جواهر الكلام - ج ٩

الشيخ محمّد حسن النّجفي

اسم للصحيح ، وقد حققنا في الأصول خلافها ، اللهم إلا أن يدعى تناول النص المزبور (١) له ، وأنه لا ينافيه خروج ما خرج وإن كان أضعاف الداخل ، لأنه ليس من العموم اللغوي الذي يقبح فيه ذلك ، وفيه بحث ، أو يدعى عدم تناول المراد من إطلاق الأدلة لمثله بمعونة اتفاق الأصحاب ظاهرا عليه ، أو يدعى إرادة الفعل والترك من نحو‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) : « صلوا كما رأيتموني أصلي » خصوصا مع إمكان إشعار تشبيه التكبير في الصلاة بالأنف في الوجه في بعض النصوص (٣) باعتبار اتحاده فيها كالأنف في الوجه ، فتأمل ، ولا ريب أنه الأحوط.

وكيف كان فظاهر المتن كصريح غيره أنه لا يعتبر في البطلان نية الصلاة معه ، لأنه بقصده الافتتاح يصير ركنا ، ولا يقدح فيه عدم مقارنة النية التي هي شرط في صحة الصلاة لا لكونه للافتتاح ، فان المتصور في زيادة أي ركن كان هو الإتيان بصورته قاصدا بها الركن كما لو أتى بركوع ثان لامتناع ركوعين صحيحين في ركعة واحدة ، بل قد يقال بعدم اعتبار نية الافتتاح في الإبطال به بناء على أن منشأها ما عرفته من الزيادة للأصل أو للنص أو لغيرهما ، وكان اعتبارهم لذلك بناء منهم على ركنيته ، وأن البطلان من حيث زيادة الركن لا من مطلق الزيادة وإن كان فيه ما فيه.

ثم لا يخفى أن بطلان التكبيرتين في الفرض مبني على عدم الخروج عن الصلاة بنيته ، أو على عدم لزوم نية الافتتاح لذلك مع فرض الاقتصار عليها ، أو على أنه انما نوى الصلاة ثانيا بناء على جواز تجديد النية في الأثناء أي وقت أراد ، لا على الخروج منها وقرن النية بالتكبير سهوا ، أو لزعم لزوم التكبير أو جوازه كلما جدد النية جاعلا له‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الخلل الواقع الصلاة.

(٢) صحيح البخاري ج ص ١٢٤ و ١٢٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ٦ و ١٣.

٢٢١

جزء من الصلاة ، وإلا فبناء على أنه نوى الخروج مع ذلك أو اقتصر على نية الافتتاح وقلنا بلزومه لنية الخروج كما هو الظاهر وببطلان الصلاة بذلك صحت الصلاة بالتكبير الثاني ولا حاجة حينئذ إلى قوله : فـ ( ـان كبر ثالثة ونوى الافتتاح انعقدت الصلاة أخيرا ) لكن الظاهر أنه بناء على ما ذهب هو اليه من عدم الخروج عن الصلاة بنية الخروج ، فحينئذ ينحصر الإبطال في التكبير الثاني ، ويحتاج في الصحة إلى الثالث ، إذ الثاني مع إبطاله الأول ليس بقابل للعقد والإحرام والافتتاح ، وكأنه مفروغ منه عندهم حيث لم يتوقف فيه أحد منهم ، بل ربما كان صريح الفاضل والمحقق الثاني ، وهو كذلك حيث يكون منهيا عنه ، أما مع عدم النهي كما في حال السهو أو النافلة بناء على عدم حرمة إبطالها وأنه لا تشريع فقد يشكل بأنه لا مانع من حصول الأمرين به الابطال والصحة ، ويدفع بأن بطلان التكبير الثاني لوقوعه في حال غير قابل للتأثير والعقد ، ضرورة عدم إمكان التأثير في حال صحة الصلاة ، وهي انما تنتفي بآخر جزء منه أي الثاني ، فكيف يتصور حينئذ صلاحيته للعقد والإحرام كما هو واضح.

ومنه يعلم حينئذ أنه لا وجه للقول بصحة صلاة من زعم تمام صلاته التي كان متلبسا بها فأحرم لصلاة جديدة نافلة مثلا أو غيرها ، نعم يمكن القول بعدم إبطال هذا التكبير للمتلبس بها باعتبار أنه لم يأت به لها كي يحصل زيادة ركن فيها ، مع أن فيه أيضا بحثا واضحا.

وعلى كل حال فلا فرق في الصحة بالثالث بين أن يكون قد نوى الخروج أولا بأن جدد النية ثالثا وقرنها بالتكبير ، بل قيل : ولا بين أن يكون علم البطلان بالثاني أو لا ، لأنه لم يزد شيئا في الصلاة وإن زعم أنه زاد ، وهو كذلك إلا إذا فرض بحيث تذهب النية معه ، ولعل ذلك هو المدار ، والله أعلم بحقيقة الحال.

ويجب أن يكبر للإحرام قائما ، فلو كبر قاعدا مع القدرة أو وهو‌

٢٢٢

آخذ في القيام لم تنعقد صلاته للأصل في وجه والصلوات البيانية (١) وإطلاق ما دل على اعتبار القيام في الصلاة التي لا إشكال في جزئية تكبيرة الإحرام لها كقوله عليه‌السلام في الصحيحين (٢) : « من لم يقم صلبه فلا صلاة له » وقوله عليه‌السلام (٣) : « الصحيح يصلي قائما » ونحو ذلك ، ضرورة عدم صدق قيام الصلب في جميع الصلاة على من تركه حال التكبيرة ، اللهم إلا أن يدعى إرادة اعتبار قيام الصلب في الجملة من مثل هذه العبارة لإخراج صلاة القاعد مثلا ، وهو لا يخلو من نظر ، على أنه لو سلم ذلك في مثل هذا التركيب فلا يسلم في مثل التركيب الثاني ونحوه ، وخصوص‌ الصحيح (٤) « إذا أدرك الامام وهو راكع وكبر الرجل وهو مقيم صلبه ثم ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك الركعة » والموثق (٥) عن الصادق عليه‌السلام قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل سها خلف الامام فلم يفتتح الصلاة قال : يعيد الصلاة ، ولا صلاة بغير افتتاح ، وعن رجل آخر عليه صلاة من قعود فنسي حتى قام وافتتح الصلاة وهو قائم ثم ذكر قال : يقعد ويفتتح الصلاة وهو قاعد ، وكذلك إن وجب عليه الصلاة من قيام فنسي حتى افتتح الصلاة وهو قاعد فعليه أن يقطع صلاته ويقوم فيفتتح الصلاة وهو قائم ، ولا يعتد بافتتاحه وهو قاعد » بل قد يظهر منه كغيره أيضا اعتبار سبق القيام على التكبير كما هو مقتضى المقدمة أيضا ، فلا يكفي مقارنة التكبير لأول مصداق القيام حينئذ.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ١ و ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

(٥) التهذيب ج ٢ ـ ص ٣٥٣ ـ الرقم ١٤٦٦ من طبعة النجف.

٢٢٣

كما أنه منه ومن الموثق الآخر (١) يستفاد أن القعود كالقيام مع فرض وجوبه وهو كذلك ، بل قد يلحق بذلك باقي الأحوال ، ضرورة اشتراك الجميع في كون كل منها بدلا واقعيا كالتيمم بدل الوضوء ، فلا يجزي ولو مع النسيان لعدم الخطاب به بل لعل التأمل الجيد في هذه النصوص يقتضي اعتبار ما يعتبر في القيام من الإقلال ونحوه في التكبيرة كما أومأ إليه الطباطبائي فيما تسمعه ، فيكون ذلك كالشرط في التكبير ولا مانع من كون الشي‌ء جزءا من جهة وشرطا من جهة أخرى ، ولا ينافي ذلك عدم بطلان القراءة بنحو ذلك نسيانا ، لأن أقصاه فوات القراءة نسيانا بفواته ، وفواتها غير قادح لعدم كونها ركنا ، بخلاف التكبيرة والقيام المتصل بالركوع مثلا ، على أنه يمكن أن يقال : إن القيام والطمأنينة فيه مثلا واجبان حال القراءة مثلا لا شرطان لها ، ويتفرع على ذلك حينئذ عدم وجوب إعادة القراءة لو تركهما فيها ناسيا لفوات المحل باعتبار أن إعادتهما يقتضي إعادة القراءة جديدا ، وقد امتثل الأمر بها ، ولا أمر جديد بها ، نعم لو قلنا بشرطية ذلك فيها على وجه ينعدم المشروط بانعدامهما ولو نسيانا اتجه حينئذ التدارك ، لعدم إجزاء ما وقع منه أولا ، وذلك محتاج إلى التأمل التام في الأدلة لاستنباط الأمر المزبور الذي مقتضى الأصل عدمه بناء على الأعمية ، فتأمل جيدا.

وكيف كان فمن إطلاق النصوص السابقة وأكثر الفتاوى وصريح البعض يستفاد أنه لا فرق في ذلك بين العمد والنسيان ، ولا بين المنفرد والمأموم ، بل لا خلاف أجده فيه كأصل الحكم الذي نقل الإجماع عليه في المحكي من إرشاد الجعفرية وغيره إلا ما يحكى عن الشيخ في المبسوط والخلاف من أنه إن كبر المأموم تكبيرة واحدة للافتتاح والركوع وأتى ببعض التكبير منحنيا صحت صلاته ، ولا ريب في ضعفه ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ١.

٢٢٤

وأضعف منه استدلاله عليه بأن الأصحاب حكموا بصحة هذا التكبير وانعقاد الصلاة به ، ولم يفصلوا بين أن يكبر قائما أو يأتي به منحنيا ، فمن ادعى البطلان احتاج إلى الدليل ، إذ هو مع أنه لا يتم على القول بالإجمال مدفوع بأنك قد عرفت الدليل ، بل مقتضى المقدمة التربص للمأموم في الجملة حتى يعلم وقوع التكبير تاما معه ، ولو أنه تمسك بما ورد (١) في خصوص المأموم والرخصة في المشي له لإدراك الامام ونحوه مما جاز لتحصيل فضيلة الجماعة لكان له وجه في الجملة وإن كان ضعيفا أيضا ، لعدم ظهور شي‌ء من الأدلة في سقوط خصوص القيام لذلك ، بل أقصاه عدم الاستقرار ، والفرض انتفاء مسمى القيام ، اللهم إلا أن يراد بالقيام الوقوف السكوني الذي ينافيه المشي والاضطراب والقعود وغيرها كما تسمعه إن شاء الله في مبحثه ، ولعله عليه بنى العلامة الطباطبائي في منظومته البطلان فيما لو سها وكبر غير مستقر أو ركع عن قيام لا استقرار فيه ، بناء على دوران ركنية القيام على ما يقارنه أو يتصل به من الأركان فقال :

وتارك القرار سهوا لم يعد

إلا إذا بتركه ركن فقد

كالمشي في تكبيرة الإحرام

وفي محل الركن من قيام

وفيه أنه بعد التسليم لا يتم بناء على حرمة القياس ، ضرورة كون مورد الدليل المأموم مع عدم ظهوره في جواز التكبير غير مستقر أو غير مطمئن ، بل ربما كان فيه إيماء إلى خلافه ، ومرسل الجر (٢) لا دلالة فيه على فعل ذلك حال التكبير ونحوه مما يعتبر فيه الطمأنينة ، ومن هنا قال في الذكرى : لم نعرف مأخذه ، نعم قال في الفرض : هل ينعقد نافلة؟ الأقرب المنع ، لعدم نيتها ، ووجه الصحة حصول التقرب والقصد إلى الصلاة والتحريم بتكبيرة لا قيام فيها ، وهي من خصائص النافلة ، ولا يخفى عليك ما في الوجه الثاني ، كما لا يخفى عليك أنه لا حاجة إلى البحث في اعتبار القيام حال النية وعدمه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٤.

٢٢٥

بعد أن اعتبرنا مقارنة النية للتكبير الذي أثبتنا اعتبار القيام فيه ، فكل مقام يتصور البطلان فيه لفقد القيام في النية يحصل فيه فقده حال التكبير ، اللهم إلا أن يقال : إنه بناء على أنها عبارة عن الحديث الذكري قد يتصور انفكاكها عنه بحصولها حال عدم الاعتدال مثلا إلى آخر جزء من التصور فاعتدل وكبر ، نعم لو قيل ببساطتها بناء على ذلك أيضا لم يتصور ثمرة للبحث حينئذ ، وهو لا يخلو من وجه ، لكن لما كانت عندنا عبارة عن الداعي الذي لا يتصور فيه ذلك سهل الخطب ، مع أنه لا ينبغي التأمل في اعتبار القيام فيها بناء على أنها جزء من الصلاة ، لبعض ما سمعته في التكبير ، والله أعلم.

هذا كله في الواجب في التكبيرة ، وأما المسنون فيها فأمور وإن اقتصر المصنف منها على أربع :

أحدها أن يأتي بلفظ الجلالة من غير مد بين حروفها جمعا بين الرجحان المستفاد من تعارف التلفظ بهذه الصورة المأخوذة يدا عن يد وبين جواز الجريان على القانون العربي لجواز الإشباع في الهمزة ونحوها من الحروف المتحركة في لغة العرب بحيث ينتهي إلى الحروف كما اعترف به في المنتهى ، وإن كان هو غالبا في الضرورات ونحوها من المسجعات وما يراعى فيه المناسبات ، إلا أنه ظاهر في أنه لا يكون لحنا وإن كان في السعة ، بل في الحدائق أنه شائع في كلام العرب ، فتدبر ، ولجواز المد في الألف كما عن جامع المقاصد التصريح به ، بل عن المقاصد العلية وإن طال ، ولعله هو المراد في استحباب تركه كما عن جماعة التصريح به ، لا المد الطبيعي الذي لا بد منه في التلفظ بالألف ، بل عن الفوائد الملية أنه لا يجوز تركه ، كما عن بعض القراء استحسانه بقدر ألفين ، هذا.

ولكن قد يناقش بأن الموافق لما ذكروه سابقا ـ مما يقتضي المحافظة على الصورة المتلقاة ، وأنه لا يجوز تغييرها بوجه من الوجوه وإن وافق القانون العربي حتى لم يجوزوا الفصل بلفظ « تعالى » ولا إضافة من كل شي‌ء ونحو ذلك ـ الوجوب لا الندب‌

٢٢٦

بناء على أن المستند فيه ما عرفت ، على أن دعوى جريان الإشباع في الحركات بحيث ينتهي إلى الحروف في السعة محل منع ، ولذا صرح الفاضل في بعض كتبه والشهيدان والعليان وغيرهم بالبطلان مع مد الهمزة في لفظ الجلالة بحيث ينتهي إلى ألف وتشتبه بالاستفهام وإن لم يكن مقصودا ، كما صرح به بعض هؤلاء حتى الفاضل منهم ، خلافا للمنتهى والتحرير فقصراه في المحكي عنهما على ما إذا قصد الاستفهام ، ضرورة بنائهم ذلك على عدم جريانه على القانون العربي كما لا يخفى على من لاحظ وتدبر ، وربما يؤيده كيفية الكلام الآن في العرف وإنكاره نحو تلك الكيفية ، والظاهر اتحاده مع اللغة في ذلك وأنه ما تغير ، على أنه إن كان مبناه المحافظة على الصورة يتم المطلوب الذي هو المناقشة في جواز المد ، وكأنه لذلك نزل الشراح نحو العبارة على المد بالنسبة للألف أو على ما يشمل الهمزة ، لكن لا بحيث يبلغ الحرف ، ولا ريب أن الأحوط بل الأولى عدم ذلك كله ، بل وعدم المد أيضا في ألف لفظ الجلالة ، خروجا عن خلاف صريح الرياض وظاهر المحكي عن المبسوط ، وجمودا على المتيقن من الصورة في الفراغ من الشغل ، وإن كان الذي يقوى في النظر جواز المد هنا ، وفاقا للمشهور نقلا إن لم يكن تحصيلا ، إلا أن يخرق المعتاد في مثل هذه التكبيرة ، ولعل وجه الاستحباب حينئذ حسن الاحتياط ، لاحتمال اعتبار الشارع هذه الصورة التي ترك فيها المد وإن كان هو جاريا على القانون العربي ، ومثل هذا الاحتمال ـ بعد ان لم يعلم من الشارع ملازمته لترك المد ، وفرض موافقته للقانون الذي يجري في باقي أذكار الصلاة ـ يصلح وجها للاستحباب لا الحتم ، والإلزام ، ومنه بعد التأمل يعلم حينئذ اندفاع ما ذكر في أول المناقشة وإن كانت هي في خصوص الهمزة متجهة باعتبار إمكان منع جريانها على القانون مع المد فيها ، فتأمل جيدا.

كما أن من ذلك كله يعلم الوجه في الثاني من الأربع وهو الإتيان بلفظ‌

٢٢٧

أكبر على وزن أفعل من غير إشباع مد لهمزتها وبأيها إما بحيث لا يصل إلى حد الحرف أو مع وصوله على الوجهين أو القولين ، والتحقيق ما ذكرناه من عدم جواز ذلك بحيث يؤدي إلى الحرف ، وفاقا للمشهور إما للمنع من موافقة القانون كما يشهد له العرف ، وكيف و « أكبار » جمع كبر بالفتح ، وهو الطبل ، أو للمحافظة على الصورة المعهودة المتعارفة المتلقاة يدا عن يد ، ومقتضاهما معا أنه لا فرق بين قصد الجمع في « أكبار » وعدمه كما هو ظاهر جماعة وصريح آخرين ، فما عن المعتبر والمنتهى والتحرير من الفرق في « أكبار » بين قاصد الجمع وعدمه نحو ما سمعته في همزة لفظ الجلالة فيه ما لا يخفى ، نعم لا يبعد الجواز إذا لم يصل إلى حد الحرف ، ولعله هو المراد لمن عبر بالاستحباب ، ووجهه حينئذ ما عرفت ، والله أعلم.

والثالث أن يسمع الامام من خلفه تلفظه بها على المشهور بين الأصحاب بل لم يعرف في المنتهى خلافا فيه ، لما ورد مما هو مذكور في باب الجماعة من أنه ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كل شي‌ء يقوله ، والمناقشة بأنه لا يتصف بالإمامة حالها يدفعها ظهور العبارة فيما تتناول مثله ممن هو مشرف عليها ، كما يومي اليه إطلاق ذلك عليه في كثير من النصوص ، منها‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح الحلبي (١) الذي استدل به على خصوص المقام « وإن كنت إماما فإنه يجزيك أن تكبر واحدة تجهر فيها وتسر ستا » وإن كان قد يناقش فيه بأن ظاهر لفظ « يجزيك » فيه أنه أقل المجزي مع أنه لا فرد أكمل من ذلك للإمام ، اللهم إلا أن يقال : إن المراد منه هنا بقرينة غيره أن هذا هو المجزي لا غيره ، ومقتضاه الوجوب لو لا الإجماع ظاهرا ، ولفظ « ينبغي » فيما سمعته ، وقد يناقش أيضا بأن الجهر أعم من إسماع المأمومين ، ويدفعه أنه هو المراد منه على الظاهر خصوصا مع تأيده بالاعتبار ، ضرورة أن الغرض من جهرة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ١.

٢٢٨

بالواحدة وأسرار الباقي الاقتداء به ، لعدم الاعتداد باحرامهم قبل إحرامه.

ومنه يعلم حينئذ استحباب الإخفات في غيرها ، كما يشهد له أيضا‌ خبر الحسن ابن راشد (١) سأل الرضا عليه‌السلام « عن تكبيرة الافتتاح فقال : سبع ، قلت : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه كان يكبر واحدة يجهر فيها فقال : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يكبر واحدة يجهر بها ويسر ستا » بل قد يستفاد كراهة الجهر بغيرها من‌ خبر أبي بصير (٢) عن الصادق عليه‌السلام أيضا « إذا كنت إماما لم تجهر إلا بتكبيرة » بناء على إرادة النهي من النفي فيه ، ومفهومه يقتضي الرخصة في الجهر بأزيد من التكبيرة لغير الإمام ، إلا أنه خرج عنه بالنسبة للمأموم للأدلة الدالة على النهي عن إسماعه الإمام شيئا مما يقوله ، فيبقى المنفرد حينئذ ، ويثبت جواز الجهر له بالجميع والاسرار به والتلفيق ، وهو الذي صرح به غير واحد لإطلاق الأدلة ، فما يحكى عن الجعفي من استحباب رفع الصوت بها مطلقا مستنده غير واضح عدا ما سمعته من المحكي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو بيان للفعل الذي لا عموم فيه فيحتمل وقوعه كما هو الغالب جماعة ، ولا دلالة في شي‌ء من المفهوم المزبور ، كمفهوم صحيح الحلبي ، فتأمل جيدا.

والمستحب الرابع أن يرفع المصلي بها يديه على المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا ، بل نفي الخلاف فيه بين العلماء عن المعتبر ، وبين أهل العلم عن المنتهى ، وبين علماء أهل الإسلام عن جامع المقاصد ، بل عن الأمالي أن من دين الإمامية الإقرار به ، خلافا للمرتضى فأوجبه فيما حكي عن انتصاره فيها وفي كل تكبيرات الصلاة مدعيا عليه إجماع الطائفة ، ولعله أراد به شدة الاستحباب بقرينة نقله الإجماع عليه ، وهذا مظنته لا الوجوب بالمعنى المصطلح ، إذ لم نعرف أحدا وافقه من قدماء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ٤.

٢٢٩

الأصحاب ومتأخريهم سوى ما يحكى عن الكاتب في خصوص تكبيرة الإحرام ، نعم ربما مال اليه بعض متأخري المتأخرين كالاصبهاني في كشفه ، والكاشاني في مفاتيحه ، والبحراني في حدائقه ، لظاهر الأوامر كتابا (١) وسنة (٢) التي لا معارض لها إلا الأصل الذي يجب الخروج بها عنه.

وفيه أنه لا يخفى على الخبير الممارس لأخبارهم عليهم‌السلام المتنبه لكيفية محاوراتهم ولما يومون إليه في تعبيراتهم ظهور هذه الأوامر في الندب ، خصوصا مع ملاحظة فهم الأصحاب وشيوع الأمر في الاستحباب ، مضافا إلى إشعار جملة من نصوص المقام به ، كالخبر (٣) المروي عن مجمع البيان الوارد في تفسير قوله تعالى (٤) : ( وَانْحَرْ ) « لما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لجبرئيل : ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي فإنه قال له : ليست نحيرة ، ولكنه يأمرك إذا تحرمت الصلاة أن ترفع يديك إذا كبرت وإذا ركعت وإذا رفعت رأسك من الركوع ، وإذا سجدت ، فإنه صلاتنا وصلاة الملائكة في السماوات السبع ، وإن لكل شي‌ء زينة وإن زينة الصلاة رفع الأيدي عند كل تكبيرة » وك‌ قول الصادق عليه‌السلام لزرارة (٥) : « رفع يديك في الصلاة زينتها » وكقوله عليه‌السلام (٦) أيضا‌ وعلي عليه‌السلام (٧) : « إن رفع اليدين هو العبودية » وك‌ قول الرضا عليه‌السلام للفضل (٨) : « انما رفع اليدان بالتكبير لأن رفع اليدين ضرب من الابتهال والتبتل والتضرع ، فأحب الله عز وجل أن يكون العبد في وقت ذكره له متبتلا متضرعا مبتهلا ، ولأن في رفع اليدين إحضار النية وإقبال القلب على ما قصد » وزاد في المحكي عن العلل « ولأن الغرض من الذكر‌

__________________

(١) سورة الكوثر ـ الآية ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ١٤.

(٤) سورة الكوثر ـ الآية ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٤.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٣.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٨.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ١١.

٢٣٠

انما هو الاستفتاح ، وكل سنة فإنما تؤدى على جهة الفرض ، فلما أن كان في الاستفتاح الذي هو الفرض رفع اليدين أحب أن يؤدي السنة على جهة ما يؤدى الفرض » وك‌ صحيح علي بن جعفر (١) عن أخيه عليه‌السلام « على الامام أن يرفع يده في الصلاة ، ليس على غيره أن يرفع يده في الصلاة » ضرورة وجوب حمله على تأكد الاستحباب وإلا كان مطرحا ، وك‌ خبر معاوية بن عمار (٢) عن الصادق عليه‌السلام أيضا في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام « وعليك برفع يديك في صلاتك وتقلبهما » بناء على إرادة الرفع للتكبير منه لا القنوت ، لغلبة وصيته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له عليه‌السلام بالمندوبات ، بل من المستبعد وصيته بالواجبات لعلو مرتبته عن تركها ، كما يومي اليه زيادة على ذلك استقراء وصاياه له بها ، ومضافا إلى إشعار سلكه في غيره مما علم ندبيته ، على أن إرادة الندب من هذه الأوامر أولى من التجوز فيها بإرادة الواجب الشرعي منها بالنسبة إلى تكبيرة الإحرام والشرطي في غيرها ، لشيوع المجاز الأول شيوعا لا يعارضه غيره ، حتى قيل : إنه مساو للحقيقة ، واحتمال إرادة وجوب الرفع في نفسه أو وجوب جميع تكبير الصلاة في غاية الضعف ، وبالجملة لا يكاد يخفى على السارد للأخبار هنا ـ بعد فرض كونه من أهل اللسان والمعرفة بأخبارهم عليهم‌السلام والمهتدين في ظلمة الضلال بأنوارهم ـ أن المراد من هذه الأوامر الاستحباب ، والله أعلم.

وكيف كان فليكن الرفع ليديه إلى حذاء أذنيه أي شحمتيهما ، لأنهما أول الغاية كما هو معقد المحكي من إجماع الخلاف وعبارة كثير من الأصحاب ، بل هو نص المحكي من عبارة فقه الرضا عليه‌السلام (٣) والمنسوب إلى رواية في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ٨.

(٣) فقه الرضا عليه‌السلام ص ٧.

٢٣١

المحكي عن المعتبر وغيره ، بل لعله المستفاد من النهي في النصوص (١) المعتبرة عن مجاوزة الأذنين المحمول عند بعض الأصحاب على الكراهة ، مع أن مقتضى أصالة الحقيقة واعتبار الرواية الحرمة ، لعدم المعارض إلا الأصل الذي لا يعارض الدليل ، ولعله هو ظاهر المحكي عن المقنعة وجمل السيد والمراسم ، وهل المكروه أو المحرم حينئذ المجاوزة ، لتحقق المأمور به وصدق الامتثال قبلها ، أو مجموع الرفع ، لاختلاف الهيئة وكونه رفعا واحدا عرفا؟ وجهان ، أقواهما الأول ، ولعل بناء الكراهة على الثاني كي يكون حينئذ من مكروه العبادة ، وهو كما ترى ، فتأمل.

أو يكون الرفع أسفل من الوجه قليلا كما فعله الصادق عليه‌السلام على ما رواه معاوية بن عمار (٢) وروى صفوان بن مهران (٣) انه رآه يرفعهما حتى يكاد يبلغ أذنيه ، ولعله اليه يرجع ما في كثير من الروايات من الرفع حذاء الوجه (٤) أو حياله (٥) أو قباله (٦) أو حيال الخدين (٧) وإلا كان فردا آخرا ، كما أن الأمر به إلى النحر المروي في المرسل (٨) عن علي عليه‌السلام في تفسير قوله تعالى ( وَانْحَرْ ) كذلك إن لم يكن الأسفل من الوجه راجعا اليه ، وإلا اتحد معه ، لكن في أكثر النصوص بل لم يعثر في الحدائق على خبر فيه الرفع إلى النحر تفسيره بحذاء الوجه ، ولعله لأنهما حالة رفعهما إلى حذاء الوجه يحيطان بالنحر الذي هو موضع القلادة وأعلى الصدر.

وبالجملة إن لم يرجع جميع ما في هذه النصوص إلى شي‌ء واحد كان المتجه التخيير مع تفاوت مراتب الاستحباب أو بدونه ، عملا بالجميع لعدم المنافاة ، وعدم ثبوت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام الحديث ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ١.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ٢.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام الحديث ١٥.

٢٣٢

التكليف بكيفية واحدة الرفع ، فأعلاها الرفع إلى الأذنين ، وأسفلها النحر ، وظاهر الأستاذ في كشف الغطاء التخيير من دون تفاوت في الفضيلة ، قال : « ويستحب فيها كغيرها من التكبيرات رفع اليدين إلى شحمتي الأذنين أو المنكبين أو الخدين أو الأذنين أو الوجه أو النحر » لكن لا يخفى عليك دخول البعض في البعض ، وأنه لا دليل على المنكبين وإن حكي عن الحسن بن عيسى أنه جعله أحد الفردين والثاني الخدين ، اللهم إلا أن يكون الدليل ما يحكى عن الشيخ من نسبته إلى رواية عن أهل البيت بعد أن حكاه عن الشافعي ، للتسامح في المستحب ، والأمر سهل بناء على أن ذلك كله مستحب في مستحب عملا بإطلاق الأمر بالرفع الذي لا ينبغي حمله على المقيد فيها ، لعدم التعارض والتنافي المقتضي لذلك ، بخلافه في الواجبات ، اللهم إلا أن يدعى أنه ـ بناء على التحقيق من عدم التجوز في حمل المطلق على المقيد ، وان المراد من المطلق مطلق الطبيعة التي لا تنافي المقيد لا الطبيعة المطلقة ـ يفهم أهل العرف اتحاد الطلب المتعلق بهما ، وأن التقييد إعادة ذلك الطلب الذي تعلق في الطبيعة مع ذكر القيد لا أنه مرتبة أخرى من الطلب حتى يكون ذلك أمرين لا تعارض بينهما بسبب تفاوت مراتب الطلب ، بخلاف الوجوب ، ولعل هذا هو الأقوى في أصل القاعدة التي لا ينبغي الخروج عنها إلا بظاهر الأدلة ، وربما كان المقام منها بدعوى ظهورها في عدم اعتبار ذلك في أصل استحباب الرفع كما يومي اليه في الجملة أيضا الأمر به (١) من دون تكبير لرفع الرأس من الركوع ، بل لعل ظاهر الأدلة أيضا عدم اعتبار أصل الرفع في استحباب التكبير.

بل قد يقال بعدم اعتبار معية اليدين فيه أيضا ، إما لأن المثنى بالنسبة إلى فرديه كالعام ، أو لإطلاق بعض الأدلة أو غير ذلك وإن كان لا يخلو من إشكال‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٢ و ٣.

٢٣٣

لاحتمال اعتبار الهيئة ، فتأمل ، بل قد يدعى استفادة رجحان الرفع أيضا في نفسه في حال الخطاب بالتكبيرة من غير اعتباره أي التكبير فيه شرطا خصوصا من نحو التعليل الوارد عن الرضا عليه‌السلام المتقدم سابقا ، فلاحظ وتأمل ، ولعله على ذلك بنى بعض الأصحاب كراهة مجاوزة الأذنين والرأس في الرفع ، لكونه فردا من المستحب الذي يجب حمل النهي فيه على الكراهية بمعنى أقلية الثواب لا غيره وإن كان فيه نظر كالنظر فيما دل على النهي عن تجاوز الرأس بالخصوص ، إذ ليس هو إلا‌ المرسل (١) المروي في بعض كتب الفروع لأصحابنا « انه مر علي عليه‌السلام برجل يصلي وقد رفع يديه فوق رأسه فقال : مالي أرى قوما يرفعون أيديهم فوق رؤوسهم كأنها آذان خيل شمس » والظاهر أنه عامي ، وعن بعضهم إبدال « آذان » بأذناب ، وإرادة القنوت منه الذي ورد النهي عنه في‌ خبر أبي بصير (٢) عن الصادق عليه‌السلام أظهر ، قال : « إذا افتتحت الصلاة فكبرت فلا تجاوز أذنيك ، ولا ترفع يديك بالدعاء في المكتوبة تجاوز بهما رأسك » لكن العامة لما لم يشرع القنوت عندهم في الصلاة لم يكن لهم بد من حمل المرسل المزبور عندهم على الرفع في التكبير مثلا ، لكن ومع ذلك كله فينبغي تركه في التكبير وفي القنوت في الفريضة ، بل وفي مطلق الدعاء فيها.

ثم إنه قد يدعى ظهور المتن وغيره ممن عبر كعبارته فيما هو المشهور بين الأصحاب بل عن المعتبر والمنتهى نسبته إلى علمائنا مشعرا بدعوى الإجماع عليه من أنه يبتدى في التكبير بابتداء رفع يديه وينتهي بانتهائه ويرسلهما بعد ذلك ، لأنه هو معنى الرفع بالتكبير كما اعترف به في الحدائق إلا أنه أنكر وجود نص بهذه العبارة ، وفيه ان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ٤ وفيه « عن على عليه‌السلام ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مر برجل ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ٥.

٢٣٤

النص موجود ، ولكن دعوى أن هذا هو المعنى لا يخلو من نظر ، اللهم إلا أن يراد تمام الرفع المطلوب ملاصقا للتكبير أو مصاحبا له فيكون نحو قولك : « سر بزيد إلى البصرة » فتأمل. نعم لا ريب في أنه قد يستفاد منه المقارنة العرفية في الابتداء ، بل لعله يستفاد من لفظ حين وإذا وعند ونحوها في غيره من النصوص (١) كما أنه ينبغي القطع بعدم اعتبار المطابقة ابتداء ووسطا وانتهاء ، لإطلاق الأدلة والسيرة القطعية وعدم تيسرها في غالب الأوقات ، ولقد أجاد العلامة الطباطبائي في قوله :

والاقتران فيه يكفي مطلقا

فالانطباق قل أن يتفقا

وإن كان الظاهر إرادة الابتداء والانتهاء من الاقتران فيه بدليل قوله قبل ذلك بلا فصل :

يبدأ بالتكبير حين ما رفع

وينتهي بالانتهاء ثم يضع

وكيف كان فالأمر سهل بناء على أن ذلك مستحب في مستحب ، ضرورة ظهور الأدلة في أن الأمر أوسع من ذلك كما لا يخفى على من لاحظ مضامينها على حسب نظائرها من مضامين خطابات أهل العرف التي لا تبتنى على نحو هذه التدقيقات ، فتأمل جيدا.

وأما ما قيل من أن الوظيفة فيه أن يبتدئ بالتكبير حال إرسال اليدين فلم أعرف له نصا صريحا أو ظاهرا ظهورا معتبرا فيه ، اللهم إلا أن يدعى ظهوره من‌ صحيح الحلبي أو حسنته (٢) المتقدمة « إذا افتتحت الصلاة فارفع يديك ثم ابسطهما بسطا ثم كبر ثلاث تكبيرات » بناء على أن المراد إذا أردت أن تفتتح الصلاة ، وأن المراد بالبسط الإرسال ، وان الافتتاح بهذه التكبيرات الثلاثة لا بتكبيرة سابقه عليها ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ١ و ٢ و ١٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ١.

٢٣٥

وإلا كانت التكبيرات ثمانية ، لذكره أربعة أخر في الخبر المزبور بعد ذلك ، فلاحظ ، لكنه كما ترى.

ومن هنا جعله في الحدائق ظاهرا في القول الثالث ، وهو أن يكبر بعد تمام الرفع ، ثم يرسل يديه مدعيا أن المعنى إذا أردت أن تفتتح الصلاة فارفع يديك وكبر ثم ابسطهما بسطا أي أرسلهما ثم كبر ثلاث تكبيرات ، نحو قوله تعالى (١) ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) أي وصلوا ، وإن أريد من البسط فتح باطن الكف مقابل ضمه قدر الأمر بالافتتاح حينئذ بعده ، لأنه هو حينئذ مع رفع اليدين جواب الشرط ، وكأنه بناه على ما فهم من خصوص هذا الصحيح في المسألة السابقة من أن تكبيرة الافتتاح فيه سابقه على هذه الثلاثة ، وفيه ما عرفت من صيرورة التكبيرات حينئذ ثمانية ، والأولى حمل الخبر المزبور على عدم إرادة الترتيب من « ثم » فيه ، وأن المراد من البسط فتح الكف فيه ، وأن التكبيرات الثلاثة هي الافتتاح المذكور أولا ، فيكون كغيره حينئذ من النصوص إذا افتتحت الصلاة بأن كبرت فارفع يديك ، ويكون الشرط حينئذ ظرفا للجواب من غير حاجة إلى تقدير الإرادة ، لعدم المقتضي ، بخلافه في الآية الشريفة ، ومن ذلك يظهر لك ما في كلامه أيضا من أنه كالصحيح المزبور في هذا الظهور‌ صحيح صفوان (٢) « إذا كبر في الصلاة رفع يديه حتى يكاد يبلغ أذنيه » ضرورة ظهور هذا الصحيح في إرادة الرفع وقت التكبير لا إرادته كي يكون سابقا عليه في الزمان ، فتأمل. ولو سلم دلالته أو سابقه على ذلك كان المتجه التخيير بين الكيفيتين جمعا بين النصوص.

ثم إن الظاهر استحباب ضم ما عدا الإبهام من الأصابع ، بل قيل : إن ظاهرهم‌

__________________

(١) سورة المائدة ـ الآية ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ١.

٢٣٦

الاتفاق عليه ، والخلاف في الإبهام ضما وتفريقا ، ولعله لظاهر خبر حماد (١) المشتمل على تعليم الصلاة ، فإنه وإن لم يذكر الرفع فيه إلا أنه قد اشتمل على أنه عليه‌السلام قام مستقبل القبلة منتصبا فأرسل يديه جميعا على فخذيه قد ضم أصابعه ، والظاهر بقرينة أنه عليه‌السلام أراد وصف الصلاة التامة الحدود أن ذلك مقدمة للرفع ، إذ من المستبعد عدمه فيها ، وليس هو مستحبا قبله وقبل الدخول في الصلاة ، مضافا إلى ما عساه يفهم من المحكي عن الذكرى من أنه منصوص ، إذ ليس ما يحكيه إلا كما يرويه ، قال : ولتكن الأصابع مضمومة ، وفي الإبهام قولان ، وفرقه أولى ، واختاره ابن إدريس تبعا للمفيد وابن البراج ، وكل ذلك منصوص ، وإلى‌ المروي عن أصل زيد النرسي (٢) « أنه رأى أبا الحسن الأول عليه‌السلام إذا كبر في الصلاة ألزق أصابع يديه الإبهام والسبابة والوسطى والتي تليها ، وفرج بينها وبين الخنصر » وإن كان ذيله شاذا كما اعترف به العلامة الطباطبائي في منظومته ، إذ هو لا ينافي العمل بغيره حتى في ضم الإبهام ، لعدم المعارض المقاوم له بالنسبة اليه وإن كان لا يخلو من إشكال أيضا ، ولذا قال العلامة الطباطبائي :

وليس يخلو الحكم في الإبهام

في الضم والقبلة من إبهام

ومراده من القبلة الاستقبال ، لأنه ورد في النص (٣) الأمر باستقبال القبلة بباطن الكف حال الرفع ، وفي شموله للإبهام حينئذ تأمل.

ثم لا يخفى عليك جريان هذه الأحكام بل وغيرها من قيام الترجمة ونحوها في الواجب والمندوب من التكبير ، كما لا يخفى عليك جريان الأحكام السابقة لتكبيرة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة ـ الحديث ١.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ـ الحديث ٦.

٢٣٧

الإحرام على إبدالها من الترجمة وإشارة الأخرس وغيرها وإن لم يرد في النصوص التصريح بلفظ البدلية ، لكنه متفق عليه بحسب الظاهر ، والله أعلم.

( الواجب الثالث )

من أفعال الصلاة كتابا (١) وسنة متواترة وإجماعا بقسميه.

( القيام )

واحتمال شرطية القيام لسائر أجزاء الصلاة كالاستقبال والطهارة فلا وجوب له إلا غيري مخالف لظاهر بعض النصوص (٢) وسائر الفتاوى والإجماعات المحكية وإن كان ربما يشهد له بعض الشواهد‌ وكيف كان فـ ( ـهو ركن ) في كل ركعة من ركعات الصلاة مع القدرة ، فمن أخل به فيها فجاء بها بدونه عمدا أو سهوا بطلت صلاته إجماعا محصلا ومنقولا مستفيضا أو متواترا ، وهو الحجة في الخروج عن إطلاق ما دل على اغتفار السهو في الصلاة من‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) : « رفع عن أمتي الخطأ والنسيان » المحمول على أقرب المجازات لحقيقة الرفع ، وهو الإثم والفساد ، وقاعدة أولوية الله بالعذر في كلما يغلب عليه التي ورد (٤) فيها أنه ينفتح منها ألف باب ، وقوله عليه‌السلام (٥) : « تسجد سجدتي السهو لكل زيادة ونقيصة » الظاهر في الصحة مع كل منهما ، وقوله عليه‌السلام (٦) : « لا تعاد الصلاة إلا من‌

__________________

(١) سورة آل عمران ـ الآية ١٨٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب القيام.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ الحديث ٩.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٥.

٢٣٨

خمسة » إن لم نقل باعتبار الانحناء من القيام في مسمى الركوع مطلقا أو في الفريضة ، وإلا فلا حاجة حينئذ إلى تقييدها بما عرفت ، بل لعله كذلك على كل حال ، ضرورة ندرة نسيان القيام دون الركوع ندرة لا يحمل عليها النص المزبور ، فلعله ترك ذكر القيام فيه لذلك ، كالمحكي عن الحسن بن عيسى ونهاية الشيخ وابن زهرة وسلار ، على أن التعارض بين ما دل على اعتبار القيام في الصلاة مثل‌ قوله (ع) (١) : « من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له » وغيره وبين الإطلاقات السابقة تعارض العموم من وجه ، إذ دعوى ظهور هذه الأدلة في العمد محل منع ، ولا ريب في ترجيح المقام ، لأقلية أفراده والإجماعات وقاعدة انتفاء المركب بانتفاء بعض أجزائه وغير ذلك.

والمعروف في الركن هو ما يبطل زيادته ونقصه الصلاة عمدا وسهوا ، بل عن المهذب البارع نسبته إلى الفقهاء ، لكن ظاهر المتن وغيره ممن عبر كعبارته في المقام وغيره الاكتفاء في إطلاق الركن بالثاني ، بل عن جامع المقاصد والروض نسبته إلى أصحابنا ، بل لعل ذلك خاصة هو مقتضى القاعدة السابقة دون الزيادة التي جاء بها المكلف في أثناء العمل لا أول النية ، إذ دعوى كون الأصل فيها البطلان ، لأن العبادة من المركبات كمعاجين الأطباء التي يقدح كل منهما فيها مبنية على أنها اسم للصحيح الذي هو مجمل ، ولم تف الأدلة في بيانه ، وأنه يجب على المكلف الإتيان بما يعلم وجود الصحيح فيه ، وهو كما ترى فساد في فساد.

نعم قد يستند في بطلان الزيادة إلى إطلاق‌ الصحيح (٢) « من زاد في صلاته فعليه الإعادة » ونحوه ، وهو مع ظهوره في العمد يحتمل إرادة الركوع أو الركعة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب القيام ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ـ الحديث ٢.

٢٣٩

بقرينة غيره من النصوص (١) الواردة بهذا اللفظ مع التقييد بالركعة ، بل قد يظهر من مفهوم بعضها (٢) عدم البطلان بغيرها من السجدة ونحوها ، وكونه تشريعا في أثناء العمل ـ مع أنه أيضا انما يتم في العمد خاصة ـ لا يقتضي إلا الإثم دون الفساد ، خصوصا في التشريع بالخصوصية بعد فرض مشروعية الكلي كالذكر والدعاء ونحوهما ، فدعوى أن الأصل في الزيادة مطلق الابطال عمدا أو سهوا محل منع بناء على المختار من أن الصلاة اسم للأعم ، كدعوى ظهور الأدلة الواردة في بيان الصلاة في أنها عبارة عن هذه الأجزاء التي لا تزيد ولا تنقص ، ضرورة عدم دلالتها على أزيد من أن الصلاة عبارة عن الأجزاء المعلومة التي يصدق الإتيان بها مع الزيادة عليها أيضا ، وتشبيهها بالمعجون الذي هو من المركبات الحسية وهم في وهم ، وإلا لاقتضى بطلانها بمطلق ما يصدر في أثنائها من غيرها ، وهو معلوم البطلان ، هذا.

ولكن قد يشهد للبطلان بذلك ما اشتهر في‌ جملة من النصوص (٣) « انه لا عمل في الصلاة » بناء على إرادة التشريع منه ، كما يشهد له موارد العبارات المزبورة ، ويأتي في التكفير إن شاء الله بعضها ، لكن الجزم بذلك موقوف على ملاحظة تلك النصوص واعتبارها سندا ودلالة ، فيتجه البطلان في مطلق التشريع لا الزيادة مطلقا ، كما أنه يتجه البطلان لو زاد فيها ما يخرجها عن هيئة الصلاة ويمحو صورتها ، والبطلان حقيقة فيه لذلك لا للزيادة من حيث أنها زيادة ، بل لو حصل المحو المزبور بما ثبت جواز فعله في أثناء الصلاة اتجه البطلان أيضا ، فلعل من اقتصر في إطلاق الركن على الإخلال بالنقيصة خاصة عمدا وسهوا كالمصنف وغيره لحظ ذلك ، مضافا إلى أن علاقة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الركوع.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الركوع.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب قواطع الصلاة ـ الحديث ٤.

٢٤٠