جواهر الكلام - ج ١٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

سادسها قراءة القرآن فيه وفي السجود كما صرح به بعضهم ، بل لعله هو مراد الفاضل في المنتهى حيث قال : لا يستحب القراءة في الركوع والسجود ، وهو وفاق لما رواه‌ علي عليه‌السلام (١) « ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن قراءة القرآن في الركوع والسجود » رواه الجمهور ، ضرورة ظهور دليله في الكراهة ، لكن مقتضى استدلاله بالخبر المزبور أنه لم يقف في نصوصنا على ما يفيد ذلك ، بل كاد يكون ذلك صريح الشهيد في الذكرى ، ولعلهما لم يقفا على‌ المروي عن قرب الاسناد عن أبي البختري (٢) عن الصادق عن أبيه عن علي عليهم‌السلام قال : « لا قراءة في ركوع ولا سجود ، انما فيهما المدحة لله عز وجل ثم المسألة ، فابتدئوا قبل المسألة بالمدحة لله عز وجل ثم اسألوا بعد » والمروي عن الخصال عن السكوني (٣) عن الصادق عن آبائه عن علي عليهم‌السلام « سبعة لا يقرءون القرآن : الراكع والساجد وفي الكنيف وفي الحمام والجنب والنفساء والحائض » ومرفوع القاسم ( القسم خ ل ) بن سلام المروي عن معاني الأخبار (٤) قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إني قد نهيت عن القراءة في الركوع والسجود ، فأما الركوع فعظموا الله فيه ، وأما السجود فأكثروا فيه الدعاء فإنه قمن أن يستجاب لكم » وفي‌ صحيح الحلبي المروي عن الخصال (٥) عن الصادق عليه‌السلام قال : قال علي عليه‌السلام : « نهاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا أقول نهاكم عن التختم بالذهب ـ إلى أن قال ـ : وعن القراءة وأنا راكع » وفي خبري عمار (٦) عن الصادق عليه‌السلام وعلي بن جعفر (٧) عن‌

__________________

(١) صحيح الترمذي على هامش شرحه لابن العربي ج ٢ ص ٦٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الركوع الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب قراءة القرآن ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الركوع الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الركوع الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الركوع الحديث ٣.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الركوع الحديث ٣.

١٢١

أخيه « في الرجل ينسى حرفا من القرآن فيذكره وهو راكع هل يجوز أن يقرأه في الركوع؟ قال : لا ، ولكن إذا سجد فليقرأه » ولعل المراد به بعد السجود ، على أنه في خصوص المنسي ، ويمكن حمله على إرادة أشدية الكراهة في الركوع ، كخبر علي ابن جعفر الآخر المروي عن قرب الاسناد (١) « سألته عن الرجل هل يصلح له وهو في ركوعه أو سجوده يبقى عليه الشي‌ء من السورة يكون يقرأها ثم يأخذ في غيرها؟ قال : أما الركوع فلا يصلح ، وأما السجود فلا بأس » ونحوه خبره الثالث (٢) أيضا.

وكيف كان فهي نصة في المطلوب بالنسبة إلى الركوع عليها أمارات الصحة موافقة للعمل ، وما سمعت من فتاوى الأصحاب معتضدة جملة من مضامينها بغيرها من النصوص المعتبرة ، فمن العجيب ما في الحدائق من أن الذي يقرب في الخاطر الفاتر أن أصل هذا الحكم انما هو من العامة ، وأن هذه الأخبار انما خرجت مخرج التقية ، ويعضدها أن رواتها رجال العامة ، وأن هذا الحكم انما ذكره المتأخرون واشتهر بينهم ولا وجود له في كلام المتقدمين فيما أظن ، إذ فيه من الغرابة ما لا يخفى من وجوه ، وكأنه لم يعلم أن الشيخ رحمه‌الله هو الأصل في هذا الحكم المزبور ، وكفى به ناصا من بين المتقدمين ، نعم قد يحتمل تعلق الكراهة في المقام بقراءة القرآن لا أن الكراهة متعلقة بالركوع ، وهل المراد بها حينئذ حقيقتها أو أقلية الثواب؟ يحتمل الأول لعدم اعتبار العبادية في القراءة ، والثاني لظهور الأدلة في عدم انفكاك إعطاء الثواب عن القراءة كيفما كانت ، وعلى كل حال فلا إشكال في صحة الصلاة بسبب احتمال اختصاص الرخصة في القراءة فيها في غير المقام ، لمنع التخصيص بالنسبة إلى الصحة أولا ، ومنع توقف الصحة على الرخصة ثانيا بناء على المختار من التمسك بالإطلاقات ، وظهور هذه النصوص بعد حملها على الكراهة في الصحة فضلا عن غيرها ثالثا ، ثم إن ظاهر الخبر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٦.

١٢٢

الأول منها استحباب المسألة في الركوع لدنيا أو دين ، والمعروف أن ذلك في السجود ولذا لم يذكر الكثير في مستحباته إلا ما يحكى عن ابن الجنيد ، ولا بأس به خصوصا بعد شهادة الخبر المزبور له.

الواجب ( السادس السجود )

وهو لغة الخضوع والانحناء وتطأطؤ الرأس ، ولعل من اقتصر على الأول في تفسيره أو مع الثاني أراد التفسير بالأعم متكلا في تمام المعنى على العرف كما هو الشأن في معظم التعاريف اللفظية من أهل اللغة ، بل لعل من اعتبر تطأطؤ الرأس فيه أيضا كذلك ، إذ الظاهر عدم كفاية مطلقه ، بل المراد قسم خاص منه ، ومنه يعلم ما في قول البعض ، وشرعا وضع الجبهة على الأرض أو ما أنبتت مما لا يؤكل ولا يلبس ، إذ الظاهر عدم ثبوت الحقيقة الشرعية فيه ، بل يمكن عدم اعتبار ذلك في صحته ، وانما هو واجب في الصلاة حاله كالذكر ، وأضعف منه ما في كشف الأستاذ من أنه في الشرع فضلا عن اصطلاح المتشرعة وضع المساجد السبعة أو أحدها أو خصوص وضع الجبهة وهو أظهرها ، أو ما قام مقامه من إشارة برأس أو عين بوجه يصح أو مطلقا على اختلاف الوجهين ، بل من الغريب جعله الإشارة منه ، ضرورة عدم تسميتها بذلك في الشرع ولا عند المتشرعة ، والاجتزاء عنها في بعض الأحوال لا يستلزم الدخول في المسمى قطعا ، وحينئذ يشكل اعتبار شي‌ء من المساجد السبعة حتى الجبهة فيما أوجبه الشارع من السجود لتلاوة مثلا ، أو ندبه لشكر ونحوه مع فرض عدم الدليل بالخصوص ، نعم قد يقال باعتبار وصول الجبهة في الانحناء والتقويس إلى حد تستقر ولو بوسائط من غير علو مفرط لا مباشرة خصوص بشرة الجبهة للأرض ، ولعله كذلك في الشرع واللغة وربما يومي إلى ذلك في الجملة ما تسمعه إن شاء الله من بعضهم من إيجاب الجر لو وضع‌

١٢٣

جبهته على ما لا يصح السجود عليه تخلصا عن الزيادة لو رفع ، إذ على تقدير اعتبار مباشرة الأرض مثلا لم تتحقق زيادة ، كما أنه يومي اليه أيضا ظهور البطلان لو فرض زيادة سجدتين منه سهوا وإن لم يكن باشر الأرض فيهما ، إلى غير ذلك من الأحكام المتعلقة بالسجود في غير المقام ، كالنهي عن السجود لغير الله ، فإنه يكفي حينئذ فيه ذلك وإن لم يباشر الأرض ولم يضع شيئا من مساجده ، ودعوى إرادة المعنى اللغوي فيه بخلاف نحو سجود التلاوة والشكر فالشرعي واضحة المنع ، إذ الظاهر اتحادهما وإن اعتبر في الصلاة حال السجود الأمور الآتية ، ولعل قول المصنف كغيره من الأصحاب : وواجباته من الإضافة بأدنى ملابسة ، وإلا فلا ريب في عدم اعتبار وضع ما عدا الجبهة فيه كما اعترف به المحقق الثاني والشهيد الثاني ، بل وخصوص مباشرة الجبهة للأرض مثلا فيه عند التأمل ، فإن المنحني حتى يضع وجهه على الأرض أو وضع جبهته على طنفسة ونحوها لا ريب في صدق اسم الساجد عليه في عرف المتشرعة فضلا عن غيرهم.

ويحرم فعله لغير الله للنهي عنه في النصوص ، قال الصادق عليه‌السلام في خبر عبد الرحمن بن كثير (١) المروي عن بصائر الدرجات للصفار : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قاعدا في أصحابه إذ مر به بعير فجاء حتى ضرب بجرانه الأرض ورغا فقال رجل : يا رسول الله أسجد لك هذا البعير فنحن أحق أن نفعل فقال : لا بل اسجدوا لله ، ثم قال : لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها » وفي الوسائل انه رواه سعد بن عبد الله (٢) في بصائر الدرجات مثله إلى قوله فقال : لا بل اسجدوا لله ان هذا الجمل يشكو أربابه ، ثم ذكر قصة الجمل ، ثم قال : وذكر أبو بصير أن عمر قال : أنت تقول ذلك فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو أمرت‌ إلى آخر الحديث ، وقال العسكري عليه‌السلام في المروي عن احتجاج‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٢.

١٢٤

الطبرسي (١) في احتجاج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على مشركي العرب انه قال لهم : « لم عبدتم الأصنام من دون الله؟ قالوا : نتقرب بذلك إلى الله ، وقال بعضهم : إن الله لما خلق آدم وأمر الملائكة بالسجود له فسجدوا له تقربا لله كنا نحن أحق بالسجود لآدم من الملائكة ، ففاتنا ذلك فصورنا صورته فسجدنا لها تقربا إلى الله تعالى كما تقربت الملائكة بالسجود لآدم إلى الله ، وكما أمرتم بالسجود بزعمكم إلى جهة مكة ففعلتم ثم نصبتم بأيديكم في غير ذلك البلد محاريب فسجدتم إليها فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخطأتم الطريق وضللتم ـ إلى أن قال ـ : أخبروني عنكم إذا عبدتم صور من كان يعبد الله عز وجل فسجدتم إليها وصليتم ووضعتم الوجوه الكريمة على التراب بالسجود لها فما الذي أبقيتم لرب العالمين ، أما علمتم أن من حق من يلزم تعظيمه وعبادته أن لا يساوي عبيده ، أرأيتم ملكا عظيما إذا سويتموه بعبيده في التعظيم والخشوع والخضوع أيكون في ذلك وضع من الكبير كما يكون زيادة في تعظيم الصغير فقالوا : نعم ، قال : أفلا تعلمون أنكم من حيث تعظمون الله كتعظيم صور عباده المطيعين له تزرون على رب العالمين ـ إلى أن قال ـ : والله عز وجل حيث أمر بالسجود لآدم لم يأمر بالسجود لصورته التي هي غيره ، فليس لكم أن تقيسوا ذلك عليه ، لأنكم لا تدرون لعله يكره ما تفعلون ، إذ لم يأمركم به ـ ثم قال ـ : أرأيتم لو أذن لكم رجل في دخول داره يوما بعينه ألكم أن تدخلوها بعد ذلك بغير أمره أو لكم أن تدخلوا له دارا أخرى مثلها بغير أمره؟ قالوا : لا ، قال : فإنه أولى أن لا يتصرف في ملكه بغير إذنه ، فلم فعلتم ومتى أمركم بالسجود لهذه الصورة ». والمتأمل في هذه الرواية خصوصا بعد ملاحظتها بتمامها يستفيد منها بعض ما لا يتعلق بالمقام أيضا.

و‌قال الصادق عليه‌السلام في المروي عن الاحتجاج أيضا مرسلا في حديث‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٣.

١٢٥

طويل (١) : « إن زنديقا قال له : أفيصلح السجود لغير الله؟ قال : لا ، قال : فكيف أمر الله الملائكة بالسجود لآدم؟ فقال : إن من سجد بأمر الله فقد سجد لله ، فكان سجوده لله إذا كان عن أمر الله » وعن مجمع البيان في قوله تعالى (٢) ( وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً ) قيل : إن السجود كان لله شكرا له كما يفعل الصالحون عند تجدد النعم ، والهاء في قوله تعالى ( لَهُ ) عائدة إلى الله ، فيكونون سجدوا لله وتوجهوا في السجود اليه كما يقال صلى للقبلة ، وهو المروي (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام وفي المحكي عن تفسير علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يحيى بن أكثم (٤) « ان موسى بن محمد سئل عن مسائل فعرضت على أبي الحسن علي بن محمد عليهما‌السلام فكان منها أن قال له : أخبرني عن يعقوب وولده أسجدوا ليوسف وهم أنبياء؟ فأجاب أبو الحسن عليه‌السلام سجود يعقوب وولده لم يكن ليوسف ، انما كان ذلك منهم طاعة لله وتحية ليوسف ، كما أن السجود من الملائكة لآدم كان طاعة لله وتحية لآدم ، فسجود يعقوب وولده شكرا لله لاجتماع شملهم ، ألا ترى أنه يقول في شكر ذلك الوقت ( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ ) » الآية (٥) وفي المحكي عن تفسير العسكري (٦) عن آبائه عن النبي ( عليهم الصلاة والسلام ) قال : « لم يكن سجودهم يعني الملائكة لآدم ، انما كان آدم قبلة لهم يسجدون نحوه لله عز وجل ، وكان بذلك معظما مبجلا ، ولا ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله يخضع له كخضوعه لله ، ويعظمه بالسجود له كتعظيم الله ، ولو أمرت أحدا أن يسجد هكذا لغير الله لأمرت ضعفاء شيعتنا وسائر المكلفين من شيعتنا أن يسجدوا لمن توسط في علوم علي وصي رسول الله ( عليهما الصلاة والسلام ) ومحض‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب السجود الحديث ٤.

(٢) سورة يوسف ـ الآية ١٠١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب السجود الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب السجود الحديث ٦.

(٥) سورة يوسف ـ الآية ١٠٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب السجود الحديث ٧.

١٢٦

وداد خير خلق الله علي عليه‌السلام بعد محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » إلى غير ذلك من النصوص ، فاللائق حينئذ لزائري أحد المعصومين عليهم‌السلام أن يتركوا هذه الصورة التي يفعلها السواد إلا إذا قرنت بأحد الوجوه التي سمعتها في النصوص مما ينفي كونها لغير الله ، ويشبه ما يقع من الاستحسان من بعض الناس بجعل السجود لأمير المؤمنين عليه‌السلام زيادة في تعظيم الله باعتبار أن وقوعه له من جهة مرتبته عند الله وعظمته وعبوديته ـ فالسجود له حينئذ زيادة في تعظيم الله ـ ما وقع في أذهان المشركين الذين حاجهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما سمعت ، والله أعلم.

وكيف كان فـ ( ـهو واجب ) في الصلاة إجماعا إن لم يكن ضرورة ، بل يجب في كل ركعة سجدتان كذلك أيضا وهما معا ركن في الصلاة إجماعا كما عن المختلف ، وحينئذ تبطل بالإخلال بهما في كل ركعة عمدا وسهوا إجماعا أيضا في الغنية وعن تعليق الإرشاد ومجمع البرهان ونهاية الأحكام وإن لم أتحققه في الأولين بل في المعتبر وعن التذكرة نسبته إلى إجماع العلماء كافة ، كما أن في المحكي عن السرائر نفي الخلاف فيه ، وكأنه لضعف الخلاف ، ولذا قال في المحكي عن آخر منها : « ولا يلتفت إلى ما يوجد في بعض الكتب » بل في بحث السهو من التذكرة « أنه لا فرق في بطلانها بالإخلال بهما عمدا أو سهوا بين أن يكون ذلك في الأولتين أو الأخيرتين عند علمائنا » بل عن موضع ثالث من السرائر « ان على ذلك إطباق الطائفة ».

وهو كذلك إذا لم يذكر كذلك إلا بعد الفراغ من الصلاة ، أما لو ذكر بعد الركوع فالمشهور البطلان أيضا شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا ، بل قد يشمله الإجماعات السابقة خلافا للمبسوط ، وما عن التهذيب والاستبصار والجمل والعقود والوسيلة وجامع الشرائع والاقتصاد من التفصيل بين الأولتين والأخيرتين ، فيلقي الركوع ويتلافاهما في الأخيرتين ثم يقوم للركعة ، بل في موضع من المبسوط « من ترك‌

١٢٧

سجدتين من الركعتين الأولتين حتى يركع فيما بعدهما أعاد على المذهب الأول ، وعلى الثاني يجعل السجدتين في الثانية للأولى ويبني على صلاته » وأشار بالمذهب الأول إلى ما ذكره في الركوع من أنه « إذا ترك الركوع حتى سجد أعاد » وعلى كل حال فهذا هو القول المعروف بالتلفيق في الركوع والسجود الذي لم نعرف له هنا دليلا بالخصوص إلا قياس السجدتين على الركوع الذي قد ورد في بعض النصوص (١) الأمر بالقائهما لتداركه ، وقد ذكرنا ذلك كله مفصلا في أحكام الخلل ، وقلنا هناك إن مقتضى هذا القول عدم بطلان الصلاة بزيادة السجدتين مطلقا أو في الأخيرتين أو فيما عدا الأولى بإلحاق الثانية بالأخيرتين كما عن علي بن بابويه ، قال : « وإن نسيت الركوع بعد ما سجدت في الركعة الأولى فأعد صلاتك ، لأنه إذا لم تثبت لك الأولى لم تثبت لك صلاتك ، وإن كان الركوع من الركعة الثانية أو الثالثة فاحذف السجدتين واجعل الثالثة ثانية والرابعة ثالثة » وكذا أبو علي لكن بالتخيير ، قال فيما حكي عنه : « لو صحت الأولى وسها في الثانية سهوا لم يمكنه استدراكه كأن أيقن وهو ساجد أنه لم يكن ركع ، فأراد البناء على الركعة الأولى التي صحت له رجوت أن يجزيه ذلك ، ولو أعاد إذا كان في الأولتين وكان الوقت متسعا كان أحب إلى ، وفي الثانيتين ذلك يجزيه ».

ولا ريب في اقتضاء الجميع عدم البطلان بالزيادة ، ضرورة حصول ذلك مع تدارك الركوع ، نعم يحتمل اقتصارهم على خصوص صورة تدارك الركوع لا مطلقا مع احتماله ، فنفي الخلاف حينئذ من بعضهم عن البطلان بزيادتهما في غير محله ، كدعوى الإجماع في تعليق الإرشاد ومجمع البرهان على ذلك أيضا إن أراد به الإجماع من الجميع ، مع أني لم أتحققه فيهما وإن أوهماه.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٢.

١٢٨

وذكرنا أيضا في ذلك البحث حكم نسيانهما لو ذكرهما قبل الركوع ، وأنه يتداركهما خلافا للبعض فتبطل ، وبينا ضعفه ، كضعف القول ببطلانها بالإخلال بسجدة سهوا مع استفاضة النصوص (١) بأنه لا تعاد الصلاة من سجدة ، كما أن في بعضها (٢) أيضا التصريح بعدم إعادتها من زيادة سجدة ، فالقول بالبطلان به أيضا في غاية الضعف ، خصوصا على المختار من الأعمية في أسماء العبادات من غير فرق بين الأولتين والأخيرتين في ذلك كله ، فما عن ثقة الإسلام في الفتاوى السبع عشر والسيد في الجمل والحلبيات وابن إدريس في السرائر والتقي بل والحسن بن أبي عقيل ناسبا له إلى آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل والغنية مدعيا عليه الإجماع من البطلان بذلك ضعيف لا أعرف له دليلا إلا قاعدة الشغل التي لا تتم عندنا ، وإطلاق بعض النصوص (٣) بناء على تعميمها لصورتي الزيادة والنقيصة ، وإطلاق (٤) « من زاد في صلاته » ، والكل يجب الخروج عنها بما دل بالخصوص على عدم بطلان الصلاة بزيادتها ، كخبر منصور بن حازم (٥) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل صلى فذكر أنه زاد سجدة فقال : لا يعيد صلاة من سجدة ويعيدها من ركعة » وخبر عبيد بن زرارة (٦) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل شك فلم يدر أسجد ثنتين أم واحدة فسجد أخرى ثم استيقن أنه قد زاد سجدة فقال : لا والله لا تفسد الصلاة بزيادة سجدة ، وقال : لا يعيد صلاته من سجدة ويعيدها من ركعة » المعتضدين بالشهرة العظيمة بين الأصحاب التي كادت تكون إجماعا ، بل لعلها كذلك ، ومنه يعلم حينئذ ما في إجماع أبي المكارم والنسبة إلى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب السجود.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٢ و ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٣.

١٢٩

آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المحكي عن الحسن ، وإن شئت التفصيل في كثير من هذه المسائل فلاحظ أحكام الخلل ، وتأمل.

ومنه مع ما هنا يظهر لك صحة قول المصنف كالمشهور : « لا تبطل » الصلاة بالإخلال بسجدة واحدة سهوا انما الكلام في مسمى الركن هنا بعد أن كان الحاصل البطلان بالإخلال بالسجدتين زيادة ونقيصة عمدا وسهوا بخلاف الواحدة ، فإنه لا يقدح السهو فيها نقصانا وزيادة ، وظاهر المتن وغيره بل معاقد الإجماعات بل صرح به في الذكرى وغيرها أن الركن مجموع السجدتين ، وفيه أن مقتضاه حينئذ البطلان بنقص الواحدة ، ضرورة انتفاء المركب بانتفاء أحد أجزائه ، فيصدق حينئذ ترك الركن ، ودفعه في الذكرى بأن انتفاء الماهية هنا غير مؤثر مطلقا وإلا لكان الإخلال بعضو من أعضاء السجود مبطلا ، وفيه ـ بعد الإغضاء عن دعوى انتفاء الماهية بالخلل بعضو من الأعضاء كما عرفته سابقا ، ضرورة عدم مدخلية ما عدا الجبهة في مسمى السجود كما اعترف به هنا ثاني المحققين والشهيدين ـ أن المتجه على تقدير كون الركن المجموع البطلان بالإخلال به ، وإلا انتفى كونه كذلك ، لمعلومية اعتبار ذلك في الركن ، إذ هو لفظ اصطلاحي لا أثر له في النصوص ، وسموا به ما ثبت من الأدلة بطلان الصلاة بتركه سهوا ، فهو حينئذ ركن للركن ، فالاعتذار حينئذ بأن ذلك للدليل كلام لا محصل له ، كدعوى أن الركن لما كان الأصل فيه البطلان عمدا وسهوا ، إذ مقتضاها عدم اختصاص الأمور المخصوصة بالركنية ، وكذا دعوى أن الركن لما ثبت البطلان به سهوا في الجملة ، إذ هي ـ مع أنها منافية لتفسيرهم له بالموجبة الكلية ـ ينافيه اكتفاؤهم عن إثبات البطلان في موارد الأركان بأنها أركان ، ولولا اعتبار الكلية في مفهومه لم يكن لذلك وجه ، كل ذلك مع أن الغرض في المقام وعليه بنى الإشكال جريان مقتضى الركنية في السجدتين من غير اعتبار تخصيص أو تقييد.

١٣٠

ومن العجيب ما وقع من بعض متأخري المتأخرين في المقام حيث قال : « انتفاء الماهية هنا غير مؤثر ، وهذا الاشكال غير مختص بهذه المسألة ، بل هو آت في الإخلال بحرف واحد من القراءة ، لفوات الماهية المركبة أعني الصلاة بفواته ، والجواب عن الجميع واحد ، وهو إثبات الصحة بدليل من خارج » إذ فيه أن الكلام في ماهية الركن لا الصلاة ، كالذي وقع من آخر « أنه يمكن جعل الركن مجموع السجدتين كما أطلقه الأصحاب ، ولا يبطل بنقصان الواحدة سهوا وإن استلزم فوات الماهية المركبة ، أو يلتزم كون الركن مسمى السجود ، ولا يبطل بزيادة الواحدة سهوا ، فيكون أحدهما مستثنى كنظائره » إذ لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما عرفت ، بل وكذا ما وقع للمقدس الأردبيلي من « أن الدليل على ركنيتهما بمعنى أنهما لو زيدتا أو تركتا معا بطلت الصلاة هو الإجماع وبعض الأخبار (١) وهما ما دلا على البطلان بزيادة إحداهما أو تركها ، فالمراد بترك الركن تركه بالكلية بحيث ما يبقى منه مما يعتبر جزء ولا عبادة ، ولا شك في اعتبار السجدة الواحدة وكونها عبادة للأخبار والإجماع ، وعدم ذلك في أجزاء النية والتكبير ، بل قيل لا جزء للنية ، فإنه ما لم يصح الكل لم يعد ذلك الجزء عبادة ، وعلى تقدير التسليم يقال : انما ثبت شرعا البطلان بترك هذا بالكلية بخلاف غيره » إذ لا يخفى عليك أيضا ما في صدر كلامه وذيله ، وأما وسطه ففيه أنه تقييد لقولهم : من ترك ركنا بلا مقيد ، وكون السجدة عبادة لا مدخلية له فيما نحن فيه ، وعن البهائي رحمه‌الله في الجواب « أنه لا بعد في إجزاء بعض الأجزاء عن الكل ، فلو جعل الركن كلا السجدتين أو ما أقامه الشارع مقامهما كالواحدة حال نسيان الأخرى لم يكن بعيدا » ولعله يريد ما يحكى عن بعضهم في التخلص من أن الركن إحداهما وكلتاهما الذي قد أورد عليه باقتضائه البطلان حينئذ لو سجد ثلاث سجدات ، لزيادة الركن حينئذ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ١.

١٣١

اللهم إلا أن يفرق بينه وبين البهائي بتقييد البهائي ركنية الواحدة بحال نسيان الأخرى بخلافه ، فلا يرد حينئذ ذلك على ما قاله البهائي ، لعدم زيادة الركن حينئذ ، لعدم حصول الشرط في الواحدة الزائدة في الفرض المزبور.

وكأن هذا هو الذي أراده المجلسي رحمه‌الله فيما حكي عن بحاره حيث حكى عن بعض أفاضل عصره أنه حل الإشكال بأن الركن هو المفهوم المردد بين السجدة بشرط لا أي لا يكون معها سجدة أخرى والسجدتين بشرط لا وثلاث سجدات بشرط لا ، إذ ترك الركن حينئذ انما يكون بعد تحقق السجدة مطلقا ، وإذا سجد أربع سجدات أو أكثر لا يتحقق الركن أيضا ، ورده بأنه لا خلاف بأن بطلان الصلاة فيما إذا أتى بأربع أو أكثر انما هو لزيادة الركن لا لتركه كما هو مقتضى الجواب المزبور ثم قال : ويخطر بالبال وجه آخر لدفع الاشكال على سياق هذا الوجه ، لكنه أخصر وأفيد ، وهو أن يكون الركن المفهوم المردد بين سجدة واحدة بشرط وسجدتين بلا شرط ، فإذا أتى بسجدة سهوا فقد أتى بفرد من الركن ، وكذا إذا أتى بهما ، ولا ينتفي الركن إلا بانتفاء الفردين بأن لا يسجد أصلا ، وإذا سجد ثلاث سجدات لم يأت إلا بفرد واحد وهو الاثنان لا بشرط شي‌ء ، وأما الواحدة الزائدة فليست فردا له ، لكونها مع أخرى ، وما هو فرد له على هذا الوجه هو بشرط أن لا يكون معها شي‌ء وإذا أتى بأربع فما زاد أتى بفردين من الاثنين ، قال : وهذا وجه متين لم أر أحدا سبقني اليه ، ومع هذا لا يخلو من تكلف ، قلت : هو عند التأمل عين ما قاله البهائي ، ثم قال : والأظهر في الجواب أن غرض هذا المعترض إما إيراد الإشكال على الأحاديث الواردة في الباب أو على كلام الأصحاب ، والأول لا وجه له ، لخلو الروايات عن ذكر الركن ومعناه وعن هذه القواعد الكلية ، بل انما ورد حكم كل من الأركان بخصوصه ، وورد حكم السجود هكذا فلا إشكال يرد عليها ، وأما الثاني فغير وارد‌

١٣٢

عليه أيضا ، لتصريحهم بحكم السجود ، فهو مخصص للقاعدة الكلية كما خصصت تلك القاعدة بما ذكر في كلامهم وفصل في زبرهم ، قلت : لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه أولا.

وربما أجيب أيضا كما حكي عن السيد علي الصائغ وبعض المتأخرين بأن المعهود من ترك الركن في عرف الفقهاء هو ما كان بحيث يمتنع تداركه ، وذلك يتوقف على شيئين فوات محل ذلك الفعل وعدم ورود الشرع بفعله بعد الصلاة ، قال : ومن ذلك يظهر عدم صحة لزوم البطلان بترك الواحدة سهوا على تقدير كونه مجموع السجدتين ولعله يريد صدق مجموع السجدتين على الواقعة في الصلاة وخارجها ، فلا اكتفاء بالواحدة كي يتحقق الاشكال ، وعن الشيخ نجيب الدين العاملي أن بعض المتأخرين أجاب بأن الركن هو السجدة الأولى ، قال : ووجهه بما فيه طول وبعد ، قلت : لعله هو الذي أشار إليه المجلسي رحمه‌الله في المحكي من بحاره حيث قال : وربما يتوهم اندفاع الشبهة بما يومي اليه خبر المعراج (١) من أن الأولى كانت بأمره سبحانه وتعالى ، والثانية أتى بها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قبل نفسه ، فتكون الأولى فريضة ركنا ، والثانية سنة بالمعنى المقابل للفريضة وغير ركن ، وأورد عليه بعد تسليم دلالة الخبر عليه أنه لا ينفع في دفع الفساد بل يزيده ، إذ لا يعقل حينئذ زيادة الركن ، لأن السجدة الأولى لا تتكرر إلا بأن يفرض أنه سها عن الأولى وسجد أخرى بقصد الأولى ، فيلزم زيادة الركن بسجدتين أيضا ، مع أنه يلزم أنه لو سجد ألف سجدة بغير هذا الوجه لم يكن زاد ركنا ، على أنه لو اعتبرت النية في ذلك يلزم بطلان صلاة من ظن أنه سجد الأولى ثم سجد بنية الأخيرة ، فظهر له بعد الصلاة ترك الأولى ، ولم يقل به أحد ، ولعل ذلك كله ينشأ من اعتبار الكليتين في الركن زيادة ونقصا ، وإلا فلو قلنا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة ـ الحديث ١١.

١٣٣

باعتبار الكلية فيه بالنسبة إلى النقص خاصة ـ كما هو الظاهر من المصنف وغيره ممن اقتصر في تفريع ذلك على الركنية ، بل هو الذي استظهره الشهيد الثاني من الشهيد الأول كما أوضحناه في بحث القيام ـ لم يأت شي‌ء من الإشكال ، ضرورة إمكان القول حينئذ بأن الركن مسمى السجود الذي لا يتحقق تركه إلا بعدم فعل السجدتين ، ولا يرد زيادة الواحدة ، لعدم اعتبارها في مفهومه ، فلا يتوقف صدقه حينئذ عليها.

ولعله اليه لمح الشهيد في المحكي عن حواشيه على القواعد في الجواب بأن الركن هو الماهية من حيث هي هي ، وعدم الكل انما يكون بعدم كل فرد لا بعدم واحد من أفراده ، ولا حاجة حينئذ إلى تكلف شي‌ء مما سمعت ، ولا صعوبة في دفع الاشكال ، حتى أن المحقق الثاني قد اعترف بالعجز عن حله ، إلا أنه اكتفى بوضوح الحكم وأنه لا مدخلية للعبارة المؤدية للركنية بحيث تسلم من الطرد أو العكس ، ويمكن الجواب أيضا على اعتبار الكليتين من غير اعتبار تقييد بأن الركن اسم لما تبطل به الصلاة عمدا وسهوا زيادة أو نقصا ، وليس مصداقه في المقام إلا السجدتين معا في جانب الترك وجانب الفعل ، فلا يصدق عليه ترك الركن ولا زيادته إلا بهما معا ، ضرورة عدم صدق اسم الكل على البعض ، أقصى ما هناك أنه مع فعل الواحدة خاصة يخرج عن صدق الإتيان بالركن وصدق ترك الركن ، فلم يثبت صحة صلاة ترك فيها الركن كي يحتاج إلى تقييد أو تخصيص ، ولعل هذا هو المراد بالمعية في المتن وغيره من عبارات الأصحاب على أن تكون قيدا للترك لا أنه مسلط عليها ، وكأنه هو الذي أومأ إليه الطباطبائي رحمه‌الله في منظومته بقوله :

الفرض في الركعة سجدتان

هما جميعا أحد الأركان

فلو خلت عن السجود بطلت

صلاته ولو بسهو قد خلت

كذاك لو زيد بها اثنتان

عمدا وسهوا فهما سيان

١٣٤

وأصرح منه ما في كشف الأستاذ ، قال : « ويعتبر فيه في كل ركعة سجدتان هما جزءان لو تركت إحداهما عمدا اختيارا في فرض أو نفل بطلت الصلاة ، وبقيد الاجتماع إيجادا وتركا ركن تفسد الصلاة بهما زيادة ونقصا عمدا وسهوا ، ولا ركنية للمنفردة منهما ولا للمجموعية » إلى آخره. وفي الذكرى ـ بعد التعبير في الركن بالمعية وإيراد الإشكال دليلا للقول بالبطلان بالإخلال بسجدة واحدة من حيث اقتضائها انتفاء الركن ـ قال : والجواب أن انتفاء الماهية هنا غير مؤثر مطلقا وإلا لكان الإخلال بعضو من أعضاء السجود مبطلا ، ولم يقل به أحد ، بل المؤثر هو انتفاؤها بالكلية ، ولعل الركن مسمى السجود ، ولا يتحقق الإخلال به إلا بترك السجدتين معا ، وذيله كما ترى مشعر بما ذكرنا ، فتأمل ، والله أعلم بحقيقة الحال.

وكيف كان فـ ( واجبات السجود ستة ) لا أزيد كما ستعرف.

الأول السجود على سبعة أعظم بلا خلاف أجده فيه بيننا ، بل هو مجمع عليه نقلا مستفيضا كاد أن يكون متواترا إن لم يكن تحصيلا كالنصوص ، ففي‌ صحيح زرارة (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « السجود على سبعة أعظم : الجبهة واليدين والركبتين وإبهامي الرجلين ، وترغم بأنفك إرغاما ، أما الفرض فهذه السبعة ، وأما الإرغام بالأنف فسنة من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » ورواه الصدوق في المحكي من خصاله كذلك إلا أنه أبدل اليدين بالكفين ، وقد‌ علّم الصادق عليه‌السلام حمادا في الصحيح (٢) فسجد على ثمانية أعظم : الجبهة والكفين وعيني الركبتين وأنامل إبهامي الرجلين والأنف ثم قال : « سبعة منها فرض يسجد عليها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة ـ الحديث ٢.

١٣٥

وهي التي ذكرها الله في كتابه » (١) فقال ( وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً ) وهي الجبهة والكفان والركبتان والإبهامان ، ووضع الأنف على الأرض سنة » إلى غير ذلك من النصوص الصريحة في تشخيص السبعة أيضا ، وان منها الجبهة بل هي في معاقد المستفيض أو المتواتر من الإجماع المحكي ، بل في المنتهى « لا خلاف في أنه لا يجزي السجود على الرأس والخد » وقال قبل ذلك أيضا : لو سجد على أنفه دون جبهته لم يجزيه ، ذهب إليه علماؤنا أجمع » بل عن شرح الجمل للقاضي « لا خلاف في وجوب السجود عليها » ولعله لم يعتد بخلاف الإسكافي المستفاد مما حكاه في الذكرى عنه من أنه يكره السجود على نفس قصاص الشعر دون الجبهة ، أو أنه لم يفهم الخلاف منه ، إذ لعله يريد الحرمة من الكراهة ، ومن القصاص الشعر الحاجب للجبهة عن مباشرة الأرض نحو‌ خبر طلحة بن زيد (٢) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام قال : « إن عليا عليه‌السلام كره تنظيم الحصى في الصلاة ، وكان يكره أن يصلي على قصاص شعره حتى يرسله إرسالا » إذ الظاهر إرادة التفريق من الإرسال ، وبالجملة لا إشكال في وجوب السجود على الجبهة ، بل قد سمعت سابقا دعوى توقف اسم السجود عليها ، قال العلامة الطباطبائي رحمه‌الله :

وواجب السجود وضع الجبهة

وأنه الركن بغير شبهة

ووضعه للستة الأطراف

فإنه فرض بلا خلاف

وهي المراد من الوجه في بعض النصوص (٣) بل ومن الجبين في آخر (٤) بناء‌

__________________

(١) سورة الجن ـ الآية ١٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٣.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ١ و ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٤ و ٧.

١٣٦

على ما ظاهر هم الاتفاق عليه في المقام كما يومي اليه مسألة الدمل الآتية من أن المراد بالجبهة هنا ما لا تشمل الجبين ، وأنها هي التي يجب السجود عليها اختيارا دونه ، فيكون المراد بها ما بين قصاص الشعر وطرف الأنف طولا وبين الجبينين عرضا كما في المحكي عن المقاصد العلية ، واليه يرجع ما في المسالك وعن الروض من أن حدها قصاص الشعر من مستوي الخلفة والحاجب ، وعن القاموس « أن الجبهة موضع السجود ويستوي ما بين الحاجبين إلى الناصية » وقال فيه : الجبينان حرفان يكتنفان الجبهة من جانبيها فيما بين الحاجبين مصعدا إلى قصاص الشعر » وأوضح من ذلك ما في كشف الأستاذ من أنها السطح المحاط من الجانبين بالجبينين ، ومن الأعلى بقصاص الشعر من المنبت المعتاد ، ومن الأسفل بطرف الأنف الأعلى والحاجبين ، ولا استقامة للخطوط فيما عدا الجانبين ، وفي‌ صحيح زرارة (١) عن أحدهما عليهما‌السلام « إذا مس جبهته الأرض فيما بين حاجبيه وقصاص شعره فقد أجزأ عنه » وفي‌ خبره الآخر (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام « سألته عن حد السجود فقال : ما بين قصاص الشعر إلى موضع الحاجب ما وضعت منه أجزأك » وفي‌ خبر بريد (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « الجبهة إلى الأنف أي ذلك أصبت به الأرض في السجود أجزأك ، والسجود عليه كله أفضل » وفي‌ خبر الساباطي (٤) عن الصادق عليه‌السلام « ما بين قصاص الشعر إلى طرف الأنف مسجد فما أصاب الأرض منه أجزأك » ونحوه صحيح زرارة ٨١٧٣ (٥) بل في‌ صحيحه الآخر أو حسنه (٦) عن أبي جعفر عليه‌السلام « الجبهة كلها من قصاص شعر الرأس إلى الحاجبين موضع السجود ، فأيما سقط من ذلك إلى الأرض أجزأك مقدار الدرهم أو مقدار طرف الأنملة ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب السجود الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب السجود الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب السجود الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب السجود الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب السجود الحديث ٤.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب السجود الحديث ٥.

١٣٧

لكن هذه النصوص كما ترى لا صراحة فيها بإخراج الجبينين ، وبالاقتصار على الخط المتوهم من طرف كل من الحاجبين المتصل بطرف الأنف الأعلى مصعدا إلى الناصية بحيث لا يجزي السجود على غيره ، وقد اعترف بعضهم في مسألة الدمل بدلالة بعضها على ما يشمل الجبينين ، فحينئذ لو لا الإجماع أمكن التوسعة في محل السجود بدعوى شمول اسم الجبهة عرفا لما هو أعم من ذلك ، أو بدعوى حمل ما دل على الجبينين على التخيير بينه وبين الجبهة ، بل لعل اسم الجبين يشمل جميع ذلك ، ولعله هو المراد لصاحب القاموس حيث قال بعد العبارة التي قدمناها : « وحروف الجبهة مما بين الصدغين متصلا عند الناصية كله جبين » بل لعله لا ينافي ذلك ما تسمعه من أخبار الدمل (١) إذ قد تحمل على الخارج عن ذلك كله ، أو يحمل ما لا يقبل منها ذلك على إرادة بيان الفرد الخفي على السائل وتنبيه عليه ، لا أنه يشترط في صحة السجود عليه تعذر ذلك ، خصوصا مع فرض التقييد في عبارة السائل ، أو أنه هو انما سأل فارضا تعذر ذلك الجزء من الجبهة ، ومثله لا يدل على الانتفاء عند التأمل ، فالإجماع هو العمدة في التقييد المزبور.

وأما الكفان المعبر بهما في كثير من عبارات المتأخرين وبعض عبارات القدماء ، بل هما من معقد إجماعات متعددة كما قيل فقد عرفت ما يدل عليهما من النصوص (٢) التي يجب حمل اليد في غيرها (٣) عليهما ، سيما مع كونه المعهود من أهل الشرع عند فعل السجود ، كما أنه يجب إرادتهما منها في جملة من عبارات الأصحاب كالشيخ وغيره وإن كانت واقعة في معقد إجماعي الخلاف ونهاية الأحكام على ما قيل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب السجود.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٦ والباب ١ من أبواب أفعال الصلاة ـ الحديث ١ و ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب السجود.

١٣٨

فانحصر الخلاف حينئذ في المرتضى وابن إدريس في المحكي من الجمل والسرائر حيث عبرا بمفصل الزندين من الكفين ، وحكاه في الذكرى عن الإسكافي أيضا ، لكن عن القاضي في شرح الجمل نفي الخلاف عن ذلك ، مع أنه من المستبعد إرادتهم تعيين ذلك بحيث لا يجزي الكفان ، ولذا حمله في الذكرى على إرادة الاجتزاء بهما عن الكفين ، لكن على كل حال لم نجد لهم نصا بالخصوص ، بل قد عرفت أن النصوص تشهد بخلافهم ولعلهم يريدون تحديد ابتداء الكف الذي يسجد عليه كما يومي اليه ما سمعته عن القاضي من نفي الخلاف ، إذ من المستبعد إرادته ذلك الذي هو إلى الإجماع على عدمه أقرب منه اليه.

ثم إن المنساق إلى الذهن والمتعارف في الوضع عند السجود الموافق للاحتياط الباطن من الكفين ، بل نسب في الذكرى وجوب ذلك إلى أكثر الأصحاب تأسيا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته عليهم‌السلام بل في المحكي عن نهاية الأحكام والتذكرة أن ظاهر علمائنا وجوب تلقي الأرض ببطون راحته ، لكن ومع ذلك تردد فيه في المنتهى ، ولعله لعدم دليل معتد به على التعيين كي يقيد به الإطلاق ، خصوصا على القول بأعمية أسماء العبادات.

وعلى كل حال فمع تعذر الباطن ينتقل إلى الظاهر كما صرح به بعضهم أخذا بإطلاق الكف الذي خرج عنه بالتبادر إلى خصوص الباطن مع الاختيار دون الاضطرار ولأنه أقرب إلى المأمور به ، ويومي اليه في الجملة ما ذكروه في مسح الوضوء ، فلاحظ وتأمل.

وأما الركبتان فقد اتفقت النصوص (١) والفتاوى عليهما ، والظاهر أنهما بالنسبة إلى الرجلين كالمفرقين لليدين ، فينبغي حال السجود وضع عينيهما ولو بالتمدد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب السجود.

١٣٩

في الجملة في السجود كما فعله الصادق عليه‌السلام في تعليم حماد (١) كي يعلم حصول الامتثال ، ولعله هو مراد العلامة الطباطبائي بقوله :

كفيه بالبطن وركبتيه

ظهرا والإبهامين من رجليه

لكن الأستاذ في كشفه بعد أن أوجب وضع سطحيهما قال : ويقوى الاكتفاء بالحافتين ، فتأمل ، والله أعلم.

وأما إبهاما الرجلين فهو الواقع في تعبير المشهور ، بل عن المنتهى نسبته إلى الشيخين وأتباعهما ، كالمدارك نسبته إلى الأصحاب ، بل في مفتاح الكرامة في التذكرة ونهاية الأحكام والذكرى وإرشاد الجعفرية وشرح الشيخ نجيب الدين الإجماع على وجوب السجود عليهما ، وفيه أن الظاهر إرادة الإجماع على السبعة لا خصوصها وإن عدت في معقد الإجماع حتى ظن إرادة الإجماع عليها ، لكن التدبر في كلام بعضهم كالشهيد في الذكرى والمحقق الثاني في الجامع يعين ما ذكرنا ، فإن أولهما بعد أن حكى الإجماع على السبعة ناصا على خصوص ذكر الخلاف في الإبهامين قال : والوجه تعين الإبهامين ، وهو كالصريح في عدم كونه إجماعيا عنده ، ونحوه المحقق الثاني ، وعن نهاية الأحكام بعد الإجماع السابق التصريح بأن العبرة في الرجلين بأطراف الأصابع ، على أن المفيد في كتاب أحكام النساء وأبا المكارم في الغنية والشيخ في المحكي من مبسوطة بل في كشف اللثام وسائر كتبه وأبا الصلاح في المحكي من كافيه وابن فهد في المحكي من موجزه التعبير بأطراف أصابع الرجلين ، بل في الغنية الإجماع عليه ، كما أن في المحكي عن خلاف الشيخ التعبير بوضع القدمين حاكيا الإجماع عليه ، وعن الوسيلة والجمل والعقود أصابع الرجلين وإن كان فيما حضرني من نسخة الثاني الإبهامين ، واحتمال إرادة الجميع الإبهامين بعيد إن لم يكن مقطوعا بعدمه ، خصوصا وقد صرح في المحكي من المبسوط‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة ـ الحديث ١.

١٤٠