جواهر الكلام - ج ٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

وفي جميع أفراده لا يسقط الأذان.

أما مع عدم حصول شي‌ء منها ولكن فصل في النافلة فالجمع بين النصوص السابقة يقتضي السقوط أيضا لكن ليس كالسقوط حال عدم التنفل ، ضرورة كونه الفرد الكامل من الجمع ، بل يمكن بناء على حرمة الأذان حال الجمع اختصاصها بحال عدم التنفل دون التنفل ، وعلى الكراهة فلا ريب في أنها فيه آكد ، فاختلفت حينئذ أفراد الجمع كاختلاف أفراد التفريق ، والله أعلم.

ولو صلى الإمام جماعة وجاء آخرون لم يؤذنوا ولم يقيموا على كراهية ما دامت الأولى لم تتفرق ، فان تفرقت صفوفهم أذن الآخرون وأقاموا بلا خلاف أجده في ذلك في الجملة ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه ، للنصوص المستفيضة ، ففي‌ خبر (١) زيد بن علي عن آبائه عليهم‌السلام « دخل رجلان المسجد وقد صلى علي عليه‌السلام بالناس فقال لهما : إن شئتما فليؤم أحدكما صاحبه ولا يؤذن ولا يقيم » والسكوني (٢) عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام « انه كان يقول : إذا دخل الرجل المسجد وقد صلى أهله فلا يؤذنن ولا يقيمن ولا يتطوع حتى يبدأ بصلاة الفريضة ، ولا يخرج منه إلى غيره حتى يصلي فيه » وأبي علي (٣) قال : « كنا جلوسا عند أبي عبد الله عليه‌السلام فأتاه رجل فقال : جعلت فداك صلينا في المسجد الفجر فانصرف بعضنا وجلس بعض في التسبيح فدخل علينا رجل المسجد فأذن فمنعناه ودفعناه عن ذلك فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : أحسنت ، ادفعه عن ذلك وامنعه أشد المنع ، فقلت : فان دخلوا فأرادوا أن يصلوا فيه جماعة قال : يقومون في ناحية المسجد ولا يبدو بهم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٥ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢.

٤١

إمام » وأبي بصير (١) « سألته عن الرجل ينتهي إلى الامام حين يسلم فقال : ليس عليه أن يعيد الأذان فليدخل معهم في أذانهم ، فإن وجدهم قد تفرقوا أعاد الأذان » وخبره الآخر (٢) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يدخل المسجد وقد صلى القوم أيؤذن ويقيم؟ قال : إن كان دخل معهم ولم يتفرق الصف صلى بأذانهم وإقامتهم ، وإن كان تفرق الصف أذن وأقام » وفي المحكي عن‌ كتاب زيد النرسي عن عبيد بن زرارة (٣) عن الصادق عليه‌السلام « إذا أدركت الجماعة وقد انصرف القوم ووجدت الامام مكانه وأهل المسجد قبل أن يتفرقوا أجزأك أذانهم وإقامتهم فاستفتح الصلاة لنفسك ، وإذا وافيتهم وقد انصرفوا عن صلاتهم وهم جلوس أجزأ إقامة بغير أذان ، وإن وجدتهم تفرقوا وخرج بعضهم من المسجد فأذن وأقم لنفسك ».

فما في المدارك ـ من التوقف في هذا الحكم من أصله بعد أن اقتصر على إيراد أحد خبري أبي بصير وخبر أبي علي مستندا له قال : لضعف مستنده باشتراك راوي الأول وجهالة راوي الثاني ـ في غير محله قطعا بعد الانجبار بما عرفت والاعتضاد بما سمعت ، على أنه لا اشتراك قادح في أبي بصير كما حقق في محله ، وأبو علي الحراني (٤) يحتمل أنه سلام بن عمر الثقة ، فيكون الخبر صحيحا في طريقيه إن لم يكتف في صحة الخبر بصحة سنده إلى من أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه ، وإلا فلا تقدح جهالته ، لأن في أحد طريقيه ابن أبي عمير ، والآخر الحسين بن سعيد عنه ، وهما معا ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهما.

وأما ما قيل من أنه يلوح من الإرشاد والموجز وموضع من المبسوط قصر الحكم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٢.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

(٤) وفي النسخة الأصلية « الحراني » والصحيح ما أثبتناه.

٤٢

على الأذان فقد يراد منه ما يشمل الإقامة ، وإلا فلا ريب في ضعفه ، لتطابق النصوص والفتاوى على سقوطهما معا ، وما في المحكي عن كتاب زيد مع ظهور السقط فيه انما هو في خصوص المنصرفين عن الصلاة وهم جلوس لم يخرج بعضهم عن المسجد ولم يتفرقوا ، وهو خارج عن موضوع المسألة كما ستعرف ، أو أخص منه ، على أنه قاصر عن معارضة ما عرفت من النصوص المعتضدة بالفتاوي ، كقصور‌ موثق عمار ـ (١) سئل الصادق عليه‌السلام « عن الرجل أدرك الإمام حين سلم قال : عليه أن يؤذن ويقيم ويفتتح الصلاة » وخبر معاوية بن شريح (٢) في حديث قال : « ومن أدركه وقد رفع رأسه من السجدة الأخيرة وهو في التشهد فقد أدرك الجماعة ، فليس عليه أذان ولا إقامة ، ومن أدركه وقد سلم فعليه الأذان والإقامة » ـ عن معارضة النصوص السابقة ، ولذا حملا على إرادة بيان الجواز في مقابل الرخصة أو الكراهة ، أو على إرادة صورة التفرق وإن كان لا يخفى ما فيهما ، وأولى منهما طرحهما أو حملهما خصوصا الثاني منهما على إرادة بيان انتهاء الدخول في الجماعة بحيث تحصل له فضيلة الجماعة ، فكني حينئذ بالأذان والإقامة عن عدم مشروعية الدخول فيها والاستغناء عن الأذان والإقامة من حيث إدراك الصلاة جماعة من غير تعرض لباقي الحيثيات التي منها عدم تفرق الجماعة حتى ينافي ما سمعت ، بل يمكن دعوى سياقهما لبيان ذلك خصوصا الثاني منهما.

ومنه يعلم ضعف ما عن الصدوق من الفتوى بمضمون موثق عمار وإن حكي عن الأستاذ الأكبر تأييده بأنه أوفق بالعمومات والتأكيدات الواردة في الأذان والإقامة ، مضافا إلى ما في أخبار السقوط من الاختلاف حتى أن رواية السكوني في غاية التأكيد في المنع مطلقا من دون قيد التفرق ، فهي أوفق بمذاهب العامة وأليق بالحمل على الاتقاء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٥ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٤.

٤٣

من حيث ندور وجود الامام الراتب في مسجد من الشيعة في زمانهم ، إذ هو كما ترى من غرائب الكلام ، فان رفع اليد عن النصوص المعمول بها بين الأصحاب المعتبر سند بعضها في نفسه التي ليس اختلافها إلا بالإطلاق والتقييد كما ستعرف بموثق عمار الذي قد عرفت الحال فيه وموافق لمذهب أبي حنيفة مخالف لأصول المذهب ، لكنه هو أدرى بما قال ، فتأمل.

وكيف كان فقد يقوى كون هذا السقوط على الحرمة وإن قل القائل به صريحا إذ لم يحك إلا عن المقنعة والتهذيب في خصوص الصلاة جماعة ، بل في كشف اللثام الاقتصار على نسبته للثاني منهما ، وأما ما عن موضع من الفقيه والمبسوط وبعض نسخ السرائر من المنع عن الصلاة جماعة في المسجد الذي صلي فيه ، تلك الصلاة جماعة ، ومنه يستفاد تحريم الأذان بالأولى فهو خارج عما نحن فيه ، نعم حكي التحريم في المفاتيح عن بعض الأصحاب ، ولعله فهمه من التعبير بالسقوط والنفي ونحوهما في جملة من كتب الأصحاب ، لكن على كل حال لا يخفى قوته ، لأصالة عدم المشروعية ، والنهي في خبري زيد والسكوني المراد منه بقرينة خبر أبي علي الحراني الحرمة لا رفع الندب السابق قياسا على الأمر عند توهم الحظر ، والاستصحاب بعد القطع بتغير الحال غير جار كالعمومات التي لا ريب في تخصيصها ، وخبرا عمار ومعاوية بن شريح ـ مع ظهورهما في المنفرد وموافقتهما للمحكي عن أبي حنيفة ـ قد عرفت الحال فيهما ، والاجزاء في المروي عن كتاب زيد غير مراد منه أقل المجزي قطعا ، وإلا لكان الفضل في الفعل ، وهو واضح البطلان ، ومن ذلك يظهر ما في القول بالكراهة فضلا عن القول بالرخصة الذي ينافيه خبر أبي علي الحراني.

وكيف كان فالظاهر عدم اختصاص الحكم بالمؤذن والمقيم بل هو عام لمن أذن لهم وأقام ممن كان مريد الاجتماع في الصلاة ، كما أن الظاهر من النصوص عدم اختصاصه‌

٤٤

أيضا بالجماعة بل يعمه والمنفرد ، فيسقط عنه الأذان والإقامة لصلاته أيضا وفاقا لجماعة ، لا للأولوية لعدم وضوحها على وجه تكون به حجة ، بل لظاهر النصوص السابقة ، بل صريح بعضها ، وخبر زيد لا دلالة فيه على نفي ذلك كي يكون معارضا ، فما عساه يظهر من ترتيب الحكم على الجماعة في عبارة جماعة من أصحابنا من نفيه في المنفرد لا ريب في ضعفه ، ولعل عبارة المتن وما ضاهاها غير مراد منها خصوص الجماعة في الصلاة وإن عبر بمجي‌ء الجماعة ، كما أنه يمكن عدم إرادة المقتصر عليها نفيه في المنفرد ، فدعوى الشهرة والمعظم على الاختصاص لا تخلو من نظر ، على أن المتبع الدليل ، وقد عرفت مقتضاه ، بل ليس فيما سمعته من النصوص تعرض لاعتبار الجماعة أصلا سوى ما في خبر زيد ، وظهوره ولو بالمفهوم في اشتراط السقوط بالجماعة على وجه يعارض ظاهر باقي النصوص محل منع ، بل يمكن دعوى كون المراد منه إنكما إن شئتما أن يؤم أحدكما صاحبه ولا يؤذن ولا يقيم فافعلا ، فان ذلك لكما في هذا الحال ، فتأمل جيدا.

ولا فرق في أذان المنفرد الممنوع منه ولو على جهة الكراهة بين السر والعلانية ، للإطلاق المزبور ، فما عن المبسوط من جواز الأذان سرا أو استحبابه لا دليل عليه ، بل ظاهر الأدلة خلافه كما هو واضح.

وكذا ظاهر المتن وغيره مما لم يتعرض فيه لذكر المسجد عدم اعتباره في هذا الحكم وفاقا لصريح جماعة ، لإطلاق أحد خبري أبي بصير ، وظهور الجواب في غيره في أن المدار على تفرق الجماعة وعدمه ، ودخوله في الشرط في خبر أبي علي خارج مخرج الغالب.

نعم يعتبر اتحاد المكان عرفا ، كما أنه على تقدير اعتبار المسجد نعتبر ذلك أيضا ، فمتى تعدد لم يسقط ، اقتصارا في الخروج من العمومات على المتيقن المنساق إلى الذهن من النصوص الموافق لمقتضى الحكمة التي هي بحسب الظاهر إجراء حكم الجماعة‌

٤٥

بالنسبة إلى ذلك على مدركها قبل التفرق ، ولذا لم يختص الحكم بالمسجد ، خلافا لظاهر جماعة وصريح آخرين بل قيل المعظم ، اقتصارا على المتيقن ، وفيه ما عرفت ، كما أن ما في كشف اللثام ـ من احتمال الاكتفاء في السقوط ببلوغ صوت المؤذن وإن لم يتحد المكان ـ فيه ما لا يخفى أيضا ، قال : وهل يشترط اتحاد المكان ولو عرفا أو يكفي بلوغ صوت المؤذن؟ وجهان.

ولا يعتبر اتحاد الصلاة أيضا ، لإطلاق الأدلة ، خلافا لبعضهم بل ربما قيل المعظم وإن كنا لم نتحققه ، اقتصارا على المتيقن ، بل في كشف اللثام أنه المتبادر من الأخبار والعبارات ، وفيه أن ظاهر الدليل حجة كاليقين أيضا ، ودعوى التبادر بحيث لا تصلح لتناول الغير ممنوعة.

نعم يمكن القول بعدم سقوط أذان الأداء بإدراك جماعة القضاء عن النفس والغير وبالعكس على إشكال ، خصوصا في الأخير الذي قد تردد فيه في الحدائق.

أما جماعة غير اليومية فلا يسقط بها أذان اليومية قطعا ، كما أنه لا يسقط أيضا بجماعة اليومية المعلوم انعقادها بلا أذان ولا إقامة ، لظهور النصوص ، خصوصا أحد خبري أبي بصير في دخول الجائي واستغنائه بأذان الأولى ، نعم لا يشترط العلم بأذانها لظهور الحال ، وفي استغناء الجائي ثالثا مثلا مع الصلاة جماعة أو فرادى بإدراك الجماعة الثانية المستغنية عن الأذان بإدراك الأولى وجهان ، من الأصل والعمومات التي لا تعارضها نصوص المسألة بعد ظهورها في غير ذلك ، ومن تنزيل الشارع لها بإدراكها الأولى غير متفرقة منزلتها ، بل وكذا الوجهان في الثاني إذا كان الجماعة الأولى غير مؤذنة ولا مقيمة لاستغنائها عنهما بسماعهما بناء عليه ، وإن أمكن إبداء فرق ما بين الموضوعين.

وكيف كان فقد اعتبر المصنف كجماعة من الأصحاب في السقوط عدم تفرق‌

٤٦

الأولى للنصوص السابقة المحمول إطلاق ما في خبري زيد (١) والسكوني (٢) منها على المقيد الذي هو خبر أبي بصير (٣) والمحكي في كتاب زيد (٤) فاحتمال السقوط مطلقا عن الجماعة الثانية لتلك الصلاة ـ بل هو صريح المحكي عن المبسوط أو ظاهره عملا بإطلاق خبر السكوني الظاهر في المنفرد وخبر زيد ، وطرحا لخبري أبي بصير وغيرهما ـ في غير محله قطعا ، كالذي سمعته سابقا عن الصدوق من العمل بموثق عمار مع طرح باقي الأخبار.

انما البحث في أن المدار على تفرق الجميع بحيث يبقى السقوط مع بقاء الواحد ، أو على بقاء الجميع بحيث إذا مضى واحد يسقط السقوط ، أو على الأكثر تفرقا وبقاء بمعنى تحقق السقوط مع بقائهم وعدمه مع تفرقهم ، أو على العرف في صدق التفرق وعدمه من غير ملاحظة شي‌ء من ذلك أقوال ، صرح جماعة بالأول ، بل ربما استظهر أيضا ممن عبر بلفظ تفرقوا ونحوه لترك الاستفصال في خبر أبي علي ، وقول الصادق عليه‌السلام في خبر أبي بصير : « فان وجدهم قد تفرقوا أعاد الأذان » إلى آخره.

كقوله عليه‌السلام في خبره الآخر : « وإن كان تفرق الصف أذن وأقام » إذ المراد بالصف المصطفين (٥) كناية عن الجماعة ، فاعتبار تفرقهم يقضي بالاستغراق كضمير الجمع ، بمعنى أنه لا بد من افتراق كل واحد عن الآخر ، ومع بقاء الواحد مثلا معقبا لا يتحقق ذلك ، لكن فيه أنه خلاف المنساق عرفا من صدق التفرق ، ضرورة تحققه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٥ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١ و ٢.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

(٥) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصحيح « المصطفون » بقرينة ما يأتي من قوله قدس‌سره : « إن المراد من الصف المصطف ».

٤٧

بانصراف الأكثر مثلا ، بل بمجرد سيلان الجماعة في الأزقة من غير ملاحظة الأقل والأكثر كما يومي اليه المحكي من كتاب زيد ، وترك الاستفصال في خبر أبي علي لعله لحمل الامام فعله على الصحة ، لأن منعه ودفعه للمؤذن عن الأذان يقضي بكون البعض الخارج لا يتحقق معه صدق التفرق ، على أن خبر أبي علي ضعيف لا يصلح لتخصيص العمومات وتقييد المطلقات من دون جابر ، ولا شهرة محققة على الاكتفاء في السقوط ببقاء الواحد تجبره ، مضافا إلى ما في ذيله من النهي عن أن يبدر بهم إمام مما لا عامل به فيما أجد إلا الصدوق والشيخ في موضع من الفقيه والمبسوط وبعض نسخ السرائر إن كان المراد منه الكناية عن عقد جماعة ثانية لتلك الصلاة في ذلك المسجد ، وحمله على إرادة عدم ظهور إمام لهم مراعاة لراتب المسجد أولى قطعا ، بل ينبغي القطع بفساد الأول إذا كان المراد ما يشمل حال تفرق الجماعة بحيث لم يبق إمامها ولا مأمومها كما يقتضيه ظاهر المحكي عنهم ، فتأمل.

وتعليق الأذان والإقامة على تفرق الصف المدعى عدم تحققه مع بقاء الواحد معارض بتعليق السقوط قبل ذلك على عدم تفرق الصف الذي لا يتحقق إلا مع بقاء جميع المصلين فيه كما اعترف به في المدارك ، ولعله مضافا إلى العمومات دليل القول الثاني ، لكنه ـ مع ندرة القائل به صريحا ومعارضة ذلك بالتعليق الثاني في الخبر المزبور المعتضد بما في خبر أبي بصير الآخر وخبر أبي علي والمحكي عن كتاب زيد ، وما سمعته من دعوى عدم صدق التفرق عرفا بخروج البعض النادر بالنسبة إلى الباقي في الجماعة الكثيرة ـ يشارك السابق في الضعف.

وأما الثالث فكان مرجعه إلى الرابع وإن وقع التحديد فيه بالأكثر ، إلا أن نظره بحسب الظاهر إلى الصدق العرفي المختلف بكثرة الجماعة وقلتها ونحوهما ، نعم لا ريب‌

٤٨

في انسياق الخروج من المسجد من التفرق في النصوص بل هو صريح المحكي عن كتاب زيد ، ولذا عبر به بعضهم ، لكن لا يبعد إرادة الاعراض عن الصلاة وتعقيبها من ذلك ، وخص بالذكر جريا على الغالب كما صرح به الشهيد في المحكي عن النفلية ، وربما كان ظاهر المحكي عن موضع من المهذب حيث عبر بانصرافهم عن الصلاة ، بل لعله المراد من باقي العبارات وإن كان بعيدا ، وقد وقع في كشف اللثام هنا ما هو محتاج للنظر والتأمل ، خصوصا ما فيه من الفرق بين التعبير بتفرقوا وتفرق الصف ، مع أن مرجع الثاني إلى الأول كما عرفت ، إذ المراد من الصف المصطف ، والله أعلم.

وإذا أذن المنفرد ليصلي وحده ثم أراد الجماعة التي لم يكن قد أذن لها أعاد الأذان والإقامة للأصل وإطلاق ما دل على استحبابهما لها ، وخصوص‌ موثق عمار (١) عن الصادق عليه‌السلام « في الرجل يؤذن ويقيم ليصلي وحده فيجي‌ء رجل آخر فيقول له : نصلي جماعة هل يجوز أن يصليا بذلك الأذان والإقامة؟ قال : لا ولكن يؤذن ويقيم » وهو ـ مع أنه من الموثق الذي هو حجة عندنا ، ومعتضد بالأصل والعمومات ، ومنجبر بفتوى المشهور نقلا وتحصيلا ، بل نسبه في الذكرى إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه ـ واضح الدلالة على المطلوب الذي هو من السنن التي يتسامح فيها.

فمن الغريب ما في المعتبر من أن في هذه الرواية ضعفا ، فان في سندها فطحية ، لكن مضمونها استحباب تكرار الأذان والإقامة ، وهو ذكر الله ، وذكر الله حسن على كل حال ، والأقرب عندي الاجتزاء بالأذان والإقامة وإن نوى الانفراد ، ويؤيد ذلك ما رواه‌ صالح بن عقبة عن أبي مريم الأنصاري (٢) قال : « صلى بنا أبو جعفر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

(٢) التهذيب ج ٢ ص ٢٨٠ ـ الرقم ١١١٣ من طبعة النجف.

٤٩

عليه‌السلام في قميص بغير إزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة ، فلما انصرف قلت له : صليت بنا في قميص بغير إزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة ، فقال : قميصي كثيف ، فهو يجزي أن لا يكون علي إزار ولا رداء ، وإني مررت بجعفر وهو يؤذن ويقيم فأجزأني ذلك » وإذا اجتزى بأذان غيره مع الانفراد فبأذانه أولى.

وأغرب منه اتباع غيره عليه كالفاضل في بعض كتبه وغيره ، مع أن خبر أبي مريم في غاية الضعف ، لمعروفية صالح بن عقبة بالكذب ، ويمكن منع الأولوية أولا ، واحتمال الفرق بقصده عليه‌السلام الجماعة التي هو إمامها ، وعدم معلومية انفراد جعفر عليه‌السلام ثانيا ، وقد يقال في الجمع بين الخبرين باعتبار لفظ الاجزاء في الثاني إرادة نفي الكمال منه بحمل ما في كلام السائل من الجواز عليه ، وربما كان هو مراد المصنف ومن تبعه ، ولو أذن بقصد الجماعة ثم أريد الانفراد فالظاهر الاجتزاء بالأذان الأول ، والله أعلم.

( الثاني في المؤذن‌ )

ويعتبر فيه إذا كان للجماعة والاعلام العقل والإسلام بلا خلاف أجده بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المنقول منه مستفيض أو متواتر ، بل يمكن القطع بكونه المراد من النصوص (١) الواردة في مدح المؤذنين وما أعد لهم من الثواب والدعاء بالمغفرة لهم وأنهم الأمناء ونحو ذلك ، مضافا إلى‌ موثق عمار (٢) سأل أبا عبد الله عليه‌السلام « عن الأذان هل يجوز أن يكون من غير عارف؟ قال : لا يستقيم الأذان ولا يجوز أن يؤذن به إلا رجل مسلم عارف ، فان علم الأذان فأذن به ولم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ و ٣ ـ من أبواب الأذان والإقامة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

٥٠

يكن عارفا لم يجز أذانه ولا إقامته ولا يقتدى به » وإلى ما قيل من أن الأذان عبادة ، ولا تصح من الكافر والمجنون ، والمؤذنين أمناء ، وهما معا ليسا محلا للأمانة ، ومن أنه لا يتصور وقوعه من الكافر ، لأن التلفظ بالشهادتين إسلام ، وإن كان في بعض ذلك نوع تأمل ، لما عرفت من أن أذان الإعلام ليس عبادة ، وأن المراد مما ورد من أمانة المؤذنين الحث على مواظبتهم على المواقيت والتحفظ ، على أنه يمكن معرفة ذلك بالاختبار ، ولذا أمروا عليهم‌السلام بالصلاة بأذان المخالفين معللا بشدة مواظبتهم على الوقت ، والتلفظ بالشهادتين يمكن أن لا يكون إسلاما إذا كان استهزاء أو حكاية أو غفلة أو تأولا عدم عموم النبوة ، أو مع عدم المعرفة بمعناهما أو نحو ذلك ، على أن الفرض وقوعهما ممن يعلم عدم اعتقاده بهما ، ومثله لا يحكم بإسلامه بمجرد التلفظ المزبور قطعا ، اللهم إلا أن يراد منع كون ذلك مع أحد الأحوال المزبورة أذانا حينئذ بدعوى أنه قولهما مع ظهور الاعتقاد بمضمونهما إجمالا أو تفصيلا ، لا اللغو والاستهزاء ونحو ذلك ، كما يومي اليه ما ورد في علل الأذان في خبر الفضل بن شاذان (١) وما جاء في مدح المؤذنين (٢) « وان الله قد وكل بأصواتهم ريحا ترفعها إلى السماء ، فإذا سمعت الملائكة الأذان قالوا : هذه أصوات أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتوحيد الله عز وجل ويستغفرون لأمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى يفرغوا من الصلاة » (٣) وغير ذلك ، لكن قد يخدش بأن من الكفار من يتلفظ بالشهادتين معتقدا بهما كالخوارج والغلاة والنواصب ونحوهم ممن انتحل الإسلام.

وكيف كان فالعمدة في الاستدلال ما عرفته أولا ، وأما الإيمان فقد يظهر من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأذان والإقامة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٧.

٥١

اقتصار المصنف وغيره على اشتراط الإسلام عدمه ، ويشهد له أيضا معروفية الاجتزاء بالأذان في الأزمنة السابقة التي لم يكن للشيعة مؤذن معلوم فيها ، وكذا يشهد له العبارة المنسوبة للشيخ وأكثر من تأخر عنه ، وهي « يستحب قول ما يتركه المؤذن » ضرورة شمولها إن لم تكن ظاهرة فيه للمخالف المنقص نحو « حي على خير العمل » بل عن الكركي منهم التصريح بإرادة هذه الفقرة منها ، وحينئذ فمقتضاه الاجتزاء بالأذان المزبور مع الإتمام ، كما هو ظاهر مستندها الذي هو‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر ابن سنان (١) : « إذا نقص المؤذن الأذان وأنت تريد أن تصلي بأذانه فأتم ما نقص هو من أذانه ».

لكن قد يناقش في ذلك كله بأنه لا يتم فيما كان عبادة منه كأذان الجماعة ، لعدم صحتها منهم ، وبمخالفته الموثق المزبور المشترط فيه المعرفة الظاهرة في إرادة الايمان كما لا يخفى على العارف بلسان النصوص وكثرة تعبيرها بذلك عن ذلك ، إذ الذي لم يعرف إمام زمانه لم يعرف شيئا وقد مات ميتة جاهلية ، ولما وقع للشيخ وأكثر من تأخر عنه كما قيل أيضا من أن المصلي خلف من لا يقتدى به يؤذن لنفسه ويقيم الظاهر في إرادة المخالف ، ضرورة الاعتداد بأذان الفاسق كما ستعرف ، بل أظهر منه في ذلك مستنده الذي هو‌ خبر معاذ بن كثير (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إذا دخل الرجل المسجد وهو لا يأتم بصاحبه وقد بقي على الإمام آية أو آيتان فخشي إن هو أذن وأقام أن يركع فليقل : قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله » وخبر محمد بن عذافر (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « أذن خلف من قرأت خلفه » مضافا إلى موثق عمار المزبور ، ولعله لذا صرح الشهيد وغيره باشتراطه ، بل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٢.

٥٢

عن كشف الالتباس نسبته إلى الأصحاب عدا صاحب الموجز ، ولعله أخذه من العبارة المزبورة لهم التي يمكن عدم منافاتها للأولى المحمولة على إرادة بيان استحباب الإتمام في نفسه إقامة للشعار الذي يجامع إعادة الأذان ، ولا ينافي عدم الاعتداد ، وإن كان قد يناقش فيه بأنه مناف لخبر ابن سنان السابق ، أو على إرادة أذان المؤذن الذي نقص نسيانا أو تقية أو نحو ذلك ، بل يمكن إرادة الكركي ذلك أيضا وإن ذكر « حي على خير العمل » إذ لا يختص تركها بالمخالف ، أو على أنه يستحب له الإتمام حيث يتعذر عليه الإعادة تقية ، ولعل هذا وسابقه أولى من الجمع بأن المخالف لا يعتد بأذانه إذا لم يتمم وأما إذا جي‌ء بما نقصه اعتد به ، إذ هو مخالف لما عرفت من أن مقتضى الأدلة عدم الاعتداد به لنفسه لا لنقيصته بل ولذكرهم استحباب الإتمام ، ضرورة كونه على هذا التقدير شرطا ، بل ولإطلاقهم عدم الاعتداد بأذانه ، هذا. وقد تسمع إن شاء الله زيادة تفصيل لذلك عند تعرض المصنف ، ويمكن أن يقال بعدم اشتراط الايمان في أذان الإعلام بخلاف أذان الصلاة ، لعدم كون الأول عبادة ، وحصول حكمة المشروعية ومعروفية الاجتزاء به في أزمنة التقية ، وبه يجمع بين النصوص والفتاوى ، والله أعلم.

وكذا يعتبر في المؤذن الذكورة لأصالة عدم السقوط بأذانها للاعلام ولجماعة الرجال ، ضرورة كون المنساق إلى الذهن من النصوص التي عبر في كثير منها بصيغة الذكور الرجال ، خصوصا مع تعارف ذلك فيهم ، وتعارف الستر والحياء في النساء ، بل علل غير واحد من الأساطين الحكم هنا بأنه إن أسرت المرأة بالأذان بحيث لم يسمعوا لا اعتداد به ، وإن جهرت كان أذانا منهيا عنه ، لأن صوتها عورة ، فيفسد للنهي ، وإن أمكنت المناقشة فيه أولا بعدم ثبوت عورية صوت المرأة للسيرة كصوت الرجل بالنسبة إليها ، وثانيا بعدم كون أذان الإعلام عبادة ، وثالثا بعدم اشتراط السماع في الاعتداد ، وإلا لم يكره للجماعة الثانية ما لم يتفرق الأولى ولا اللاحق‌

٥٣

للأولى إذا سبقه الأذان ، ورابعا بأن النهي عن كيفية الأذان ، وهو لا يقتضي فساده ، ولو سلم فلا يتم فيما إذا جهرت وهي لا تعلم سماع الأجانب فاتفق أن سمعوه ، على أنه لا يتم فيما إذا كان الأذان لجماعة المحارم الذي صرح جماعة باعتدادهم به ، كجماعة النساء المجمع على مشروعية أذان المرأة لها ، وخامسا باحتمال استثناء ما كان من قبيل الأذكار وتلاوة القرآن كالاستفتاء ونحوه من الرجال.

وبغير ذلك كالاستدلال في المحكي عن المختلف لأصل الحكم بأنه لا يستحب الأذان لها ، فلا يسقط به المستحب ، إذ هو واضح المنع ، كإطلاق المصنف اشتراط الذكورة الذي لا يلائم ما سمعت من الإجماع على مشروعيته لهن واعتدادهن به ، لكن قد يعتذر عنه بأنه أطلق ذلك اعتمادا على ما سيصرح به من أنه لو أذنت المرأة للنساء جاز ، أما غيرهن من جماعة المحارم أو الأجانب مطلقا أو على بعض الوجوه فإطلاقه فيه في محله ، فإن الأقوى عدم الاعتداد به إن لم يكن إجماع على خلافه ، كما عساه يفهم مما تسمعه من معقد إجماع الكركي في الصبية بالنسبة للمحارم ، لما عرفت من الأصل السالم عن المعارض المعتد به مؤيدا ببعض ما سمعت ، وربما (١) ورد من أنه ليس عليهن أذان ولا إقامة ، وبغير ذلك ، وإن أمكن المناقشة في جميع ما عداه حتى النصوص التي قد عرفت في أول الأذان إرادة نفي التأكد منها لا المشروعية ، فتأمل جيدا ، فالعمدة حينئذ الأصل المزبور ، فما عن الشيخ في المبسوط ـ من أنه إن أذنت المرأة للرجال جاز لهم أن يعتدوا به ويقيموا ، لأنه لا مانع منه ـ لا يخلو من نظر ، كالمحكي عن جماعة من الاعتداد به للمحارم كما عرفت.

وكيف كان فـ ( لا يشترط ) البلوغ في الأذان إجماعا محصلا ومنقولا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٦ و ٧.

٥٤

مستفيضا كالنصوص (١) بل متواترا فـ ( يكفي كونه مميزا ) حينئذ كما هو معقد بعض الإجماعات المزبورة ، ومندرج قطعا في النصوص (٢) إذ احتمال إرادة خصوص المراهق منها مع ذلك غلط ، خصوصا بعد ملاحظة الفتاوى ، فما عن بعض عبارات النهاية ـ من أنه لا يؤذن ولا يقيم إلا من يوثق بدينه ـ يريد به إخراج المخالف ، خصوصا مع ملاحظة تصريحه قبل ذلك بالصبي ، بل لعل الموثق (٣) المزبور كذلك ، فلا يقدح حصر الأذان فيه في الرجل ، وإلا وجب تخصيص مفهومه بذلك لما عرفت.

أما غير المميز فلا عبرة بأذانه كما صرح به جماعة ، بل عن التذكرة الإجماع عليه لمسلوبية عبارته ، ولذا ساوى المجنون في أكثر الأحكام ، وظهور النصوص في غيره ، بل لعله غير مراد من إطلاق الصبي في بعض العبارات ، فلا يكون فيه حينئذ خلاف ، والمرجع في التمييز إلى العرف الذي هو أولى مما عن الروض من أنه الذي يعرف الأضر من الضار والأنفع من النافع إذا لم يحصل بينهما التباس بحيث يخفى على غالب الناس ، إذ هو مع أنه رد إلى الجهالة غير واضح المأخذ ، كالمحكي عن جماعة من التصريح بعدم الفرق في الحكم المزبور بين الذكر والأنثى ، ضرورة اختصاص النصوص ومعاقد الإجماعات وأكثر الفتاوى بما لا يشملها من التعبير بالصبي والغلام ونحوهما ، لكن قد يظهر من جامع المقاصد الإجماع على الاجتزاء بأذان الصبية للنساء والمحارم ، وللنظر فيه مجال ، والله أعلم.

وأما ما يستحب فيه لا على جهة الشرطية فهو أن يكون عدلا بلا خلاف كما عن المنتهى ، بل ظاهر نسبته إلى علمائنا في المحكي عنه وفي المعتبر أيضا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الأذان والإقامة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأذان والإقامة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

٥٥

الإجماع عليه ، كالمحكي عن صريح التذكرة ونهاية الأحكام ، فيجب إرادته حينئذ من‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « يؤذن لكم خياركم » خصوصا مع قصوره من وجوه عن إفادة الوجوب الشرطي ، فحينئذ يعتد بأذان مستور الحال إجماعا في المحكي عن التذكرة ، بل وبأذان الفاسق وإن لم يكن مستور الحال ، خلافا للمحكي عن الكاتب فلم يعتد بغير أذان العدل ، وفي كشف اللثام يحتمل أن يريد عدم الاعتداد به في دخول الوقت ، قلت : وكذا العدل لغير ذوي الأعذار كما مر البحث فيه في المواقيت وإن كان هو مقتضى ما ورد من ايتمانهم القاضي بتصديقهم ، فالأولى حينئذ إرادته عدم حصول الموظف من نفي الاعتداد ، وقد استوجهه الشهيدان في المستأجر أو المرتزق من بيت المال للإمام أو المجتهد ، لما فيه من كمال المصلحة ، وفيه أنه لا دليل على وجوب مراعاة الكمال عليهما ، ولو سلم فليس شرطا في وظيفة الأذان بحيث لا يعتد به لو كان من فاسق ، بل هو تكليف آخر يأثم المجتهد بعدم مراعاته كما هو واضح.

والظاهر أن مرجع هذا الندب إلى المكلفين لا المؤذن ، أي يستحب لهم في تأدية هذه الوظيفة الكفائية اختيار الثقة العدل ، وربما قيل : إن مرجعه الامام والحاكم ، ولا بأس به إذا أريد ذلك حيث يكون لهما الاختيار وأنهما أحد المخاطبين بالوظيفة المزبورة ، فتأمل جيدا.

وكذا يستحب أن يكون صيتا بلا خلاف نقلا في المحكي عن المنتهى إن لم يكن تحصيلا : أي شديد الصوت كما في الصحاح والمجمل والمحكي عن المحيط والمقاييس وتهذيب الأزهري ومفردات الراغب ، بل قيل : ونحوه ما ذكر في كتب الفقه من أنه رفيع الصوت لما فيه من زيادة المبالغة في رفع شأن هذا الشعار ، وللنبوي (٢) « ألقه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٣.

(٢) تيسير الوصول ج ١ ص ٢١٠ وسنن أبي داود ج ١ ص ١٩٥ ـ الرقم ٤٩٩.

٥٦

على بلال فإنه أندى منك صوتا » قال ابن فارس في المجمل : ندي الصوت بعد مذهبه وهو أندى صوتا : أي أبعد ، وزاد بعض استحباب كونه مع ذلك حسن الصوت معللا له بإقبال القلوب على سماعه ، ولا بأس به بعد التسامح ، وأما احتمال انه المراد من الأندى فيدفعه ـ مع انه خلاف المصرح به كما سمعت ـ أنه مناف لجعله دليلا للارتفاع ، والأمر سهل بعد قاعدة التسامح.

وأن يكون مبصرا للإجماع المحكي عن التذكرة ، وليتمكن من معرفة الأوقات ، وليس ذلك شرطا قطعا ، للأصل والإطلاقات ، فلو أذن الأعمى جاز بلا خلاف كما في كشف اللثام ، ولقد كان ابن أم مكتوم مؤذنا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو أعمى إلا أنه كان لا ينادي إلا أن يقال له أصبحت أصبحت ، ومن هنا حكي عن المنتهى وغيره أنه يستحب أن يكون معه من يسدده ، بل عن الدروس الكراهة بدون مسدد ، قلت : هو لا يتمكن غالبا من معرفة الوقت بدونه ، ولعله لذا كان ظاهر المدارك وكشف اللثام والمحكي عن جامع الشرائع اشتراط الجواز بالمسدد ، ولعل مراد الجميع واحد ، والأمر سهل ، وفاقد إحدى العينين من المبصر كغير صحيح العينين حتى الأرمد وإن كان لا يناسبه التعليل المتقدم الذي هو أمر اعتباري يذكر بعد السماع ، وربما يقال بالنقصان فيهم ، والله أعلم.

وأن يكون ( بصيرا بـ ) معرفة الأوقات بلا خلاف في كشف اللثام ، وعليه فتوى العلماء في المعتبر ، لأشدية عمى البصيرة من عمى البصر ، واحتمال كونه المراد من العارف المتقدم في أول البحث ، ولعل مثل ذلك ونحوه كاف في إثبات الندب التسامح فيه ، إذ ليس ذلك شرطا قطعا ، لجواز الاعتداد بأذان الجاهل بلا خلاف في كشف اللثام ، بل إجماعا في المدارك ، لكن في معقد الأول اشتراط المسدد ، والكلام فيه كالأعمى.

٥٧

وكذا يستحب أن يكون متطهرا إجماعا في الخلاف والتذكرة والذكرى والمحكي عن إرشاد الجعفرية ، بل في المعتبر والمحكي عن المنتهى وجامع المقاصد من العلماء إلا من شذ من العامة ، بل في المعتبر عمل المسلمين في الآفاق على خلاف ما ذكره إسحاق ابن راهويه من اشتراط الطهارة ، كما أن في جامع المقاصد ليست الطهارة شرطا عند علمائنا ، بل في كشف اللثام الإجماع على عدم اشتراطها ، بل هو قضية الإجماعات السابقة على الاستحباب المزبور ، ضرورة انحلال ذلك إلى حكمين : أحدهما رجحان ذلك فيه ، ولعل مستنده ـ بعد الإجماع وكونه من مقدمات الصلاة ـ المرسل في كتب الفروع « لا تؤذن إلا وأنت متطهر » وآخر (١) « حق وسنة أن لا يؤذن أحد إلا وهو طاهر » بل مقتضى الأول منهما الكراهة مع عدمه ، وثانيهما عدم اشتراطه به ، للأصل وإطلاق الأدلة والإجماع المزبور ، وقول الباقر عليه‌السلام في صحيح زرارة (٢) : « تؤذن وأنت على غير وضوء ـ إلى أن قال ـ : ولكن إذا أقمت فعلى وضوء متهيأ للصلاة » والصادق عليه‌السلام في صحيح الحلبي (٣) وابن سنان (٤) واللفظ للأول « لا بأس أن يؤذن الرجل من غير وضوء ، ولا يقيم إلا وهو على وضوء » وموثق أبي بصير (٥) « لا بأس أن تؤذن على غير وضوء » وخبر إسحاق بن عمار (٦) « إن عليا عليه‌السلام كان يقول : لا بأس أن يؤذن المؤذن وهو جنب ، ولا يقيم حتى يغتسل » وسأل علي بن جعفر أخاه عليه‌السلام في المروي عن قرب الاسناد (٧) « عن المؤذن يحدث في أذانه وفي إقامته فقال : إن كان الحدث في الأذان فلا بأس ، وإن كان في الإقامة فليتوضأ وليقم إقامة » وسأله أيضا في المروي عن كتابه (٨)

__________________

(١) كنز العمال ج ٤ ص ٢٦٧ الرقم ٥٤٩٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٥.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٦.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٧.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٨.

٥٨

« عن الرجل يؤذن أو يقيم وهو على غير وضوء يجزيه ذلك قال : أما الأذان فلا بأس ، وأما الإقامة فلا يقيم إلا على وضوء ، قلت : فإن أقام وهو على غير وضوء أيصلي بإقامته؟ قال : لا » إلى غير ذلك من النصوص.

بل الظاهر إجزاؤه لو أذن جنبا في المسجد كما صرح به الشيخ في الخلاف ، بل ربما استظهر منه الإجماع عليه ، لعدم جزئية الكون منه ، فالمعصية في اللبث لا تنافيه ، كالأذان في الدار المغصوبة بناء على أن التلفظ ليس تصرفا فيها ، خلافا للفاضل وثاني الشهيدين فلم يعتدا بأذانه في الأول فضلا عن الثاني ، للنهي المفسد ، ولا ريب في ضعفه كما عرفت.

وكيف كان فقد بان لك أنه لا ريب في عدم اشتراطه بالطهارة ، أما الإقامة فظاهر النصوص السابقة ذلك ، ولا معارض لها إلا الأصل المقطوع بها ، والإطلاق المقيد بها كذلك ، ولذا حكي عن صريح الكاتب والمصباح للسيد وجمل العلم والعمل والمنتهى وظاهر المقنعة والنهاية والسرائر والمهذب الاشتراط المزبور ، وفي كشف اللثام وهو الأقرب للأخبار بلا معارض ، ومال إليه في المدارك وغيرها ، لكن المشهور نقلا عن البحار ومجمع البرهان إن لم يكن تحصيلا العدم ، بل في الروضة ليست شرطا عندنا ، وكأنهم حملوا الأخبار المزبورة على التأكد ، كما أنه ينبغي حمل الأمر بالإعادة في خبر علي بن جعفر (١) على الاستحباب أيضا بناء منهم على أن المطلق لا يحمل على المقيد في المندوبات ، لعدم التعارض عند التأمل ، وفيه أنه لو سلم فليس في مثل المقام المشتمل على النهي ونحوه ، فالقول بالاشتراط أولى وأحوط ، خصوصا بعد ما تسمعه من النصوص الدالة على أنها من الصلاة ، والله أعلم.

وكذا يستحب أن يكون قائما على المشهور ، بل في التذكرة والمحكي عن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٧.

٥٩

المنتهى ونهاية الأحكام الإجماع عليه ، بل في الأول نسبته إلى أهل العلم كافة ، كما في الثاني الإجماع على جوازه جالسا للأصل والإطلاقات ، إلا أنه لا يخلو من كراهة لغير الراكب والمريض جمعا بين‌ خبر حمران (١) قال : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الأذان جالسا فقال : لا يؤذن جالسا إلا راكب أو مريض » وقول أبي جعفر عليه‌السلام أيضا في صحيح زرارة (٢) « تؤذن وأنت على غير وضوء وفي ثوب واحد قائما أو قاعدا وأينما توجهت ، ولكن إذا أقمت فعلى وضوء متهيأ للصلاة » وأبي الحسن عليه‌السلام (٣) « يؤذن الرجل وهو جالس ، ولا يقيم إلا وهو قائم ـ وقال عليه‌السلام أيضا ـ تؤذن وأنت راكب ، ولا تقيم إلا وأنت على الأرض » والرضا عليه‌السلام في خبر ابن أبي نصر (٤) المروي عن قرب الاسناد « تؤذن وأنت جالس ، ولا تقيم إلا وأنت على الأرض وأنت قائم ».

وكيف كان فلا إشكال في عدم اعتبار القيام في الأذان لما عرفت ، مضافا إلى‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر ابن أبي بصير (٥) : « لا بأس بأن تؤذن راكبا أو ماشيا أو على غير وضوء ، ولا تقيم وأنت راكب أو جالس إلا من علة أو تكون في أرض ملصقة » وقال له (ع) محمد بن مسلم (٦) : « يؤذن الرجل وهو قاعد قال : نعم ، ولا يقيم إلا وهو قائم » وقال له (ع) يونس الشيباني أيضا (٧) : « أؤذن وأنا راكب قال : نعم ، قلت : فأقيم وأنا راكب قال : لا ، قلت : فأقيم ورجلي في الركاب قال : لا ، قلت : فأقيم وأنا قاعد قال : لا ، قلت : فأقيم وأنا ماش ، قال : نعم ماش إلى الصلاة ، قال :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٨ وروى في الوسائل عن أبي بصير وهو الصحيح.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٥.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٩.

٦٠