جواهر الكلام - ج ١٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

كغفران ، ولا يكاد يستعمل إلا مضافا منصوبا بفعل مضمر كمعاذ الله ، وهو هنا مضاف إلى المفعول ، وربما جوز كونه مضافا إلى الفاعل ، والواو حالية ، وربما جعلت عاطفة ، ولعله أشار بذلك إلى ما حكاه في المدارك عن أبي البقاء من أنه يجوز أن يكون مضافا إلى الفاعل ، لأن المعنى تنزيه الله ، ثم في المدارك بعد أن ذكر أن سبحان مصدر أو اسم مصدر وأن عامله محذوف كنظائره قال : « قال : والواو قيل : زائدة ، والباء للمصاحبة والحمد مضاف إلى المفعول ، ومتعلق الجار عامل المصدر : أي سبحت الله حامدا ، والمعنى نزهت الله عما لا يليق به ، وأثبت له ما يليق به ، ويحتمل كونها للاستعانة والحمد مضاف إلى الفاعل : أي سبحته بما حمد به نفسه ، إذ ليس كل تنزيه محمودا ، وقيل : إن الواو عاطفة ومتعلق الجار محذوف : أي وبحمده سبحته لا بحولي وقوتي ، فيكون مما أقيم فيه السبب مقام المسبب ، ويحتمل تعلق الجار بعامل المصدر على هذا التقدير أيضا ويكون المعطوف عليه محذوفا يشعر به العظيم ، وحاصله أنزه تنزيها ربي العظيم بصفات عظمته وبحمده ، والعظيم في صفته من يقصر عنه كل شي‌ء سواه ، أو من اجتمعت له جميع صفات الكمال ، أو من انتفت عنه صفات النقص » ولا يخفى عليك مع التأمل تطرق النظر إلى جملة من ذلك ، والله أعلم.

وكيف كان فـ ( هل يجب التكبير للركوع ) كما عن العماني والديلمي وظاهر المرتضى ، بل قيل : المفيد ، أو لا يجب كما هو المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا ، بل هي كذلك في الذكرى كظاهر نسبته إلى علمائنا في المحكي عن التذكرة فيه تردد ينشأ من ظاهر الأمر به في صحيح زرارة (١) وغيره ، ومن الأصل وظهور‌ خبر أبي بصير (٢) وغيره في عدم وجوب شي‌ء من التكبير في الصلاة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ٥.

١٠١

إلا مرة واحدة ، سأل الصادق عليه‌السلام في الموثق « أدنى ما يجزي من التكبير في الصلاة قال : تكبيرة واحدة » كالمروي في الرياض عن علل الفضل من أن التكبير المفروض في الصلاة ليس إلا واحدة ، فضلا عن‌ خبر محمد بن قيس (١) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام « ان أول صلاة أحدكم الركوع » وخبر زرارة (٢) سأل أبا جعفر عليه‌السلام « عن الفرض في الصلاة فقال : الوقت والطهور والقبلة والتوجه والركوع والسجود والدعاء ، قال : وما سوى ذلك؟ فقال : سنة في فريضة » وغيرهما من الأخبار الظاهرة في عدم وجوبها ، بل ربما كان في‌ خبر علل الفضل بن شاذان (٣) عن الرضا عليه‌السلام إشعار بذلك « انما صارت التكبيرات في أول الصلاة سبعا لأن أصل الصلاة ركعتان ، واستفتاحهما بسبع تكبيرات : تكبيرة الافتتاح وتكبيرة الركوع وتكبيرتي السجدتين وتكبيرة الركوع في الثانية وتكبيرتي السجدتين ، فإذا كبر الإنسان في أول صلاته سبع تكبيرات ثم نسي شيئا من تكبيرات الاستفتاح من بعد أو سها عنها لم يدخل عليه نقص في صلاته » بل‌ صحيح زرارة (٤) المروي في الفقيه أظهر منه ، قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : « إذا كنت كبرت في أول صلاتك بعد الاستفتاح بإحدى وعشرين تكبيرة ثم نسيت التكبير كله أو لم تكبر أجزأك التكبير الأول عن تكبير الصلاة كلها » لظهور العطف بأو فيما يشمل العمد ، وهو لا يتم إلا على القول بالندب ، ضرورة عدم التزام مدعي الوجوب بذلك ، بل أصرح منهما معا‌ المروي (٥) عن العلل عن الفضل عن الرضا عليه‌السلام قال : « انما رفع اليدان بالتكبير لأن رفع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ١١.

١٠٢

اليدين ضرب من الابتهال والتبتل والتضرع ، فأحب الله عز وجل أن يكون العبد في وقت ذكره متبتلا متضرعا مبتهلا ، ولأن في رفع اليدين إحضار النية وإقبال القلب على ما قال وقصد ، ولأن الغرض من الذكر انما هو الاستفتاح ، وكل سنة فإنما تؤدى على جهة الفرض ، فلما أن كان في الاستفتاح الذي هو الفرض رفع اليدين أحب الله أن يؤدى السنة على جهة ما يؤدى الفرض » بل قد يشعر به النصوص السابقة الدالة على الاجتزاء بتكبيرة الركوع عن تكبيرة الإحرام إلا أن تحمل على التداخل أو على وجوب استئناف تكبير آخر له.

وبالجملة لا ينبغي التأمل بعد ملاحظة فتاوى الأصحاب البالغة حد الإجماع كما عرفته ومجموع النصوص للممارس الخبير الذي صار ببركة أهل العصمة وتتبع آثارهم كالمشافهين لخطاباتهم العارفين باراداتهم في أن الأظهر الندب وأنه هو المراد من الأمر به في النصوص المزبورة سيما بعد شيوع استعماله فيه حتى قيل بمساواته للحقيقة ، وسيما في خصوص النصوص المزبورة التي سيقت لبيان المندوبات بهذه الأوامر ، فمن العجيب تردد المصنف فيه أولا وأعجب منه توقفه واستشكاله في الحدائق ، خصوصا وقد اعترف في الأخير باتفاق الأصحاب قديما وحديثا على استحبابه عدا الحسن ، لكنه معذور بعد الخلل في الطريقة ، والله أعلم.

وأما المسنون في هذا القسم أي الركوع فمنه‌ أن يكبر للركوع قائما منتصبا على المشهور بين الأصحاب ، بل في المدارك والمعتبر نسبته إليهم مشعرين بدعوى الإجماع عليه ، وهو الحجة في مثله بعد تعليم الصادق عليه‌السلام لحماد (١) وقول الباقر عليه‌السلام في صحيح زرارة (٢) : « إذا أردت أن تركع فقل وأنت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ١.

١٠٣

منتصب : الله أكبر ثم اركع » فما عن الشيخ من أنه يجوز أن يهوي بالتكبير ضعيف إن أراد المساواة ، ومبني على مسألة حمل المطلق على المقيد في المندوبات التي ذكرنا البحث فيها سابقا إن أراد ثبوت الاستحباب ولو مفضولا ، فما في الذكرى وغيرها بعد حكاية ذلك عن الشيخ لا ريب في الجواز إلا أن ذلك أفضل ليس إطلاقه على ما ينبغي ، كالذي وقع في المحكي من تعليق الإرشاد وجامع المقاصد من أنه لو كبر هاويا وقصد استحبابه باعتبار الكيفية أثم وبطلت صلاته إلا أن يراد فضل الانتصاب من قوله : « استحبابه » كما هو ظاهر ما حضرني من نسخة تعليق الإرشاد ، ويبقى عليه البحث حينئذ في البطلان بالتشريع بمثله الذي قد تكرر ذكره منا ، بل لعل المقام أولى بذلك عند التأمل ، كما أنه تقدم تمام الكلام في استحباب الرفع فيه الذي أشار إليه المصنف بقوله رافعا يديه بالتكبير محاذيا أذنيه ويرسلهما ثم يركع عند البحث في تكبيرة الإحرام ، ضرورة عدم اختصاصها بذلك ، وقد ذكرنا هناك احتمال استحباب كل منهما مستقلين ، وأن الاجتماع مستحب في مستحب لا أنه شرط في استحباب التكبير كالعكس بل لعل هيئة الرفع كذلك أيضا خصوصا إن لم نقل بحمل المطلق على المقيد في المندوبات وقد ذكرنا هناك خلاف المرتضى ودعواه الإجماع على الوجوب ، فلاحظ وتأمل.

ومنه أن يضع يديه على ركبتيه مفرجات الأصابع بإجماع العلماء كافة إلا ابن مسعود كما في المنتهى والمعتبر ، وبإجماع العلماء إلا ابن مسعود وصاحبيه الأسود ابن زيد وعبد الرحمن بن الأسود في المحكي عن التذكرة ، وستسمع إن شاء الله أن ابن مسعود وصاحبيه أوجبوا التطبيق أو استحبوه على اختلاف النقل ، وقد انقرض والحمد لله.

ولو كان بأحدهما عذر يمنع من الوضع أو التفريج وضع وفرج الأخرى‌

١٠٤

كما نص عليه الفاضل والشهيد والكركي ، لعدم سقوط الميسور بالمعسور ، بل يمكن دعوى جواز ذلك اختيارا وإن كان أقل ثوابا على إشكال ، ولا بدل له لو عم العذر لهما لعدم الدليل.

ومنه أن يرد ركبتيه إلى خلفه ويسوي ظهره ويمد عنقه موازيا ظهره بإجماع العلماء في المنتهى وظاهر المعتبر ، كما أنه في المحكي عن التذكرة الإجماع على الأول منها ، بل في جامع المقاصد الإجماع على استحباب التجافي فيه ، وفي المنتهى لا خلاف فيه ، والمراد به أن لا يضع شيئا من أعضائه على شي‌ء إلا اليدين أي لا يلصق يديه ببدنه بل يخرجهما عنه بالتجنيح ، وهو أن يخرج العضدين والمرفقين عن بدنه (١) كالجناحين ، وقد يتحقق التجافي أيضا ، بفتح الإبطين أو إخراج الذراعين عن الإبطين بل ربما أطلق عليه التجنيح أيضا ، وفي‌ خبر ابن بزيع (٢) قال : « رأيت أبا الحسن عليه‌السلام يركع ركوعا أخفض من ركوع كل من رأيته ، وكان إذا ركع جنح بيديه » كما أن غيره من النصوص المعتبرة وافية بجميع ذلك ، بل قد تضمنت زيادة عليه ، منها صحيحة حماد (٣) المشهورة المشتملة على تعليم الصادق عليه‌السلام له ، ومنها‌ قول الباقر عليه‌السلام في صحيح زرارة (٤) : « إذا أردت أن تركع فقل وأنت منتصب ، الله أكبر ثم اركع ، وقل : رب لك ركعت ولك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت ، وأنت ربي خشع لك سمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي ومخي وعصبي وعظامي وما أفلته قدماي غير مستنكف ولا مستكبر ولا مستحسر سبحان ربي‌

__________________

(١) وفي النسخة الأصلية « عن يديه » ولكن الصواب ما أثبتناه.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ١.

١٠٥

العظيم وبحمده ثلاث مرات في ترسل وتصف في ركوعك بين قدميك ، تجعل بينهما قدر شبر وتمكن راحتيك من ركبتيك وتضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى وتلقم بأطراف أصابعك عين الركبة ، وفرج أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك وأقم صلبك ومد عنقك ، وليكن نظرك بين قدميك ثم قل : سمع الله لمن حمده وأنت منتصب قائم الحمد لله رب العالمين أهل الجبروت والكبرياء والعظمة الحمد لله رب العالمين تجهر بها صوتك ثم ترفع يديك بالتكبير وتخر ساجدا » وفي‌ صحيح حماد المشهور « ثم قال : الله أكبر وهو قائم ثم ركع وملأ كفيه من ركبتيه مفرجات ، ورد بركبتيه إلى خلفه حتى استوى ظهره حتى لو صب عليه قطرة من ماء أو دهن لم تنزل لاستواء ظهره ، ورد ركبتيه إلى خلفه ومد عنقه وغمض عينيه ثم سبح ثلاثا بترتيل ، وقال : سبحان ربي العظيم وبحمده ثم استوى قائما فلما استمكن من القيام قال : سمع الله لمن حمده ثم كبر وهو قائم ورفع يديه حيال وجهه وسجد ». وفي‌ صحيح زرارة (١) الآخر عن الباقر عليه‌السلام أيضا « فإذا ركعت فصف في ركوعك بين قدميك تجعل بينهما قدر شبر ، وتمكن راحتيك من ركبتيك ، وتضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى ، وبلغ أطراف أصابعك عين الركبة ، وفرج أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك ـ إلى أن قال ـ : وأحب إلى أن تمكن كفيك من ركبتيك فتجعل أصابعك في عين الركبة ، وتفرج بينهما ، وأقم صلبك ومد عنقك ، وليكن نظرك إلى بين قدميك ، فإذا أردت أن تسجد فارفع يديك بالتكبير ». إلى غير ذلك من النصوص ، بل الظاهر أنها في المقام أوفى من كلمات الأصحاب وأحسن تأدية.

ولا تعارض بينهما إلا في تغميض العينين وعدمه ، ولعل حماد ظن أنه قد غمض من جهة توجيه نظره إلى ما بين قدميه ، فالرائي يراه كأنه قد غمض عينيه ، أو يراد هذا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ١.

١٠٦

المعنى من التغميض في عبارة حماد ، ولقد أجاد العلامة الطباطبائي بقوله :

وشغل فصل القدمين بالنظر

ما بين تحديد وتغميض البصر

لكن عن نهاية الشيخ « وغمض عينيك ، فان لم تفعل فليكن نظرك إلى ما بين رجليك » وظاهره التغميض الحقيقي مع أن مسمعا (١) روى عن أبي عبد الله عليه‌السلام « أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى أن يغمض الرجل عينيه في الصلاة » وما عن المعتبر من أن خبر حماد خاص فيقدم يمكن دفعه بما عرفت ، وسوى ما عساه يفهم من‌ المروي (٢) عن قرب الاسناد سأل علي بن جعفر أخاه عليه‌السلام « عن تفريج الأصابع في الركوع أسنة هو؟ قال : من شاء فعل ومن شاء ترك » من عدم الاستحباب ولعله يريد عدم الوجوب ، فلا منافاة حينئذ ، فظهر حينئذ أن النصوص زادت على ما ذكره المصنف ، بل في بعضها كصحيحي ابني عمار (٣) ومسكان (٤) الأمر برفع اليدين لرفع الرأس من الركوع ، وحكاه في الذكرى عن ابني بابويه وصاحب الفاخر وقربه هو ، كما أنه مال اليه غيره ممن تأخر عنه ، وهو لا يخلو من قوة ، لصحة الخبرين واعتضادهما بإطلاق الأمر به (٥) في الصلاة وأنه زينة واستكانة وتبتل وابتهال وأنه العبودية ، وخلو كثير من الفتاوى عنه كالنصوص سيما صحاح حماد وزرارة غير قادح في مثل هذا الحكم الاستحبابي ولقد أجاد الطباطبائي رحمه‌الله في قوله :

وليس للرفع هنا تكبير

ولا به رفع يد مشهور

والرفع في نص الصحيحين ذكر

فندبه أولى وإن لم يشتهر

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ١.

١٠٧

فنفي المصنف له في معتبرة كما عن ابن أبي عقيل ، بل ظاهر الأول الإجماع عليه لا يخلو من نظر كاجماعه ، لخلو أكثر كتب الأصحاب كما قيل عن التعرض له نفيا وإثباتا ، واحتمال تنزيل الخبرين على التقية كما في الحدائق تبعا للمجلسي رحمه‌الله لاشتهار الحكم عندهم لا داعي له ، بل ظاهر الأصحاب في غير المقام أولوية الحمل على الاستحباب من ذلك ، كما يشهد له ذكرهم الاستحباب في نواقض الوضوء وغيرها ، على أنه‌ روى ولد الشيخ في المحكي عن مجالسه عن أبيه عن محمد بن محمد بن مخلد عن أبي عمر عن أحمد بن زياد السمسار عن أبي نعيم عن قيس بن سليم عن علقمة بن وائل عن أبيه (١) قال : « صليت خلف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكبر حين افتتح الصلاة ورفع يديه حين أراد الركوع » وفي‌ المروي عن مجمع البيان عن مقاتل بن حنان عن الأصبغ بن نباتة (٢) عن علي عليه‌السلام « أنه لما نزلت ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) (٣) قال : يا جبرئيل ما هذه النحيرة التي أمر بها ربي قال : يا محمد ليست بنحيرة ولكنه يأمرك إذا تحرمت الصلاة أن ترفع يديك إذا كبرت وإذا ركعت وإذا رفعت رأسك من الركوع وإذا سجدت ، فإنه صلاتنا وصلاة الملائكة في السماوات السبع » إلى آخره. وهما مما يؤيدان عدم التقية ، على أن من المستبعد أمرهم عليهم‌السلام خاصة أصحابهم بها في مثل هذا الأمر الذي ليس بواجب عند العامة أيضا ، فظهر حينئذ أن الأقوى استحبابه.

نعم الظاهر الاقتصار عليه بلا تكبير خلافا للمحكي عن تحفة السيد الجزائري وبعض مشايخ البحرين ، بل ربما كان ظاهر المحكي عن ابن الجنيد ، وكأنه لمعروفية التلازم بينهما في سائر المواضع ، فذكر أحدهما يدل على الآخر ، وفيه منع ، بل ظاهر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ١٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ١٤.

(٣) سورة الكوثر ـ الآية ٢.

١٠٨

هذين الصحيحين فضلا عن غيرهما نفيه ، بل كاد ذلك يكون صريح الأخبار (١) المشتملة على أعداد التكبير في الصلاة التي تقدم بعضها بما لا يدخل هو فيها ، وبها يخرج عن إطلاق‌ المروي عن قرب الاسناد (٢) عن المهدي عليه‌السلام في حديث « إذا انتقل من حالة إلى أخرى فعليه التكبير » مع احتمال كون الحالة الأخرى بعد الركوع السجود لا ما يشمل الرفع منه ، والله أعلم.

وكذا ظهر لك أيضا مما في صحيح زرارة السابق أن من المسنون في الركوع أيضا أن يدعو بما سمعت أمام التسبيح الواجب ولعل الأولى ذكر ما في الصحيح المزبور (٣) لا ما حكي عن الفقيه وفلاح السائل والمصباح ، فإنه وإن كان موافقا له في الأكثر أيضا إلا أن فيه نقصانا عنه وتغييرا يسيرا ، ولذا كان هو المذكور في أكثر الكتب التي تعرض لهذا الدعاء فيها كما قيل ، والأمر سهل.

ومنه أيضا أن يسبح ثلاثا أو خمسا أو سبعا كما في القواعد إلا أنه لم أجد نصا على التخميس ، بل الموجود في النصوص السابقة أن السنة في ثلاث والفضل في سبع ، ولعله لذا حذفه غير واحد ، وجعل المستحب الثلاث أو السبع ، نعم في معقد ما حكي من إجماع الخلاف الثلاث أفضل إلى السبع ، وهو لا يخص الخمس أيضا ، كما أنه لم أجد ما يدل على خصوص مرتبة أخرى أيضا إلا‌ ما يحكى عن الفقه الرضوي (٤) « أو تسعا » ، ولذا كان ظاهر كثير من العبارات كالصحيح السابق أن السبع نهاية الكمال لكن قال المصنف هنا وفي النافع تبعا للمحكي عن الوسيلة : أو سبعا فما زاد وتبعه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام والباب ٢ من أبواب الركوع.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ١.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٢.

١٠٩

عليه الفاضل والشهيدان والمحقق الثاني وغيرهم إلا أنه ربما ظهر من بعضهم أن منتهى ذلك الأربع وثلاثون أو الستون ، كما أن ظاهر آخر تقييد استحباب الزيادة على السبع لغير الامام ، وفي معتبر المصنف أن الوجه استحباب ما يتسع له العزم ولا يحصل به السأم إلا أن يكون إماما فإن التخفيف له أليق إلا أن يعلم منهم الانشراح ، وتبعه عليه غيره.

والسبب في ذلك اختلاف النصوص ، فمنها صحيح السبع (١) ومنها‌ خبر أبان ابن تغلب (٢) « دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام وهو يصلي فعددت له في الركوع والسجود ستين تسبيحة » ومنها‌ خبر حمزة بن حمران والحسن بن زياد (٣) قالا : « دخلنا على أبي عبد الله عليه‌السلام وعنده قوم فصلى بهم العصر وقد كنا صلينا فعددنا له في ركوعه سبحان ربي العظيم أربعا أو ثلاثا وثلاثين مرة ، وقال أحدهما في حديثه : « وبحمده » ومنها‌ مضمرة سماعة (٤) إلى أن قال فيه : « ومن كان يقوى على أن يطول الركوع والسجود فليطول ما استطاع ، يكون ذلك في تسبيح الله وتحميده وتمجيده والدعاء والتضرع ، فإن أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد ، فأما الإمام فإنه إذا قام بالناس فلا ينبغي أن يطول بهم ، فان في الناس الضعيف ومن له الحاجة ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا صلى بالناس خف لهم » وقال الصادق عليه‌السلام في خبر زرارة (٥) : « ثلاثة ان يعملهن المؤمن كانت له زيادة في عمره وبقاء النعمة عليه ، فقلت : وما هن؟ فقال : تطويله في ركوعه وسجوده في صلاته ، وتطويله لجلوسه على طعامه إذا أطعم على مائدته ، واصطناعه المعروف إلى أهله » وقال أيضا لأبي أسامة (٦) في حديث : « وعليكم بطول الركوع والسجود ، فإن أحدكم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الركوع الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الركوع الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الركوع الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الركوع الحديث ٥.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الركوع الحديث ٧.

١١٠

إذا أطال الركوع والسجود هتف إبليس من خلفه وقال : يا ويلتا أطاعوا وعصيت وسجدوا وأبيت » إلى غير ذلك ، فجمع المصنف بين الجمع بما عرفت ، وهو جيد لكنه لم يتضمن وجه حصر الفضل في سبع في الصحيح الأول ، ولعله لذا قال في الحدائق : إن الجمع بين هذه النصوص مشكل ، قلت : قد يقال : إن المراد من صحيح السبع بيان نهاية الفضل لهيئة العدد لا لذاته ، فيستحب الزائد حينئذ من حيث الذات لا الهيئة عملا بالنصوص المزبورة ، ومنها يستفاد عدم إذهاب الزائد ثواب الهيئة بخلاف النقص ، إذ احتمال أن اختياره عليه‌السلام للزيادة تقديما لرجحانها على رجحان الهيئة بعيد مناف لظاهر حصر الفضل في السبع ، ولا ملازمة بين ذهابها بالنقصان وذهابها بالزيادة ، بل الفرق بينهما في كمال الوضوح ، فينحصر حينئذ الفضل بالنسبة إلى الهيئات في الثلاثة والسبعة ، واحتمال إثبات هيئة الأربع أو الثلاث والثلاثين أو الستين من فعله عليه‌السلام مع احتمال خبر الأخير التوزيع على الركوع والسجود لا لكل منهما لا شاهد له وفعله عليه‌السلام أعم من ذلك ومن إرادة تحصيل فضل ذات العدد دون الهيئة ، فلا يخرج عن الحصر في الصحيح المزبور ، كما أن الظاهر بناء على ذلك حصول فضل هيئة الثلاث مع ذات العدد لا الأربع والخمس والست ، لما عرفت من عدم الدليل على هيئة الخمس ، بل يمكن دعوى حصول فضيلة ذات العدد خاصة بالاثنتين أيضا ، وربما كان في خبر الحضرمي (١) السابق إيماء إليه ، كما أن تقييد المصنف فضل الذات بما إذا لم يحصل السأم لعله من جهة مطلوبية الإقبال في العبادة ، وربما أدي فعلها مع ذلك إلى عدم الرغبة فيها ، وإلا فليس في النصوص السابقة ما يدل عليه بالخصوص ، نعم قد يستفاد من فعل الصادق عليه‌السلام في الصلاة بأصحابه ، ومما ورد من التخفيف للإمام تفصيله الآخر بالانشراح وعدمه ، ولعل ذلك كله يندرج في مسألة ترجيح‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٥ و ٧.

١١١

المستحب على مستحب آخر مع التعارض لا تقييد أصل الاستحباب ، هذا.

وليعلم أن المراد باستحباب الثلاث مثلا وصف الثلاثية لا كل واحدة منها ، ضرورة وجوب الواحدة المنافي لثبوت الاستحباب ، نعم هو لا ينافي كونها جزءا من الكل المجموع المستحب ، ضرورة تغاير محل الوجوب والاستحباب ، فلا يتوهم حينئذ من قولهم يستحب الثلاث مثلا البناء على أنها أفضل أفراد الواجب التخييري ، فيكون كتسبيح الأخيرتين ، إذ قد عرفت أنها تجامع القول بوجوب الواحدة ، ولذا عينها في الذكرى بالأولى وإن لم تقصد مع تعبيره هنا بالعبارة المزبورة ، ومن المعلوم أنه على تقدير الوجوب التخييري لا معنى لجعل الواجبة الأولى ، بل الواجب حينئذ الثلاث ، نعم هو محتمل في نفسه لا أنه لازم للتعبير المزبور ، بل ظاهر الشهيد الثاني في الروضة أن التسبيح في المقام كالتسبيح في الأخيرتين ، وأن الكلام في الوجوب التخييري وعدمه متحد بالنسبة إليهما ، بل ربما يوهمه بعض أخبار المقام أيضا لكن دقيق النظر في النصوص هنا يعين الثاني ، بل هو صريح الصحيح المزبور وحمله على إرادة بيان أن الواحدة أقل الواجب لا داعي له ، بخلاف النصوص في تسبيح الأخيرتين ، فإنه يظهر من بعضها أن الواجب الثلاث ومن آخر الواحدة ، فيتجه القول بالتخيير حينئذ ، فلاحظ وتأمل.

وكيف كان فالظاهر كما اعترف به في كشف اللثام أن مورد التثليث مثلا التسبيحة الكبرى دون غيرها لعدم الدليل ، لكن يمكن بمعونة معلومية إرادة القدر من الكبرى تعميم البحث للجميع ، وحينئذ يكون تثليث الصغريات بتكرارها تسعا وهكذا ، لأن الثلاث بمنزلة الكبرى الواحدة ، وكذلك باقي الذكر ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.

ومن المسنون أيضا أن يرفع الامام صوته بالذكر فيه بلا خلاف أجده‌

١١٢

فيه كما في المنتهى ، لعموم أمره (١) بالإسماع لكل ما يقوله ، ولعل ذكرهم له هنا لتأكد استحبابه في خصوص المقام.

ومنه أن يقول بعد انتصابه سمع الله لمن حمده وفاقا للأكثر ، بل المشهور بل في ظاهر المنتهى والمعتبر والمسالك الإجماع عليه ، بل لعله المراد أيضا من المحكي عن النهاية ومعقد إجماع الخلاف « فإذا رفع رأسه من الركوع قال » كالمحكي عن المراسم « ثم يرفع رأسه ويقول » بل وما في اللمعة « في حالة رفعه منه » وما في القواعد « وقول سمع الله لمن حمده ناهضا » ليوافق ما في باقي كتبه كما في كشف اللثام فضلا عن غيرها من العبارات المعبر فيها بعند ونحوها ، نعم في الغنية « يقول عند الرفع ، فإذا استوى قائما قال : الحمد لله » إلى آخره. بل هو المنقول عن التقي وظاهر الاقتصاد ، بل حكاه في الذكرى عن ظاهر الحسن والسرائر وإن كان الذي وصل إلينا من عبارة الثانية يمكن إنكار ظهورها فيه ، بل لعلها ظاهرة في المشهور ، ولذا حكاه في كشف اللثام عنها ، كما أن فيما حضرني من الغنية عند استوائه ، لكن على كل حال هو مخالف لما عرفت ، ولما في‌ صحيح زرارة (٢) « ثم قل : سمع الله لمن حمده وأنت منتصب قائم الحمد لله رب العالمين أهل الجبروت والكبرياء والعظمة الحمد لله رب العالمين تجهر بها صوتك » وغيره ، ولقد أجاد في الذكرى في قوله : وهو مردود بالأخبار (٣) المصرحة بأن الجميع بعد انتصابه ، ومقتضى إطلاق بعضها ككثير من الفتاوى عدم الفرق في ذلك بين الامام والمأموم والمنفرد ، بل هو من معقد إجماع المنتهى والمعتبر والمسالك السابق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ١ والباب ١٧ منها الحديث ٣ والمستدرك ـ الباب ١٣ منها.

١١٣

بل عن البحار التصريح بالإجماع عليه ، لكن في المدارك لو قيل باستحباب التحميد خاصة للمأموم كان حسنا ، لصحيح جميل بن دراج (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام قلت : ما يقول الرجل خلف الإمام إذا قال : سمع الله لمن حمده؟ قال : يقول : الحمد لله رب العالمين ويخفض من الصوت » وفيه ـ مع منافاته لما عرفت ولمتابعة المأموم الامام ـ أنه يمكن عود ضمير الفعل بعد « إذا » إلى الرجل ، فلا ينافي الأخبار الأخر حينئذ ، بل يقوى في الذهن أن المراد به التعريض فيما تقوله العامة : « ربنا ولك الحمد » على معنى أن المستحب بعد السمعلة هذا ، وهو الذي أراده المصنف بقوله : « ويدعو بعده » ودل عليه الصحيح السابق وإن كان ليس دعاء حقيقة ، لا ذاك الذي يقوله المخالفون ، قال في المعتبر : يستحب الدعاء بعد السمعلة بأن يقول : الحمد لله أهل الكبرياء والعظمة إماما كان أو مأموما ذكر ذلك الشيخ ، وهو مذهب علمائنا ، ثم نقل عن الشافعي أنه يقول : « ربنا ولك الحمد » وعن أحمد روايتان : أحدهما كما يقوله الشافعي ، والثانية لا يقولها المنفرد ، وفي وجوبها عنه روايتان ، وعن أبي حنيفة أنه يقولها المأموم دون الامام ، ثم رجح قولنا بأنه المروي عن أهل البيت ( عليهم الصلاة والسلام ) ، وأنه أفصح لفظا وأبلغ في الحمد ، فيكون أولى ، ثم أيده بما رواه أحمد في مسنده ، ثم قال : ومن الجمهور من أسقط الواو لأنها زيادة لا معنى لها ، وقال بعض أهل اللغة : الواو قد تزاد في كلام العرب ، وظاهره إنكار ثبوت رجحانها لعدم نص بها عندنا كالشيخ في المبسوط وإن قال بعدم فساد الصلاة بقولها ، قال : ولو قال : ربنا ولك الحمد لم تفسد صلاته ، لأنه نوع تحميد ، لكن المنقول عن أهل البيت عليهم‌السلام أولى ، قلت : قد يقال بالفساد مع نية الاستحباب الخصوصي بناء على بطلانها بنحو هذا التشريع ، نعم لو تم ما رواه في الذكرى أمكن القول بثبوت استحبابه ، قال فيها : روى الحسين بن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ١.

١١٤

سعيد بإسناد إلى أبي بصير (١) عن الصادق عليه‌السلام « سمع الله لمن حمده الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم بحول الله وقوته أقوم وأقعد أهل الكبرياء والعظمة والجبروت » وبإسناده إلى محمد بن مسلم (٢) عنه عليه‌السلام « إذا قال الامام سمع الله لمن حمده قال من خلفه : ربنا لك الحمد ، وإن كان وحده إماما أو غيره قال : سمع الله لمن حمده الحمد لله رب العالمين » بل صريح الشهيد رحمه‌الله في الذكرى العمل به حيث دفع ما في المعتبر به ، قال : ويدفعه قضية الأصل ، والخبر حجة عليه ، وطريقه صحيح ، واليه ذهب صاحب الفاخر ، واختاره ابن الجنيد ولم يقيده بالمأموم ، وفيه مع أنه لا وجه صحيح لتمسكه بالأصل في إثبات الاستحباب الخصوصي احتمال ذكر الخبر المزبور على مذاق العامة كما استقر به في الحدائق ، ويؤيده عدم اعتناء مثل الشيخ به ، بل ظني أنه من جملة أخبار الكتاب المزبور التي تركها نقدة الآثار ولم يذكروها في جوامع العظام ، ومنه يعلم رجحان الذكر بعد السمعلة بما سمعته في النصوص السابقة لا بما في خبر أبي بصير لأرجحيتها عليه ، خصوصا مع عدم حسن التأليف فيه ، ولو أن الزيادة فيه بعد تمام الذكر في غيره لأمكن القول به للتسامح.

لكن ظاهر الشهيد العمل به ، حيث قال : ويستحب أيضا في الذكر هنا « بالله أقوم وأقعد » ولم أجده لغيره ولا في غير الخبر المزبور ، كما أني لم أجد‌ ما حكي عن ابن أبي عقيل من أنه روي « اللهم لك الحمد مل‌ء السماوات ومل‌ء الأرض ومل‌ء ما شئت من شي‌ء يعد » فيما حضرني من كتب الأصول والفروع إلا ما في الحدائق عن‌ كتاب الغارات (٣) « كتب أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى محمد بن أبي بكر ـ إلى أن قال ـ : وكان أي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا رفع صلبه قال : سمع الله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٤.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ١.

١١٥

لمن حمده اللهم لك الحمد مل‌ء سماواتك ومل‌ء أرضيك ومل‌ء ما شئت من شي‌ء » إلى آخره لكن لا بأس بذكره للتسامح ، وكذا لا بأس بالعمل بما في الصحيح الأول من استحباب الجهر بالسمعلة وما بعدها من الذكر السابق إلا أنه قد يشكل في المأموم إذا فرض سماع الامام ، لبعد احتمال التخصيص خصوصا والتعارض من وجه ، والمراد بالسمعلة الدعاء لا الثناء كما كشف عن ذلك ما في‌ خبر الفضيل (١) قلت للصادق عليه‌السلام : « جعلت فداك علمني دعاء جامعا فقال لي : احمد الله فإنه لا يبقى أحد يصلي إلا دعا لك يقول : سمع الله لمن حمده » وتعديته باللام لتضمنه معنى الاستجابة ، كما أن قوله تعالى (٢) ( لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى ) ضمن معنى الإصغاء ، إلى غير ذلك من المندوبات التي لا تخفى بعد التأمل في النصوص والإحاطة بها.

وأما ما يكره في الركوع فأمور : أحدها التبازخ‌ بالزاء والخاء المعجمتين وهو كما في الذكرى تسريح الظهر وإخراج الصدر ، ولعله اليه يرجع ما في كشف الأستاذ من أنه يحصل بجعل الظهر كالسرج وطي البطن ، ولم أعثر على نص فيه تفسيرا وحكما ، لكن ذكره في الذكرى وتبعه عليه الأستاذ ، ولا بأس به.

ثانيها التدبيخ‌ بالدال المهملة والخاء المعجمة ، وفي الذكرى روي بالذال المعجمة ، أيضا ، والأول أعرف ، وهو إن يقبب الظهر ويطأطئ الرأس ، ولعل الكراهة فيه ] للمرسل (٣) من نهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل لعله عامي ، نعم في‌ خبر إسحاق ابن عمار (٤) المروي في الذكرى عن أبي عبد الله عليه‌السلام « ان عليا عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٢ رواه عن المفضل.

(٢) سورة الصافات ـ الآية ٨.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٣.

١١٦

كان يكره أن يحدر رأسه ومنكبيه في الركوع ولكن يعتدل » وفي كشف الأستاذ ويكره التدبيخ بالدال المهملة والخاء المعجمة عكس التبازخ ، والتدبيح بالدال والحاء المهملتين بسط الظهر وطأطأة الرأس ، والتصويب هو التدبيح ، والإقناع جعل الرأس أرفع من الجسد ، وربما كان في‌ خبر علي بن عقبة (١) شهادة على بعض ذلك ، قال : « رآني أبو الحسن عليه‌السلام بالمدينة وأنا أصلي وأنكس رأسي وأتمدد في ركوعي فأرسل إلى لا تفعل » وإن كان غير منطبق على تمام ما سمعت ، نعم يستفاد منه كراهة تنكيس الرأس والتمدد كما نص عليهما بعد ذلك في الكشف أيضا ، مع أنه يمكن إرادة تنكيس الرأس في الخبر المزبور في القيام لا الركوع ، لكن يسهل الخطب أن الحكم مما يتسامح فيه ، على أن ما حضرني من نسخة الكشف غير نقية من الغلط.

ثالثها الانخناس‌ الذي تحصل معه الانحناء الواجب ، وإلا بطل ، وهو تقويس الركبتين والرجوع إلى وراء ، ولم أقف على نص فيه أيضا بالخصوص إلا أنه نص عليه في الذكرى والكشف ، ولعلهما أخذاه مما عرفت ، ومن دعوى ظهور النصوص في مرجوحية غير الصفة المأمور بها في الركوع ، خصوصا مثل هذه الأحوال ، بل لعل معنى الأمر بتسوية العنق للظهر وموازاته أنه لا يكون منكسا ولا مرتفعا ، فيستفاد منه حينئذ بعض هذه الأحوال ، كما أن من الأمر بغيره يستفاد آخر ولو بالقرائن لا من جهة أن ترك المستحب مكروه ، إذ هو مع أنا لا نقول به لا يقتضي كراهة الأضداد الخاصة ، ولا يخص هذه الأحوال دون غيرها ، فتأمل.

ورابعها التطبيق ، وهو جعل إحدى الكفين على الأخرى ثم إدخالهما بين ركبتيه للمروي عن‌ قرب الاسناد (٢) عن علي بن الحسين عليهما‌السلام « ان وضع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ٤.

١١٧

الرجل إحدى يديه على الأخرى في الصلاة عمل ، وليس في الصلاة عمل » ويحتمل إرادة التكفير منه ، لكن قد يكفي في الكراهة تصريح نحو الشهيد والفاضل فيما حكي من مختلفه حاكيا فيه ذلك عن أبي الصلاح ككشف اللثام ، مع أن ابن مسعود وصاحبيه الأسود بن يزيد وعبد الرحمن بن الأسود قالوا باستحبابه ، ولعل الرشد في خلافهم ، بل عن خلاف الشيخ عن ابن مسعود القول بوجوبه ، وكأنه لم يقف على ما روي عن سعد بن أبي وقاص قال : « كنا نفعل ذلك فأمرنا بضرب الأكف على الركب » وعلى كل حال لا يقدح خلافهم بعد انقراضهم في إجماع المسلمين على مرجوحية ذلك الآن بل لعل هذا هو المراد من الإجماع المحكي عن الخلاف على عدم الجواز ، كما أومأ إليه في كشف اللثام لا الحرمة الذاتية ، لعدم الدليل الذي يخرج به عن الأصل والإطلاقات ، وإجماع الخلاف مع حصول الظن بغيره لو فرض إرادة الفرض منه يحتمل ما سمعت مما لا يقدح فيما قلناه ، وما عن أبي علي من تعليله بالنهي عنه لم يثبت عندنا ، فما عن أبي الصلاح والفاضل وظاهر الخلاف وابن الجنيد من التحريم لا ريب في ضعفه ، على أنك قد سمعت حكاية الكراهة عن أبي الصلاح ، كما أنك سمعت احتمال إرادة الخلاف عدم الرجحان الذي هو مظنة الإجماع لا الحرمة ، وأما الفاضل فهو وإن كان ظاهر قواعده أو محتملها عدم الجواز لكن مع ما قيل من أنه لم يصرح به في باقي كتبه قد سمعت تصريحه بالكراهة في المختلف ، والمصنف لم يحضرني تصريح له بذلك ، فقل الخلاف حينئذ إن لم ينعدم باحتمال إرادة الكراهة من الجميع ، ويؤيده خلو النصوص والفتاوى عن الأمر به أو اشتراط عدمه في الصلاة ، إذ قد عرفت أن التحقيق عدم وجوب الوضع على الركبتين ، نعم لا إشكال في الحرمة مع قصد المشروعية للتشريع ، كما أنه يحتمل البطلان حينئذ معه بناء على بطلانها بمطلق التشريع فيها ، بل قطع به في كشف اللثام هنا ، وفيه ما عرفته غير مرة ، كما أن جزمه بالحرمة من دون إبطال لو قلنا‌

١١٨

بوجوب وضع الكفين على الركبتين لا يخلو من إشكال من وجهين ، لابتنائه على النهي عن الضد أولا ، أو لأن المتجه حينئذ البطلان أيضا بسبب ترك الوضع لا التطبيق ، ضرورة إرادة الشرطية من وجوب الوضع على الركبتين ، ولعله يريد من جهة التطبيق نعم يتعين البطلان لو فعله عمدا بناء على أنه فعل كثير كالتكفير ، بل الظاهر ذلك أيضا بناء على ثبوت النهي عنه كما عن أبي علي ، ويحتمله الخبر المزبور لظهور النهي المفروض عرفا فيه ، بل ظاهره حينئذ النهي عن الركوع بهذه الهيئة ، وفي الذكرى يمكن الصحة ، لأن النهي عن وصف خارج ، وهو كما ترى ، والأمر سهل بعد أن عرفت أن الأقوى عدم الحرمة.

خامسها أن يركع ويداه تحت جميع ثيابه كما صرح به جماعة ، بل في الذكرى وتعليق الإرشاد وعن المسالك نسبته إلى الأصحاب مشعرين بدعوى الإجماع عليه كظاهر المحكي عن الغنية ، وكفى به حجة لمثله ، مضافا إلى‌ خبر عمار (١) سأل الصادق عليه‌السلام « عن الرجل يصلي فيدخل يديه تحت ثوبه قال : إن كان عليه ثوب آخر فلا بأس ، وإن لم يكن فلا يجوز ذلك ، وإن أدخل يدا وأخرج أخرى فلا بأس » وهو ظاهر في المطلوب بعد إرادة الكراهة من نفي الجواز ، لقصوره عن إفادته خصوصا مع اتفاق الأصحاب ظاهرا على الجواز ، ومع ما تسمعه من صحيح ابن مسلم (٢) ونفي البأس فيه أولا لا ينافي المطلوب ، ضرورة عدم صدق تحت جميع الثياب المستفاد من إضافة الجمع مع فرض وجود الثوب ، ومنه يعلم عدم مخالفة الإسكافي لنا فيما حكي عنه من أنه لو ركع ويداه تحت ثيابه جاز ذلك إذا كان عليه مئزر وسراويل ، فتأمل. كما أن نفي البأس فيه أخيرا كذلك ، لظهور العبارة وغيرها في اعتبار إدخال‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ٤ مع اختلاف في الألفاظ.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ١.

١١٩

اليدين معا ، بل لعله مراد الفاضل في الإرشاد وإن عبر باليدين على ما قيل كالمحكي عن الوسيلة ، مع أن فيما حضرني من نسخة الأول « يداه » نعم ظاهره عدم الفرق في ذلك بين حال الركوع وغيرها من أحوال الصلاة ، ولذا عممه في الكشف ، وكأنهم خصوه بالركوع لأنه عنده ربما تسبب لانكشاف العورة ، فيمكن جعل ذلك فيه أشد ، هذا.

وقد ظهر مما عرفت أنه لا كراهة في وضع اليدين حينئذ في الكمين ، ولا تحت بعض الثياب خصوصا الرداء والعباءة في هذا الزمان ، فما عن أبي الصلاح من كراهة إدخالهما في الكمين وتحت الثياب لعموم إخراج اليدين لا يخلو من نظر ، وفي المدارك ويدفعه صريحا‌ صحيح ابن مسلم (١) سأل أبا جعفر عليه‌السلام « عن الرجل يصلي ولا يخرج يديه من ثوبه فقال : إن أخرج يديه فحسن ، وإن لم يخرج فلا بأس » وقد يناقش في دعوى الصراحة في رده ، بل أقصاه الدلالة على الجواز الذي يجامع الكراهة نعم هو ظاهر في استحباب الخروج ، ولعله ظاهر في البروز لا ما يشمل الدخول تحت الكمين ، ولذا حكي عن النفلية أنه يستحب بروز اليدين ، ودونه أن يكونا في الكمين ، ولا أن يكونا تحت ثيابه ، بل في شرحها أن هذا هو المشهور ، لكن الانصاف انسياق ما لا يشمل الدخول في الكمين من الخروج ، ولذا كان ظاهر المبسوط وغيره (٢) المساواة بين البروز والأكمام ، بل هو من معقد ظاهر إجماع الذكرى وعن غيرها ، فتأمل ، والمراد باليد المستحب بروزها الراحة والأصابع وما جاوزها إلى الزند ، لأنه هو المتعارف في البروز كما اعترف به في المحكي عن الفوائد الملية.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ١.

(٢) وفي المبيضة « عدم المساواة » والصواب « المساواة » طبقا للمسودة لأنهم سووا بين كون اليد في الكم وبين كونها خارجة عن الثياب.

١٢٠