جواهر الكلام - ج ٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

وهكذا غير الجلوس من بدل

مشيا على أصل القرار في العمل

لكن ومع هذا قد يتوقف في رجحانه على الواقف المضطرب وإن حكي عن الشهيد أيضا ترجيح القعود عليه ، ووافقه عليه في المنظومة حيث أطلق تقديم الجلوس وغيره من الأبدال على ما يفوت به القرار من القيام ، فقال :

ومن قرارا في القيام عدما

فللجلوس بالقرار قدما

ولعله لما عرفت ، إلا أنه للنظر فيه مجال كما اعترف به في كشف اللثام أيضا ، لإمكان منع إرادة السكون من القيام المعلق عليه الحكم في النصوص ، أقصى ما يمكن تسليمه إرادة ما لا يشمل المشي منه ، والاستقرار والطمأنينة واجب آخر غير مراد من لفظ القيام هنا ، فالتوقف حينئذ في محله ، بل المتجه تقديمه على القعود ، خصوصا بعد ما ورد في بعض النصوص (١) في السفينة من تقديم القيام فيها مع انحناء الظهر ولو بما يخرجه عن صدق القيام على القعود ، بل لم يعرف خلاف بين الأصحاب في تقديم كل ما يقرب إلى القيام من التفحج الفاحش ونحوه على القعود كما سمعته فيما تقدم ، فلقد بالغ رحمه‌الله في الجزم بترجيح القعود على مثل ذلك ، كما أنه بالغ الفاضل فيما حكي عنه من تقديم المشي على الوقوف مستندا الذي قد عرفت وجود القائل بجوازه مع الاختيار ، ولا ريب في ضعفهما.

ولو لم يكن له حالة استقرار أصلا فلا ينبغي التأمل في سقوطه ، وأن تكليفه حينئذ كل ما يقرب إلى المأمور به ، فالوقوف مضطربا مقدم على المشي قطعا ، ثم المشي ثم الركوب ، وربما احتمل التساوي بين الأخيرين والعكس إن كان الركوب أقر ، ولعل الأول أولى ، وإلى ذلك كله أشار في المنظومة فقال :

وفي اضطرار يسقط القرار

والقرب إذ ذاك هو المدار

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ٥.

٢٦١

فإن تأتي أن يقوم قائما

مضطربا فذاك كان لازما

ثم ليصل بعد ذاك ماشيا

فراكبا واحتمل التساويا

والعكس إن كان ركوبه أقر

والأول الأولى والأقوى في النظر

ولعله للخبر السابق ونحوه ، وعلى كل حال فقد ظهر لك أن القول بتحديد العجز بما عرفت في غاية الضعف ، وأضعف منه ما في‌ المروي (١) في دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم‌السلام « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل عن صلاة العليل فقال : يصلي قائما ، فان لم يستطع صلى جالسا ، قيل يا رسول الله فمتى يصلي جالسا قال : إذا لم يستطع أن يقرأ بفاتحة الكتاب وثلاث آيات قائما ، فان لم يستطع أن يسجد يومي إيماء برأسه ، يجعل سجوده أخفض من ركوعه ، وإن لم يستطع أن يصلي جالسا صلى مضطجعا لجنبه الأيمن ووجهه إلى القبلة ، فان لم يستطع أن يصلي على جنبه الأيمن صلى مستلقيا ورجلاه مما يلي القبلة ويومي إيماء » إذ لم نجد من أفتى به بل ولا من ذكره ، وقد يرجع إلى المشهور بنوع من التأويل.

ومن هذا كله بان لك أن القول الأول أظهر ، والقاعد الذي فرضه القعود إذا تجددت له القدرة وتمكن من القيام للركوع وجب قطعا لما ستعرفه عند قول المصنف : « ومن عجز » إلى آخره ، ضرورة كونه من جزئيات تلك المسألة حتى لو أراد من القيام للركوع القيام إلى حد الراكع لا الانتصاب وإلا يتمكن من القيام ولا ما يقرب منه ركع جالسا بلا إشكال ولا خلاف ، ولكيفيته كما ذكره غير واحد من الأصحاب تبعا لبعض العامة وجهان : أحدهما أن ينحني بحيث يصير بالنسبة إلى القاعد المنتصب كالراكع قائما بالنسبة إلى الانتصاب ، فيتعرف تلك‌

__________________

(١) ذكر صدره في المستدرك في الباب ٤ من أبواب القيام ـ الحديث ١ وذيله في الباب ١ منها ـ الحديث ٥.

٢٦٢

النسبة ويراعيها هنا ، ثانيهما أن ينحني بحيث يكون نسبة ركوعه إلى سجوده كنسبة ركوع القائم إلى سجوده باعتبار أكمل الركوع وأدناه ، فإن أكمل ركوع القائم انحناؤه إلى أن يستوي ظهره مع مد عنقه ، فتحاذي جبهته موضع سجوده ، وأدناه انحناؤه إلى أن تصل كفاه إلى ركبتيه ، فيحاذي وجهه أو بعضه ما قدام ركبتيه من الأرض ، ولا يبلغ محاذاة موضع السجود ، فإذا روعيت هذه النسبة في حال السجود كان أكمل ركوع القاعد أن ينحني بحيث يحاذي جبهته مسجده وأدناه محاذاة وجهه ما قدام ركبتيه ، والوجهان متقاربان ، والأصل في ذلك أن الانحناء في الركوع لا بد منه ، ولما لم يمكن تقديره ببلوغ الكفين الركبتين لبلوغهما من دون الانحناء تعين الرجوع إلى أمر آخر به تتحقق المشابهة للركوع من قيام ، وفيه أنه متجه لو لم يمكن له هيئة عرفية ينصرف إليها الذهن عند إطلاق الأمر به من جلوس ، فالأولى حينئذ إناطته بذلك كما عن الأردبيلي ، اللهم إلا أن يراد تحديد العرف بذلك ، والأمر حينئذ سهل.

نعم ما في جامع المقاصد وعن غيره ـ من وجوب رفع الفخذين فيه لتتحقق المشابهة المزبورة ولأن ذلك كان واجبا في حال القيام والأصل بقاؤه إذ لا دليل على اختصاص وجوبه به ـ لا يخلو من نظر وتأمل ، ضرورة تحقق صدق الركوع عرفا بدونه ، ولأن ذلك في حال القيام غير مقصود ، وانما حصل تبعا للهيئة الواجبة في تلك الحالة ، وهي منتفية هنا ، ولانتقاضه بإلصاق بطنه بفخذيه حال الركوع جالسا زيادة على ما يحصل منه في حالته قائما ، ولم يقل بوجوب مراعاة ذلك هنا بحيث يجافي بطنه على تلك النسبة ، نعم لو قدر على الارتفاع زيادة عن حالة الجلوس ودون الحالة التي يحصل بها مسمى الركوع وأوجبناه تحصيلا للواجب بحسب الإمكان اتجه وجوب رفع الفخذين في صورة النزاع ، إلا أنه لا ينحصر الوجوب فيما يحصل به مجافاتهما عن الساقين والأرض ، بل بحسب ما أمكن من الرفع ، لكن في وجوب ذلك أيضا نظر كما اعترف به في المحكي عن الروض ،

٢٦٣

بل عن مجمع البرهان الجزم هنا باستحباب رفع الفخذين ، فتأمل جيدا.

وإذا عجز عن القعود مستقلا ومعتمدا مستقرا ومضطربا منحنيا ومنتصبا إذ الظاهر جريان جميع ما سمعته في القيام فيه كما يومي اليه في الجملة المرسل الآتي (١) ولأنه بدله وبعض قيام وإن كان لا يخلو من بحث ، لاختصاصه بالدليل دونه صلى مضطجعا بلا خلاف أجده فيه بيننا كما اعترف به بعضهم ، بل الإجماع عليه إن لم يكن محصلا فهو محكي في كشف اللثام وغيره ، كما أن الآية والنصوص بعد حمل مطلقها على مقيدها واضحة الدلالة عليه أيضا ، فإن ظاهر بعض النصوص (٢) من الانتقال من القعود إلى الاستلقاء محمول على التقية ، أو يطرح إن لم يمكن تنزيله على ما ذكرنا على الأيمن ، وفاقا للمعظم ، بل قد يظهر من الغنية والمنتهى كما عن المعتبر بل عن صريح الخلاف الإجماع عليه ، للاحتياط ، ول مرسل الفقيه (٣) وخبر الدعائم (٤) وموثق عمار (٥) المعبر عنه في الذكرى وعن غيرها بحماد سهوا من القلم على الظاهر وإن حكى متنه فيها مجردا عما يشوش الدلالة من الألفاظ التي لم يسلم منها جملة من أخبار عمار حتى ظن منه تعددهما « فيوجه حينئذ كما يوجه الرجل في لحده » كما نطق به موثق عمار وصرح بمعناه في القواعد ، خلافا لظاهر المبسوط في المقام والمتن والنافع والإرشاد واللمعة والمحكي عن المقنعة وجمل السيد والوسيلة والألفية وصريح التذكرة ونهاية الأحكام فالتخيير بينه وبين الأيسر كما استظهره في المدارك ترجيحا للمطلق من الكتاب والنصوص على المقيد ، فيطرح حينئذ أو يحمل على الأفضلية كما صرح به‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ١٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ١٣ و ١٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ١٥.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ١٠.

٢٦٤

الأخير ، وهو مخالف لقواعد المذهب.

نعم إن تعذر الأيمن اضطجع على الأيسر كما هو المشهور أيضا على ما عن البحار ، للقرب من الأيمن في الصورة ، ومرسل الفقيه ، قيل وإشعار الأمر باستقبال القبلة بالوجه في موثق عمار به ، وفيه تأمل ، كالاستدلال عليه أيضا بظهور بعض النصوص في جواز الاضطجاع على الأيسر (١) متمما بعدم القول بالتخيير بينه وبين الاستلقاء ، فمتى جاز بعد تعذر الأيمن وجب ضرورة إمكان قلبه عليه ، والمطلقات التي خرج عنها لمكان المعارض في الأيمن كما في الرياض لا أقل من أن ترجح حينئذ بذلك على إطلاق ما دل على الاستلقاء أو التخيير له كيف شاء مع تعذر الأيمن ، فما يظهر حينئذ ـ من الانتقال إلى الاستلقاء بعد تعذر الأيمن من الغنية والمنتهى والقواعد والمبسوط في مبحث الركوع وصلاة المضطر ، وعن المعتبر والتحرير والخلاف ، بل قيل : قد يظهر منه والأولين والخامس الإجماع عليه وإن كان لا يخلو من نظر ، خصوصا بالنسبة إلى الأولين ، لأنهما إنما نسبا الأيمن إلى علمائنا ، بل علقا الاستلقاء على عدم التمكن من الاضطجاع ، ولعلهما يريدان مطلقه وإن نصا سابقا على الأيمن فلاحظ وتأمل ، ولم يحضرني الخلاف ، وإجماع الغنية ليس بذلك الظهور من التناول لما نحن فيه ـ محل للتأمل والنظر.

فان عجز عن الاضطجاع مطلقا أو عن الأيمن خاصة على القولين نحو العجز عن القعود صلى مستلقيا بلا خلاف أجده فيه ، بل عليه الإجماع محكيا في كشف اللثام إن لم يكن محصلا ، كما أن النصوص (٢) واضحة الدلالة عليه ، بل قد عرفت تقديمه على الاضطجاع في بعضها وإن كان هو مقيدا بغيره أو محمولا على التقية كما عرفت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ١٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ١٥ والمستدرك الباب ١ منها ـ الحديث ٣ و ٥ و ٦.

٢٦٥

وليس بعد الاستلقاء مرتبة موظفة ، بل كيف ما قدر صلى ، وليتحر أقرب الأحوال إلى كيفية المختار وإلا فالمضطر ، لكن في منظومة العلامة الطباطبائي بعد ذكر الاستلقاء.

وما لها من بعد حد يضبط

لكنها ثابتة لا تسقط

فليتحر أقرب الأطوار

من اختيار لا من اضطرار

ولعله يريد مع التمكن.

وعلى كل حال فـ ( ـالأخيران أي ) المضطجع والمستلقي يوميان لركوعهما وسجودهما كما هو فرض كل من تعذرا عليه ، إلا أنه خصهما لأنهما مظنته وذكر النصوص ( نصوص خ ل) ذلك فيهما ، ففي‌ موثق عمار (١) منها عن الصادق (ع) « المريض إذا لم يقدر أن يصلي قاعدا كيف قدر صلى ، إما أن يوجه فيومئ إيماء ، وقال : يوجه كما يوجه الرجل في لحده وينام على جانبه الأيمن ثم يومي بالصلاة إيماء ، فان لم يقدر أن ينام على جانبه الأيمن فكيف ما قدر ، فإنه له جائز ، ويستقبل بوجهه القبلة ثم يومي بالصلاة إيماء » وفي‌ خبر إبراهيم بن زياد الكرخي (٢) قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء ولا يمكنه الركوع والسجود فقال : يومي برأسه إيماء ، وإن كان له من يرفع الخمرة فليسجد ، فان لم يمكنه ذلك فليوم برأسه نحو القبلة إيماء. وفي‌ خبر عبد السلام بن صالح الهروي (٣) المروي عن العيون عن الرضا عن آبائه عليهم‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا لم يستطع الرجل أن يصلي قائما فليصل جالسا ، فان لم يستطع جالسا فليصل مستلقيا ناصبا رجليه بحيال القبلة يومي إيماء » وفي‌ مرسل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ١٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ١١ وهو عن إبراهيم بن أبى زياد الكرخي.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ١٨.

٢٦٦

الفقيه (١) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « المريض يصلي قائما ، فان لم يستطع صلى جالسا ، فان لم يستطع صلى على جنبه الأيمن ، فان لم يستطع صلى على جنبه الأيسر ، فان لم يستطع استلقى وأومأ إيماء ، وجعل وجهه نحو القبلة ، وجعل سجوده أخفض من ركوعه » وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام (٢) : « دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على رجل من الأنصار وقد شبكته الريح فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كيف أصلي؟ فقال : إن استطعتم أن تجلسوه فأجلسوه ، وإلا فوجهوه إلى القبلة ومروه فليوم برأسه ، ويجعل السجود أخفض من الركوع. وفي‌ خبر بزيع المؤذن (٣) عن الصادق عليه‌السلام إلى أن قال : « صلى مستلقيا يكبر ثم يقرأ ، فإذا أراد الركوع غمض عينيه ثم سبح ، فإذا سبح فتح عينيه ، فيكون فتح عينيه رفع رأسه من الركوع ، فإذا أراد أن يسجد غمض عينيه ثم يسبح ، فإذا سبح فتح عينيه ، فيكون فتح عينيه رفع رأسه من السجود ، ثم يتشهد وينصرف » إلى غير ذلك من النصوص التي أطلق فيها لفظ الإيماء أو قيد بالرأس كما هو الظاهر منه عند الإطلاق ، وهو مراد الماتن.

نعم لا يدخل في ظاهر إطلاقه ما في الخبر الأخير من التغميض والفتح وإن كانا هما من الرأس ، بل لقوة ظهور المطلق في غير ذلك ـ بل كاد يكون نصا فيه بقرينة الأمر بأخفضيته للسجود منه للركوع المنتفي في التغميض قطعا ـ لم يقيد ذلك الإطلاق به ولم يجعل أحد الإيماء بالرأس المأمور به عند العجز عبارة عن التغميض والفتح ، بل الذي صرح به الفاضلان والشهيدان والكركي وسائر من تأخر عنهم إلا النادر الترتيب بينهما ، فيومي بالرأس مع الإمكان ، وإن تعذر غمض عينيه من غير فرق في ذلك بين‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ١٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ١٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ١٣ وهو مرسل الصدوق قدس‌سره ولم يسنده الى بزيع.

٢٦٧

الاضطجاع والاستلقاء ، لكن في الحدائق أن الموجود في النصوص الإيماء بالرأس في المضطجع ، والتغميض للمستلقي ، فالأولى اتباع الأخبار ، وربما يوافقه في الثاني ظاهر المبسوط والغنية والقواعد والمحكي عن النهاية والسرائر وجامع الشرائع والموجز الحاوي حيث اقتصروا فيه على التغميض ، بل ربما كان معقد إجماع الثاني منها ، كما أنه ربما كان ظاهر الأول أن المراد بالإيماء حيث يطلق ذلك ، وعن الكفاية أن الترتيب المزبور بين الإيماء بالرأس والتغميض خال عنه كلام القدماء ، وفيه أن النصوص كما اشتملت على الإيماء بالرأس في المضطجع كذلك أمرت به في المستلقي ، نعم هو قد اختص موردا بالتغميض دونه ، وحمل الإيماء بالرأس فيه عليه خاصة قد عرفت ضعفه ، خصوصا وقد اكتفي به في المرتبة العليا كالقيام والجلوس والاضطجاع ونحوها مما هو أولى من هذه المرتبة قطعا ، كاحتمال التخيير بينهما فيه ، ضرورة قصوره عن ذلك ، مع أقربية الإيماء بالرأس إلى السجود ، بل لعله بعض منه ، ولذا وجب في الجالس والقائم وغيرهما من أفراد المضطر ، كما عرفت ، فلم يبق حينئذ إلا الترتيب بينهما فيه ، ومقتضاه أنه كذلك أيضا في المضطجع ، ضرورة القطع بالمساواة في جميع الأحوال ، إذ احتمال اختصاصه في البدلية عنهما في حال الاستلقاء دون غيره مناف لطعم الفقاهة ، خصوصا مع موافقته للاحتياط المطلوب في العبادة ، ولعل ذكره خاصة في خصوص المستلقي نصا وفتوى لغلبة عدم التمكن من غيره حاله ، لا لتقييده به ، بخلاف المضطجع وغيره مما ذكر فيه الإيماء بالرأس خاصة ، لندرة تعذر الإيماء به عليه ، فبان لك أن ما في الحدائق ـ من اختصاص الإيماء بالرأس في غير المستلقي ، وأنه إن تعذر عليه لم ينتقل إلى بدل حينئذ ، كما أن المستلقي يختص بالتغميض ، وأنه لا يجتزي بالإيماء بالرأس مع القدرة عليه ، فإذا تعذر عليه التغميض لم ينتقل إلى بدل ـ في غاية الضعف ومخالف لمقتضى ذوق الفقاهة كما يعرف ذلك بأدنى تأمل.

٢٦٨

وكيف كان فليجعل سجوده أخفض من ركوعه حيث يكون تكليفه الإيماء لهما ، ومحلهما متحد إلا إذا اختلف بالقيام والجلوس مثلا ، للنصوص السابقة المعتضدة بفتوى بعض الأصحاب وبالاعتبار كإرادة الشارع الفرق بينهما ونحوه ، والمناقشة بأن إيجاب الإيماء لهما انما هو لعدم سقوط الميسور بالمعسور ، فيجب عليه فعل تمام ما يتمكن منه من الإيماء لكل منهما ، ويجتزي في الفرق بينهما بالنية يدفعها ـ مضافا إلى وضوح عدم جريان القاعدة المزبورة فيه ـ انه اجتهاد في مقابلة النص ، نعم لم يفرق في القواعد كما عن غيرها بينهما في التغميض ، لإطلاق النص ، وعدم صدق الخفض على زيادة الغمض ، خلافا للكركي والشهيد الثاني والمحكي عن ابن حمزة وسلار ويحيى بن سعيد وغيرهم ، فجعلوه للسجود أكثر منه للركوع ، ولعله للفرق بينهما ، وإيماء الأمر به في الإيماء اليه ، واحتمال إرادة التغميض من المرتضوي السابق (١) الآمر فيه بالأخفضية ولا ريب في أنه أحوط وإن كان في تعيينه نظر ، ولقد أجاد العلامة الطباطبائي في قوله :

واختلفت صورة الإيماء البدل

في كل ما لم يختلف فيه المحل

فكان إيماء السجود أخفضا

مما مضى عن الركوع عوضا

ما كان في الرأس وفي العين نظر

إذ صح سلب الخفض عن غمض البصر

ولا يجب استحضار معنى البدلية ، للإطلاق والاكتفاء بالنية الإجمالية كالمبدل منه ، خلافا لما عساه يظهر من القواعد حيث اعتبر فيهما مع ذلك جريان الأفعال على القلب ، وفيه منع إن أراد به ذلك ، بل الظاهر عدم وجوبها أيضا لو فرض انتقال تكليفه في الأثناء ، اكتفاء بنية الصلاة الأولى ، وإن كان قد قارنه سابقا اعتقاد فعل المبدل منه باعتبار ظن بقاء التمكن ، بل لو لحظه بالخصوص ثم بان العدم لم يقدح في صحة الصلاة ولا يجب تجديد النية ، نعم قد يقال باعتبار النية بالنسبة إلى البطلان بزيادته‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ١٦.

٢٦٩

ولو سهوا ، ضرورة مساواته للمبدل منه في البطلان به بالزيادة والنقيصة عمدا وسهوا ، لكن لا يصدق زيادته إلا مع نية بدليته عن الركوع وإن لم نعتبرها في زيادة الركوع كما جزم به في الروضة مع احتمال الاكتفاء في الفساد بمجرد فعله بعنوان أنه من الصلاة وإن لم يستحضر الركوع ، لصيرورة الركن بالنسبة إليه هذا الإيماء والتغميض ، وعلى كل حال لا يعتبر فيه زيادته في محل الركوع والسجود وإن أوهمه المحكي عن الروض ، بل الظاهر حصول البطلان بزيادته مع النية أو بدونها على الاحتمال الأخير وإن لم يكن في المحل كالمبدل منه ، اكتفاء بالصورة كما هو واضح.

ولو تعذرا معا عليه فلا بدل غيرهما ينتقل اليه إلا على احتمال تعرفه فيما يأتي ، لكن في كشف الأستاذ إيجاب الإيماء بباقي الأعضاء ، وهو لا يخلو من وجه وإن كان ظاهر الأصحاب خلافه ، وأنه يكتفي بجريان الأفعال على قلبه والأذكار على لسانه إن تمكن ، وإلا أخطر هما جميعا بالبال واكتفى به كما صرح به بعضهم وتقتضيه أصول المذهب.

نعم ربما ظهر من بعضهم أن منه الأعمى حملا للتغميض والفتح على العين الصحيحة ، وفيه منع ، هذا.

وقد يحتمل في أصل البحث التخيير بين الإيماء والتغميض في الصورتين المزبورتين للسجود وبين وضع شي‌ء على الجبهة ، جمعا بين الأمر بهما في النصوص السابقة وبين ما في‌ المرسل (١) عن الصادق عليه‌السلام انه « سئل عن المريض لا يستطيع الجلوس يصلي وهو مضطجع ويضع على جبهته شيئا قال : نعم » وفي‌ موثق سماعة (٢) « سألته عن المريض لا يستطيع الجلوس قال : فليصل وهو مضطجع ، وليضع على جبهته شيئا إذا سجد فإنه يجزي عنه ، ولن يكلف الله ما لا طاقة له به » وخبر أبي بصير (٣) « سألته عن المريض هل تمسك له المرأة شيئا يسجد عليه قال : لا إلا أن يكون مضطرا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ١٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ٧.

٢٧٠

ليس عنده غيرها ، وليس شي‌ء مما حرم الله إلا وقد أحله لمن اضطر إليه » بشهادة‌ الصحيح أو الحسن (١) عن الصادق عليه‌السلام « سألته عن المريض إذا لم يستطع القيام ولا السجود قال : يومي برأسه إيماء ، وأن يضع جبهته على الأرض أحب إلى » وصحيح زرارة (٢) سأل الباقر عليه‌السلام « عن المريض قال : يسجد على الأرض أو على مروحة أو على سواك يرفعه ، وهو أفضل من الإيماء » بل ظاهر خبر إبراهيم ابن زياد الكرخي (٣) المتقدم سابقا في صدر المسألة وجوب تقديم ذلك على الإيماء ، اللهم إلا أن يحمل على الأفضلية ، فيتحد حينئذ مع الخبرين الأخيرين ، ومن هنا قال في المنظومة في نحو ما نحن فيه :

والقول بالتخيير والترجيح

للرفع فيه ظاهر الصحيح

مشيرا بذلك إلى صحيح زرارة المرجح لرفع ما يسجد عليه على الإيماء ، لكن قد يقال : إن ما عدا الخبر الأول والمرسل لا ظهور فيه فيما نحن فيه من المصلي مضطجعا أو مستلقيا ، بل لعل ظاهرها لقوله فيها : « يسجد » و « يضع جبهته » ونحو ذلك غيرهما من المتمكن من صورة السجود بانحناء في الجملة أو باعتماد ونحوهما ، فإنه حينئذ يرفع ما يسجد عليه ، ويسجد لهذه النصوص وغيرها خصوصا الأخير ، ولأنه هو الذي تمكن منه من السجود ، فالله أولى بالعذر ، وما من شي‌ء حرمة الله إلا وقد أحله لمن اضطر اليه ، وعدم سقوط الميسور بالمعسور ، ولغير ذلك ، والأفضلية والأحبية في الصحيحين يراد بهما ما في الحدائق من أن الواجب أفضل من غيره ، نحو قولهم :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب ما يسجد عليه ـ الحديث ١ مع اختلاف يسير.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ١١ وهو عن إبراهيم ابن أبى زياد الكرخي.

٢٧١

السيف أمضى من العصا وشبهه مما لا يراد منه معنى التفضيلية ، ولعله هو الذي سيشير اليه المصنف هنا وفي باب السجود ، بناء على إرادة نوع من الاعتماد من قوله : ما يسجد عليه فيهما ، بل لا أجد فيه خلافا بين الأصحاب في صورة الانحناء ، بل مطلق في ظاهر الحدائق ، بل في المنتهى في باب السجود لو تعذر الانحناء لعارض رفع ما يسجد عليه ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، بخلاف ما إذا لم يتمكن من الاعتماد ونحوه كما هو الغالب في المضطجع والمستلقي بل من المماسة خاصة ، فلا يجتزي بها عن الإيماء ، والموثق الأول كالمرسل وإن كانا في المضطجع إلا أنه لا ريب في قصورهما عن أخبار الإيماء من وجوه ، فيمكن حملهما على الاستحباب ، أو على ما إذا لم يتمكن من الإيماء بشهادة‌ خبر علي بن جعفر (١) عن أخيه المروي عن قرب الاسناد « سألته عن المريض الذي لا يستطيع القعود ولا الإيماء كيف يصلي وهو مضطجع؟ قال : يرفع مروحة إلى وجهه ويضع على جبينه ويكبر هو » بناء على إرادة الاجتزاء بذلك عن السجود ، أو على إرادة وجوب ذلك مع التمكن من الاعتماد عليه ويكون بصورة الساجد ، إذ الظاهر وجوبه حينئذ عليه كما صرح به في الذكرى وغيرها ، بل ظاهر الحدائق نفي الخلاف فيه ضرورة كونه حينئذ كالصورة السابقة ، قال في الأول بعد الحكم بالإيماء للمضطجع : « ولو أمكن تقريب مسجد اليه ليضع عليه جبهته ويكون بصورة الساجد وجب » ثم ذكر الموثق وقال : « يمكن أن يراد به مع اعتماده على ذلك الشي‌ء ، وهذا لا ريب في وجوبه » لكن قال فيها أيضا بعد ذلك : « ويمكن أن يراد به على الإطلاق ، أما مع الاعتماد فظاهر ، وأما مع عدمه فلأن السجود عبارة عن الانحناء وملاقاة الجبهة ما يصح السجود عليه باعتماد ، فإذا تعذر ذلك وملاقاة الجبهة ممكنة وجب تحصيله ، لأن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ٢١.

٢٧٢

الميسور لا يسقط بالمعسور ، فان قلنا به أمكن انسحابه في المستلقي ، أما المؤمي قائما فيجب اعتماد جبهته على ما يصح السجود عليه مع إمكانه قطعا » وقال في الروضة بعد ذكر الإيماء بالرأس للمستلقي والمضطجع : « ويجب تقريب الجبهة إلى ما يصح السجود عليه أو تقريبه إليها والاعتماد بها عليه ، ووضع باقي المساجد معتمدا ، وبدونه لو تعذر الاعتماد » وظاهرهما وجوب المماسة المزبورة إلا أنه ليس على جهة التخيير بينها وبين الإيماء ، بل الظاهر إرادة وجوب ذلك معه كما صرح به بعضهم ، وحكاه في كشف اللثام عن نهاية الأحكام ، وهو ممكن جمعا بين الدليلين كما أشار إليه العلامة الطباطبائي بقوله قبل البيت السابق :

فلو تأتى الرفع دون الانحناء

فالجزم للإيماء مع الرفع هنا

من غير فرق في ذلك بين الاضطجاع والاستلقاء وبين القيام والجلوس مع اتحاد الجميع في مفروض المسألة وفي كشف اللثام عن المقنع إذا لم يستطع السجود فليؤمي برأسه إيماء ، وإن رفع إليه شي‌ء يسجد عليه خمرة أو مروحة أو عود فلا بأس ، وذلك أفضل من الإيماء ، قال : وهو إفتاء بصحيح زرارة ، ويحتملان أن من تعذر عليه الانحناء للسجود رأسا يتخير بين الإيماء ورفع ما يسجد عليه ، وهو أفضل ، وأنه يتخير بين الاقتصار على الإيماء والجمع بينهما ، وهو أفضل ، ويحتملان عموم الإيماء للانحناء لا بحد السجود ، وتحتم الرفع حينئذ ، وفي الاحتمالين الأولين ما لا يخفى مع فرض التمكن من الاعتماد ونحوه ، لما عرفت من وجوبه بل ومع عدمه ، لكن الإنصاف أنه مع ذلك لا يخلو القول بالوجوب مع عدم الانحناء أصلا من إشكال وإن تمكن من الاعتماد فضلا عن غيره إن لم ينعقد إجماع عليه كما سمعته من المنتهى ، للأصل وإطلاق أدلة الاجتزاء بالإيماء ، والتصريح بالأفضلية في الصحيحين المزبورين (١) بل جزم به في المدارك في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ٢ والباب ١٥ من أبواب ما يسجد عليه ـ الحديث ١.

٢٧٣

الصورة الثانية مستدلا بصحيح زرارة عليها ، لكنك خبير أن فيه السجود على الأرض مما هو ظاهر في الصورة الأولى ، ولعله لا يقول به ، ضرورة ظهوره في التمكن من الاعتماد في الجملة ، اللهم إلا أن يلتزمه مع فرض عدم الانحناء ، فالمسألة لا تخلو من نظر ، ولا ينبغي ترك الاحتياط فيها ، كما أنه لا ينبغي ترك وضع باقي المساجد في محالها مع إمكانها بسبب تعذر الانحناء التام ، لعدم سقوط الميسور بالمعسور ، فيضعها حينئذ معتمدا عليها وإن رفع ما يسجد عليه وانحنى في الجملة كما صرح به بعضهم ، نعم يمكن عدم اعتبار ذلك في بعض صور الإيماء للمضطجع والمستلقي ونحوهما لإطلاق الأدلة ، فتأمل جيدا ، وربما يأتي للمسألة تتمة إن شاء الله في باب السجود ، والله أعلم.

ومن عجز في أثناء الصلاة عن حالة انتقل إلى ما دونها مستمرا على ما كان متلبسا فيه من القراءة ونحوها ، أو يراد بالاستمرار الكناية عن الاجتزاء بذلك وعدم استئناف الصلاة كالقائم يعجز فيقعد ، أو القاعد يعجز فيضطجع ، أو المضطجع يعجز فيستلقي ، وكذا بالعكس فينتقل من وجد خفة في الأثناء إلى الحالة العليا المستطاعة كما أومأ إليه‌ قوله عليه‌السلام (١) فيما مضى : « إذا قوي فليقم » مضافا إلى القطع بعدم الفرق في الأحوال المزبورة بين مجموع الصلاة وبعضها وإن كان أول ما يتبادر إلى الذهن منها الأول ، لكن تبادره لأنه أظهر الأفراد ، فاحتمال عدم الاجتزاء بالملفقة من الأحوال كما عن بعض العامة ـ بل يستأنف إذا اتفق عروض ذلك ويأتي بالصلاة على حالة واحدة إلا إذا فرض التعذر أو التعسر فحينئذ يجوز لهما التلفيق ، وإلا فينكشف بعدم استمرار العجز مثلا أن المراد الفرد الآخر ، فلا يجزي حينئذ الفرد الذي تلبس به بظن استمرار سببه ـ ضعيف جدا ، بل لم أعثر على من ذكره احتمالا فضلا عمن مال اليه أو جزم به منا إلا ما ستسمعه عن نهاية الأحكام ، ولعله لما عرفت ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ٣.

٢٧٤

ولإمكان دعوى اندراجه في أدلة كل من الأحوال أو بعضها المؤيد بالنهي عن إبطال العمل ، وباستصحاب صحة الصلاة القاضي بعد إحراز الصحة بتعين الأحوال المزبورة بعد فرض انتفاء احتمال غيرها بالإجماع ونحوه ، فيتحقق حينئذ من مجموع ذلك الامتثال المقتضي للإجزاء ، نعم عن نهاية الأحكام لو انتفت المشقة فالأولى عندي استحباب الاستئناف ، يعني لو كان القعود مثلا للمشقة في القيام لا للعجز عنه فانتفت في الأثناء استحب له الاستئناف ، ولا بأس به إن أراد بعد الإكمال للتسامح ، وإلا كان محل نظر ومنع ، لحرمة إبطال العمل التي لا يجوز الخروج عنها إلا بالدليل المعتبر ، هذا. وقد مر سابقا عند قول المصنف : « وإذا تمكن من القيام للركوع وجب » ما ينفعك في المقام ، ضرورة كونه من بعضه في وجه ، فلاحظ وتأمل.

وقد بان لك من ذلك كله الوجه في الثاني من المراد بالاستمرار في المتن ، أما الأول أي يبقى مستمرا على القراءة في أثناء الهوي إلى القعود مثلا فلأنه أقرب إلى الحالة العليا التي هي محل القراءة اختيارا ، فيجب المحافظة عليه حينئذ وفاقا للمحكي عن الأكثر بل المشهور كما قيل ، بل في الذكرى كما عن الروض نسبته إلى الأصحاب ، وإن كان الظاهر عدم إرادة الأول الإجماع من النسبة المزبورة ، لإشكاله إياه بعد النسبة ، بل ربما نوقش في أصلها كما يومي اليه نسبته إلى القيل في المحكي عن دروسه بخلو كتب القدماء كالمقنعة والنهاية والمبسوط والخلاف والجمل والوسيلة والسرائر وغيرها عن ذلك في مباحث القيام والركوع والقراءة ، بل قد يظهر من المبسوط خلافه ، اللهم إلا أن يكون ذكروا ذلك في غير مظانه أو فيها وقد زاغ عنه البصر ، أو يكون أراد مشايخه كالفخر والعميد والفاضل وابني سعيد والآبي وغيرهم ممن شاهدهم ، أو نقل له ذلك عنهم ، فيتجه حينئذ بعد فقد الإجماع إشكاله بأن الاستقرار شرط في القراءة ،

٢٧٥

لخبر السكوني (١) عن الصادق عليه‌السلام في المصلي يريد التقدم قال : « يكف عن القراءة في مشيه حتى يتقدم ثم يقرأ » وغيره ، بل لعله إجماع كما سمعته سابقا ، ويشعر به ما في الذكرى ، فيجب مراعاته فيها ، واحتمال تسليم اشتراطه في غير محل البحث لعدم الدليل عليه فيه من إجماع أو نص كما ترى ، كدعوى اشتراطه فيها في حال الاختيار المفقودة في المقام ، ضرورة اضطراره إلى القعود ، إذ يدفعها أن الاضطرار انما هو في نفس الانتقال لا في القراءة غير مستقر.

فلعل الأولى حينئذ تأخير القراءة إلى حال الجلوس تحصيلا لشرطها وفاقا للمحقق الثاني وغيره ، خصوصا بعد ظهور اعتبار القراءة في القيام أو بدله ، وليس هو إلا القعود في الفرض ، إذ الهوي من مقدماته لا من أبدال القيام حتى ينتهي إلى القعود ، وإلا لزم كثرة المراتب ، وهو كما ترى ، والاحتياط هنا انما هو بتكرير الصلاة أو بإعادة ما قرأ في الهوي بنية القربة المطلقة ، بناء على الاجتزاء بمثلها لو فرض كونه جزء في الصلاة لا بالقراءة في حال الجلوس بعد ظهور بعض العبارات في وجوب القراءة في حال الهوي لقربه من حال الاختيار ، فليس له السكوت حينئذ وإن جاز له في أثناء الحالة الواحدة ، كما هو واضح ، اللهم إلا أن يقال : إن صلاته صحيحة وإن عصى بترك القراءة في حال الهوي حتى انتقل تكليفه ، فهو كمن سكت في حال القيام حتى عرض له ما نقل تكليفه ، لكن لا يخفى عليك ما فيه بعد فرض علم المكلف بالانتقال ، فتأمل جيدا ، هذا.

وقد يشكل جريان أصل البحث في مثل الانتقال من الاضطجاع على الجانب الأيمن إلى الأيسر ونحوه بأن حالة الانتقال فيه ربما اقتضت قلبه على ظهره ، وهي أدون من الجانب الأيسر ، أو على وجهه فهو مرجوح في جميع المراتب ، فينبغي تقييد الحكم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب مكان المصلى ـ الحديث ٣.

٢٧٦

بما لو كان من حالات هي أعلى من المنتقل اليه ، كما يدل عليه التعليل ، اللهم إلا أن يقال بأن الانقلاب على الظهر مثلا أقرب من الأيسر إلى الأيمن في مثل الفرض ، وعدم الاستمرار عليه للدليل أو لملاحظة الاشتراك في الاضطجاعية ونحوها.

ثم إنه قد يتوهم من قول المصنف وكذا العكس اتحادهما فيما ذكره من الانتقال والقراءة في أثنائه ونحوهما ، وليس كذلك قطعا ، ضرورة وجوب الانتقال عليه من أقصى الدنيا إلى العليا من أول مرة مع الاستطاعة ، لا أنه ينتقل مترتبا إلا إذا كانت الاستطاعة كذلك ، ولقد أجاد العلامة الطباطبائي في قوله :

فان بدا العجز عن الأعلى انتقل

لأوسط ثم إلى ما قد سفل

ولا كذا إذا استبان القدرة

فلينتقل إلى العلو مرة

وأما القراءة فلا ينبغي التأمل في وجوب تركها حتى ينتقل إلى العليا مطمئنا ، لعدم الاستقرار ، وعدم بدلية غيرها عنها مع التمكن منها ، فما توهمه عبارة النافع كالمتن من القراءة في الأثناء في الفرض ليس في محله قطعا ، وكيف وقد استحب له في الذكرى كما عن نهاية الأحكام استئناف ما قرأه سابقا لتقع جميع القراءة مستأنفة ، وعن المبسوط يجوز له وإن كان قد يشكل باستلزامه زيادة الواجب مع حصول الامتثال وسقوط الفرض ، إلا أن يتخلص عنه بما سمعته سابقا من القراءة بغير نية الجزئية.

ولو خف بعد القراءة وجب القيام للركوع قطعا ، لوجوبه فيه وقد تمكن منه ، وفي وجوب الطمأنينة فيه للركوع وعدمه قولان ، أشهرهما الثاني وأحوطهما الأول ، واستدل عليه في الذكرى بأن الحركتين المتضادتين في الصعود والهبوط لا بد أن يكون بينهما سكون ، فينبغي مراعاته ليتحقق الفصل بينهما ، وبأن ركوع القائم يجب أن يكون عن طمأنينة ، وهذا منه ، وبأن معه يتيقن الخروج عن العهدة ، وفيه أن الكلام في الطمأنينة عرفا ، وهي أمر زائد على ذلك ، ضرورة كون ذلك السكون من اللوازم‌

٢٧٧

التي لم تدخل في قسم الممكن حتى يصح التكليف بها ، فحينئذ لا عبرة بالسكون المزبور كما لا عبرة به في حال الرفع من الركوع وإرادة الهوي إلى السجود بالإجماع المحكي عن الروض ، وأما الثاني فهو عين المتنازع فيه ، فان موضع الوفاق في اشتراط الركوع عن طمأنينة هي ما يحصل في قيامها قراءة ونحوها ، فتكون الطمأنينة واجبة لذلك لا لذاتها ، وهي قد حصلت حال القعود الذي هو بدل القيام ، وأما الثالث فليس إلا الاحتياط الذي ذكرناه ، والبحث في وجوبه معروف ، خصوصا في المقام الذي يدعى اندراجه في إطلاق الأدلة. وكيف كان فلا تستحب إعادة القراءة هنا كما عن التذكرة والذكرى وجامع المقاصد وغيرها للأصل.

ولو خف في الركوع جالسا قبل الطمأنينة كفاه أن يرتفع منحنيا إلى حد الراكع ولم يجز له الانتصاب ، لاستلزامه الزيادة المفسدة ، ولو كان الخفة بعدها قبل الذكر فحكمه كسابقه على ما صرح به بعضهم ، خلافا لما عساه يوهمه ظاهر المحكي عن التذكرة والذكرى من أنه كما لو كان بعد الذكر الذي لا يجب عليه فيه إلا القيام للاعتدال بلا خلاف أجده ، وفيه أن الذكر يجب إيقاعه في تلك الحالة من الركوع ، وهي ممكنة له من غير استلزام زيادة ، بخلاف ما لو كان خفة بعد تمام الذكر ، لحصول الامتثال المقتضي للإجزاء فليس عليه حينئذ إلا القيام للاعتدال ، ولو كانت خفته في أثناء الذكر فبناء على الاجتزاء بالتسبيحة الواحدة في الذكرى لا يجوز البناء على بعضها ، لعدم سبق كلام تام ولزوم اعتبار الموالاة ، ويحتمل البناء بناء على عدم قدح مثل هذا الفصل اليسير فيها ، ولعل الأولى جعل المدار على الإخلال بها وعدمه ، ولو فرض إتمامها ثم خف كان له الارتفاع للإتيان بالمستحب على الظاهر ولا زيادة ركن فيه ، ولو أوجبنا تعدد التسبيح وكان قد شرع فيه فان كان في أثناء تسبيحة فالبحث فيها كالسابق وارتفع الإتمام الباقي قطعا ، كما أنه كذلك لو فرض بعد إتمام التسبيحة الواحدة ، فإنه يرتفع حينئذ أيضا‌

٢٧٨

لإتمام الباقي ، لكن في كشف اللثام « لو كان قد شرع فيه ولم يكمل كلمة « سبحان » أو « ربي » أو « العظيم » أو ما بعده فالأولى إتمام الكلمة وعدم قطعها ، بل عدم الوقف على « سبحان » ثم الاستئناف عند تمام الارتفاع » وهو جيد لولا استلزامه الزيادة ، اللهم إلا أن يكون إتمامه بعنوان الذكر المطلق ، والأمر سهل.

ولو خف بعد الاعتدال والطمأنينة قام ليسجد عن قيام كما صرح به في الذكرى وغيرها ، بل لا أجد فيه خلافا ، إلا أنه لا يخلو من إشكال كما في التذكرة ، ولعله لعدم اعتبار القيام في السجود ، وانما كان الهدم عنه له لأنه من ضروريات الامتثال به ولوازمه ، على أنه قد قام عنه الاعتدال والطمأنينة الجلوسيان ، وأيضا لو كان هذا القيام واجبا لوجب حتى لو حصل الخف بعد الهوي إلى السجود قبل الوصول إلى حده ، مع أنه لا يجب معه قولا واحدا كما قيل ، نعم قد يحتمل القيام للقنوت الثاني بعد الركوع في الجمعة على إشكال أيضا كما في المحكي عن نهاية الأحكام من مخالفة الهيئة المطلوبة للشرع مع القدرة عليها ، ومن استحباب القنوت فجاز فعله جالسا للعذر ، ولعل الأولى ترك قوله للعذر ، كما أن الأول أولى ، وكيف كان فعلى القول به ، أي القيام للسجود فالظاهر عدم اعتبار الطمأنينة فيه للأصل وفاقا للمحكي عمن تعرض له من الأصحاب ، نعم في الذكرى احتماله على بعد ، قال : إلا إذا عللنا بتحصيل الفصل الظاهر بين الحركتين فيجب الطمأنينة ، كما أنه يتجه اعتبارها ووجوب القيام لها لو فرض حصول الخف بعد الاعتدال قبل الطمأنينة.

ولو قدر على القيام للاعتدال من الركوع دون الطمأنينة فيه قام ، والأولى الجلوس لها كما في كشف اللثام ، بل عن بعضهم القطع به ، ويحتمل تقديم الجلوس لهما كما في الذكرى ، والأقوى سقوطها والاجتزاء بالقيام كما قلناه في أصل قيام الركعة ، ومثله لو ركع القائم فعجز عن الطمأنينة فالأقرب كما في الذكرى الاجتزاء به ويأتي‌

٢٧٩

بالذكر فيه وبعده ، وليس له الجلوس ليركع ركوع الجالس مطمئنا.

ولو ثقل في أثناء الركوع فان كان بعد الذكر جلس للاعتدال مستقرا ، ولو كان قبله قيل ففي الركوع أو الاجتزاء بما حصل من الركوع وجهان مبنيان على أن الركوع هل يتحقق بمجرد الانحناء المذكور أم لا بد في تحققه من الذكر والطمأنينة والرفع ، والأولى أنه إن أمكن هويه متقوسا بحيث لا يلزم زيادة ركوع هوى وذكر ، وإلا سقط واكتفى بالجلوس للاعتدال من غير ركوع ، والله أعلم.

ومن لا يقدر على السجود يرفع ما يسجد عليه ، فان لم يقدر أومأ إليه كما تقدم البحث فيه سابقا ، وربما يأتي له تتمة لاحقا إن شاء الله ، وهل يجب عليه الجلوس للإيماء لو فرض قيامه مع تعذر السجود عليه بغير فقد الساتر؟ كما أنه هل يجب عليه القيام للإيماء للركوع لو فرض تعذر الركوع عليه وكان جالسا؟ وجهان ، العدم لإطلاق الأدلة ، ولأنهما من المقدمات التي تسقط بسقوط ذيها ، والوجوب لعدم سقوط الميسور بالمعسور ، ولظهور النصوص والفتاوى في المقام بوجوب كل ما يقرب إلى المأمور به ، ولأن الإيماء هو البدل ، فيعتبر فيه حينئذ ما يعتبر في المبدل منه ، فيقوم ثم يومي للركوع ، كما أنه يجلس فيومي للسجود ، ولعله هو الذي أشار إليه العلامة الطباطبائي مستثنيا فاقد الساتر الذي يومي قائما إذا صلى كذلك لأمن المطلع ، كما أنه يومي للركوع جالسا مع الصلاة كذلك عند خوف المطلع ، فقال :

وكل إيماء عن السجود من

غير قيام ما خلا العاري الأمن

فقائما يومي كما قد ركعا

بالعكس مما لزم المروعا

لا يجلس القائم كالجالس لا

يقوم للإيماء في قول جلا

وقد يفرق بين الركوع والسجود باعتبار القيام في الأول فكذا بدله ، بخلاف‌

٢٨٠