جواهر الكلام - ج ٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

قلت : بل يمكن دعوى ظهور ما ذكرناه من بعض النصوص (١) في أنه ينبغي التنبيه بغيره مخافة صيرورته سببا لذوي الأعذار أو لسواد الناس في الصلاة قبل الوقت وربما كان‌ في الصحيح (٢) إيماء إليه أيضا ، مضافا إلى ما عرفت ، قال فيه : « إن عمران بن علي سأل الصادق عليه‌السلام عن الأذان قبل الفجر فقال : إذا كان في جماعة فلا ، وإذا كان وحده فلا بأس ».

ثم ان الظاهر عدم تقدير زمان للتقدم بناء عليه بسدس الليل ونحوه ، بل ربما‌ روي (٣) « أن الفصل بين أذاني ابن أم مكتوم وبلال نزول هذا وصعود ذاك » كما أنه لا يعتبر فيه الاتحاد ، بل مقتضى التأسي بناء على أنهما منصوبان للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التعدد ، فتأمل جيدا.

وكيف كان فـ ( الأذان على الأشهر ) عندنا فتوى إن لم يكن رواية شهرة عظيمة يمكن دعوى الإجماع معها ، بل في المدارك « أنه مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا » وفي التذكرة والمحكي عن نهاية الأحكام نسبته إلى علمائنا ، وفي الذكرى نسبته إلى عمل الأصحاب ، وفي المسالك الطائفة والأصحاب لا يختلفون فيه في المحكي عن المهذب بل ظاهر الغنية أنه من معقد إجماعها ثمانية عشر فصلا لا أزيد ولا أنقص : التكبير أربعا ، والشهادة بالتوحيد ، ثم بالرسالة ، ثم يقول : حي على الصلاة ، ثم حي على الفلاح ، ثم حي على خير العمل ، والتكبير بعده ، ثم التهليل ، كل فصل مرتان بل في المعتبر والتذكرة والمحكي عن الناصريات والبحار والمنتهى الإجماع على تثنية التهليل في آخره ، بل عن الأخير الإجماع على التربيع في الأول.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٧ و ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٦.

(٣) سنن البيهقي ج ١ ص ٣٨٢.

٨١

وأما الإقامة فـ ( فصولها ) على المشهور بين الأصحاب أيضا شهرة عظيمة بل في التذكرة عندنا ، وعن المنتهى والنهاية نسبته إلى علمائنا ، ولا يختلف فيه الأصحاب في المحكي عن المهذب ، وعليه عمل الأصحاب في الذكرى ، والطائفة في المسالك مثنى مثنى ، ويزاد فيها بين حي على خير العمل والتكبير قد قامت الصلاة مرتين ، ويسقط من التهليل في آخرها مرة واحدة فتكون سبعة عشر فصلا ، إذ لم تنقص عن الأذان إلا بالتهليل في الآخر مرة ، لقيام قول : « قد قامت » مقام التكبيرتين في الأول ، فيكون مجموع فصول الأذان والإقامة خمسة وثلاثين فصلا ، كما سمعه‌ الجعفي (١) من الباقر عليه‌السلام قال : « الأذان والإقامة خمسة وثلاثون حرفا ، فعدد ذلك بيده الأذان ثمانية عشر ، والإقامة سبعة عشر حرفا » وهذا لا ينطبق إلا على ما عرفت ولو بمعونة الإجماع وباقي النصوص ، فلا يقدح حينئذ إجماله من هذه الجهة ، ففي خبر الحضرمي والأسدي (٢) « أن الصادق عليه‌السلام حكى لهما الأذان فقال : الله أكبر الله أكبر » إلى آخر ما ذكرنا ، لكن‌ قال عليه‌السلام في آخره : « والإقامة كذلك » والظاهر إرادته أنه حكى الإقامة مفصلة أيضا لا أن المراد تكرار ذلك للإقامة فيكون محذوفا قول : « قد قامت الصلاة » فيه ، وهو مما لم يقل به أحد ولا تضمنه خبر ، ويكون مجموع الأذان والإقامة حينئذ ستة وثلاثين ، وهو غريب ، فلا بد من حمل الخبر المزبور على ما ذكرنا ، واحتمال إرادة كون الإقامة كالأذان فصولا مع زيادة « قد قامت الصلاة » فيكون المجموع ثمانية وثلاثين حرفا ينافيه الإجماع في المحكي عن الناصرية إن لم يكن تحصيلا على سقوط التهليل مرة من آخر الإقامة ، بل والصحيح (٣) عن معاذ بن كثير عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إذا دخل المسجد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

٨٢

وهو لا يأتم بصاحبه وقد بقي على الإمام آية أو آيتان فخشي إن هو أذن وأقام أن يركع فليقل : قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله وليدخل في الصلاة » ضرورة ظهوره في الاجتزاء عن الإقامة بالإتيان بآخرها الذي هو ما سمعت كالمروي‌ عن دعائم الإسلام (١) عن الصادق عليه‌السلام « الأذان والإقامة مثنى مثنى ، وتفرد الشهادة في آخر الإقامة بقول : لا إله إلا الله مرة واحدة » بل والمروي‌ عن المعتبر في الصحيح (٢) عن كتاب البزنطي « ان الصادق عليه‌السلام قال : الأذان الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله مرتين » وقال في آخره : « لا إله إلا الله مرة » بناء على إرادة الإقامة من الأذان فيه للإجماع بقسميه كما عرفت على تثنية التهليل في آخر الأذان.

وعلى كل حال فلا محيص عن حمل الخبر المزبور على ما ذكرناه ، وهو واضح الدلالة على فصول الأذان ، كوضوح‌ قول الباقر عليه‌السلام في صحيح زرارة (٣) : « يا زرارة تفتتح الأذان بأربع تكبيرات وتختمه بتكبيرتين وتهليلتين » وخبر المعلى بن خنيس (٤) « سمعت الصادق عليه‌السلام يؤذن فقال : الله أكبر أربعا أشهد أن لا إله إلا الله مرتين » إلى آخر ما وصفنا ، ومنه يعلم أن مراده عليه‌السلام لما سأله ابن سنان (٥) عن الأذان فقال : « تقول : الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله » إلى آخر ما قلنا تعليم كيفية التكبير لا الاقتصار فيه على المرتين المخالف للمعلوم من تربيع التكبير في أول الأذان وإن كان يوافقه على ذلك‌ صحيح زرارة والفضيل (٦) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « لما أسري برسول الله‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٥.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٨.

٨٣

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فبلغ البيت المعمور وحضرت الصلاة فأذن جبرائيل وأقام فتقدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصف الملائكة والنبيون خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : فقلنا : كيف أذن؟ فقال : الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ـ إلى آخر ما سمعت ثم قال ـ : والإقامة مثلها إلا أن فيها قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة بين حي على خير العمل وبين الله أكبر ، فأمر بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلالا فلم يزل يؤذن بها حتى قبض الله رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » بل وخبر أبي همام (١) عن أبي الحسن عليه‌السلام انه قال : « الأذان والإقامة مثنى مثنى » وغيرهما من النصوص الدالة على ذلك ، حتى أن جماعة من متأخري المتأخرين عملوا بها إلا أنها بين مطرح أو مأول بإرادة التثنية في أكثر الفصول أو التشبيه به لذلك فلا ينافي حينئذ وحدة التهليل في آخر الإقامة ، كما أنه لا ينافي نصوص التربيع أول تكبيرة الأذان ، خصوصا مع احتمال إرادة نفي الوحدة من‌ قوله عليه‌السلام « الأذان والإقامة مثنى مثنى » تعريضا بما ذهب اليه جميع العامة من الوحدة في تهليل الأذان ، وأكثرهم في الدعاء للصلاة والفلاح في الإقامة ، بل عن الشافعي منهم في القديم ومالك وداود الوحدة في جميع فصولها ، فيراد من التثنية حينئذ في النصوص نفي الوحدة المزبورة فلا ينافي التربيع بل ولا وحدة التهليل في آخر الإقامة ، وستسمع مرسل الهداية (٢) الذي عبر بالمثنى مع انتهائه إلى اثنين وأربعين.

كل ذلك مضافا إلى احتمال إرادة أن الأصل في الأذان التثنية إلا أنه وضع الأربع في الأول للإعلام ، قال الرضا عليه‌السلام في خبر علل الفضل (٣) : « وجعل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١٤.

٨٤

التكبير في أول الأذان أربعا لأن أول الأذان إنما يبدأ غفلة وليس قبله كلام ينبه المستمع له فجعل الأوليان تنبيها للمستمعين لما بعده في الأذان » وإلى غير ذلك من الاحتمالات المذكورة وإن كان بعضها في غاية الضعف بل مقطوعا بفساده ، بل الإنصاف أنه لو لا تسالم الأصحاب وعمل الشيعة في الأعصار والأمصار في الليل والنهار في الجامع والجوامع ورؤوس المآذن على العدد المزبور لكان القول بجواز الجميع مع تفاوت مراتب الفضل متجها للتسامح في أدلة السنن.

بل قد يتجه ارتقاؤهما إلى اثنين وأربعين حرفا لما عن الهداية من‌ قول الصادق عليه‌السلام : الأذان والإقامة مثنى مثنى ، وهما اثنان وأربعون حرفا ، الأذان عشرون حرفا ، والإقامة اثنان وعشرون حرفا » قلت : وكأنه لتربيع التكبير فيهما في الأول وتربيعه قبل التهليلتين في الآخر مع زيادة « قد قامت الصلاة » مرتين في الإقامة ، ولعله هذا هو الأقصى ودونه ثمانية وثلاثون بأن يقتصر على المرتين في التكبير أولا وآخرا ، ودونه سبعة وثلاثون بحذف التهليلة في آخر الإقامة أيضا ، ثم خمسة وثلاثون كما هو المشهور بحذف التكبيرتين من الأربعة في آخر الأذان والإقامة مع حذف التهليلة مرة في آخر الإقامة ، وإثبات التربيع في أول الأذان ، ودونه أربعة وثلاثون بجعل فصول الأذان ستة عشر مثنى مثنى ، وفصول الإقامة ثمانية عشر بزيادة « قد قامت الصلاة » مرتين.

قال الشيخ في النهاية بعد ذكر المشهور في فصولهما : « هذا هو المختار المعول عليه ، وقد روي سبعة وثلاثون فصلا في بعض الروايات ، وفي بعضها ثمانية وثلاثون فصلا ، فأما من روى سبعة وثلاثين فصلا فإنه يقول في أول الإقامة أربع مرات : « الله أكبر » ويقول الباقي كما قدمناه : أي المشهور ، ومن روى ثمانية وثلاثين فصلا فإنه يضيف إلى ذلك قول : « لا إله إلا الله » مرة أخرى في آخر الإقامة ، ومن روى اثنين‌

٨٥

وأربعين فصلا فإنه يجعل في آخر الأذان التكبير أربع مرات وفي أول الإقامة أربع مرات وفي آخرها أيضا مثل ذلك أربع مرات ، ويقول : « لا إله إلا الله » مرتين في آخر الإقامة ، فإن عمل عامل على إحدى هذه لم يكن مأثوما » وهو كما ترى ظاهر فيما ذكرنا لكن لا ريب في أن الاحتياط الاقتصار على المشهور.

ثم قال : « فأما ما روي من شواذ الأخبار من قول : إن عليا ولي الله وآل محمد خير البرية فمما لا يعمل عليه في الأذان والإقامة ، فمن عمل به كان مخطئا » وقال في الفقيه بعد ذكر‌ حديث الحضرمي وكليب (١) : « هذا هو الأذان الصحيح لا يزاد فيه ولا ينقص منه ، والمفوضة لعنهم الله قد وضعوا أخبارا زادوا بها في الأذان « محمد وآل محمد خير البرية » مرتين ، وفي بعض رواياتهم بعد أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن عليا ولي الله مرتين ، ومنهم من روى بدل ذلك أشهد أن عليا أمير المؤمنين حقا مرتين ، ولا شك في أن عليا ولي الله وأمير المؤمنين حقا ، وأن محمدا وآله صلى الله عليهم خير البرية ، ولكن ليس ذلك في أصل الأذان ـ قال ـ : وانما ذكرت ذلك ليعرف بهذه الزيادة المتهمون بالتفويض المدلسون أنفسهم في جملتنا » قلت : وتبعهما غيرهما على ذلك ، ويشهد له خلو النصوص عن الإشارة إلى شي‌ء من ذلك ، ولعل المراد بالشواذ في كلام الشيخ وغيره ما رواه المفوضة ، لكن ومع ذلك كله فعن المجلسي أنه لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبة للأذان استنادا إلى هذه المراسيل التي رميت بالشذوذ ، وأنه مما لا يجوز العمل بها ، وإلى ما في‌ خبر القاسم بن معاوية المروي (٢) عن احتجاج الطبرسي عن الصادق عليه‌السلام « إذا قال أحدكم : لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فليقل : علي أمير المؤمنين » وهو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٩.

(٢) البحار ـ ج ١٨ ص ١٦٢ من كتاب الصلاة من طبعة الكمباني.

٨٦

كما ترى ، إلا أنه لا بأس بذكر ذلك لا على سبيل الجزئية عملا بالخبر المزبور ، ولا يقدح مثله في الموالاة والترتيب ، بل هي كالصلاة على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند سماع اسمه ، وإلى ذلك أشار العلامة الطباطبائي في منظومته عند ذكر سنن الأذان وآدابه ، فقال :

صل إذا ما اسم محمد بدا

عليه والآل فصل لتحمدا

وأكمل الشهادتين بالتي

قد أكمل الدين بها في الملة

وأنها مثل الصلاة خارجة

عن الخصوص بالعموم والجة

بل لو لا تسالم الأصحاب لأمكن دعوى الجزئية بناء على صلاحية العموم لمشروعية الخصوصية ، والأمر سهل.

ومن ذلك كله ظهر لك الحال في سائر الأقوال في المقام التي أغربها ما يحكى عن ابن الجنيد من أن التهليل في آخر الإقامة مرة واحدة إذا كان المقيم قد أتى بها بعد الأذان فإن كان قد أتى بها بغير أذان ثنى « لا إله إلا الله » في آخرها ، هذا.

وقد رخص في السفر الاقتصار فيهما معا على كل فصل مرة ، قال الصادق عليه‌السلام في خبر نعمان الرازي (١) : « يجزيك من الإقامة طاق طاق في السفر » وقال الباقر عليه‌السلام في خبر العجلي (٢) : « الأذان يقصر في السفر كما تقصر الصلاة ، الأذان واحدا واحدا والإقامة واحدة » وإطلاقه وحدة الإقامة منزل على حال الرخصة قطعا ، كقول الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن وهب (٣) : « الأذان مثنى مثنى ، والإقامة واحدة » وفي‌ خبر ابن سنان (٤) « الإقامة مرة مرة إلا قول : الله أكبر فإنه مرتان ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الأذان والإقامة الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الأذان والإقامة الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الأذان والإقامة الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الأذان والإقامة الحديث ٣.

٨٧

وكذا يقصر الأذان حال الاستعجال ، ففي خبر الحذاء (١) « رأيت أبا جعفر عليه‌السلام يكبر واحدة واحدة في الأذان فقلت له : لم تكبر واحدة واحدة؟ فقال : لا بأس به إذا كنت مستعجلا » لكن قد يظهر من‌ مرسل يزيد مولى الحكم (٢) أفضلية الإقامة مثنى مثنى على الأذان والإقامة واحدا ، قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لأن أقيم مثنى مثنى أحب إلى من أن أؤذن وأقيم واحدا واحدا » أما الأذان تاما وحده فلا يقوم مقامهما مقصرين ، لشدة تأكد الإقامة ، ولعله إليه أشار الطباطبائي بقوله :

وجاز تقصيرهما حال السفر

وعند الاستعجال حتى في الحضر

وذاك خير من تمام الأول

دون الأخير فله فضل جلي

والظاهر عدم اشتراط الرخصة في تقصير أحدهما بتقصير الآخر للإطلاق ، بل الظاهر ثبوت الرخصة في الاجتزاء بالإقامة المقصرة عن الأذان كالتامة ، وقول أبي الحسن عليه‌السلام في خبر أبي همام (٣) : « الأذان والإقامة مثنى مثنى ، إذا أقام مثنى مثنى ولم يؤذن أجزأه في الصلاة المكتوبة ، ومن أقام الصلاة واحدة واحدة ولم يؤذن لم يجزه إلا بأذان » محمول على التأكد في الحال المخصوص ، وعلى كل حال فمثل ذلك لا يقدح فيما ذكرنا من عدد فصول الأذان ضرورة كون ذلك رخصا في أحوال خاصة ، كرخصة المرأة في الاجتزاء عن الأذان بالتكبير والشهادتين ، بل بالشهادتين خاصة ، سيما إذا سمعت أذان القبيلة ، وعن الإقامة بالتكبير وشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، كما يستفاد ذلك من صحيح ابن سنان (٤) وصحيحي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

٨٨

زرارة (١) المروي أحدهما عن العلل ، وخبر أبي مريم الأنصاري (٢) المتقدمة سابقا ، وكرخصة المصلي خلف من لا يقتدى به بالاجتزاء بخمسة فصول من آخر الإقامة إن كان قد خشي فوات الائتمام الذي لا يسعه تركه للتقية إن حافظ على الإتيان بالفصول تامة كما سمعته سابقا في خبر معاذ (٣) وتسمعه لاحقا أيضا عند تعرض المصنف له.

وكذا لا يقدح ما ورد من الأمر بتكرار بعض الفصول زيادة على العدد المزبور لأجل اجتماع الجماعة ، قال الصادق عليه‌السلام في خبر أبي بصير (٤) : « لو أن مؤذنا أعاد في الشهادة أو في حي على الصلاة أو حي على الفلاح المرتين والثلاث وأكثر من ذلك إذا كان انما يريد به جماعة القوم ليجمعهم لم يكن به بأس » فإنه ليس من أصل الأذان كما هو واضح.

وقد ظهر لك من جميع النصوص والفتاوى أن آخر الأذان التهليل ، فما في‌ المروي (٥) عن كتاب العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم « ان آخر الأذان محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد التهليل إلا أنه ألقاه معاوية ، وقال : أما يرضى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يذكر في أول الأذان حتى يذكر في آخره » من الغرائب ، ويبعده زيادة على ما عرفت أنه لو كان الأمر هكذا لكان ذلك محفوظا ، كما حفظ إسقاط عمر « حي على خير العمل » بل هو أولى منه بذلك ، خصوصا بعد فرض استمراره كذلك إلى زمان معاوية الذي كان معروفا في زمانه بالفسق والفجور ، والله أعلم.

وكيف كان فـ ( الترتيب ) بين الفصول شرط في صحة الأذان والإقامة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٢ و ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

(٥) البحار ـ ج ١٨ ص ١٧٨ من كتاب الصلاة من طبعة الكمباني.

٨٩

إجماعا بقسميه ، مضافا إلى أصالة عدم مشروعية غيره والنصوص ، وفي‌ مرسل الفقيه (١) عن الباقر عليه‌السلام « تابع بين الوضوء ـ إلى أن قال ـ : وكذلك في الأذان والإقامة ، فبدأ بالأول فالأول ، فإن قلت : حي على الصلاة قبل الشهادتين تشهدت ثم قلت : حي على الصلاة » وفي‌ صحيح زرارة (٢) « من سهى في الأذان فقدم أو أخر أعاد على الأول الذي أخره حتى يمضي على آخره » وكما أن التقديم والتأخير ينافي الترتيب كذلك النقصان ، ضرورة كونه مع النقصان لم يضع الفصل في محله الذي هو بعد المنسي ، ولذا‌ سأل الساباطي (٣) أبا عبد الله عليه‌السلام « عن رجل نسي من الأذان حرفا فذكره حين فرغ من الأذان والإقامة فقال له : يرجع إلى الحرف الذي نسيه فليقله وليقل من ذلك الحرف إلى آخره ، ولا يعيد الأذان كله ولا الإقامة » وبه ـ مضافا إلى ما سمعت ـ يخرج عن ظاهر‌ موثقه الآخر (٤) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام أو سمعته يقول : إن نسي الرجل حرفا من الأذان حتى يأخذ في الإقامة فليمض في الإقامة فليس عليه شي‌ء ، فان نسي حرفا من الإقامة عاد إلى الحرف الذي نسيه ، ثم يقول من ذلك الموضع إلى آخر الإقامة » ولعله محمول على الاجتزاء بالإقامة عن الأذان لا أن المراد حصول وظيفتهما معا في الفرض المزبور وإن كان قد يشهد له‌ خبر علي بن جعفر (٥) عن أخيه عليه‌السلام المروي عن قرب الاسناد « سألته عن الرجل يخطئ في أذانه وإقامته فذكر قبل أن يقوم في الصلاة ما حاله؟ قال : إن كان أخطأ في أذانه مضى على صلاته ، وإن كان في إقامته انصرف فأعادها وحدها ، وإن ذكر بعد الفراغ من ركعة أو ركعتين مضى على صلاته وأجزأ ذلك » لكن يمكن حمله أيضا على ما عرفت ، فظهر من ذلك كله اعتبار الترتيب وأن تداركه يكون بإعادة ما فيه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الأذان والإقامة الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الأذان والإقامة الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الأذان والإقامة الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الأذان والإقامة الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب الأذان والإقامة الحديث ٥.

٩٠

الخلل وما بعده على نحو تدارك ترتيب الوضوء ، لكن ينبغي أن يكون الخلل المفروض قد وقع على وجه لا تشريع فيه بحيث يفسد العمل من أصله ، وإلا اتجه الاستيناف من رأس كما هو واضح.

وكذا يشترط الترتيب بين الأذان والإقامة نفسهما ، فمع نسيان حرف من الأذان يعيد من ذلك الحرف إلى الآخر ، للإجماع بقسميه أيضا ، والأصل والتأسي ، إذ هو الثابت من الأدلة ، بل يمكن دعوى القطع باستفادته من تصفح النصوص ، فما في خبر الساباطي الأول من الاقتصار على إعادة الأذان وحده دون الإقامة لا بد من طرحه ، أو يحمل على إرادة ولا يعيد الأذان كله لو نسي منه حرفا ، وكذا لا يعيد الإقامة كلها لو نسي منها حرفا إلا إذا كان المنسي الحرف الأول فيهما.

وعلى كل حال فالظاهر عدم اعتبار التدارك لو عكس الترتيب بين الأذان والإقامة عمدا فضلا عن السهو ، ضرورة أن له الاقتصار على كل من الأذان والإقامة ، فمع فرض عدم إرادة الإتيان بالوظيفتين لا يلزم بالتدارك ويسلم له أحدهما ، نعم لو أرادهما معا اتجه لزوم التدارك عليه ، لكن ينبغي اشتراط العمد في العكس بعدم وقوعه على وجه التشريع بحيث يقتضي فساده ، ومثل العكس في ذلك الترك عمدا أو سهوا ، فمن أقام عازما على الاقتصار عليها ثم بدا له بعد فراغها الإتيان بالأذان وجب عليه إعادة الإقامة أيضا إن كان قد أراد حوز الفضيلتين ، وإلا اقتصر على الأذان وكان كالمصلي به ابتداء بلا إقامة كما هو واضح.

ثم ان ظاهر النصوص المزبورة عدم مراعاة الموالاة ، ضرورة اقتضاء صحته تدارك الحرف الثاني من الأذان مثلا وإن كان قد ذكره بعد الفراغ منه ومن الإقامة ، ولعله لا بأس به عملا بإطلاق النصوص المزبورة ، خلافا للعلامة الطباطبائي ، فقال :

ومن سهى فخالف الترتيب في

بعض الفصول فليعد حتى يفي

٩١

إلا إذا فات بذلك الولا

إذ طال فصل فليعد مستقبلا

اللهم إلا أن لا يريد ما تشمله النصوص المزبورة كما لو فصل بأمر آخر من صلاة أو ذكر أو سكوت أو نحوها ، أما الخلل عمدا فقد يقوى فيه مراعاة الموالاة العرفية التي ينافيها الفصل المزبور في صورة السهو قطعا ، لسلامة ما دل هنا على اعتبار الموالاة من الأصل ، وأنه الثابت من فعلهم عليهم‌السلام والمستفاد من الأدلة عن المعارض.

ولو فات الترتيب فيهما معا فلم يذكره حتى دخل الفريضة ففيه البحث السابق في نسيان الأذان والإقامة ، وأنه هل يلحق به مثل ذلك كما عرفت الحال فيه سابقا ، هذا.

والحكم في الشك كالحكم في النسيان بمعنى أنه لو شك في فصل من فصول الأذان قبل تجاوز محله تلافاه وما بعده ، أما بعده فلا يلتفت كالشك في أصل الأذان ، والظاهر كون الإقامة محلا آخر ، فلا يلتفت حينئذ مع الدخول فيها إلى شي‌ء من الشك في الأصل أو في الفصل ، فاحتمال أنهما معا محل واحد كاحتمال كون كل كلمة منهما محلا آخر لا يخلو من ضعف ، وتسمع في أحكام الخلل ما ينفع هنا ، إذ الظاهر اتحاد البحث من هذه الجهة بينهما وبين الصلاة ، فلاحظ وتأمل ، والله أعلم.

ويستحب فيهما سبعة أشياء‌ أولها أن يكون مستقبل القبلة حالهما وفاقا للمشهور نقلا وتحصيلا ، بل في الخلاف والتذكرة وعن إرشاد الجعفرية الإجماع عليه في الأذان ، بل في المدارك والذكرى وظاهر الغنية أو صريحها الإجماع عليه فيهما ، لكن لعل مراد الثاني منها الفضل ، لنقله القول بوجوبه في الإقامة مع احتمال عدم الاعتداد به في حصول القطع له ، وكيف كان فهو بعد شهادة التتبع له الحجة على الرجحان ونفي الوجوب الشرطي ، بل في الغنية والتذكرة الإجماع عليه في الأذان ، مضافا إلى الأصل ، وخصوصا في صفات المستحبات ، وإطلاق النصوص ، والتأسي بمؤذني‌

٩٢

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإطلاق‌ قوله عليه‌السلام (١) : « خير المجالس ما استقبل فيه القبلة » وقول الصادق عليه‌السلام في خبر سلمان بن صالح (٢) : « إذا أخذ في الإقامة فهو في صلاة » وفي‌ خبر هارون المكفوف (٣) « الإقامة من الصلاة » وخبر علي بن جعفر (٤) المروي عن قرب الاسناد سأل أخاه عليه‌السلام « عن رجل يفتح الأذان والإقامة وهو على غير القبلة ثم استقبل القبلة فقال : لا بأس » وسأل ابن مسلم أحدهما (ع) في الصحيح (٥) « عن الرجل يؤذن وهو يمشي أو على ظهر دابته أو على غير طهور فقال : نعم إذا كان التشهد مستقبل القبلة فلا بأس » وسأل الحلبي الصادق عليه‌السلام في الحسن (٦) « يؤذن الرجل وهو على غير القبلة فقال : إذا كان التشهد مستقبل القبلة فلا بأس » إذ لا يخفى على من له أدنى درية بصناعة الفقه أن الجمع بين جميع ما سمعت بعد ملاحظة قصور تحكيم المقيد منها على المطلق هنا انما يقتضي ما قلنا من الاستحباب ، نعم يمكن دعوى ثبوت الكراهة بترك الاستقبال في الشهادتين ، لأنها أقل المراد من البأس في مفهوم الصحيح والحسن السابقين ، فما عن المقنعة وجمل العلم ومصباح السيد والمراسم والوسيلة وظاهر المحكي عن الكاتب والمقنع والنهاية من الوجوب في الإقامة لا يخلو من نظر وإن وافقهم عليه في الحدائق ، كما أن ظاهر المحكي عن المقنعة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٦ ـ من أبواب أحكام العشرة ـ الحديث ٣ من كتاب الحج.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١٢ رواه في الوسائل عن سليمان بن صالح.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١٢ لكن رواه عن أبي هارون المكفوف وهو الصحيح كما تقدم في الصحيفة ٢٠ التعليقة (٥) ويأتي آنفا.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٧.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

٩٣

والنهاية والمصباح ـ من وجوب الاستقبال في الشهادتين من الأذان ، والكاتب مع زيادة التكبير ـ كذلك أيضا ، وأضعف من الجميع ما عن القاضي من وجوب الاستقبال في الأذان والإقامة في خصوص الجماعة ، إذ لم نعرف له مستندا في ذلك.

وثانيها أن يقف على أواخر الفصول بأن يترك الاعراب عليها عند علمائنا في المعتبر قطعا في الأذان وظاهرا أو محتملا في الإقامة أيضا ، والمحكي عن المنتهى والروض ، بل إجماعا في الخلاف في الأذان ، بل التذكرة فيهما معا ، ول‌ قول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيح زرارة (١) : « الأذان جزم بإفصاح الألف والهاء ، والإقامة حدر » والصادق عليه‌السلام في خبر خالد بن نجيح (٢) « التكبير جزم في الأذان مع الإفصاح بالهاء والألف » وفي الفقيه عن خالد بن نجيح أيضا عنه عليه‌السلام انه قال : « والأذان والإقامة مجزومان » قال : وفي حديث آخر موقوفان ، لكن قد يظهر من مقابلة الجزم بالحدر الذي هو الإسراع في صحيح زرارة عدم استحباب الجزم في الإقامة ، ضرورة اقتضاء الجزم الذي هو ترك الاعراب الوقف ، وإلا كان لحنا ، لوجوب ظهور الاعراب في الدرج كوجوب تركه في الوقف فيكون الأمر بالحدر حينئذ كناية عن إظهار الإعراب ، كما أن الأمر بالجزم الذي هو السكون كما تسمعه عن النهاية كناية عن الوقف ، لما عرفته من التلازم ، وعليه حينئذ يتم الأمر بالحدر في الإقامة في غيره كصحيح ابن وهب (٣) وغيره من غير حاجة إلى تكلف إرادة ما لا ينافي الوقف من الحدر ، أو التزام جواز ذلك في خصوص المقام ، أو منع كون مثله لحنا كالوقف على المتحرك ، أو أن المراد من الوقف ترك الحركة ، أو نحو ذلك مما يمكن منعه وإن التزم بعضه في المحكي عن الروض ، قال : « ولو فرض ترك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

٩٤

الوقف أصلا سكن أواخر الفصول أيضا وإن كان ذلك في أثناء الكلام ، ترجيحا لفضيلة ترك الاعراب على المشهور من حال الدرج » لكن قد يناقش فيه بأنه لا وجه له مع فرض كونه لحنا ، إذ الظاهر اعتبار العربية فيها ، بل والأذان لأنه هو الثابت ، فالاجتزاء بغيره مشكل ، بل جزم بعدمه في منظومة الطباطبائي ، نعم احتمل عدم قدحه بل والتغيير في مثل أذان الإعلام ، مع أنه لا يخلو من نظر أيضا.

كما أن ما في المحكي عن الروض ـ من أن في بطلان الأذان والإقامة باللحن وجهين ، وأنه قد اختلف فيه كلام الفاضل ، فحرمه في بعض كتبه وأبطلهما به ، والمشهور العدم ، نعم لو أخل بالمعنى كما لو نصب لفظ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومد لفظ « أكبر » بحيث صار أكبار جمع كبر وهو الطبل له وجه واحد اتجه البطلان ـ كذلك لا يخلو من نظر بل منع ، خصوصا دعوى شهرة العدم وترك التعرض لشرطية ذلك من المصنف ونحوه اتكالا على ظهور الحال.

فظهر حينئذ أن المتجه ـ بناء على مراعاة حكم الدرج والوقف وإلا كان لحنا ـ إرادة الكناية عن إظهار الاعراب بالأمر بالحدر فيها ، وليس في شي‌ء من النصوص ما ينافي ذلك سوى خبر ابن نجيح على ما أرسله في الفقيه ، مع أنك قد عرفت الذي رواه عنه غيره بل ظاهر المعتبر أن روايته مثل صحيح زرارة ، نعم ينافي ما ذكرنا تصريح غير واحد من الأصحاب باستحباب الجزم فيهما ، بل هو معقد إجماع التذكرة كالمحكي عن المنتهى فلا بد حينئذ من إرادة ما لا ينافي الوقف من الحدر المزبور بناء على مراعاة حكمي الدرج والوقف المذكورين في علم العربية ، أي لا تقطع قطع الأذان ، إذ المراد بالجزم في صحيح زرارة القطع بقرينة مقابلته بالحدر لا السكون وترك المد والاعراب في الأواخر وإن حكي عن النهاية تفسيره بذلك ، إذ الجميع ثابتة في الإقامة أيضا ، فلا‌

٩٥

يقابل بالحدر ، بل لا بد من إرادة التأني والترسل من الجزم (١) لا مطلق القطع ، لما عرفت من حصوله في الجملة في الإقامة بناء على مراعاة حكم الوقف والدرج ، فيكون حينئذ مقابلته بالحدر في الإقامة متجهة ، خصوصا مع ملاحظة‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر الحسن بن السري (٢) : « الأذان ترسيل ، والإقامة حدر » وعن بعض النسخ « ترتيل » والمراد واحد ، وعن أكثر المتأخرين أن المراد بالحدر قصر الوقوف لا تركها أصلا ، وبالتأني إطالتها.

وكيف كان فمن ذلك كله ظهر لك الوجه في المستحب الثالث والرابع وهما أن يتأنى في الأذان ويحدر في الإقامة الذي قد اعترف في التذكرة والمحكي عن المنتهى بعدم معرفة الخلاف فيه ، والمراد بالألف والهاء المأمور بالافصاح بهما في الصحيح المتقدم وغيره ما كانا في آخر بعض الفصول كالواقعين في لفظ الجلالة في آخر التهليل وفي لفظ الصلاة كما استظهره في الذكرى ، بل ظاهر المحكي عن المنتهى الجزم به ، ولعله للمرسل العامي على الظاهر المروي في المنتهى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « لا يؤذن لكم من يدغم الهاء في لفظي الله والصلاة » لكن عن ابن إدريس أن المراد بها هاء « إله » لا هاء « أشهد » ولا هاء « الله » لأنهما مبينتان ، والثانية موقوف عليها يفصح فيها من دون لبس ، وفيه أن كونها مبينة لا يستلزم عدم اللحن بها ، بل كثير من المؤذنين لا يظهر الهاءات المزبورة ، بل الحاء من الفلاح لا يظهرها بخلاف هاء « إله » المتحركة ، بل قيل : إن كثيرا منهم لا يظهر هاء « أشهد » ويقول : « أشد » وكأنه‌

__________________

(١) في النسخة الأصلية المسودة والمبيضة « في الجزم » ولكن الصحيح ما أثبتناه لأن « من الجزم » متعلق بلفظة « إرادة » وهي تتعدى بـ « من » ولا تتعدى بـ « في ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٣.

٩٦

فهم من الخبر المزبور أن المراد الجزم في أواخر الفصول لا بحيث يشمل الهاء من « إله » بل هي يفصح بها : أي تحرك ولا تجزم ، فقوله عليه‌السلام : « وأفصح » رفع لما عساه يتوهم من قول : « الأذان جزم » ولعل ما ذكرناه من إرادته الأمر بإظهار الهاءات المزبورة مخافة أن الوقف المأمور به يذهبها ، فتأمل جيدا ، وكيف كان فقضية ما سمعته من الأصحاب من التعبير عن الحكمين بالاستحباب جواز غيرهما وعدم البطلان بخلافه ، حملا لهذا الأمر على الاستحباب في الاستحباب ، فما عن القاضي ـ من اشتراط الوقف في فصولهما ، وربما حكي عن بعض أفاضل عصرنا ـ لا يخلو من نظر خصوصا بعد ما عرفته من إجماع الأصحاب ، والله أعلم.

والخامس أن لا يتكلم في خلالهما بمعنى كراهته فيه وفاقا للمشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة ، بل في المحكي عن المنتهى « نفي الخلاف عنه بين أهل العلم في الإقامة » كما أن في الغنية « الإجماع على جواز التكلم في الأذان وأن تركه أفضل » وفيها أيضا « السنة في الإقامة حدر كلمها ، وفعلها على طهارة واستقبال القبلة ، ولا يتكلم فيها بما لا يجوز فعله في الصلاة بالإجماع » وعلى كل حال فقد استدل عليه في الأذان بأن فيه فوات الإقبال المطلوب في العبادة وفوات الموالاة ، وهو كما ترى ، والأولى الاستدلال عليه بما يفهم من‌ موثق سماعة (١) ولو بمعونة فهم الأصحاب والتسامح ، قال : « سألته عن المؤذن أيتكلم وهو يؤذن؟ فقال : لا بأس حين يفرغ من أذانه » من ثبوت البأس الذي أقله الكراهة قبل الفراغ ، ولعلها المراد من أفضلية الترك في معقد إجماع الغنية السابق ، لكن لا دلالة في شي‌ء من ذلك على التعدية لغير المؤذن ، بل ليس في نصوص الإقامة التي تسمعها ما يدل على الكراهة لغير المقيم قبل قول : « قد قامت الصلاة ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٦.

٩٧

وكيف كان فما عن القاضي ـ من عدم الكراهة حيث حصرها في الإقامة للأصل وظهور‌ خبر عمرو بن أبي نصر (١) فيه ، قال لأبي عبد الله عليه‌السلام : « أيتكلم الرجل في الأذان؟ قال : لا بأس ، قلت : في الإقامة قال : لا » لإرادة الكراهة من النهي في الإقامة كما ستعرف ، فتكون هي المنفية في الأذان بقرينة المقابلة ـ ففيه (٢) ان الأصل مقطوع بما عرفت ، والمنفي كراهة الإقامة لا مطلق الكراهة وإن ضعفت عنها ، فتأمل.

وأما الكراهة في خلل الإقامة وبعدها فلأنها مقتضى الجمع بين ما دل على الجواز ـ كخبر الحلبي (٣) سأل أبا عبد الله عليه‌السلام « عن الرجل يتكلم في أذانه أو في إقامته فقال : « لا بأس » وخبر الحسن بن شهاب (٤) سمع أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « لا بأس بأن يتكلم الرجل وهو يقيم الصلاة ، وبعد ما يقيم إن شاء » وصحيح عبيد بن زرارة (٥) المروي عن المستطرفات « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام أيتكلم الرجل بعد ما يقام الصلاة؟ قال : لا بأس » وصحيح حماد بن عثمان (٦) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتكلم بعد ما يقيم الصلاة قال : نعم » ـ وبين ما دل على النهي كخبر ابن أبي نصر المتقدم (٧) وخبر أبي هارون (٨) وغيره ، إذ هو أولى من الجمع بحمل ما دل على الجواز على ما قبل قول : « قد قامت » وعدمه على ما بعده بشهادة‌ قول الباقر عليه‌السلام في صحيح زرارة (٩) : « إذا أقيمت الصلاة حرم الكلام على الامام وأهل المسجد إلا في تقديم إمام » والصادق عليه‌السلام في موثق سماعة (١٠) « إذا أقام المؤذن الصلاة فقد حرم الكلام إلا أن يكون القوم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٤.

(٢) في النسخة الأصلية « وفيه » والصحيح ما أثبتناه.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١٠.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٩.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٤.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١٢.

(٩) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

(١٠) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٥.

٩٨

ليس يعرف لهم إمام » وسأله عليه‌السلام أيضا ابن أبي عمير (١) « عن الرجل يتكلم في الإقامة قال : نعم ، فإذا قال المؤذن : قد قامت الصلاة فقد حرم الكلام على أهل المسجد إلا أن يكونوا قد اجتمعوا من شتى وليس لهم إمام فلا بأس أن يقول بعضهم لبعض : تقدم يا فلان » لصراحة بعض نصوص الجواز كما عرفت فيما بعد قيام الصلاة ، اللهم إلا أن يحمل الكلام فيها على الكلام المزبور في هذه النصوص ، أو غيره مما يتعدى منه اليه بدعوى أنه مثال لمطلق المتعلق بالصلاة كتسوية الصفوف ونحوها ، قال في المحكي عن المنتهى : « لا خلاف في تسويغ الكلام بعد « قد قامت » إذا كان مما يتعلق بالصلاة كتقديم إمام وتسوية صف ».

وكيف كان فيكون المراد من سؤال نصوص الجواز إباحة طبيعة الكلام في الجملة لكنه كما ترى ، خصوصا والمقنعة وجمل السيد والنهاية والتهذيب التي هي الأصل في الخلاف قد أطلقوا عدم جواز الكلام في خلال الإقامة ، فلم يعملوا بالنصوص المزبورة على الوجه المذكور ، نعم عن المبسوط والنهاية والوسيلة التنصيص على تحريمه بعد قوله : قد قامت الصلاة بغير ما يتعلق بالصلاة من تقديم إمام أو تسوية الصف ، مع أنا لم نتحققه عن غير الأخير ، فيضعف حينئذ من هذه الجهة احتمال تحكيمها على غيرها المعتضد بالشهرة وبالأصل وغيره ، خصوصا مع عطف المعلوم كراهته في خبر أبي هارون عليه ، وأنه إذا أعطيت حكم الصلاة كما هو مضمون خبر أبي هارون وغيره ينبغي عدم الكلام فيها مطلقا ، بل لا يخفى على من له أدنى معرفة بلسان النصوص إرادة الكراهة من ذلك وشدتها بعد قيام الصلاة لا الحرمة حقيقة التي هي وظيفة تكبيرة الإحرام ، وإلا فمن المعلوم أن له الاعراض عن الصلاة بعد الإقامة ، وحينئذ لا يحرم الكلام عليه قطعا ، فلا بد من حمله على ما إذا بقي عازما على الصلاة متهيئا لها بالإقامة المذكورة ، فلو فرض‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٧.

٩٩

أنه فصل بينها وبين الصلاة بما لا يخل في الاتصال المعتبر يجب عليه السكوت ، أو الاشتغال بغير الكلام من ذكر ونحوه ، وهو أمر غريب يمكن دعوى معلومية خلافه من الشريعة ، كمعلومية أن له رفع اليد عن الإقامة والصلاة بدونها ، فأقصى ما في الكلام حينئذ ذلك لا الحرمة التعبدية ، ومن ذلك ظهر لك أنه لا ريب في قوة ما ذكرناه من الجمع ـ خصوصا مع ملاحظة ما سمعته والشهرة والأصل والإطلاقات وغيرها ـ وضعف الجمع المزبور.

وأضعف منه احتمال حمل نصوص الجواز على إرادة ذلك لكن مع بطلان الإقامة بشهادة‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح محمد بن مسلم (١) : « لا تتكلم إذا أقمت الصلاة فإنك إذا تكلمت أعدت الإقامة » ضرورة قصوره عن صرف ظاهر النصوص المزبورة من جواز الكلام وعدم بطلان الإقامة به ، إذ هو المسؤول عنه ، فالأولى حينئذ حمل الخبر المزبور على استحباب الإعادة الذي صرح به غير واحد من الأصحاب ، بل أضعف منهما معا الجمع بحمل نصوص التحريم على ما بعد قول : « قد قامت » في الجماعة بغير ما يتعلق بالصلاة ، والجواز على الانفراد بدعوى ظهور كل منهما في ذلك ، فلا جهة للجمع بينهما بالكراهة ، إذ هو يمكن كونه خرقا للإجماع المركب ، اللهم إلا أن يدعى تنزيل كلام المحرمين على ذلك ، وعلى كل حال فقد عرفت أن ما ذكرناه أولى منه من وجوه.

وأضعف من ذلك احتمال الجمع أيضا بحمل نصوص الجواز على الاضطرار والعدم على الاختيار ، مع أن في بعض النصوص المزبورة ما هو كالصريح في الاختيار ، نحو قوله عليه‌السلام : « إن شاء » وما شابهه.

ثم ان الظاهر كراهة الكلام أيضا فيما بين الأذان والإقامة في صلاة الغداة كما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٣.

١٠٠