جواهر الكلام - ج ٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

ونطق الأخبار (١) بأنها لا تعاد إلا من الوقت والطهور والقبلة والركوع والسجود ، وخبر الحميري (٢) المروي عن قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر أنه سأل أخاه عليه‌السلام « عن الرجل يصلي له أن يقرأ في الفريضة فيمر بالآية فيها التخويف فيبكي ويردد الآية قال : يردد القرآن ما شاء » وفي‌ مسائل علي ابن جعفر (٣) أنه سأل أخاه عليه‌السلام « عن الرجل يفتح سورة فيقرأ بعضها ثم يخطئ فيأخذ في غيرها حتى يختمها ثم يعلم أنه قد أخطأ هل له أن يرجع في الذي افتتح وإن كان قد ركع وسجد فقال عليه‌السلام : إن كان لم يركع فليرجع إن أحب ، وإن ركع فليمض » وخبر أبي بصير (٤) « عن رجل نسي أم القرآن قال : إن كان لم يركع فليعد أم القرآن » ومضمر سماعة (٥) « سألته عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب قال : فليقل : أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم ثم ليقرأها ما دام لم يركع » إلى غير ذلك من النصوص الدالة على جواز قراءة القرآن في أثناء الصلاة المتناولة بحسب ظاهرها أو صريحها للسورة الطويلة والقصيرة ، ولعله لأن الكثير منها غير مناف للصلاة ولا ماح لصورتها.

فما عساه يقال ـ من بطلان الصلاة بمطلق الكثير سواء كان قرانا أو غيره ، لإطلاق ما دل (٦) عليه الذي لا ينافيه ما دل (٧) على نفي البأس في القران بعد اعتبار الحيثيتين في كل منهما كما هو المنساق من دليليهما ، خصوصا والتعارض بينهما بالعموم من وجه ـ فيه ما لا يخفى بعد ما عرفت وإن كان الاحتياط لا ينبغي تركه ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٨ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ٤.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٩.

٣٤١

خصوصا فيما لو فرض محو صورة الصلاة به ، بل لعله متعين بناء على تحقق الفرض المزبور ، فتأمل جيدا.

وكيف كان فان ذكر بعد أن أتم قراءة الحمد أعاد تلك السورة أو غيرها ، لأصالة بقاء التخيير ، وإطلاق أدلته السالمة عن المعارض في مثل الفرض ، ولا يعيد الحمد لوقوعها في محلها ، وحصول الترتيب بإعادة السورة خاصة كما في كل ما اعتبر فيه الترتيب من الوضوء وغيره ، اللهم إلا أن يقال باعتبار الهيئة في مجموع قراءة الصلاة ، وإن تقديم السورة كما قدح في عدم الاجتزاء بها كذلك يقدح في الفاتحة ، لعدم تحقق البدأة بها عرفا ، فلا امتثال حينئذ إلا أن يأتي بمجموع القراءة مبتدئا بالفاتحة ، وفيه من الضعف ما لا يخفى وإن نسب إلى جماعة كما عن المسالك ، وربما كان ظاهر القواعد وغيرها مما عبر كعبارته باستئناف القراءة كما حكي عن المنتهى والتذكرة والتحرير ونهاية الأحكام والألفية ، بل ينبغي القطع ببطلانه بعد التأمل ، ضرورة كونه كما لو ذكر بعد الفراغ من قراءة السورة ، لأن نية الابتداء وعدمها لا تأثير لها ، ولا يزيد الترتيب بين الفاتحة والسورة على الترتيب في آيات الفاتحة مثلا التي يكتفى بإعادة المقدم منها مع فرض عدم فوات الموالاة ، اللهم إلا أن يلتزموا عدم الاكتفاء بذلك فيه أيضا ، لكنه على كل حال ضعيف.

كضعف احتمال عدم وجوب إعادة السورة أصلا ، لأن الفرض كون الفائت سهوا صفة الترتيب ، وتلا فيها مستلزم للزيادة الممنوع منها في الصلاة ، فهي كالجهر والإخفات المنسيين ، ضرورة الفرق بين الصفتين بإطلاق ما دل (١) على اغتفار النسيان في الثانية من غير أمر بالإعادة وعدمه هنا ، على أن وجوب قراءة السورة في الفرض ليس لتدارك المنسي كي يلزم ما عرفت ، بل هو لأصل الأمر بها الذي لم يصلح الفعل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب القراءة في الصلاة.

٣٤٢

الأول امتثالا له ، فليس هو إلا زيادة وقعت لا تصلح لإسقاط ذلك الأمر حتى لو كان قد نوى المكلف سهوا بما قدمه امتثال الأمر بالسورة ، إذ نيته لا تصير ما ليس فردا للمأمور به فردا له ، ودعوى تحليل التكليف إلى أمرين لا شاهد لها ، بل الشاهد على خلافها ، وأما‌ خبر علي بن جعفر (١) المروي عن قرب الاسناد سأل أخاه « عن رجل افتتح الصلاة فقرأ سورة قبل فاتحة الكتاب ثم ذكر بعد ما فرغ من السورة قال : يمضي في صلاته ، ويقرأ فاتحة الكتاب فيما يستقبل » فظاهره قراءة الفاتحة فيما يستقبل من الركعات ، وهو مخالف للإجماع على الظاهر ، فلا بد من طرحه أو حمله على ما إذا ذكر بعد الركوع أو غير ذلك ، واحتمال حمله على إرادة قراءة الفاتحة خاصة إذا ذكر مجتزيا بما قدمه من السورة لا شاهد له كي يكون من المؤل الذي هو حجة كما هو واضح ، والله أعلم.

ولا يجوز أن يقرأ في الفرائض شيئا من سور العزائم كما هو المشهور بين الأصحاب شهرة كادت تكون إجماعا ، بل هو كذلك في الغنية والتذكرة وعن الانتصار والخلاف ونهاية الأحكام وكشف الالتباس وإرشاد الجعفرية ، بل لا أجد فيه خلافا إلا من المحكي عن الإسكافي الذي لا يعتد بخلافه بين الأصحاب كبعض متأخري المتأخرين ، مع أن المحكي من عبارته لا صراحة فيه ، فلا يقدح في المحصل من الإجماع فضلا عن منقوله الذي هو الحجة في المقام ، مضافا إلى‌ حسن زرارة (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام « لا تقرأ في المكتوبة بشي‌ء من العزائم ، فإن السجود زيادة في المكتوبة » وموثق سماعة (٣) « من قرأ إقرأ باسم ربك فإذا ختمها فليسجد ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١.

(٣) ذكر صدره في الوسائل في الباب ٣٧ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٢ وذيله في الباب ٤٠ منها ـ الحديث ٢.

٣٤٣

فإذا قام فليقرأ فاتحة الكتاب ويركع ـ قال ـ : فان ابتليت بها مع إمام لا يسجد فيجزيك الإيماء والركوع ـ إلى أن قال ـ : ولا تقرأ في الفريضة ، إقرأ في التطوع » وخبر علي بن جعفر (١) عن أخيه عليه‌السلام المروي عن قرب الاسناد والتهذيب بل وكتاب علي بن جعفر نفسه « سألته عن الرجل يقرأ في الفريضة سورة والنجم أيركع بها أو يسجد ثم يقوم فيقرأ بغيرها؟ قال : يسجد ثم يقوم فيقرأ بفاتحة الكتاب ويركع ، وذلك زيادة في الفريضة ولا يعود يقرأ في الفريضة بسجدة » ضرورة كون المراد من النهي هنا التحريم قطعا ، سيما مع عدم المعارض له في خصوص المكتوبة.

إنما البحث في البطلان الذي قد اعترف في كشف اللثام بعدم المصرح به قبل الفاضل غير ابن إدريس ، وأقصى ما يحتج له بظاهر النهي المقتضي للفساد إما في الصلاة وإما في الجزء ، فلا يكتفى به في سقوط وجوب السورة ، ضرورة كونه مقيدا بغير هذه السورة ، فتبطل الصلاة حينئذ بترك الجزء أو بالزيادة التي دلت النصوص على استقبال الصلاة معها ، خصوصا إذا كانت محرمة ، وبتحقق القران حينئذ مع الفرض المزبور ، وبأن قراءة العزيمة توجب السجود حتى في أثناء الصلاة كما يومي اليه مضافا إلى إطلاق أدلة الفورية في نفسها جميع أخبار المسألة خصوصا الخبر الأول المشتمل على التعليل.

ومنه يعلم ترجيحه حينئذ على ما دل على حرمة الابطال ووجوب الإتمام ، وضعف ما احتمله في الذكرى من سقوط الفورية هنا للتلبس في الصلاة ، ومتى وجب السجود بطلت الصلاة بعد أن دلت هذه النصوص وغيرها على أنه زيادة مبطلة للصلاة إذا وقعت فيها عمدا ، بل في التنقيح الإجماع على بطلان الصلاة بالسجود عمدا ، فالبطلان حينئذ لازم للخطاب به لا لفعله ، ضرورة عدم تصور أمر الشارع بالإتمام مع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٤.

٣٤٤

خطابه بالمبطل ، إذ هو حينئذ كأمر من وجبت عليه الجنابة للأربعة أشهر أو القي لأكل المغصوب بالصوم ، وليس من مسألة الضد ، ولعله هو المراد بترتب التعليل في الخبر المزبور على قراءة العزيمة على معنى لا تقرأ فتخاطب بالسجود الذي هو زيادة في المكتوبة ، ولا يجامعه الأمر بالإتمام الذي تتوقف عليه الصحة ، بل لعله هو الذي أراده في المحكي عن السرائر من تعليل البطلان بأنه مع فعل السجود تبطل الصلاة به ، ومع عدمه تبطل بالنهي عن الضد وإن كان لا يتم بناء على عدم اقتضاء الأمر بالشي‌ء النهي عن الضد ، وليس من مسألة الضد المعروفة التي يكون فيها أحد الواجبين مضيقا والآخر موسعا ، إلا أنه أولى من التعليل في الذكرى ، بل نسبه في الرياض إلى الأصحاب بأنه إن ترك السجود أخل بالواجب ، وإن فعل بطلت الصلاة ، ضرورة عدم اقتضائه البطلان على كل حال ، وأولى منهما ما ذكرنا الذي يتم وإن لم نقل باقتضاء النهي عن الضد ، خصوصا بملاحظة ما ذكرناه في التعليل بالخبر الأول.

ومن ذلك يظهر أنه لا فرق في الحكم بين قراءة جميع السورة وبين قراءة نفس آية السجدة منها ، بل ولا بين القراءة وبين الاستماع كما صرح به بعضهم ، إذ احتمال قصر ترجيح فورية السجود على حرمة الإبطال على خصوص القراءة دون الاستماع مثلا بل هو يبقى على مقتضى قاعدة تعارض المضيقين وترجيح الصلاة حينئذ كما ترى ، إذ لا أقل من إخراج الصورة الأولى مرجحة لمراعاة فورية السجود على وجوب الإتمام بل يمكن بذلك ترجيحه في صورة السماع أيضا بناء على الوجوب معه ، بل يمكن دعوى عدم المعارضة له أصلا ، بناء على ما قررنا من تحقق البطلان بنفس الخطاب بالسجود لا بالفعل ، ضرورة عدم اقتضاء النهي عن الابطال عدم اتفاق صدور المبطل كي يعارض ما دل على وجوب السجود وفوريته ، لكن في التذكرة « لو سمع في الفريضة فإن أوجبناه بالسماع أو استمع أومأ وقضى » وفيه ما لا يخفى بعد ما عرفت.

٣٤٥

نعم قد يناقش في الدليل الأول بما سمعته سابقا في الزيادة ، وأن إبطالها على كل حال محل نظر ، اللهم إلا أن تخرج السجدة من بينها بالدليل من الإجماع المحكي وغيره ، وفي الثاني بأنه لا يتم على المختار من كراهة القران ، وبأنه لا ينطبق على تمام الدعوى بناء على أنه في السورتين الكاملتين خاصة ، وأن الدعوى حرمة قراءة العزيمة كلا أو بعضا ، وفي الثالث بأنه لا دلالة في الخبر المعلل على أزيد من النهي عن القراءة الموجبة للسجود الذي هو زيادة في الصلاة من غير تعرض للإبطال وعدمه ، بل مقتضى التدبر في النصوص خصوصا خبر علي بن جعفر وقوله عليه‌السلام فيه : « ودلك زيادة في الفريضة » كما رواه في الوسائل والحدائق من نفس كتاب علي بن جعفر حرمتها لا إبطالها ، وبه تجتمع جميع النصوص من غير تجشم ، لحمل بعضها على النافلة ، وآخر على السهو ، خصوصا خبر علي بن جعفر ، إذ هو ـ مع أنه خلاف ظاهر قوله عليه‌السلام : « يقرأ » بل وخلاف‌ قوله عليه‌السلام : « ولا يعود » إذ لا معنى للنهي عن الإعادة مع فرض وقوع ذلك سهوا منه ـ لا يوافق ما تسمعه من الأصحاب من عدم جواز السجود في الأثناء إن كانت القراءة منه سهوا ، ودعوى طرح الخبر المزبور بالنسبة إلى ذلك ـ مع أنه معتبر قد رواه الحميري والشيخ ، بل رواه في الوسائل والحدائق عن كتاب علي بن جعفر نفسه ـ لا مقتضي لها ولا شاهد.

فالمتجه حينئذ في جميع النصوص الحرمة لا الإبطال إن لم يحصل إجماع على خلافه كما سمعته من التنقيح بناء على إرادة ما يشمل المقام منه وإن كان هو محلا للنظر ، لعدم المصرح به قبل الحلي الذي بناه على مسألة الضد الممنوعة عندنا كما عرفته سابقا ، فاحتمال الحرمة حينئذ خاصة قوي ، بل كأنه يلوح من كشف اللثام ، ويؤيده خلو سائر النصوص عن التصريح به ، بل اتفق جميعها على فعله في الأثناء وصحة الصلاة ، وفيها ما هو صريح‌

٣٤٦

أو كالصريح في الفريضة ، كالصحيح (١) بناء على بعض الوجوه في متنه « عن إمام قرأ السجدة فأحدث قبل أن يسجد كيف يصنع؟ قال : يقدم غيره فيتشهد ويسجد وينصرف هو وقد تمت صلاتهم » إلى آخره ، وغيره ، وكذا يؤيده أنه ليس السجدة للعزيمة من الزيادة بعنوان الجزء من الصلاة.

ودعوى إطلاق نصوص الزيادة (٢) بحيث يشمل ذلك يدفعها ـ مضافا إلى ما سمعته سابقا من دعوى ظهور تلك النصوص في إرادة زيادة الركعات أو الركوعات لا مطلقا ، خصوصا بعد أن دلت نصوص أخر (٣) على أن الصلاة لا تعاد من سجدة وانما تعاد من ركعة ، وخصوصا بعد أن كان ظاهرها عدم الفرق بين العمد والنسيان ، بل كاد يكون ذلك صريح‌ قوله عليه‌السلام (٤) : « إذا استيقن » في بعضها وهو لا يتم إلا في الركعات أو الركوعات ـ أن المراد منها بعد التسليم الزيادة عمدا على أنها من الصلاة لا مطلق وقوع فعل في أثناء الصلاة وإن لم يكن بعنوان أنه منها ، وإلا لزم خروج أكثر الأفراد ، بل قد يدعى أن ما ذكرنا هو الظاهر من لفظ الزيادة ، ضرورة انسياق الإتيان بالصلاة زائدة على أجزائها الشرعية إلى الذهن من ذلك ، والتزام خروج ذلك كله بالدليل وإلا كان مقتضى هذه النصوص مطلق الزيادة وإن لم يكن بعنوان الصلاة كلام قشري ، بل ظاهر في أن متكلمه لا درية له في الفقه.

نعم لا يجتزى بهذه السورة للنهي بل لا بد له من سورة أخرى ، ولا بأس به بعد البناء على كراهة القران ، وأما احتمال الاجتزاء بهذه السورة بجعل النهي عنها لأمر خارج عنها هو السجود لا لنفسها ففيه ما لا يخفى ، وأوضح من ذلك مناقشة ما ذكره‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٥ مع الاختلاف.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الركوع.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ١.

٣٤٧

ثاني الشهيدين من أنه على تقدير التحريم تبطل بمجرد الشروع في السورة ، إذ قد عرفت ظهور الخبر المعلل (١) ودليلهم السابق في تمام السورة أو خصوص آية السجدة منها ، نعم هو لازم لمن أوجب تمام السورة وحرم القران حتى بين السورة وبعض سورة أخرى ، اللهم إلا أن يدعى ظهور النهي عن قراءة العزيمة في غير الخبر المعلل في تحريم الأبعاض كما في كثير من الأحكام المعلقة على أسماء الجمل ، نحو الكلب نجس أو حرام ، ولا ينافيه التعليل في غيره من الأخبار ، وفيه ما لا يخفى ، أو يقال : إن الفرض قراءة البعض على نية الجزئية ، وهو محرم للتشريع ، وفيه ما سمعته سابقا في نظائره.

وكيف كان فالبطلان في المسألة بعد القول بكراهة القران مبني على وجوب السجود في الأثناء ، وأنه مبطل للصلاة ، والأولى وإن أمكن إثباتها عندنا بالأدلة السابقة المعتضدة بعدم الخلاف إلا من الإسكافي فنقله إلى الإيماء ثم السجود بعد الصلاة وكأنه يفوح من الذكرى لكن الثانية محل للنظر إن لم يثبت الإجماع الذي قد سمعت دعواه من التنقيح ، خصوصا على ما نذهب اليه من الأعمية ، فتأمل جيدا.

هذا كله إذا قرأ أو استمع عمدا ، أما إذا كان سهوا فلم أجد خلافا في صحة صلاته وعدم بطلانها ، وأنه يسجد بعد الفراغ من الصلاة ، وكأنه لرجحان ما دل على إتمام الصلاة ، وحرمة إبطالها على ما دل على فورية السجود ، وفيه أن العكس أولى بقرينة تقديم الشارع له في صورة العمد ، ضرورة إشعاره بأهميته ، بل قد سمعت عدم صلاحية النهي عن الإبطال لمعارضة دليل الفورية ، إذ هو بطلان لا إبطال ، لما عرفت من أن البطلان يحصل بمجرد الخطاب بناء على أن السجود في الأثناء مبطل ، على أن الوجوب عليه بعد الصلاة مبني على أحد الوجوه في الواجبات الفورية ، وفيه بحث ، ولم لا يكون المتجه في الفرض الانتقال إلى الإيماء لتعذر السجود عليه بعد ترجيح إتمام‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١.

٣٤٨

الصلاة ، لأنه هو البدل عنه في كل مقام يتعذر ، وربما يستأنس له بما في‌ مضمر سماعة (١) « وإن ابتليت بها مع إمام لا يسجد فيجزيك الإيماء والركوع » وي‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر أبي بصير (٢) : « إن صليت مع قوم فقرأ الامام إقرأ باسم ربك الذي خلق أو شيئا من العزائم وفرغ من قراءته ولم يسجد فأوم إيماء » والمروي عن كتاب المسائل لعلي بن جعفر (٣) عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : « سألته عن الرجل يكون في صلاة في جماعة فيقرأ إنسان السجدة كيف يصنع؟ قال : يومي برأسه قال : وسألته عن الرجل يكون في صلاته فيقرأ آخر السجدة قال : يسجد إذا سمع شيئا من العزائم إلا أن يكون في فريضة فيومئ برأسه إيماء ».

ولعله لذلك ولما دل على وجوب السجود جمع بعضهم بينهما ، فأمر بالإيماء ثم السجود بعد الفراغ ، لكنه لا يخلو من نظر ، كالقول بأن الانتقال إلى الإيماء يوجب أيضا زيادة في الصلاة ، ضرورة عدم الفرق بين البدل والمبدل منه كما صرح به العلامة الطباطبائي ، قال :

ويسجد الداخل في نفل وفي

فريضة يومي له ويكتفي

للنص والقول به قد يشكل

إذ كان في حكم السجود البدل

حتى من جهته اختار التأخر ، فقال :

والأصل بالتأخير فيه يقضي

إذ منع البدار حق الفرض

لكن قد يجاب عنه بعد إمكان كونه اجتهادا في مقابلة النص بالفرق بين ما يكون فرضه الإيماء سابقا لمرض ونحوه وبين ما كان سببه الفرار عن السجود في الصلاة الذي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب قراءة القرآن ـ الحديث ٣ و ٤.

٣٤٩

قد سمعت الدليل على أنه زيادة في المكتوبة ، أو يكون المتجه فعلها في أثناء الصلاة ، ولا بطلان ولا حرمة كما هو ظاهر نصوص المقام ، واختاره الأستاذ في كشفه ، ولا يخفى عليك قوته بعد الإحاطة بما ذكرنا سابقا ، فلاحظ وتأمل.

وكيف كان فان ذكر قبل أن يتجاوز النصف ومحل السجود عدل إلى سورة أخرى قطعا حتى لو قلنا بحرمة القران بين السورة والبعض ، ضرورة كون المقام من السهو وإن كان حال السورة الثانية عامدا ، فاحتمال البطلان حينئذ ـ لأنه لا يخلو من السهو وإن كان حال السورة الثانية عامدا ، فاحتمال البطلان حينئذ ـ لأنه لا يخلو من أحد المحذورين إما ترك السورة أو القران ـ ضعيف أو باطل ، فما في التذكرة من الإشكال في العدول في الفرض المزبور في غير محله ، كما أن ما في الذكرى أيضا من الوجهين فيه الناشئين ، من أن الدوام كالابتداء أو لا كذلك أيضا وإن استقرب هو ما ذكرنا ، ولقد أجاد المحقق في قوله : « ينبغي الجزم بالعدول وجوبا ، لثبوت النهي وانتفاء المقتضي للاستمرار » إلى آخره.

ولو تجاوز النصف ولم يتجاوز محل السجود عدل أيضا على الأقوى ، لوجوب السورة عليه والنهي عن العزيمة ، فهو في عهدة التكليف ، والمنع عن العدول مع تجاوز النصف انما هو حيث يكون المعدول عنه مجزيا كما هو الظاهر من تلك الأدلة ، لكن في التذكرة إشكال ، قال : فان منعناه قرأها كملا ثم أومأ أو يقضيها بعد الفراغ ، لقول الصادق عليه‌السلام (١) وقد سأله عمار « عن الرجل يقرأ في المكتوبة سورة فيها سجدة من العزائم فقال : إذا بلغ موضع السجدة فلا يقرأها ، وإن أحب أن يرجع فيقرأ سورة غيرها ويدع التي فيها السجدة رجع إلى غيرها » وفيه أنه لا يوافق القول بوجوب السورة ، ولا يقوى على تخصيصها ، فلا بد حينئذ من طرحه أو تأويله ، أو الالتزام بما في ذيله مع رفع اليد عن ظهور‌ قوله عليه‌السلام : « وإن أحب » فما في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٣.

٣٥٠

الذكرى ـ من أن في الرجوع في الفرض وجهين من تعارض عمومين : أحدهما المنع من الرجوع هنا مطلقا ، والثاني المنع من زيادة سجدة ـ في غير محله وإن قال فيها : إن الثاني أقرب.

أما لو قرأ السجدة وقد تجاوز النصف فيحتمل تعين الإتمام عليه ، لأنه قد وقع فيما يخشى منه ، والأقوى العدول أيضا ، لظهور النهي عن العزيمة في عدم كونها مما يتحقق به الخطاب بالسورة ، ضرورة كونه من المطلق والمقيد.

ومن هنا يقوى العدول حينئذ مع التذكر قبل الركوع وإن كان قد أتمها كما اعترف به أول الشهيدين وثاني المحققين ، بل عن البيان الجزم به ، اللهم إلا أن يخص عدم إجزائها عن كلي السورة في صورة العمد التي هي محل النهي ، وفيه بحث أو منع ، ومثله بحثا ومنعا جعل المدار في العدول وعدمه على تجاوز السجدة وعدمه ، لما عرفت ، هذا. وفي الروضة « ولو صلى مع مخالف تقية فقرأ آيها تابعه في السجود ولم يعتد بها على الأقوى » وفيه أن الأمر في التقية أوسع من ذلك ، ثم قال : « والقائل بجوازها منا لا يقول بالسجود لها في الصلاة ، فلا منع من الاقتداء به من هذه الجهة بل من حيث فعله ما يعتقد المأموم الإبطال به » وهو لا يخلو من بحث أيضا وإن كان الوجه فيه ظاهرا بسبب عدم تحمل الإمام القراءة عنه وغيره ، فتأمل جيدا.

وأما لو سمعها اتفاقا ففي البطلان أو الانتقال إلى الإيماء أو القضاء بعد الصلاة أو السجود فيها وجوه تعرف مما تقدم.

وكذا لا يجوز أن يقرأ ما يفوت الوقت بقراءته بلا خلاف معتد به أجده فيه وإن اختلف التعبير عنه بما في المتن أو بالنهي أو بالحرمة ، لقول الصادق عليه‌السلام في خبر أبي بكر الحضرمي (١) : « لا تقرأ في الفجر شيئا من الحم » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٢.

٣٥١

منضما إلى‌ خبر عامر (١) عنه عليه‌السلام أيضا « من قرأ شيئا من الحم في صلاة الفجر فاته الوقت » وفي الرياض من « الم » قال : « ولاستلزام ذلك تعمد الإخلال بفعل الصلاة في وقتها المأمور به إجماعا فتوى ونصا وكتابا (٢) وسنة (٣) فيكون منهيا عنه ولو ضمنا » وفيه أنه مبني على أن مستلزم المحرم محرم وإن لم يكن علة ، وفيه بحث بل منع ، خصوصا بناء على ما ذكره تبعا للمحكي عن الروض من عدم الفرق في التعليل المزبور بين ما اقتضى قراءته فوات الفريضة الثانية كالظهرين وبعض الفريضة ، كما لو قرأ سورة طويلة يقصر الوقت عنها وعن باقي الصلاة مع علمه بذلك ، إذ ليس هو بالنسبة إلى الفريضة الثانية بل والأولى إلا من مسألة الضد التي يقوى فيها عدم النهي عن الأضداد ، نعم يقوى البطلان في المقام لو فرض تشاغله بسورة طويلة في الفريضة حتى خرج الوقت ولم يحصل له ركعة ، لأنها افتتحها أداء ولم تحصل ، وانقلابها قضاء في الأثناء لا تساعد عليه أدلة القضاء ، ضرورة ظهورها في المفتتحة عليه ، أو التي كانت في الواقع كذلك وإن لم يعلم المكلف ، كما لو صلى بزعم سعة الوقت ركعة مثلا ثم بان قصوره قبل إحرازها ، فإن الصحة حينئذ بناء على عدم وجوب التعرض للأداء والقضاء في النية متجهة ، بخلاف المقام الذي فرض فيه سعة الوقت في نفس الأمر لكنه فات بعد تلبس المصلي بتقصير من المكلف ، أما لو كان قد أدرك ركعة وكان تشاغله بالسورة مفوتا لما عداها فقد يقوى الصحة وإن فعل محرما بتفويت الوقت الاختياري.

كما أنه يمكن الصحة لو فرض تشاغله بها حتى ضاق الوقت عن قراءة سورة فركع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١.

(٢) سورة الإسراء ـ الآية ٨٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

٣٥٢

بدونها ، لما سمعته من سقوطها في الضيق الذي لا يتفاوت فيه بين ما يكون بسوء اختيار المكلف وغيره ، لكن ينبغي تقييده بما إذا لم يقصد الجزئية بما قرأه من تلك السورة ، وإلا بطلت بناء على ما عندهم من البطلان بمثل هذا التشريع ، ضرورة خطابه بسورة غير السورة الطويلة لمكان ضيق الوقت الذي لا مانع من أن يرفع بعض أفراد التخيير ، فيكون مأمورا بصلاة يقرأ فيها سورة قصيرة دون الصلاة ذات السورة الطويلة ، إذ الشارع لا يأمر بفعل في وقت يقصر عنه ، بل في كشف اللثام احتمال الصحة إذا لم يقصد الجزئية وإن لم يدرك ركعة ، قال في تعليل الحكم : « للنهي المبطل ، إلا أن لا يجب إتمام السورة فيقطعها متى شاء ، فان لم يقطعها حتى فات الوقت وقصد الجزئية أو ضاق الوقت عن أزيد من الحمد فقرأ معها سورة قاصدا بها الجزئية بطلت الصلاة ، لأنه زاد فيها ما لم يأذن به الله ، نعم إن أدرك ركعة في الوقت احتملت الصحة ، وإن لم يقصد الجزئية احتملت الصحة » وفيه نظر بعد ما عرفت ، كما أن بناء بعضهم البطلان في أصل المسألة على القول بوجوب السورة وعدم جواز البعض لا يخلو أيضا من نظر ، قال : « أما على الاستحباب فلأنه يجوز له قطعها ، وأما مع تجويز الزيادة فلأنه يعدل إلى سورة قصيرة ، وما أتى به من القراءة غير مضر » وفيه أن البحث هنا من حيث قراءة ما يفوت الوقت من غير فرق بين الوجوب والاستحباب ، ولا بين جواز الزيادة وعدمها إذ الفرض أنه اشتغل به حتى فات الوقت عن الكل أو البعض ، وليس الفرض الشروع فيما يفوت الوقت على تقدير تمامه حتى يقال : إنه قبل بلوغ المفوت يقطع ويركع بناء على الاستحباب ، أو قبل ما يضيق الوقت عن سورة قصيرة يعدل إليها بناء على عدم حرمة الزيادة ، ضرورة ظهور كلام الأصحاب في هذه المسألة وغيرها من المسائل السابقة في أن المانع حيثيتها لا الحيثية الأخرى كالقران ونحوه.

ومن ذلك كله ظهر لك أنه لا وجه للحكم بالبطلان بمجرد الشروع في السورة‌

٣٥٣

الطويلة المفوتة ، اللهم إلا أن يجعل دليل المسألة النهي المستفاد من الخبرين السابقين (١) لا قاعدة الضد ونحوها ، فتأمل جيدا.

ولو ظن السعة فشرع في سورة طويلة ثم تبين الضيق ففي جامع المقاصد « وجب العدول إلى غيرها وإن تجاوز النصف محافظة على فعل الصلاة في وقتها ، كما أن فيه أيضا العدول إذا ذكر لو قرأها ناسيا » ولا أظن بعد الإحاطة بما ذكرناه في هذه المسألة والمسألة السابقة يخفى عليك الوجه في ذلك ولا غيره فيه وفي باقي الفروع المتصورة في المقام ، بل ولا يخفى عليك التشقيق أيضا في هذين الفرعين فضلا عن غيرهما ، فتأمل ، والله العالم.

وكذا لا يجوز أن يقرن بين سورتين في قراءة ركعة واحدة عند كثير من القدماء ، بل مشهورهم وبعض المتأخرين ومتأخريهم ، بل عن الصدوق أنه من دين الإمامية ، كما عن المرتضى في انتصاره أنه مما انفردت به عن مخالفيهم ، بل عن بعضهم التصريح بالبطلان معه وقيل والقائل أكثر المتأخرين يجوز للأصل أو الأصول ، وعموم قراءة القرآن ، وإطلاق أوامر الصلاة ، وأنها لا تعاد إلا من أمور مخصوصة ، وصحيح علي بن يقطين (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن القران بين السورتين في المكتوبة والنافلة قال : لا بأس ».

نعم يكره‌ للموثق (٣) الذي رواه في الوسائل عن الكليني والشيخ ومستطرفات السرائر نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب عن أبي جعفر عليه‌السلام « انما يكره أن يجمع بين السورتين في الفريضة ، فأما النافلة فلا بأس » وخبر علي بن جعفر (٤) المروي عن قرب الاسناد سأل أخاه « عن رجل قرأ سورتين في ركعة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١ و ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١٣.

٣٥٤

قال : إن كانت نافلة فلا بأس ، وأما الفريضة فلا يصلح » وخبر زرارة (١) المروي عن مستطرفات السرائر نقلا من كتاب حريز ، بل هو صحيح بناء على وصول الكتاب المزبور اليه بالتواتر مثلا ، أو بطريق كذلك ، بل ظاهر نسبته اليه الأول‌ عن أبي جعفر عليه‌السلام « لا تقرنن بين السورتين في الفريضة فإنه أفضل » ومنه يعلم أن المراد بالكراهة المزبورة أقلية الثواب ، بل منه يعلم أن المراد بالنواهي في غيره المجردة عن التعليل المزبور ذلك أيضا ، لتعبيره بالنهي مؤكدا مع التصريح بالأفضلية.

فالاستدلال على الحرمة حينئذ بالنهي عنه ـ في‌ صحيح محمد بن مسلم (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « سألته عن الرجل يقرأ السورتين في الركعة فقال : لا ، لكل سورة ركعة » وخبر المفضل بن صالح (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام المروي عن تفسير العياشي « لا تجمع بين سورتين في ركعة إلا الضحى وأ لم نشرح والفيل ولإيلاف » كالخبر‌ المروي (٤) في المعتبر ومجمع البرهان نقلا من جامع البزنطي على ما قيل ـ فيه منع واضح ، بل قد يشعر قوله عليه‌السلام في الخبر الأول : « لكل سورة ركعة » بذلك ، ضرورة إرادة الوظيفة وشبه الاستحقاق ، كالخبر (٥) المروي عن الخصال بسنده عن علي عليه‌السلام « أعطوا كل سورة حقها من الركوع والسجود إذا كنتم في الصلاة » وخبر عمر بن يزيد (٦) قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « أقرأ سورتين في ركعة قال : نعم ، قلت : أليس يقال : أعط كل سورة حقها من الركوع والسجود؟ فقال : ذلك في الفريضة ، فأما النافلة فليس به بأس » بل‌ خبر زرارة كالظاهر في ذلك ، خصوصا مع روايته (٧) نفسه الكراهة ، قال : « سألت أبا عبد الله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب القراءة في الصلاة الحديث ١١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب القراءة في الصلاة الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب القراءة في الصلاة الحديث ١٠.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب القراءة في الصلاة الحديث ٥.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب القراءة في الصلاة الحديث ٣.

٣٥٥

عليه‌السلام عن الرجل يقرن بالسورتين في الركعة فقال : إن لكل سورة حقا فأعطها حقها من الركوع والسجود ، قلت : فيقطع السورة فقال : لا بأس » إذ الظاهر إرادة الرخصة في قطع السورة التي حصل بها القران ، ونفي البأس عن ذلك كالصريح في عدم وجوبه ، وخبر المفضل ـ مع ابتنائه على اتحاد السورتين كما هو أحد القولين ، وإلا كان دالا على المطلوب في الجملة ، لأصالة الاتصال في الاستثناء ، ولأنها كذلك في المصاحف التي قد سمعت دعوى التواتر فيها بحيث لا يعارضها أخبار الآحاد ـ هو ضعيف السند ، وليس فيه إلا النهي الذي لا يمتنع حمله على الكراهة بالقرينة.

وأضعف من ذلك كله الاستدلال ببعض الاشعارات من مفهوم الوصف ونحوه في مثل‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر ابن أبي يعفور (١) : « لا بأس بأن تجمع في النافلة من السور ما شئت » وفي‌ خبر عبيد بن زرارة (٢) « عن ذكر السورة من الكتاب يدعو بها في الصلاة مثل قل هو الله أحد فقال : إذا كنت تدعو بها فلا بأس » مع أن ثبوت البأس فيهما يمكن منع ظهوره في المطلوب ، واحتمال إرادة اعتبار الدعاء فيها لتحصيل وظيفة القنوت الموضوع لذلك لا لقراءة القرآن دون مخافة القران ، والمراد من الدعاء إما الدعاء المعروف الذي دعا به إبراهيم عليه‌السلام يوم ألقي في النار ، وهو على ما في بالي « يا الله يا واحد يا أحد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد » إلى آخره. بل كان في بالي إطلاق الدعاء بقل هو الله عليه في بعض النصوص أو يراد به جعل السورة مقسوما بها ، وعلى كل حال لا يدل على المطلوب ، بل الخبر الثاني منهما انما هو في القنوت ، والقران بناء على حرمته أو كراهته انما هو في محل القراءة دون باقي أفعال الصلاة كما نص عليه شيخنا في كشفه ، إذ هو المنساق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١.

٣٥٦

من النصوص خصوصا المفصلة بين الفريضة والنافلة ، ضرورة إرادة قراءة السورتين للركعة مقابلا للسورة الواحدة ، اللهم إلا أن يدعى بقاء محل قراءة الركعة إلى أن يركع ، وفيه ما لا يخفى.

كما أن المراد منه بحسب ظاهر النصوص الجمع بين سورتين لا الأكثر من سورة مطلقا حتى تكرير السورة أو بعض الكلمات منها أو الفاتحة وإن اختاره المحقق الثاني وبعض من تأخر عنه ، بل ربما حكي عن الخلاف والاقتصاد والكافي ورسالة عمل يوم وليلة والإرشاد إدراج تبعيض السورة في القران ، ولعله لاحتمال تعميم القران بين السورتين لما يشمل ذلك كما في كشف اللثام ، خصوصا مع وصل الآخر بالأول ، وفيه بحث أو منع إذا أريد صدق القران بين السورتين لا أصل القران ، ول‌ خبر منصور بن حازم (١) « لا تقرأ بأقل من سورة ولا بأكثر » وهو ـ مع إمكان منع دلالته على التكرير الذي هو بعض الدعوى ، ومعارضته باخبار الرجوع (٢) عن سورة إلى غيرها ما لم يتجاوز النصف ، وأخبار (٣) جواز ما يشاء من قراءة القرآن وترديده كذلك التي قد تقدم بعضها سابقا ـ يمكن إرادة السورة من الأكثر فيه ، والمناقشة في أخبار العدول بأن المراد بالقران الجمع بنية واحدة ، ومنه قرن الحج بالعمرة فلا تدخل فيه يدفعها أن الظاهر من الفتاوى بل وبعض النصوص السابقة الأعم من ذلك ومن تجدد النية ولو بعد تمام السورة ، وإلا فمن البعيد أو الممتنع عند من منع القران تخصيصه بما إذا لاحظهما من أول الأمر بالنية.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٢ وفي الوسائل « لا تقرأ في المكتوبة » إلخ.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب القراءة في الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب قراءة القرآن.

٣٥٧

نعم الظاهر كما اعترف به في المدارك والحدائق وكشف الأستاذ وعن البحار وغيرها أن محل البحث في القران ما إذا جي‌ء بالسورة الثانية على حسب السورة الأولى من كونها قراءة للركعة كما يومي اليه التأمل في النصوص ، بل‌ قوله عليه‌السلام (١) : « لكل سورة ركعة » فيها ، والتفصيل بين الفريضة والنافلة وغيرهما كالصريح في ذلك فمن جاء بالثانية حينئذ بعنوان قراءة قرآن ونحوه لم يكن إشكال في جوازه له ، لإطلاق ما دل (٢) عليه في الصلاة ، خلافا لما يظهر من المحقق وبعض من تأخر عنه فجعلوا النزاع في الأخير خاصة دون الأول ، بل ادعي القطع بالبطلان معه ، وأنه لا يدخل في كلامهم ، وكأن الذي أوهمهم تحقق الزيادة بنية الجزئية التي قد نقل الاتفاق على البطلان معها ، ودلت النصوص (٣) عليه كما سمعته سابقا ، ضرورة حصول الامتثال بالسورة الأولى ، فالثانية مثلا مع فرض نية الجزئية زيادة محضة ، وفيه أن القائل بجواز القران لا زيادة عنده لتخييره المصلي في الاجتزاء بقراءة سورة واحدة أو أزيد ، فالزائد حينئذ عنده من الصلاة ، وليس هو من التخيير بين الأقل والأكثر ، إما لأن الأمر بالطبيعة يوجب امتثال المكلف عرفا بالواحد فما زاد وإن كانت تدريجا مع فرض قصد المكلف الامتثال ، أو لأن أدلة الجواز السابقة ظاهرة في جزئية السورة والزيادة عليها ، فالسورة حينئذ التي يعلم الله أن المكلف لا يقتصر عليها ليست هي تمام الجزء ، بخلاف التي يعلم الله الاقتصار عليها ، والتخيير بين الأقل والأكثر انما يمنع إذا فرض الاجتزاء بالأقل حال كونه في ضمن الأكثر ، فلا يكون حينئذ عند التحقيق من التخيير بين الأقل والأكثر مع فرض اعتبار صفة الوحدة مقابلا لها مع الزيادة ، ضرورة عدم حصولها في الزائد حينئذ كما هو واضح ، وليس هذا من التفريق بين الفردين بالنية كي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب قراءة القرآن.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب القراءة في الصلاة.

٣٥٨

يخرج عن الأقل والأكثر وإن التزمه بعضهم في كل خطاب ظاهره التخيير بين الأقل والأكثر ، إلا أنه قد بينا ضعفه في محله ، وأنه مجرد دعوى بلا شاهد ، مع أن التزامه في المقام يقضي بخروج ما إذا استقلت السورة الثانية بالنية عن القران ، نعم هو متجه بناء على اعتبار النية في القران كما ذكرناه سابقا ويوهمه مختصر نهاية ابن الأثير ، والأقوى خلافه ، وأنه لا فرق بين أن يجمعهما بنية واحدة أولا ، وأنه متى جاء بهما على نية الجزئية احتسبت كذلك ، وربما يومي اليه في الجملة أخبار العدول عن السورة ما لم يتجاوز النصف ، ضرورة حصول معنى الجزئية بأول شروعه ، لأن جزء الجزء جزء ، وعدوله لا يبطل وصف ما وقع من الجزئية ، بل الشارع سوغ له مع ذلك الإتيان بسورة أخرى ، فيكون الجزء حينئذ سورة ونصفا ، ودعوى إبطال الشارع جزئية ما وقع من السورة الأولى بسبب عدم حصول مسمى السورة يمكن البحث فيها ، كدعوى اعتبار قصد المكلف بطلان ما وقع منه من بعض السورة في جواز العدول إلى سورة أخرى ، ضرورة إطلاق النصوص ، وأنه انما يرفع يده عن باقي السورة لا ما وقع منه ، على أنه يمكن منع حصول البطلان لما وقع منه صحيحا بمجرد قصده وإرادته بطلانه ، إذ هو من الأحكام الشرعية التوقيفية ، هذا.

مع إمكان التخلص بما ذكره غير واحد من الأصحاب في بعض الخطابات الظاهرة في التخيير بين الأقل والأكثر من جعل الواجب الأقل ، والزائد مستحب صرف ، ولا ينافي جزئيته حينئذ من الصلاة ، لصيرورته كالقنوت ، بل يمكن جعله جزء من القراءة أيضا بنوع من التأمل ، نعم قد ينافيه ما سمعته سابقا من أن المراد بالأجزاء المندوبة في نحو الصلاة الواجبة أكملية الفرد المشتمل عليها ، وإلا فهو من أفراد الصلاة أيضا ، فيرجع حينئذ إلى أفضل أفراد الواجب التخييري ، والمفروض في المقام الكراهة وإن قلنا : إنه بمعنى أقلية الثواب ، فلا يتصور فرض استحبابه كالقنوت ، مع أن‌

٣٥٩

المجرد منه أفضل منه وأكثر ثوابا ، اللهم إلا أن يقال : إنه لا مانع منه هنا بعد فرض ملاحظته الفرد المشتمل عليه دونه نفسه ، ولا يتوهم ورود نحو ذلك على التقرير الذي ذكرناه أولا في المقام ، ضرورة انحلاله إلى أن الشارع أمر في الركعة بقراءة سورة معتبر فيها الاتحاد ، أو السورتين مثلا المعتبر فيهما المقابلة للأولى لا الداخلة فيهما ، وجعل الفرد الأول أفضل كما هو نص خبر زرارة المتقدم (١) مع أنه يمكن دعوى إرادة المعنى المصطلح من الكراهة في المقام ، كما هو صريح المحكي عن مجمع البرهان بأن يقال بكراهة إتيان المكلف للسورة الثانية بعنوان أنها للركعة وإن كان لا يأثم ولا تبطل صلاته ، ولا تكون هي بهذه النية جزء من الصلاة ، فتأمل جيدا.

وكيف كان فقد ظهر لك من التأمل فيما ذكرناه أولا أن القول بالكراهة الذي قال المصنف : إنه هو الأشبه أقوى ، إذ أقوى معارض له فيما تقدم لفظ النهي في بعض النصوص التي لم يصح بعض أسانيدها ، وهو ـ مع شيوعه في الكراهة حتى قيل بمساواته للحقيقة ـ يجب حمله عليها في المقام بقرينة تلك الأخبار التي لا ينبغي إنكار صراحة بعضها أو مجموعها ، إذ هو الموافق لما دل على العمل بأخبارهم الجامعة للشرائط ، ولما دل على أن كلامهم عليهم‌السلام بمنزلة كلام متكلم واحد يشهد بعضه لبعض ، وأن الكلمة منهم عليهم‌السلام لتقع على سبعين وجها (٢) وأنكم أفقه الناس إن عرفتم معاني كلماتنا (٣) التي فيها العام والخاص والمطلق والمقيد وغيرهما فما وقع من بعض الأعلام في المقام ـ من المبالغة في إنكار الحمل المزبور ، وأنه لا دليل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ١١.

(٢) البحار ج ٢ ص ١٨٤ و ١٩٨ و ١٩٩ المطبوعة بطهران عام ١٣٧٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب صفات القاضي ـ الحديث ٣٠ من كتاب القضاء.

٣٦٠