جواهر الكلام - ج ٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

ثم قال : إذا أقمت الصلاة فأقم مترسلا فإنك في الصلاة ، قال : قلت : قد سألتك أقيم وأنا ماش قلت لي نعم ، فيجوز أن أمشي في الصلاة فقال : نعم إذا دخلت من باب المسجد فكبرت وأنت مع إمام عادل ثم مشيت إلى الصلاة أجزأك ذلك ، فإذا الإمام كبر للركوع كنت معه في الركعة ، لأنه إن أدركته وهو راكع لم تدرك التكبير لم تكن معه في الركوع » وسأل علي أخاه عليه‌السلام (١) « عن المسافر يؤذن على راحلته وإذا أراد أن يقيم أقام على الأرض قال : نعم لا بأس » وسأله أيضا تارة أخرى (٢) « عن الأذان والإقامة أيصلح على الدابة؟ قال : أما الأذان فلا بأس ، وأما الإقامة فلا حتى ينزل على الأرض » وكأن ما عن المقنعة لم يرد منه الشرطية حقيقة ، قال : « لا بأس أن يؤذن الإنسان جالسا إذا كان ضعيفا في جمته وكان طول القيام يتعبه ويضره ، أو كان راكبا جادا في مسيره ، ولمثل ذلك من الأسباب ، ولا يجوز له الإقامة إلا وهو قائم متوجه إلى القبلة مع الاختيار » وإلا كان محجوجا بما سمعت ، كالمحكي عن المقنع « إن كنت إماما فلا تؤذن إلا من قيام » وتبعه في المحكي عن المهذب فأوجب القيام والاستقبال فيه وفي الإقامة على من صلى جماعة إلا لضرورة ، نعم هو جيد بالنسبة إلى الإقامة ، لما سمعت من الأمر بالقيام فيها والنهي عن غيره في النصوص السابقة التي لا معارض لها إلا الإطلاقات المنزلة على ذلك ، اللهم إلا أن يقال إنه بملاحظة الشهرة بين الأصحاب ، وما عن المنتهى من الإجماع على تأكد القيام فيها وغير ذلك يمكن إرادة شدة التأكد ، بل الكراهة في الترك ، بل لعل ذلك كذلك بالنسبة إلى باقي ما يعتبر في الصلاة من الاستقرار والاستقبال وغيرهما ، كما أومأ إليه بعض النصوص السابقة ، خصوصا ما دل (٣) منها على أن حال الإقامة من أحوال الصلاة ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١٢.

٦١

قال الصادق عليه‌السلام في خبر سليمان بن صالح (١) : « لا يقيم أحدكم الصلاة وهو ماش ولا راكب ولا مضطجع إلا أن يكون مريضا ، وليتمكن في الإقامة كما يتمكن في الصلاة ، فإنه إذا أخذ في الإقامة فهو في صلاة » مضافا إلى بعض النصوص الآتية في الطهارة وفي كراهة الكلام بعد الإقامة ، وبظاهر بعضها عمل المرتضى رحمه‌الله في المحكي عن جمله ، فلم يجوز الإقامة من دون استقبال ، لكن في المحكي عن ناصرياته في بحث النية أن الاستقبال فيها غير واجب بل مسنون جمعا بين الإطلاقات وبينها يتأكد ذلك فيها ، وهو الأقوى في النظر.

وعلى كل حال ينبغي أن يكون قائما على مرتفع حال الأذان كما صرح به غير واحد ، بل في التذكرة وعن النهاية الإجماع عليه ، ولأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلالا أن يعلو على الجدار حال الأذان (٢) ولأنه أبلغ في الأذان ، والمناسب لاعتبار المنارة في المسجد وكراهة علوها على حائط المسجد مثلا لا ينافي استحباب الأذان فيها ، نعم الظاهر عدم الخصوصية فيها على باقي أفراد المرتفع كما صرح به في المعتبر ، واليه‌ أومأ أبو الحسن عليه‌السلام (٣) بقوله حين سئل عن الأذان في المنارة أسنة هو : « انما كان يؤذن للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الأرض ولم يكن يومئذ منارة » وفي المحكي عن الدروس « يستحب الارتفاع ولو على منارة وإن كره علوها » فما عن المختلف من أن الوجه استحبابه في المنارة لا يخلو من نظر إن أراد الخصوصية ، كما أن ما عن المبسوط والوسيلة من أنه يكره التأذين في الصومعة كذلك إن أراد بها المنارة كما استظهره في المحكي عن البيان ، وعن القاموس « الصومعة كجوهرة بيت للنصارى ينقطع » ويقال : هي نحو المنارة ينقطع فيها رهبان النصارى وعن الصحاح ومجمع البحرين « صومعة النصارى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٦.

٦٢

دقيقة الرأس » لكن عن البحار لعل مراد الشيخ والطوسي السطوح العالية من الصومعة ، قلت : ولا دليل أيضا على كراهة الأذان عليها ، مع أن الشيخ في المبسوط قد حكي عنه أيضا استحباب كون الأذان على مرتفع ، وله عبارة أخرى أيضا ، وهي « لا فرق بين أن يكون الأذان على المنارة أو الأرض ، ولا يجوز أن تعلى على حائط المسجد » وظاهر العبارات الثلاثة التنافي ، اللهم إلا أن يريد بالمرتفع غير المنارة العالية على سطح المسجد وغير الصومعة ، لكن إقامة دليل الكراهة لا تخلو من صعوبة وإن كان مما يتسامح فيها ، فتأمل جيدا.

ثم لا يخفى أن الظاهر اختصاص هذا المستحب وأكثر ما تقدم في مؤذن الإعلام أو الجماعة ، ضرورة عدم اعتبار شي‌ء من العدالة والبصر والبصيرة والصوت والارتفاع في المكان في أذان الصلاة ، لما عرفت سابقا من استحبابه لكل مصل ، نعم الظاهر ثبوت ندب القيام والطهارة في الجميع ، ولقد أجاد العلامة الطباطبائي في تخصيص هذه المندوبات بالمؤذن المنصوب ، قال :

وسن في المنصوب أن يكونا

عدلا بصيرا مبصرا مأمونا

مرتفع الصوت وقائما على

مرتفع يبلغ صوته الملإ

وإن كان هو مراد الجميع أيضا كما هو واضح ، هذا.

وقد ترك المصنف استحباب وضع المؤذن إصبعيه حال الأذان في أذنيه مع أنه أولى بالذكر ، لأنه من السنة ، كما رواه الحسن بن السري (١) عن الصادق عليه‌السلام ومده لصوته ، بل في البيان جهده ، لكن في‌ خبر زرارة (٢) عن الباقر عليه‌السلام « وكلما اشتد صوتك من غير أن تجهد نفسك كان من يسمع أكثر ، وكان أجرك في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الأذان والإقامة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٢.

٦٣

ذلك أعظم » ولعل المصنف اكتفى عن ذلك بذكر كونه صيتا قائما على مرتفع ، أو بما سيذكره بعد فيما يأتي ، والأمر في ذلك كله سهل.

ولو أذنت المرأة للنساء جاز ، ولو صلى منفردا ولم يؤذن ولم يقم ساهيا وكان الوقت واسعا رجع إلى الأذان والإقامة مستقبلا صلاته ما لم يركع وفاقا للمشهور شهرة عظيمة نقلا وتحصيلا ، بل عن المختلف الإجماع على عدم الرجوع بعد الركوع ، فهو حينئذ ـ مع اعتضاده بالشهرة ، وما دل (١) على حرمة إبطال العمل ، مع أن الأذان والإقامة مستحبان ، بل لو قلنا بوجوبهما لم يجز القطع لو تعمد تركهما فضلا عن النسيان الذي هو فرض البحث ، لعدم مدخليتهما في صحة الصلاة على تقديره ـ الحجة على عدم الرجوع بعد الركوع ، مضافا إلى‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح الحلبي (٢) : « إذا افتتحت الصلاة فنسيت أن تؤذن وتقيم ثم ذكرت قبل أن تركع فانصرف وأذن وأقم واستفتح الصلاة ، وإن كنت قد ركعت فأتم على صلاتك » وسأل زرارة (٣) أبا جعفر عليه‌السلام « عن رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة فقال : فليمض في صلاته فإنما الأذان سنة » والصادق عليه‌السلام (٤) « عن رجل ينسى الأذان والإقامة حتى يكبر فقال : يمضي على صلاته ولا يعيد » وتقييدهما بما في الصحيح الأول من الانصراف قبل الركوع لا ينافي الدلالة على عدمه بعده ، كصحيحي ابن مسلم (٥) والشحام (٦) عن الصادق عليه‌السلام انه قال : « في الرجل ينسى الأذان والإقامة حتى يدخل في الصلاة : إن كان ذكر قبل أن يقرأ‌

__________________

(١) سورة « محمد » صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ الآية ٣٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الأذان والإقامة الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الأذان والإقامة الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الأذان والإقامة الحديث ٧.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الأذان والإقامة الحديث ٤.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الأذان والإقامة الحديث ٩.

٦٤

فليصل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليقم ، وإن كان قد قرأ فليتم صلاته » بناء على إرادة الأذان والإقامة بقرينة السؤال ، إلا أنه خصها بالذكر لزيادة التأكد فيها ، ومنافاته لصحيح الحلبي في شرط الأمر بالإتمام لا تقدح في دلالته على وجوب الإتمام فيما بعد الركوع ، وهو المطلوب.

نعم قد يناقش في دلالة خبري زرارة باحتمال إرادة الإباحة من الأمر بالمضي فيهما بقرينة التعليل في أولهما ، ولأنه في مقام توهم الحظر ، لكن في غيرهما مما عرفت غنى عنهما ، فالقول باستحباب الانصراف أو جوازه مطلقا ـ لصحيح ابن يقطين (١) سأل أبا الحسن عليه‌السلام « عن الرجل ينسى أن يقيم الصلاة وقد افتتح الصلاة قال : إن كان قد فرغ من صلاته فقد تمت صلاته ، وإن لم يكن فرغ من صلاته فليعد » لأولوية نسيانها مع الأذان من نسيانها وحدها ، أو لأنه أعم من نسيان الإقامة ضرورة عدم تقييده بنسيانها خاصة ـ في غاية الضعف ، بل لم أعرفه لأحد من الأصحاب عدا الشيخ في كتابي الأخبار الموضوعين لمجرد الجمع بين الآثار ولو بذكر الاحتمالات التي لا يفتي بها ، وعن المعتبر « أن ما ذكره الشيخ محتمل لكن فيه تهجم على إبطال الفريضة بالخبر النادر » قلت : بل هو لا يقاوم غيره سندا وعددا وعملا ، فما عن المفاتيح من العمل به تبعا للشيخ كما ترى ، بل طرحه أو حمله على ما قبل الركوع وإن بعد متجه ، أما الرجوع قبل الركوع فقد عرفت دلالة صحيح الحلبي عليه ، ولا يعارضه إطلاق الصحيحين المزبورين بعد رجحانه عليهما بالشهرة العظيمة ، بل قيل : إن المحقق الثاني في جامعه والشهيد في مسالكه حكيا الوفاق عليه ، ذكرا ذلك عند نسيان الإقامة وحدها أو الأذان وإن كان لا يخلو ذلك من تأمل كما لا يخفى على من لاحظ كلامهما مع التدبر ، لكن على كل حال لا ريب في رجحانه عليهما خصوصا مع مهجورية‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٤.

٦٥

الصحيحين ، وعدم العمل بهما من أحد من المعتبرين ، واحتمال إرادة حال ما بعد القراءة الذي هو غالبا الركوع ، فلا تنافي حينئذ أصلا ، كما أنه لو أريد من الركوع في النص والفتوى زمن الخطاب به حتى أنه لو نسيه فهوى للسجود ثم ذكر لا يرجع أيضا لتداركهما لم يكن بينهما تناف ، وكذا لو لوحظ التعارض بينه وبينهما في شرط المضي في الصلاة لاعتبارهما القراءة واعتباره الركوع كان صحيح الحلبي حينئذ مقيدا لهما ، لمعلومية عدم التعدد في المقام باعتبار لزوم الثاني للأول إلا في حالة النسيان ونحوه التي هي نادرة وغير ملاحظة ، أما لو لوحظ التعارض بين شرط الانصراف في صحيح الحلبي وشرط الإتمام فيهما كان التعارض بينهما بالعموم والخصوص ، والخصوصية في جانبهما ، لكن قد عرفت أن مثلهما لا يقاوم مثله ، خصوصا بعد ما سبق من تقرير وجه المعارضة بما سمعت ، كما أنه لا يعارضه أيضا خبرا زرارة السابقان المقيدان بما بعد الركوع ، أو المحمولان على إرادة بيان الجواز ، لعدم وجوب الرجوع المزبور إجماعا في المحكي عن التذكرة ، ولأن ما غايته غيره في غير التبليغ يتبع الغاية في حكمها ، وغاية الرجوع الأذان والإقامة ، وهما مستحبان ، نعم التبليغ واجب وإن كان ما يبلغه مندوبا ، على أن الأمر بالانصراف هنا في مقام توهم الحظر ، فلا يفيد إلا الإباحة بالمعنى الأخص ، ولو لا الانجبار بفتوى الأصحاب والتسامح في السنن وكونه مقدمة للمندوب أمكن المناقشة في إفادته الاستحباب فضلا عن الوجوب ، هذا.

ولعل المصنف أشار بقوله وفيه رواية أخرى إليهما ، أو إلى صحيحي ابن مسلم والشحام بعد حمل الأمر بالإقامة في الجواب فيهما على التأكد فيها ، وإلا فالمراد الأذان والإقامة بقرينة السؤال ، وما في المدارك من احتمال الإشارة بذلك إلى صحيح ابن أبي العلاء (١) يدفعه أنه متضمن للإقامة سؤالا وجوابا كما ستعرف ، وعلى كل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٥.

٦٦

حال فلا ينافي ما ذكرنا‌ خبر نعمان الرازي (١) قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام وسأله أبو عبيدة الحذاء عن حديث رجل نسي أن يؤذن ويقيم حتى كبر ودخل في الصلاة قال : إن كان دخل المسجد ومن نيته أن يؤذن ويقيم فليمض في صلاته ولا ينصرف » إذ هو مع قصوره عن معارضة غيره من وجوه مطلق أيضا يمكن تقييده أيضا بما إذا ركع ، كما أن إطلاق مفهومه مقيد بما إذا لم يركع ، فما عن الشيخ في النهاية والحلي في السرائر بل وابن سعيد في الجامع بناء على إرادته الأذان والإقامة من الأذان من عدم إعادة الناسي مطلقا بخلاف العامد فيعيد قبل الركوع لا بعده في غاية الضعف.

والخبر المزبور إن كان في إطلاق منطوقه شهادة عليه ففي مفهومه شهادة بخلافه ، وحمل النسيان على العمد في صحيح الحلبي كما ترى ، وإطلاق بعض النصوص السابقة قد عرفت تقييده بغيره ، وأضعف من ذلك دعوى الجواز في صورة العمد التي ليس في شي‌ء من النصوص ما يشهد لها فضلا عن أن يعارض ما دل على حرمة الابطال ، ودعوى اندراجها في مفهوم الخبر المزبور محل منع ، ضرورة ظهوره في التفصيل في الناسي ولعل إطلاق المبسوط الرجوع قبل الركوع لا يريد منه ما يشمل صورة العمد ، هذا.

وما في الصحيحين السابقين من الأمر بالصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم أعثر على عامل به على سبيل الوجوب كالسلام عليه الذي تسمعه في صحيح ابن أبي العلاء (٢) نعم في الدروس « يرجع ناسيهما ما لم يركع فيسلم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقطع الصلاة » وفي الذكرى أشار بالصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قاطعا لها ، ويكون المراد بالصلاة هناك السلام ، وأن يراد الجمع بين الصلاة والسلام ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٥.

٦٧

فيجعل القطع بهذا من خصوصيات هذا الموضع ، لأنه‌ قد روي (١) « أن التسليم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس بانصراف ، » ويمكن أن يراد القطع بما ينافي الصلاة ويكون التسليم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مبيحا لذلك ، قلت : لكن الجميع كما ترى ، وأولى منه إرادة الندب هنا المؤيد بما ورد (٢) من الصلاة عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند عروض النسيان أو إرادة التذكر ، فحينئذ يفعله إما لتذكر حاله أو لاذهاب الشيطان الذي هو سبب النسيان ، فحينئذ ينبغي إرادة الصلاة من السلام لا العكس ، أو لا بأس لأن المراد ذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وعلى كل حال فالمراد قطع الصلاة بأحد قواطعها واستئناف الأذان والإقامة ، أو العدول عن الفريضة إلى غيرها حيث يكون له ذلك ، بل ربما كان متعينا ، تجنبا عن قطع الصلاة وإن كان الأقوى العدم عملا بإطلاق النص والفتوى ، كما أن الأقوى عدم مشروعيته للنفل للنسيان ، لعدم الدليل الصالح لقطع الأصل ، فما عن التذكرة ونهاية الأحكام والموجز وكشفه وإرشاد الجعفرية من جواز ذلك له لا يخلو من نظر ، ولعل دليلهم عليه الأولوية الممنوعة ، فتأمل جيدا ، هذا. ومن الغريب ما في الحدائق بعد أن اعترف بأن ما في الذكرى في غاية البعد قال : « ما حاصله أن من المحتمل قريبا كون المراد ذكر الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو السلام عليه ويقول : « قد قامت الصلاة » مرتين من الأمر بالإقامة ، ويبقى مستمرا على صلاته كما هو ظاهر خبر زكريا بن آدم (٣) وفقه الرضا عليه‌السلام (٤) ـ إلى أن قال ـ : ولا استبعاد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب التسليم ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الذكر ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٦.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

٦٨

في عدم قطع ذلك الصلاة وإن كان كلاما للدليل » إذ هو كما ترى مخالف للمقطوع به من النصوص ولو بواسطة الفتاوى ، وفقه الرضا عليه‌السلام لم تثبت حجيته عندنا ، وستعرف الحال في خبر زكريا بن آدم.

ثم انه لا يخفى عليك ظهور النصوص في الرجوع إلى الأذان والإقامة ، أما الأذان وحده فعدم جواز القطع له هو الموافق لما دل على حرمة الابطال ، ولذا صرح جماعة بذلك كما هو ظاهر آخرين ، بل عن الإيضاح وغاية المرام وشرح الشيخ نجيب الدين الإجماع عليه ، فما في المتن من الاقتصار على نسيان الأذان لا يخلو من نظر وإن وافقه عليه الشهيد في المسالك وشيخه في المحكي عن حاشيته ، بل قد يظهر من الأول أنه المشهور لكنه كما ترى بل يمكن إرادة المصنف الأذان والإقامة من الأذان بقرينة معروفية موضوع المسألة بين الأصحاب بذلك ، فينحصر الخلاف فيهما وفي المحكي عن الحسن وابن سعيد ، قال الأول : « إن من نسي الأذان في الصبح أو المغرب قطع الصلاة وأذن وأقام ما لم يركع ، وكذا إن نسي الإقامة من الصلوات كلها رجع إلى الإقامة ما لم يركع ـ قال ـ : فان كان قد ركع مضى في صلاته ولا إعادة عليه إلا أن يكون تركه متعمدا استخفافا فعليه الإعادة » وقال الثاني : « ومن تعمد ترك الأذان وصلى جاز له أن يرجع فيؤذن ما لم يركع ، فان ركع لم يرجع ، فان نسيه لم يرجع بكل حال » مع احتمال إرادتهما ما يعمهما منه ، والثاني انما هو في صورة العمد.

وعلى كل حال فلا دليل على ذلك ، نعم قد سمعت ما في صحيح ابن يقطين (١) من الإعادة للإقامة قبل الفراغ ، إلا أني لم أجد عاملا به على إطلاقه غير الشيخ في كتابي الأخبار والكاشاني كما سمعت سابقا ، ومثله‌ صحيح ابن أبي العلاء (٢) سأل أبا عبد الله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٥.

٦٩

عليه‌السلام « عن الرجل يستفتح صلاته المكتوبة ثم يذكر أنه لم يقم فقال : إن ذكر أنه لم يقم قبل أن يقرأ فليسلم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم يقيم ويصلي ، وإن ذكر بعد ما قرأ بعض السورة فليتم على صلاته » والمحكي عن ابن الجنيد أنه يرجع إليها ما لم يقرأ عامة السورة ، فرفع اليد حينئذ عما دل على حرمة الإبطال لهذين الخبرين المتروك ظاهرهما مخالف لأصول المذهب ، خصوصا بعد ما في المسالك من أن عدم الرجوع لها هو المشهور ، بل عن الشيخ نجيب الدين الإجماع عليه وإن أمكن المناقشة فيهما بأن المحكي عن المنتهى والدروس والنفلية والموجز الحاوي وكشفه والروضة وشرح النفلية الرجوع إليها كما يرجع إليهما معا بل قيل قد يظهر من النفلية أنه المشهور بل لعله لا يخلو من قوة للأمر بها خاصة في جواب السؤال عن نسيانهما في صحيحي ابن مسلم (١) والشحام (٢) ولا ريب في ظهوره بكمال المزية لها ، ومتى ثبت جواز الرجوع قبل القراءة ثبت جوازه إلى ما قبل الركوع ، لعدم القول بالفصل بينهما إلا ما عساه يظهر من المحكي عن الفقيه من العمل بخبر الشحام حيث اقتصر عليه ، لكنه كما ترى ليس قولا محققا ، كما أن‌ خبر زكريا بن آدم قال : « قلت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام : جعلت فداك كنت في صلاتي فذكرت في الركعة الثانية وأنا في القراءة أني لم أقم فكيف أصنع؟ قال : اسكت موضع قراءتك وقل : قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة ، ثم امض في قراءتك وصلاتك وقد تمت صلاتك » شاذ مجهول الرواة لم يعمل به أحد إلا ما يحكى عن الشيخ في كتابي الأخبار مخالف لما دل على منافاة الكلام للصلاة ، وحمله على إرادة القول في النفس مناف للفظ القول ولسوق الكلام ، كما هو واضح ، هذا.

وتخصيص المصنف الحكم بالمنفرد تبعا للمحكي عن المبسوط مخالف لإطلاق النص والفتوى ومعقد الإجماع ولمقتضى تأكدهما في غيره ، ولذا حكي عن الإيضاح وحاشية‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٩.

٧٠

الميسي أن المراد بذلك التنبيه بالأدنى على الأعلى ، قلت : أو يكون لندرة تحققه في الجماعة.

ثم ان المتيقن من النص والفتوى الرخصة في الرجوع عند الذكر ، أما إذا عزم على تركه وإن لم يقع منه فعل لم يجز له الرجوع ، اقتصارا في حرمة الإبطال على المتيقن ، بل الأحوط له ذلك إذا مضى له زمان في التردد في الرجوع وعدمه بعد الذكر ، كما أن المتيقن الرجوع للنسيان كملا ، بل هو ظاهر الأدلة المزبورة ، أما نسيان بعض الفصول أو الشروط فلا ، لحرمة الابطال اللهم إلا أن يقال مع فرض النسيان الذي يكون بسببه الفساد يتجه التدارك ، لما علم من الشارع من تنزيل الفاسد منزلة العدم في كل ما كان من هذا القبيل ، وهو لا يخلو من قوة ، خلافا للعلامة الطباطبائي في منظومته ، قال :

ولا رجوع للفصول منهما

ولا لشرط فيهما قد عدما

والله أعلم.

ويعطي الأجرة على الأذان من بيت المال إذا لم يوجد من يتطوع به كما عن المنتهى والمبسوط وإن عبر في الأخير بالشي‌ء ، لكن ظاهر تحرير الفاضل إرادة الأجرة من الشي‌ء وإن أريد من المتن وغيره حصر جواز أخذ الأجرة عليه في بيت المال كان نفس المحكي عن صريح القاضي من عدم جواز أخذ الأجرة عليه إلا من بيت المال ، إلا أنه لا وجه له ظاهر ، فإنه إن جاز أخذ الأجرة عليه منه فأولى أن يجوز من غيره ، وإن لم يجز من غيره فأولى أن لا يجوز منه ، ولذا حكي عن جماعة التصريح بعدم الفرق بين أخذ الأجرة منه ومن غيره ، بل ستسمع نفي الخلاف عنه ، ومن هنا احتمل إرادة القاضي الارتزاق منه ، قلت : وأولى بذلك المبسوط ، لتعبيره « ويعطى شيئا من بيت المال » ونصه في المحكي عن الخلاف على الإجماع على حرمة أخذ الأجرة ، بل والمتن ، لتصريحه في التجارة بتحريم أخذ الأجرة عليه وجواز الارتزاق من بيت المال ، فلا قائل معتد به بالقول المزبور ، بل ولا جواز أخذ الأجرة عليه مطلقا عدا‌

٧١

المرتضى رحمه‌الله فكرهه وتبعه الكاشاني ، وفي الذكرى والمحكي عن البحار وتجارة مجمع البرهان أنه متجه ، وفي المدارك « لا بأس به » وكأنه ظاهر المعتبر ، وفي المحكي عن التحرير والمنتهى ان في الأجرة نظرا ، لكن خيرة الأكثر بل المشهور نقلا وتحصيلا الحرمة ، بل عن المختلف « هذا مذهب أصحابنا إلا من شذ » بل في حاشية الإرشاد للكركي « لا خلاف في تحريم أخذ الأجرة عليه سواء كان من السلطان أو من طائفة من الناس كأهل محلة أو قرية » بل في جامع المقاصد وعن الخلاف الإجماع عليه ، بل لعله مراد المرتضى من الكراهة لما فيه من الجمع بين العوض والمعوض عنه ، ضرورة كون المؤذن أحد المخاطبين به ، ول‌ قول أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) : « آخر ما فارقت عليه حبيب قلبي أن قال : يا على ، إن صليت فصل صلاة أضعف من خلفك ، ولا تتخذن مؤذنا يأخذ على أذانه أجرا » ومرسل الصدوق (٢) « أتى رجل أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : يا أمير المؤمنين ، والله أني لأحبك ، فقال له : ولكني أبغضك قال : ولم؟ قال : لأنك تبتغي في الأذان كسبا ، وتأخذ على تعليم القرآن أجرا » لكن الإنصاف أن لسانهما بعد الإغضاء عن سندهما لسان كراهة ، بل في الثاني منهما أمارة أخرى على الكراهة ، ويمكن إرادة الارتزاق منه ، بل في الذكرى حمل الأول عليه أيضا ، فإن تم الإجماع المزبور والتعليل المذكور كانا هما الحجة ، مؤيدة بالخبرين السابقين ، وبالمروي عن‌ دعائم الإسلام (٣) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام « من السحت أجر المؤذن يعني إذا استأجره القوم ، وقال : لا بأس أن يجري عليه من بيت المال » وبغير ذلك.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٢.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٢.

٧٢

وأما جواز ارتزاقه من بيت المال فلا خلاف أجده فيه ، كما عن مجمع البرهان الاعتراف به ، بل عن غير واحد نسبته إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه ، بل في التذكرة والمحكي عن المختلف والمنتهى دعواه صريحا عليه ، نعم قيده جماعة من الأصحاب بعدم وجود المتطوع ، بل لا خلاف أجده في ذلك ، بل عن التذكرة الإجماع عليه ، ضرورة عدم المصلحة للمسلمين في ارتزاقه معه ، كضرورة عدم جواز صرفه في غير مصالحهم ، فمع وجود المتبرع حينئذ الجامع لشرائط الكمال لا يجوز ارتزاق غيره قطعا ، أما إذا كان المتبرع فاقد بعض صفات الكمال التي في وجودها مصلحة للمسلمين كالعدالة ونحوها اتجه حينئذ الجواز.

كما أن المتجه أيضا مراعاة التعدد مع فرض الاحتياج اليه ، وفي المحكي عن نهاية الأحكام لو تعددت المساجد ولم يمكن جمع الناس في واحد رزق عدد من المؤذنين يحصل بهم الكفاية ويتأدى الشعار ، ولو أمكن احتمل الاقتصار على رزق واحد نظرا لبيت المال ، ورزق الكل لئلا يتعطل المساجد ، قلت : الذي يظهر بعد التأمل أن محل البحث الأذان الإعلامي لا الصلاتي الذي ظاهر الأدلة كون الخطاب به كخطاب الصلاة وقنوتها وتعقيبها يراد منه المباشرة من المكلفين ، والاجتزاء بأذان الغير لصلاته في بعض الأحوال بشرط السماع مثلا لا يلزم منه جواز النيابة التي تقتضي على فرض الصحة الاكتفاء بما يفعله الغير وإن لم يكن لصلاة ولم يسمعه المصلي كما في غيره مما تصح النيابة فيه ، ويكون بها فعل النائب فعل المنوب عنه ، وشرع ذلك هنا بعيد عن الأدلة من غير فرق بين أذان الجماعة والمنفرد ، وإن قلنا إن المخاطب بأذان الأولى إمامها ، لأن المأمومين يصلون بصلاته ، وفعل الغير حينئذ يسقط عنه إذا كان جامعا للشرائط من السماع ونحوه ، ضرورة عدم التلازم بين جواز ذلك والنيابة كما عرفت ، وقاعدة جواز الإجارة في كل ما جاز التبرع فيه مقطوعة هنا بظهور الأدلة في المباشرة أو السماع على‌

٧٣

الوجه المخصوص دون النيابة الأجنبية عن ذلك عند التأمل ، بل لعل التبرع المستلزم لجواز الإجارة غير جائز هنا أيضا ، إذ الجائز هنا فعل الغير على وجه مخصوص بأن يكون مسموعا للإمام وأن يكون لصلاة ونحو ذلك ، فتأمل.

ومثله البحث في الإقامة ، بل أولى منه بعدم الجواز مطلقا لا لأنه لا كلفة فيها بمراعاة الوقت بخلاف الأذان كما وقع من الفاضل في المحكي عن نهايته كي يرد عليه أنه لا يعتبر في العمل المستأجر عليه وجود الكلفة فيه ، بل لما عرفت من ظهور الأدلة في إرادة المباشرة وأنها كخطاب الصلاة.

أما أذان الإعلام الذي هو مستحب كفائي فلا ريب في عدم ظهور الأدلة في اعتبار المباشرة فيه على وجه ينافي الإجارة ، بل هي إن لم تكن ظاهرة في عدم ذلك فلا أقل من أن تكون خالية عن التعرض له ، فيبقى عموم الإجارة بحاله ، إذ هو من الأفعال السائغة المترتب عليها نفع وليس بواجب على المكلف فعله ، وندب الناس إلى فعله لا ينافي جواز إعطاء العوض عليه بعد فرض عدم انحصار نفعه في الثواب للفاعل كي يجمع بين العوض والمعوض عنه.

والحاصل أن المندوب إما أن يشترط في صحته القربة أو لا ، بل هي شرط في ثوابه ، فان كان الثاني ولم يلاحظ المكلف فيه القربة وكان فيه نفع تصلح المعاوضة عليه جازت الإجارة عليه بلا إشكال ، بل لا بأس بملاحظة القربة مع ذلك ، لعدم منافاة الإجارة لها ، بل هي مؤكدة لها إذا راعى التقرب إلى الله تعالى من حيث الوفاء بالإجارة مع امتثال أمر الندب ، بل وكذا الكلام في الأول ، أما إذا كان لا نفع فيه إلا الثواب فان ظهر من الأدلة عدم حصوله إلا بالمباشرة لم تجز الإجارة عليه ولا النيابة فيه تبرعا ومع الاذن ، وإلا جاز الجميع عملا بعموم أدلة كل منها ، ولا يعارضه ظهور الأمر في المخاطب بعد أن كان ظهور مورد لا قيد ، فهو كخطاب بع وصالح ونحوهما‌

٧٤

الذي جازت الوكالة فيه والاستئجار عليه ، وبه ينقطع أصالة عدم مشروعية الفعل وعدم ترتب الثواب وانتقاله لغير الفاعل ، فأذان الاعلام حينئذ بعد أن عرفت حصول نفع فيه غير الثواب وعدم اعتبار النية فيه لم يكن إشكال في جواز الإجارة عليه بل والنيابة فيه مع قصد الثواب فيه ، فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع ، لكن خرج عن ذلك كله بالأدلة السابقة ، فتحرم الإجارة عليه ، ولا حرمة فيه مع إيقاعه لا بعنوان كونه عوض الإجارة ، بل هو كذلك في العبادة المشترط فيها النية التي لا يصح الاستئجار عليها فضلا عنه ، إذ الحرمة في قبض المال عوضا عنها لا تقتضي فسادا بعد أن كان فعلها لا بعنوانه ولا بملاحظته.

أما إذا فعله بعنوانه فيمكن الحرمة وفاقا للمحكي عن القاضي باعتبار النهي عن إجراء المعاملة الفاسدة مجرى الصحيحة المراد منه بحسب الظاهر نفس الصورة ، ضرورة تعذر الحقيقة مع العلم بالفساد ، ولا فرق في ذلك بين القول باشتراط النية فيه وعدمه ، نعم يقع فاسدا على التقدير الأول ، أما على الثاني فيمكن القول بحرمته مع عدم الفساد فيه ، فتترتب حينئذ أحكامه عليه من الاجتزاء به واستحباب حكايته ونحو ذلك ، إذ دعوى ظهور الأدلة في ترتبها على المحلل دون المحرم يمكن منعها على مدعيها ، ومن ذلك يظهر لك المناقشة في استنباط الجواز ممن ذكر استحباب حكاية الأذان الذي قد أخذ عليه أجرة حتى نسب إباحة الأذان وحرمة الأجرة خاصة في مقابلة المحكي عن القاضي إلى من ذكر استحباب حكايته ، كما أنه يظهر لك ضعف القول بالإباحة ، فتأمل.

ولا يلحق بالأذان في حرمة الأجرة قول : الصلاة ثلاثا في نحو صلاة العيدين ، لعدم ثبوت البدلية المنصرفة لمثل ذلك.

كما أنه لا يلحق بالأجرة الأذان لتناول ما وقف على المؤذنين مثلا.

وكذا لا يدخل أذان صلاة النيابة في الأذان المحرم أخذ الأجرة عليه ، ضرورة‌

٧٥

وقوع الأجرة في الفرع موقعها في الأصل كما صرح به شيخنا في شرح تجارة القواعد ، وإن كان فرضه بحيث يكون مما نحن فيه حتى يحتاج إلى الاستثناء لا يخلو من تأمل ونظر ، كما أن ما فيه أيضا من أنه لا بأس بأخذ الأجرة على ما يستحب فيه كالشهادة لعلي (ع) بالولاية ونحوها بناء على أنها من مستحباته كذلك ، هذا.

وقد عرفت سابقا أنه لا فرق في الأجرة بين كونها من أوقاف المسجد ، أو بيت المال المعد للمصالح ، أو من زكاة ونحوها ، أو من متبرع للإطلاق ، أما لو أخذ شيئا منها لا بقصد المعاوضة فليس فيه بأس ، سواء توقف أذانه على الأخذ ، لمنافاته الكسب ولا مدخل له سواه ، أو لم يتوقف ولكن أخذه لأنه أحد المصارف ، فيدخل على التقديرين في الارتزاق ، ولا بأس به ، والفرق بين الإجارة والارتزاق احتياج الأولى إلى ضبط المقدار والمدة ونحوهما مما يعتبر في الإجارة بخلاف الارتزاق المنوط بنظر الحاكم ، ولا يقدح فيه قصد المؤذن الرجوع بعوض أذانه عليه إلا أن عوضه الارتزاق المزبور كالقاضي والمترجم وكاتب الديوان ونحوهم من القائمين بمصالح المسلمين ، ولا يعتبر فيه الفقر والحاجة ، وهل يجوز نحو ذلك في غير بيت المال؟ إشكال ينشأ من عدم الخصوصية ، ومن أنه حينئذ من الإجارة الفاسدة ، إذ لا يدخل تحت عقد من عقود المعاوضة المعروفة ، ومشروعية غيرها في غير بيت المال مشكلة ، اللهم إلا أن يدخل نحوه في الإباحات بالعوض ، أو في العمل بأجرة المثل ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.

( الثالث ) من محال النظر.

( في كيفية الأذان )

وبعض ما يعتبر فيه وجوبا أو ندبا وإن أمكن إدراج الجميع في الكيفية ، ومنه وجوب النية في العبادي منه كأذان الصلاة وإقامتها ، لمعلومية اشتراطها في سائر العبادات واحتمال أنه مطلقا ليس منها يدفعه أصالة العبادة في كل ما أمر به ، مع عدم ظهور‌

٧٦

الحكمة في غير الإعلامي منه ، أما هو فلظهور كون المراد منه الاعلام يقوى عدم اعتبار النية فيه كما صرح به العلامة الطباطبائي في منظومته ، بخلاف ما كان منه للصلاة ، ولا بد مع ذلك من استدامتها إلى تمام العمل كما في كل عبادة مركبة ، كما أنه لا بد من نية التعيين مع فرض الاشتراك بين الصلوات ، بل لا بد أيضا من تعيين الفصول للأذان والإقامة ، كل ذلك لأصول المذهب وقواعده ، وكان ترك الأكثر للتعرض لذلك اعتمادا عليها ، والله أعلم‌

وعلى كل حال فـ ( لا ) يجوز أن يؤذن في غير الصبح إلا بعد دخول الوقت إجماعا من المسلمين فضلا عن المؤمنين ، وسنة (١) معلومة من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذريته الطاهرين عليهم‌السلام فهو الموافق حينئذ لدليل التأسي برسول رب العالمين والأئمة المرضيين فضلا عن الصحابة والتابعين وتابعي التابعين ، ولحكمة وضعه التي هي الاعلام بوقت الصلاة ، ولغير ذلك مما لا يخفى وقد رخص في تقديمه على وقت الصبح عند المعظم من أصحابنا ، بل في المعتبر « عندنا » بل عن المنتهى « عند علمائنا » كما عن الحسن بن عيسى « أنه تواترت الأخبار به » قلت : لكن لم يصل إلينا إلا‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن وهب (٢) في حديث : « لا تنتظر بأذانك وإقامتك إلا دخول وقت الصلاة ، واحدر إقامتك حدرا » قال (٣) : « وكان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مؤذنان ، أحدهما بلال والآخر ابن أم مكتوم ، وكان ابن أم مكتوم أعمى ، وكان يؤذن قبل الصبح ، وكان بلال يؤذن بعد الصبح ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل ، فإذا سمعتم أذانه فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان بلال ، فغيرت العامة هذا الحديث عن جهته وقالوا : إنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إن بلالا يؤذن بليل ، فإذا سمعتم أذانه فكلوا واشربوا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الأذان والإقامة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٢.

٧٧

حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم » (١) وقوله عليه‌السلام أيضا في صحيح الحلبي (٢) : « كان بلال يؤذن للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وابن أم مكتوم وكان أعمى يؤذن بليل ، ويؤذن بلال حين يطلع الفجر » وقوله عليه‌السلام أيضا في خبر زرارة (٣) : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : هذا ابن أم مكتوم وهو يؤذن بليل ، فإذا أذن بلال فعند ذلك فأمسك » وقال ابن سنان (٤) له عليه‌السلام أيضا : « إن لنا مؤذنا يؤذن بليل ، فقال : أما أن ذلك ينفع الجيران ، لقيامهم إلى الصلاة ، وأما السنة فإنه ينادى مع طلوع الفجر ، ولا يكون بين الأذان والإقامة إلا الركعتان » وفي‌ خبره الآخر (٥) « سألته عن الندا قبل طلوع الفجر فقال : لا بأس ، وأما السنة مع الفجر ، وان ذلك لينفع الجيران ».

إلا أن هذه النصوص ـ مع احتمال كون أذان ابن أم مكتوم قبل الفجر لأنه أعمى يخطئ لا لتوظيف من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما يومي اليه ما في الصحيح الأول من تفريع قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على فعله وتقديمه أولا : « إنك لا تنتظر إلا الوقت » على وجه لا يظهر منه إرادة التخصيص بما ذكره ، بل قوله عليه‌السلام فيه : « فغيرته العامة » إلى آخره كالصريح في ذلك ، ضرورة إرادة أن أذانه قبل الفجر كان لعدم بصره وليس توظيفا ، ولما رووه بالعكس فهموا منه ذلك وشرعوه قبل الفجر لعدم كون بلال مظنة الخطإ ، بل ظاهر‌ قوله عليه‌السلام في صحيح الحلبي : « أعمى يؤذن بليل » ذلك أيضا ، بل لا يخفى ظهور ذكر العمى مقترنا بما يحكى أن فعله قبل الفجر في إرادة كون ذلك خطأ منه ، ولا ينافي ذلك لفظ « كان » في بعضها ، إذ لعله كان يتكرر منه ذلك ، بل قوله عليه‌السلام في خبري ابن سنان الأخيرين :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الأذان والإقامة الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الأذان والإقامة الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الأذان والإقامة الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الأذان والإقامة الحديث ٧.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الأذان والإقامة الحديث ٨.

٧٨

« وأما السنة » إلى آخره كالصريح في عدم سنية الأول ، وعدم كونه من توظيف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإلا كان من أعظم السنن.

كل ذلك مع قوة ما دل على اعتبار الوقت من النصوص الكثيرة (١) التي منها أمانة المؤذنين على الأوقات وصلاة الفجر بأذانهم ، وعلى حكمة الأذان (٢) ومشروعيته منها وغيرها ، والأصل ، والمرسل (٣) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « ان بلالا أذن قبل الوقت فأمره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالإعادة ، وانه قال له : إذا تبين لك الفجر فأذن » ومع خصوص بعض النصوص الناهية عن ذلك ، كالمروي عن كتاب زيد النرسي (٤) عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام « انه سمع الأذان قبل طلوع الفجر فقال : شيطان ، ثم سمعه عند طلوع الفجر فقال : الأذان حقا » وفيه (٥) عن أبي الحسن عليه‌السلام أيضا « سألته عن الأذان قبل طلوع الفجر فقال : لا ، إنما الأذان عند طلوع الفجر أول ما يطلع ، قلت : فان كان يريد أن يؤذن الناس بالصلاة وينبههم قال : فلا يؤذن ولكن ليقل وينادي بالصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم ، يقولها مرارا » ولا يتوهم من ذكر هذه الفقرة أن الخبر موافق للتقية التي ينافيها ما فيه من النهي عنه قبل طلوع الفجر ، لمعلومية مشروعية ذلك عند كثير منهم ، لأنها من فصول الأذان عندهم ، لا أنها تذكر مستقلة عنه لإرادة التنبيه بها ، ففي‌ المروي (٦) عن الكتاب المزبور عن أبي الحسن عليه‌السلام أيضا « الصلاة خير من النوم بدعة بني أمية ، وليس ذلك من أصل الأذان ، فلا بأس إذا أراد أن ينبه الناس للصلاة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ و ٣ ـ من أبواب الأذان والإقامة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١٤.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٤ و ٥.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٢.

(٥) المستدرك ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٣.

(٦) المستدرك ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٢.

٧٩

أن ينادي بذلك ، ولا يجعله من أصل الأذان ، فإنا لا نراه أذانا » وربما كان في‌ قوله عليه‌السلام في خبري ابن سنان السابقين : « ان ذلك ينفع الجيران » إلى آخره جمع بين مراعاة التقية وبين بيان الواقع بذكر الفائدة له قبل طلوع الفجر ، وبأنه خلاف السنة ، على أنه لا ظهور في شي‌ء من النصوص المزبورة أنه أذان صلاة أو وقت قدم كما هو الظاهر من أكثر الأصحاب حيث عبروا بالتقديم مستثنين للصبح مما ذكروه من وجوب كونه في الوقت ، فلعله أذان مشروع في نفسه لتنبيه الناس على التهيؤ للصلاة والصوم في مثل شهر رمضان ، كالأذان في أذن المولود ونحوه ، وربما كان ذلك ظاهر موضع من الذكرى حيث عده في ضمن ما يشرع له الأذان غير الصلاة ، بل هو ظاهر غيره ممن ذكر حجة القائل بالعدم من أمر بلال بالإعادة ، وردها بأنا نقول بموجبها ، لأن الوقت سبب للأذان ، والأصل عدم السقوط بما قبل الوقت ، كالعلامة في المختلف وغيره.

وربما انقدح من ذلك لفظية النزاع بحمل كلام المانع كالجعفي والكاتب والتقي والحلي والمرتضى ـ بل ربما استظهر من الأخير الإجماع عليه ـ على إرادة أذان الصلاة وكلام المجوز على إرادة المشروعية في نفسه. لكن قد ينافي ذلك ما ذكره المصنف وغيره من أنه يستحب إعادته بعد طلوعه : أي الفجر مستندين فيه إلى أمر بلال بالإعادة ، وإلى أصالة عدم السقوط بما قبل الوقت ونحو ذلك ، ضرورة ظهوره في أنه لو ترك هذا المستحب أجزأه الأول عن أذان الصلاة ، ولقد أجاد العلامة الطباطبائي بقوله :

ورخص الأذان قبل الفجر

لخبر عارض نص الحضر

فان يكن غاية الأذان هاهنا

مجرد التنبيه كان حسنا

٨٠