جواهر الكلام - ج ١٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

١

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌

( مسائل سبع‌ )

بل تسع كما ستعرف ، الأولى لا يجوز قول آمين في آخر الحمد عند المشهور بين الأصحاب القدماء والمتأخرين شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا كما اعترف به في جامع المقاصد ، بل في المنتهى وعن كشف الالتباس نسبته إلى علمائنا مشعرين بدعوى الإجماع عليه ، بل في الغنية والتحرير والمحكي عن الانتصار والخلاف ونهاية الأحكام والتذكرة الإجماع عليه ، بل في المعتبر عن المفيد دعواه أيضا ، بل عن الأمالي أن من دين الإمامية الإقرار به ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه ، إذ لم نجد فيه مخالفا ، ولا حكي إلا عن الإسكافي وأبي الصلاح ، وهما مع كونهما غير قادحين فيه قد حكى عن ثانيهما في الذكرى أنه لم يتعرض لذلك بنفي ولا إثبات كابن أبي عقيل والجعفي وصاحب الفاخر ولا صراحة في كلام أولهما ، بل ظاهر بعض كلامه المحكي عنه الموافقة ، قال : ولا يصل الامام ولا غيره قراءته ( وَلَا الضّالِّينَ ) بآمين ، لأن ذلك يجري مجرى الزيادة في القرآن مما ليس منه ، وربما سمعها الجاهل فرآها من التنزيل ، وقد روى سمرة وأبي بن كعب السكتتين ولم يذكروا فيها آمين ، نعم قال بعد ذلك : ولو قال المأموم في نفسه : « اللهم اهدنا إلى صراطك » كان أحب إلى ، لأن ذلك ابتداء دعاء منه ، وإذا قال : « آمين » تأمينا على ما تلاه الامام صرف القراءة إلى الدعاء الذي يؤمن عليه سامعه ، ويمكن‌

٢

أن لا يريد المحبة المقتضية لجواز قول آمين ليخالف نهيه الأول ، وأما قوله في حدود الصلاة : ويستحب أن يجهر به الإمام يعني القنوت في جميع الصلوات ليؤمن من خلفه على دعائه فلعله أراد فيه الدعاء بالإجابة بغير لفظ آمين ، أو ذلك والاجتماع في الدعاء لشي‌ء واحد لا يجابه الإجابة ، بل ينبغي القطع بذلك أو نحوه ، وإلا كان قائلا بالندب المعلوم خلافه بين الشيعة ، على أنه انما يتم بناء على تعميم المنع لسائر أحوال الصلاة لا خصوص الآخر كما هو ظاهر الكتاب ، بل هو الأقوى كما ستعرف البحث فيه ، ويؤيد ذلك كله أنه لم يحكه عنه في المعتبر مع شدة حاجته اليه ، لميله فيه إلى عدم الحرمة فتعجب الشهيد في الذكرى من عدم استشهاده به يمكن رفعه بما سمعت.

ومن ذلك تعرف ما في قول المصنف هنا وقيل : إنه مكروه إذ لا قائل محقق معلوم وإن كان تلميذه الآبي فيما حكي عنه بعد أن نسب الأول إلى الثلاثة وأتباعهم قال : « ولا أعرف فيه مخالفا إلا ما حكى شيخنا دام ظله في الدرس عن أبي الصلاح » إلى آخره. لكن قد عرفت أنه لم يثبت أيضا ، نعم هو ذلك في المعتبر احتمالا ، وصار سببا لجرأة بعض متأخري المتأخرين على الخلاف ، فمنهم من جزم به ، ومنهم من فصل بين الحرمة والابطال ، وبذلك كانت المسألة ثلاثية الأقوال كما أن دغدغته في بعض المسائل الأصول والفروع من غير المقام صار سببا لجرأتهم على هدمها حتى حصل به خلل في الطريقة المعروفة المألوفة كما لا يخفي على الخبير الممارس.

وكيف كان فلا ريب أن التحقيق الأول حرمة وإبطالا ، بل لا أعرف أحدا من معتمدي الأصحاب فصل بينهما هنا وإن عبر بعضهم بلا يجوز ونحوه ، إلا أن من المعلوم إرادة البطلان من مثل ذلك مما يتعلق بالصلاة مثلا ، بل الحرمة فيه من جهة التشريع وتسبيبه لقطع العمل لا الذاتية ، وإلا فالذي هو الملحوظ في النظر ويراد بيانه فيها ما يتعلق بالصحة والبطلان ، ولذا عبر ابن زهرة وغيره بما يقتضي الحرمة ، واستدل‌

٣

بما يقتضي البطلان ، على أن جملة من معاقد الإجماعات السابقة كالانتصار والخلاف ونهاية الأحكام والمفيد وغيرها البطلان.

بل هو المراد من الحرمة في الغنية وعن التذكرة بعد التدبر ، بل هو مقتضى النهي أيضا في‌ حسن جميل (١) بإبراهيم ، قال الصادق عليه‌السلام : « إذا كنت خلف إمام فقرأ الحمد وفرغ من قراءتها فقل أنت : الحمد لله رب العالمين ولا تقل آمين » وخبر محمد بن سنان عن محمد الحلبي (٢) سأله عليه‌السلام أيضا « أقول إذا فرغت من فاتحة الكتاب : آمين قال : لا » قال المصنف في المعتبر : ورواه أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي في جامعه عن عبد الكريم عن محمد الحلبي ، وفي‌ حسن زرارة (٣) أيضا بإبراهيم أيضا المروي عن العلل عن أبي جعفر عليه‌السلام « ولا تقولن إذا فرغت من قراءتك آمين ، فإن شئت قلت : الحمد لله رب العالمين ».

بل ومن التحريم في‌ المروي (٤) عن دعائم الإسلام مرسلا عنهم عليهم‌السلام « انهم حرموا أن يقال بعد قراءة فاتحة الكتاب آمين كما يقول العامة ، قال جعفر بن محمد عليه‌السلام : انما كانت النصارى تقولها » بل مما أرسله أخيرا وما حكي عن الفقيه من نسبته ذلك إلى اليهود والنصارى يظهر وجه دلالة‌ صحيح معاوية بن وهب (٥) سأل الصادق عليه‌السلام « أقول آمين إذا قال الامام ( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضّالِّينَ ) فقال : هم اليهود والنصارى » وأن المراد به التشنيع على المخالفين بأن القائلين ذلك هم اليهود والنصارى ، بل لعل المراد المخالفون من اليهود والنصارى كما يومي اليه عدم القراءة عند اليهود والنصارى ، وفهم السائل بقرينة ما زاده في الوسائل في الخبر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ١٧ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ١٧ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة ـ الحديث ٦.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ١٧ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٢.

٤

« ولم يجب عن هذا » ان هذا جواب للمراد بالضالين لا لسؤاله ليس حجة ، فلا حاجة حينئذ لحمله على ترك الجواب للتقية ، بل يمكن إرادة الإمام في الجواب الجمع بين التقية وسؤال السائل بالايهام في العبارة المزبورة ، لكن السائل لم يفهمه ، على أنه لو سلم أمكن استفادة المطلوب منه أيضا ، إذ لو كان الحكم مكروها لتخلص حينئذ عنها بالجواب بالجواز لا بترك الجواب الموهم ما ينافيها كما هو واضح.

والمناقشة في ذلك كله بأن النهي إنما يقتضي الحرمة دون البطلان المنحصر في المتعلق بها أو جزئها أو شرطها بخلاف الأمر الخارج كما في المقام يدفعها منع حصر اقتضاء الفساد في ذلك ، بل العرف أكمل شاهد على اقتضائه مع تعلقه ولو بالأمر الخارج خصوصا من مثل الشارع المعد لبيان الصحة والفساد الذين هما المقصد الأهم في العبادة ، وخصوصا مع ملاحظة حاله في الاتكال على بيانهما في مثل هذه المركبات بالأمر والنهي بل لعله المتعارف في بيان كل مركب حسي وعقلي كما لا يخفي على من اختبر العرف ، وأنه متى قال : لا تفعل هذا في هذا عند إرادة البيان انتقل منه إلى إرادة الفساد ، ولذا أسلفنا في غير المقام أنه يمكن دعوى ظهور الأوامر والنواهي في بيان المركبات في التحتم الشرطي خاصة دون الشرعي.

فظهر حينئذ أن هذه النواهي تنحل إلى النهي عن الصلاة أو جزئها مثلا مقارنة لهذا المنهي عنه ومن خالطه شك في ذلك رفعه باختبار الوجدان بعد فرض استقامة ذهنه ومساواته لغالب الأذهان ، على أنه لو سلمنا إرادة الحرمة خاصة من النهي هنا أمكن القول بالبطلان أيضا من حيث اندراجه بسببها في كلام الآدميين لو قلنا إنها من الدعاء ، ضرورة ظهور أدلة رخصته المستفادة من الأمر به في المحلل منه ، مع إمكان إنكار أصل الدعائية فيها ، قال في كشف اللثام ـ بعد أن حكى عن الخلاف تعليل البطلان بأنها من كلام الآدميين الذي لا يصلح في الصلاة ـ : « وهو مبني على أنه ليس‌

٥

دعاء كما هو المشهور المروي‌ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومرفوعا في معاني الأخبار عن الصادق عليه‌السلام (١) وانما هو كلمة تقال أو تكتب للختم كما روي « أنها خاتم رب العالمين ، وقيل : إنها تختم بها براءة أهل الجنة وبراءة أهل النار وإن كان من أسماء الله تعالى‌ كما‌ أرسل في معاني الأخبار (٢) عن الصادق عليه‌السلام » إلى آخره. بل لعل ذلك هو الظاهر من أخبار المنع ، إذ من المستبعد جدا استفاضة النهي عنها مع أنها دعاء ، والفرض أن جوازه في الصلاة إجماعي ، والنصوص (٣) مستفيضة فيه.

وفي التحرير وجامع المقاصد وعن نهاية الأحكام وكشف الرموز والمهذب البارع والروض « أنه ليس قرآنا ولا دعاء بل اسم للدعاء ، والاسم غير المسمى » بل في التنقيح « اتفق الكل على أنها ليست قرآنا وانما هي اسم للدعاء ، والاسم غير المسمى » وعن الغنية « أن العامة متفقون على أنها ليست قرآنا ولا دعاء ولا تسبيحا » وإن كان لم أجده فيها ، وعن الانتصار « لا خلاف في أنها ليست قرآنا ولا دعاء مستقلا » وعن الكشاف « أنها صوت سمي به الفعل الذي هو « استجب » كما أن رويد وحيهل وهلم أصوات سميت بها الأفعال التي هي أمهل وأسرع وأقبل » وعن حاشية الأستاذ تارة « ان « آمين » عند فقهائنا من كلام الآدميين » وأخرى « أنها اسم للفظ الفعل بإجماع أهل العربية ، بل هو بديهي عندهم » وفي كشف اللثام « وبناه أي البطلان ابن شهرآشوب على أنه ليس قرآنا ولا دعاء أو تسبيحا مستقلا » قال : « ولو ادعوا أنه من أسماء الله تعالى لوجدناه في أسمائه ، ولقلنا يا آمين » وكأنه أراد بذلك الرد على ما يحكى عن الواحدي في البسيط والحسن البصري من أنه اسم من أسماء الله تعالى على أنه لو سلم كونه اسما من أسمائه تعالى فإتيانه مفردا غير مركب مع شي‌ء آخر لم يعلم‌

__________________

(١) معاني الأخبار ـ باب تفسير آمين ـ ص ٣٤٩ المطبوعة بطهران عام ١٣٧٩.

(٢) معاني الأخبار ـ باب تفسير آمين ـ ص ٣٤٩ المطبوعة بطهران عام ١٣٧٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب القنوت والباب ١٣ من أبواب قواطع الصلاة.

٦

جوازه في الصلاة أيضا ، بل الظاهر خلافه ، ودعوى أنه من الذكر يمكن منعها بظهور غير ذلك منه عرفا ، كما أنه لو سلم أن معناه معنى استجب أو اللهم استجب لا لفظه ـ كما في سائر أسماء الأفعال على ما ادعاه بعض المحققين من أهل العربية ، لعدم استحضار المتكلم بها الألفاظ في بعض الأحيان ، فيكون أسماء الأفعال مرادفة لها ، والإضافة بأدنى ملابسة ـ فقد يقال بالبطلان أيضا من حيث اعتبار ورودها عرفا بعد الدعاء لا بعد القرآن ، فلا تكون حينئذ دعاء ، واليه لمح من استدل على البطلان بأنه لو قال : اللهم استجب لم يجز ، فكذا ما بمعناه كما حكي عن الفاضلين وأبي العباس ، أما لو قيل : إن معناها كذلك مثله أو كذلك فافعل على ما يستفاد من مجموع ما عن القاموس والنهاية من الأقوال فلا محيص عن اعتبار تعقبها حينئذ للدعاء ، وعدم صحتها منفردة بل تكون لغوا.

ودعوى الاكتفاء بتعقبها لما يصلح للدعاء وإن لم يكن قصد به المتكلم ذلك ، أو منع اعتبار وقوعها بعده فيها على التفسير الأول لها ، وهو المعنى المعروف ، إذ لا مانع من إرادة طلب الاستجابة لكل ما دعي به في الزمن السابق ويدعى به في الزمن اللاحق أو يلتزم قصد الدعائية مع القرآنية ، ولا تنافي بينهما وإن حكي عن تبيان الشيخ المنع من جمعهما بالقصد ، للزوم استعمال المشترك في معنييه ، إذ التحقيق ضعفه لما في الذكرى من أن المعنى هنا متجه ، وهو الدعاء المنزل قرآنا ، ومن المعلوم أن الله انما كلف بهذه الصيغة لإرادته الدعاء ، فكيف يبطل الصلاة بقصده ، فإذا صح وقوعها حينئذ بعد المقصود به الدعاء من القرآن صح بعد غيره لعدم القول بالفصل.

يدفع الأول منها شهادة تتبع استعمالها ، ومعلومية قبح وقوعها بعد غير المقصود به الدعاء من اللغو والهذر وإن كان صالحا لأن يقصد به الدعاء ، على أن معنى طلب الاستجابة يستلزم فعلية السؤال بالأول قطعا ، بل والثاني أيضا ، وصحته مستقلا في‌

٧

« اللهم استجب » مثلا لا يقتضي صحته في « آمين » والعرف أعدل شاهد على ذلك وقد سمعت نفي الخلاف في الانتصار على عدم كونها دعاء مستقلا ، والثالث منع جواز القصد بهما أولا بناء على ما عندهم من وجوب تعيين المشترك بالقصد والنية كما ذكروه في البسملة وإن كنا قد ناقشناهم فيه ، فلاحظ وتأمل. اللهم إلا أن يفرق بينهما بأنه لا ينافي القرآن بقصد الدعاء بالمنزل منه ، ولا يوجب الاشتراك ، لاتحاد المعنى بخلاف غيره من المشترك بين القرآن وغيره ، فتأمل. وثانيا القلب على معنى عدم الصحة إذا لم يقصد كما هو الغالب في القارين من عرب وعجم ، ولا قائل بالفصل ، إلى غير ذلك مما يمكن استفادة المطلوب منه مما لا يخفي بعد الإحاطة بما ذكرنا.

ومن العجيب مع ذلك كله ما في المعتبر ، فإنه بعد أن اقتصر على خبر الحلبي (١) الذي رواه البزنطي من بين أخبار المنع قال : « ويمكن أن يقال بالكراهة ، ويحتج بما رواه‌ الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن جميل (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن قول الناس في الصلاة جماعة حين يقرأ فاتحة الكتاب : آمين قال : ما أحسنها واخفض الصوت بها » ويطعن في الروايتين بأن إحداهما رواية محمد بن سنان ، وهو مطعون فيه ، وليس عبد الكريم في النقل والثقة كابن أبي عمير ، فيكون رواية الإذن أولى لسلامة سندها من الطعن ورجحانها ، ثم لو تساوت الروايتان في الصحة جمع بينهما بالاذن والكراهة توفيقا ، ولأن رواية المنع تحتمل منع المنفرد ، والمبيحة تتضمن الجماعة ، فلا يكون المنع في إحداهما منعا في الأخرى ، والمشايخ الثلاثة منا يدعون الإجماع على تحريمها وإبطال الصلاة بها ، ولست أتحقق ما ادعوه ، والأولى‌

__________________

(١) المعتبر ص ١٧٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٥.

٨

أن يقال لم يثبت شرعيتها ، فالأولى الامتناع من النطق بها ».

ولا يخفي عليك ما فيه من وجوه ، خصوصا بالنسبة إلى اقتصاره على الخبر المذكور من بين أخبار المنع ، وخصوصا بالنسبة إلى ترجيحه هذا الخبر الذي إذا قرئ بالتعجب كان مخالفا لإجماع الإمامية إن لم يكن ضروريهم ، وموافقا للعامة الذين جعل الله الرشد في خلافهم ، إذ لم يقل أحد من الأصحاب بالاستحباب ، ولذا حملوه على التقية ، خصوصا وقد أمر بخفض الصوت بها ، وقد حكي استحبابه عندهم أيضا ، ولعل المصنف قرأه بصيغة نفي التحسين ، واستفاد التجويز من الأمر بخفض الصوت بها ، على أن المتبادر من الاقتصار على نفي الحسن انتفاء القبح أيضا ، لكنه ـ مع اقتضاء الثاني نفي الكراهة أيضا واحتمال قراءته واخفض بالماضي وإن كان لحنا بناء على عدم وروده منه كذلك لكنه من الراوي ، فيكون حينئذ مشعرا بالتقية ، ولا دلالة فيه على الجواز ـ كما ترى خلاف الظاهر ، لا أقل من تعارض الاحتمالين فيه ، بل يمكن قراءته « ما أحسنها » من الإحسان بمعنى العلم على صيغة التكلم ، كقوله عليه‌السلام (١) في التثويب : « ما نعرفه » فلا تنافي حينئذ بين خبري جميل (٢) وأظرف شي‌ء قوله : اني لم أتحققه ، إذ هو إن لم ينكر عليه ذلك مع ظهوره أنكر عليه اعتبار التحقق في حجية مثله ، وكذا قوله أيضا بالتفصيل بين المنفرد والمأموم ، مع أن صحيح جميل السابق الذي هو راوي الخبر المذكور صريح في المأموم ، بل لعله هو المراد من إطلاق غيره ، ضرورة ظهور إرادة التعريض به لما في أيدي الناس على ما أومأت إليه باقي النصوص ، بل في‌ المرسل (٣) عن دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم‌السلام عن النبي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١ و ٥.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ١٣ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٤.

٩

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « لا تزال أمتي بخير وعلى شريعة من دينها حسنة جميلة ما لم يتخطوا القبلة بأقدامهم ، ولم ينصرفوا قياما كأهل الكتاب ولم تكن ضجة آمين » ولا ريب أن المراد التعريض بهم كباقي النصوص.

ومن هنا أمكن اختصاص المنع بناء على أنها دعاء يجوز فعله في الصلاة لو لا الدليل بقولها كقولهم آخر الحمد كما يومي اليه المتن وما شابهه في التقييد المزبور ، قال العلامة الطباطبائي في مبطلات الصلاة :

ويبطل الكتف بها عن عمد

وهكذا التأمين بعد الحمد

بل لعل ذلك هو مراد من أطلق ، ضرورة انصرافه كإطلاق النصوص إلى ذلك ، لكن في المحكي عن الخلاف بعد دعوى الإجماع قال : « سواء كان ذلك سرا أو جهرا في آخر الحمد أو قبلها للإمام والمأموم وعلى كل حال » ونحوه المبسوط ، وفي التحرير « قول « آمين » حرام يبطل به الصلاة سواء جهر بها أو أسر في آخر الحمد أو قبلها إماما كان أو مأموما وعلى كل حال ، وإجماع الإمامية عليه للنقل عن أهل البيت عليهم‌السلام » إلى آخره إلى غير ذلك من العبارات الظاهرة والصريحة في التعميم المزبور ، وللنظر فيه وفي دعوى الإجماع عليه مجال واسع ، بل يمكن قصر المنع على الإتيان بها كما يأتون بعنوان الاستحباب بدعوى انصراف الإطلاقات إلى ذلك وإن كان الأقوى خلافه ، لعدم صلاحية مثله مقيدا ، ضرورة عدم تقييد السبب والمورد المسبب والوارد ، نعم ينبغي تقييد ذلك بغير التقية ، أما معها فلا بأس بها ، واحتمال عدم مشروعيتها هنا باعتبار أولوية الخفاء عندهم فلا ينكر حينئذ على الساكت لاحتمال الفعل يدفعه أنه قد تقتضي التقية الإجهار بها لدفع تهمة ونحوها ، أو كانوا قريبين منه مصغين اليه بحيث لا يسعه السكوت ، على أن في هذا الزمان صار الإجهار بها عندهم هو الشعار ، فلا مخلص بالسكوت كما في كثير من الأمور ، اللهم إلا أن يدعى عدم تناول‌

١٠

أدلة التقية لأمثال ذلك ، إذ المراد بها الفعل على مذهبهم ، واتفاق صيرورة بعض الأفراد شعارا وإن لم يكن مذهبهم ذلك خصوصا إذا كان شعار الجاهلين منهم لا يكفي في التقية المنزلة منزلة الدين وإن كان يجب الفعل مع فرض التضرر كالتقية من الموافق في الدين ، نعم لا تجزي في الفراغ من التكليف ، وفيه بحث لا يخفى.

ثم على تقدير وجوب الفعل للتقية لو تركها أثم بلا إشكال ، والأقوى صحة صلاته لعدم كون ذلك من الكيفية اللازمة في صحة الصلاة عندهم ، وتخيل الجهلاء منهم اعتبارها فيها لا يترتب عليه الحكم ، ولقد أجاد العلامة الطباطبائي رحمه‌الله في قوله بعد البيت السابق مشيرا إلى بعض ما ذكرنا :

ويلزمان حالة التقية

ولا يعدان من الكيفية

فلو أخل بهما لم تفسد

وإن عصى بالترك عن تعمد

والله أعلم بحقيقة الحال.

المسألة الثانية الموالاة والمتابعة في القراءة شرط في صحتها كما صرح به الشيخ والفاضلان والشهيدان والمحقق الثاني وغيرهم ، بل لا أجد فيه خلافا بين أساطين المتأخرين منهم ، للتأسي بالنبي والأئمة ( عليهم الصلاة والسلام ) ، واقتصارا في العبادة التوقيفية التي اشتغلت بها الذمة بيقين على المتيقن المستعمل بين المتشرعة من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين المتلقى يدا عن يد وخلفا عن سلف ، ولانصراف إطلاق الأمر بالقراءة إلى الفرد الشائع المعهود المتعارف لو سلم صدق القراءة على غيره ، ولخروج القرآن عن كونه قرآنا أو القراءة كذلك ببعض صور فوات الموالاة كالفصل بين المضاف والمضاف اليه والشرط وجزائه ونحوهما مما يفوت بفوات الموالاة بينها نظم القرآن وأسلوبه الذي به إعجازه ، لكن تبعا في المدارك للمحكي عن جده أن ذلك لا يتم على إطلاقه ، إذ القدر اليسير في خلال القراءة لا تفوت به الموالاة قطعا ، والأصح الرجوع‌

١١

إلى العرف ، وفيه أنه لم نعثر على نص اشتمل على اللفظ المزبور كي يرجع في مسماه إلى العرف ، بل العمدة في الحكم المذكور التأسي ، ولم يحك أنه فصل باليسير ، فهو حينئذ والكثير على حد سواء ، اللهم إلا أن يكون مراده الرجوع إلى العرف في صدق القراءة الذي يقدح فيه الكثير دون اليسير ، وفيه منع ، أو يكون المستند له في استثناء اليسير ما نص عليه غير واحد من الأصحاب ونطقت ببعضه النصوص من أنه لا بأس بالدعاء بالمباح (١) وسؤال الرحمة والاستعاذة من النقمة عند آيتهما (٢) وردّ السلام (٣) والحمد عند العطسة (٤) وتسميت العاطس (٥) ونحو ذلك وإن كان قد يناقش فيما لم يكن مورد دليله منها القراءة كالدعاء بالمباح وتسميت العاطس بأن المراد من نفي البأس عنها في الصلاة رفع الحرج عنها من حيث نفسها لا من حيث اتفاق تفويت بعض أفرادها الموالاة كنفي البأس عن قراءة القرآن في الصلاة أيضا ، والتمسك بإطلاق تلك الأدلة مع أن المنساق منه ما ذكرنا قطعا يوجب عدم الفرق بين اليسير والكثير منه ، والتزامه كما يومي اليه ذكر بعضهم هذه الأشياء بعنوان الاستثناء من حرمة ما يقدح في الموالاة فيه ما لا يخفى ، مع أنه لا ينبغي الاستشهاد به حينئذ على استثناء اليسير الذي ادعي عدم قدحه في الموالاة لا استثناؤه ، فتأمل. وأما ما كان مورد دليله خصوص القراءة كسؤال الرحمة والتعوذ من النقمة فالمتجه الاقتصار عليه خاصة لا التعدي منه إلى مطلق اليسير ، إذ هو مع أنه قياس ليس بأولى من التعدي حينئذ إلى مطلق الدعاء ، ضرورة اشتراكهما معا في وجود الجامع ، وعلى خصوص ما لا تفوت به الموالاة منهما أومى إليه سابقا عند البحث عنهما في المحكي عن المعتبر ، فلاحظ ذلك. وليست السيد المزبور أبدل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب قواطع الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب القراءة في الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب قواطع الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب قواطع الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب قواطع الصلاة.

١٢

الاستثناء المذكور بالمناقشة في أصل اعتبار الموالاة إن لم يقم إجماع عليه بعدم الاطمئنان بدعوى التأسي في مثل المقام ، إذ هو ـ بعد الإغضاء عن ثبوت هذا النقل عنه ، وعن الرواية المذكورة تتمة للاستدلال به ، وهي‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « صلوا كما رأيتموني أصلي » ـ قد يناقش بأن هذا الترك منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لجريان العادة بالتتابع في القراءة ، خصوصا إذا كان غرضه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تعليم أصل الصلاة وبيانها ، ضرورة أن كل من تلبس في تعليم أمر من الأمور الدنيوية أو الأخروية لا يمزج غالبا في أثنائه أمرا آخر غيره ، كما هو واضح لكل من لاحظ وتأمل ، فلعل موالاته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت لذلك ، كموالاته بين الأفعال وبين الأقوال غير القراءة من التشهد والأذكار ، بل وبين الأفعال والأقوال كأذكار الركوع والسجود ونحوهما لا لوجوب التوالي المزبور ، والاقتصار على المتيقن لا يتم على المختار من الأعمية وعلى التمسك بالإطلاقات الكتابية والسنية ، ومنع الشيوع الإطلاقي كمنع فوات النظم بمطلق فوات الموالاة ، وثبوته في البعض لا يصلح دليلا للكل ، بل ينبغي جعل المدار على الماحي لصورة الصلاة أو القراءة أو القرآن من فوات الموالاة من غير فرق بين القراءة وغيرها من أفعال الصلاة ، خصوصا مع ملاحظة إطلاق نفي البأس عن الدعاء وقراءة القرآن في الصلاة ، حتى أنه ورد في‌ خبر علي بن جعفر (٢) المروي عن قرب الاسناد انه سأل أخاه عليه‌السلام « عن الرجل يصلي له أن يقرأ في الفريضة فتمر الآية فيها التخويف فيبكي ويردد الآية قال : يردد القرآن ما شاء » كما أنه قد مر سابقا عند قول المصنف : « ولو قدم السورة على الحمد » ما يشهد له في الجملة أيضا ، وقد يأتي أيضا في تضاعيف المباحث ذلك أيضا ، ولعله لذلك كله تأمل في وجوب الموالاة‌

__________________

(١) صحيح البخاري ج ١ ص ١٢٤ و ١٢٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٨ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٣.

١٣

الأردبيلي فيما حكي عنه ، وربما تبعه بعض من تأخر عنه ، لكن ومع ذلك فالخروج عما عليه الأصحاب وأرسلوه إرسال المسلمات بل ربما كان عند بعضهم من الواضحات ليس بمستحسن ، والله أعلم.

وحينئذ فلو قرأ مثلا خلالها أي القراءة الواجبة من سورة أخرى غيرها مثلا استأنف القراءة من رأس إن كان سهوا وفرض عدم صدق القراءة أو القرآن على ما وقع منه ولو أوصله بما بقي له منها ، لعدم صدق الامتثال ، فيبقى حينئذ في العهدة ، أما إذا لم يكن كذلك فالمتجه القراءة مما انتهى اليه ، للأصل ، وصدق الامتثال ، ووجوب تدارك المنسي مع بقاء المحل الذي هو عدم الدخول في ركن انما هو إذا أمكن تداركه بنفسه من غير حاجة إلى إعادة شي‌ء آخر غيره ، أما نحو المقام والجهر والإخفات وغيرهما من الصفات فقد يمنع وجوب تداركه بمنع شمول ما دل عليه لمثله ، وقد يفرق بينه وبين تدارك الترتيب في نفس الحمد أو السورة بتوقف صدق اسم كل منهما عليه ، بخلاف الموالاة التي هي محل البحث ، نعم قد يشبه ما نحن فيه الترتيب بين الحمد والسورة ، ولعل الفارق بينهما الإجماع أو غيره ، فتأمل جيدا.

فإطلاق المصنف وغيره ـ بل قيل : إنه المشهور ، بل ربما نسب إلى ما عدا الشيخ من الأصحاب استئناف القراءة لتحصيل الموالاة المتوقفة على الاستئناف كإطلاق المبسوط والمحكي عن نهاية الأحكام والتذكرة والموجز وكشف الالتباس القراءة من حيث انتهى لحصول الامتثال بما وقع ـ لا يخلو من نظر ، لما عرفت من أن المتجه التفصيل المزبور ، وربما أومأ إلى بعضه كشف اللثام حيث أنه بعد أن حكى عن المبسوط وبعض ما بعده ذلك قال : وهو الوجه إذا لم ينفصم نظام الكلام ، ضرورة إشارته بالاشتراط المذكور إلى بعض ما ذكرنا ، والظاهر أنه مع الانفصام يستأنف خصوص ما انفصم من الكلام لا القراءة من رأس ، فلو فرض وقوع الإخلال بين « إياك » و « نعبد » مثلا استأنف‌

١٤

هذه الآية خاصة لا هي وما تقدمها ، بل قد تتخيل تحصيل أصل الموالاة أيضا إذا فاتت بالفصل بين الآيات مثلا باستئناف ما انتهى اليه موصولا بما بعده ، وإن كان قد يناقش فيه بأنه لا موالاة بين ما وقع منه من اللفظ الأول ، ضرورة تعقبه بما أخل به ، وأما اللفظ الجديد فلا موالاة بينه وبين ما تقدمه ، للفصل بينهما بما سبق مما فات به الموالاة وغيره ، كما هو واضح.

وإن كان قد قرأ مخلا بالموالاة عمدا استأنف الصلاة كما في الذكرى وجامع المقاصد وفوائد الشرائع وعن نهاية الأحكام والبيان والألفية والجعفرية وشرحيها والميسية والروض وفوائد القواعد والمقاصد العلية ، لأنه نقص لجزء الصلاة الواجب ، ومخالفة للصلاة البيانية عمدا ، واليه أشار الشهيد في الذكرى بقوله : لتحقق المخالفة المنهي عنها ، وكأنه يريد المخالفة بترك الموالاة الواجب فعلها المنهي عن تركها بسبب الأمر بها ، وظني أن مرجع ذلك كله ـ بعد عدم النهي عنه في الصلاة في شي‌ء من النصوص كي يكون ظاهره مقتضيا للفساد ـ إلى ما ذكروه غير مرة فيما تقدم سابقا من اقتضاء نحو ذلك الزيادة في الصلاة مع فرض التدارك والنقصان مع عدمه ، ضرورة عدم حصول الامتثال بما وقع منه ، وفيه من البحث ما سمعته سابقا ، ولعله له أو لغيره حكم هنا باستئناف القراءة خاصة في ظاهر المتن والتحرير والإرشاد وصريح المبسوط والمدارك والمحكي عن التذكرة والدروس والموجز الحاوي وكشف الالتباس ، وهو لا يخلو من قوة كما أوضحناه فيما تقدم ، بل المقام أولى ، بناء على المختار الذي أومأنا إليه سابقا من أن المدار في الموالاة على محو الاسم من غير فرق بين الصلاة وجزئها قراءة وغيرها فحينئذ لا فرق بين العمد والسهو ، ولقد أجاد العلامة الطباطبائي بقوله :

وكل فصل بين أجزاء العمل

إن زاد في العادة مثله أخل

ويستوي العمد هنا والسهو

إن حد بالماحي وبان المحو

١٥

والمحو للجزء كمحو الكل

فاعتبر القاري كالمصلي

وهكذا الذاكر والمسبحا

فيبطل الفصل بما لاسم محا

إلى آخره ، وهو وإن كان مختلفا لكنه في العرف مضبوط ، فالتكبير مثلا يمحوه اليسير بخلاف الفصل بين الحمد والسورة والحمد والتكبيرة ، وكذلك البحث في نحو الكلمة والكلام ، والمدار ما سمعت من محو الصورة والنظام ، وأما دعوى أن البطلان في مفروض المتن بسبب حرمة ما وقع به الإخلال من القرآن أو الذكر مثلا فيكون ككلام الآدميين حكما لا المحو واضحة المنع من وجوه ، خصوصا مع ابتنائها على مسألة الضد ، فتأمل.

وكذلك يستأنف القراءة خاصة فيما لو نوى قطع القراءة وسكت حتى لو أخل بالموالاة ، ضرورة عدم الفرق بينه وبين الإخلال بها بالقراءة ، إذ احتمال وجوب الاستئناف لنية القطع لا لفوات الموالاة ـ ولذا لم يقيد السكوت بما يقضي بفواتها ـ في غاية الضعف ، فما في المبسوط من القول بالإعادة وهو الذي أشار إليه المصنف بقوله وفي قول يعيد الصلاة مع قوله هناك بإعادة القراءة خاصة لا وجه له ، اللهم إلا أن يريد بنية القطع عدم العود إليها أصلا ، فإنها تبطل حينئذ بنية المنافي وبترك واجب في الصلاة عمدا ، وبفوات الاستدامة على بعض الوجوه ، مع أنه قد قيل أيضا : إنه لا يوافق ما ذهب اليه من عدم البطلان بنية المنافي مع عدم فعله ، إلا أن يفرض حصول السكوت الطويل المخرج عن الصلاة أو دخوله في الركوع حتى يكون قد أخل بواجب ، وإلا فنية قطع القراءة غير منافية كالسكوت غير الطويل ، وما في كشف اللثام من أن نيته القطع تتضمن نية زيادة ما لا يشرع في الصلاة أو النقصان فيكون قد عدل عن نية الصلاة إلى صلاة غير مشروعة يدفعه ـ مع أنه قد يخلو نية مطلق القطع‌

١٦

عن ذلك ـ ما في الذكرى من أن نية المنافي إما أن تبطل بدون فعله أو لا كما سبق منه أي المبسوط النص عليه في فصل النية ، فإن كان الأول بطلت الصلاة بنية القطع وإن لم يسكت ، مع أنه نص على الصحة فيه ، وإن كان الثاني لم تبطل ما لم يسكت طويلا بحيث يخرج عن مسمى الصلاة أو يركع ، لكن قد يقال : إن ما نحن فيه عند التأمل من نية قطع الصلاة وإنشائها والتلبس ببعض آثارها لا من نية فعل المنافي ، فينبغي حينئذ بناء الصحة والبطلان على ذلك لا على نية فعل المنافي كما أومأ إليه في جامع المقاصد ، وكذا لا وجه لما وقع من غير واحد من الأصحاب من الحكم في الإخلال بالموالاة بالسكوت المخرج عنها دون الصلاة باستئناف القراءة ، وفي السابق باستئناف الصلاة ، مع أن في كل منهما تفويت الموالاة عمدا ، ولعله لذا حكم بإعادة الصلاة فيهما معا في المحكي عن البيان ، كما أن غيره ساوى بينهما في استئناف القراءة ، اللهم إلا أن يجعل مدرك الفساد هناك ما تخلل من القراءة أو الذكر مما حصل به فوات الموالاة من حيث اندراجه بسبب حرمته في كلام الآدميين أو نحوه مما يخص ذلك المقام بخلافه هنا ، لكنه كما ترى لا يخفى عليك ما فيه.

وأوضح من ذلك إشكالا ما في إطلاق المتن وغيره أما لو سكت في خلال القراءة لا بنية القطع أو نوى القطع ولم يقطع مضى في صلاته ضرورة اتحاد السكوت المخرج عن الموالاة خاصة مع غيره مما تفوت به في استئناف القراءة أو الصلاة ، على أن نية القطع مع السكوت التي حكم فيها باستئناف القراءة سابقا لا أجد لها أثرا سواء استصحبت نية العود أولا ، بناء على عدم بطلان الصلاة بنية القطع أو نية فعل المنافي كما هو مختار المصنف في فصل النية ، وإلا اتجه بطلان الصلاة لا استئناف القراءة خاصة ففرقه حينئذ بين السكوت مصاحبا لنية القطع وغير مصاحب غير واضح ، إذ نية قطع القراءة لا ترفع قابلية ما وقع منه إذا أكمل بما بقي ، لامتثال الأمر بها مع قطع النظر عن‌

١٧

اعتبار الموالاة ، ومع ملاحظتها لا فرق بعد فواتها بين نية القطع وعدمها ، اللهم إلا أن يدعى اعتبار استدامة نية القراءة في صحة القراءة بدعوى عدم صدق الامتثال بالمركب العقلي إلا باستدامة النية التي هي من مقومات الامتثال به بخلاف المركب الحسي ، فيتجه حينئذ الاستئناف مع نية القطع ، لكن يبقى عليه سؤال الفرق بين فوات الموالاة بقراءة الغير وبين فواتها بالسكوت المجرد عن نية القطع الذي قد صرح معه باستئناف القراءة في المحكي عن التذكرة والموجز وشرحه وجامع المقاصد والجعفرية وشرحيها وغيرها.

وقد يجاب بإرادة ما لا يذهب الموالاة من السكوت ، ولذا احتاج في الأمر بالاستيناف معه إلى استصحاب نية القطع ، أقصى ما هناك يكون حكم السكوت المذهب للموالاة متروكا في كلامه ، كما أن الظاهر حينئذ كون قوله : « وكذا » إلى آخره ليس من بيان الموالاة في شي‌ء ، بل ذكره لمشاركته لها في إيجاب استئناف القراءة ، إلا أنه مع هذا كله والانصاف عدم خلو جميع ذلك عن التجشم ، والتحقيق أنه لا فرق بين فوات الموالاة بالقراءة مثلا وبين فواتها بالسكوت ، مستصحبا لنية قطع القراءة أو لا ، ناويا لقراءة أخرى غيرها أو لا ، بناء على عدم بطلان الصلاة بنية فعل المنافي أو القطع ، وأما ما ذكره من المضي فيما لو نوى القطع ولم يقطع وتبعه عليه غيره كالفاضل بل وعن ابن فهد والصيمري وغيرهم فقد أشكله في جامع المقاصد بأنه إن أريد به عدم العود إليها كان في الحقيقة كنية قطع الصلاة ، وإن لم يرد ذلك بأن قصد القطع في الجملة كان المأتي به حينئذ غير محسوب من قراءة الصلاة ، فإن أفعال الصلاة وإن لم تحتج إلى نية تخصها لكن يشترط عدم وجود نية تنافيها ، فيكون كما لو قرأ بينها غيرها ، وفيه ـ مع احتمال إرادة نية القطع ثم العدول عنها قبل وقوع شي‌ء من القراءة ـ انه قد يقال يكفي في صحة القراءة واحتسابها من قراءة الصلاة ما هو متلبس به من نية الاستدامة التي لا ينافيها نية قطع القراءة مع عدم وقوع المنوي ، لانحلالها في الحقيقة إلى العزم ،

١٨

كما هو واضح بأدنى تأمل ، هذا.

وقد صرح في الذكرى وغيرها « أنه لا بأس بقطع الموالاة بالسكوت مثلا لعذر ، كما لو ارتج عليه الكلام فسكت للتذكر » وفي كشف اللثام « ان قطع القراءة لسعال ونحوه ليس من الإخلال بالموالاة الواجبة » قلت : قد يشكل في بعض الأعذار إن لم يكن جميعها بأنه لا تزيد في العذرية على النسيان الذي قد عرفت استئناف القراءة معه ، كما أن أصل العذرية لا ينافي إيجاب استئناف القراءة بفوات الموالاة التي هي شرط عندهم في صحة القراءة في حالي العمد والنسيان ، فتأمل. وكذا صرح في الذكرى وغيرها أن الموالاة لا تبطل بتكرير الآية ، بل فيها الآيتين فصاعدا لغير الإصلاح فضلا عنه وإن لم يأت بالآية التي قبلها ، وبعض العامة قال : يأتي بالتي قبلها ثم يكررها ولعله هو الذي أومأ إليه في التذكرة بقوله : سواء وصلها بما انتهى اليه أو ابتدأ من المنتهى خلافا لبعض الشافعية في الأول ، كما أن الظاهر كون المستند لهم في ذلك بعد إمكان دعوى عدم قدح خصوص ذلك في الموالاة باعتبار نفس المكرر ما سمعته سابقا مما دل على جواز قراءة القرآن في الصلاة ، خصوصا ما في‌ خبر علي بن جعفر (١) السابق « كرر من القرآن ما شئت » وإن كان الأخذ بإطلاقه لا يخلو من نظر وتأمل ، ولذا استشكل في المحكي عن التذكرة في تكرار الفاتحة عمدا ، وإن قال في الذكرى : « إن الأقوى الجواز ، لأن الكل قرآن ، ولأن تكرار الآية جائز فكذا السورة ، ثم ولو كرر السورة فالخطب فيه أسهل ، لأن القران بين السورتين قيل بجوازه ، وهو في قوة القران » قلت : وقد يقال : إنه أصعب من جهة منع بعضهم للقران ، فلو جاز للتكرار أمكن منعه لذلك ، لكن ينبغي أن يعلم أن جواز ذلك كله مشروط بما إذا لم يأت به المكلف بعنوان الجزئية أو الاستحباب ، لثبوت التشريع حينئذ ، فتبطل الصلاة بناء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٨ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٣.

١٩

على بطلانها بمثله كما اعترف به في الذكرى.

ولو شك في كلمة أتى بها ، وفي الذكرى والأجود إعادة ما يسمى قرآنا ، وأولى منه عدم جواز الإتيان بمجرد الحرف الذي شك فيه أو تيقن فساده ، لأنه لا يعد بعض الكلمة كلمة فضلا عن كونه قرآنا ، فلا تبرأ ذمته حينئذ إلا بإعادة الكلمة ، مع احتمال الاجتزاء بإعادة الحرف ، لأنه هو المتعارف في تدارك الكلمة ، ولأن ما تكلم به منها قد امتثل به ، فلا يكلف به بعد ، بل قد يدعى البطلان بإعادته ، ومنه يعرف الإشكال حينئذ في السابق من إعادة ما يسمى قرآنا مع الكلمة المشكوك بها ، وفيه أنه لا يتصور الاجتزاء بالمركب مع فساد بعض أجزائه التي جي‌ء بها مقدمة ، وإلا فلا خطاب بها مستقلا ولا صالحة للاستقلال بحيث تقبل الانضمام لما يأتي ، بخلاف مثل الفاتحة ، ولعل الأولى جعل المدار على صدق اسم ذلك المركب ، أو على تعارف كيفية تدارك مثل هذا المركب في النطق ، وربما ظهر بالتأمل فيما ذكرنا ما في بعض إطلاق الذكرى ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.

المسألة الثالثة عن التبيان ومجمع البيان أنه روى أصحابنا (١) أن « الضحى » و « ألم نشرح » سورة واحدة ، وكذا « الفيل » و « لإيلاف » ، ولا يجوز إفراد إحداهما عن صاحبتها في كل ركعة بل هو المشهور عملا أيضا بين المتقدمين كما في الحدائق ، وعن البحار بل في الذكرى وجامع المقاصد نسبته إلى الأكثر من غير تقييد ، بل في التحرير وعن السرائر ونهاية الأحكام والتذكرة والمهذب البارع « أنه قول علمائنا » بل عن الانتصار « أنه الذي تذهب إليه الإمامية » بل عن الأمالي « انه من دين الإمامية الإقرار بذلك » بل عن الاستبصار « أن الأولين سورة واحدة عند آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل في المنظومة :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٤.

٢٠