جواهر الكلام - ج ٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الفرد الكامل منها ، فقد ظهر بحمد الله أنه لا محيص عن القول بندب الأذان والإقامة مطلقا ، نعم هما مختلفان في التأكد وعدمه ، كاختلاف الأذان في ذلك في الفجر والمغرب والجماعة ، ولعل الإقامة فيها مؤكدة زائدا على تأكدها في غيرها.

كما أنه ظهر لك من نصوص النساء السابقة اختلافهن مع الرجال في التأكد وعدمه الذي هو المشهور بين الأصحاب ، بل لا يعرف فيه خلاف بينهم ، إذ لا ريب في مشروعيتهما لهن ، بل الإجماع صريحا وظاهرا محكي عليها ، بل الظاهر انه كذلك كما في كشف اللثام ، مضافا إلى بعض النصوص السابقة وغيرها ، لكن ليس في شي‌ء منها الأمر بالاسرار والإخفات ، ومقتضاه الاجتزاء به وإن أجهرت بحيث سمعها الأجانب ، بل في المحكي عن المبسوط « وإن أذنت المرأة للرجال جاز لهم أن يعتدوا به ويقيموا ، لأنه لا مانع منه » ولعل ذلك مؤيد لما ذكرناه سابقا من عدم ثبوت جريان حكم العورة على أصواتهن ، بل مقتضى السيرة المستمرة في سائر الأعصار والأمصار وما وصل إلينا من النصوص المتضمنة كلامهم عليهم‌السلام معهن زائدا على الواجب خلاف ذلك ، فيتجه حينئذ اجتزائهن به وإن سمعهن الأجانب ، نعم قد يشكل ما في المبسوط بأن ذلك على تقدير تسليمه لا يقتضي اجتزاء الرجال به ، اقتصارا على المتيقن في سقوطه عنهم ، ودعوى شمول إطلاق الأدلة أو قاعدة الاشتراك لذلك في غاية الصعوبة.

كما أنه قد يشكل اجتزائهن به مع سماع الأجانب بالشهرة العظيمة على اشتراط الاسرار بمعنى عدم سماع الأجانب ، بل عن المنتهى والتذكرة نسبته إلى علمائنا مشعرا بدعوى الإجماع عليه ، ولذا ضعفوا ما سمعته عن الشيخ بأنها إن أجهرت عصت ، والنهي يدل على الفساد ، وإن أسرت لم يجتزأ به بل عن المختلف زيادة أنه لا يستحب لهن ، فلا يسقط به المستحب ، وكأن بناء الجميع على عورية صوتها ، ولذا ذكر غير واحد اعتداد المحارم به كالنساء ، لجواز سماعهم أصواتهن ، فيتجه حينئذ عدم الاعتداد به‌

٢١

لحرمته ، وظاهرهم المفروغية من ذلك ، نعم في الذكرى « إلا أن يقال ما كان من قبيل الأذكار وتلاوة القرآن مستثنى كما استثني الاستفتاء ونحوه ـ ثم قال ـ : ولعل الشيخ يجعل سماع الرجل صوت المرأة في الأذان كسماعها صوته فيه ، فان صوت كل منهما بالنسبة إلى الآخر عورة » لكن الجميع كما ترى ، خصوصا ما سمعته من المختلف الذي يمكن دعوى الإجماع على خلافه ، كما أن الإجماع المزبور الذي مبناه على الظاهر كون صوت المرأة عورة يمكن منعه أيضا بما عرفت ، وإلا فإن تم اتجه عدم الاستثناء لعدم الدليل ، واحتمال الاجتزاء به لرجوع النهي لأمر خارج غلط واضح ، إذ اللفظ إنما هو صوت خاص ، فمع فرض حرمته لا يتصور التقرب به ، ومثله احتمال الاجتزاء به مع إسرارهن لعدم توقفه على السماع ، وإلا لم يسقط عمن جاء قبل تفرق الجماعة ، ضرورة أن القول بذلك للدليل الخاص لا يقتضي الاعتداد به في نحو الفرض ، أقصاه أنه يمكن دعواه مثلا فيمن جاء قبل تفرق جماعتهن ، لعدم المحذور فيه ، إلا أنه يشكل بما عرفت من المناقشة في شمول أدلة الاعتداد بمثله على تقدير عدم كون صوتها عورة.

وعلى كل حال ففي الذكرى « ان الخنثى المشكل في حكم المرأة تؤذن للمحارم من الرجال والنساء ولأجانب النساء دون أجانب الرجال » وفي جامع المقاصد « الخنثى كالمرأة في ذلك ، وكالرجل في عدم جواز تأذين المرأة لها » وكأنهما بنيا ذلك على مراعاة الاحتياط فيها الذي قد ادعي وجوبه في مثل العبادة ، وإلا فقد يتجه التمسك بأصالة البراءة عن حرمة سماع صوتها ، فتشملها حينئذ إطلاق الاعتداد بأذان الغير الذي لم يقيد بالرجال ، بل أقصاه خروج النساء عنه ، فيقتصر على المعلوم منهن ، أما عدم اعتدادها بأذان المرأة فقد يتجه كما ذكره في الجامع ، إذ الثابت اعتداد النساء به ، والمفروض عدم ثبوت كون الخنثى منهن ، واحتمال كونها منها معارض باحتمال كونها‌

٢٢

من الرجال ، فلا يجدي هذا ، وقد عرفت أنه في غير واحد من النصوص (١) السابقة اجتزاء النساء بالتكبير والشهادتين ، وفي بعضها (٢) بالشهادتين ، كما انها اختلفت في كيفية الشهادتين ، وظاهر بعضها أن ذلك إقامتها ، ولا بأس بالعمل بما فيها على إرادة الرخصة ، وإن كان الأفضل غيره ، وفي المحكي من عبارة ابن الجنيد أن على النساء التكبير والشهادتين ، ولا ريب في ضعفه على تقدير إرادة الوجوب ، والله أعلم.

وكيف كان فقد ذكر المصنف وغيره من الأصحاب بل لم يعرف فيه خلاف أصلا أن الأذان والإقامة يتأكدان فيما يجهر فيه من الفرائض ، بل عن الغنية الإجماع عليه ، وهو مع اعتضاده بالفتاوى والتسامح في أدلة السنن الحجة ، وإلا فلم نقف في النصوص على ما يشهد له ، بل قد يظهر من عد العشاء فيها مع الظهر والعصر والاقتصار على استثناء المغرب والغداة خلافه ، وتعليله بأن الجهر دليل اعتناء الشارع بالتنبيه والاعلام وشرعهما لذلك كما ترى ، اللهم إلا أن يرجع إلى ما عن علل الفضل (٣) عن الرضا عليه‌السلام من أن الأمر بالجهر في فرائضه لوقوعها في أوقات مظلمة ليعلم المار أن هناك جماعة تصلي ، فإن أراد أن يصلي صلى معهم ، المشعر بأنها أحوج إلى التنبيه على جماعتها.

وأما أن أشدها وغيرها من الصلاة تأكدا استحبابهما في الغداة والمغرب فقد عرفت ما يدل عليه من النصوص (٤) حتى قيل بالوجوب كما سمعت ، هذا كله في الصلوات الخمس. وأما استحبابه في غيرها فستعرف إن شاء الله المواضع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١ و ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الأذان والإقامة.

٢٣

التي ندب فيها الأذان خاصة ، أو هو والإقامة في آخر المبحث ، والله الموفق.

وعلى كل حال فـ ( لا يؤذن ) ولا يقام لشي‌ء من النوافل وإن وجبت بالعارض ولا لشي‌ء من الفرائض عدا الخمس إجماعا محصلا ومنقولا عن المعتبر والمنتهى والتذكرة والذكرى وجامع المقاصد والغرية ، بل عن أولها أنه مذهب علماء الإسلام ، ومنه يعلم حينئذ أن المراد بإطلاق بعض النصوص (١) أو عمومها خصوص الفرائض الخمسة ، فيبقى غيرها على أصالة عدم المشروعية ، مضافا إلى ما تسمعه في خبر إسماعيل بن جابر الجعفي (٢) من نفي الصادق عليه‌السلام الأذان والإقامة في العيدين متمما بعدم القول بالفصل ، بل لو كان مشروعا في غير الخمس لكانا أولى من غيرهما بذلك ، كما هو واضح.

بل يقول المؤذن للصلاة في العيدين عوض الأذان المعهود الصلاة ثلاثا بلا خلاف أجده فيه لخبر إسماعيل الجعفي (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قلت له : أرأيت صلاة العيدين هل فيهما أذان وإقامة؟ قال : ليس فيهما أذان ولا إقامة ، ولكنه ينادى الصلاة ثلاث مرات » بل ألحق الفاضلان وغيرهما بهما سائر الفرائض غير اليومية ، بل ظاهر المتن وغيره إلحاق سائر ما يراد فيه الاجتماع من الصلوات ولو نافلة ، فيدخل صلاة الاستسقاء ، كما هو صريح المحكي عن التذكرة ونهاية الأحكام ، نعم فيه الإشكال في صلاة الجنازة ، من العموم ، ومن الاستغناء بحضور المشيعين ، لكن فيه أنه قد لا يغني الحضور للغفلة ونحوها ، ولم نجد غير الخبر المزبور ، ولذا توقف بعض المتأخرين في تعميم الاستحباب لغيرهما ، إلا أنه ـ بعد التسامح ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأذان والإقامة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ١.

٢٤

وفتوى جماعة ، واحتمال إلغاء الخصوصية في العيدين ، ومعلومية ندب النداء للاجتماع ، وأفضلية المأثور ، وإرسال الفاضل العموم المزبور وإن لم نعثر عليه ـ لا يبعد التعميم لكل صلاة أريد فيها الاجتماع من فريضة أو نافلة ، وإطلاق الأصحاب استحباب اللفظ المزبور من غير نص على كيفية خاصة من الوقف أو النصب أو الرفع أو التفريق يستفاد منه عدم تقييد الاستحباب بشي‌ء من ذلك ، إما لعدم مدخلية الاعراب أصلا في كل ما أمر بقوله أو في خصوص المقام ، فحينئذ يجوز نصب الصلاة في الثلاث ورفعها كما نص عليه غير واحد ، والتفريق كما نص عليه الشهيد الثاني ، هذا. وعن الحسن أنه يقال في العيدين : « الصلاة جامعة » والخبر المزبور خال عنه ، إلا أنه في بالي أن في بعض الأخبار (١) هذا اللفظ في غير العيدين من بعض الصلوات التي أريد بها الاجتماع كصلاة الغدير أو نحوها ، وربما كان ذلك مؤيدا للتعميم المزبور ، فلاحظ. وفي كشف اللثام أن الصدوق لم يذكر إلا‌ قول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيح زرارة (٢) : « أذانهما أي العيدين طلوع الشمس » قلت : لعل مراده لفظ الصلاة أو مطلق الاعلام لا الأذان المعهود ، بل ينبغي القطع بذلك ، كما أن ما عن الكشي ، من أنه روي في ترجمة يونس ابن يعقوب انه صلى على معاوية بن عمار بأذان وإقامة من الشواذ الغريبة ، والله أعلم.

وكيف كان فقد عرفت سابقا أن مقتضى إطلاق الأدلة ـ بل عموم بعضها خصوصا‌ قول الصادق عليه‌السلام منها في موثق عمار (٣) : « لا صلاة إلا بأذان وإقامة » وغيره ـ عدم الفرق في استحبابهما بين القضاء والأداء ، وحينئذ فـ ( قاضي ) الصلوات الخمس‌

__________________

(١) صحيح البخاري ج ٢ ص ٣٥ وانما ورد في صلاة الكسوف.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة العيد ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٢.

٢٥

يؤذن لكل واحدة ويقيم مضافا إلى عموم‌ قوله عليه‌السلام (١) : « من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته » بناء على إرادة الجنس من الفريضة فيه ، وعلى شموله للكيفية وإن كانت خارجة عن أجزاء الصلاة كالطهارة والستر والاستقبال والأذان والإقامة ، فتأمل. وخصوص‌ خبر عمار (٢) « ان الصادق عليه‌السلام سئل عن الرجل إذا أعاد الصلاة هل يعيد الأذان والإقامة؟ قال : نعم » والإجماع المحكي عن الخلاف وظاهر المسالك والروض وحاشية الإرشاد ، بل لعله مقتضى ما عن التذكرة من الإجماع على أفضليته في الأداء من القضاء ، نعم‌ روى زرارة (٣) في الصحيح أو الحسن عن أبي جعفر عليه‌السلام رخصة في ترك الأذان لما عدا الأولى قال : « إذا نسيت صلاة أو صليتها بغير وضوء وكان عليك قضاء صلوات فابدأ بأولهن وأذن لها وأقم ثم صلها وصل ما بعدها بإقامة إقامة لكل صلاة » ومحمد بن مسلم في الصحيح (٤) أيضا « في الرجل يغمى عليه ثم يفيق يقضي ما فاته يؤذن في الأولى ويقيم في البقية » وفي المرسل (٥) « ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شغل يوم الخندق عن الظهرين والعشاءين حتى ذهب من الليل ما شاء الله فأمر بلالا فأذن للأولى وأقام للبواقي من غير أذان ».

وإليها أشار المصنف وغيره ـ بل لا أجد فيه خلافا معتدا به بينهم ـ بقوله ولو أذن للأولى من ورده ثم أقام للبواقي كان دونه في الفضل بل قد يظهر من‌ مكاتبة موسى ابن عيسى (٦) الرخصة في ترك الأذان للجميع ، قال : « كتبت اليه رجل يجب عليه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ الحديث ١ ونصه‌ « يقضي ما فاته كما فاته ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ الحديث ٢.

(٥) تيسير الوصول ج ٢ ص ١٩٠.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٢.

٢٦

إعادة الصلاة أيعيدها بأذان وإقامة فكتب يعيدها بإقامة » بناء على إرادة ما يشمل القضاء من الإعادة فيه. وفي المحكي عن الخلاف الإجماع على ذلك ، بل هو ظاهر ما في المحكي عن النهاية والسرائر ومن فاتته صلاة قضاها بأذان وإقامة أو إقامة ، بل عن المعتبر والمنتهى والتذكرة ونهاية الأحكام التصريح بذلك ، بل عن البحار نسبته إلى الأصحاب ، وليس في نصوص الرخصتين تقييد بالعجز أو المشقة ، فما عن جامع ابن سعيد أنه إن عجز أذن للأولى وأقام للثانية إقامة إقامة ، والنفلية من أن من أحكامه الاجتزاء بالإقامة عند مشقة التكرار في القضاء لا يخلو من نظر ، كما أن ما عن البحار من الميل إلى عدم ثبوت الرخصة الثانية كذلك أيضا.

والمراد بالرخصة في ترك المستحب المعلوم جواز تركه خصوص ما نص الشارع على تركه على وجه يظهر منه أن ذلك ليس من حيث كونه مستحبا يجوز تركه ، بل لعدم كون الاستحباب في محلها كما في غير محلها ، ومن هنا ينقدح إشكال في الاستدلال على أفضلية الأذان هنا في الجميع بالاستصحاب أو ببعض العمومات ، مثل‌ قول الصادق عليه‌السلام في موثق عمار (١) : « لا صلاة إلا بأذان وإقامة » ونحوه من عمومات التأكد ، ضرورة كون هذا الحال غير الحال الأول ، فلا يستصحب الحال السابق ، كضرورة أنه مما لا يندرج في عموم التأكد للفرائض بعد فرض أنه قد رخص فيه رخصة تشعر بعدم ثبوت ذلك التأكد فيه ، نعم لا بأس بالإطلاقات أو العمومات الخالية عن ذلك ، بل انما كانت دالة على ثبوت أفضلية الفعل على الترك التي هي قدر مشترك بين سائر المراتب ، اللهم إلا أن يفرض كون عمومات التأكد كذلك ، فتأمل. بل ربما استشكل بعضهم في الاستدلال بسائر الإطلاقات والعمومات باعتبار ظهور الأمر في الصحيحين والموثق بأفضلية ذلك من الأذان ، إذ أقل مراتبه الندب ، بل ربما أيد بفعل النبي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٢.

٢٧

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المعلوم مواظبته على الراجح ، وليس الخبر منافيا للعصمة كي يطرح ، إذ يمكن أن يكون ذلك منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل النسخ ، لما روي « ان الصلاة كانت تسقط مع الخوف ثم تقضي » حتى نسخ ذلك بقوله تعالى (١) ( وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ ) أو يكون لعدم تمكنه من استيفاء الأفعال ولم يكن قصر الكيفية مشروعا ، ولعله إلى ذلك نظر القائل بأفضلية الأذان لأول الورد خاصة ثم الإقامة الإقامة على فعل الأذان في الجميع كما حكاه غير واحد عن بعضهم وإن كنا لم نعرفه بالخصوص.

نعم قد يستظهر من الفاضل في الإرشاد من حيث عطفه سقوط الأذان عن القاضي على عصر يومي الجمعة وعرفة اللذين ستعرف حرمة الأذان فيهما أو كراهته ، بل ربما ظهر من منظومة العلامة الطباطبائي ، واستحسنه في المدارك والمحكي عن البحار ، بل عن الكفاية اختياره ، بل في المدارك والمحكي عن البحار لو قيل بعدم شرعية الأذان لغير الأولى لكان قويا ، لعدم ثبوت التعبد به على هذا الوجه ، بل في المفاتيح حكايته قولا لبعضهم وإن كنا لم نعرفه ، اللهم إلا أن يرجع اليه القول بأفضلية الترك ، ضرورة عدم تناول أدلة الاستحباب حينئذ له ، فتحتاج شرعيته حينئذ إلى دليل ، بل لا تتصور إذ الفرض أنه عبادة ، وهي لا يرجح تركها على فعلها ، وأقلية الثواب على وجه خاص التي هي معنى الكراهة في العبادات غير متصورة هنا ، ضرورة تصورها في الأفراد المتفاوتة لا في فردي الترك والفعل ، وتكلف رجوع ذلك إلى الصلاة ذات الإقامة وحدها والصلاة ذات الأذان والإقامة لا محصل له ، خصوصا والأذان عبادة مستقلة عن الصلاة انما يلاحظ فعله وتركه لنفسه ، فلا بد حينئذ إما القول بأن الترك رخصة ، وإلا فالفضل‌

__________________

(١) سورة النساء ـ الآية ١٠٣.

٢٨

في الفعل ، وإما القول بأنه عزيمة يحرم معها الفعل ولو لعدم الدليل على الشرعية ، لكنك خبير بضعف الثاني وندرة القائل به ، بل قد سمعت دعوى الإجماع صريحا وظاهرا على خلافه ، بل يمكن تحصيله مضافا إلى الأدلة المزبورة التي لا يعارضها ظاهر الأمر الذي هو شبه الأمر في مقام توهم الحظر المنصرف إلى إرادة الرخصة ، ولا المرسل المتضمن لفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي لم يثبت ، وعدم منافاته العصمة لا يقتضي ثبوته ، على أنه يمكن أن يكون أيضا لبيانها كما يقع منهم فعل المكروه لبيان الجواز فضلا عن الرخصة.

فظهر حينئذ أن الأقوى ما عليه المشهور ، لكن في الدروس « أن استحباب الأذان للقاضي لكل صلاة ينافي سقوطه عمن جمع في الأداء ، إلا أن نقول السقوط فيه تخفيف ، أو أن الساقط أذان الإعلام لحصول العلم بأذان الأولى لا الأذان الذكري ، ويكون الثابت في القضاء الأذان الذكري ، وهذا متجه » وفيه أنه يمكن كون الفارق الدليل ، ضرورة ظهوره في بعض أفراد الجمع كما ستعرف في رجحان الترك ، إما للمواظبة منهم عليهم‌السلام على ذلك ، أو لدلالة القول عليه بخلافه هنا ، فإنه لم تفتهم صلاة إلا ما سمعته من الخبر المزبور الذي استظهر المجلسي على ما قيل عاميته ، وليس فيه شي‌ء من المواظبة كي يصلح لمعارضته ما عرفت ، كالقول في الصحيحين المزبورين والموثق بعد ما سمعت ، ومن الغريب احتماله سقوط أذان الإعلام خاصة ، بل استوجهه ، والنصوص والفتاوى هنا وفي الجمع في الأداء صريحة أو كالصريحة في خلافه ، مضافا إلى ما رده به في المدارك من أن الأذان عبادة مخصوصة مشتملة على الأذكار وغيرها ، ولا ينحصر مشروعيته في الإعلام بالوقت ، إذ قد ورد في كثير من الروايات أن من فوائده دعاء الملائكة إلى الصلاة ، وإن كان قد يناقش فيه بأنه ظاهر في عدم ثبوت تعدد الأذان عنده للاعلام والصلاة ، بل هو أذان واحد له فوائد متعددة قد تجتمع‌

٢٩

وقد يتخلف بعضها ، وفيه أنه خلاف الظاهر من النصوص كما عرفت في أول المبحث وتعرف إن شاء الله.

ويصلي يوم الجمعة الظهر بأذان وإقامة ، والعصر بإقامة بلا خلاف معتد به أجده فيه إذا كانت صلاته الظهر جمعة وجاء بالموظف بأن جمع بينها وبين العصر ، وما عن بعض نسخ المقنعة من التعبير بالأذان مراد منه الإقامة بقرينة ما عن نسخة أخرى ، وعدم إردافه بالإقامة في النسخة المزبورة ، كل ذلك للتأسي وإدراكها مع من احتضر صلاة الجمعة وإدراكهم لها جماعة ، بل في الذكرى نسبته إلى الأصحاب ، بل عن الغنية والسرائر والمنتهى الإجماع عليه ، بل قد يقوى في النظر الحرمة وفاقا للبيان والروضة وكشف اللثام والمحكي عن النهاية وظاهر التلخيص ، بل لعله المراد من التعبير عنه بالبدعة في بعض كتب الفاضل وثاني الشهيدين ، إذ دعوى أنها تنقسم إلى الأحكام الخمسة كما ترى ، خصوصا بعد‌ ما ورد (١) في نوافل شهر رمضان « ان كل بدعة ضلالة » وعلى كل حال فالمتجه التحريم لأصالة عدم المشروعية ، فهو كالأذان في غير الفرائض ، قيل ول‌ قول أبي جعفر عليه‌السلام في خبر حفص بن غياث (٢) : « الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة » إذ الثالث في يومها لا يكون إلا للعصر ، لأن الأول للصبح والثاني للجمعة ، وإن لم يلاحظ الصبح بل لوحظ الإعلامي لوقت الظهر والأذان لصلاتها فالثالث حينئذ ليس إلا للعصر ، لكن قد يقوى إرادة الثاني للظهر منه باعتبار كونه زيادة ثالثة على الأذان والإقامة المشروعين للظهر ، ويؤيده ما قيل من أن عثمان أحدث للجمعة أذانا لبعد بيته عن المسجد ، فكانوا يؤذنون أولا في بيته وثانيا في المسجد ، وقيل : إن المبتدع معاوية ، كما أنه قيل : الأذان الأول كان بدعة ، وقيل : الثاني ، وقيل : إنه كان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب نافلة شهر رمضان ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب نافلة شهر رمضان ـ الحديث ٤ من كتاب الصلاة.

٣٠

بعد نزول الامام من المنبر ، وقيل : قبل الوقت ، إلى غير ذلك مما ليس هذا محل ذكره.

والحاصل لا يخفى انصراف الذهن إلى إرادة التعريض بما في يد الناس من الابتداع‌ كما ورد (١) « الاجتماع في شهر رمضان بدعة » لا أن المراد أنه لو فعل ذلك كان بدعة : أي تشريعا محرما ، فان هذا لا يخص الأذان ، بل لعل لفظ البدعة ظاهر في خلافه كما هو واضح ، خلافا للمحكي عن المبسوط والفاضل في جملة من كتبه والشهيد في الذكرى والمحقق الثاني في جامعه وتعليقه على النافع والإرشاد فمكروه ، وللدروس فمباح لا محرم ولا مكروه ، بل جعل فيها الأول منهما مبالغة ، قال : « ويسقط استحباب الأذان في عصر عرفة وعشاء المزدلفة وعصر الجمعة » وربما قيل بكراهته في الثلاثة وخصوصا الأخير ، وبالغ من قال بتحريم الأخير ، وقد عرفت أن المبالغة هي التي يقتضيها النظر ، ضرورة عدم جريان أصالة الجواز في إثبات أصل العبادة ، كما أن كونه ذكرا لله وحثا على عبادته والكل حسن على كل حال لا يشرع الخصوصية ، وإلا لاقتضى ذلك استحبابه لغير اليومية ، والاستصحاب بعد القطع بانقطاعه ضرورة كون هذا الحال غير الأول لا حجة فيه ، وإلا رجع إلى استصحاب الجنس ، وهو غير حجة عندنا ، وكذا لا جهة للتمسك بإطلاق أوامر الأذان أو عموماته ، ضرورة الاتفاق على عدم شمولها للمفروض ، وإلا لاقتضيا بقاء ندبه ، والتزام الدروس بذلك بناء على إرادته سقوط تأكد الاستحباب لا أصله الذي لا تتم العبادة بدونه ـ بل مقتضى ما سمعته منه في المسألة السابقة من أن الساقط أذان الإعلام دون أذان الذكر البقاء على الندب الأول بعد الإجماعات السابقة ، بل يمكن دعوى المحصل ، وبعد مواظبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتابعين وتابعي التابعين على وجه يقطع بأنه الراجح ، لا أن الترك رخصة ، وإلا فالأفضل غيره ـ غريب.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

٣١

نعم قد يقوى عدم التحريم بل ولا الكراهة ، بل الظاهر بقاء الندب الأول إذا لم يجمع بينهما ، إذ مرجوحية التفريق لا تنافي استحباب الأذان الثابت بالاستصحاب وبإطلاق الأدلة وعمومها ولا معارض ، إذ خبر حفص قد عرفت المراد منه ، فما عن ظاهر النهاية والبيان ـ من الحرمة هنا أيضا حيث جوز التنفل بست بين الفرضين وأطلقا تحريم أذان العصر ـ فيه ما لا يخفى ، وإن قال في كشف اللثام : إنه يقويه النظر إلى أن الأذان للإعلام والناس مجتمعون مع ضيق الوقت لئلا تنفض الجماعة ، ويمكن إرادتهما الصورة الأولى ، كما أنه يمكن بقرينة ملاحظة الكتب الاستدلالية وما ذكروه فيها دليلا للسقوط إرادة ما لا يشمل المفروض من إطلاق المتن وغيره سقوط أذان العصر يوم الجمعة ، بل قد يدعى أن المنساق إرادة ما لو فعل الجمع الموظف فيها لا التفريق الذي هو إما محرم أو مكروه أو رخصة كما هو واضح.

وأما إذا صلى الظهر أربعا جامعا بينها وبين العصر فعن صريح التهذيب والكافي والمنتهى والمختلف وظاهر المبسوط والنهاية السقوط أيضا ، بل ربما استظهر أيضا من عبارة المتن وكتب الفاضل وغيرها مما أطلق فيه سقوطه في يوم الجمعة ، ولعله لذا نسب إلى المشهور ، بل ربما استظهر أيضا مما عن المعتبر من أنه يجمع يوم الجمعة بين الظهرين بأذان وإقامتين ، قاله الثلاثة وأتباعهم ، لأن الجمعة يجمع فيها بين الصلاتين ، بل عن المنتهى « أنه قاله علماؤنا » بل عن موضع من مجمع البرهان « لا خلاف في سقوط أذان العصر يوم الجمعة إذا جمع بينها وبين الظهر » بل هو مقتضى تعليل غير واحد من الأصحاب السقوط في المسألة الأولى بالجمع الذي هو المفروض في المقام.

ومنه ينقدح أن السقوط هناك ليس لخصوصية الجمعة ، نعم لما كانت يختص يومها باستحباب الجمع ذكر فيه ذلك ، فما وقع من بعض متأخري المتأخرين من المناقشة‌

٣٢

في بعض أدلة تلك المسألة بأنه لا يخص الجمعة في غير محله ، ضرورة أنه لم يظهر منهم إرادة اختصاصها من دون ملاحظة الجمع ، فحينئذ يتجه السقوط أيضا هنا ، لأن الظاهر من النصوص والفتاوى استحباب الجمع مطلقا صلى الظهر أربعا أو جمعة ، على أن الحكم غير مقيد باستحباب الجمع ، بل وقوعه كاف في السقوط وإن لم يكن مستحبا كما يفهم من تعليل كثير من الأصحاب ، ولعله لذا نسبه غير واحد إلى الشهرة كما قيل ، بل ربما نسب إلى الأصحاب ، بل عن الخلاف « ينبغي لمن جمع بين الصلاتين أن يؤذن للأولى ويقيم للثانية » وفي كشف اللثام وكذا يسقط بين كل صلاتين جمع بينهما : أي لم يتنفل بينهما كما قطع به الشيخ والجماعة ، لأنه المأثور (١) عنهم عليهم‌السلام ثم حكي عن الذكرى أن الساقط فيه أذان الإعلام لا أذان الذكر والإعظام ، وقال : ولما لم يعهد عنهم إلا تركه أشكل الحكم باستحبابه وإن عمت أخباره ولم يكن إلا ذكرا وأمرا بالمعروف.

قلت : وكأن ذلك كله لأنه مع الجمع كالصلاة الواحدة ، ولأن المعهود منهم عليهم‌السلام قولا وفعلا في حال استحباب الجمع وغيره ذلك ، ففي‌ صحيح عبد الله ابن سنان (٢) عن الصادق عليه‌السلام « ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين ، وجمع بين المغرب والعشاء في الحضر من غير علة بأذان وإقامتين » وفي‌ صحيح عمر بن أذينة (٣) عن رهط منهم الفضيل وزرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام « ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين ، وجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين » وفي‌ خبر صفوان الجمال (٤) « صلى بنا أبو عبد الله عليه‌السلام الظهر والعصر عند ما زالت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الأذان والإقامة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١١ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢.

٣٣

الشمس بأذان وإقامتين ، وقال : إني على حاجة فتنفلوا » مضافا إلى ما ورد في المسلوس (١) والمستحاضة من سقوط الأذان للفرض الثاني ، وما ذاك إلا للجمع المشروع له ، وما تسمعه في ظهري عرفة وعشائي المزدلفة ، وما سمعته في الجمعة والعصر وفي الورد الواحد من القضاء وغير ذلك ، ومن الجميع بمعونة فهم الأصحاب يحصل الظن أن العلة في السقوط في الجميع الجمع ، بل منه حينئذ يظهر أن الأقوى التحريم وفاقا للمحكي عن صريح بعض وظاهر آخرين لما سمعته مفصلا ، لكن قد يناقش في ذلك كله بأنه ليس في شي‌ء من النصوص إشارة إلى العلة المزبورة كي يصح الاستناد إليها ، ولا شهرة محققة عليها ، وإنما وقعت في كلام بعضهم المحتمل للتقريب ونحوه مما يذكر بعد النص على الحكم كما هي عادتهم ، ولم يكن المنقول عنهم عليهم‌السلام استمرار الجمع في غير محل استحبابه على وجه يعلم منه أفضلية الترك ، وأقصى الأخبار المزبورة أنه فعل ، ولعل ترك الأذان فيه كالجمع لبيان الرخصة والتوسعة ، كما صرح بهذا التعليل في بعض نصوص الجمع لما سئل عنه من جهة تعارف التفريق ، خصوصا من عادته (ص) وكذا الترك في نصوص المسلوس والمستحاضة فلعله كالجمع للمحافظة ، والقضاء قد عرفت أن الأفضل فيه الإتيان بالأذان ، وعن مجمع البرهان الإجماع على عدم التحريم في الجمع في غير موضع الندب ، وعن الروض أنه لا قائل به.

ومن ذلك يعلم أن ليس العلة في السقوط الجمع ، وإلا ما اختلف معلولها رخصة وحرمة أو كراهة كما عرفت الحال فيه وفي الجمع بين الجمعة والعصر ، فالاطلاقات والعمومات حينئذ بحالها كافية في شرعية العبادة التوقيفية ، وعدم معهودية أذان منهم عليهم‌السلام فيما جمعوا فيه لا ينافي استفادة الشرعية من الإطلاقات والعمومات بعد أن لم يعلم استمرارهم على الجمع المتروك فيه الأذان ، نعم هو متجه فيما علم ذلك فيه كالجمعة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب نواقض الوضوء ـ الحديث ١ من كتاب الطهارة.

٣٤

والعصر وظهري عرفة وعشائي المزدلفة لا مطلقا خصوصا إذا لم يكن الجمع مستحبا ، فإنه لا لفظ يدل على السقوط بحيث لا يندرج في العمومات السابقة ، ولا مداومة بل ان اتفق منهم ذلك أحيانا فلعله لبيان الرخصة كأصل الجمع ، واستفادته من السقوط حال استحباب الجمع بناء عليه من القياس المحرم عندنا ، بل يمكن الفرق باحتمال إشعار استحباب الجمع باتصال الصلاتين وعدم التفريق بينهما ولو بالأذان ، ومع هذا الاحتمال فيه وفي الفعل السابق يبقى العمومات سالمة عن المعارض ، وخبر حفص (١) مع أنه في خصوص الجمعة قد عرفت البحث في دلالته المؤيد زيادة على ما سمعت بعدم استناد أكثر الأصحاب إليه في الحكم هنا ، بل عللوه بالجمع ونحوه ، ولعله لهذا حكي عن نص المقنعة والأركان والكامل والمهذب والسرائر عدم السقوط فيما لو صلى الظهر أربعا في يوم الجمعة فضلا عن الجمع بين الظهرين في غيرها ، بل ربما استظهر أيضا من جامع الشرائع حيث نسب القول بالسقوط إلى القيل ، بل عن ابن إدريس أنه مراد الشيخ أيضا ، وكأنه مال إليه في كشف اللثام ، وقد عرفت أنه لا يخلو من قوة ، خصوصا مع ملاحظة قاعدة التسامح التي لا يعارضها احتمال التحريم بعد أن كان منشأه التشريع ، وأولى منه بعدم السقوط الجمع في غير محل الاستحباب ، نعم هو رخصة لا تنافي الندب.

وعلى كل حال فقد عرفت أن المتجه التحريم على تقدير السقوط وفاقا للمحكي عن النهاية وغيرها ، بل ربما ظهر من بعضهم أن القائل بها هناك قائل بها هنا لا الكراهة وإن نص عليها كما قيل في مفروض موضوع أصل المسألة في المنتهى والمختلف وغيرهما ، لكن قد عرفت ما فيها هناك ، اللهم إلا أن يكون الأذان عنده ليس عبادة ، بل القربة شرط في ثوابه لا صحته ، وهو مقدمة للصلاة ، وربما يشعر بذلك تقييد بعض مراتب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

٣٥

ثواب التأذين في بعض (١) نصوصه بالاحتساب ، بل قد يشعر به ظهور النصوص (٢) في أن الحكمة فيه نداء المكلفين أو الملائكة أو نحو ذلك ، لكن لا ريب في أن الأقوى خلاف ذلك وان أذان الصلاة من العبادات للأصل في الأوامر ، نعم هو متجه في أذان الاعلام كما تقدمت الإشارة اليه ، ويمكن أن تكون الكراهة فيه نحوها في الصلاة في الأوقات الخمس والصوم في السفر ونحوهما مما لا بدل له.

وقد قيل : إن الكراهة في ذلك بمعنى أنه أقل ثوابا بالنسبة إلى نفس الطبيعة لا أنه أقل ثوابا من فرد آخر ، وفيه أن ذلك لا يقتضي مرجوحية الفعل بالنسبة إلى الترك المستفادة من المداومة والمواظبة عليه ، اللهم إلا أن يكون منشأ تلك القلة مفسدة في ذلك الفرد يرجح مراعاتها على مراعاة الثواب الحاصل بسبب الفعل ، ولا ينافي ذلك العبادة عند التأمل لكثير من أوامر السادة والعبيد ، ولتمام كشف المسألة محل آخر.

هذا كله لو جمع يوم الجمعة بين أربع الظهر والعصر ، أما لو فرق بينهما بنافلة أو نحوها فلا سقوط للأذان ، للاستصحاب ، والإطلاقات والعمومات السالمة عن المعارض ، وخصوص‌ خبر زريق (٣) عن الصادق عليه‌السلام المروي عن أمالي الشيخ أنه « ربما كان يصلى يوم الجمعة ركعتين إذا ارتفع النهار ، وبعد ذلك ست ركعات أخر ، وكان إذا ركدت الشمس في السماء قبل الزوال أذن وصلى ركعتين ، فما يفرغ إلا مع الزوال ، ثم يقيم لصلاة الظهر ، ويصلي بعد الظهر أربع ركعات ثم يؤذن ويصلي ركعتين ثم يقيم فيصلي العصر » بناء على حصول التفريق بذلك كما ستسمع تمام الكلام فيه ، وخبر حفص قد عرفت الحال فيه ، وإطلاق بعض الأصحاب سقوط أذان العصر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأذان والإقامة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١٤ و ١٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٤ مع الاختلاف.

٣٦

يوم الجمعة بقرينة التعليل في الكتب الاستدلالية منهم منزل على غير هذه الصورة.

فصار حاصل البحث أن الصور أربعة بل خمسة : الجمع بين الجمعة والعصر ، والتفريق بينهما ، والجمع بين الظهر والعصر في يومها ، والتفريق بينهما ، والجمع بين الفرضين في غير محل استحبابه ، والظاهر عدم السقوط في صورتي التفريق ، بل ولا في الصورة الأخيرة على إشكال وان اختصت بالرخصة ، وأما صورتا الجمع في يومها فالثانية منهما فيها البحث المزبور ، وأما الأولى فلا إشكال في السقوط فيها ، والأقوى كونه عزيمة.

وكذا في الظهر والعصر بعرفة : أي عرفات ، فإنه لا خلاف أجده في سقوطه فيها ، بل عن حج التذكرة وصلاة المنتهى نسبته إلى علمائنا ، بل عن حج الخلاف والغنية والمنتهى الإجماع على أنه إذا صلى منفردا يجمع بينهما بأذان وإقامتين ، كما أن في المحكي عنها وعن حج الدروس والتذكرة وغيرها الإجماع أيضا على سقوطه في عشائي مزدلفة ، وقال الصادق عليه‌السلام في صحيح عبد الله بن سنان (١) : « السنة في الأذان يوم عرفة أن تؤذن وتقيم الظهر ثم تصلي ثم تقيم للعصر بغير أذان ، وكذلك المغرب والعشاء بمزدلفة » وقال أيضا في‌ صحيح منصور بن حازم (٢) : « صلاة المغرب والعشاء يجمع بأذان واحد وإقامتين » وأرسل في الفقيه (٣) « ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع بين الظهر والعصر بعرفة بأذان وإقامتين ، وجمع بين المغرب والعشاء بجمع بأذان واحد وإقامتين » إلى غير ذلك من النصوص.

بل الظاهر كون السقوط عزيمة أيضا وفاقا لصريح البعض ، وظاهر التعبير بالبدعة من آخر لعين ما سمعته سابقا في الجمعة ، خلافا لأول الشهيدين في بعض كتبه وثاني المحققين فمكروه ، وقد سمعت ما في الدروس ، والبحث ، فلا نعيده.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ٣.

٣٧

بل لعل الأمر كذلك هنا فيما لو فرق بينهما بالنافلة مثلا وخالف المستحب وإن أطلق النص والمتن وغيره من الفتاوى ، إلا أنه يمكن دعوى انسياق حال الجمع من ذلك ، فإنه الموظف ، بل علل السقوط غير واحد به ، وإن كان المحكي عن السرائر تعليله بخصوصية المكان ، كما أنه يمكن انسياق إرادة المكان المخصوص مما أطلق فيه عرفة كالمتن والقواعد ، وإن كان محتملا لإرادة يوم عرفة مطلقا كما في الصحيح السابق (١) وغيره من النصوص المحتمل لإرادة يوم المضي إلى عرفة ، بل لعله المنساق ، اقتصارا على المتيقن من الإطلاقات والعمومات والاستصحاب ، والله أعلم بحقيقة الحال ، هذا.

وقد عرفت في بحث المواقيت المراد بالتفريق وأنه لا يحصل الموظف منه بمجرد إيقاع النافلة بين الفرضين ، لكن عن السرائر في بحث الجمعة والحج « ان الجمع أن لا يصلى بينهما نافلة ، وأما التسبيح والأدعية فمستحب ذلك ، وليس بمانع للجمع » ونحوه عن الروض هنا ، بل قيل : إنه المستفاد من كل من علل السقوط هنا بعدم الإتيان بالنوافل ، وهم جماعة ، وقد سمعت جواب المصنف لتلميذه في بحث المواقيت ، كما أنك سمعت تفسيره به في كشف اللثام ، لكن قال : نعم الظاهر عدم السقوط بمجرد عدم التنفل وإن طال ما بينهما من الزمان حتى أوقع الأولى في أول وقتها والثانية في آخر وقتها مثلا ، وكأنه إليه يرجع ما في المحكي عن الكفاية من أنه يعتبر مع عدم التنفل صدق الجمع عرفا ، ولعل ذلك كله لأصالة عدم السقوط مع عدم حذف النافلة ، ول‌ قول أبي الحسن عليه‌السلام في موثق محمد بن حكيم المروي (٢) في الكافي : « إذا جمعت بين الصلاتين فلا تطوع بينهما » بل في‌ موثقه الآخر (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « الجمع بين الصلاتين إذا لم يكن بينهما تطوع ، فإذا كان بينهما تطوع فلا جمع » المراد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

٣٨

من التطوع فيهما النافلة ، لندرة القائل بحصول التفريق بالتعقيب ونحوه ، بل هو غير معلوم ، نعم نقل عن بعض احتماله ، وكونه موافقا لحقيقة الجمع لا يعارض المفهوم من النصوص ولو بواسطة الفتاوى ، فحينئذ تتم دلالة الخبرين خصوصا على رواية الأخير منهما على المطلوب ، مضافا إلى خبر زريق السابق (١) بل قد يشعر به في الجملة أيضا خبر صفوان الجمال (٢) السابق آنفا بل وخبر الحسين بن علوان (٣) عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام قال : « رأيت أبي وجدي القاسم بن محمد يجمعان مع الأئمة المغرب والعشاء في الليلة المطيرة ، ولا يصليان بينهما شيئا » وإن كان قد يقال : إنه لا دلالة في اتفاق عدم التنفل حال الجمع على اعتبار ذلك فيه ، بل ربما ظهر من‌ خبر أبان بن تغلب (٤) خلاف ذلك ، قال : « صليت خلف أبي عبد الله عليه‌السلام المغرب بالمزدلفة فلما انصرف أقام الصلاة فصلى العشاء الآخرة لم يركع بينهما ، ثم صليت معه بعد ذلك بسنة فصلى المغرب ثم قام فتنفل بأربع ركعات ثم أقام فصلى العشاء الآخرة » بل وصحيح أبي عبيدة (٥) قال : « سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا كانت ليلة مظلمة وريح ومطر صلى المغرب ثم يمكث قدر ما يتنفل الناس ثم أقام مؤذنه ثم صلى العشاء » وفي‌ خبر ابن سنان (٦) « شهدت صلاة المغرب ليلة مطيرة في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فحين كان قريبا من الشفق نادوا (٧) وأقاموا الصلاة فصلوا المغرب ثم أمهلوا الناس حتى صلوا ركعتين ، ثم قام المنادي في مكانه في المسجد فأقام الصلاة فصلوا العشاء ثم انصرف الناس إلى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١.

(٧) وفي النسخة الأصلية « ثاروا » بدل « نادوا » والصحيح ما أثبتناه.

٣٩

منازلهم ، فسألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذلك فقال : نعم قد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمل بهذا ».

مضافا إلى إمكان تأييده باستبعاد تركه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم النافلة في بعض أفراد الجمع المروية عنه ، وأنه فعل ذلك بغير عذر ولا علة ، وليس في صحيح الرهط (١) وغيره من نصوص الجمع ترك النافلة معه ، فلعله تنفل مع الجمع ، بل المنساق إلى الذهن من نصوص الجمع إرادة أنه لم يفرق بين الصلوات التفريق المعهود ، ولعله لذا كان الظاهر من تعليل جماعة السقوط بأن الأذان للوقت ولا وقت للعصر حيث تكون واقعة في فضيلة الظهر أن مدار الجمع فعل الفرضين معا في وقت واحدة منهما ، بل ما عن الفاضلين والشهيدين والعليين وغيرهم ـ ان الجمع إن كان في وقت الأولى كان الأذان مختصا بها ، لأنها صاحبة الوقت ولا وقت للثانية ، وإن كان في وقت الثانية أذن أولا لصاحبة الوقت وأقام لكل منهما ـ لا يخلو من إيماء إلى ذلك وإن كان لا شاهد في شي‌ء من النصوص على هذا التفصيل ، بل ظاهرها خلافه ، ضرورة عدم مدخلية الوقت في أذان الصلاة ، وإرادة أذان الاعلام بل هو صريح المحكي عن بعضهم واضحة الفساد ، على أن الجمع بينهما قد يكون بإيقاع الأولى في آخر وقتها والثانية في أول وقتها كما في المستحاضة ونحوها ، وحينئذ فالمتجه بناء على مراعاة الوقت الأذان لهما وإن جمع بينهما ، كما أن المتجه بناء على ذلك عدم أذان للثانية لو وقعت في آخر وقت الأولى التي يفرض وقوعها في أول وقتها ، بل منه ينقدح أنه لا جهة لتحديد الجمع بذلك ، فان مثل المفروض لا يعد جمعا لغة ولا عرفا ولا شرعا ، والمتجه فيه عدم سقوط الأذان ، خصوصا مع الاشتغال بما لا ربط له في الصلاة في مدة التخلل ، ولعل المتجه مع ملاحظة ما سلف لنا في المواقيت أن المدار في التفريق على الزمان ، لكن لا يعتبر فيه في مثل الظهرين التأخير للمثل ، نعم هو فرد منه ، بل لعله الكامل كما أوضحنا ذلك في المواقيت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١١.

٤٠