ربما أوهم قصرهما النسبة على الشيخ اختصاصه به ، لكن الظاهر إرادتهما أن المصرح به ممن وقفا عليه هو وإن كان قد صرح به الكيدري فيما حكي عنه أيضا ، بل والكاتب وإن لم يذكر لفظ اللبنة وقيده بالضرورة ، بل ذكر أربع أصابع ، مقبوضة كما في كشف اللثام ، وما حضرني من نسخة الذكرى ، إذ الظاهر أن المراد باللبنة بكسر اللام وسكون الموحدة أو فتحها مع كسر الباء المعروفة في ذلك الزمان ، وقد قدرها الأصحاب كما في الحدائق بذلك تقريبا ، قال : ويؤيده اللبن الموجود الان في أبنية بني العباس في سر من رأى فإنه بهذا المقدار تقريبا ، قلت : وكفي بنقل الأصحاب مثبتا لذلك ، ولعلها هي المرادة من التقدير بالمخدة في المحكي من عبارة الوسيلة ، إذ المراد أقل الأفراد منها.

وكيف كان فالظاهر أن مبنى اعتبار عدم العلو في المسجد الخروج عن مصداق‌

١٥٠

السجود عرفا كما أومأ إليه في المعتبر ، بل كاد يكون صريح جامع المقاصد ، إلا أنه لما كان ذلك غير منضبط ومما يعسر معرفته على التحقيق ناسب الشارع كما في سائر نظائره وضع تقدير له يتخلص به عن الوسواس والتسامح تقريبي وإن صار بعد ذلك تحقيقيا ، فهو تحقيق في تقريب ، ولذا‌ قال الصادق عليه‌السلام لعبد الله بن سنان (١) لما سأله عن السجود على الأرض المرتفعة : « إذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن موضع بدنك قدر لبنة فلا بأس » والمناقشة في سندها باشتراك النهدي بين جماعة منهم من لم يثبت توثيقه يدفعها ـ بعد انجبارها بما سمعت مما يستغنى به عن صحة سندها ـ أن الظاهر كونها الهيثم بن مسروق بقرينة رواية محمد بن محبوب عنه ، وهو ممدوح في كتب الرجال وله كتاب يرويه عنه جملة من الأجلاء منهم محمد بن علي وسعد والصفار ، فحديثه إن لم يكن صحيحا بناء على الظنون الاجتهادية وإلا فهو في مرتبة من الحسن ، كالمناقشة فيها باحتمال قراءتها « يديك » بالياءين المثناتين كما في كشف اللثام ، فلا دلالة فيها حينئذ على الموقف ، إذ هو مجرد احتمال لا يجوز فتحه في النصوص ، مع أنه موجب لحمل الرواية على أمر غير معروف ، مضافا إلى أن الذي عثرنا عليه الأول ، بل قيل : إنه الموجود في جميع كتب الاستدلال والأخبار ، فما في الرياض من أنه ربما يوجد في بعض النسخ كذلك حتى أنه أشكل الاستدلال به لذلك لم نتحققه ، بل ظاهر الاستدلال الأصحاب به والفتوى بمضمونه على اختلاف طبقاتهم ونسخهم وفيهم المثبت غاية التثبت ككشف اللثام وغيره يشرف الفقيه على القطع بعدم هذه النسخة ، وأنه وإن وجد في بعض الكتب فهو من النساخ قطعا ، مع أنه على تقديرها يمكن الاستدلال بالفحوى ، ضرورة أولوية الموقف من اليدين بذلك قطعا ، على أنه قد يشهد للباء الموحدة سؤال عبد الله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ١.

١٥١

نفسه عنه في الصحيح الآتي (١) والمرسل (٢) في الكافي الذي أبدل فيه « بدنك » برجليك ، بل لعله أراد الخبر المزبور لكن حذف سنده ، وإلى غير ذلك.

وأما المناقشة في دلالتها بأن ثبوت البأس أعم من المنع فيدفعها أنه من المعلوم إرادة المنع منه هنا لفتوى الأصحاب ، إذ من شك منهم شك في جواز هذا العلو لا الأزيد ولأن‌ عبد الله نفسه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام في الصحيح (٣) « عن موضع الجبهة الساجد أيكون أرفع من مقامه؟ قال : لا ولكن ليكن مستويا » وقال حسين بن حماد (٤) للصادق عليه‌السلام أيضا : « أسجد فيقع جبهتي على الموضع المرتفع فقال : ارفع رأسك ثم ضعه » وقال له عليه‌السلام أيضا في خبره الآخر (٥) : « أضع وجهي للسجود فيقع وجهي على حجر أو على شي‌ء مرتفع أحول وجهي إلى مكان مستو قال : نعم جر وجهك على الأرض من غير أن ترفعه » وقال الصادق عليه‌السلام أيضا في صحيح معاوية بن عمار (٦) : « إذا وضعت جبهتك على نبكة فلا ترفعها ولكن جرها على الأرض » والنبكة بالنون والباء الموحدة مفتوحتين واحدة النبك ، وهي أكمة محدودة الرأس ، وقيل : النباك التلال الصغار ، إلا أنه يجب تقييد المرتفع فيها الذي يجب التحويل عنه بالأزيد من اللبنة جمعا بين المطلق والمقيد ، كما أنه يجب تنزيل‌ خبر أبي بصير (٧) على ما لا ينافي الخبر المزبور ، وسأل أبا عبد الله عليه‌السلام « عن الرجل يرفع موضع جبهته في المسجد فقال : إني أحب أن أضع وجهي في موضع قدمي ، وكرهه » بل في الحدائق أن هذا الخبر رواه شيخنا في البحار من‌ كتاب عاصم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ١.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٢.

١٥٢

ابن حميد عن أبي بصير مثله إلا أنه قال عليه‌السلام : « في مثل قدمي وكره أن يضعه الرجل » إلى آخره. إما يحمل الكراهة على التحريم ، أو على ما دون اللبنة ، أو إرادة أنه يرفع له موضع كما عساه يومي اليه رواية المجلسي ، أو على الندب ، أو غير ذلك.

وعلى كل حال فقد صار المحصل من مجموع ذلك أن المتجه هو التقدير المزبور ، خصوصا مع إمكان دعوى الشك في صدق اسم السجود على الأعلى من ذلك إن لم يظن عدمه ، كما أنه يظن صدقه على المقدار المزبور فما دون ولو من الخبر المزبور وإن لم نقل بحجيته بناء على أنه من الظن بالموضوع لا المصداق ، ضرورة رجوعه إلى دعوى وضع السجود لما هو أعم من المستوي إلى المقدار المزبور ، وتيقن بعض الأفراد له لا ينافي حجية الظن به بهذا المعنى ، على أن اعتبار عدم العلو أصلا مما يعسر ، بل هو مقطوع بعدمه من أهل الشرع قولا وعملا ، وربما أومأ إلى بعض ذلك الفاضل بما في المحكي من تذكرته ونهايته من الاستدلال على المطلوب بأنه لا يتمكن من الاحتراز عنه غالبا ، وأنه لا يعد علوا عرفا أي علوا يخرج الساجد عن مسماه لغة وعرفا ، كل ذا مع إمكان تأييد المطلوب أيضا بموثق عمار (١) عن الصادق عليه‌السلام « في المريض يقوم على فراشه ويسجد على الأرض فقال : إذا كان الفراش غليظا قدر آجرة أو أقل استقام له أن يقوم عليه ويسجد على الأرض ، وإن كان أكثر من ذلك فلا » بناء على أولوية اعتباره في العلو من الانخفاض قطعا ، وقد صرح فيه بالتقدير المزبور وأفتى به الشهيدان والمحقق الثاني والعلامة الطباطبائي وغيرهم ، بل لم أجد من صرح بالفرق بينه وبين العلو بذلك قبل الأردبيلي ، وتبعه بعض من تأخر عنه منهم الأستاذ في كشفه ، بل بعض من وسوس في الأول وافق في المقام كصاحب المدارك ، نعم ربما يوهمه المتن وغيره ممن اقتصر على العلو خاصة ، وهم الأكثر كما في المسالك ، بل في المحكي عن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٢.

١٥٣

التذكرة لو كان أخفض جاز إجماعا ، إلا أنه يمكن تنزيله على ما لا يبلغ القدر المزبور ، كما أنه يمكن إرادة المثال من العلو في عبارات الأكثر ، وإلا فالمقصود التفاوت بين الموقف ومحل السجود ، واحتمال أنه كلما ازداد خفضا كمل صدق اسم السجود فيه منع ، بل يمكن دعوى عدم الصدق ، أو عدم كونه الفرد المراد منه ، خصوصا على وجوب الاحتياط في العبادة ، بل وعلى غيره عملا بالموثق المزبور المعتضد بالأمر بالاستواء في صحيح ابن سنان (١) الذي لا معارض له إلا‌ خبر محمد بن عبد الله (٢) عن الرضا عليه‌السلام في حديث سأله « عمن يصلي وحده فيكون موضع سجوده أسفل من مقامه ، فقال : إذا كان وحده فلا بأس » وهو مطلق ينزل على المقيد مع عدم ظهور فائدة يعتد بها للتقييد بالوحدة.

وما عن الذخيرة من أن الموثقة غير ناهضة بالتحريم فقد أساء الأدب في رده في الحدائق بأنه من جملة تشكيكاته الواهية المبنية على أصوله المخترعة التي هي كبيت العنكبوت ، وأنه لأضعف البيوت مضاهية ، فاني لا أعرف لمنعه ثبوت التحريم وجها إلا ما صرح به في غير موضع من كتابه ، ونقلناه عنه في غير موضع مما تقدم من دعواه عدم دلالة الأمر في أخبارنا على الوجوب ، وكذا النهي غير دال على التحريم ، وقد عرفت بطلان ذلك في غير مقام مما تقدم ، وأنه موجب لخروج قائله عن الدين ، قلت : لعله ليس لذلك ، بل لأنه جعل « لا » في المفهوم المصرح به في الخبر نافية للاستقامة المصرح بها في المنطوق ، وهي تصدق بالمندوب لا نهيا ، وهو غير مفيد للتحريم ، نعم قد يمنع عليه صدق نفي الاستقامة على ذلك ، بل هي ظاهرة في المنع ، فتأمل جيدا.

وكيف كان فمن العجيب بعد ذلك كله وسوسة سيد المدارك في التفصيل المزبور باعتبار صحة سند عبد الله بن سنان بخلاف خبره الآخر المشتمل على النهدي ، فيقصر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٤.

١٥٤

حينئذ عن تقييده ويبقى مقتضاه من عدم جواز الرفع أصلا بلا معارض ، وربما كان ذلك منه سببا لوسوسة بعض من تأخر عنه أيضا ، وأنت خبير بما فيه وإن سبقه إليه الإسكافي ، فمنع غير المساوي إلا لضرورة.

ثم لا فرق نصا وفتوى فيما أجده بين المنحدر وغيره مع فرض علو الجبهة فيه بأزيد من لبنة ، لإطلاق الأدلة ، وبه صرح في المسالك والمدارك والحدائق والمنظومة والمحكي عن الروض والمقاصد العلية والموجز والميسية ، والفرق بينهما في علو الامام والمأموم مع مساواة مسجد كل لموقفة لا يستلزمه هنا ، إذ لعل دليل المنع هناك مختص بالعلو الذي هو كالدكان ونحوه مما لا يدخل فيه المنحدر ، ودعوى انصراف أدلة المنع في المقام إلى غير المنحدر أيضا فيبقى فيه إطلاق الأدلة سالما واضحة المنع ، فما في كشف الأستاذ من أنه لا بأس بالتسريح ما لم يتفاحش فتفوت به هيئة السجود لا يخلو من نظر ، هذا.

وظاهر المتن وغيره ممن اعتبر العلو في خصوص الجبهة عدم اعتبار ذلك في باقي المساجد كما صرح به الأردبيلي وشيخنا في كشفه ، للأصل وإطلاق الأدلة إلا إذا خرج به عن مسمى الساجد ، أو شك في الصدق معه ، مع احتمال الصحة في الثاني بناء على المختار من الأعمية ، تمسكا بإطلاق أدلة الصلاة الذي لا ينافيه عدم وضوح صدق إطلاق السجود ، إذ يكفي احتمال كونه سجودا واقعا ، ولا ينافيه إلا مسلوب الاسم ، لكن في جامع المقاصد وغيره عن الشهيد اعتبار ذلك في باقي المساجد ، بل ربما استظهره بعضهم من نهاية الأحكام أيضا ، بل اختاره في المحكي عن الجعفرية وشرحيها والميسية والمقاصد العلية ، ولا ريب في أنه أحوط وإن كان للنظر فيه مجال كما اعترف به في جامع المقاصد بل لم أتحقق نقله عن الفاضل والشهيد في سائر كتبه ، نعم يحكى عن هامش بعض نسخ البيان بعد قوله : « أو يزيد بلبنة » وكذا باقي المساجد من غير ذكر « صح » بعدها‌

١٥٥

وعن نهاية الأحكام أنه قال : « يجب تساوي الأعالي والأسافل أو انخفاض الأعالي » ومنه استفاد في المحكي عن الذخيرة اعتبار ذلك ، ولعل المراد بالأسافل فيها غيرها ما قال في الذكرى في المقام : وهل يجب كون الأسافل أعلى من الأعالي؟ الظاهر لا ، لقضية الأصل ، ولأن الارتفاع بقدر اللبنة يشعر بعدم وجوب هذا التنكس ، نعم هو مستحب لما فيه من زيادة الخضوع والتجافي المستحب ، ضرورة إرادة الدبر ونحوه من الأسافل فيها بقرينة ذكره التجافي الذي لا يحصل بعلو موقف الرجلين ، بخلافه في النهاية فموضع الرجلين ، لأنه قال عقيبه : ولو كان موضع جبهته أعلى من موقفه بالمعتد به مع القدرة لم يصح لكن استفادة اعتبار ذلك منها حينئذ في جميع المساجد لا يخلو من نظر ، اللهم إلا أن يراد بالأسافل سائر ما عدا الجبهة من المساجد ، هذا. وقد يناقش ما في الذكرى بأنه لا يتم الإتيان بالمساجد وعدم العلو في موضع بغير المرخص به إلا بعلو الأسافل ، مع أن في‌ خبر الأعمش المروي عن الخصال عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام « ليرفع الساجد مؤخره في الفريضة إذا سجد » فتأمل جيدا.

وعلى كل حال فأقصى ما يمكن الاستدلال به لاعتبار ذلك في باقي المساجد ـ بعد إمكان دعوى عدم صدق اسم السجود على بعض أفراده والشك في آخر ، وبعد إشعار‌ خبر الشعيري (١) عن أبي عبد الله عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام بذلك في الجملة ، قال : « إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ضعوا اليدين حيث تضعون الوجه ، فإنهما يسجدان كما يسجد الوجه » ـ ان خبر عبد الله بن سنان (٢) المتقدم سابقا الذي هو الأصل في التفصيل باللبنة ظاهر في اعتبار عدم علو الجبهة بالأزيد عن محل تمام البدن حال السجود ، وليس هو إلا مواضع المساجد جميعها ، مضافا إلى إطلاق الأمر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ١.

١٥٦

بالاستواء وبالجر عن المرتفع ، وفيه أن مسلوب الاسم خارج عن محل النزاع ، ومحل الشك قد عرفت إمكان التمسك بإطلاق أدلة الصلاة فيه بناء على المختار ، وأن الخبر المزبور على التقدير المذكور يرجع حاصله حينئذ بعد التأمل والتدبر فيه وتسليط الشرط على القيد الزائد الذي هو المقصود في بيان الحكم أن المرتفع حال السجود عن موضع البدن إن كان قدر لبنة فلا بأس ، ومفهومه إن لم يكن قدر لبنة ففيه البأس ، فالمرتفع عن بعض البدن دون بعض خارج عن كل من المنطوق والمفهوم حتى بالنسبة إلى المرتفع عن محل الرجلين خاصة ، وانما يستفاد من غيره كصحيح عبد الله بن سنان الآخر (١) المشتمل على لفظ المقام وغيره من معاقد الإجماعات ، بل لعل بملاحظتهما مع مرسل الكافي (٢) الذي هو عين الخبر المزبور على الظاهر كما اعترف به الأردبيلي بحمل موضع البدن في الخبر على المقام والموقف الذي هو محل البدن عند القيام والجلوس كإطلاق الأدلة الأخر ، فيجتمع الجميع حينئذ على ما عند الأصحاب من اعتبار ذلك بالنسبة للجبهة والموقف ، لكن من المعلوم أنه لا يراد اعتباره حال الوقوف ، ضرورة صحة الصلاة مع فرض العلو حاله ، والانتقال إلى المساوي مثلا عند السجود ولو حال الجلوس له ، كضرورة البطلان في صورة العكس ، لكن قد وقع للأستاذ في مكان المصلي ما يظهر منه أنه يعتبر فيه مساواة محل الجبهة للموقف حال القيام ، ثم فرع عليه الجالس والمضطجع والمستلقي ، وأطال في ذكر الفروع ، ولم نعرفه لغيره عدا الشهيد في الذكرى والدروس فإنه قد يلوح منهما ذلك أيضا ، إذ لم يذكر غيرهما من الأصحاب إلا ما نحن فيه مما هو من واجبات السجود والأمور المعتبرة فيه حال إرادته من غير مدخلية للوقوف في ذلك ، وعليه لا ينبغي التأمل في الصحة في المثال المزبور ، وربما يتكلف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٣.

١٥٧

لكلام الأستاذ بحيث يرجع إلى ما عند الأصحاب في المقام ، أو هو واجب آخر غير ما نحن فيه ، وتمام البحث فيه في فصل المكان.

وكيف كان فالمراد بالموقف هنا الذي يكون حال السجود معتمدا عليه بوضع إبهاميه كما هو الغالب في اتحاد محل الوقوف والسجود ، وهو الذي حداهم إلى التعبير به في المقام لا لإخراج الفرض السابق ، أو يراد به الذي لو أراد الوقوف عن خصوص ما صدر منه من السجود وقف عليه ، وهو كالأول في حاصل المراد ، لكن قد يتخيل في بادئ النظر أنهما معا يرجعان حينئذ إلى اعتبار ذلك بالنسبة إلى الجبهة وخصوص محلي الإبهامين من المساجد ، ويكون تعبيرهم بالموقف كناية عن ذلك حينئذ ، كما يومي اليه تعليل أساطين الأصحاب كالمصنف والفاضل والمحقق الثاني هذا الحكم بالخروج عن هيئة المساجد مع الزيادة على التقدير ، ولا يتصور ذلك إلا بالفرض المزبور ، وإلا فمساواة الجبهة للموقف في غير كيفية السجود لا مدخلية لها في ذلك قطعا ، كما أنه يكون حينئذ عنوان المسألة السابقة ـ من أنه هل يعتبر في باقي المساجد ما يعتبر بالجبهة أو لا؟ ـ مخصوصا بغير الإبهامين من الركبتين واليدين ، لكن دقيق النظر يقضي بخلاف ذلك بل ما ذكره من التعليل السابق للأصحاب يشهد بأن المراد حصول الانحناء إلى حد يساوي مثلا ما استقر عليه بدنه في تلك الحال وغيرها من الوقوف السابق واللاحق مع فرض عدم الانتقال ، فإنه حينئذ يتحقق مسمى السجود ، كما أنه ينتفي إذا لم يحصل هذا الانحناء ، ولا ريب في عدم مدخلية وضع الإبهامين في ذلك ، إذ لو فرض أنه انحنى حتى ساوى ووضع جبهته على المساوي له وإبهاميه على مكان منخفض بأزيد من لبنة عن الجبهة بأن أدخل تمام مشط قدمه في ذلك المكان المنخفض لم يخرج بذلك عن مسمى السجود قطعا ولا قل انحناؤه كي يخرج به عن مسماه ، فيبقى إطلاق الأصحاب عنوان المسألة السابقة بحاله ، إذ لا فرق حينئذ بين الإبهامين وغيرهما من المساجد ،

١٥٨

كما يومي اليه بعض عباراتهم خصوصا مجمع البرهان وكشف الأستاذ ، فلاحظ وتأمل ، وظهر حينئذ أن الأقوى عدم اعتبار ذلك في غير الجبهة وعدم اعتبار التساوي أيضا في المساجد بعضها مع بعض ، وأن ما ذكرناه في الجبهة لا يلزمه شي‌ء من ذلك ، فتبقى إطلاقات الأدلة سالمة.

كما أنه ظهر لك ما قدمناه سابقا ـ من أن بناء الخبر المزبور في التحديد باللبنة المذكورة على الكشف التقريبي لمسمى السجود ـ جواز رفع الرأس له لو اتفق أنه وضعه على مرتفع بأزيد من لبنة سهوا ، ولا يجب عليه الجر وإن كان متمكنا ، لعدم تحقق السجود منه كي يقال برفعه يحصل زيادة سجدة كما صرح به في المعتبر والمنتهى وجامع المقاصد وكشف اللثام والمحكي عن نهاية الأحكام والبيان والجعفرية وشرحيها والروض ويشهد له مضافا إلى ما عرفت خبر حسين بن حماد (١) المتقدم سابقا ، ولا ينافيه خبر النبكة (٢) ان حمل على غير الخارج عن محل السجود بالارتفاع ولكن أراد طلب المستوي الذي هو أفضل وأكمل ، أو ما يتمكن من اعتماد الجبهة فيه ، والفرض أن النبكة محدودة الرأس ، وعلى التقديرين يتعين وجوب الجر حينئذ تخلصا من زيادة سجدة أو سجدتين إذا اتفق عروض ذلك له في السجدتين ، كصحيح علي بن جعفر (٣) عن أخيه موسى عليه‌السلام « سألته عن الرجل يسجد على الحصى فلا يمكن جبهته من الأرض فقال : يحرك جبهته فينحي الحصى عن جبهته ولا يرفع رأسه » وخبر حسين بن حماد الآخر (٤) قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « أضع وجهي للسجود فيقع وجهي على حجر أو على شي‌ء مرتفع أحول وجهي إلى مكان مستو قال : نعم جر وجهك على الأرض من غير أن ترفعه » ونحو ذلك لو اتفق أنه وضع جبهته على ما لا يصح السجود عليه لا لارتفاعه ، فإنه أيضا بالرفع منه يزيد سجدة أو سجدتين بناء على ما عرفت من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٢.

١٥٩

عدم اعتبار ذلك في صدق السجود عرفا وشرعا.

فما في الحدائق من أن الأصحاب لم يوجبوا الجر فيه هنا أيضا بل جوزوا له الرفع لعدم صدق السجود لا يخلو من نظر ، بل مقتضاه عدم بطلان الصلاة بزيادة سجدتين سهوا وقعت جبهته فيهما على ما لا يصح السجود عليه ، وما نسبه إلى الأصحاب غير ثابت ، بل الذي صرح بوجوب الجر هنا أيضا أولئك الجماعة المتقدمون ، نعم حكي عن أبي العباس أنه قال : « لو وقعت على ما لا يصح السجود عليه جاز له رفعها وإن زاد بذلك سجدة ، أما لو وقعت على ما يكره السجود عليه جرها من غير رفع » لكنه مخالف لما حكاه عنهم أيضا ، ضرورة صراحة كلامه بزيادة السجدة إلا أنها لا تقدح عنده لإمكان اندراجها في الزيادة السهوية لا لعدم صدق مسمى السجود ، وإن كان يمكن المناقشة فيه أيضا أولا بعدم وجوب تدارك المنسي إذا فرض استلزامه لزيادة أمر آخر غيره قصرا لأدلة التدارك على الممكن نفسه ، ولذا لم يجب إعادة السجدة لتدارك الطمأنينة مثلا ، أو الذكر أو السجود على أحد المساجد ونحوها ، وثانيا بأنه لو سلم فهو حيث يكون مستلزما لذلك كما في تدارك الترتيب في القراءة ونحوها لا نحو المقام المتمكن من الجر فيه ، نعم لو فرض عدم تمكنه كان له وجه.

فظهر لك حينئذ أن ما ذكره المحدث المزبور ـ من جواز الرفع في كل ما لا يصح السجود عليه ، وعدم تعين الجر وإن تمكن منه إلا إذا كان قد وضع على ما يصح السجود عليه وقد طلب الأفضل ونحوه ، لتحقق السجود حينئذ ، ففي الرفع زيادة بخلاف الأول ـ من متفرداته ، لا كما ظنه أن الأصحاب كذلك ، ولعله إليه أشار العلامة الطباطبائي في المقام بالقيل في قوله :

وواضع الجبهة فيما يمتنع

يجرها جرا ومن رفع منع

١٦٠